المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 4/6/2004م وفق 16 ربيع ثاني 1425 هجري


admin
05-13-2009, 10:15 AM
تاريخ الخطبة: 16 ربيع ثاني 1425 وفق 4/6/2004م
عنوان الخطبة: النصر من الله وحده
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, سيرة وتاريخ
الموضوع الفرعي: الفتن, معارك وأحداث
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- رفع معنويات المؤمنين. 2- كيد المنافقين والحروب والفتن. 3- النصر من الله تعالى وحده. 4- الفرق بين الغلبة والنصر. 5- تجاوز أمة الإسلام للمصائب بسلام. 6- من مواقف السلطان عبد الحميد الثاني. 7- ضرورة الثقة بالله تعالى. 8- ظاهرة غلاء إجارات البيوت في القدس. 9- ظاهرة الباعة المتجولين في الشوارع. 10- قضية مقبرة الرحمة واليوسفية.

الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيقول الله عزّ وجلّ في محكَم كتابه: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:139-141]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، يا أبناءَ أرض الإسراء والمعراج، هذه الآيات الكريمة من سورة آل عمران، وهي مدنية، وقد نزلت بعد معركة أُحد وذلك لمواساة المسلمين من الهزيمة التي لحقتهم، ولتقوية أعصابهم وشدّ عزائمهم، ولإعادة الثقة لأنفسهم، ولأخذ العظة والعبرة مما حلّ بهم، ويأمر الله ربَّ العالمين المسلمين بأن لا يحزنوا وأن لا يضعفوا إن كانوا مؤمنين حقًّا.
أيّها المسلمون، أيّها المؤمنون، لقد كانت هذه الآيات الكريمة مطَمئِنةً لنفوس الصحابة ومواسِية لهم ومقويّة لإيمانهم، فدفنوا الشهداء، وضمّدوا الجراح، واستعدوا من جديد لردّ الاعتبار.
ومع ذلك وُجِد في المدينة المنورة بعض المنافقين الذين لا همَّ لهم إلا أن يتصيّدوا أخطاء المسلمين ويشمتوا بما حلّ بهم من خسائر، وهم يروِّجون الإشاعات ويثبّطون العزائم، فيقول الله عز وجل على لسان هؤلاء المنافقين: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifلَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُواhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:156]، فكأنّ الموت والأجل بأيديهم، معاذ الله عما يدعون ويفترون.
أيها المسلمون، إن مثل هؤلاء المنافقين موجودون في كل مجتمع وفي كلّ زمان ومكان، ولكن يتفاوت عددهم قلة وكثرة، وهذا ما لمسناه بعد وقوع حرب حزيران عام 1967م، والتي سيصادف ذكراها غدًا السبت، فإنّ المندسين كان هدفهم تكريس الاحتلال والاعتراف بالأمر الواقع والانخراط في صفوفهم والانسجام معهم، وأطلقوا التبريرات الواهية لتصرفاتهم ولمواقفهم الشاذة.
أيها المسلمون، لقد تمكن رسولنا الأعظم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif وصحابته الكرام رضوان الله عليهم من تغيير كفة الميزان لصالحهم، وذلك بعد عام واحد فقط من وقوع غزة أُحد، فكانت غزة بدر الآخرة التي وقعت في السنة الرابعة للهجرة، ثم غزوة الخندق "الأحزاب"، والتي وقعت في السنة الخامسة للهجرة، وأعطى المسلمون بتوفيق الله وتأييده درسًا قاسيًا لخصومهم، كما أنهم وضعوا حدًّا للمثبطين والمشكّكين، ولم ييأس المسلمون لما حل بهم في أُحد، لم يناموا، ولم يستكينوا، ولم يتهرّبوا من المسؤولية، ولم ويستسلموا للأمنيات.
وما نيـل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيـا غِلابا
ما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا
أيها المسلمون، يا أبناء محمد عليه الصلاة والسلام، ولا بدّ من الإشارة إلى أن النصر لفظ من الألفاظ العقدية في الدين الإسلامي، وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم ما يزيد عن مائة وثلاثين مرة.
