المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 28/11/2003م وفق 4 شوال 1424 هجري


admin
05-12-2009, 06:41 PM
تاريخ الخطبة: 4 شوال 1424 وفق 28/11/2003م
عنوان الخطبة: جولة في واقعنا المرير
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة
1- مقارنة بين أحوالنا وأحوال سلفنا. 2- صفحات مضيئة في تاريخنا العظيم. 3- التتار يعودون من جديد إلى بغداد. 4- جدار الفصل العنصري جريمة يهودية جديدة على أرض الإسراء. 5- صمود وثبات شعب فلسطين المسلم. 6- التحذير من الاقتتال بين أبناء فلسطين.

الخطبة الأولى
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifمَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [فصلت:46].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ما هي صورة أعيادنا في هذه الأيام مقارنة بصورة أعياد سلفنا الصالح؟ فإن المتتبع لتاريخ الأمة الإسلامية يجد فرقاً شاسعاً وبَوناً واسعاً بين ما كان عليه سلفنا الصالح في رمضان وفي أعيادهم، وبين ما نحن عليه في هذه الأيام، فقد كان رمضان دائماً عند سلفنا الصالح شهر عزة وانتصارات وفتوحات وجهاد، وأصبح اليوم عندنا شهر استحواذ واستجداء من قوى الكفر والظلام، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ألم تكن بدر في شهر رمضان المبارك!! وهي أول لقاء بين الكفر والإيمان، وانتصرت فيه القلة القليلة على الكثرة الكثيرة التي جاءت بشركها وشركائها وأحلافها تحارب الله ورسوله، فكان النصر المبين للمسلمين ولقيادتهم الحكيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:126].
فقد حاول الشرك ـ أيها الإخوة ـ أن يقضي على المؤمنين في المدينة المنورة، فحاصرها يوم الأحزاب، وانفضت الأحزاب ولم تحاصر المدينة بعد ذلك أبداً، بل انطلق جند الإيمان بجزيرة العرب يفتحون مكة المكرمة في شهر رمضان.
وفي العام الثامن من الهجرة الشريفة، دانت الجزيرة العربية بعد فتح مكة، وأصبحت الوفود تتوافد على نبينا عليه الصلاة والسلام من جميع أقطار هذه الجزيرة معلنة إسلامها وإيمانها واتباعها للحق الذي أنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة وأفضل التسليم، وكان ذلك الفتح المبين والنصر العظيم، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوٰجاً http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوبَاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [سورة النصر].
وبعد ذلك ـ أيها الإخوة في الله ـ انطلقت جيوش المسلمين في ظل الخلافة الراشدة تفتح بلاد الشام وبلاد العراق وما وراء النهرين، وتصل دولة الإسلام إلى حدود الصين شرقاً، وإلى المحيط الأطلسي غرباً، حتى إن قائدها خاض مياه المحيط بفرسه وهو يقول: "اللهم لو كنت أعلم أرضاً بعد هذا البحر لخضته مجاهداً في سبيلك".
واليوم ـ أيها المؤمنون ـ تصبح بلاد العرب بل وديار المسلمين قواعد للكفر والكافرين للقضاء الإسلام وأهله، ألم يقرؤوا قول الله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:217]، إن الغزو الذي يشهده العالم الإسلامي اليوم وفي رمضان وفي هذه الأعياد التي تذكرنا بالماضي المجيد، إنها حرب على الإسلام وأهله وحرب على ديار الإسلام، مهما حاولوا أن يجملوا صورة هذه الحرب بالمصطلحات الرنانة أو المصطلحات المطاطة، فهم حينما يحاربون الإسلام، ويقولون: نحن نحارب الإرهاب، وأي إرهاب أكبر من قتل الأطفال والنساء والشيوخ في العراق وفي أفغانستان، وهنا في فلسطين؟ حتى في يوم العيد يُقتل شهيد، طفل لم يجاوز عمره تسع سنوات، هل كان هذا الطفل إرهابياً حتى يقتل؟!! أما كانت براءة الطفولة تدفعه للعب والمرح والشعور ببهجة العيد، إن كان للعيد في هذه الديار بهجة!.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون في كل مكان، إن المتتبع أيضاً لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم ولجهاد المسلمين خلال فترة التاريخ الإسلامي، يوم كانت دولتنا واحدة، يوم كان خليفتنا يحكم بكتاب الله، ويسير على سنة رسول الله كانت هي المبادرة دائماً لرد العدوان والمعتدين، ألم تفتح عمورية جراء اعتداء الروم على أطراف دولة الخلافة الإسلامية، ويصر المعتصم ـ الذي غاب من بين حكامنا اليوم ـ أن يفتح هذه المدينة، تلبية لنداء امرأة قالت: "وا معتصماه".
