المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 26/3/2004م وفق 5 صفر 1425 هجري


admin
05-13-2009, 09:47 AM
تاريخ الخطبة: 5 صفر 1425 وفق 26/3/2004م
عنوان الخطبة: استشهاد الشيخ أحمد ياسين
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم
اسم الخطيب: يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

ملخص الخطبة
1- جريمة يهودية جديدة. 2- المؤامرة على فلسطين وسط تواطؤ العملاء وتقاعس المسلمين. 3- رسالة لمؤتمر القمة العربي. 4- الاستبشار بنصر الله القادم. 5- التفكر والادّكار بحادثتي قتل عمر وعثمان رضي الله عنهما. 6- الجنود اليهود المحاصرون للأقصى أكثر من عدد المصلين فيه.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تبارك وتعالى، واعلموا أنكم في دنيا فانية، وأن الدار هي الدار الآخرة، هي الدار الباقية.
أيها المؤمنون، يأتي التصعيد الإسرائيلي الأخير غاية في الانتقام والإذلال لشعبنا وعلى جميع المستويات قيادة وكوادر ومؤسسات، اغتيال الشيخ المجاهد أحمد ياسين رحمه الله تبارك وتعالى رحمة واسعة بعد تأديته لصلاة الفجر في يوم الاثنين الماضي، وهو خارج من بيت الله تبارك وتعالى، لقد نال الشهادة، وطالما تمناها، لقد صدق الله تبارك وتعالى فصدقه كما نحسبه، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifمّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:23].
إن صليتَ الفجر في جماعة فأنتَ في ذمة الله وفي رعايته وفي عنايته، بشرك نبينا http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif بقوله: ((بشروا المشائين في الظُلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)). لقد جمع رحمه الله الفضائل كلها، صبر على البلاء والضراء، نال ـ كما نحسبه ـ وسام الشهادة والصلاة في الجماعة في وقت واحد، فهنيئًا له ولجميع رفقائه الذين استشهدوا غيلة وغدرًا وظلمًا وعدوانًا.
عباد الله، ما كان لهذا الاغتيال ولا لهذه الجريمة الحاقدة أن تكون إلا لوجود زمرة من العملاء الخونة الذين باعوا أنفسهم للشيطان بثمن بخس، دراهم معدودة، لقد فرطوا في دينهم، وباعوا وطنهم، باعوا عرضهم وشرفهم وكرامتهم، فرطوا بقدسية وطنهم، وضحوا بأرواح الأبرياء والشرفاء من أمتهم.
تيقنوا ـ أيها المؤمنون ـ أنها ستكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون.
ما كان لهذا العدوان الآثم أن يكون لولا تقاعس زعمائكم عن نصرتكم ونصرة قضاياكم والدفاع عنكم، ليس في أرضنا المباركة فقط، وإنما في العراق، في كشمير وأفغانستان، وفي كل مكان.
ما كان لهذا العدوان أن يكون لولا تخاذل حكامكم، بل تآمر بعضهم لضرب الإسلام والمسلمين، إرضاء للطاغوت الذي يرفع راية الإرهاب لمحاربة المسلمين، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:217].
أيها المؤمنون، إن توقيت اغتيال الشيخ رحمه الله تعالى إنما يتزامن مع انعقاد مؤتمر القمة العربية نهاية الشهر الحالي، هذا له عدة دلالات، فهي رسالة واضحة لزعمائكم، إن إسرائيل بإمكانها أن تفرض سياساتها وتنفذ تهديداتها ضد الشعب الفلسطيني في كل زمان ومكان، وإن قادة العرب جميعًا لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا سوى إصدار بيانات الشجب والاستنكار، ألم يتعهدوا لأمريكا أن يعملوا كل ما بوسعهم من أجل فرض السلام وتعزيزه في المنطقة ولو كان ذلك على حساب شعوبهم وكرامتهم؟! فهل يفيق زعماؤكم من سباتهم؟! ولا نقول: من نومة أهل الكهف لأن نومة أهل الكهف كانت برعاية الله تبارك وتعالى.
