المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 17/10/2003م وفق 21 شعبان 1424 هجري


admin
05-12-2009, 06:30 PM
تاريخ الخطبة: 21 شعبان 1424 وفق 17/10/2003م
عنوان الخطبة: هل من عودة للدين؟!
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب
الموضوع الفرعي: آثار الذنوب والمعاصي
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة
1- عقوبة الله في الجبابرة الكافرين. 2- الإعراض عن هدي الله ودينه سبب عقوبة الله. 3- دعوة للرجوع إلى دين الله وهديه. 4- المنتظر والمؤمل في مؤتمر القمة الإسلامي في ماليزيا. 5- جرائم اليهود في فلسطين.

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، لقد جعل الله هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان لجميع خلقه، فأمدهم بخيراتها، وأنعم عليهم بنعمها، وأرسل الرسل يحملون دعوة الله وهدايته، لتوجه البشرية إلى ما ينفعها في الدنيا ويقودها للفوز بالآخرة، وفق منهاج الله، الذي يقوم على توحيد الألوهية والربوبية، وبهذا لا تزيغ البشرية عن طريق الحق، ولا تنكَّب جادة الصواب، وقد نجى الله المؤمنين الذين اتبعوا دعوة رسلهم على امتداد هذه الحياة من العذاب والهلاك الذي لحق بالمعرضين والمكذبين لدعوات الرسل، لركونهم إلى الدنيا وشهواتها، لخروجهم على كل قيم الإيمان ومبادئ العدل والرحمة والإحسان.
ولقد قص الله علينا في كتابه العزيز، وقصص القرآن للعبرة والموعظة، قص علينا ما حاق بالأمم السابقة من الخزي والعذاب جزاء تمردها على الرسل وعلوها في الأرض وإفسادها فيها، فقال تعالى بحق فرعون الذي قاده غروره وعلوه وكبره إلى ادعاء الألوهية قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملاَ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ فَٱجْعَل لّى صَرْحاً لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ لاَ يُنصَرُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَأَتْبَعْنَـٰهُم فِى هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـٰمَةِ هُمْ مّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [القصص:38-42].
وهذا جزاء المفسدين في الأرض والمتكبرين والعالين والمتجبرين الذين نسوا قدرة العزيز الجبار قاصم الجبارين وقاهر الظالمين، ولو بعد حين.
أيها المسلمون يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، لقد هلكت الأمم السابقة بسبب ذنوبها وعصيانها وشيوع المنكرات فيها وإعراضها عن دعوة رسلها، بعد قيام الحجة على تلك الأمم، فالله يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الإسراء:15]، ويقول جل من قائل: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الإسراء:17]، ويبين سبحانه وتعالى أن الإيمان والتقوى منجيات للناس من الهلاك والعذاب في قوله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأعراف:96].
أيها المسلمون، إن الإعراض عن هدى الله والابتعاد عن هدي رسله والوقوع في المعاصي هي موجبات غضب الله وسخطه على الناس، وهي أسباب واضحة في إهلاك الأمم واستئصالها، فأي ذنب أهلك الأمم السابقة لم تقع فيه أمتكم الإسلامية؟ ألم تستبدل دول هذه الأمة أحكام الشريعة الغراء بأحكام الطاغوت؟ والله يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النساء:60]، ويقول جل من قائل: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المائدة:50]، ألم تتفرق أمتكم شيعاً وأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون؟ ألم يوالِ حكامها أئمة الكفر ويعقدوا معهم الأحلاف، ويعاونوهم في السيطرة على ديار المسلمين واستباحة كرامتهم؟ ألم تنتشر الفاحشة والربا والخمور والقيان، والتبرج والفجور والسفور بين نساء الأمة ورجالها؟ أما تهدد الرذيلة حصون كل فضيلة حتى أصبح المتمسك بدينه كالقابض على الجمر أو أشد؟
رحماك يا رب يا غافر الذنب وقابل التوب، نسألك غفران ذنوبنا وستر عيوبنا وأن تمن علينا بتوبة نصوح، فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
أيها المسلمون، لقد سادت أمتكم وكانت رائدة الركب، يوم طبقت منهاج ربها عقيدة وشريعة ونظام حياة، هذا المنهاج الذي رضيه الله لكم ديناً، وأتم به نعمته عليكم فقال تعالى ممتناً على هذه الأمة بتمام النعمة: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المائدة:3]، أفلا ترضون يا مسلمون بما رضيه الله لكم؟ أما آن أن تنفضوا عن كاهل أمتكم غبار هذا الذل، جراء البعد عن منهج الله، أما آن أن تتأسوا بقدوتكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بدأ دعوته وحيدا ولم يمضِ وقت طويل حتى انتشر الإسلام وقامت دولته الأولى في المدينة المنورة، وحمله الخلفاء من المسلمين إلى بقاع الدنيا، نورا وهداية للعالمين ورحمة للخلق أجمعين.
فلا صلاح لآخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها، ونحن أمة أعزنا الله بالإسلام فلا عزة لنا بغيره، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان متأسياً فليتأسَ بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على المستقيم).
ورسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم يقول: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله))<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-10-17.htm#_ftn1)، والله يدعوكم إلى الصراط المستقيم: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:153]، فهل من معتبر؟ وهل من مدكر فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وادعوا الله وأنتم موقنون بالاستجابة.



