المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 20/8/2004م وفق 4 رجب 1425 هجري


admin
05-13-2009, 10:27 AM
تاريخ الخطبة: 4 رجب 1425 وفق 20/8/2004م
عنوان الخطبة: جريمة حرق المسجد الأقصى
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم, جرائم وحوادث
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة
1- جريمة حرق المسجد الأقصى. 2- الاعتداءات على المسجد الأقصى ومدينة القدس. 3- منظمة المؤتمر الإسلامي. 4- معاناة المعتقلين في السجون الإسرائيلية.

الخطبة الأولى
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره. قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [فصلت:46].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ويحترق المسجد الأقصى المبارك قبل خمسة وثلاثين عامًا بِيَد الغدر ونار الحقد، بجريمة بشعة خُطِّط لها بليل ودُبِّر لها بإحكام، ونفِّذت في ظلّ الاحتلال أول جريمةِ حرقٍ للمسجد الأقصى في تاريخه.
لقد استيقظ كلّ أهل القدس ورأوا المسجد صباح يوم الحادي والعشرين من شهر آب لعام ألف وتسعمائة وتسع وستين، استيقظوا على استغاثات المسجد، تنطلق من حناجر المرابطين الذين هبّوا لإطفاء الحريق بنور إيمانهم وصدق عزيمتهم وثبات موقفهم الذي لا يرضخ لمخطّطات العدوان ولا يستكين لجرائم المحتلين. ولقد شاهد العالم ألسنة النيران التي علت قبّة المسجد تشكو إلى الله ظلمَ الظالمين واعتداء المعتدين الذين لا يرعَون للمقدسات حرمةَ، ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إنّ الحريق الذي استهدف المسجد الأقصى وجودًا وحضارة لم يتوقّف عند إحراق منبر صلاح الدين الأيوبي والأجزاء التي تمثّل فنّ الحضارة والعمارة الإسلامية على امتداد التاريخ الإسلامي في المسجد الأقصى، بل امتدّ هذا الحريق وانتشر في ربوع أرضنا المباركة بأشكال متعدّدة؛ في محاولات لطمس معالم هذه الديار وفرض التهويد على الأرض والمقدسات، وفي الطليعة وبؤرة الصراع تأتي مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك.
لقد زحف ويزحف التهويد على هذه المدينة من خلال المستعمرات والمستوطنات التي تتطوَّقها من جميع جهاتها، بل امتدّت هذه المستوطنات إلى أحيائها العربية، ومن شأنها تقطيع أوصال هذه الأحياء وفصلها عن بعضها البعض. كما انتشر سرطان الاستيطان في الأراضي الفلسطينية من خلال مصادرات الأراضي من أصحابها الشرعيين لإقامة المستوطنات وابتلاع أكبر قدر من الأرض في بناء وإقامة الطرق والشوارع الالتفافية، مما أحرق مقوّمات الاقتصاد لأبناء شعبنا الذي يعتمد على الزراعة واستغلال الأرض التي جرفت من قبل الاحتلال ودمّرت مزارعها وقطعت الملايين من أشجارها.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، لم يكن الحريق المشؤوم للمسجد الأقصى المبارك الاعتداءَ الوحيد على هذا المسجد، بل تعددت أشكال العدوان التي استهدفت وتستهدف المسجد من خلال الحفريات التي جرت وتجري خاصّة في الجهة الجنوبيّة الشرقية من جدران المسجد، ومن الجهة الغربية التي كان من أخطرها نفق البراق الذي يمتدّ من ساحة البراق بمحاذاة الجدار الغربي للمسجد الأقصى وأسفل الأروقة والمدارس الإسلامية التي تعود إلى فترات متقدمة من العصر الأمويّ والعباسي والمملوكي، وصولاً إلى العهد العثماني. هذا النفق الذي أثر وما يزال يؤثِّر على العمائر الإسلامية والأملاك الوقفية الواقعة فوقه بالتصدع والتشقق، ويعرضها لخطر الانهيار. كما نفذ المعتدون من خلال هذا النفق إلى "بئر قايتباي" الواقع في مواجهة قبة الصخرة المشرفة، إلا أن الأوقاف الإسلامية استطاعت وبوقفة شجاعة من أبناء هذه الديار إعادة الأمور إلى سابق عهدها، وتجنيب أرض المسجد الأقصى دنس هذا العدوان.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن المسجد الأقصى المبارك الذي تعرض لاعتداءات كثيرة في ظل الاحتلال من الحرق إلى الحفريات إلى إطلاق النار في ساحاته وفي أروقته وتحت قبابه واستشهاد الأبرياء من المصلين في رحابه الطاهرة وهم يذودون عنه بصدورهم العارية إلا من وهج الإيمان وقوّة الإرادة والعقيدة في ردّ العدوان وإفشال أهداف المعتدين في فرض الأمر الواقع على المسجد ومرافقه والتدخل في شؤونه، في هجمة تستهدف السيطرة عليه لتنفيذ أحلام الحالمين بهيكل مزعوم على أنقاضه، لا سمح الله.
