المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 27/5/2005م وفق 29 ربيع الثاني 1426 هجري


admin
05-15-2009, 09:25 AM
<EMBED style="WIDTH: 480px; HEIGHT: 44px" src=2005-05-27.wma width=480 height=44 type=audio/x-ms-wma>

تاريخ الخطبة: 18 ربيع ثاني 1426 وفق 27/5/2005م
عنوان الخطبة: إن تنصروا الله ينصركم
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: آثار الذنوب والمعاصي, القتال والجهاد
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- رسالة عمر بن الخطاب في أسباب النصر. 2- التقوى من أعظم أسباب النصر. 3- أثر المعاصي في الهزيمة. 4- لا تكفي القوة المادية وحدها في النصر. 5- جريمة تدنيس المصحف. 6- استمرار المحاولات الصهيونية في تهويد القدس.

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، يقول الله عز وجل في سورة محمد "القتال": (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:7-9]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة الروم: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم:6]، ويقول في السورة نفسها: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47].
أيها المسلمون، هذه الآيات الكريمة تعطينا صورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض بأن الله رب العالمين قد ربط الأسباب بالمسببات، فهو سبحانه يعطي وعدًا على نفسه بأن ينصر المؤمنين؛ لأن النصر من عنده وحده، ولن يخلف الله وعده. ولكن متى يتحقق وعد الله؟ والجواب: إذا نصر المؤمنون الله عز وجل. وكيف يكون نصر المؤمنين لله؟
أيها المسلمون، يمكننا معرفة أسباب النصر من خلال الرسالة القيمة التي وجهها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( إلى القائد والصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ) الذي كان قائدًا للجيوش الإسلامية في العراق، فيقول عمر في هذه الرسالة والتي كتبت قبل خمسة عشر قرن: (أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب).
أيها المسلمون، إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يركز في رسالته أول ما يركز على تقوى الله رب العالمين، فإن أول عامل من عوامل النصر هو الاتصاف بتقوى الله في جميع الأحوال، وأن تقوى الله هي أفضل القوة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، فلا بد إذًا من تقوية العقيدة والإيمان في قلوب الجيل الصاعد في الأمة؛ لأن الإيمان هو الذي غيّر مجرى التاريخ في بدء الدعوة الإسلامية.
أيها المسلمون، يقول عمر في رسالته أيضًا: (وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم).
فمن عوامل النصر الابتعاد عن المعاصي؛ لأن المعاصي والآثام هي أشد خطرًا على المسلمين من أعدائهم؛ حيث تفتك هذه المعاصي في المجتمع من الداخل. والأشد خطرًا وإثمًا هو المجاهرة بالمعاصي، وهذا ما نشاهده في وقتنا الحاضر، فأين نحن من رسالة عمر؟!
إنه كان حريصًا على أخلاق القادة والجند؛ لأنه لا نصر مع الانحراف الخلقي، لا نصر مع الذين يقضون سهراتهم في النوادي الليلية وفي الكازينوهات. إن المعاصي والآثام والموبقات والانحرافات من الأسباب المباشرة للهزائم المتلاحقة التي مُنَيت بها أمتنا.
أيها المسلمون، يتابع عمر بن الخطاب في رسالته الفريدة قوله: (وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا عليهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة).
وكما هو واضح أن من أسباب نصر الله للمؤمنين هو بسبب معاصي الأعداء، ولولا ذلك لم تكن للمسلمين قوة على أعدائهم؛ لأن عدد المسلمين أقل من عدد الأعداء، وأن عدة المسلمين لم تكن كعدتهم، فإن استوى الطرفان في المعصية كانت الغلبة للأعداء.
أيها المسلمون، من المعلوم بداهة أن المسلمين عبر التاريخ لم يسبق لهم أن انتصروا على أعدائهم بسبب زيادة في العدد أو العدة، فما من معركة انتصر فيها المسلمون إلا وكان الأعداء أكثر منهم عددًا وعدةً، وإنما انتصروا عليهم بتقوى الله والتزام الشريعة الإسلامية والتحلّي بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن المعاصي والمنكرات والانحرافات.
والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران:123] أي: وأنتم ضعاف في معركة بدر، وكان عددكم قليلاً، ومع ذلك فقد انتصرتم على أعدائكم. وهذا يؤكد أن نصر المسلمين لم يكن يومًا من الأيام مرتبطًا بالقوة المادية فحسب.
ولا يعني هذا في الوقت نفسه إهمال القوة المادية، ولكن ليست هي العامل الأساس في النصر، والدليل على ذلك أيضًا ما حصل قبيل معركة اليرموك، فقد قال أحد الجند من المسلمين: ما أكثر الروم وما أقل العرب! فأجابه قائدهم: لا، بل قل: ما أكثر العرب وما أقل الروم. فالعبرة ليست بالعدد، بل بالكيف والنوع، وانتصر المسلمون على الروم رغم التفاوت في العدد.
ودليل ثالث مما قاله الصحابي الجليل المغيرة بن زرارة الأسدي ليزدجرد ملك الفرس: (أيها الملك، لقد أصبح هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بيننا وبين رب العالمين، وأخرجنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام).
