المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 12/3/2004م وفق 21 محرم 1425 هجري


admin
05-13-2009, 09:44 AM
تاريخ الخطبة: 21 محرم 1425 وفق 12/3/2004م
عنوان الخطبة: من للأقصى المبارك؟!
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة
1- العولمة والغزو الاستعماري الجديد. 2- صورة مشرقة من عطاء المسلمين في التاريخ. 3- حاجة المسلمين للاستمساك بالقرآن الكريم. 4- خذلان المسلمين لإخوانهم في فلسطين.

الخطبة الأولى
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifمَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [فصلت:46].
أما بعد: فيقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الإسراء:9].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، في الوقت الذي تتسابق فيه أمم العالم على ترويج ثقافاتها وأساليب حكمها لشعوبها، وتحاول تعميم تلك الثقافات وهذه الأساليب من الحكم على شعوب العالم ودوله، تقف الأمة الإسلامية على مفترق الطرق، لا بل على هامش ما يجري من أحداث في هذا العالم، مع أن كثيرًا من هذه الأحداث تستهدف المسلمين وديارهم وثقافتهم ودينهم، ولعله من فظائع الأشياء أن يحاول القوي فرض ثقافته وأسلوب حكمه على الضعيف والمغلوب، ولم يبقَ في الوقت متّسع وفي القوس منزع أن يظلّ المسلمون بعيدين عن مجال التأثير في هذه الأحداث، وهم يملكون ما يقوِّم أحوالهم، ويحصّن أخلاقهم، ويجمع شملهم، ويرسم سبيل العزة وطرق النهضة لأمتهم، ويقربهم إلى استئناف نظام الحكم الإسلامي، هذا النظام الشامل لكل مناحي الحياة، والذي يحدّد صلة الإنسان بخالقه والكون والإنسان، فبهذا النظام الرباني أقام المسلمون دولتهم على مبادئ الحق والعدل والتسامح واحترام كرامة الإنسان، دون النظر إلى دينه وعرقه وجنسه.
فكان المسلمون بهذا النظام مثالاً لهبة الخالق ورحمته للعالمين، منهاج خلفائهم: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"، ورسالة جندهم: "بعثنا الله لنخرج من شاء من العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام"، وبقيت أمتكم كذلك إلى أن نُحّي الإسلام عن سدّة الحكم وألغيت دولة الخلافة.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لقد اكتوت أمتكم بعد زوال الحكم الإسلامي بنار الاستعمار وظلم الاحتلال الذي قسم العالم الإسلامي وفق مصالحه إلى دويلات وإقليميات، تتقاذفها النعرات العرقية والنزوات الطائفية، بعد أن عاث فسادًا في مناهج التعليم، وأقصى المخلصين من أبناء الأمة عن الصدارة، وحارب كل من دعا إلى مقاومته أو نبذ أشكاله، وخرج من البلاد مخلفًا عليها صنائعه لتدخل في مرحلة الاستقلال.
وفي هذه المرحلة ترعرعت شعارات القومية والتقدمية والاشتراكية والعمل المشترك، وظهرت الهيئات الإقليمية كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد تراجعت كل تلك الشعارات وبان عوارها، وفقدت الأمة هيبتها، وأصبحت أوطانها إما محتلة، وإما برسم الاحتلال وفق إرادة الاستعمار.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وفي هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأمة لا زالت الأمة عاجزة أو حائرة في اختيار الطريق الذي ينقذها من أوحال التخلف، ويرسلها إلى بر الأمان بعيدًا عن مشاريع الإصلاح القادمة مع عسكر الاستعمار الحديث، وكأنها قدر محتوم لا تملك الأمة وشعوبها وحكامها الفرار منه.
ولنا أن نتساءل: أما آن لأمتنا ـ التي أنهكها البحث عن التقدم بتجربتها لكل وافد من خارج ثقافتها وأرضها ـ أن تعيد النظر مجددًا في مقومات وجودها، وتأخذ بكتاب ربها الذي يدعوها للتي هي أقوم، ويبشرها بالفلاح في الدنيا، والفوز في الآخرة؟!
إن هذا الهدى لا يحده الزمان ولا المكان، فما صلح عليه الأوائل كفيل بإصلاح الأجيال في هذا الزمان، حيث العقيدة الحية التي تطلق الروح من أسفار الوهم، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء من أجل الأمة.
إن هذا الهدى يقود للتي هي أقوم علاقات الناس بعضهم ببعض أفرادًا وأزواجًا وحكومات وشعوبًا ودولاً وأجناسًا، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الراسخة التي لا تتأثر بالهوى ولا تحكمها المصالح الآنية، إنها الأسس الإيمانية التي بينها القرآن وأقامها قيوم السماوات والأرض، هو العليم بخلقه فيما يصلح لهم في كل وقت وفي كل جيل، ويهديهم للتي هي أقوم في نظام الحكم ونظام المال ونظام الاجتماع ونظام التعامل الدولي اللائق بكرامة الإنسان.
إن أمتنا التي تملك هذا الهدى لجديرة أن تبني كيانها وتصون عقيدتها وتحمي شعوبها وتفرض مكانها في هذا العالم الذي لا مكان فيه للضعفاء، يوم غابت عنه عدالة السماء وتقاذفته المصالح والأهواء.
ولله در القائل:
إني لأعلم أن ديـن محمـد لا يرتضي للمسلمين هوانا
إن الخلود لمن يموت مجاهـدا ليس الخلود لمن يعيش جبانا
جاء في الحديث الشريف عن أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي! فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم))، أعوذ بالله أن نفتتن في ديننا أو أن نرد على أعقابنا. أو كما قال.
فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.


