المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسألة الفلسطينية بعد ستين عاما


نائل أبو محمد
08-26-2009, 08:06 AM
حديث رمضان

جواد عبد المحسن

الخليل – فلسطين

المسألة الفلسطينية بعد ستين عاما

1. إن فلسطين كأرض تميزت عن غيرها بالنسبة لنا نحن المسلمون لأن الله عز وجل قد ميزها (إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ) الأعراف 128 والله قد ميز أرضا عن أرض ووقتا عن وقت ورسولا عن رسول (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)البقرة 253) ووصفها ربنا عز وجل عن غيرها بالأرض المباركة في قوله تعالى {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ }الأنبياء71وقوله {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)الانبياء 81 وقوله عز وجل {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الإسراء1

وفي الصحيحين عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم لا يضرهم من جابههم , ولا ما أصابهم من اللؤواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك) وفي رواية لأحمد قالوا يا رسول الله :وأين هم قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)

إن التعلق العقائدي بين المسلم والأرض يضبطه الحكم الشرعي ,وقد كانت العلاقة بين المسلمين وبيت المقدس علاقة حددها ربنا عز وجل ,ولم نحددها نحن بناء على طيب عيش أو حسن مسكن,فالله جل وعلا جعل البيت المقدس قبلة المسلمين ,فاتجهوا بقلوبهم إليه حين صلاتهم, وهذا أمر لا يعلل ولا يلتمس له علة لأن الله أراد ذلك {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}الأنبياء23وكذلك حين اختص الله عز وجل هذه البقعة لتكون محل الإسراء وموضع المعراج.

2. لقد فتح الله بيت المقدس للمسلمين وجاء عمر بن الخطاب وكتب العهدة العمرية لأهلها وهذا نصها(بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر أهل إيليا من الأمان ,أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم ولصلبانهم وبربها وسائر ملتها أنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ومن حدِّها ولا من صليبهم ولا شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود, وعلى أهل إيليا أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعلى أن يخرجوا منها الروم واللصوص, فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم, ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية , ومن أحبَّ من أهل إيليا أن يسير بماله ونفسه مع الروم ويخلي بيعتهم وصليبهم حتى يبلغوا مأمنهم ,ومن كان فيها من أهل الأرض فمن شاء سار مع الروم , ومن شاء رجع إلى أرضه,فإنه لا يؤخذ منه شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان)الأنس الجليل ص 253

إن هذه المعاهدة التي كتبها عمر بن الخطاب وشهد عليها الصحابة لم ينقضها أحد من أمراء المؤمنين بعده وأقروها حتى لا يستطيع أحد أن يغير هذه المعاهدة إلا أمير المؤمنين القادم بإذن الله

لقد كان تتابع معارك المسلمين في فلسطين قد بدأ في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين بعث الجيوش الأربعة ومن قبلهم جيش خالد بن الوليد في العراق,فكانت معركة أجنادين سنة13 ﻫ ثم تبعتها معركة فحل سنة 13 ﻫ على نهر الأردن قبل الانتقال لفتح دمشق

لقد كانت معركة أجنادين ثم فحل مقدمة للمعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام فقد تلتهما معركة اليرموك ويشاء الله عز وجل أن تكون حطين في فلسطين معركة فاصلة ثم تليها معركة عين جالوت معركة فاصلة في تاريخ الإسلام

3. لقد أدرك الكافر أن العقيدة الإسلامية هي المحرك والدافع الذي لا يخبو عند المسلمين فأراد أن يفصلهم عن عقيدتهم, وزرع بذور القومية للدفاع عن نفسه وعقد معاهدة وستفاليا سنة 1648 للدول النصرانية للوقوف في وجه الدولة العلية العثمانية ,وقد غذيت القومية التركية بنفس القدر الذي غذيت به القومية العربية وأصبحت بريطانيا وفرنسا ملجأ وقبلة لدعاة القومية بل وداعما معنويا وماديا لها عربية أم تركية حتى تزرع الفتن في المجتمع الإسلامي لتفتيته

لقد بدأ السباق الاستعماري بين الدول الأوروبية حين أدركت هذه الدول ما تجنيه اسبانيا والبرتغال من ركوب البحر وغزو البلاد والحصول على الأموال والمواد الخام فتسابقت كل من فرنسا وبريطانيا وهولندا وألمانيا وبلجيكا وروسيا وايطاليا على الانقضاض على السواحل النائية وعلى الدول الضعيفة لاحتلالها ونهب ثرواتها

ولقد كانت مصر من هذه الدول التي انقضت عليها فرنسا سنة 1798 بقيادة نابليون بونابرت ... ثم زحف بعد ذلك إلى فلسطين وحاصر عكا وكان واليها –أحمد باشا الجزار- وطرح فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ولم تكن دعوته هذه من فراغ فقد سبقت الإشارة إلى أن ناقوس الخطر قد قرع عندما حوصرت فينا سنة 1682 ولم يسعفها من السقوط سوى معاهدة وستفاليا بين الدول النصرانية سنة 1648 ويقول أمين عبد الله محمود في كتابه مشاريع الاستيطان الصهيوني منذ قيام الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى-(عقدت الدول النصرانية مؤتمر وستفاليا سنة 1648 وفي العام الثاني قدم (البيوريتان) أو التطهيريون الإنجليز عريضة إلى الحكومة البريطانية ورد فيها( إن الأمة الانجليزية مع سكان الأراضي المنخفضة سيكونون أول الناس وأكثرهم استعدادا لنقل أبناء إسرائيل وبناتها على سفنهم إلى الأراضي الموعودة لأجدادهم إبراهيم واسحق ويعقوب لتصبح إرثا دائما لهم) وهذا ما أعدته الدوائر الاستعمارية

وكذلك الأمر في فرنسا فقد أعدت خطة لإقامة كومنولث يهودي في فلسطين في مقابل تقديم اليهود قرضا لحكومة الإدارة الفرنسية, وأن يقوم اليهود بإشعال الفتن والفوضى في المناطق التي يرتادها الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت لتسهيل احتلالها)

وفور وصول نابليون إلى الإسكندرية في تموز سنة 1798 حث فيه جميع اليهود في آسيا وإفريقيا على الالتفاف حول رايته(لإعادتهم) إلى القدس وإعادة بناء الهيكل مقابل مساعدتهم له في غزو فلسطين ثم كرر النداء ثانية أثناء حصاره عكا في نيسان 1799 باعتبارهم(ورثة فلسطين الشرعيين) المصدر السابق

لقد حركت تصريحات نابليون كوامن النهم الاستعماري وتسابقت الدول بإرسال رجال الدين وبناء الكنائس والأديرة والمستشفيات, وكانت جمعية لندن للتبشير بالمسيحية بين اليهود والتي تأسست سنة 1825 أسبق هذه الإرساليات ثم اشتركت بريطانيا وبروسيا سنة 1841 في تأسيس أسقفية انجليكانية في القدس, وأما روسيا فقد أسست إرسالية لها في القدس سنة 1841 وفي عام 1845 نقلت كرسي البطركية الأرثوذكسية من اليونان إلى القدس

لقد كانت بريطانيا أسبق الدول في تأسيس قنصلية لها في القدس سنة 1838 ثم لحقت بها فرنسا وبروسيا وسردينيا سنة 1843 والنمسا سنة 1849 واسبانيا سنة 1854 والولايات المتحدة سنة 1857 وروسيا سنة 1861 واليونان سنة 1862 وايطاليا سنة 1872

إن الدعوة لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين لم يكن حلاً لمشكلة يهود أوروبا بقدر ما كان استعمال الأوروبيين للمشكلة اليهودية واتخاذها ذريعة حتى يتمكنوا من التغلغل لداخل الدولة العلية العثمانية تحت شعار-حماية اليهود- وبشكل أوسع حماية الأقليات وهذا ما فعله (بالمرستون) أثناء وجوده في الحكم كوزير للخارجية ثم رئيساً للوزراء بين (1835-1865 ) حين ضغط على السلطان العثماني بواسطة سفيره في استانبول ليقبل بإسكان اليهود في فلسطين ثم أصدر أمراً لقناصله بوضع اليهود تحت الحماية البريطانية وضمان سلامتهم

وكذلك فعلت فرنسا حين دعا(ايزنست لاران )سنة 1860 وكان سكرتيراً لنابليون الثالث إلى تثبيت الوجود الفرنسي في الشرق العربي بإعادة بناء الدولة اليهودية في فلسطين

وكذلك مارست القنصلية البروسية نفوذها ضمن الإطار العام للسياسة الألمانية ومنحت حمايتها لليهود وقد بلغ النفوذ الألماني ذروته حين زار الإمبراطور الألماني القدس ورفض أن يدخل من أبوابها ففتح له باب هو (الباب الجديد) ليدخل القدس منه سنة 1898 حيث أهداه السلطان أرض تبلغ مساحتها دونمين ووضع عليها حجر الأساس لكنيسة الروم الكاثوليكية على جبل صهيون.

وكذلك فعلت روسيا فقد حصلت سنة 1774 على حق حماية الرعايا الأرثوذكس إلى أن عقد مؤتمر برلين سنة 1878 حيث دعمت روسيا موقفها في فلسطين وأضافت مساحات من الأرض في القدس والخليل ويافا والناصرة والرملة إلى المؤسسات الروسية وكذلك ايطاليا حين أسست قنصلية لها في القدس سنة 1872 واختلفت مع فرنسا لتحتكر وحدها حماية اللاتين وأمريكا لم تكن غائبة حين فتحت قنصليتها سنة 1857 ثم قام جماعة من الرعايا الأمريكيين بتأسيس مستوطنة لهم سنة 1866.

فكان لا بد لهذه الدول الاستعمارية من أن توجد لها ذريعة تتدخل بواسطتها في شؤون الدولة بل إن التنافس بين هؤلاء قد أوصلهم فيما بعد إلى حد شن الحروب لحفظ مصالحهم.... فكانت المسألة الشرقية كما يسمونها والدولة العلية العثمانية أو (الرجل المريض) هي محل الصراع بين هذه الدول وكانت مشكلة اليهود أو الأقليات عموما هي أداة الصراع التي استعملتها هذه الدول الاستعمارية .

4. لقد تزامن نشوء الحركة الصهيونية مع نشوء الاشتراكية-الشيوعية- ومع نشوء الماسونية كأداة للفت في عضد المسلمين ووسيلة لتفريقهم , ولقد كان للماسونية الدور البارز في القضاء على الدولة العلية العثمانية من خلال تغلغلها في مراكز اتخاذ القرار وسيطرتها على كبار الموظفين في تركيا وفي العالم العربي عبر الجمعيات التي تأسست كغطاء لها وللدعوة للقومية العربية هنا والدعوة للقومية التركية هناك

لقد استعملت الصهيونية كل أداة يمكن لها أن تصل عبرها لأهدافها ومن ضمن هذه الأدوات الماسونية كما أسلفنا واليهودية أيضا استعملت كدين من قبل الفكر الصهيوني والفرق واضح بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كفكرٍ وظَّف هذا الدين لخدمته لزعزعة استقرار المجتمع

لقد عاش اليهود في كنف المسلمين عيشا طبيعيا حتى وصل أحدهم وهو(صمويل بن هنيغد) اسماعيل بن تغريلة إلى مرتبة الوزارة سنة 477ﻫ ومنهم حسداي بن شبروط ومنهم موسى بن عزرا 532 ﻫ وهو شاعر من غرناطة وتقول الباحثة (نافذة ناصر الشرباتي)في رسالة ماجستير لها بعنوان (اليهود وأثرهم في الأدب العربي في الأندلس)ص 28 ما نصه(ولم يأت القول بازدهار الجماعات اليهودية بالأندلس في المصادر العربية فحسب بل تردد هذا القول في كتب غير العرب حتى عند اليهود أنفسهم فأشار بذلك(جوستاف لوبون)بقوله إن اسبانيا العربية كانت البلد الأوروبي الوحيد الذي تمتع اليهود فيه بحماية الدولة ورعايتها ) لأن الحكم الشرعي بحق غير المسلمين في دولة الخلافة أنه لهم ما لنا وعليهم ما علينا وعندما سقطت الأندلس-أعادها الله- لجأ اليهود إلى الحاضن العادل لهم واستقروا في دولة الخلافة ما بين سالونيك إلى الخليل في كل أرجاء الدولة .

إن التاريخ لم يذكر أن اليهود قد عانوا الظلم أو الاضطهاد السياسي في دولة الخلافة ,ولم يروِ التاريخ أن اليهود قد أنشأوا تجمعا سياسيا ليدافع عن حقوقهم المسلوبة...وعلى سبيل المثال فإن الراب موسى بن ميمون كان الطبيب الخاص للناصر صلاح الدين,بعكس الأمر في أوروبا فلقد كانت الصهيونية اليهودية نتاج الظلم السياسي والقهر الاجتماعي الذي عانى منه اليهود في كل أوروبا إذ قامت ضدهم مذابح لا حصر لها.

منقول عن كتاب : أحاديث رمضان ، الجزء السابع، جواد عبد المحسن

نائل أبو محمد
03-23-2010, 08:54 PM
العهدة العمرية

(بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحيمِ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان - وإيلياء هي القدس - أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود - نعم أيها المسلمون، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود - وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة).