المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ إسماعيل نواهضة من المسجد الأقصى بتاريخ 29/10/2004م وفق 15 رمضان 1425 هجري


admin
05-13-2009, 11:37 AM
<EMBED style="WIDTH: 492px; HEIGHT: 44px" src=2004-10-29.wma width=492 height=44 type=audio/x-ms-wma>

تاريخ الخطبة: 15 رمضان 1425 وفق 29/10/2004م
عنوان الخطبة: معركة بدر ومجزرة الحرم الإبراهيمي
الموضوع الرئيسي: سيرة وتاريخ
الموضوع الفرعي: معارك وأحداث
اسم الخطيب: إسماعيل الحاج أمين نواهضة

ملخص الخطبة
1- إكرام الله تعالى للأمة بشهر رمضان. 2- في ذكرى معركة بدر الكبرى. 3- صناعة النصر. 4- تضرع النبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه وثقته بنصر الله. 5- المسلمون بين الخوف والرجاء. 6- منزلة المسجد الأقصى في قلوب المسلمين. 7- العداء الكافر على بلاد المسلمين. 8- مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل 9- الحث على الصدقة والإحسان.

الخطبة الأولى
يقول الله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:123-127].
لقد أكرم الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية بشهر مبارك عظيم، بشهر رمضان، شهر القرآن الكريم، شهر النفحات الربانية وتهاطل الرحمات وفيض الخير والبركات، شهر الانتصارات والبطولات والفتوحات، شهر الذكريات، فإنّ فيه أجمل ذكريات الأمة الإسلامية، نصر الله فيه نبيه ورسوله محمدًا http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif، وفيه أيد دينه.
فالأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها تتطلع لمثل ذلك النصر على أعدائها، وما فتئت تعيش سعيدة في دنيا ذكرياتها، يحدوها الأمل بعز الإسلام وإشراق نوره وتبديد الظلام وإن طال زمانه.
في مثل هذ الشهر المبارك، يوم الجمعة في السابع عشر منه، في السنة الثانية من الهجرة النبوية وقعت غزوة بدر الكبرى، حيث ندب رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif أصحابه للخروج، ولم يعزم عليهم أن يخرجوا معه؛ لاعتراض قافلة تجارية لقريش، يقودها أبو سفيان، ويحرسها رجال لا يزيدون عن أربعين فارسًا، فخرج مع رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif من المهاجرين والأنصار ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً بلا عدّة ولا استعداد، وإذا بهم يقفون وجهًا لوجه أمام ما يقرب من ألف رجل من صناديد قريش، مدجّجين بالسلاح، متدرّعين في الحديد، محاطين بكل وسائل الرفاهية والخيلاء، وتحفّ بهم النساء، وتعزف لهم القيان، وتقرع أمامهم الطبول والدفوف، وتقدم لهم أشهر أنواع الأطعمة وأصناف الشراب. أما القافلة فقد راغ بها أبو سفيان عن الطريق، ومال بها عن أن تقع غنيمة في أيدي المسلمين. نجت القافلة، وأقبل عوضًا عنها النفير، وما أدراكم ما النفير، وكانت المعركة الفاصلة التي خلدها الله تعالى في كتابه الخالد، وتركها آيات تتلى أبد الدهر.
لقد كانت غزوة بدر الكبرى أولى المعارك الفاصلة في الإسلام بين قوة الحق وقوة الباطل، بين الإيمان والكفر، بين حاملي الفضيلة والخير وحاملي الرذيلة والشر، ولست بصدد الدخول في سرد تفاصيل أحداثها ومجرياتها، وإنما بصدد الإشارة على بعض القضايا المهمة:
إن معركة بدر قضت على كبرياء قريش وخيلائها وعزها، ومحت من الأذهان والعقول أسطورة القوة المادية الغاشمة وكثرة العدد وتراكم السلاح، وأفسحت المجال لظاهرة الإمداد الغيبي.
وهكذا كانت معركة بدر ـ رغم تخاذل المتخاذلين وتخذيل المخذلين ـ منطلقًا لقوة الإيمان الذي أبرز البطولات المعجزة والتضحيات بلا حدود، وكان لذلك النصر المؤزر أثره الحاسم في كل ما جاء بعد تلك المعركة من غزوات وحروب. وما أشبه ذلك اليوم بالبارحة، والحال هو الحال، والمخذّلون والمتخاذلون كثر، وأول الطريق خطوة، ثم يأتي المدد، ويكون النصر بإذن الله تعالى.
أيها المؤمنون، الكفر ملة واحدة، والكافرون قديمًا وحديثًا هم الكافرون، وهم في صراع مع الإسلام والحق، وإنما يسيرون إلى مصارعهم بأيديهم، وستهلكهم مكائدهم وخططهم، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنفال:30].
