المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 1/4/2005م وفق 23 صفر 1426 هجري


admin
05-13-2009, 01:03 PM
<EMBED style="WIDTH: 474px; HEIGHT: 44px" src=2005-04-01.wma width=474 height=44 type=audio/x-ms-wma>

تاريخ الخطبة: 22 صفر 1426 وفق 1/4/2005م
عنوان الخطبة: الصدق منجاة والكذب مهلكة
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب
الموضوع الفرعي: آفات اللسان, الكبائر والمعاصي
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- أمور من الكذب يُستهان بها: الكذب على الأطفال، الكذب لمنفعة، شهادة الزور، غشّ الرعيّة. 2- أهمية الالتزام بالصدق. 3- استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على أراضي القدس. 4- خطورة بيع الأراضي للعدو الإسرائيلي.

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، هناك بعض الأمور التي يُستهان بها، ويكذب بعض الناس فيها، أشير إليها بإيجاز:
أولاً: أن يكذب الآباء والأمهات على أبنائهم الصغار، وقد بيّن لنا ديننا الإسلامي الحنيف بأن تربية الأولاد يجب أن تكون خالية من الكذب؛ ليشبّ الأطفال وقد تعوّدوا على الصدق والصراحة والجُرأة في القول والعمل. فقد روى الصحابي الجليل عبد الله بن عامر http://www.alminbar.net/images/radia-icon.gif قائلاً: دعتني أمي يومًا وأنا صغير، ورسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قاعد في بيتنا، فقالت لي: تعال أعطيك، فسألها الرسول http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif الصادق المصدوق: ((ما أردت أن تعطيه؟)) قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال لها: ((أما إنك لو لم تعطه شيئًا كُتِبت عليك كذبة)). وروى الصحابي الجليل أبو هريرة http://www.alminbar.net/images/radia-icon.gif أن رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قال: ((من قال لصبي: تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة)).
بهذا الهدي النبوي ينبغي أن نربّي أولادنا وننشئهم النشأة الإسلامية، تلك التربية الإيمانية التي يحبّون فيها خصال الصدق والكرامة والاستقامة، ويتنزّهون عن الكذب ويكرهونه.
ثانيًا: مِن الناس مَن يتوهّمون بأن الكذب إذا جَرّ منفعة فهو جائز، وهذا ما يسلكه بعض التجّار وأصحاب المهن والحرف؛ لأنهم يرون أن في الكذب مصلحة دنيوية لهم، حيث يستفيدون مالاً إلى مال بترويج بضائعهم وتسليك مصالحهم، وهم لا يدركون أنهم يبتعدون عن الدين خطوة إلى خطوة. والملاحظ أن التجارات والبيوعات تقوم في الغالب على الطمع؛ البائع يريد الغلاء والزيادة، والمشتري يريد البخس والاستفادة. والأنانية هي التي تسود علاقاتنا ومعاملاتنا.
أيها المسلمون، لقد نهى ديننا الإسلامي العظيم عن هذه المعاملات الجَشِعة وما فيها من لغو ومِراء وحَلِف بالأيمان، فيقول رسولنا الأكرم محمد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحِقت بركة بيعهما))، وفي حديث آخر: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرّم الله عليه الجنة وأوجب له النار))، قال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((وإن كان قضيبًا من أراك)).
وأما العُمّال وأصحاب المهن والحرف فقد انتشرت بينهم ظاهرة نكث المواعيد والمماطلة في التنفيذ والإنجاز، فكأنهم لم يسمعوا قول رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)).
أيها المسلمون، ثالثًا: من أشد أنواع الكذب حُرمة شهادة الزور أمام المحاكم والقضاء؛ لأن هذه الشهادة تقلب الحق إلى الباطل، وتضيّع حقوق العباد، وتشجّع المجرمين وأصحاب النفوس المريضة على اقتراف الجرائم والاعتداء على أرواح وأموال الآخرين. ومن المعلوم بداهة أن شاهد الزور قد باء بغضب من الله ورسوله؛ لارتكابه كبيرة من الكبائر، فيقول رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif في هذا المجال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وكان متّكئًا فجلس، وقال: ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور))، فما زال يكرّرها حتى قلنا: ليته سكت.
وتدخل شهادة الزور في تزييف الوثائق والمستندات في تسريب الأراضي والعقارات وتضييعها، وما يقوم به سماسرة السوء من تصرفات إجرامية خيانية. وكذلك تدخل شهادة الزور في مجال الانتخابات للمجالس النيابية والتشريعية والبلدية والنقابية وغيرها، وذلك حين يَنتخِب الشخصُ مَن لا يثق به، أو إذا كان المنتخَب غير أهل للمسؤولية.
أيها المسلمون، رابعًا: من أشد أنواع الكذب خطورة على الأمة وعلى الشعب إذا كان الحاكم أو المسؤول على شعبه ورعيته ولم يعطهم حقيقة الأمور، ولم يصارحهم بما يجري في الدولة، فيكون غاشًّا لهم، ويقعون في دوّامة الإشاعات والتأويلات، فيقول رسولنا الأكرم محمد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((ما من عبد يسترعيه الله رَعيّة فيموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته إلا حرم الله عليه الجنة)).
وهناك عشرات الأحاديث النبوية الشريفة في هذا الباب، فيقول http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها وحِلّها، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقّها، حتى تكون عليه حسرة يوم القيامة))، ويقول رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif في حديث آخر: ((من وَلِيَ من أمر المسلمين شيئًا فأمّر عليهم أحدًا مُحَاباة فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صَرْفًا ولا عَدْلاً حتى يدخله الله جهنم)).
أيها المسلمون، يتوجّب علينا الالتزام بالصدق في القول والعمل، فالمؤمن مرآة نفسه، المؤمن ظاهره صالح ويجب أن يكون باطنه أصلح، المؤمن صادق مع نفسه أوّلاً ومع غيره ثانيًا، المؤمن ليس بمنافق وليس بكاذب، فالصدق مَنجاة والكذب مَهلكة، ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البرّ، والبرّ يهدي إلى الجنة، وما زال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقًا)).

