المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 14/5/2004م وفق 25 ربيع أول 1425 هجري


admin
05-13-2009, 10:10 AM
تاريخ الخطبة: 25 ربيع أول 1425 وفق 14/5/2004م
عنوان الخطبة: واجب نصرة المسلمين
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- حق المسلم المستجير على إخوانه المسلمين. 2- فضيحة تعذيب الأسرى العراقيين علامة سقوط النظام الغربي الرأسمالي. 3- نداء للحكام المسلمين بنصرة المستغيثين الملهوفين. 4- التحذير من خذلان المسلمين. 5- الجرائم اليهودية الجديدة في فلسطين والأقصى خصوصًا.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:6]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، يا أحباب الله، يفهم من هذه الآية الكريمة أنه إذا طلب أحد من المشركين النصرة والحماية من المسلمين فينبغي حمايته والدفاع عنه حتى يسمع كلام الله وحتى يصل إلى المكان الآمن له، فما بالكم ـ يا مسلمون ـ إذا كان المستجير مسلمًا، إذا كان الذي يطلب النصر والحماية مؤمنًا؟! أليست نصرته من باب أولى واجبة؟! أليس من الواجب أن نقدم للمستجير الحماية وأن ندافع عنه وأن نقف إلى جانبه وأن نحمي ظهره؟! وهل يجوز لنا شرعًا أن نطعنه من الخلف وأن نغدر به؟! ما ينطبق على الأفراد فإنه ينطبق على الدول والشعوب.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ماذا جرى ويجري في العراق أرض الرافدين؟! لقد شاهدتم وشاهد العالم أجمع ما تقوم به القوات البريطانية والأمريكية الغازية والمحتلة للعراق من هدم للمساجد وسفك للدماء وتعذيب للأسرى العراقيين في سجن أبو غريب، والمخفي أعظم.
إن الجنود المجرمين من البريطانيين والأمريكان قد قاموا بأعمال رخيصة هابطة، بتعرية الأسرى من الملابس، كنوع من الإذلال والتحقير، ولكن نقول: إن ما حلّ مع الأسرى العراقيين هو تعريتهم من الملابس، أما ما حصل للأنظمة الغربية الرأسمالية هو تعرية للأخلاق الهابطة وللأفكار العفنة، هو تعرية وإظهار لفشل النظام الرأسمالي، هو كشف للعيوب المخزية لأمريكا وبريطانيا، وهذه الأعمال تشير إلى سقوط النظام الرأسمالي قريبًا إلى الهاوية إن شاء الله.
أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، لا تنخدعوا بالنظام الرأسمالي الفاشل الهابط الكافر، إنهم يستبيحون الأعراض، فالعرض عندهم رخيص، لأنهم بدون قيم، إنهم أقدموا على اغتصاب الأسيرات العراقيات في السجون، وهل الاغتصاب سيؤدي إلى بقائهم في أرض الرافدين؟! إن الشعب العراقي الأبي بمختلف فئاته سيهب لمقاومة المحتلين، لاسترداد كرامته ولتحرير أرضه، إنها لبادرة طيبة أن قام الآلاف من الشيعة في العراق بأداء صلاة الجمعة الماضية في مسجد الأعظمية، وهو مسجد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه، لأن الشعب العراقي كله مستهدف، ولأن بلاده مستهدفة أيضًا، فلا بد شرعًا من توحيد الصفوف والجهود، ليس فقط في أرض الرافدين، بل في العالم الإسلامي أجمع ضد المحتلين الغاصبين المجرمين.
وتحية احترام وتقدير للمقاومة العراقية الباسلة ضدّ هؤلاء المحتلين، فالمقاومة مشروعة، وليست إرهابًا وليست تشددًا، إنما الإرهاب يتمثل في المحتلين أنفسهم.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تستنكر الأنظمة في الدول العربية والإسلامية ما يجري بحق الأسرى العراقيين من التعرية والتعذيب؟!
والجواب واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار: إن هذه الأنظمة تعامل المعتقلين السياسيين من مواطنيها بنفس الأساليب أو ما يشبهها، فكيف تستنكر؟! ولماذا؟!
