المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل العمري من جديد


نائل أبو محمد
03-11-2010, 10:08 AM
التجديد: الخروج الحتمي من "طول الأمد"...

د.أحمد خيري العمري- القدس العربي

http://www.quran4nahda.com/?p=1306



مفاهيم دينية كثيرة تعرضت لسوء الاستعمال والتشويه ومن ضمنها مفهوم التجديد الديني الذي تعرّض ويتعرض لعدة أنواع من سوء الاستعمال المتعمد وغير المتعمد.

يستند مفهوم التجديد من الناحية التأصيلية الشرعية إلى حديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا » (رواه أبو داود والحاكم وابن خزيمة والبيهقي والطبراني)...

لكن التجديد وإن رُبِط بهذا الحديث لوضوحه واشتهاره فإنه يظل أكبر من الاستناد إلى حديث واحد فقط، فالتجديد يمكن أن يربط أصلا بالنص القرآني الذي فتح باب التجديد عندما حذرنا من المكوث في طول الأمد في التعامل مع الكتاب (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد 16، فالسياق هنا يتحدث عن "تعامل معين مع الكتاب"، أي بعبارة أخرى عن "فهمٍ معين للنص الديني"، تعامل طال عليه "الأمد".. والأمد في لسان العرب يعني المدة الزمنية الطويلة، أو منتهى العمر، والمعنى هنا أنهم مكثوا في أمد معين دون حراك، أي أن تعاملهم مع الكتاب ( فهمهم للنص) لبث في فترة زمنية وبقراءة معينة دون تغيير، وأدى ذلك إلى أن "قست قلوبهم" وقسوة القلب هنا هي مناقضة لخشوع القلب الذي طالبت نفس الآية المؤمنين به في مطلعها "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ"...

وقد ذكر الخشوع في القرآن في تكامل مع الإنتاج والإثمار فخشوع الأرض في القرآن الكريم كان تمهيدا لإنتاجها وإثمارها كما في (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) فصلت 39.. كما أن المعنى الأساسي للفعل خشع في لسان العرب يعني النزول والهبوط ومنه ، كما في (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ)، وهذا يلفت نظرنا إلى أن الخشوع يرتبط دوما بالالتحام بالأرض وبالواقع الأرضي اليومي، وليس بالتحليق في الأبراج العاجية.. كما أنه ليس هدفا بحد ذاته بقدر ما هو وسيلة للإنتاج.. ( اهتزاز الأرض وإنباتها في مثال خشوع الأرض، وإنتاج فهم جديد في مثال خشوع التعامل مع الكتاب)..

و لا ينبغي هنا أن نتجاوز ثلاث ملاحظات:

- أولاً، ارتباط الخشوع (المؤدي إلى الإنتاج) بالقلب ( الذي هو الجوهر، والذي يعني الثوابت التي لن تُمَسّ في عملية التجديد بل ستكون أساساً قويا للبناء عليه)..

- ثانيا، أن السياق القرآني لم يَصِمْ كل هؤلاء (الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم) بالفسوق، بل قال (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، أي ليس كل من رفض التجديد وطال عليه الأمد في تعامله مع الكتاب هو فاسق بالضرورة، بل قد يكون يعتقد أنه يدافع عن الدين وعن الكتاب، وهذا أيضا أمر مشاهد في الكثير من الحرس القديم الذين هم ضد أي جديد بالمطلق بنية إيجابية أحيانا..

