المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 9/7/2004م وفق 21 جمادي الأولى 1425 هجري


admin
05-13-2009, 10:21 AM
تاريخ الخطبة: 21 جمادي الأولى 1425 وفق 9/7/2004م
عنوان الخطبة: حال الأمة بين الماضي والحاضر
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم
اسم الخطيب: يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

ملخص الخطبة
1- فضل السلف الصالح. 2- سنة التغيير في الأمم. 3- أين الخل؟ 4- ضرورة المحاسبة والمراجعة. 5- بشائر النصر. 6- معاناة المسلمين في فلسطين. 7- خطر الفساد الأخلاقي والاقتصادي. 8- حديث عن الأسرى.

الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، لقد نجح سلفنا الصالح في معاملاتهم مع الله، فقد خلّصوا الأعمال من الأكدار نفلاً وفرضًا، واجتهدوا في طاعة مولاهم ليرضى، وغضّوا أبصارهم عن الشهوات غضًّا، فإذا أبصرتهم رأيت أجسادًا مرضى، وعيونًا قد ألفت السهر ما تكاد تطعم غَمضًا، بادروا أعمارهم لعلمهم أنها ساعات تنقضي، فأمدهم بالعون السرمدي، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:52].
ابتلاهم فرضوا وصبروا، وأنعم عليهم فاعترفوا وشكروا، وجاؤوا بكل ما يرضي ثم اعتذروا، وجاهدوا العدو فما انقشعت الحرب حتى ظفروا، فنالوا غاية الإمكان والعطاء فربحوا.
لله درهم، فقد أخلصوا الأعمال وحققوها، قيّدوا شهواتهم بالخوف وأوثقوها، وسابقوا الساعات بالطاعات فسبقوها، وخلّصوا أعمالهم من أشراك الرياء وأطلقوها، وقهروا بالرياضة أغراض النفوس الرذيلة فمحقوها، فنالوا الرضا والرضوان، وتبوّؤوا أعلى درجات الجنان، فطوبى لهم وحسن مآب.
يقول الله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الرعد:11]. تلك آيات الكتاب الحكيم، تهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ولا يرتاب فيها إلا الضالون، هل يخلف الله وعده ووعيده وهو أصدق من وعد وأقدر من أوعد؟! هل كذب الله رسله؟! هل غش خلقَه وسلك بهم طريق الضلال؟! نعوذ بالله. هل أنزل الآيات البيّنات لغوًا وعبثًا؟! هل افترت عليه رسله كذبًا؟! هل اختلقوا عليه إفكًا؟! هل خاطب الله عبيده برموز لا يفهمونها وإشارات لا يدركونها؟! هل دعاهم إليه بما لا يعقلون؟! نستغفر الله.
أليس قد أنزل القرآن عربيًا غير ذي عوج، وفصل فيه كل أمر، وأودعه تبيانًا لكل شيء؟! تقدست صفاته وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
هو الصادق في وعده ووعيده، ما اتخذ رسولاً كذّابًا، ولا أتى شيئًا عبثًا، وما هدانا إلا سبيل الرشاد، ولا تبديل لآياته، تزول السماوات والأرض ولا يزول حكم من أحكام كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يقول الله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنبياء:105]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المنافقون:8]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الروم:47]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الفتح:28].
هذا ما وعد الله في محكم الآيات مما لا يقبل تأويلاً، ولا ينال هذه الآيات بالتأويل إلا من ضل عن السبيل، وحرام تحريف الكلام عن موضعه.
هذا عهده إلى تلك الأمّة المرحومة، ولن يخلف الله عهده، وعدها بالنصر والعزة وعلو الكلمة، ومهد لها سبيل ما وعدها إلى يوم القيامة، وما جعل الله لمجدها أمدًا ولا لعزتها حدًا.