ولن يكون نصيبهم اليوم وغدًا إلا ما كان بالأمس، إنه الهزيمة المحتومة في الدنيا، وعذاب النار في الآخرة، وهم كانوا وما زالوا يمضون إلى قدرهم المؤكد، قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifقُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:51، 52]. وهكذا فإن للنصر أبدًا صانعيه، الذين ارتفعوا عن المادة، وجبلت طينتهم من شعلة الإيمان، وشع في قلوبهم نور اليقين، وظهرت في سواعدهم عزائم الصدق، وما النصر إلا من عند الله، يخطه على أيدي أوليائه.
إنها قوة الإيمان وصدق اليقين ومضاء العزيمة ورسوخ العزم والإرادة، ولن يكون النصر أبدًا بكثرة العدد، ولا بوفرة السلاح، ولا بأكداس الأموال فحسب، يقول تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:25، 26].
أيها المؤمنون، ومن القضايا الهامة في هذه المعركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، فقد خرج عليه الصلاة والسلام في قلة من أصحابه وضآلة في عدته يقابل جموع قريش في صولتها وكثرة عددها ووفرة عدتها، وهو موقن أن له الغلبة عليها، مؤمن أن الله وحده هو حسبه ونعم الوكيل.
وقد شق عليه ما رأى من طغيانها وإعلانها العداء لله ولرسوله، فتوجه إلى الله بدعائه قائلاً: (( اللهم أنشدك عهدك ووعدك))، ولم يرجع يديه إلا والملائكة تأتي وتنزل مددًا، تقاتل في صفوف المسلمين، ويمتن الله عليهم بهذا النصر قائلاً: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:123] إلى أن قال: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:126].
أيّها المرابِطون، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يذكرون في هذه الأيام من هذا الشهر المبارك ذكرى غزوة بدر الكبرى، ويرفعون أيديهم إلى السماء كما فعل رسول الله ضارعين إلى المولى أن ينصرهم على أعدائهم، قائلين في حرقة وألم مما يصيبهم من أعداء الإسلام: اللهم ننشدك عهدك ووعدك الذي وعدتنا، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم، حسبنا الله ونعم الوكيل، يا قديم الإحسان، يا من إحسانه فوقَ كل إحسان، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا من لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه، انصرنا على أعدائنا، وأظهرنا عليهم في عافية وسلامة.
أيها المؤمنون، فالمسلمون بذكرى غزوة بدر فرحون ومغتبطون، وهم في هذه الذكرى أيضًا راجون وخائفون: راجون رحمة الله ونصره كما رحم ونصر أسلافهم، وخائفون من بوادر بدرت وفتن كقطع الليل المظلم عليهم أقبلت، فدولة الإسلام غائبة، والخليفة العادل غير قائم، والتنكر لشرع الله ومنهجه شعار الكثيرين، بدلاً عن تحكيم الشرع فيما يجري بيننا من خلاف، والمجاهرة بالمعاصي والآثام أضحت أمرًا مألوفًا، والعبادات أضحت مجرد شعائر وطقوس، فالصلوات المكتوبة لا تؤدى على وجهها الصحيح، والزكاة لا يخرجها إلا القليل من الناس، والكثير غير ملتزم بأدب الصيام والحج، والأخلاق الرفيعة هوت إلى الحضيض، فمن فتنة الكاسيات العاريات اللواتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، إلى شغف بالرذيلة في كل صورها، في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وبخاصة الفضائيات، إلى غير ذلك مما يضيق المجال بذكره. فهم من أجل ذلك خائفون، وهم من كل ذلك تائبون ونادمون، في شهر أبرز مظاهره التوبة والندم والاستغفار، إذ تقال فيه العثرات، ويتجاوز الله فيه عن الآثام والهفوات والزلات.
جاء في الحديث الشريف أنه http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قال عن رمضان: ((من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه)).
وإنه ـ أيها المسلمون ـ موسم للعبادة، فاغتنموا فرصته، وخصصوا أيامه ولياليه للعبادة، أكثروا فيه من ذكر الله وقراءة القرآن، وقوموا من ليله ما تيسر، واتقوا الله في الصوم، وابتعدوا عن كل ما يقدح فيه أو يقلل من أجره، كالكذب وقول الزور والغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن، فقد صح قول رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم)).