إن المحققين في مخابرات الدول العربية والإسلامية يأخذون دورات في أساليب التعذيب والتفنّن في التعذيب في بريطانيا وأمريكا، فالأسلوب واحد، ومثل ذاك ما يحصل في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني المرابط الأبيّ من تعذيب وتنكيل وقتل بدم بارد.
ثم نتساءل: أين ما تسمى بجمعيات حقوق الإنسان؟! إن هذه الجمعيات في الواقع تساند الدول الاستعمارية من منطلق عنصري وصليبي، إنها لا تحتج إلا إذا قتل أمريكي أو بريطاني، ولا تكترث بما يقتل في العالم الثالث.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ونتساءل: ما مدى وقع الاستغاثات والاستجارات والنداءات التي تصدر من فلسطين والعراق والشيشان على الحكام القادة في الدول العربية والإسلامية؟! أين هؤلاء الحكام من أحكام ديننا الإسلامي العظيم؟! أين هم من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان ينام آمنًا مطمئنًا على رعيته؟!
فقد ذكرت كتب السيرة والتاريخ أن سفير كسرى ملك الفرس جاء لمقابلة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة المنورة، فسأل السفير عن عمر، فأخبروه أنه نائم تحت الشجرة، فتشكك هذا السفير فيما قالوا له، ولم يصدق ما قيل، واعتبر ذلك استخفافًا واستهزاء به، لأنه إنسان غريب، وشدّد في السؤال إلى أن وصل إلى عمر، فوجده متوسّدًا يده، ومفترشًا الأرض، وعليه بردته، فقال السفير الفارسي: "عدلت يا عمر، فأمنت، فنمت".
أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، نعم إنه عمر، قدوة الحكام الصالحين العادلين، الذي عدل فأمِن فنام بين شعبه دون حراسة، لأنه يعمل لخدمة شعبه، وهذا ما أشار إليه الشاعر حافظ إبراهيم بقصيدة جياشة صادقة قال فيها:
وراع صاحب كسرى أن رأى عمرا بين الرعية غصنا وهو راعيهـا
وقـال قولة حـقّ أصبحت مثـلا وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لمـا أقمـت العدل بينهـم فنمت نوم قرير العين هانيهـا
إنه عمر القائل: (لو عثرت شاة في أرض العراق لخشيت أن يسأل الله عنها عمر)، أين حكامنا من هذه الأخلاق؟!
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن ديننا الإسلامي العظيم يطلب منا أن نكون أمة إسلامية واحدة، ذات رسالة عظيمة هي رسالة الإسلام، وأن نحافظ على أرواحنا ودمائنا، وإنه يتوجب على المسلمين جميعًا أن يجيروا وأن يحمي بعضهم بعضًا لقول رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم))، كما حذرنا رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif من التخاذل والتقصير عن نصرة المسلمين لبعضهم بعضًا، فيقول في الحديث القدسي عن الله عز وجل: ((وعزتي وجلالي، لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، لأنتقمن ممن رأى مظلومًا فقدر أن ينصره ولم ينصره))، ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: ((ما من امرئ يخذل مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته))، وفي حديث نبوي ثالث: ((من أُذِلّ عند قوم فلم ينصروه وهم يقدرون على أن ينصروه أذلهم الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة)).
وهذه الأحاديث النبوية الشريفة ـ أيها المسلمون ـ أحاديث واضحة في التحذير من الخذلان والتحذير من عدم النصرة. وإنه لمن المؤلم والمخزي أن تلجأ الأنظمة في الدول العربية والإسلامية إلى هيئة الأمم لتطلب قوات دولية لحماية الشعوب في العراق والشيشان وفلسطين. والسؤال: لماذا لم تقم هذه الدول نفسها بحماية الشعوب العربية والإسلامية التي تتعرض للإبادة والاحتلال والاستعمار؟! فأين الاستجارة؟! وأين النصرة؟! وأين الحماية؟! وأين نخوة المعتصم؟!
أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، إن ديننا الإسلامي العظيم هو دين العزة والكرامة والحضارة، وهو يدعو إلى الوحدة والتضامن والتآلف والتكاتف والتضامن، كما يدعو إلى نصرة المظلوم والدفاع عن الضعيف والمسكين والمظلوم، وإلى حمايتهم وعدم خذلانهم، وعدم التخلي عنهم، وعلى المسلمين جميعًا أن يقفوا صفًا واحدًا في وجه الظلم والعدوان والاحتلال والاستعمار، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُواhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:103]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:160]، فهل من متعظ؟! هل من مدكر؟! اللهم فاشهد، جاء في الحديث الشريف : ((لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك)).
