المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 1/7/2005م وفق 24 جمادي الأول 1426 هجري


admin
05-15-2009, 09:35 AM
<EMBED src=2005-07-01.wma width=612 height=44 type=audio/x-ms-wma>

تاريخ الخطبة: 24 جمادي الأول 1426 وفق 1/7/2005م
عنوان الخطبة: الإشاعات والحرب النفسية
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: آفات اللسان, القتال والجهاد, المسلمون في العالم
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- وجوب التثبت في نقل الأخبار. 2- الحذر من نقل وإشاعة الأخبار الكاذبة. 3- المفاسد والأخطار المترتبة على نشر الإشاعات. 4- انتهاج الدول والشعوب قديمًا وحديثًا سياسة حرب الأعصاب بنشر الإشاعات. 5- الوضع الحالي للمسلمين في حي البستان وحي وادي حلوة في قرية سلوان في فلسطين. 6- التوكيد لرفض محاولات التهويد بجميع أشكاله. 7- الأخطار تحدق بالمسجد الأقصى وتزداد يومًا بعد يوم.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الحجرات:6].
أيها المسلمون، لهذه الآية الكريمة سبب نزول، فقد أسلم بنو المُصْطَلق في السنة الخامسة للهجرة وحسن إسلامهم، وطال انتظارهم لموظف الصدقات لدفع الزكاة له، فبعث الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif بناء على طلبهم موظّفًا إليهم لأخذ الزكاة منهم، ويُدعَى الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط، وذلك في السنة الثامنة للهجرة، فلما علم بنو المُصْطَلق بقدوم الوليد بن عقبة خرج عشرون رجلاً منهم لاستقباله ترحيبًا وتكريمًا له، فلما رآهم عن بُعدٍ ظنّ وتوهّم أنهم يريدون قتله، فرجع مسرعًا إلى المدينة المنورة، وأخبر الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif بأن بني المُصْطَلق ارتدّوا عن الإسلام، وأنهم امتنعوا عن دفع الزكاة.
أيها المسلمون، وبعد [ذلك] استهجن النبي http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif من هذا الخبر؛ لأن بني المُصْطَلق هم الذين أرسلوا شخصًا من طرفهم، يطلبون من الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif أن يُكَلّفَ موظف الصدقات للوصول إليهم، ليدفعوا له زكاة أموالهم. فالخبر الذي أتى به الوليد بن عقبة يدعو للاستغراب.
أيها المسلمون، لقد كَلّفَ الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif القائدَ خالد بن الوليد http://www.alminbar.net/../images/radia-icon.gif لاستكشاف الأمر، فسار خالد إليهم ووصلهم خُفْية بالليل، وحين حان وقت الفجر سمع الأذان يُرفَع في مسجد بني المُصْطَلق، فاطمأنّ خالد [إلى] أن بني المُصْطََلق مسلمون، ولا يزالون على دينهم.
من هنا ندرك أن رفع الأذان من علائم الإسلام، وأنه شعيرة من شعائر المسلمين لابد من المحافظة عليها، وأن المآذن رمزٌ لإسلامية البلاد، لذا قال معظم الفقهاء بأن رفع الأذان فرض كفاية على المسلمين.
أيها المسلمون، لقد دخل خالد بن الوليد http://www.alminbar.net/../images/radia-icon.gif حي بني المُصْطَلق وأخذ منهم الزكاة، وأخبروه أن الوليد بن عقبة لم يصل إليهم، وبالتالي لم يطلب منهم دفع الزكاة. فلما عاد خالد إلى المدينة المنورة أخبر النبي http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif بما حصل معه، فنزلت هذه الآية الكريمة في حق الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط، ووصفته بأنه فاسق.
أيها المسلمون، توضّح لنا هذه الآية الكريمة بأنه يجب علينا أن نتبيّن وأن نتثبّت من الأخبار التي نسمعها، ولا يجوز شرعًا أن نردّد خبرًا إذا كنا غير مستوثقين ولا متأكّدين منه، كما لا يجوز شرعًا للمسلمين أن يصغوا لمروّجي الإشاعات. وإن الله عز وجل قد ذمّ أولئك الذين يستمعون للأكاذيب بقوله في سورة المائدة: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [المائدة:41].