الخطبة الثانية
الحمد الله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، يحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أمرنا باتباع القرآن والعمل بهديه، وقال عليه الصلاة والسلام: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله)). اللهمّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
وبعد: أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، عشية انعقاد القمة العربية أواخر هذا الشهر في تونس يزداد العدوان الإسرائيلي على شعبنا المرابط شراسة ودموية، في ظلّ صمت عربي واستهتار دولي، لا يرتفع صوته في وجه العدوان إلا على استحياء، كأن يوصي أن لا يُفْرط جيش الاحتلال في استعمال القوة الزائدة بين المدنيين الفلسطينيين الذين يدمّر مخيماتهم ويحصد أرواحهم. لقد كان هذا بعد أن حصد الاحتلال خمسة عشر شهيدًا في مخيمات غزة بينهم الأطفال والنساء، وبعد ذلك اقترف مجزرة في جنين كانت من شهدائها امرأة ترعى رضيعها، فهل كانت أم الرضيع تشكل خطرًا على الأمن الإسرائيلي؟!
إنه الاحتلال الذي يئس من السيطرة على شعبنا الصابر المرابط، ويئس من كسر إرادة هذا الشعب، راح يتخبط في ممارساته، فتارة يسرّع بناء جدار الفصل العنصري الذي لن يحقق الأمن، الذي سيسقط أمام إصرار شعبنا على نيل حقوقه، وتارة يعلن الانفصال عن غزة بإخلاء المستوطنات وسحب جيش الاحتلال، ولكنه يبحث عمن يضبط الأمن في الأرض التي ينسحب منها، فعن أمن من يبحث الاحتلال؟!
يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن شعبنا الذي بدأ نضاله منذ ما يزيد عن مائة سنة قادر على تصريف شئونه وحفظ أمن وطنه ومواطنيه، ولن يفتح مجالاً لذوي النفوس المريضة وعصابات السطو على أموال الشعب وأعراضه أن يُذهبوا تضحيات شعبنا في الوصول إلى الحرية واندحار الاحتلال.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن ما ينبغي أن يكون على جدول أعمال القمة البحث في الوسائل التي تحمي شعبنا من مجازر الاحتلال، وتعينه على الثبات والصمود والاستمرار في الحفاظ على أرضه وقدسه ومقدساته، فقد ندب هذا الشعب نفسه مدافعًا عن كرامة الإسلام والمسلمين، يدافع عن القدس التي يطوقها جدار العزل، ويفصلها عن سائر الأرض الفلسطينية، ويحول الاحتلال دون وصول المصلين إلى مسجدها الأقصى تحت ذرائع واهية، إمعانًا في إخلاء المسجد، بل والقدس من أهلها الشرعيين لتحقيق مخططاته في بناء الهيكل بعاصمة إسرائيل الأبدية على حد زعم الاحتلال.
ومن هذا المنطلق نهيب بإخوتنا في هذه المدينة المقدسة بضرورة التمسك بعقاراتهم وإعمارها والسكن فيها، وعدم الوقوع في براثن سماسرة السوق الذين يعملون على تسريب الأرض والعقارات للمستوطنين ولمدارسهم الدينية لتكثيف الاستيطان في قلب هذه المدينة المقدسة.
فكونوا ـ أيها الأهل، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج ـ على مستوى المسؤولية في المحافظة على أرضكم وقدسكم ومقدساتكم ومقدرات أمتكم إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، ولينصرنّ الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز.