المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ إسماعيل نواهضة من المسجد الأقصى بتاريخ 2/12/2005م وفق 30 شوال 1426 هجري


admin
05-15-2009, 10:39 AM
تاريخ الخطبة: 30 شوال 1426 وفق 2/12/2005م
عنوان الخطبة: منزلة التوكل على الله
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب
الموضوع الفرعي: أعمال القلوب
اسم الخطيب: إسماعيل الحاج أمين نواهضة

ملخص الخطبة
1- التوكل على الله من أبرز صفات المؤمنين. 2- سبيل الخلاص وطريق النجاة من المصائب والشرور. 3- من ثمار التوكل على الله. 4- نماذج مشرقة من حياة المتوكلين. 5- التوكل على الله لا ينافي اتخاذ الأسباب ولا ينافي العمل. 6- الدروس المستفادة من ذكرى تشرين الثاني.

الخطبة الأولى
قال الله تعالى: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [إبراهيم:12].
أيها المسلمون، المؤمنون بالله تعالى ـ وفي مقدمتهم رسل الله ـ يتوكلون على الله وحده، ولا تلتفت قلوبهم إلى سواه، ولا يرجون عونًا ولا نصرًا إلا منه، ولا يركنون إلا إلى حماه، كما أنهم يواجهون الطغيان بالإيمان، ويواجهون الأذى والاضطهاد والعدوان بالصبر والثبات، ويقولون: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif. إنها كلمات المطمئن إلى موقفه وطريقه، المالئ يديه من وليه وناصره، المؤمن بأن الله الذي يهدي السبيل لا بد أن ينصر ويعين، وماذا يهم هذا الصنف من الناس حتى لو لم يتم لهم النصر في الدنيا ما داموا ضمن هداية السبيل؟!
أيها المسلمون، إن القلب الذي يحس ويشعر بأن يد الله سبحانه تقود خطاه وتهديه السبيل هو قلب موصول بالله تعالى مطمئن إلى نصره وتحقيق وعده؛ ولذلك لا يتردد في المضي في الطريق مهما كانت العقبات، وأيًا كانت قوى الطواغيت والجبابرة التي تتربص به، ما دام صاحب هذا القلب يصبر ويعمل ويأخذ بالأسباب.
أيها المسلمون، وفي ظل هذا الظلام الحالك الذي يتخبط فيه الكثير من المسلمين على غير هدى يبرز السؤال عن سبيل الخلاص وعن طريق النجاة، والأمر المؤسف أن هذا الصنف من المسلمين راح يلتمس سبيل الخلاص والنجاة والسعادة من خلال معتقدات زائفة وتشريعات وضعية فاسدة وأفكار مستوردة من الغرب حينًا ومن الشرق حينًا آخر، ومنهم من راح يلتمسه من خلال طروحات سياسية مبرمجة، ناسين أو متناسين أن شريعة الإسلام هي سبيل الخلاص، وقد قال في شأنها الصادق الأمين محمد رسول الله http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif: ((تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتنكبها إلا ضال))، وصدق الله العظيم القائل: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifفَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى http://www.alminbar.net/../images/mid-icon.gif وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى http://www.alminbar.net/../images/mid-icon.gif قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا http://www.alminbar.net/../images/mid-icon.gif قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [طه:123-126].
أيها المؤمنون، والإنسان في صراعه مع الحياة تنتابه المخاوف وتعتريه الصعاب وتنزل به الآلام النفسية، فلا يجد للحياة طعمًا، وفي هذه الحالة لا يستطيع أن يقوم بدوره الرئيسي في إسعاد نفسه ونفع غيره، فتتعطل قواه البدنية والروحية. والحياة ـ كما نعلم ـ لا تطيب للإنسان ولا يسعد بها ولا يستطيع أن يقوم بتأدية رسالته في هذه الحياة إلا إذا استمتع بسكينة النفس وطمأنينة القلب وراحة البال وعافية البدن، وسبيل ذلك أن نثق بالله تعالى ونعتمد عليه ونحسن الظن به ونتوكل عليه، جاء في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني)).
ومن هنا ـ أيها المؤمنون ـ كان التوكل على الله أمرًا ضروريًا لنا، لا يستغني عنه العالم ولا العامل ولا الرجل ولا المرأة ولا الحاكم ولا المحكوم، لحاجة هؤلاء جميعًا إلى يد حانية قوية تعينهم إذا أقدموا ونجحوا وانتصروا من جانب، وتمسح آلامهم وتخفف عنهم إذا فشلوا وانهزموا من جانب آخر.
أيها المؤمنون، وإن الناظر في الإسلام يرى دعوته صريحة إلى التوكل على الله والاعتماد عليه، يقول الله تعالى في آيات كثيرة منها على سبيل المثال: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الفرقان:58]، ويقول أيضًا: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifوَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الطلاق:3]. والمسلمون بعد غزوة أحد حين هددوا بتجمع الأعداء وقيل لهم: إن المشركين قد جمعوا للقضاء عليكم واستئصال شأفتكم لم يبالوا بذلك ولم يستسلموا ولم يتنازلوا، بل بقوا صابرين ثابتين متوكلين على الله، فصرف الله عنهم عدوهم، وسجل لهم هذا الموقف الرائع ضمن آيات ستبقى تتلى إلى يوم الدين، يقول الله تعالى: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifيَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ http://www.alminbar.net/../images/mid-icon.gif الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ http://www.alminbar.net/../images/mid-icon.gif الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ http://www.alminbar.net/../images/mid-icon.gif فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [آل عمران:171-173].
وهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام كان آخر قوله حين ألقي في النار: (حسبي الله ونعم الوكيل)، فأنجاه الله من النار وجعلها بردًا وسلامًا عليه، قال تعالى: http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifيَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الأنبياء:69].
أيها المسلمون، وهذا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله يحدث ويقول: كنا مع رسول الله http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif بغزوة ذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif، فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif معلق بالشجرة، فاخترطه ـ أي: سله ـ فقال: تخافني؟ فأجابه الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif: ((لا))، قال المشرك: فمن يمنعك مني؟ قال http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif: ((الله))، فسقط السيف من يده فأخذه الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif وقال للرجل المشرك: ((من يمنعك مني؟))، فقال: يا محمد، كن خير آخذ، فقال http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif: ((تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟))، قال: لا، ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى الرسول http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif سبيله، فأتى الرجل أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
أيها المؤمنون، إن التوكل على الله لا ينافي اتخاذ الأسباب، ولا ينافي العمل، بل إن التوكل لا يصح ولا يكون إلا إذا اتخذ الإنسان لكل عمل يريده جميع الأسباب الموصلة إلى تحقيقه؛ فالله سبحانه وتعالى قد ربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها، وعدم الأخذ بالأسباب مناف للفطرة ومخالف لأمر الله، وقد كان رسولكم محمد http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif سيد المتوكلين، ومع ذلك فقد كان يأخذ لكل أمر عدته، ويستعد لملاقاة أعدائه الاستعداد الكامل، ويتخذ جميع أسباب النصر، وكان يعمل ويسعى للكسب ويأمر غيره بالسعي والعمل، وسار على نهجه أصحابه الغر الميامين وأتباعه من المؤمنين المخلصين. فالتوكل على الله لا يتحقق إلا باتخاذ الأسباب والعمل ومتابعة سنن الله وقوانينه أولاً، ثم بالاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه وترك النتائج له ثانيًا. وقد جاء رجل إلى رسول الله http://www.alminbar.net/../images/salla-icon.gif وأراد أن يترك ناقته على باب المسجد دون أن يربطها، فقال: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ فقال له: ((اعقلها وتوكل)).