وفي الوقت الذي تشتدّ فيه وطأة الاحتلال على شعبنا وأرضنا بقصف الأبرياء في المدن والقرى والمخيمات وسقوط مواكب الشهداء على ثرى هذه الأرض الطاهرة التي أبت وأبى شعبها المرابط أن يركع إلا لله وحده، فلن تلين قناة هذا الشعب للحصار والإغلاق والحواجز، ولا لجدران الفصل العنصرية التي تمزق أوصال الوطن في محاولات يائسة للنيل من شعبنا والقفز عن تضحياته لتمرير مخططات الاحتلال وتنفيذ أهدافه التي ما عادت خافية على أبناء شعبنا وعلى أبناء الشعوب الإسلامية، بل وعلى إرادة المجتمع الدولي الذي أعلن تأييده لقرار محكمة العدل الدولية الخاص بجدار الفصل، والذي اعتبر مخالفًا للقانون الدولي من خلال تصويت الغالبية الساحقة من دول المنظمة الدولية إلى جانب قرار محكمة العدل الدولية، وطالب حكومة الاحتلال بضرورة إزالة المبنى منه والتوقف عن انتهاك القانون الدولي وتعويض المتضرّرين من أبناء شعبنا جراء إقامة هذا الجدار.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إثر حرق المسجد الأقصى قبل خمسة وثلاثين عاما قامت منظمة المؤتمر الإسلامي التي تشمل كل الدول الإسلامية، وانبثقت عن هذه المنظمة لجنة القدس للاهتمام بشؤون المدينة المقدسة، وفي مقدمة ذلك المقدسات الإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، فماذا صنعت هذه المنظمة ولجنتها لحماية المسجد الأقصى من الأخطار التي تحدق به؟! وماذا فعلت هذه المنظمة ولجنتها للمحافظة على وجه القدس الإسلامي وطابعها الحضاري؟! ألم تسمع دول هذه المنظمة بتحذيرات وزير الأمن الإسرائيلي من جهات يمينية صهيونية تريد الأذى بالمسجد الأقصى والمصلين فيه؟! فماذا عساها تفعل دول المنظمة الإسلامية لإلزام الحكومة الإسرائيلية بكبح جماح المتطرفين اليهود ومنعهم من تنفيذ اعتداءاتهم؟! أم أن الدول العربية والإسلامية مشغولة بهموم المحافظة على كياناتها واسترضاء قوى الاستكبار العالمي على حساب دينها وعقيدتها ومقدساتها وكرامتها؟!
إننا من على هذا المنبر الشريف، ومن هذه الرحاب الطاهرة نخاطب المسلمين جميعًا ونقول: إن القدس ومسجدها الأقصى أمانة الفاروق عمر ومحرّره صلاح الدين، تهيب بأمتنا إلى حماية مسجدها والدفاع عنه أمام المخاطر التي تحدق بها قبل فوات الأوان، ولات ساعة مندم.
