المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 15/10/2004م وفق 1 رمضان 1425 هجري


admin
05-13-2009, 11:31 AM
<EMBED style="WIDTH: 500px; HEIGHT: 44px" src=2004-10-15.wma width=500 height=44 type=audio/x-ms-wma>

تاريخ الخطبة: 1 رمضان 1425 وفق 15/10/2004م
عنوان الخطبة: استقبال شهر رمضان المبارك
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد, فقه
الموضوع الفرعي: الصوم, المسلمون في العالم
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- البشارة بقدوم شهر رمضان. 2- فضائل رمضان. 3- زعم باطل. 4- دعوة للصلاة بالمسجد الأقصى. 5- التحري في وقت المغرب. 6- رمضان شهر الجد. 7- حقيقة الصيام. 8- الاجتياح الإسرائيلي لشمال غزة. 9- قضية المسجد الأقصى.

الخطبة الأولى
أما بعد: فقد روى الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام خطب في آخر يوم من شهر شعبان قائلاً: ((يا أيها الناس، قد أظلّكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة)).
أيها المسلمون، أيها الصائمون، اليوم الجمعة، وهو الأول من شهر رمضان لعام ألف وأربعمائة وخمس وعشرين للهجرة، فقد أطلّ علينا هذا الضيف العزيز على قلب كلّ مؤمن، إنه شهر الخير والبركات، شهر القربى والعبادات، شهر الإنجازات والانتصارات. فيه تفتح خزائن الفضل والرحمة والإحسان، تقبِل ليالي الجود والعفو والغفران لقول رسولنا الأكرم: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)). والحكمة من ذلك حتى يكون للناس حافز بالإقبال على الله عز وجل، وبالتوبة الخالصة لله رب العالمين، فإن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، ينتظر التائبين المستغفرين العابدين، فهل من تائب يتوب لله عز وجل؟ هذا الشهر الذي أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، سنصلي ـ بإذن الله ـ خمس جمَع في هذا الشهر الفضيل، وفي ذلك مزيد ثواب، ولا صحّة لما يشاع لدى العامة من الناس بأنهم يتشاءمون من شهر فيه خمس جمع، فالأمر يدعونا إلى التفاؤل، لا إلى التشاؤم، ويدعونا إلى الحصول على المزيد من الثواب إن شاء الله. وطوبى لمن صلى الجمعة في المسجد الأقصى المبارك في هذا الشهر الفضيل، فيكون قد جمع ثلاث فضائل: الجمعة له فضيلة، والأقصى له فضيلة، والصوم له فضيلة. فاحرصوا ـ أيها المسلمون ـ على صلاة يوم الجمعة في المسجد الأقصى المبارك.
وعليه نقول: ينبغي على كل مسلم يتمكن من الوصول إلى المسجد الأقصى أن يشد الرحال إليه، وإن من يستطيع الوصول إلى الأقصى ولم يأت إليه فإنه يكون آثمًا شرعًا.
ونقول للذين يقيمون الجمعة في مساجد أحياء وضواحي القدس، نقول لهم: أن يتقوا الله في الأقصى، وينبغي عليهم التوجه إلى الأقصى في جميع أيام الأسبوع، وبخاصة يوم الجمعة، سواء أعجبتهم الخطبة أم لم تعجبهم.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، إن المسلمين في هذا الشهر يعيشون عبادة متواصلة من صلاة للتراويح وتلاوة للقرآن الكريم، في الوقت نفسه فهم يُمتحنون امتحانًا شديدًا لما يشاهدونه من معاص وتحديات ومنغصات وتجاوزات بفعل الاحتلال البغيض خلال هذا الشهر الفضيل، فإن هذا الشهر شاهد يوم القيامة بالإحسان لمن أحسن، وبالإساءة لمن أساء، والعاقبة للمتقين، فطوبى للصائمين، والويل للمفطرين، والويل للمنغصين.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، بحمد الله وتوفيقه بدأ المسلمون في مختلف الأقطار صومهم في يوم واحد، ونسأل الله العلي القدير أن يجمع صفوفهم ويوحد كلمتهم ويرفع رايتهم، راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله". ونتوقع أن يكون عيد الفطر السعيد لدى جميع المسلمين في يوم واحد أيضًا إن شاء الله، لنطمئن على عباداتنا، كيف لا والصوم ركن من أركان الإسلام؟!
هذا وقد وزعت عدة إمساكيات دون مراجعة دور الفتوى لها، مما أدى إلى وقوع بعض الأخطاء المطبعية والعلمية فيها، ومنها موعد صلاة عيد الفطر، فإن موعد صلاة عيد الفطر هو الساعة السادسة وأربعون دقيقة. وسننبه إلى هذا الموعد قبيل حلول عيد الفطر، ونقول للصائمين أن يتأكدوا من دقة وقت المغرب حين الإفطار، وكذلك بالنسبة لأذان الفجر حين الإمساك.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، هل صحيح أن شهر رمضان هو شهر خمول وكسل ومضيعة للوقت وتوقف عن العمل؟! والجواب: إن هذا الشهر في الحقيقة هو شهر عمل ونشاط واندفاع لعمل الخير والعبادة وتحقيق الانتصارات.
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر أشد، وكان يحيي ليله، ويوقظ أهله، ويشد المئزر.
وكما هو معلوم يعرف شهر رمضان بشهر الانتصارات؛ لأن الانتصارات المهمة في تاريخنا الإسلامي قد وقعت في شهر رمضان، فقد كان النصر فيها حليف المسلمين الصائمين.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، يتوهم بعضٌ بأن الصوم هو الامتناع في نهار رمضان عن تناول الطعام والشراب والجماع فقط، فهل هذا صحيح؟! والجواب: لم يكتف الإسلام بأن يكون الصيام هو الامتناع عن الأكل والشرب والجماع فقط، بل أوجب الامتناع عن ارتكاب المعاصي، وأوجب الكف عن الآثام كالكذب والغيبة والنميمة وقول الزور والخوض في أعراض الناس، كما أوجب ديننا العظيم حفظ اللسان عن فحش الكلام وأرذله.
وهناك ـ يا مسلمون ـ عشرات الأحاديث النبوية التي توضح ذلك، منها قوله: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، وقوله: ((ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم))، وفي الحديث القدسي: ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن ادم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم)).
إذًا يا مسلمون، ما فائدة صيام من يفحش في كلامه ويؤذي الناس بلسانه؟ وقد أجاب رسولنا الأكرم محمد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif عن ذلك بقوله: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش))، وفي رواية أخرى: ((كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)). فما بالكم ـ أيها المسلمون ـ فيمن يسب الدين والرب والعياذ بالله وهو صائم بحجة أنه عصبي ومزاجي في الصيام؟! فهل يبقى مسلمًا؟! إنه خرج من الإسلام وبئس المصير، والله غني عن العالمين وعنه وعن صومه، سواء كان صائمًا أو غير صائم.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، توبوا إلى الله رب العالمين توبة نصوحًا لعلكم ترحمون وتنتصرون. ها قد أطل عليكم شهر التوبة والمغفرة والعبادة، فأحسنوا صيامه وقيامه، وضاعفوا فيه الطاعة، وحافظوا على حرمته، وتزودوا لآخرتكم فإن خير الزاد التقوى، قال رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((الطهور شطر الإيمان، وسبحان الله والحمد لله تملأ الميزان، والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض، والطهور نصف الإيمان، والصوم نصف الصبر)).