هذه الأمة أعدادها كبيرة، وأراضيها كثيرة، تربتها طيبة، وديارها رحبة، ومنابتها خصبة، ومع ذلك نرى بلادها منهوبة، وأموالها مسلوبة، تتسلط الأجانب على شعوب هذه الأمة شعبًا شعبًا، ويتقاسمون أرضهم قطعة بعد قطعة، ولم يبق لها كلمة تسمع، ولا أمرًا يطاع، حتى إن الباقين من حكامها يمسون كلّ يوم في ملمة، ويمسون في كربة، ضاقت أوقاتهم عن سعة الكوارث التي تلمّ بهم، وصار الخوف عليهم أشد من الرجاء لهم.
هذه الأمة التي كانت الدول العظام يؤدّين لها الجزية عن يد وهي صاغرة، استبقاءً لحياتهم، وحكامها في هذه الأيام يرون بقاءهم في التزلّف إلى تلك الدول الأجنبية، يا للمصيبة ويا للرزيّة.
أليس هذا بخطب جلل؟! أليس هذا ببلاء نزل؟! ما سبب هذا الهبوط؟ وما علة هذا الانحطاط؟ هل نسيء الظن بالعهود الإلهية؟! معاذ الله، هل نستيئس من رحمة الله؟! نعوذ بالله، هل نرتاب في وعده بنصرنا بعد ما أكده لنا؟! لا كان شيء من هذا ولن يكون، فعلينا أن ننظر في أنفسنا، ولا لوم لنا إلا عليها، إن الله تعالى برحمته قد وضع لسير الأمم سننًا متبعة ثم قال: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأحزاب:62].
عباد الله، هكذا جعل الله بقاء الأمم ونماءها في التحلي بالفضائل، وجعل هلاكها ودمارها في التخلي عنها، سنة ثابتة، لا تختلف باختلاف الأمم، ولا تتبدل بتبدل الأجيال، كسنة الله تعالى في الخلق والإيجاد وتقدير الأرزاق وتحديد الآجال.
علينا أن نرجع إلى قلوبنا، ونمعن مداركنا، ونسبر أخلاقنا، ونلاحظ مسالك سيرنا، لنعلم هل نحن على سيرة الذين سبقونا بالإيمان؟ هل نحن نقتفي أثر السلف الصالح؟ هل غيّر الله ما بنا قبل أن نغيّر ما بأنفسنا وخالف فينا حكمه وبدّل في أمرنا سنته؟ حاشاه وتعالى عما يصفون، بل صدقنا الله وعده حتى فشلنا وتنازعنا في الأمر وعصيناه من بعد ما أرى أسلافنا ما يحبون، وأعجبتنا كثرتنا فلم تغن عنا شيئًا، فبدّل عزّنا بالذل، وسُموَّنا بالانحطاط، وغنانا بالفقر، وسيادتنا بالعبودية، نبذنا أوامر الله ظهريًا، وتخاذلنا عن نصرته، فجازانا بسوء أعمالنا، ولم يبق لنا سبيل إلى النجاة والإنابة إليه.
عباد الله، أيحسب اللابسون لباس المؤمنين أن الله يرضى منهم بما يظهر على الألسنة ولا يمس سواد القلب؟! هل يرضى منهم بأن يعبدوه على حرف، فإن أصابهم خير اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجوههم، خسروا الدنيا والآخرة؟! هل ظنوا أن الله لا يعلم ما في صدورهم، ولا يمحص ما في قلوبهم؟! ألا يعلمون أن الله لا يذر المؤمنين على ما هم عليه حتى يميز الخبيث عن الطيب؟! هل نسوا أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم للقيام بنصرة الله وإعلاء كلمته، لا يبخلون في سبيله بمال؟! فهل لمؤمن بعد هذا أن يزعم نفسه مؤمنًا وهو لم يخط خطوة في سبيل الإيمان، لا بماله ولا بروحه؟!
إنما المؤمنون هم الذين قال لهُم النَّاس: إنَّ النَّاسَ قد جمَعوا لكُم فاخشوهُم، فزادهُم إِيمانًا وقَالوا: حَسبُنا الله ونعمَ الوكِيل.