اللهم هل بلّغنا، اللهم فاشهد.
جاء في الحديث الشريف عن الصحابي الجليل ذي الأصابع رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أين تأمرنا إن ابتلينا بالبقاء بعدك؟ قال: ((عليك ببيت المقدس، فلعله ينشأ لك بها ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون)) رواه أحمد.

الخطبة الثانية
الحمد لله الهادي إلى صراطه المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى أصحابه أجمعين، ومن اهتدى واقتدى بهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، يخوض أبناء الحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية معركةَ الأمعاء الخاوية دفاعًا عن كرامتهم وحقّهم في الحياة بكرامة وإنسانية، هذا الحقّ الذي ضمنته كل الشرائع السماوية، التي كرّمت الإنسان، ومنعت الحدّ من حريته، وأوجبت توفيرَ متطلبات العيش الكريم له في جميع الأحوال، حتى ولو كان سجينًا أو معتقلاً.
كما أكدت القوانين الوضعية والمواثيق والمعاهدات الدولية حقّ السجين في المعاملة اللائقة بكرامة الإنسان، فمنعت تعذيبَه الجسديّ، أو إيذاءه النفسي، فأين هذه المعاهدات والمواثيق التي ترعاها المنظمات الدولية من أبناء الحركة الأسيرة لأبناء شعبنا الفلسطيني؟!
لقد تعرّض السجناء من جلاديهم لأصناف التعذيب الجسديّ والنفسيّ والحرمان من أبسط حقوقهم في الغذاء أو الدواء، بل لقد تعرّضوا لما يجرح الكرامة ويخدش الحياء من أعمال مشينة؛ كتعريتهم أثناء التفتيش، وغير ذلك من أنواع الأذى بالعزل الانفرادي، في أوضاع لا تتناسب وأدنى حقوق الكرامة الإنسانية.
ومنع الاحتلال ذويهم من زيارتهم لفترات طويلة، عدا ما تقوم سلطات السجون به بين الفينة والأخرى، من قمع وعقوبات جماعية لكافة السجناء، بإطلاق قنابل الغاز داخل غرف السجن وضرب السجناء ضربًا مبرحًا.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أيها المسلمون في كل مكان، إن الأسرى من أبناء شعبنا هم الذين قدموا التضحيات الجِسام من أجل كرامة هذا الشعب وحرية هذه الأرض الطاهرة، وهم يستحقون من شعبهم وأمتهم أسمى آيات الاعتزاز والتقدير، والوقوف صفًا واحدًا أمام مطالبهم لتحقيق الكرامة لهم والعمل على تحريرهم وإطلاق سراحهم من أسر السجان وظلم الجلاد.
إنهم طليعة الحرية وطلاب الحقّ وحراس كرامة، ليس لأنفسهم، بل لشعبهم وأمتهم.
إننا من هذه الرحاب الطاهرة، وباسم الحشود المرابطة في رحاب المسجد الأقصى وأكناف بيت المقدس نبعثها تحيّة إكبار وإجلال واحترام لأبناء الحركةِ الأسيرة، نشدُّ على أيدِيهم، نقف معهم في سبيل حريّتهم وتحقيق مطالبهم الإنسانية، ونهيب بكافّة أبناء شعبِنا، وندعوهم إلى مؤازرة الأسرَى في معركة كرامَتهم، من خلال خيام الاعتصام، ورفع مطالبهم إلى كافة المؤسسات والهيئات والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، ومطالبة دول العالم بأسره بنصرة هذه القضية الإنسانية وردع سلطات الاحتلال عن ممارستها القمعية ضد أسرانا ومعتقلينا، داعين الله عز وجل أن يفرج كربهم، ويعجل خلاصهم، إنه نِعم المولى ونعم النصير.