المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 25/5/2004م وفق 9 ربيع ثاني 1425 هجري


admin
05-13-2009, 10:12 AM
تاريخ الخطبة: 9 ربيع ثاني 1425 وفق 25/5/2004م
عنوان الخطبة: ومن أعرض عن ذكري
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة
1- حياة الذلّ. 2- سبب عزة السلف الصالح. 3- مفاسد الإعراض عن حكم الله تعالى. 4- تسلط العداء على الأمة الإسلامية. 5- سبيل الخلاص.

الخطبة الأولى
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذّركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره، لقوله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [فصلت:46].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يعيش المسلمون اليوم في مشارق الأرض ومغاربها البلاء واللأواء وضيقَ الحياة وشدتها في جميع مناحي حياتهم، السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، ومردّ ذلك يعود إلى إعراضهم عن هداية الله في كتابه العزيز ودستوره العظيم وابتعادهم عن هدي رسولنا الكريم ونهجه المستقيم، عليه وعلى رسل الله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ألم يخاطب الله تعالى رسوله المصطفى http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif بقوله: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifطه http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَىhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [طه:1-3]؟! لقد أقبل سلفكم الصالح على هذه التذكرة، وقبلوا هدى الله، ونفذوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، وطبقوا أحكامه قولاً وعملاً في جميع شؤون الحياة، ففازوا بسعادة الدارين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه.
أيها المسلمون، ألم تكونوا خير أمة أخرجت للناس يوم اتبعتهم هداية الله وأقبلتم على هذا الذكر الحكيم الذي جمع شتات العرب بقبائلهم المتحاربة تحت راية واحدة، شعارها التوحيد، ونشيدها التكبير والتهليل، في ظل دولة الإسلام، التي أقامها نبينا وقائدنا عليه أفضل الصلاة والسلام، وسار على هديه الخلفاء الراشدون ومن تبعهم من الخلفاء والأمراء والسلاطين الذين حافظوا على دولة الإسلام وعلى دستورها الخالد، يصدرون عنه في جميع الأحكام، لا يحيدون عن هديه، ولا يتجاوزون نصه، شعارهم: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"، وتردّ الرعية على الخليفة الذي طلب تصحيح اعوجاجه بقولها: "والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بحدّ سيوفنا".
إنه الفاروق عمر الخليفة العادل، نصر الله بإسلامه هذا الدين، وهاجر على مرأى من صناديد قريش وفرسانها، وهو قاهر القياصرة والأكاسرة، والفاتح الذي ما عرف التاريخ أعدل ولا أرحم منه، يوم تسلّم القدس من بطريركها، وأعطى الأمان بعهدته المشهورة لأهلها، فلو قبِل حكام المسلمين بعد العصور الزاهرة للحكم الإسلامي تقويمَ اعوجاجهم لما وصل المسلمون لهذا الحال من العجز والفرقة والضعف والهوان والشقاء، وغدوا مع هذا الحال عاجزين عن فعل ما يمكن أن يقودهم إلى رحاب القدس تحت راية العزّة والمجد التي استظل بها فاتح القدس، والتي رفعها ثانية محرر القدس من دنس الصليبيين، الملك الناصر صلاح الدين الذي اتبع هدى الله، فجمع به شمل الأمة ووحّدها، قادها إلى سبيل العزة والكرامة، لتعيش حياة النصر، مسترشدة بهداية الله ونوره المبين وبرهانه الحكيم: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النساء:174، 175].
إذًا كيف نواجه هذه الفتن لنجتنبها، يقول ابن عباس رضي الله عنهما عن الرسول http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)).
نعوذ بالله من الضلال بعد الإيمان ومن الغواية بعد الهداية، ونسأله الثبات على الإيمان والوفاة على الإسلام، إنه المنان ذو الفضل والإحسان.
فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية
الحمد الله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، خصه الله بالشفاعة وبلواء الحمد يوم القيامة.
وأشهد أن لا إله إلا الله، أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أقام الدين، وأوضح السبيل، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما بارك على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العلمين، إنك حميد مجيد.
وبعد: أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ماذا جنت الأمة جراء إعراضها عن ذكر الله وابتعادتها عن هدايته؟! إن حالها اليوم يعطي الدليلَ الواضح لكل ذي بصر وبصيرة، لا بل لكل من له أدنى اطلاع على تاريخ الأمة، لأن أمتكم تتجرّع عقاب الله بضيق الحياة وذهاب الهيبة والسلطان، لقد تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وأمعنت في السيطرة على مقدراتها والعبث في ثقافتها في غزو عسكري استعماري، يرافقه ويسير في ركابه غزو ثقافي أشدّ فتكًا بقيَم الأمة وأخلاقها، يعمل جاهدًا على طمس معالم حضارتها، لتعيش شعوب الأمة حالة من ذوبان الشخصية وميوعتها، وهي تلهث وراء سراب المدنية الزائفة وشعاراتها الخادعة.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لو استعرضنا جانبًا من جوانب حياة الأمة بقياس حالها اليوم وتشخيص دائها لوجدنا الفرق الشاسع بين ماضيها وحاضرها، الماضي الذي أقبلت فيه الأمة على ذكر الله وهدايته، فاستحقت وصف الله لها: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:110]، والحاضر الذي انكفأت فيه الأمة عن هذه المنزلة، وأصبحت تعيش فيه على هامش الأحداث، تتأثر ولا تؤثِّر، مع أنها ساهمت فيما وصلت إليه البشرية اليوم بفاعلية في مجالات العلوم التدريبية والكونية التي أسّست لها التقدم العلمي الجبار الذي نرى آثاره في الحياة العلمية لدى الأمم الغربية، هذه الأمم التي غزت وتغزو بلاد المسلمين اليوم، في حرب لا تخفى أهدافها، للقضاء على الإسلام والسيطرة على ديار المسلمين.
إن ما يجري في العراق وأفغانستان وهنا في فلسطين من قتل وتشريد وتنكيل بأبناء شعوب هذه الأقطار داخل السجون وخارجها أوضح دليل على استهداف هذه الأمة ممن يروّجون لحقوق الإنسان ويمنّون الشعوب المستضعَفة باستقرار في أوضاعها السياسية والاقتصادية، فهيهات للمستجير من الرمضاء بالنار، فهل من معتبر؟! وهل من مدّكر؟! http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحشر:2].
أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، أما آن لأمتكم أن تفيق من سباتها وتنهض من غفلتها وتعود إلى رحاب هدي ربها؟! فإنه سبيل الخلاص من هذا الواقع المُرّ والحال الضنك الذي وصلت إليه الأمة اليوم، أما آن الوقت بعد كل هذا الهوان أن تبحث الأمة وأن تتلمس شعوبها سُبل العزة باستئناف الحياة الإسلامية في ظل حكم الإسلام ودولة المسلمين؟! هذه الدولة التي تأخذ الإسلام عقيدة راسخة وشريعة حياة، تنظم الحياة والأحياء، وترعى شؤون الرعية وفق دستور القرآن ومنهج المصطفى عليه الصلاة والسلام، والله يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:21]، فنحن أمة أعزنا الله بالإسلام، ولا عزة لنا بغيره.
اللهم يسّر لأمتنا من يقودها إلى حمى الإسلام وعزة الإيمان، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فقد سدّت السُبُل إلا إليك، وانقطع الرجاء إلا منك.
يا من يرى ما في الضـمير ويسمَع أنت المعَدّ لكل ما يتوَقَّـع
أنت المرجـى للشـدائد كلهــا يا من إليه المشتكى والمفزَع
يا من خزائن رزقه في قـول كـن امنُن فإن الخير عندك أجمع