والنصر مسند ومنسوب إلى الله العليّ القدير، فالنصر من عند الله، والمسلمون ينصرون بمدد من الله وتأييده، وذلك حينما يَنصرون الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، كما في قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:160]، وكما في قول رب العالمين في سورة الحج: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحج:40]، وقوله عز وجل في سورة محمد: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [محمد:7].
أيها المسلمون، يا أحفادَ عمر وخالد وصلاح الدين، أما إذا كانت المعركة لصالح غير المسلمين فتكون لهم الغلبة ولا يكون لهم النصر، لقوله سبحانه وتعالى في سورة الروم: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifغُلِبَتْ الرُّومُ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الروم:2، 3]، فإنّ دولة الفرس سبق أن تغلّبت على الروم، ثم تغلّبت الروم على الفرس، وعلى اعتبار أنهما دولتان كافرتان غير مسلمتين فلا ينسب لهم لفظ النصر، لأن النصر من عند الله، ومثل ذلك بالنسبة لأمريكا وبريطانيا وروسيا وغيرها من الدول الكافرة المستعمرة في هذه الأيام، فالنصر لفظ خاص يتعلق بالمسلمين، أما لفظ الغلبة فهو لفظ عام يشمل المسلمين وغير المسلمين.
أيها المسلمون، يا أحبة الله، لقد مرّت محن ومصائب على المسلمين في العصور الماضية أيام التتار والمغول والفرنجة الصليبيين وغيرهم، فكان أجدادنا يجتازون الصعاب بكل ثبات وصمود وإصرار وتضحية، والله عز وجل يهبهم القدرة والنصرة والتأييد بما أودع فيهم من عقيدة قوية وإيمان راسخ وعمل مثمر مفيد متواصل، وقد أصيبت أمتنا الإسلامية في القرن الماضي بعدّة محن ومصائب متوالية منذ الحرب العالمية الأولى، مرورًا بنكبة عام 1948م، وانتهاء بنكسة حزيران بل بمسرحية حزيران عام 1967 م، ولا تزال آثارها السلبية قائمة حتى الآن بما في ذلك الجدار العنصري الفاصل اللعين، ويكتوي شعبنا الفلسطيني المرابط بنار هذه الحرب التي لم تدم سوى ستة أيام، في حين صمد مخيم جنين في شهر نيسان إبريل من عام 2002م مدة تسعة أيام رغم الأسلحة الأمريكية الفتاكة المتطورة.
أيها المسلمون، أيها المرابطون، بمناسبة ذكرى حرب حزيران يوليو، يحسن الإشارة إلى موقف السلطان عبد الحميد الثاني في القرن التاسع عشر الذي تمسّك بأرض فلسطين، وكيف أن الذين جاؤوا بعده قد فرطوا بهذه الأرض المباركة المقدسة، ويقول السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله في رسالته إلى هرتزل بشأن بيع أرض من فلسطين: "إن البلاد الإسلامية ليست لي، وإنما للأمة، ولا أستطيع أن أهب قطعة منها لأحد، فليحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب، وإذا مزقت دولة الخلافة يومًا فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المِبضع ـ أي: السكين ـ في بدني أهون علي من أن أرى فلسطين قد سلبت من دولة الخلافة"، ويقول أيضًا: "من الممكن أن تقطّع أجسادنا وهي ميتة، وليس من المكمن أن تُشرَّح أجسادنا ونحن على قيد الحياة"، ويقول في رسالة أخرى: "إن بيت المقدس قد افتتحه المسلمون أول مرة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولست مستعدًا لأن أتحمل في التاريخ وصمة بيع الأراضي المقدسة لليهود، أو أن أتحمل خيانة الأمانة التي كلفني المسلمون بحمايتها"، هذه ـ يا مسلمون ـ هي أمانة التاريخ.
أيها المسلمون، يا خير أمةٍ أخرجت للناس، إن ما حصل للأمة الإسلامية منذ القرن الماضي وحتى الآن لن يفقدنا الثقة بالله العلي القدير القائل في كتابه العزيز في سورة البقرة: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:214]، والقائل في سورة يوسف: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [يوسف:87]، ويقول رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)).
ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، حمدَ عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلاة وسلامًا دائمين عليه إلى يوم الدين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
أيها المسلمون، أيها المرابطون، أتناول في هذه الخطبة ثلاث نقاط لها علاقة مباشرة ببيت المقدس.
النقطة الأولى: بشأن إيجارات البيوت، مرة أخرى: إن من سلبيات الجدار العنصري الفاصل رفع إيجارات البيوت في مدينة القدس وما ترتب على ذلك من خلافات بين المالكين والمستأجرين، ونطلب من جميع المواطنين في بيت المقدس أن يتقوا الله في أنفسهم، ونذكرهم أنه يتوجب عليهم التراحم فيما بينهم، وأن يحلوا مشاكلهم بالتراضي فيما بينهم، دون اللجوء إلى المحاكم التي لا تحفظ حقوقهم، بالإضافة إلى الخسائر المادية التي ستترتب على رفع القضايا، ولا يخفى عليكم ذلك.
ونقول أيضًا: إن إيجارات السكن والحوانيت القديمة هي منخفضة فعلاً، في حين أن الإيجارات الجديدة هي مرتفعة جدًا، فلا بد من وضع تسويات لهذه الإيجارات مع حفظ حقوق المستأجرين، ووضع سقف أعلى وسقف أدنى لها، وسبق أن طالبنا الغرفة التجارية في القدس أن تبادر في وضع حلول لهذا الموضوع.
أيها المسلمون، النقطة الثانية: بشأن البائعين المتجولين الذين يضعون بضائعهم في الطرقات وفي الممرات مما يؤدي إلى عرقلة السير للمشاة، وبخاصة في منطقة باب العمود ومنطقة باب الأسباط، وكما تعلمون أن رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قد أمرنا أن نعطي الطريق حقها، وأن نزيل الأذى عنها، كما لا يجوز شرعًا وضع مواد البناء في الطرقات، ونحن كمسلمين نؤمن بأن الأرزاق بيد الله العلي القدير، والله يرزق من يشاء بغير حساب، وإن وضع البضائع في الطرقات لا يزيد في الرزق، بل فيه إثم، لعرقلة سير الناس، كما أن ديننا الإسلامي العظيم يدعو إلى النظام، ويدعو إلى النظافة.
أيها المسلمون، النقطة الثالثة والأخيرة: بشأن مقبرة باب الرحمة واليوسفية، هذه المقبرة المحاذية للجدار الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، والتي دُفن فيها الصحابة والتابعون والعلماء، والتي تخص المسلمين وحدهم منذ خمسة عشر قرنًا، وإن هذه المقبرة محدّدة المساحة، فلا مجال للتوسع فيها، كما تزعم البلدية الإسرائيلية، وكما تزعم ما يسمى بسلطة الحدائق الوطنية، أما ما يجري داخل المقبرة فهو أمر يخصّ المسلمين، ولا علاقة للبلدية به، كما أن المقابر الإسلامية لا تدخل ضمن الحدائق والأماكن العامة، فالمقابر الإسلامية لها حرمتها، كما أن المقابر التي تخص الديانات الأخرى لها حرمتها.
ثم ماذا فعلت وزارة الأديان الإسرائيلية في المقابر اليهودية المقامة على أرض الأوقاف في رأس العامود؟! لقد قامت بتغييرات كثيرة وكثيرة، ولا اعتراض لا من البلدية ولا من سلطة الحدائق العامة.
أيها المسلمون، إن المقابر الإسلامية تقع ضمن صلاحيات الأوقاف، وندعو المواطنين للتعاون مع الأوقاف بالمحافظة على هذه المقابر وتنظيفها من الحشائش وترتيبها وتوضيح الممرات والمسارات، حتى لا يسير الناس على القبور، فإنه يحرم شرعًا الجلوس والسير على القبور، كما يحرم شرعًا نبشها وكسر عظامها، كما يحرم شرعًا سرقة هذه المقابر، وقد سبق أن صدرت فتوى شرعية بهذا الموضوع، وإن الإهمال بالمقابر يؤدي إلى انتهاك حرمتها، فليحافظ كل واحد منكم على القبور التي تخصه.