- ثالثا، إن الإتيان بفهم جديد لا يشترط التناقض والتصادم مع الفهم القديم بالضرورة، بل قد يكون إضافة بُعدٍ جديد يفعّل المزيد من المعاني دون أن يلغي ما سبق بالضرورة، مثال ذلك القراءة السابقة لآيات الخشوع في التعامل مع الكتاب، فقد تعودنا أن يتعلق الخشوع بالانفعال العاطفي المباشر بالتذكير بآيات الله، والفهم الآخر الذي يفترض علاقة الخشوع بالفهم المنتج للكتاب لا يلغي الفهم السابق بل يوسعه فحسب، في الوقت نفسه هناك بعض القراءات المتناقضة بالضرورة والتي لا يمكن الجمع بينها، على سبيل المثال قراءة آيات سورة الأنعام المتعلقة بسيدنا إبراهيم (قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ)، هذه الآيات لا تحتمل الجمع بين القراءة السائدة التي تعدّ أن إبراهيم كان يحاور قومه، والقراءة الأخرى الأكثر انسجاما مع النص والتي لها جذور أكثر أصالة، التي ترى أن إبراهيم كان يتساءل فعلا وأن ذلك كان قبل النبوة والوحي.

في كل الأحوال، التجديد ضرورة حقيقية بل هو سنة الأنبياء والصحابة ومن "اتبعهم بإحسان" فلننتبه أن الاتباع مشروط هنا بـ-الإحسان-، وما دام ينطلق من ثوابت واضحة لا تمس الخطوط الحمراء ولا تمس الحلال والحرام فهو الحصانة الحقيقية ضد "طول الأمد" في التعامل مع الكتاب الذي يؤدي إلى قسوة القلب، أي إلى عدم التفاعل، وبالتالي عدم الإنتاج..

التجديد الحقيقي لا ينعزل عن الواقع، لكن الأمر المهم هنا في عدم العزلة، هو أنه لا يستلهم الواقع لكي يكون مصدره في التجديد، أي إنه لا يجعل من التجديد حجة لتطويع النص الديني وجعله منسجما مع الواقع، على العكس، التفاعل مع الواقع يجب أن يكون مستفزا للنص لكي يُستخرَج منه كل ما يمكن من أجل تغيير الواقع وإعادة بنائه (أليس هذا ما أنزل النص من أجله في الأساس؟)، وليس العكس، ليس قراءة النص من أجل إعادة بناء النص..

التشويه الكبير الحاصل مع التجديد يأتي مع هذا النوع من ادعاء التجديد، أي من مشروع حقيقي لإعادة قراءة النص على نحو ينسجم مع الواقع المفروض وأفكاره ومبادئه .. جزء من هذا المشروع هو ذلك الجهد الذي يبذله "أدعياء التجديد الديني" بنجاح متفاوت في الأمر، مشروع هؤلاء لا ينبغي أن يُقرَأ كما لو كان محض "فتاوى شاذة" متفرقة تحلل الحرام فحسب، إذ كان هناك دوما فتاوى شاذة مشابهة الى حد ما من قبل فقهاء وعلماء معروفين و لهم مكانة ما في التراث الإسلامي، لكن ذلك يجب أن يُقرأ ضمن جهد أدعياء التجديد الكلي ، إذ إن الهدف التراكمي الواضح من كل قراءتهم لم يكن محض إباحة للخمر مثلا أو نزع للحجاب، بل كان في قراءة تؤصل تعطيل النص وتحييده عن أية إمكانية للتفعيل، وهنا خطورتهم الحقيقية، شخصيا لا أفترض نظرية مؤامرة وتجنيد مبكر لهؤلاء، فنحن نعيش في عصر صار التغريب ينتشر فيه بقوة الإنجاز الغربي دون الحاجة إلى عملاء مباشرين لنشره ( على العكس من الأمر في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، إذ كان الأمر يحتاج آنذاك إلى مفكرين مجندين لنشر التغريب، وليس من باب الأسلمة بالضرورة، أما اليوم فالأمر ابتداء يبدأ من عقيدة النقص والاستلاب الذي يستمد روافده الأساسية من الإنجاز الغربي ومن اللاإنجاز الإسلامي) لاحقا، وعندما يثبت بعض هؤلاء جدارة في كونهم قادرين على نشر الأفكار الغربية بصبغة إسلامية فإنهم يتلقون دعما معلوما وواضحا ..

أي محاولة لغض النظر عن تقارير مؤسسة "راند" وتجاهلها تشبه محاولة بائسة لدفن الرأس في الرمال، وتقارير مؤسسة "راند" واضحة وصريحة تذكر أسماء معينة من أدعياء التجديد وتوصي بدعمهم -المادي ؟- والمعنوي (وهذه التقارير منشورة علنا في موقع المؤسسة الرسمي وباللغتين العربية والانجليزية، أي إننا لا نتكلم عن كتاب مجهول المصدر - بروتوكولات حكماء صهيون على سبيل المثال- الذي يمكن دوما المجادلة بأنه مزيف، رغم أن الواقع منحه مصداقية فائقة).. تجديد هؤلاء لا يخرج الأمة من طول الأمد بقدر ما يحاول إدخالها في أمد آخر قد لا يتوافق مع ثوابتها ومنطلقاتها، وقد لا يؤدي أيضا إلى أهدافها..

لكن هؤلاء يظلون رغم خطورتهم القمة البارزة من جبل جليد غاطس في الماء، إنهم يمثلون التجديد المزيف الذي يمكن كشفه بسهولة لأنه يتجاوز خطوطا حمراء كثيرة، لكن هناك تحت السطح ظواهر تجديدية لا تقل خطورة وقد تزيد على المدى البعيد، أصحاب هذه الظواهر التجديدية ليسوا مثل أدعياء التجديد، وهم لا يقتربون من أي خط أحمر حاسم، كما أنهم يدعون غالبا إلى الالتزام بالشعائر والأخلاق الإسلامية ولا أتصورهم إلا مخلصين في ذلك، لكن مشكلة "تجديدهم" أنه محاولة غير واعية لأسلمة كل ما يفترضون إيجابيته في الحضارة الغربية عبر البحث عن نص ديني يمنح معنى مشابهاً أو حادثة في السيرة يمكن تأويلها على نحو مماثل، والخطورة في ذلك تكمن في سطحية النظرة القائلة أنه يمكن استيراد بعض إيجابيات الغرب ونقلها بالمسطرة دون أخذ الجذور الفكرية والعقائدية لهذه الإيجابيات، وهو أمر سطحي وسائد للأسف ويقوم على نشره رجال دين ودعاة دون الانتباه إلى خطورة ما يفعلون، مثال على ذلك ظاهرة احترام الوقت، احترام الوقت ظاهرة إيجابية غربية مهمة ( ومبالغ في حقيقة وجودها بالمناسبة، في أمريكا على الأقل)، في الوقت نفسه، احترام الوقت "مقدس" في الإسلام وبنصوص كثيرة لا سبيل لإيرادها الآن، لكن هذا التشابه ينتهي هنا، جذور الأمرين مختلفة تماما، فاحترام الوقت في الغرب ظاهرة سلوكية مرتبطة بالربح والمادة واعتبارهما المقياس الأول، بينما هو يرتبط في الإسلام بقيم عقائدية مختلفة تماما وترتبط على نحو أساسي بوجود الإنسان على هذه الأرض ووظيفته عليها، الربط بين الأمرين غير ممكن، و الادعاء الدائم بأن "الغرب قد سبقنا لأنه طبق ما نملكه نحن أصلا" ليس أمرا خاطئا و سطحيا فحسب بل هو في الوقت نفسه لا يخلو من خطورة لأنه يمنح شرعنة غير مباشرة للجذور الفكرية لهذه الظاهرة الإيجابية في حد ذاتها بمعزل عن جذورها التي قد تكون مخالفة لثوابت عقدية، المتلقي لا يعيش في أنبوبة مفرغة من الهواء، بل هو يعيش إنجازات الغرب ونجاحاته ومنتجاته والتسبيح بحمده ليل نهار- إعلاميا- شاء أم أبى، وهذا كله يجعله مهيئا ولو على نحو غير واع لتقبل كل ما في الغرب واعتباره هو المصدر الأساسي في كل شيء، ومقاربات ومقارنات من هذا النوع تسهم في ذلك بأكثر مما يتخيل دعاة هذا النوع من الأسلمة، بعبارة أخرى، تأصيل احترام الوقت أمر مهم وحتمي، لكن ذلك يجب أن يتم بأدوات إسلامية وضمن نفس المضمار الذي غرس في الجيل الأول.. احترام الوقت دون الحاجة إلى مقارنات ومقاربات مع منظومات حضارية مختلفة.... ماذا لو كان الغرب لا يحترم الوقت مثلا، هل سيكون علينا أن لا ندعو إلى احترام الوقت أو نتجاهل الأمر..؟ احترام الوقت جزء أساسي من ديننا بغض النظر عن الغرب، خمس دقائق فقط كفيلة بإخراج الصلاة عن وقتها.. عندما نراجع ذلك مع أهمية الصلاة وكونها عمادا للدين، لا بد أن يترسخ احترام الوقت لكل من يلتزم بالصلاة، عندما يُقدَّم له مفهوم الالتزام بالصلاة على هذا النحو..