وهي رسالة واضحة لشعبنا المرابط الصابر في أرضنا المباركة أنه لا كرامة لأي منا عندهم على الإطلاق، ومن هنا يتوجب علينا أخذ الحذر والحيطة واليقظة، أن نكون أمة كما أرادنا الله تعالى، أليس هو القائل: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنفال:46]؟!
أيها المؤمنون، إن استخدام أمريكا لحق النقض (الفيتو) ضد قرار دولي يدين إسرائيل لاغتيالها الشيخ ياسين لم يكن مفاجئًا لأحد، غير أنه دليل آخر على أنها تمارس سياسة التواطؤ المكشوف لصالح حليفتها، ويؤكد هذا الموقف للعالم أجمع وللاهثين وراء الحلول الأمريكية أنها ليست راعية للسلام، وإنما راعية للإرهاب الدولي، كما يؤكد هذا الموقف أنها تعطي الضوء الأخضر لاستمرار سياسة الاغتيالات ضد أبناء شعبنا وتجرّ المنطقة إلى دوامة عنف لا تنتهي.
لقد قلنا في خطبة سابقة: إن السلام الذي لا تدعمه قوة هو استسلام بعينه، إسرائيل وحدها التي لها الحق في القتل والاغتيال وهدم المنازل واقتحام المدن وتشريد الأبرياء، وأنتم ترونهم يتباهون بسياسة التصفية والاغتيال، فعلينا أن ندرك تمامًا أن المعركة هي معركة عقيدة، ومعركة وجود. ويجب أن يكون معلومًا أنه على القادة وأصحاب المسؤولية أن يؤمِّنوا الأمن والأمان لشعوبهم، لأن الرعية مسؤولية كبرى، وهي أهم بكثير من الحفاظ على مقاعد الحكم.
إن الأيام القادمة ستشهد مزيدًا من التصعيد الإسرائيلي، غير أن تباشير النصر آتية لا محالة، فالنصر صبر ساعة، وأما العدو الغادر المغرور بباطله فسوف يندحر بجحافله مهما أوتي من وسائل القوة ونفوذ السلطان؛ لأن جنده وأعوانه من أولياء الشيطان، فهو يعِدُهم ويمنّيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا.
إن الشعوب الإسلامية المغلوبة على أمرها ستفيق من سُباتها، وتحطم أغلال الذل والقهر والانكسار، وستعمل على إقامة حكم الله تبارك وتعالى في الأرض، وعندئذ تشرق الأرض بنور ربها، ويفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. لقد آن الأوان لأمنتا أن تفهم أنه لا خلاص ولا مناص من حالة الوهن والضعف إلا بالعودة إلى الله تعالى، فهو وحده القادر على نصرتكم.
عباد الله، ورد في الحديث الصحيح عن أُبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((بشِّر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب))، أو كما قال http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد الله الذي اصطفى خير عباده، وأمر كل واحد منا أن يدافع عن دينه وبلاده، نحمده تعالى حمد من خشيه واتقاه وحفظ دينه ووقاه، وابتعد عمن خالفه وعصاه، ونشهد أن لا إله إلا الله، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله، ولا شيء بعده، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون. ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله القائد إلى النصر والظفر، قاهر الأعداء للنجاة من الخطر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى سُنته إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون، هذه برقية نطلقها مدوية من هذه الرحاب الطاهرة إلى ملوك وزعماء العرب الذين سيجتمعون في تونس في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، نقول لهم:
أيها القادة، اتقوا الله في فلسطين المسلمة، اتقوا الله في شعبها الصابر المرابط، كونوا عونًا له، ولا تكونوا كما أنتم الآن عليه، لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزُبى، إسرائيل تتمادى في طغيانها وعنادها وفجورها، فأنتم مطالبون اليوم أمام الله تبارك وتعالى ثم أمام شعوبكم أن تنهضوا من سباتكم، وأن تعودوا إلى رشدكم، وأن تعلموا أن الحق بدون قوة تحميه يسهل التفريط فيه وإضاعته، وشعبنا المؤمن صاحب حق وصاحب أرض مباركة، وحّدوا صفوفكم، ولُمُّوا شعثكم، واتخذوا قرارات تكون بحجم المسؤولية وحجم المعاناة، اعملوا على تحكيم شرع الله في كل ما يصدر عنكم، حاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم الله تبارك وتعالى، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وأنتم أيها المؤمنون، تذكروا أن الابتلاء درس وعظة لتسديد الخطوات ولتدقيق النظر في النفس لإصلاحها، وفي الأخطاء لتصحيحها، تيقنوا من وعد الله لكم بالنصر، ألم تقرؤوا قول الله تبارك وتعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الصافات:171-173]. إن الأعداء الألداء قتلوا الأبرياء وشردوا الأطفال والشيوخ والنساء، واستولوا على الديار بالتقتيل والتمثيل والتشنيع، هم كالوحوش الضارية لا يعرفون للإنسانية معنى، ولا للرحمة مغزى.