ألم يُهزم مغول العصور السابقة في عين جالوت في هذه البقاع الطاهرة، في هذه الديار يوم بادر المسلمون بقيادة قطز وبيبرس، وخاضوا المعركة تحت شعار التوحيد، لم يخوضوها باسم القومية ولا باسم الإقليمية ولا باسم الاشتراكية ولا باسم الديمقراطية ولا باسم العروبة ولا بأي اسم آخر، بل خاضوها تحت شعار التوحيد "وا إسلاماه".
وكان النصر بجانبهم، وكان تأييد الله حليفهم، ورد المغول على أعقابهم بعد أن كانوا دمروا حاضرة الخلافة الإسلامية، بغداد، التي ألقوا بكتب دار الحكمة وبكل مكتباتها في مياه دجلة، حتى اسودت المياه من حبر حضارة المسلمين وعلومهم، وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد نهبت مكتبات عاصمة الرشيد جراء الغزو البربري وغزو مغول العصر في هذه الأيام، ألم تنهب المتاحف! ألم تنهب الجامعات! ألم تدمر حضارة العراق، تلك الحضارة الممتدة من يوم الفتح الإسلامي الأول إلى يومنا الحاضر!! نهبت ودمرت تحت أي مسمى، تحت استيراد الديمقراطية لأولئك الذين قدموا على طائرات ودبابات أمريكا وحلفائها، ليصنعوا للعراق حرية!! فكان من بركات حكمهم في هذه الأيام أن عيّد العراق ثلاثة أيام مختلفة بعيد الفطر السعيد.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون في كل مكان، يجب أن تسمى الأمور بمسمياتها، فلا يجوز أن تدغدغ عواطف الأمة بالشعارات البراقة، فالغزو هو الغزو، والاستعمار هو الاستعمار، والاحتلال هو الاحتلال، الغاية منه السيطرة على ديار الإسلام والمسلمين وفرض الأمر والواقع على ديارهم ونهب مقدراتهم، الغزو مهما حاول أن يجمل صورته، فهو في الصورة القبيحة دائماً.
وإن ما يجري في العراق أكبر شاهد على بشاعة الغزو والاحتلال، وما يجري عندنا هنا في هذه الديار المباركة أرض الإسراء والمعراج، أرض القبلة الأولى للمسلمين ديار المسجد الأقصى المبارك، ثالث مسجد تشد إليه الرحال بوابة الأرض إلى السماء، ماذا يجري في هذه الديار؟ حصار، إغلاق، قتل وتشريد، بناء لجدار الفصل العنصري، الذي يمثل النكبة الثالثة لفلسطين، إذا كان عام 1948م عام النكبة الأولى العام الذي شرد فيه الفلسطينيون من أرضهم وديارهم أرض آبائهم وأسلافهم، ثم تبعتها النكبة الثانية التي سميت ـ زوراً وبهتاناً ـ بالنكسة.
النكبة الثانية التي اكتمل فيها احتلال فلسطين ووقوع القدس ومسجدها الأقصى المبارك أسيرة الاحتلال وأراضٍ عربية لا زالت ترزح تحت نير الاحتلال في الجولان السوري.