الخطبة الثانية
أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، صادف أول أمس ذكرى يوم الأرض، حينما انتفض إخوتنا في الداخل لحماية أراضيهم، ولرفضهم سياسة مصادرة الأراضي واغتصابها والاستيلاء عليها ظلمًا وعدوانًا، وكان ذلك عام 1976م.
لا تزال سلطات الاحتلال مستمرّة في مصادرة الأراضي في محيط القدس وسائر المناطق الفلسطينية الأخرى؛ بهدف إقامة مستوطنات جديدة، أو توسيع المستوطنات القائمة غير الشرعية، ولاستكمال بناء جدار الضمّ والتوسّع العُنصري. وإن جميع هذه الممارسات العدوانية تتم تحت مظلّة دعاوى السلام المزيّف، وتتم تحت مظلّة ادعاءات قرب الانفراج المزعوم، هذه الممارسات التي مزّقت البلاد وشتّت العباد، ولا نزال ننتظر هذا الانفراج الوهمي.
ومن المؤلم ـ أيها المسلمون ـ أن بعض الأنظمة العربية متوهّمة بأن هذه الفترة هي فترة ذهبية بالنسبة للفلسطينيين؛ ليحققوا مكاسب لهم، وهم يدفعون بالقيادة الفلسطينية للسير تجاه السراب الخادع. في حين أن السلطات المحتلة ماضية في سياستها العدوانية ضد الأرض وضد الإنسان الفلسطيني المرابط في بلده بشكل يومي، ولا يخلو يوم إلا وتطالعنا الصحف المحلية عن مصادرة أراضي فلسطينية هنا وهناك، وعن سقوط شهداء واعتقال العشرات من المواطنين.
أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، لا يخفى على أحد أن التسارع في إحكام القبضة حول مدينة القدس قائم على قدم وساق، وأن السياسيين المحتلين قد صرّحوا مرارًا بأن القدس هي عاصمة أبدية لهم. ونحن نقول بأن الإجراءات الإسرائيلية الاحتلالية هي إجراءات غير شرعية، ولا نقرّها، ولا نعترف بها. وإذا ظن الاحتلال بأن سياسة فرض الأمر الواقع ستلزمنا فإنه يكون واهمًا؛ لأن الحق أحق أن يُتّبع، ونحن أصحاب حقّ شرعيون، وإن حقّنا سيبقى قائمًا إلى يوم الدين، لا يضيع مع مرور الزمان، ولا بد أن يعود ولو بعد حين، بإذن الله وقدرته.
أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن تسريب الأراضي والعقارات لصالح الاحتلال البغيض يكون من خلال صفقات مشبوهة، ومن قبل نفوس مريضة شاذّة، وهي صفقات باطلة، وإن أرض فلسطين وَقفِيّة، لا يسري عليها بيع ولا شراء. وقد صدرت مئات الفتاوى عن المفتين وعلماء المسلمين منذ العشرينات من القرن الماضي وحتى الآن لتؤكد بطلان هذه البيوعات، وتجريم أولئك الذين يبيعون ويُسَمسِرون، وأنهم خارجون عن جماعة المسلمين، لا يُغَسّلون ولا يُكفّنون ولا يُصَلّى عليهم ولا يُدفنون في مقابر المسلمين؛ وذلك لأن بيع الأراضي في فلسطين هو تمكين للاحتلال وتقوية له، ولا بد من كشف أولئك الشاذّين المفسدين والتصدي لهم. وعلى أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس أن يكونوا حذرين من هؤلاء السماسرة الشاذّين العابثين الفاسدين المفسدين في أرضنا المباركة، أرض الإسراء والمعراج، حتى يأذن الله بالفرج القريب إن شاء الله، وليس ذلك على الله بعزيز، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.