فلينظر كلّ إلى نفسه، ولا يتتبّع وساوس الشيطان، وليمتحن كل واحد قلبه قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة، وليطابق بين صفاته وبين ما وصف الله به المؤمنين وما جعله من خصائص الإيمان، فلو فعل كل منا ذلك لرأينا عدل الله فينا واهتدينا.
يا سبحان الله، إن هذه أمتنا أمة واحدة، والعمل في صيانتها من الأعداء أهم فرض من فروض الدين عند حصول الاعتداء، يثبت ذلك نص الكتاب العزيز وإجماع الأمة سلفًا وخلفًا، فما لنا نرى الأجانب يصولون على البلاد الإسلامية صولة بعد صولة ويستولون عليها دولة بعد دولة والمتّسِمون بسمة الإيمان أهلون لكل أرض متمكّنون بكل قطر، ولا تأخذهم على الدين نصرة، ولا تستفزهم للدفاع عنه حمية؟!
ألا يا أهل القرآن، لستم على شيء حتى تقيموا القرآن، وتعملوا بما فيه من الأوامر والنواهي، وتتخذوه إمامًا لكم في جميع أعمالكم، مع مراعاة الحكمة في العمل، كما كان سلفكم الصالح.
ألا يا أهل القرآن، هذا كتابكم فاقرؤوا منه: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [محمد:20].
ألا تعلمون فيمن نزلت هذه الآية؟! نزلت في وصف من لا إيمان لهم. هل يسرّ مؤمنًا أن يتناوله هذا الوصف المشار إليه بالآية الكريمة أو أنه قد غرّ الكثيرين من المدّعين للإيمان ما زيّن لهم من سوء أعمالهم، وما حسنته أهواؤهم؟! http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [محمد:24].
أقول ولا أخشى نكيرًا: لا يمس الإيمان قلب شخص إلا ويكون أول أعماله تقديم ماله وروحه في سبيل الإيمان، لا يجد في ذلك عذرًا ولا علة، وكل اعتذار في القعود عن نصرة الله هو آية للنفاق وعلامة للبعد عن الله.
ومع هذا كله نقول: إن الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة كما جاء به نبأ النبوة، وهذا الانحراف الذي نراه اليوم نرجو أن يكون عارضًا وأن يزول، ولو قام العلماء الأتقياء وأدوا ما عليهم من النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين وأحيوا روح القرآن وذكروا المؤمنين بمعانيه الشريفة واستلفتوهم إلى عهد الله الذي لا يخلف لرأيت الحق يسمو والباطل يسفل، ولرأيت نورًا يبهر الأبصار وأعمالاً تحار فيها الأفكار.
وإن الحركة التي نراها في نفوس المسلمين في أغلب الأقطار هذه الأيام تشهد أن الله قد أعد النفوس لصيحة حق يجمع بها كلمة المسلمين ويوحّد بها بين جميع الموحدين، ونرجو أن يكون العمل قريبًا، فإن فعل المسلمون ذلك وأجمعوا أمرهم للقيام بما أوجب الله عليهم صحت منهم الأوبة، ونصحت منهم التوبة، وعفا الله عنهم، والله ذو فضل على المؤمنين.
فعلى العلماء أن يسارعوا إلى هذا الخير، وهو الخير كله، جمع كلمة المسلمين، والفضل كل الفضل لمن يبدأ منهم بالعمل، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الكهف:17].
عباد الله، أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يقول: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) أو كما قال.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، يا فوز المستغفرين، استغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله على ما علم من البيان، وألهم من التبيان، وتمم من الجود والفضل والإحسان. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله لا ينقص خزائن ملكه العطاء، ولا تبرمه المسائل، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، المبعوث بأكمل الأديان، المنعوت في التوراة والإنجيل والقرآن، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان.
عباد الله، كلما طال أمد الاحتلال ازدادت أوضاعنا سوءًا، واتسعت دائرة التيه والضياع والقلق، وتفاقمت الأمور داخل البيت الفلسطيني، سيما في منطقة القدس، الأرض التي رويت بدماء الصحابة والشهداء لاستمرار بقائها وإسلاميتها.
أيها المسلمون، لا أريد أن أتحدث عن ممارسة الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني على امتداد الوطن الفلسطيني، هذه الممارسات اليومية التي أصبحت أمرًا مسلّمًا به، ولا نملك قوة ولا حيلة لدفع الأذى عن أنفسنا.
فمسلسل الاغتيلات والتصفيات والاجتياحات والاعتقالات وتجريف الأراضي وهدم المنازل كلها أصبحت أمورًا اعتيادية، فلا نجد من يستنكرها أو يشجبها على المستويين الرسمي والشعبي، وقد رأيتم وسمعتم ما فعله الاحتلال من جرائم ظالمة في بيت حانون أمس الخميس، فقوافل الشهداء تتسابق على ثرى هذه الأرض، فمزيدًا من الصبر يا أهلنا، ومزيدًا من الثبات والرباط، وتيقنوا أن الله معكم، وسيكتب النصر لكم إن شاء الله.
أيها المسلمون، زادت في الآونة الأخيرة حالات القتل والاقتتال بين الأفراد والجماعات والعائلات، داخل المجتمع الفلسطيني لأتفه الأسباب، وعادت همجية الجاهلية دون خوف أو وجل من الله تعالى، دون تحكيم الشرع الحنيف.
هذه الظاهرة السلبية في مجتمعنا، سيما في شوارع القدس، وقد تحدثنا مرارًا عن الانفلات الأخلاقي، وكثيرًا ما تحدث المشاحنات والاقتتال بين الشباب وعلى مرأى ومسمع من جنود الاحتلال، إنهم يريدون انتشار الرذيلة والفساد والضياع.
لقد نسي هؤلاء أننا نعيش في احتلال بغيظ، ونسوا أننا كل يوم نشيع مجموعة من الشهداء، ونسوا طوق الخناق الذي يحيط بمدينة الإسراء والمعراج، ونسوا الجدار الظالم الذي تقيمه دولة الاحتلال.
أيها المسلمون، وأشير هنا إلى ظاهرة تعاطي المخدرات، والتي تفتك بالشباب، وتساهم في إسقاطهم أخلاقيًا وأمنيًا ووطنيًا، وتؤدي لانجرارهم وراء الجريمة، وللأسف الشديد إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن تعاطي المخدرات والوقوع في جرائم الزنا قد طال الفتيات وطلاب المدارس والجامعات والمعاهد والكليات، فلا بد من الصحوة الجادة، ولا بد من استئصال الفساد من مجتمعنا مهما كلف الثمن.
أيها المسلمون، للأسف الشديد إن عالمنا الإسلامي لم يدرك حتى اليوم حجم المؤامرات التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين، وبخاصة هنا في أرض الإسراء والمعراج.
عباد الله، لقد وزعت في الآونة الأخيرة منشورات من قبل فئات يهودية متعصّبة، تطالب فيها المسلمين أن يرحلوا من أرض فلسطين، وتزعم أن هذه الأرض المباركة لهم وحدهم فقط، وذلك حسب مفاهيمهم التوراتية. ونقول لهؤلاء: إن فلسطين كلها أرض إسلامية، والمسلمون فيها مرابطون حتى قيام الساعة، وما كان لكم أن توزعوا هذه الأفكار الضالة إلا في غياب دولة المسلمين، وإن جميع المسلمين في فلسطين يعاهدون الله على الرباط في هذه الديار المقدسة مهما بلغ قهر واستبداد وظلم المحتلين.
وبنفس الوقت ليسأل هؤلاء أنفسهم: من الغرباء عن هذه الأرض؟ من الذين جاؤوامن أوروبا أو جاؤوا من الشرق والغرب؟ فنحن أبناء هذه الأرض المباركة كما قرر الله تعالى في كتابه في القرآن الكريم، وليس كما يدعي هؤلاء كذبًا وزورًا وبهتانًا على التوراة والإنجيل الذي دخلت إليه أياديهم، فحرفوا كلام الله وكتبه ورسالاته.
أيها المسلمون، نتناول في خطبة اليوم عدة ظواهر سلبية، تقض مضاجعنا، بل هي أخطر على وجودنا من ممارسات الاحتلال.
