المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 11/6/2004م وفق 23 ربيع ثاني 1425 هجري


admin
05-13-2009, 10:16 AM
تاريخ الخطبة: 23 ربيع ثاني 1425 وفق 11/6/2004م
عنوان الخطبة: وأقم الصلاة لذكري
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: الدعاء والذكر, المسلمون في العالم
اسم الخطيب: يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

ملخص الخطبة
1- فضل قراء القرآن وعمار المساجد. 2- فضل لا إله إلا الله. 3- اللجوء إلى الله تعالى بالذكر والصلاة. 4- فضل الصلاة. 5- استمرار الممارسات الصهيونية الظالمة. 6- خطة تهويد مدينة القدس. 7- الشائعات الصهيونية. 7- نداء للعالم الإسلامي.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، إذا وقف العباد في ساعة العرضِ على الله سبحانه وتعالى نادى عز وجل وقال: أين جيراني؟ فتقول الملائكة: من ذا الذي ينبغي أن يجاورك يا الله؟ فيقول الله تبارك وتعالى: أين قراءُ القرآن؟ أين عمار المساجد؟
عباد الله، خاطب الله تبارك وتعالى الكريم بقوله: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِيhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [طه:12-14].
أيها المؤمنون، إن جميع الأنبياء عملوا في معسكر واحد هو معسكر التوحيد، وتحت لواء واحد هو قول: "لا إله إلا الله"، حتى إن الكريم سأل ربه وقال: يا رب علمني شيئا أدعوك وأذكرك به، فقال له الله تبارك وتعالى: قل: لا إله إلا الله، فقال الكريم: يا رب كلّ عبادك يقولونها، فقال له الله تبارك وتعالى: يا موسى وعزتي وجلالي لو أن السماوات وما فيهن والأراضين السبعة وما فيهن وضعت في كفة ووضعت "لا إله إلا الله" في كفة أخرى لمالت بهم "لا إله إلا الله".
ومر موسى بعابد من عباد بني إسرائيل فقال له العابد: إذا ناديت ربك فاسأله لي ثلاث دعوات، الأولى: أن لا يشغلني بسواه، والثانية: أن يلهمني ذكره حتى لا أنساه، والثالثة: أن يرزقني حبه حتى ألقاه. وناجى الكريم ربه ولكنه وهو في ذروة المناجاة نسي ما سأله العبد، فقال الله تبارك وتعالى: يا موسى ماذا قال لك عبدي؟ قال: يا رب أنت أعلم بما قال، قال الله تعالى: إن بيني وبين عبدي أسرارا وبلّغه بأنني عليه غضبان. ولما رجع الكريم من المناجاة قال له العبد: ماذا قال لك الله تبارك وتعالى؟ قال له موسى عليه الصلاة والسلام: إن الله عليك عضبان، فبكى العبد وقال: والله لئن طردني من بابه فلن أغادر بابه أبدا، فأوحى الله إلى موسى أن أخبر هذا العبد بأننا قبلناه وغفرنا له ما كان بيننا وبينه، يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فعبدني وأقم الصلاة لذكري.
عباد الله، إن عبدا من أمّة المصطفى http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif كان يعمل تاجرا، وبينما هو يسير ذات ليلة قادما من بغداد إلى مكة إذا بقطّاع الطريق يخرجون عليه ليلا وليس معه إلا الله، وتوسّل لهم بأن له أولادا، ثم قال لهم: خذوا مالي خذوا كل ما أملك ودعوني لأولادي، وقبل الجميع إلا واحدا كان جبّارا عنيدا، قال: آخذ مالك ولا بد من قتلك، قال العبد: حسبي الله ونعم الوكيل ولكن أريد منك رجاء واحدا، قال له: سل، قال: أن تدعني حتى أصلي لله ركعتين.
عباد الله، كان الحسن رضي الله عنه يقول: "من أراد أن يكلّم الله فليصلِّ، من أراد أن يكلّمه الله فليقرأ القرآن". دعني أصلي لله ركعتين ما دمتَ مصرّا على قتلي، الصلاة كهفُ المؤمن، أمنٌ وأمان وسكينة من الله تبارك وتعالى، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifالَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الرعد:28، 29].