الخطبة الثانية
أيها المسلمون، إن الناظر في حال الأمة العربية والإسلامية يلاحظ أنها تتعرض لحرب لا هوادة فيها، إلى حرب مادية ونفسية واقتصادية وثقافية، وما ذلك إلا لإضعاف العقيدة في القلوب، وانهيار قواها المادية بأقل الضربات على يد أعدائها، فتنسج الأساطير حول قوتهم كما تنسج الأساطير حول ضعفها، وعندها يدخل الرعب إلى القلوب، ويحصل الاستسلام والتسليم، ويحقق الأعداء أهدافهم ومخططاتهم.
أيها المرابطون، ولقد شاءت إرادة الله تعالى أن يتلقى المسلمون في أرض الإسراء والمعراج الصدمة الأولى من القوى الصليبية في حربها الحاقدة، ولا يغيب عن البال ما قاله الجنرال اللنبي وقت دخوله بيت المقدس عام 1917م، وبعد شهر تقريبا من صدور وعد بلفور: "الآن انتهت الحروب الصليبية". قالها ظنًا منه أنه قد قضي على الإسلام وأهله، متناسيًا طبيعة هذا الدين وحقيقته وأن المستقبل له، http://www.alminbar.net/../images/start-icon.gifيُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَhttp://www.alminbar.net/../images/end-icon.gif [الصف: 8].
واستمر مخطط العدوان حتى حصل الذي حصل لهذه الأرض المباركة من احتلال واغتصاب، على حين فرقة من العرب والمسلمين وغفلة وضعف، وتآمر من قبل السياسة الغربية الحاقدة. ولم يستطع أهل فلسطين وقتئذٍ صنع شيء بسبب الخيانة والخذلان من جانب، وبسبب سوء التقدير من جانب آخر، فهاموا على وجوههم في الأرض وفقدوا حقهم. وفي التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1947م قررت هيئة الأمم المتحدة إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيمها إلى دولتين عربية ويهودية حسب خرائط قررت سلفًا، كما قررت تدويل القدس وتعاون الدولتين اقتصاديا، ولم يوافق الفلسطينيون والعرب في حينه على هذا التقسيم تمسكًا بالحق الثابت. وفي مثل هذا التاريخ من كل عام يحيي شعبنا هذه الذكرى الأليمة، ويشاركه في ذلك الكثير من دول العالم، حيث أصبح هذا التاريخ رمزًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وستبقى هذه الذكرى ماثلة أمام أعيننا باعتبارها الجرح الذي ينزف من أجسادنا إلى أن يشاء الله تعالى، وإلى أن يتم تحرير الأرض والمقدسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال.
ومن أبرز الدروس المستفادة من هذه الذكرى ضرورة إعداد النفوس لما ينبغي أن تكون عليه في المستقبل، ولم الشمل وجمع الصفوف وتوحيد الكلمة.
فيا أيها العرب والمسلمون، أفيقوا من غفلتكم، وتحملوا مسؤولياتكم تجاه ما يحدث على هذه الأرض المباركة من استيلاء عليها والعمل على تهويدها، وما يجري عليها من إقامة المستوطنات ومصادرة البيوت وهدمها، والحد من البناء عليها كما هو حاصل في مدينة القدس، والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري، ومحاولة التدخل في شؤون المسجد الأقصى المبارك، إلى غير ذلك من الممارسات الاستفزازية التي تحدث يوميًا. وكل هذه الأشياء تأتي ضمن تنفيذ المخططات المرسومة لذلك.
يضاف إلى ذلك حملات الاعتقالات وحوادث الاغتيالات ضد أبناء هذا الشعب، والتعرض لإخواننا المعتقلين في سجون الاحتلال بصورة لا تتفق مع حقوق الإنسان كإنسان، وتتنافى مع الأعراف والمواثيق الدولية.