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية
نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلاة الله وسلامه عليه، صلاة وسلامًا دائمين إلى يوم الدين، اللهم صل على سيدنا محمد، على آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، ماذا جرى ويجري في رفح الباسلة وفي حي الزيتون في غزة البطلة؟ إنها حرب إبادة، يقوم بها الجيش الإسرائيلي المحتل ضد شعبنا المرابط الأبيّ، بالأسلحة الأمريكية المتطورة الفتاكة، وإنه ـ أي: الجيش الإسرائيلي ـ مصمّم على المضي في حرب الإبادة، ثم يزعمون أن ما يقوم به الجيش هو دفاع عن النفس، وأيّ دفاع عن النفس بقتل الأبرياء وهدم المنازل؟! وإذا أراد الجيش الإسرائيلي أن يهاجم لا أن يدافع فما الأسلحة التي يمكن أن يستعملها ضد الشعب الأعزل؟!
إن ما قام ويقوم به جيش الاحتلال هو حرق الأرض والإنسان، بهدف أن يستسلم هذا الشعب، وبهدف كسر إرادته، ليستمر الاحتلال في أرضنا المباركة على أشلاء الضحايا الأبرياء وعلى أشلاء البيوت المدمرة.
إن ما يقوم به جيش الاحتلال هو مناف لأبسط القيم الإنسانية والتعاليم السماوية، وإن شعبنا يرفض أن يستسلم، فلا بد من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ودحره عن أرضنا الوقفية المباركة المقدسة، وهذه مسؤولية الأمة الإسلامية كلها، شعوبًا وحكامًا.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أما الجدار العازل فإننا نؤكد على الفتوى الشرعية والتي تنص بعدم شرعيته وبحرمة العمل فيه، مهما كانت الأسباب والمبررات، وإن هذا الجدار له مخاطره الكبيرة والكثيرة التي لا تخفى عليكم، فهو يمثل أشد أنواع العدوان على الأرض والإنسان، وهو يمزق الأراضي، ويشتت العباد. كما نرفض بقاء المستوطنات، وهي جميعها غير شرعية لأنها مقامة على الأراضي المغتصبة.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أما المسجد الأقصى المبارك فإن الشرطة الإسرائيلية تحاول بين الفينة والأخرى إحكام القبضة على المسجد الأقصى، فهي تتدخّل في كل صغيرة وكبيرة، في الترميم وفي غيره، وتصوّر كل حركة يقوم بها العمال التابعون للأوقاف الإسلامية، وتستدعي أي عامل لا يستجيب لتعليماتها، ويحتجزون هوياتهم، كما يستدعون حراس المسجد الأقصى للتحقيق معهم بهدف إخافتهم، ليصبحوا أداة في أيديهم، كما منعت عددًا منهم من دخول الأقصى، بحجة أنهم خطر على الأمن، كما منعت عددًا من المواطنين بالإضافة إلى الحراس، فكأن الشرطة الإسرائيلية حريصة على الأقصى!!
هذا وقد أرسلت دائرة الأوقاف الإسلامية خطابًا إلى وزير الشرطة تستنكر فيه هذه الاستدعاءات غير المبررة، وقد أصبح الهدف واضحًا، إن الشرطة الإسرائيلية تريد وضع اليد على إدارة الأقصى، وهذا خطر لا نسلم به، ونؤكد بأن الأقصى للمسلمين وحدهم، ولا نقر ولا نعترف بأي حق لليهود فيه، ونحمل الشرطة الإسرائيلية المسؤولية عن التوتر الذي ينجم عن تصرفاتها وتدخلاتها في شؤون الأقصى، وبخاصة حينما تولى اليمين المتطرف الحكومة الإسرائيلية.
كما نؤكد بأن المسلمين هم أصحاب البيت، وهم الجديرون بحمايته وإدارته وترميمه وصيانته سابقًا ولاحقًا، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب سينقلبون.
ربنا عليك وتوكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.