فأبشروا ـ أيها المؤمنون ـ برضوان الله، فالمستقبل لنا إن شاء الله، فعدوكم سوف يتقهقر، سوف تبدد جموعه، فيتفرق أجزاء، ويتبعثر أشلاء، ويتلاشى تهديده، ويبور وعيده، إن الظلم لا يدوم، لا هو ولا أهله، فدولة الظلم ساعة، ودولة العدل إلى قيام الساعة.
إننا ندعو أمتنا في مشارق الأرض ومغاربها أن يجلسوا مع أنفسهم ليعتبروا، فمن الذي طعن عمر رضي الله عنه وهو يصلي الفجر بالمسلمين إمامًا؟! عمر رجل قال فيه النبي http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((سيبكي الإسلام على موتك يا عمر، وأنت سراج الإسلام يا عمر)).
أمير المؤمنين عمر رأى في المنام رؤيا، استمعوا إلى رؤيا عمر، فقد صعد المنبر ذات يوم وقال: لقد رأيت في المنام كأن ديكًا نقرني ثلاث نقرات، ولا أرى ذلك إلا دنو أجلي. خذوا العبرة ـ يا أمة الإسلام ـ من رؤيا عمر، وحُمل عمر إلى بيته والدماء تنزف منه، والإسلام لا يحب أن يرى الدماء إلا في ميدان القتال ضد الملحدين والمشركين لإعلاء كلمة الله.
وحكم عثمان الرجل الذي تستحي منه الملائكة، ولكن الحقد لم يهدأ في قلوب المجرمين، قتلوه وهو يقرأ المصحف الشريف، وسال دمه الزكي على قوله تبارك وتعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:137]، كان رضي الله عنه صائمًا، ورأى النبي في المنام فقال له: ((إنك اليوم تفطر عندنا يا عثمان)).
اسألوا التاريخ يا عباد الله: لماذا قُتل عمر؟! اسألوا التاريخ: لماذا قُتل عثمان؟! اسألوه: بأي ذنب قتلا؟! بلا ذنب، ولكنه الحقد الأعمى على الإسلام والمسلمين، فكفانا لهوًا وغفلة عن الله تبارك وتعالى، إن الناس يجِدُّون، ونحن غافلون، إن المعسكرين المعاديين دخلا عصر الوفاق، لا بل أقول: دخلا عصر العناق، ونحن في شتات، نحن في فرقة.
ومن هنا نستنكر وإياكم وجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إغلاق المسجد الأقصى المبارك أمام المصلين، لماذا ـ يا سلطات الاحتلال ـ بين كل جمعة وأخرى تغلقون المسجد؟! لماذا لا تغلقون أماكن العبادات أمام اليهود أو النصارى؟! لماذا تغلقون المساجد أمام المسلمين، فجيوشكم تحاصر المسجد من كل ناحية؟!
إنني أعلنها لوسائل الإعلام أن عدد جنود الاحتلال الذين يقفون حول المسجد هو أضعاف عدد المصلين الآن، هذه هي الحقيقة، هذا هو الحق الذي يجب أن يقال، كفاكم ما قال الله فيكم: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:114].