المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 22/8/2003م وفق 24 جمادي الثانية 1424 هجري


admin
05-12-2009, 06:05 PM
تاريخ الخطبة: 24 جمادي الثانية 1424 وفق 22/8/2003م
عنوان الخطبة: عمارة بيوت الله
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
الموضوع الفرعي: المساجد, فضائل الأزمنة والأمكنة
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- فضل عمارة المساجد. 2- عمارة المساجد بتشييدها والتعبد فيها. 3- المسجد الأقصى الأسير ولمحات من جراحاته. 4- ذكرى حريق المسجد الأقصى. 5- بعض معاناة المسلمين في القدس.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله عز وجل في سورة التوبة http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:18]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:114]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، إن المساجد بيوت الله في الأرض، وهي منارة للعلم وموئل للعلماء، وهي زينة الدنيا وبهجتها، وحسبها شرفاً وفخراً أن الله عز وجل قد أضافها إلى نفسه، وهي منسوبة إليه، فقد ورد في الحديث القدسي: ((إن بيوتي في الأرض المساجد، وزواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، فحق على المزور أن يكرم زائره))<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-22.htm#_ftn1).
أيها المسلمون، لقد أولى رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم عنايته بالمساجد، فأرسى أول ما أرسى قواعد مسجد قباء في ضاحية من ضواحي المدينة، وذلك حين هاجر من مكة المكرمة في طريقه إلى المدينة المنورة، وشارك في بناء هذا المسجد بيديه الشريفتين ومعه عدد من الصحابة الكرام، فكان مسجد قباء أول مسجد أسس في تاريخ الإسلام، ويمثل هذا المسجد أول عمل قام به رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة النبوية.
ثم أقام عليه الصلاة والسلام المسجد النبوي الذي هو مكان للعبادة والعلم، وكان مركزاً للدولة الفتية ومنطلقاً للرايات الإسلامية.
أيها المسلمون، يطلق على المسجد لفظ الجامع الذي تقام فيه صلوات الجمع، وذلك لأنه يجمع الناس ويؤلف فيما بينهم، فمن مهام المسجد تجميع الناس، لا تفريقهم.
وللمسجد في الإسلام حرمته واحترامه، فكلنا نحن المسلمين في ضيافة الله رب العالمين، فلا يجوز رفع الأصوات، ولا يجوز الهرج والمرج والصخب في المساجد والذي يسكن قلبه تسكن جوارحه، والذي يطمئن قلبه تطمئن جوارحه، والذي يخشع قلبه تخشع جوارحه.
أيها المسلمون، إن عمارة المسجد في الإسلام تشمل كما هو معلوم المعنى الحقيقي للإعمار في البناء والتجديد والترميم والصيانة والتنظيف، كما تشمل المعنى المجازي لإقامة الصلوات وتلاوة القرآن الكريم وحضور دروس العلم.
والعمّار في هذين المعنيين الحقيقي والمجازي أهل للثواب العظيم عند الله، وإعمار المساجد من الصدقات الجارية التي لا ينقطع ثواب الإنسان عنها بعد وفاته، فقد روى الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة))<SUP><SUP>[2]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-22.htm#_ftn2)، واستند الصحابي عثمان أثناء توليه الخلافة إلى هذا الحديث الشريف، فأجرى الإصلاحات اللازمة في المسجد النبوي، وأنقذه من الانهيار والتصدع، ووسع مساحته ليتسنى لأكبر عدد ممكن من المسلمين الصلاة في المسجد النبوي، وحصل إجماع من الصحابة على ما قام به عثمان في خلافته.
أيها المسلمون، إن الحديث النبوي الشريف الذي رواه الصحابي عثمان رضي الله عنه قد ورد بألفاظ عامة، وتشمل هذه الألفاظ من بنى مسجداً صغيراً أو كبيراً، وسواء كان ذلك من قبل الأفراد أو الجماعات أو اللجان أو الدول، وسواء كان البناء جديداً أو تجديداً أو ترميماً أو توسيعاً، ويؤكد هذا الحديث حديث نبوي آخر، ولفظه: ((من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة))<SUP><SUP>[3]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-22.htm#_ftn3) والقطاة نوع من الحمام البري الذي يعيش في الصحارى والبراري، والمفحص هو الموضع الذي تحفره القطاة في الأرض، لتضع فيه بيضها، وهو عبارة عن عش أرضي، والمعلوم بداهة أن المسجد لا يقوم عملياً على مساحة تساوي مرقد طير القطاة، إلا أنه يمكن أن تكون مشاركة الشخص في إشادة المسجد توازي مقدار مفحص القطاة في المساحة، وذلك إذا اشترك الشخص مع مئات بل آلاف الأشخاص في بناء المسجد، فهذا الحديث النبوي الشريف يعتبر من دلائل النبوة، وأن ما يقوله عليه الصلاة والسلام هو وحي يوحى، ويؤخذ من هذا الحديث روح التشجيع للناس على المشاركة الجماعية في إشادة بيوت الله من خلال التبرع بالمال، ولو شيئاً قليلاً، ومن خلال التبرع بالجهد، ولو كان ضعيفاً، ومثل ذلك في المشاريع الخيرية والعامة.
أيها المسلمون، لقد منح الله عز وجل المسلمين ثلاثة مساجد كبرى، وهي المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في بيت المقدس، وميزها عن غيرها من المساجد قول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))<SUP><SUP>[4]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-22.htm#_ftn4).
وكان المسجد الأقصى ولا يزال، أكثر المساجد اختباراً وامتحاناً ومسرحاً للأحداث، فقد سبق أن وقع الأقصى أسيراً في قبضة الصليبيين مدة تقارب المائة سنة، وحولوه إلى إصطبل لخيولهم، وذبح الصليبيون وقتئذ في باحاته سبعين ألفاً من المسلمين، كما تقول كتب التاريخ.
ويقع الأقصى في محن جديدة منذ عام1967م، وحتى الآن واليهود يدعون أن الأقصى لهم، وأنه مُقام على أنقاض هيكل سليمان المزعوم، والحركات اليهودية قد صنعت مجسماً لهيكلهم المزعوم، ويوزعونه في أرجاء العالم ظناً منهم أن هذا المجسم سيعطيهم حقاً في الأقصى.
أيها المسلمون، أمس الخميس صادفت ذكرى مؤلمة حزينة، ألا وهي ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك، ففي صباح يوم الخميس، الحادي والعشرين من شهر آب أغسطس عام 1969م، امتدت يد الغدر والحقد والتآمر، وقامت بحرق منبر صلاح الدين الأيوبي وأجزاء من سقف المسجد من الجهة الشرقية، كما شمل الحريق قبة المسجد الداخلية، بالإضافة إلى حرق عدد من النوافذ وكميات كبيرة من السجاد والبسط والمفروشات، للدلالة على أن الذين قاموا بجريمة الحرق أكثر من واحد.
وهبَّ وقتئذ أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وتمكنوا من إخماد الحريق، كما تمكنوا من إحباط مؤامرة تدويل القدس، واليوم تزداد تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشأن الأقصى، وأن لليهود حقاً فيه، ونؤكد على الموقف الإيماني بأن الأقصى للمسلمين وحدهم بحكم من رب العالمين، وأن جميع المؤامرات التي تحاك ضد الأقصى لن تغير من القرار الرباني، إنه مسرى رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلى، إنه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.