وقد بيّن القرآن الكريم عقاب هؤلاء السمَّاعين بقوله: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifلَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [المائدة:41]. وفي آية أخرى في سورة المائدة أيضًا: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifسَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [المائدة:42]. وقال سبحانه وتعالى في وصف المنافقين وأتباعهم في سورة التوبة: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifلَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [التوبة:47].
أيها المسلمون، إن من المؤسف أن نجد في مجتمعنا من يستمع للمنافقين وللعملاء، فهو شريك معهم في الإثم؛ لأنه يروّج وينشر ما يقولون من الأكاذيب والافتراءات. وقد حذّرنا ديننا الإسلامي العظيم من أن نكون أداة نقل للأخبار الكاذبة والمضلّلة، حتى لا نكون مشاركين في ترويج الإشاعات بقصد أو بدون قصد، فنقع في الإثم الكبير، لقول رسولنا الكريم http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) متفق عليه عن الصحابي الجليل أبي هريرة http://www.alminbar.net/../images/radia-icon.gif. كما حذّرنا ديننا العظيم من أن ننقل كل شيء نسمعه، لقول الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما يسمع))، وفي رواية: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحدّث بكل ما يسمع)) رواه مسلم عن أبي هريرة http://www.alminbar.net/../images/radia-icon.gif.
هذا وقد ذمّ الإسلام الثَّرْثَارين كثيري الكلام دون فِعَال، للحديث النبوي الشريف: ((إن من أحبّكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن من أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثَّرْثَارُونَ والمُتَشَدِّقُونُ والمُتَفَيْهِقُون))، قالوا: يا رسول الله، فما المُتَفَيْهِقُون؟ قال: ((المتكبّرون)) أخرجه الترمذي وأحمد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
أيها المسلمون، إن نشر الإشاعات سلاح خطير يفتك بالأمة ويفرّق أهله، ويسيء ظن بعضهم ببعض، ويفضي إلى عدم الثقة بينهم، وأسرع الأمم تصديقًا للإشاعات هي الأمم الجاهلة الفاشلة، بسذاجتها تصدّق ما يقال، وتردد الأخبار الكاذبة دون تمحيص ولا تفنيد، وأما الأمم الواعية فلا تلتفت إلى الإشاعات، وتكون مدركة لأحابيل وألاعيب الطابور الخامس، فلا يؤثر على مسيرتها، ولا يهزّ أعصابها، والله سبحانه وتعالى يقول: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifالَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [آل عمران:173].
أيها المسلمون، لقد انتهجت الدول والشعوب قديمًا وحديثًا سياسة حرب الأعصاب بنشر الإشاعات، فقد استعمل أهل قريش واليهود هذا الأسلوب ضد الرسول محمد http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif، وخاصة في مواقع بدر وأحد والخندق وحُنَين وتبوك، واستمرت حرب الإشاعات ضد المسلمين من فجر الإسلام وحتى يومنا هذا. وإن نجاح حرب الإشاعات أو فشلها يعتمد على مدى وعي المسلمين للمشكلة التي يواجهونها.
أيها المسلمون، أما في الوقت الحاضر فقد أعدّت الدول الكبرى أجهزة إعلامية خاصة بنشر الإشاعة، فنشرت الأخبار الكاذبة، وسلّطت الأضواء على الأخبار التي تخدم مصلحتها، بل تختلق بعض الأخبار بحيث يُتوّهم ـ ولأول وَهْلة ـ بأنّ الخبر صحيح، وحين تمحيصه يتبيّن بأنّ الخبر لا أصل له وغير مطابق للواقع، وإنما ينشر الخبر بقصد التشكيك أو للتهيئة لأمر سيقع، فالكلام يزداد بالانتقال والانتشار فيروج للإشاعة فتكبر وتصبح شيئًا ملموسًا، وهي في الحقيقة أوهن من خيوط العنكبوت.
فكونوا ـ أيها المسلمون ـ على حذر من هذه الأخبار الكاذبة، والإشاعات المثبّطة، والمناورات السياسية، والحرب النفسية التي لا تقلّ خطرًا عن الحرب الفعلية. وكونوا على اتصال مستمر برب العالمين، فالله لن يخذل أتباعه وجنده، والله لن يتخلّى عن عبيده وعباده.كونوا رابطي الجأش، هادئي الأعصاب، مطمئني النفس؛ لتفويت الفرصة على الأعداء، جاء في الحديث النبوي الشريف: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة)) حديث صحيح عن الصحابي الجليل حسن بن علي رضي الله عنهما. صدق رسول الله http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.


الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أرسله بشيرًا ونذيرًا. واعلموا أن الله قد صلّى على نبيه قديمًا، فقال: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًاhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الأحزاب:56]، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها المصلّون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أتناول في هذه الخطبة مسألتين لا تزالان حديث الناس، وتحتاجان إلى متابعة مستمرّة، وهما:
أولاً: حي البستان وحي وادي حلوة في قرية سلوان، لا تزال المخاوف تنتاب السكان العرب في هذين الحيين وفي الأحياء الأخرى في سلوان، من محاولات المستوطنين من الاستيلاء على بيوتهم، بدعم من بلدية القدس الإسرائيلية، وإن خيمة الاعتصام لا تزال قائمة للتباحث في كيفية حماية المواطنين لبيوتهم، وعدم تسريبها إلى الجماعات اليهودية المتطرّفة، ونؤكد وقوفنا إلى جانب أهلنا في سلوان للحفاظ على بيوتهم وممتلكاتهم وأراضيهم، وأن ما تقوم به السلطات الإسرائيلية المحتلّة من إجراءات ظالمة ضد أهالي سلوان وأهالي القدس بعامة تهدف إلى تهويد مدينة القدس، ونؤكّد موقفنا الإيماني الديني من رفضنا لمحاولات التهويد بجميع أشكاله، كما نرفض محاولات التبديل لهذه المدينة المقدّسة والمباركة التي قدسها الله وباركها في القرآن الكريم. وعلى أهل القدس التضامن وتوحيد الجهود والمواقف من أجل حماية مدينتهم ومقدساتها من أي اعتداء، ونحذر من أي محاولات لتسريب البيوت والعقارات، ولابد من إشغالها وترميمها وصيانتها. وهذه المدينة الطاهرة والمقدسة تكشف كل خَبَث وخيانة وتلفظه وتلعنه، والله لهم بالمرصاد.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، ثانيًا: المسجد الأقصى المبارك للمرة تلو المرة، فالأخطار تحدق به وتزداد يومًا بعد يوم، فقد نشرت وسائل الإعلام بشأن التخطيط لوضع أجهزة رصد وتصوير ومراقبة، وذلك على البوابات الخارجية للمسجد الأقصى المبارك من قبل السلطات الإسرائيلية، تحت ذرائع أمنية، وقد شرعت في التنفيذ على أرض الواقع في محيط الأقصى.
أيها المصلّون، لقد أعلن المسؤولون في الهيئة الإسلامية العليا وفي دائرة الأوقاف بالقدس رفضهم لهذه الإجراءات التي لا تخدم أمن المسجد الأقصى المبارك، بل تعتبرها تدخّلاً مباشرًا من قبل السلطات الإسرائيلية بإدارة المسجد الأقصى، ومنازعة المسلمين حقّهم الشرعي والديني والحضاري والتاريخي في رعاية الأقصى والإشراف عليه، وتهيب الهيئة الإسلامية العليا بأهلنا في القدس وسائر بلادنا الطاهرة بضرورة شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، وتكثيف التواجد في ساحاته في جميع الأوقات والأيام بشكل مستمر. كما نطالب المسلمين في أرجاء المعمورة حكومات وشعوبًا بتحمّل مسؤولياتهم في حماية هذا المسجد المبارك. فالأقصى دُرّة فلسطين، وفلسطين تاج المسلمين، وصدق رسولنا الأكرم محمد http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا ما أصابهم حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).
فالثبات الثبات يا أهلنا في بيت المقدس، فتمسّكوا ببشارة سيدنا محمد http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif. http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [يوسف:21].
اللهم آمّنا في أوطاننا، وفرّج الكرب عنّا. اللهم احم المسجد الأقصى من كل سوء. اللهم يا أمل الحائرين ويا نصير المستضعفين، ندعوك بكل اليقين إعلاء شأن المسلمين بالحق والنصر المبين. اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا شهيدًا إلا رحمته، ولا جريحًا إلا شفيته، ولا أسيرًا إلا أطلقت سراحه. اللهم إنا نسألك توبة نصوحًا، توبة قبل الممات، وراحة عند الممات، ومغفرة بعد الممات. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأَعْلِ بفضلك كلمة الحق والدين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.