عباد الله، نتيجة لاستمرار الاحتلال وغياب دولة الإسلام وعدم تطبيق منهج الله في المعاملات اختلت الموازين والقيم، وأصبحت ظاهرة الانفلات الأمني وغياب القانون وتفشي الرذيلة والفساد من الأمور التي تزيد من معاناة شعبنا الفلسطيني، وتفتك بعضد الأمة، وتفتت المجتمع.
إن هذه الظواهر السلبية قد أعطت المتسلقين والمنحرفين واللصوص الفرصة السانحة لترويع المواطن، وسرقة أموالهم وسياراتهم وأراضيهم، بطرق ملتوية وأساليب قذرة، حتى المساجد لم تسلم من السرقة، سماعات المساجد تسرق، عجب عجاب، وأمر في غاية الاستغراب!
وقد زادت المعاملات الربوية، وأخذ القروض البنكية بفوائد ربوية، تحت ذرائع واهية، والربا كله حرام، وقد هدد الله المرابي، وشتت شمله إربًا إربًا، وجعله لجهنم حطبًا، وجعل الخير والبركة في الكسب الحلال، وصدق قوله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:276].
فالربا ـ أيها المسلمون ـ أخطر شيء على مصالح البشر، وأدعاها إلى فوضى الحياة الاجتماعية العملية، وأسرعها إلى الفقر المدقع واليأس المرير، وقد أعلن الله تعالى الحرب على المرابين، فضلاً عن الخسارة وذهاب الأموال ونزول الأمراض والمصائب وتكدير الحياة، وقد ورد في الحديث: ((لعن الله الربا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده)).
أيها المسلمون، لم يعرف المسلمون إباحة الربا إلا في عصر الاستعمار، عندما جاءنا الاستعمار الغربي، واحتل ديارنا، وأصبح هو المتحكم في رقابنا، وهو الذي يسوس تعليمنا واقتصادنا، ويسوس كل أمورنا، وأصبح التشريع في يده، وأصبح القانون في يده، وغدت الثقافة في يده، فأصبح يكيّف حياتنا وفقًا لفلسفته هو، فأحل ما حرم الله، وحرم ما أحل الله، وأسقط ما أوجب الله، وشرع ما لم يأذن به الله.
وتذكروا دائمًا ـ يا عباد الله ـ أنه إذا ظهر الربا والزنا في قرية أحلّوا بأنفسهم عذاب الله، فظهور الزنا دلالة على فساد الحياة الاجتماعية، وظهور الربا دلالة على فساد الحياة الاقتصادية، فإذا اجتمعت العلتان ضاعت الأمة.
تيقنوا ـ أيها المسلمون ـ دائمًا أن عزتكم لا تكون إلا في دولة الإسلام، وأن وحدتكم وكرامتكم ورفعة شأنكم وسمو أخلاقكم لا تكون إلا بالتمسك بقرآنكم وسنة نبيكم والسير على منهج الله في الأرض، وبغير ذلك لن تفلحوا أبدًا.
وبالمقابل لا بد من الحديث عن الأسرى والمعتقلين الذين بذلوا أرواحهم وأنفسهم من أجل رفعة الأمة، وبالتالي يجب أن تكون قضيتهم من أهم القضايا التي يجب الاهتمام بها، ومن هنا ومن على هذا المنبر الشريف نتوجه إلى المسؤولين أن يهتموا بقضية الأسرى والمعتقلين، وأن يضعوا حدًا للممارسات الإسرائيلية الظالمة ضدهم ووسائل التعذيب الهمجية التي يعاملون بها، ونسأل الله تعالى أن يفك أسرهم ويفرج كربهم، وأن يحفظهم ويرعاهم برعايته، وأن يطلق سراحهم، وأن يعيدهم سالمين غانمين.
اللهم يا سامع الصوت، ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحمًا بعد الموت، لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا حاجة من حوائج الدنيا إلا أعنتنا على قضائها بيسر منك وعافية مع المغفرة...