وهذه النكبة الثالثة التي تتمثل في هذا الجدار العنصري الذي يمزق ما تبقى من أرض الضفة الغربية، هذه النكبة أشد وطأة من سابقاتها، ما زالت دول العروبة ومعها دول منظمة المؤتمر الإسلامي تحلم بالشرعية الدولية وتحلم بالحلول السلمية، مع أن العدو لا يعطي للحلول السلمية بالاً، ولا يقيم لها وزناً ما دامت أحول أمتنا تشبه أحوالها يوم دخل المغول بغداد، ويوم جاء الصليبيون إلى هذه الديار، وصيّر الله لها صلاح الدين والدنيا، فحررها، وأعاد لها بهجة الإيمان وعزة الإسلام، ورحم الله القائل:
المسجد الأقصى له آيـة سارت فصارت مثلاً فاخرا
كلما غدا للكفر مستوطناً أن يبعـث الله لـه ناصرا
اللهم نسألك نصرك الذي وعدت، اللهم مُدنا بمددك يا رب العالمين، ورد المسلمين إلى جادة الصواب، اللهم وحد قلوبهم، ووحد رايتهم، ووحد حاكميهم حتى يخوضوا في سبيل دعوتك الجهاد والمعارك التي تعيد للأمة عزتها، وللمسلمين كرامتهم، إنك يا مولانا على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها))<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-11-28.htm#_ftn1)، أو كما قال.
فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-11-28.htm#_ftnref1) أخرجه مسلم في الفتن (2889).




الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
واعلموا ـ أيها المؤمنون ـ أن الله أمر أمراً ابتدأ به بنفسه وثنّاه بملائكة قدسه، فقال جل وعلا ـ ولم يزل قائلاً عليماً ـ: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:56]، لبيك، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن سائر القرابة الصحابة والتابعين وارض اللهم عن عمي نبيك اللابسين من التقوى أفضل لباس، الحمزة والعباس، وارض اللهم عن سيدي شباب الجنة، الحسن والحسين، وأمهما فاطمة الزهراء، وارض اللهم عن سائر أزواج نبيك وأمهات المؤمنين، وعن جميع الأنصار المهاجرين والقرابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة المرابطون في هذه الديار المباركة، إن صبركم وثباتكم وصمودكم وتشبثكم بأرضكم ووطنكم والحرص على مقدساتكم هي أكبر مقومات الصبر والثبات والنصر في هذه الديار المباركة، لقد أذهل صمودكم، ليس العدو وحده، بل أذهل العالم، فبإمكانياتكم المحدودة قهرتم جيش الدفاع الذي لا يقهر، حسب مقولة الإسرائيليين، بثباتكم أيها الإخوة فوتُّم كل المخططات الرامية إلى تصفية هذه القضية المقدسة، قضية أرض الإسراء والمعراج.
فمزيداً من التعاون والتكاتف، وانبذوا الفتنة من بينكم، واحرصوا أن يكون الدم في هذه الديار المقدسة دما محرماً إراقته بين الإخوة.
أيها المؤمنون، فإنه كما ورد عن حبيبنا الأعظم صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا، وأشار إلى صدره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم))<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-11-28.htm#_ftn1)، فإذا كان احتقار المسلم يخرج الإنسان من الدين والعقيدة، فكيف بقتل المسلم، احرصوا أن تكونوا صفاً واحداً كما أرادكم رسول الله، الفئة الصابرة والمجاهدة حتى يأتيها نصر الله، فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قلنا: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس))<SUP><SUP>[2]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-11-28.htm#_ftn2).
أيها المسلمون، أذكركم بسُنّة كريمة ثوابها جزيل وأجرها عظيم، وهي الصيام في شهر شوال، فقد جاء في الأثر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كمن صام الدهر كله))<SUP><SUP>[3]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-11-28.htm#_ftn3)، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا منكم الصلاة والصيام والقيام وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-11-28.htm#_ftnref1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-11-28.htm#_ftnref2) رواه أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة (21816) قال الهيثمي: رواه عبدالله وجادة عن خط أبيه والطبراني ورجاله ثقات. مجمع الزوائد (7/288).

[3] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-11-28.htm#_ftnref3) أخرجه مسلم في الصيام (1164).