<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-10-17.htm#_ftnref1) أخرجه مالك في الموطأ بلاغًا (1661)، ووصله الحاكم في المستدرك (1/93) وابن عبد البر في التمهيد (24/331) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: "هذا محفوظ معروف مشهور عن النبي http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد" وصححه الألباني في صحيح الجامع [2937].




الخطبة الثانية
الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أمرنا الله بأمر ابتدأه بنفسه، وثنى بملائكة قدسه، فقال الله تعالى، ولم يزل قائلاً عليماً: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:56]، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن جميع الصحابة والقرابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: أيها المسلمون، يختتم قمة المؤتمر الإسلامي العاشرة في ماليزيا، هذه القمة التي جمعت ما يزيد عن خمسين دولة من دول العالم الإسلامي، والناظر إلى جدول أعمال هذه القمة يخيل إليه أن مقررات وتوصيات ستصدر عن هذه القمة تعالج بعضاً من مشاكل الأمة، وما أكثر مشاكل الأمة في هذه الحقبة التي ابتعدت فيها أمتكم عن سر قوتها وعزتها، وفقدت وحدتها، مع أنها تملك من أسباب القوة وعوامل الوحدة ما لا يتوفر لأمة غيرها، فدينها الإسلام، ودستورها القرآن، وقائدها ورسولها محمد عليه الصلاة والسلام.
إننا على يقين بأن قرارات هذه القمة وتوصياتها وبياناتها ستبقى حبراً على ورق ولن تجد سبيلاً للتنفيذ مادامت دول هذه القمة لم تتخذ من الإسلام منهاجاً لحياتها، ومن القرآن دستوراً لحكمها.
فقد غاب عن القمة خطاب أول خليفة للمسلمين حيث قال مخاطباً الأمة: (أيها الناس، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، فالضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، أطيعوني ما أطعت الله رسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم).
كما غابت عن القمة نخوة المعتصم وعزة الرشيد وعزيمة صلاح الدين، وحرص السلطان عبد الحميد على الأرض المقدسة ومقدساتها.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض ديار الإسراء والمعراج، هلا كانت هذه القمة بمستوى الأحداث الجسام التي تمر بها شعوب الأمة الإسلامية في العراق وفلسطين والصومال والشيشان والفلبين وغيرها من أقطار الديار.
إن ما يجري في هذه الديار المباركة يكفي لاستنهاض الأمة ومراجعة مواقفها وأحوالها، وإيقاظها من سباتها، لقد وصل الأمر ببعض الجهات الدولية أن وصفت ما جرى من اجتياح لمدينة رفح بأنه جريمة حرب، قتل فيها الأبرياء وشرد المواطنون من بيوتهم، وأصبحوا دون مأوى بعد هدمها، ولم يتوقف العدوان الإسرائيلي على أبناء شعبنا عند هذا الحد، فالحصار ومنع التجول والقتل والاغتيال وتقطيع أوصال المدن والقرى والأرياف ومنع المواطنين من الوصول إلى أعمالهم ومدارسهم ومزارعهم، والاستمرار في بناء المستوطنات وجدران الفصل العنصري، أصبح ذلك كله ممارسات يومية للاحتلال الإسرائيلي، زد على ذلك إجراءات الإبعاد بحق بعض مواطني الضفة الغربية إلى قطاع غزة، في إجراء تعسفي ضد حقوق الإنسان وحقه في الحياة بين أهله وذويه ومنعه من ممارسة أبسط حقوقه الإنسانية.
اللهم إليك نشكو ظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فإنهم لا يعجزونك.
فمزيداً من الصبر والثبات والرباط يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:200].
اعلموا ـ أيها المسلمون ـ أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، ولن يغلب عسر يسرين.