عباد الله، كان حاتم الأصمّ يُسأل: كيف حالك إذا دخلتَ الصلاة؟ فيقول: إذا دخلت الصلاة جعلت كأنّ الكعبة أمامي والموت ورائي والجنة عن يميني والنار عن شمالي والصراط تحت قدمي والله مطّلع عليّ، فإذا سلّمت لا أدري أقبِلها الله أم ردّها عليّ. دعني حتى أصلي لله ركعتين، الليل قد أرخى سدوله، النجوم قد غارت، وليس مع العبد الصالح سيف ولا خنجر، الجبار العنيد مصرّ على إزهاق الروح.
ودخل العبد الصالح في الصلاة، وحينما كان ساجدا وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، ولذلك افتقدت السيدة عائشة رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif ذات ليلة فخرجت تبحث عنه، فوجده ساجدا لله تبارك وتعالى يقول: ((يا ربّ، سجَد لك سوادي، وأمن بك فؤادي، وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي، يا عظيم يرجَى لكل عظيم، اغفر الذنب العظيم، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق فيه سمعه وبصره، أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك))، قالت عائشة رضي عنها: سبحان الله، أنا أسعى لأمر الدنيا وهو مشغول بأمر الآخرة.
وسجد العبد لله ولكن السجود لم يكن سجودا عاديا، إنما كان سجودَ من ينتظر لقاءَ الله بعد أن يسلّم التسليمتين، فهذا الجبار واقف على رأسه بسيفه، وإذا بالعبد يرسل برقية عاجلة إلى الله تبارك وتعالى يقول فيها: يا ودود، يا ودود، يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا ذا البطش الشديد، يا فعالا لما تريد، يا من ملك نوره أركان عرشه، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني.
فماذا حدث ـ يا عباد الله ـ بعدما سلم التسليمتين؟ وجد أمامه فارسا يركب فرسَه ويمسك بسيفه ويقاتل ذلك الجبار العنيد حتى قتله، فقال له العبد: من أنت يرحمك الله؟ سؤال من قلب امتلأ يقينا ونورا وهداية وقربا إلى الله تبارك وتعالى، فقال له الفارس: أنا ملك من ملائكة السماء الرابعة، لما دعوت الله بهذا الدعاء ضجّت الملائكة جميعا بالشكوى إلى الله، نرجوه أن يأذن لنا بإنقاذك، فأذن الله لي أنا.
لا إله إلا الله، لا إله إلا أنا فعبدني وأقم الصلاة لذكري. قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يحدثنا ونحدثه ويكلمنا ونكلمه، فإذا حضرت الصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه.
أيها المسلم، حافظ على الصلاة فهي مرضاة الرب وحبّ الملائكة وعبادة الأنبياء ونور المعرفة وبركة الرزق وكراهية للشيطان وقبول للأعمال ونور للقلب، فإذا كان يوم القيامة كانت لصاحبها ظلا وتاجا على رأسه ونورا يسعى بين يده وسترا بينه وبين النار وثقلا في الميزان وجوازا على الصراط ومفتاحا للجنة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، وأن يكتب لنا ولكم الأجر والثواب أجمعين، وتوجّهوا إلى الله تبارك وتعالى، وإذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإنه لا يتعاظم على الله شيء، وادعوا الله أنتم موقنون بالاستجابة، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد الله الذي قص لنا من آياته عجبا، أفادنا بتوفيقه إرشادا وأدبا، وأرسل فينا رسولا كريما وخصّنا بشريعته القويمة وحبَا، فآمنّا وصدقنا وله الفضل علينا وجبا، نحمده سبحانه وتعالى ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، حمدا أرغم به أنف من جحد وأبى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون للنجاة سببا، ونشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله المجتبى أشرف البرية حسبا ونسبا، صلى الله عليه وعلى آله السادة النجبا، وأصحابه الذين سادوا الخليقة عجما وعربا، وهم ولاة الحق وقضاة الخلق، ومنهم من أنفق في سبيل الله وجهّز، ومنهم من قتل أعداء الله وأجهَز، ومنهم الأشدّاء على الكفار ومنهم الأسد إذا زاغت الأبصار، ومنهم الساجدون الراكعون، ومنهم السابقون الأولون، ومنهم التابعون واللاحقون، ونسألك يا الله يا كريم في هذا المكان الطاهر أن تحشرنا في زمرتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أما بعد: فيا عباد الله، إن الممارسات الظالمة ضدّ أبناء شعبنا الفلسطيني المسلم في الأرض الفلسطينية عامة وضدّ أبناء القدس بصفة خاصة تلقي بظلالها القاتمة على واقع المدينة وشعبها ومستقبلها الغامض، وتبرز مجدَّدا قضية القدس محاطة بقلق أبنائها وأفكارهم المشوشة على مستقبلهم الاجتماعي والتربوي والسياسي والاقتصادي.