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، مع حلول شهر رمضان المبارك لا تزال هناك قضيتان ساخنتان تواجهان شعبنا الفلسطيني المرابط:
القضية الأولى: بشأن الاجتياح الإسرائيلي العسكري الاحتلالي لشمال قطاع غزة منذ أسبوعين، مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن مائة شخص من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء، وهدم العشرات من المنازل والمصانع والمكاتب، وقلع الآلاف من الأشجار المثمرة، وذلك بأسلحة أمريكية فتاكة. أمريكا التي استعملت حقّ النقض "الفيتو" في مجلس الأمن إمعانًا منها في معاداتها للإسلام والمسلمين، ويخطئ من يظن أن الشعب الفلسطيني سيستسلم أو أنه سيركع أو أنه سيرفع الراية البيضاء.
إن الشعب الفلسطيني شعب مؤمن له جذوره في الأرض المباركة المقدسة، وإنه سيستمر ثباته لما عنده من إيمان وحقّ شرعي، في الوقت نفسه ندين الصمت العربي المريب من قبل الأنظمة العربية، فإن الصمت لن يفيدها، ولن يثبت كراسيها، ولا يصح إلا الصحيح، وليقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
هذا وستقام صلاة الغائب على أرواح شهدائنا الأبرار في غزة والعراق وأفغانستان.
القضية الثانية: تتعلق بالمسجد الأقصى بشكل عام، والمصلى المرواني بشكل خاص، إنه الأقصى الذي يرتبط به مليار ونصف المليار مسلم في العالم ارتباطًا عقديًا إيمانيًا.
إن باحات الأقصى تمثل جزءًا لا يتجزأ من الأقصى دينيًا وتعبديًا، إنها تستوعب ما يزيد عن ثلاثمائة ألف مصل. إذًا ما معنى تحديد السلطات الإسرائيلية المحتلة لأعداد المصلين وأعمارهم؟! والمعلوم أن باحات الأقصى مكشوفة، وليست فيها إنشاءات ولا مبان، وإذا كانت السلطات المحتلة حريصة على أرواح المسلمين فلماذا تحدد الأعمار وتحرم الشباب من الصلاة؟! فهل هذا هو العلاج؟!
إن الإجراءات الاحتلالية منذ عام 1967 وحتى الآن تهدف إلى حرمان المواطنين من العبادة، وبخاصة في شهر رمضان المبارك عبر السنوات الماضية، وهذا يتعارض مع حرية العبادة، ويتعارض مع أبسط حقوق الإنسان.
إن الأقصى للمسلمين وحدهم، وإن الأروقة للمسلمين وحدهم، ولن نقبل بأي مشاركة في إدارة المسجد الأقصى المبارك لغير المسلمين.
وسيبقى أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس الحراس والسدنة للأقصى، ولن يتخلوا عنه بأي حال من الأحوال، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس)).