أيها المسلمون، إن انتشار المعاصي والموبقات والمخدرات في هذا الزمان لمؤشر على الهزيمة المستمرة، فلا بد من العودة إلى الله رب العالمين بالدعاء والتضرع له مع إعداد العدة؛ ليحقق الله وعده، وليجري النصر على أيدي المؤمنين، فالنصر من الله رب العالمين لمن يستحق النصر المبين، وإن أي شك في ذلك هو في حقيقته شك في الإيمان وهو عين الهزيمة.
أيها المسلمون، والسؤال في المقابل: كيف يكون نصر الله للمؤمنين؟ والجواب: إن الله العلي القدير العزيز الجبار المنتقم لا يعوزه أي أسلوب من الأساليب، ولا أي شكل من أشكال النصر، فيقول عز وجل في سورة المدثر: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر:31]. ويمثّل جند الله أحيانًا الملائكة كما حصل في معركة بدر لقوله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:9-10].
أيها المسلمون، قد يقول قائل: نحن الآن في عصر الصواريخ والأقمار الصناعية والبوارج البحرية، وإن هذه الأساليب الحديثة المتطورة هي التي تقرر النتائج وتحسم الموضوع، فما علاقة نصر الله وقدرته في هذا المجال؟! والجواب على هذا الطرح أقول: إن قدرة الله رب العالمين هي قدرة أزلية دائمة، وهي قائمة وماثلة في كل زمان ومكان، سواء أكان ذلك في عصر الجِمَال أم في عصر الصواريخ. وإن حرب رمضان ـ والمعروفة بحرب تشرين عام 1973م ـ لتؤكد ذلك، حين انطلق الجند المؤمنون وهم صائمون في مصر أرض الكنانة بهتاف: الله أكبر، وكانوا يشاهدون القتلى من الأعداء وهم يتساقطون أرضًا قبل أن يصلوا إليهم، وكاد هؤلاء الجند المؤمنون أن يقلبوا الموازين لولا الأوامر بالتوقّف.
ثم إن هزيمة العراق الأخيرة جاءت نتيجة الخيانات أولاً، وثانيًا لأن المسؤولين في العراق وقتئذ لم يطلبوا النصر من الله عز وجل، ولم يكونوا متصلين بالله، ولم يتقوا الله أصلاً، فكيف سيأتيهم النصر والله سبحانه وتعالى يقول:(إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]؟!
وجاء في الحديث الشريف: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم))، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أيها المرابطون ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، هناك قضايا ساخنة، وأتعرض لاثنتين منها بإيجاز:
أولاً: تدنيس القرآن الكريم: لا تزال الحملة الصليبية المتصهينة ضد ديننا الإسلامي العظيم وضد القرآن الكريم، أقول: لا تزال هذه الحملة المسعورة الحاقدة مستمرة، وقد سبق وأن نبّهنا إلى خطورتها منذ أربع سنوات تقريبًا، أي: منذ الأحداث التي وقعت في أمريكا في شهر سبتمبر في عام 2001م، وكان آخر هذه المحاولات العدوانية هو تدنيس القرآن الكريم في سجن "غوانتانامو" في أمريكا التي تدعي الحرية والديمقراطية، وقد تحقق ذلك من قبل السجانين الأمريكان، بالرغم من أن الصحيفة التي نشرت الخبر قد حاولت بعد ذلك أن تتهرب وتشكك في الرواية؛ لأنها لمست ردة الفعل القوية من المسلمين في أرجاء العالم محتجين على تدنيس القرآن الكريم، باستثناء العالم العربي الذي شُغِل بمشاكله الداخلية.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يحصل تهجّم واعتداء على الديانات الأخرى السماوية منها والأرضية؟! لماذا يُستهدف الإسلام ونبي الإسلام ودستور الإسلام؟! والجواب: إن المسلمين قد ابتعدوا عن دينهم، وتفرّقوا شيعًا وأحزابًا، فتجرّأ غير المسلمين على دين الإسلام، ثم إن الغرب يحمل في قلبه وعقله عداءً متوارثًا من أيام الحروب الصليبية الفرنجية، فهو ـ أي: الغرب ـ يخطط أن لا يعود المسلمون إلى دينهم الذي هو سر وحدتهم وقوتهم.
إنا نقول لأعداء الإسلام: لقد تكفّل الله رب العالمين بحفظ القرآن الكريم بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]. إنه القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى العزة في غيره أضله الله، كما قال رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام:
أيها المسلمون، فمهما حاول الأعداء تدنيس القرآن الكريم أو تحريفه فإن جميع محاولاتهم باءت وستبوء بالفشل بإذن الله ورعايته وقوته، وإن المسلمين في هذه الأيام يزدادون حرصًا على القرآن وتمسّكًا به ونشرًا له في العالم.
ويتوجب على أمريكا الاعتذار عما بدر من موظفيها من تدنيس للقرآن ومحاكمتهم، كما يتوجب على أمريكا أيضًا منع وسائل الإعلام التي تنشر التهجّمات الباطلة الزائفة على الإسلام وعلى نبي الإسلام، وبالمقابل فإنه يتوجب على المسلمين مقاطعة المنتجات الأمريكية كإجراء احتجاجي على الموقف الأمريكي المعادي للإسلام والمسلمين.
ثانيًا: حي البستان في سلوان: لقد تلقّت حوالي مائة عائلة مقدسية إخطارات من البلدية الإسرائيلية تشعرهم فيها بأن حي البستان في سلوان بالقدس هو منطقة خضراء، وأن البيوت المقامة هي بيوت غير قانونية حسب زعم البلدية، وإنها مهددة بالهدم، وهذه الإجراءات الظالمة هي من ضمن مخططات تهويد القدس، في حين أن معظم البيوت مقامة منذ أكثر من خمسين عامًا، وقد أقام السكان خيمة اعتصام لهم لتدارس أوضاعهم القانونية والسياسية والاجتماعية والإنسانية، ويطالبون المواطنين والمؤسسات الوقوف إلى جانبهم للدفاع عن قضيتهم العادلة، ولإيواء عائلاتهم وأطفالهم، رغم أن أصحاب هذه البيوت يدفعون ما يترتب عليهم من رسوم البلدية، ويسددون فواتير الكهرباء والماء وغيرهما منذ عشرات السنين.
فالثبات الثبات يا أهلنا في بيت المقدس، والله معكم، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء:227].