المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ إسماعيل نواهضة من المسجد الأقصى بتاريخ 14/10/2005م وفق 11 رمضان 1426 هجري


admin
05-15-2009, 10:23 AM
<EMBED src=2005-10-14.wma width=612 height=44 type=audio/x-ms-wma>

تاريخ الخطبة: 11 رمضان 1426 وفق 14/10/2005م
عنوان الخطبة: من ذكريات رمضان
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
الموضوع الفرعي: الصوم, فضائل الأزمنة والأمكنة
اسم الخطيب: إسماعيل الحاج أمين نواهضة

ملخص الخطبة
1- من فضائل رمضان. 2- رمضان شهر الانتصارات والفتوحات. 3- كلمة لحكّام المسلمين. 4- الحث على اغتنام أيام رمضان ولياليه. 5- التذكير بمكانة الأقصى والاعتداءات الواقعة عليه.

الخطبة الأولى
قال الله تعالى: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifشَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [البقرة:185].
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أيها المرابطون في أرض فلسطين الحبيبة، أرض الإسراء والمعراج، أرض المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث المساجد التي تُشدّ إليها الرحال، أيها الوافدون إلى المسجد الأقصى من جميع أرض فلسطين ومن كل مكان، مرحبًا بكم، نعم نحن في شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والبركات، شهر الصفاء والنقاء، ومَتْجر أهل الإيمان، الشهر الذي أحبه الله ورسوله والمؤمنون، الشهر الذي لو عرف المسلمون ما فيه من خير لتمنّوا أن تكون السنة كلها رمضان.
لقد اختص الله تبارك وتعالى الأمة الإسلامية به تكريمًا لها وتعظيمًا لشأنها، وإن الله جل جلاله قد امتنّ عليها بهذا الشهر الكريم، يتجدّد بعودته ـ على مرور السنين ـ سرورُ المسلمين، ويتكرّر به نعيمهم، وتقوم فيه سوق التجارة الرابحة في الأعمال الصالحة.
وقد كان الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif يبشّر به أصحابه ويقول: ((أتاكم رمضان سيد الشهور، فمرحبًا به وأهلاً))، ورُوِي عنه http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif من حديث سلمان http://www.alminbar.net/../images/radia-icon.gif في آخر يوم من شعبان قال: ((أيها المسلمون، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوّعًا، وهو شهر الصبر، والصبر جزاؤه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يُزاد فيه رزق المؤمن، من فَطَّر فيه صائمًا كان مغفرة له وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء))، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا نجد ما يُفطّر الصائم، قال: ((يُعطَى هذا الثواب من فطّر صائمًا على تمرة أو شَرْبة ماء أو مَذْقَة لبن ـ أي: جرْعة لبن مخلوط بالماء ـ، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، من خَفَّف فيه عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء لكم عنهما. فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غناء لكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن سقى صائمًا سقاه الله تعالى من حوضه شَرْبة لا يظمأ بعدها ويدخل الجنة)).
فصلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من أوتيت جوامع الكلم، وجهت المسلمين إلى فضيلة هذا الشهر المبارك، ودعوتهم فيه إلى العمل الصالح الخالص الذي وعد الله عليه أعظم الجزاء وأفضل الأجور.
أيها المسلمون، شهر رمضان فيه ذكريات عزيزة على قلوبنا جميعًا، فهو شهر الفتوحات والانتصارات، وبقدر ما نستبشر بحلوله بقدر ما نعقد الآمال أن يبدّد الله حال الأمة الإسلامية إلى الاستخلاف في الأرض والتمكين في الدين ونشر الأمن والطمأنينة في ربوعها، وأن يردّها إليه ردًّا جميلاً، إلا أن شهر رمضان يحل بنا وأمتنا ـ كما تعلمون ـ مُثْخَنة بالجراح، ومُثْقَلة بالآلام.
أيها المسلمون، في هذا الشهر المبارك فُتِحت مكة، وفُتِحت عَمُّوريّة كذلك، وفتْحُها كان بسبب امرأة مسلمة لُطِمت على خدها من قبل فاجر كافر، فقالت كلمتها المشهورة: "وامعتصماه!". وعَمُّوريّة في تركيا، والمعتصم كان في العراق، حيث دولة الخلافة الإسلامية، وتصل استغاثة هذه المرأة إلى المعتصم، هذه المرأة لم تُذْبح، ولم يُفْتح بطنها، ولم تُمْسك من شعرها وتسحب على الأرض، لم يُقْتل أطفالها أمامها، إنما لُطِمت على وجهها، فكوَّن المعتصم جيشًا كبيرًا، وحرّكه بالرغم من نصيحة مستشاريه بعدم التحرك؛ لأن وضع الجيش لا يسمح، تحرّك المعتصم بالجيش، وحاصر عَمُّوريّة، وفتحها وهزم الروم.
أيها المسلمون، ارجعوا إلى تاريخكم، هذا التاريخ العظيم الذي يحدثنا عن بطولات أمتنا، وكيف وقف المسلمون صفًّا واحدًا، وكيف كانت قيادة الأمة وحُكّامها، كان الواحد منهم لا يذوق للنوم طعمًا، وهو يفكر بحال الأمة.
فيا حكّام المسلمين، ماذا ستقولون لله عز وجل يوم القيامة والمسلمون يذبحون هنا وهناك على يد أعداء الله؟! وماذا ستقولون لربكم يوم القيامة والمسجد الأقصى أسير؟! لا بد أن تستيقظ الأمة من سباتها، وأن تتحد تحت راية واحدة، هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه الراية حتمًا لها النصر والتمكين، وبغيرها لن تقوم لها قائمة. نعم، لا بد من العودة الصحيحة إلى الإسلام عقيدة وعملاً وسلوكًا، ففيه العزة والكرامة، وفيه السلام والأمن، وفيه الهداية.
وهذه الأمة أمة خير، وسيبقى فيها الخير إلى يوم الدين، فعلينا أن لا نقنط من رحمة الله ولا نيأس، فمهما أصاب هذه الأمة من مصائب وهزائم فإنها لا محالة ستصحو من غفوتها ومن سُبَاتها، وتعود إلى كتاب ربها وسنة نبيها، وعندها يتحقق لها النصر المبين، وما ذلك على الله بعزيز. إن النصر لآت بمشيئة الله تعالى، وستعود الحقوق إلى أصحابها، وستحل الهزائم بأعداء الله أجمعين، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وبادروا إلى التسابق في الخيرات والتعرض لنفحات الله تعالى، فإن لربكم في شهر الصوم نفحات، واشكروه تعالى لعودة هذا الشهر المبارك عليكم.
أيها المؤمنون، روى عبادة بن الصامت http://www.alminbar.net/../images/radia-icon.gif أن رسول الله http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif قال: ((أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حُرِم فيه رحمة الله عز وجل)).
فسارعوا ـ أيها المسلمون ـ إلى طاعة مولاكم، واطّرحوا شهواتكم وأهواءكم، يكن لكم من الأجر العظيم والنعيم المقيم ما تَقَرُّ به عيونكم.
واعلموا بأن أعظم وسيلة تحفظ التوازن بين الجماعة المسلمة هي آداب الدين وأخلاقه، إنها تصقل النفوس وترتفع بها إلى درجات الصالحين، وإنها لتجمع للمتأدب بها بين سعادتي الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون، تذكروا بأن شهر رمضان هو شهر القيام والتراويح والذكر والتسابيح، فاعمروا لياليه بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن، ورُبَّ دعوة صادقة بجوف ليل تسري حتى تجاوز السماء، فيكتب الله تعالى لكم بها سعادة الدارين، ورطّبوا ألسنتكم بقراءة القرآن تزكو نفوسكم وتنشرح صدوركم، وسارعوا إلى إخراج زكاة أموالكم إذا بلغت النصاب.
أخي الصائم، اجعل من صيامك محطة توبة ورجوع إلى الله تعالى القائل: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [طه:82]، وعن سهل بن سعد http://www.alminbar.net/../images/radia-icon.gif أن النبي http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif قال: ((إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد)).


الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أيها المرابطون، إن من أكبر النعم التي تستحق الحمد والشكر أن أكرمنا الله تعالى فجعلنا من أهل بيت المقدس عُمّار الأقصى وحماته، ومن أهل فلسطين الذائدين والمدافعين عنها بالمُهَج والأرواح وبالغالي والنفيس كما فعل سلفنا الصالح، وتلك منزلة عظيمة يتمناها كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، كيف لا وهي الأرض المباركة ببركة السماء، قال تعالى: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifسُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الإسراء:1].
أيها المسلمون، إن قضية القدس وقضية المسجد الأقصى يجب أن يكونا على رأس القضايا الهامة في حياة العرب والمسلمين؛ لأنهما يمثلان العمق الروحي والبُعْد الاعتقادي والوجداني الحضاري.
أيها المرابطون، وتفيض المشاعر والعواطف، وتتدفّق المحبة ممزوجة بالحسرة والألم كلما شاهدت العيون مدينة القدس أسيرة محتلة محوطة بالجدران، مُكبّلة بالأسلاك الشائكة، محرومة من أهلها الشرعيين، وهذا يذكرنا بقول الشاعر:
أحرامٌ على بَلابِلِه الدَّوْحُ حَلالٌ للطير مِن كلِّ جِنْسِ
أيها المسلمون، ومنذ عام سبعة وستين ومدينة القدس تتعرض لإجراءات وأعمال وممارسات بالغة الخطورة، تمثلت في هدم المباني وحفر الأنفاق وحرق منبر المسجد الأقصى المبارك والعمل على تهويدها وتغيير معالمها وآثارها وتفريغها من سكانها واقتراف المجازر فيها، والتي كان من أبرزها مجزرة الأقصى عام 1990م، سقط ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لقد حدثت هذه المجزرة البشعة في مثل هذه الأيام المباركة، وما زالت ذكراها ماثلة في الأذهان والعيون. ثم جاء بناء جدار الفصل العنصري ليعزل مدينة القدس عزلاً تامًّا عن بقية المدن والقرى الفلسطينية، وليمنع أهل فلسطين من دخولها وشد الرحال إلى المسجد الأقصى من أجل الصلاة فيه.
فيا أمة العرب، ويا أمة الإسلام، أفيقي من هذا السُّبَات الذي طال أمده، أفيقي وتحملي المسؤولية كاملة قبل فوات الأوان، إن مدينة القدس والمسجد الأقصى يستغيثان فهل من مجيب؟! وهل من مُخلّص؟! وهل من منقذ؟! إنها أمانة في عنق كل مسلم.
وأما أنتم ـ أيها الفلسطينيون ـ فوحّدوا كلمتكم وأهدافكم، وكونوا على قلب رجل واحد، واطّرحوا نزاعاتكم وخلافاتكم جانبًا، http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُواhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [آل عمران:103]، http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الأنفال:46].
ولله درّ القائل:
تأبى الرماحُ إذا اجتمعن تَكَسُّرًا وإذا افتَرَقْنَ تكسَّرتْ آحادا
وفي الختام أدعوكم لشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً في رمضان وغير رمضان، والله ولي المتقين.