الخطبة الثانية
أما بعد: أيها الصائمون، يا من جئتم إلى المسجد الأقصى المبارك أفرادًا وجماعات بالرغم من كل العوائق والمضايقات والحواجز والجدران، جئتم لتعلنوها صريحة واضحة أن المسجد الأقصى في القلوب والأرواح؛ لأنه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، رمز عقيدة المسلمين وتاج عزهم ومنبع كرامتهم، أمَّه الأنبياء، وعاش في كنفه العلماء والأولياء، وأسرى إليه الحبيب المصطفى، ومنه عرج به إلى السموات العلى، حيث سدرة المنتهى.
جئتم لتعلنوها أن المسجد الأقصى درة مدينة القدس، وستبقى هكذا إلى يوم الدين، بالرغم من كل ما يحدث عليها من تغيرات جغرافية وعمرانية وسكانية، بالرغم من تقاعس العرب والمسلمين عن نصرتهم والعمل على تحريرها، فحكم الله ماض، ووعده صادق، ولن يخلف الله وعده.
أيها المسلمون، إن ما يجري ويحدث في بلاد المسلمين عامة وفي فلسطين والعراق خاصة من اضطهاد وقتل وتشريد وهدم البيوت وتجريف للأرض واستيلاء عليها وتحويل حياة هذه الشعوب إلى جحيم لا يطاق بتدمير البنية التحتية لها يوضح لنا صورة العداء والعدوان المستحكمة في نفوس المحتلين، وصورة الاضطهاد لهذه الشعوب تحت رعاية المؤسسات الدولية، والتي يفترض أن تكون إلى جانب المظلومين والمضطهدين.
إن ما نشاهده في العراق وفلسطين شيء تقشعر منه الأبدان، ويشيب من هوله الأطفال، إنه يذكرنا بالمجازر التي ارتكبت في حق شعبنا منذ الاستيلاء على فلسطين وإلى يومنا هذا. ومن أبرزها مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن قبل عشرة أعوام، والتي حدثت في مثل هذا اليوم أثناء صلاة الفجر على يد السفاح باروخ غولد شتاين. إنها مجزرة رهيبة خطط لها ونفذت بدقة متناهية، سقط على أثرها عشرات الشهداء وجرح المئات من أبناء المدينة، فمن الصعب أن تخرج هذه المجزرة من الذاكرة الفلسطينية وعلى الأقل من ذاكرة الذين عاشوا أحداثها، ومما يساعد على ذلك تجمع آلاف المستوطنين كل عام حول قبر القاتل باروخ للاحتفال به وتأدية الصلاة عند قبره واعتباره قديسًا، وبذلك يحاولون إضفاء الصفة القانونية على هذه المجزرة التي قام بها عام أربعة وتسعين.
أيها المسلمون، أنتم اليوم في شهر الجود والإحسان والإنفاق وفي موسم التجارة الرابحة، وكان http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif أجود من الريح المرسلة، وأجود ما يكون في شهر رمضان، فسارعوا إلى إخراج زكاة أموالكم وصدقات فطركم والمساهمة في مشاريع الخير اقتداء بالرسول الكريم وتحقيقًا لمبدأ التكافل الاجتماعي بين أبناء هذه الأمة. امسحوا دمعة اليتيم، وفرجوا كربة المحتاجين، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنفال:60].