<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-22.htm#_ftnref1) رواه بنحوه البيهقي في شعب الإيمان (2943)، وابن أبي شيبة في مصنفه (34615).

[2] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-22.htm#_ftnref2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب: من بنى مسجداً (450). ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: فضل بناء المساجد والحث عليها (533).

[3] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-22.htm#_ftnref3) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/310) والبزار في مسنده (9/412). والبيهقي في سننه الكبرى (2/437). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (رواه البزار والطبراني في الصغير ورجاله ثقات) وروى هذا الحديث عن عائشة وابن عباس.

[4] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-22.htm#_ftnref4) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة (1189)، ومسلم في كتاب الحج (1397).




الخطبة الثانية
نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أتناول في هذه الخطبة نقطتين لا تزالان قائمتين، وتهم واقع المسلمين في فلسطين، وهما:
أولاً: مكتب وزارة الداخلية للمرة الثالثة، أتناول هذا الموضوع للمرة الثالثة، وذلك بسبب التطورات التي تحصل أمام مكتب الداخلية وعلى مرأى ومسمع المسئولين في هذا المكتب، فبالإضافة إلى الرشاوى والابتزاز والاستغلال، فقد حصلت عدة إسقاطات جنسية، ولا أريد أن أذكر أرقاماً تتعلق في هذه الإسقاطات حتى لا تصابوا بالصدمة والإحباط، وهل سمعتم يا مسلمون أن دوائر حكومية في العالم تكون وكراً للإسقاط الجنسي، ثم لماذا لا تحل مشكلة المواطنين في المعاملات التي تتعلق بهم من إصدار شهادات ميلاد أو تجديد هويات؟؟
إن أفراد العصابة الذين تولوا الرشاوى والإسقاطات يستغلون حاجة المواطنين لمراجعة مكتب الداخلية، وذلك حرصاً من المواطنين على إثبات مواطنتهم وحقوقهم، وحرصاً منهم على التمسك بوطنهم وأرضهم، ويتوجب على المسؤولين في الداخلية حل هذه المشكلة المفتعلة وتسهيل معاملات المواطنين، ولنا عودة إلى هذا الموضوع في خطب مستقبلية ـ إن شـاء الله ـ إن لم تحل هذه المشكلة.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، ثانياً: الاغتيالات والاجتياحات العسكرية وهدم المنازل ومصادرة الأراضي بآلاف الدونمات، هذا ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في الأرض المباركة المقدسة، ونتساءل هل هذه الممارسات الظالمة ستحل المشاكل وتقود إلى السلام؟ هل الذي يدعو إلى السلام حقيقة يقوم بمثل هذه الأعمال؟
إن التصعيد الخطير في مناطق الاحتلال يزيد من إراقة الدماء، وهل أعمال البطش والتنكيل تؤدي إلى استسلام الشعب الفلسطيني أم تزيده إصراراً وثباتاً وعناداً في المطالبة في حقه الشرعي؟؟ وهل الذي يطالب بحقه الشرعي يتهم بالتحريض والإرهاب؟؟
أيها المسلمون، قيل لنا: لماذا لا تبادر الدول العربية والإسلامية لإنقاذنا وحمايتنا؟ والذي قال هذه المقولة يدرك تماماً نوعية الأنظمة القائمة في هذه الدول حالياً، وهل يرجى منها خير حتى نطالبها؟ ولكننا نقول، وما نستطيع قوله: إن المرابطة في أرض الإسراء والمعراج واجب شرعي، وإن حماية المقدسات والدفاع عنها وعلى رأسها الأقصى المبارك واجب شرعي أيضاً، هذا هو قدرنا، وسنبقى محتفظين بالأمانة التي حملنا إياها آباؤنا وأجدادنا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.