المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 10/6/2005م وفق 3 جمادي الأول 1426 هجري


admin
05-15-2009, 09:30 AM
<EMBED src=2005-06-10.wma width=612 height=44 type=audio/x-ms-wma>

تاريخ الخطبة: 04 جماد الأولى 1426 وفق 10/6/2005م
عنوان الخطبة: حُرمة الدماء المعصومة
الموضوع الرئيسي: الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
الموضوع الفرعي: الحدود, الكبائر والمعاصي, قضايا المجتمع
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- ما جاء من النصوص في تغليظ القتل بغير حق. 2- هل من توبة للقاتل؟ 3- تحريم ترويع الآمنين بكل صوره. 4- من أحكام القاتل والمقتول وأولياء الدم. 5- كلمات في قضايا ساخنة: المستوطنات وجدار الفَصْل العُنصري، إهانة المصحف في السجون اليهودية، منع المسلمين من الصلاة في الأقصى.

الخطبة الأولى
يقول الله عز وجل في سورة النساء: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًاhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [النساء:93]. ويقول في سورة الأنعام: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الأنعام:151].
أيها المسلمون، هل فكّر القاتل قبل الإقدام على جريمته في بشاعة الذي يرتكبه؟ وهل يتصوّر مدى الإثم الذي يلحقه نتيجة إزهاق روح مسلم آخر؟ وهل أدرك التَّبِعَات الاجتماعية والإنسانية من تفكيكٍ للمجتمع وترويعٍ للآمنين وتَيْتِيمٍ للأطفال وترمّل للزوجات وتثكّل للأمهات؟ ورسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif يقول: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)).
أيها المسلمون، يخبرنا رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif: ((إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة عن الصلاة، وإن أول ما يُقضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء)). وهذا دليل على أهمية الدماء عند الله رب العالمين، ودليل على أن ديننا الإسلامي العظيم حريص على توفير الأمن والأمان في المجتمع، وحريص على حقن الدماء، ومنع إزهاق الأرواح.
أيها المسلمون، يصف رسولنا الأكرم محمد http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif حال القاتل والمقتول يوم القيامة بقوله: ((يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة رأسه بإحدى يديه، مُتَلَبِّبًا قاتله بيده الأخرى، تَشْخُبُ أوداجُه دمًا، يقول: يا رب، سَلْ هذا فيما قتلني؟ فيقول الله تعالى للقاتل: تَعِستَ. ويُذهَبُ به إلى النار)).
أيها المسلمون، راوي هذا الحديث الشريف الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي سئل بشأن توبة القاتل المتعَمِّد، فتلا قوله عز وجل: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًاhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [النساء:93]. ثم قال ابن عباس: (ما نُسِخَت هذه الآية ولا بُدِّلَت، وأنَّى للقاتل العمد التوبة). أي ليس للقاتل العمد توبة، وذلك إذا لم تُنَفّذ بحق هذا القاتل عقوبة القتل وهي القصاص، أو إذا لم يتنازل ولي المقتول عن حقه، ولم يسامحه، ولم يتم إجراء الصلح بين القاتل وبين أهل القتيل طواعية واختيارًا.
ويقول عليه الصلاة والسلام بشأن موضوع التوبة والمغفرة: ((كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت مشركًا، أو يقتل مؤمنًا متعمّدًا)).
فالقتل العمد مع سبق الإصرار يُعدّ من الكبائر، والأشد إثمًا أن يستعين مسلم بغير مسلم لقتل مسلم، أما إذا عُوقِب القاتل في الدنيا، أو تنازل أهل القتيل عن حقّهم، وجرى الصلحُ فإن باب التوبة مفتوح للقاتل إن شاء الله.
أيها المسلمون، ماذا يعاني المواطنون الآن؟ إنهم يعانون من اضطراب في الأمن، ومن الذعر وعدم الطمأنينة على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم. وذلك لتحقيق مَآربَ شخصية، ونَزَوَاتٍ فردية، واستعراضات عَنْتَرِيّة، أو للأخذ بثأر قديم، ولا تزال الضحايا البريئة تتساقط نتيجة العبث المستمرّ بالسلاح، أو نتيجة سوء استعماله واستخدامه في موضعه السليم والصحيح.
أيها المسلمون، ألم يُعلم أن الذي بحوزته السلاح لا يجوز له أن يُروّع ويخيف الآخرين به، حتى ولو كان مازحًا أو مداعبًا، فقد ورد أن أحد الصحابة كان نائمًا، فجاء رجل ومرّرَ الحبلَ على وجهه مداعبًا له، ففزِع النائم من ذلك، فقال رسول الله http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif: ((لا يحلّ لمسلم أن يُروّع مسلمًا)). أي لا يجوز للشخص أن يخيف أخاه المسلم، فاعتبر الرسول عليه السلام تمرير الحبل على وجه النائم تخويفًا وترويعًا له، حتى ولو كان ذلك من قبيل المداعبة والمزاح. فكيف ـ يا مسلمون ـ بالذي يُطلِق الرصاص في الأفراح والأعراس والمناسبات الأخرى؟ ألم يحصل إزعاج؟ ألم يحصل تخويف للآخرين؟ ولا يخفى عليكم ما يترتب على ذلك من سقوط ضحايا دون أي مبرّر، ودون أي ثمن.
إن السـلاحَ جميعُ النـاس تحمـله وليس كلُّ ذواتِ المِخْـلَبِ السَّبُعُ
أيها المسلمون، كيف إذًا في حالة القتل والعمد وسبق الإصرار؟! فلا بد من تطبيق الشريعة الإسلامية السَمْحَاء العادلة في هذا المجال، والله سبحانه وتعالى يقول: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [البقرة:179]. والمراد بالقصاص: أي إنزال عقوبة القتل بحق القاتل العمد مع سبق الإصرار. وإن في تنفيذ هذه العقوبة حفظًا لحياة المواطنين، وأمنًا وأمانًا للمجتمع، وردعًا للجريمة، وزجرًا للقَتَلة المجرمين. كما أن تنفيذ عقوبة القصاص يؤدي إلى إخماد الفتن، وإلى منع الأخذ بالثأر. وإن معظم حالات القتل التي نسمعها ونقرأ عنها لها دوافع ثأرية.
أيها المسلمون، لا بد في هذا المجال أن نوضح حكمًا شرعيًّا بحق القاتل العمد فنقول: إن ولي الأمر ـ أي الحاكم ـ تُنَاط به صلاحية تنفيذ القصاص، أي لا يجوز لأي شخص أن يُقِرّر تنفيذ الأحكام، كما لا يجوز أن يأخذ القانون بيده، حتى لا تعمّ الفوضى في المجتمع. في الوقت نفسه فإن الكلمة الأخيرة تكون لأهل القتيل، أي بعد أن تثبت جريمة القتل على القاتل، فإن لأهل القتيل الحق في المسامحة وإسقاط حقهم، ولهم أيضًا الإصرار على تنفيذ القصاص، أي عقوبة القتل بحق القاتل. فإن رغب أهل القتيل في التسامح والتنازل عن حقّهم فبها ونعمَت، ويحصل حينئذ الصلح، والصلح سيّد الأحكام.
وإن القرآن الكريم يحث على الصفح والعفو في عدة آيات كريمة، وإن أهل القتيل لهم الثواب العظيم في ذلك، ولا بد من بيان الحكم الشرعي في هذه الحالة، فإن عقوبة القتل تسقط، ولا يجوز للحاكم حينئذ تنفيذ عقوبة القتل بحق القاتل؛ لأن هذه العقوبة هي من حق أهل القتيل. يقول سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًاhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الإسراء:33]، هذا ويحق للدولة أن تعاقب القاتل حينئذ عقوبة تَعْزِيرية تُعرَف بالحق العام.
أيها المسلمون، أما إذا أصرّ أهل القتيل على تنفيذ العقوبة بالقاتل العمد، فإن الحاكم حينئذ مُلْزَمٌ بالتنفيذ، ولا يحق شرعًا أن يعفو عن القاتل؛ لأن العفو والمسامحة من حقّ أهل القتيل، وما من شك أن تنفيذ العقوبة بحق القاتل العمد فيه منع للثأر بين الناس.
وعلينا جميعًا أن نلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية الغَرّاء؛ ليعيش الناس في طمأنينة وسلام وأمن وأمان، فلابد من توافر الضرورات الخمس في المجتمع، وهذه الضرورات هي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال. والدولة مُلْزَمة بتوفيرها وحمايتها لمصلحة المواطنين جميعهم.
عباد الله، هناك ملاحظات ـ قبل أن أبدأ الخطبة الثانية ـ أودّ أن أذكرها وهي:
الملاحظة الأولى: أُلْفِتُ نظر الجميع إلى أنه يوجد في القدس الغربية نادٍ يدعو إلى قضاء العطلة الصيفية بأعمال ترفيهية، غير أنه في واقع الحال نادٍ مشبوه، يعمل على إسقاط شبابنا المسلم.
الملاحظة الثانية: إن المقابر أماكن لها حرمتها، فلا يجوز الاعتداء على القبور بالسَّلْب والنَّهْب والنَّبْش، سواء أكان ذلك من قبل الأعداء، أو من قبل الأهالي فيما بينهم.

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، هناك قضايا لا تزال ساخنة، أتعرض لثلاثة منها بإيجاز:
أولاً: المستوطنات والجدار العنصري: لا تزال السلطات المحتلة تصادر وتستولي على المزيد من الأراضي، وتجرف المزروعات والأشجار المثمرة؛ بهدف توسيع المستوطنات، ولإتمام الجدار العنصري اللعين. هذا الجدار الذي يمثّل نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، فهل هذه الأعمال ستقرّب اليهود من السلام والاستقرار والأمان والأمن؟! وصدق الله العظيم إذ يقول في سورة البقرة: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifأَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [البقرة:100].
ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك لنؤكد عدم إقرارنا واعترافنا بهذه المستوطنات، ونعتبرها غير شرعية كله. كما لا نقرّ بالأمر والواقع الجديد الذي تفرضه سلطات الاحتلال من خلال الجدار العنصري.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ثانيًا: تدنيس صُحُف القرآن الكريم: لقد لحقت السلطات الإسرائيلية المحتلة بركب أمريكا في تدنيس صُحُف القرآن الكريم، أما القرآن الكريم نفسه لا يُدَنّس ولا يُطَال. أما أوراقه وصُحُفه فقد تناقلت الصحف العِبْرِيّة ما قام به المحقّقون والسجّانون اليهود من الاعتداء على صُحُف القرآن الكريم وتمزيقها ثلاث مرات على الأقل، وذلك أمام الأسرى الأبطال في سجن مجدو؛ بهدف استفزاز الأسرى وإهانتهم، وقد تأكد لنا هذا الخبر.
وبهذه المناسبة أنقل لكم ـ أيها المصلون ـ تحيات إخوانكم الأسرى الأبطال في سجن مجدو وفي السجون الأخرى.
أيها المصلون، إنه لأمر مُتَوَقّع وليس بالأمر الغريب أن يقوم السجّانون اليهود بتمزيق صُحُف القرآن الكريم، فقد سبق للجيش الإسرائيلي أن اقتحم مئات المساجد، وبعثر ومزّق المصاحف والكتب الدينية فيها، كما قصف بعض المساجد بالصواريخ، وهذا ما فعلته أمريكا أيضًا في العراق، ونقول من على منبر المسجد الأقصى المبارك: إن الله رب العالمين قد تكفل بحفظ القران الكريم بقوله: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الحجر:9].
أيها المصلون، إن أعداء الإسلام يغتاظون من القرآن الكريم؛ لأنه الكتاب الوحيد في الكون كله الذي لم يطرأ عليه تغيير ولا تبديل: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifبَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ http://www.alminbar.net/../images/mid-icon.gif فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [البروج:21، 22]. وإن الأعداء يتوهّمون بأن أساليبهم الرخيصة الدنيئة الهابطة ستقلّل من قيمة القرآن الكريم في قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، حاشا وكلا، فالمسلمون سيزدادون تمسّكًا بكتاب الله وحرصًا عليه، والتزامًا بأحكامه رغم أنف المعتدين الحاقدين، http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الشعراء:227].
أيها المسلمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ثالثًا: المسجد الأقصى المبارك للمرة تلو المرة: إن الأطماع اليهودية لا تزال قائمة في هذا المسجد المبارك، وإن الحكومة الإسرائيلية اليمينية تريد أن ترضي رغبات الجماعات اليهودية المتطرفة بالسماح لهم باقتحام باحات المسجد الأقصى، وتحت حراسة الشرطة، في حين تمنع الشرطة المصلين المسلمين ممن تقل أعمارهم عن خمس وأربعين سنة من دخول المسجد الأقصى المبارك اليوم الجمعة، فأين حرمة العبادة؟ وأين المحافظة على أماكن العبادة للمسلمين الخاصة بالمسلمين؟ وإن الأساليب الملتوية التي تُحاك ضد الأقصى مكشوفة ومفضوحة، ومن على منبر الأقصى المبارك نعلن استنكارنا لحرمان المسلمين من الصلاة في الأقصى، كما نعلن رفضنا للسماح لليهود المتطرّفين من دخول باحات الأقصى، الأقصى الذي هو للمسلمين وحدهم بقرار من رب العالمين، ولا نقرّ ولا نعترف بأي حق لليهود في هذا المسجد المبارك، http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [يوسف:21].