فمضي إسرائيل قدما في بناء جدار الفصل العنصريّ سيجعل المدينة المحاصرة أصلا تقبع داخل هذا الجدار الظالم، وتعزل المدينة عزلا تاما عن باقي مدن الضفة الغربية، والشائعات التي تطلق هنا وهناك وتقض مضاجع أهل المدينة سرعان ما تصبح واقعا ملموسا وأمرا مفروضا على الجميع، وتداول الشائعات وإطلاقها إنما يهدف إلى جسّ نبض الشارع المقدسي الذي لا يملك حولا ولا قوة بتغير السياسة الإسرائيلية نحو المدينة.
وقبل أن نتطرق إلى ما يتداوله الناس من الأقاويل والكلام هنا وهناك نود أن نؤكد ما قلناه مرارا أن اهتمامنا بقضية القدس ينبع أساسا من أهمية توعية المسلمين في كل مكان وتنبيههم إلى المخاطر المحدقة بالمدينة التي تستهدف إسلاميتها.
أيها المسلمون، عندما تتولّد لدينا القناعة التامة والإيمان الأكيد أن صراعنا هو صراع عقدي بين الإسلام وبين أعدائه فإننا ندرك إدراكا أكيدا أن الفكر الصهيوني عبر مؤسّساته الرسمية وغير الرسمية ورغم اختلاف الأسماء والمسميات وتعدد الأهداف، فإن إسرائيل تعمل على تهويد مدينة القدس منذ عام 1967م، إن تهويد القدس يسير في مسارين مترابطين: التغير الطبغرافي على الأرض والتغير السكاني، أما التغير الطبغرافي فإنه يتم من خلال عدة أمور منها:
أولا: إحاطة القدس بمدن استيطانية ذات طابع استراتيجي وقلاع محصنة من جميع الجهات وستكون معززة بمد سكاني.
ثانيا: عدم السماح لأبناء القدس بالبناء أو التوسّع السكاني الأفقي، وذلك عن طريق منع رخص البناء من قبل ما يسمى بلدية القدس والتي تعتبر عندهم إحدى المؤسسات الرسمية الحكومية باعتبار الأراضي هي أراضي خضراء يمنع فيها البناء، وفي هذا تحجيم للنمو العربي الإسلامي في مدينة القدس.
ثالثا: استمرار الحفريات في محيط المسجد الأقصى المبارك من ناحية، لإثبات وجود آثار يهودية في المنطقة تعزز من وجودهم للسيطرة على المسجد لا سمح الله، وفي نفس الوقت منع دائرة الأوقاف الإسلامية من إجراء أي ترميمات أو إصلاحات داخل المسجد الأقصى أو حتى في محيطه.
رابعا: والطامة الكبرى تأتي بإقامة جدار الفصل العنصري والذي يحدّد ويرسم معالم المدينة وفق المخطط الإسرائيلي الجديد.
أما على صعيد الديمغرافي السكاني فإسرائيل تسعى إلى تحقيق تفوق سكاني عددي لليهود في محيطها أو داخلها من خلال أمور عدة:
أولا: زيادة عدد المستوطنين داخل المستوطنات المقامة حول مدينة القدس.
ثانيا: تفريغ قلب المدينة من سكانها الأصليين بالتشديد أو المضايقات أو الإغراءات المالية لشراء العقارات والبيوت داخل البلدة القديمة أو خارجها، إن الذي يتجول في أحياء وأزقة وحارات البلدة القديمة يدرك عمق المأساة وصعوبة الحياة، أما الشائعات التي تسود هنا وهناك فهي:
أولا: فرض الجنسية اليهودية على سكان المدينة كما هو الحال بالنسبة للهوية الإسرائيلية وللفلسطينيين في الداخل، وعدم التنقل بين القدس ومدن الضفة إلا بالتصاريح.
ثانيا: عدم السماح بأي حال من الأحوال بعمليات جمع شمل الأزواج من أبناء القدس مع أبنائهم أو زوجاتهم أولادهم المتزوجين من أبناء الضفة الغربية وغير ذلك.
ثالثا: إجراء مسح سكاني للمناطق بعد بناء الجدار لمعرفة من يحمل الهوية الزرقاء ممن لا يملكها.
رابعا: إخضاع أبناء القدس للمزيد من المضايقات والملاحقات الضريبة واستمرار فرض القيود على البناء وسياسة هدم المنازل غير المرخصة على حد زعم البلدية.
أيها المسلمون، إن هذه الشائعات إنما يراد منها تفتيت إرادة شعبنا والنيل من صموده وتشتيت أفكاره، ولكن شعبنا في هذه الأرض المباركة، والذي شرفه الله بشرف الرباط وشرف الدفاع عن عقيدة الإسلام والمسلمين وحماية المقدسات وكل القيم الحضارية والإسلامية سيظل ثابتا بتوفيق الله تبارك وتعالى متمسكا بدينه وعقيدته وقيمه مهما تقلبت الظروف والأهوال، سيبقى شامخا في أراضي الإسلام و المسلمين رغم كل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنواحي التربوية والتعليمة، فالثبات الثبات أيها المؤمنون، كونوا قلبا واحدا صفا واحدا واصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله لعلكم تفلحون.
ونذكّر عالما الإسلامي الذي يعيش في عالم النسيان نذكر إن كان هناك ما يستمع لصرخات شعبنا نذكرهم بنصرتنا، فإن تعذر ذلك على الحكومات والأنظمة الرسمية فليكفوا عن التآمر علينا، فالمسلم أخو المسلم لا يظلم ولا يغدره ولا يحقره.
أيها المؤمنون، ما يدمي القلب أن فئات ضالّة من أبناء شعبنا تعمل بتوجيه من جهات مشبوهة على بث حالة الرعب والقيام بعمليات السرقة والنهب للبيوت والمحالّ التجارية، وقد نشطت هذه الفئات في ظل غياب القانون، وبفضل الله تبارك وتعالى ثم وعي شعبنا المسلم فقد تم إلقاء القبض على هؤلاء المأجورين، ومن هنا ندعو شعبنا المرابط إلى المزيد من أخذ الحذر والحيطة.
فيا أيها المسلم، أعدَّ لكل هول وشدّة "لا إله إلا الله"، ولكل هم وغم "ما شاء الله"، ولكل نعمة "الحمد الله"، ولكل رجاء "الشكر لله"، ولكل أعجوبة "سبحان الله"، ولكل ذنب "أستغفر الله"، ولكل ضيق "حسبي الله ونعم الوكيل"، ولكل مصيبة "إنا لله وإنا إليه راجعون"، ولكل قضاء وقدر "توكلت على الله"، ولكل طاعة ومعصية "لا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
عباد الله، قبل أن أفارق هذا المقام أتوجّه إلى الله أن يكون مع أبنائنا في امتحان الثانوية العامة، أسأل الله وأنا واقف بين يديه أن يكون الامتحان بردا وسلاما على قلوبهم...