أمر آخر يسيء إلى التجديد على نحو غير مباشر، هو إعادة تقديم التراث( أي الفهم البشري للنص الديني) بأسلوب جديد معاصر وباستخدام تقنيات حديثة ( عرض شرائح أو تقديم ثلاثي الأبعاد..الخ) ومن ثم توصيف هذا الأمر بأنه تجديد..... لا مشكلة طبعا في إعادة تقديم التراث فبعض ما فيه صالح للاستخدام المعاصر أكثر بكثير من أغلب الحداثيين وهمهماتهم ( كما لا بد من اجتثاث البعض الآخر منه واستئصاله بلا هوادة ) لكن المشكلة هي في إيهام المتلقي أن هذا هو التجديد: مجرد إعادة تقديم ما قاله الأولون بثوب جديد ولون جديد، مجرد طبعة إلكترونية من كتاب قديم.. وهذا الأمر يرسخ في الأذهان أنه لم يعد هناك جديد، وأن كل ما يمكن فعله هو إعادة القديم بثوب جديد وهيئة جديدة، أكرر: لا بد من استثمار بعض التراث وتقديمه على نحو يسهل التفاعل معه، لكن هذا شيء والتجديد شيء آخر تماما، والخلط بينهما يضر بمفهوم التجديد..لا خروج هنا من "طول الأمد" بقدر ما هناك تزيين لنفس الأمد وإضفاء بعض الملامح و الديكورات "الحديثة" عليه..

خلط آخر بدأ ينتشر مؤخرا، وهو الخلط بين التجديد وبين الأعمال الخيرية المتنوعة والمبادرات الفردية والجماعية في هذا المجال، لا شك أن هذه الأعمال والمبادرات الخيرية مهمة وتستحق كل الاحترام والدعم، لكن فعل الخير لا يجب أن يخلط مع مفهوم التجديد، كما يجب أن نتذكر أن الأمة لم تعدم قط من يفعل الخير، لا ننكر قطعا الحاجة الماسة إلى التنظيم وتحويل الجهود الفردية إلى جهد جماعي يصب في خدمة المجتمع، لكن هذا كله –على أهميته- ليس تجديدا، قد يمكن المجادلة هنا أن هذا هو تجديد في العمل الخيري، وهو ممكن ضمنا، لكن إطلاق كلمة التجديد كانت منصبة دوما (وعن حق) على المجال الفكري فقط، وكل المجددين في العصور المتلاحقة كانوا أولئك الذين قدموا جهدا فكريا يصب لصالح تجديد دين الأمة، بالضبط كما جاء في الحديث الشريف الذي حدد تجديد دين الأمة، وليس الدين بالإطلاق، (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)، فالنص الشريف حدد دين الأمة، أي فهمها لهذا الدين، وليس "الدين" بالإطلاق، الذي نعرف ثباته وعلوه عن أي تغير زمان ومكان، وهذا يربط عملية التجديد بالجهد الفكري الذي يبذل لتقديم فهم جديد وفعّال للتعامل مع الكتاب بالضوابط والشروط التي مر ذكرها، وليس بالعمل الخيري بكل حال من الأحوال..



من النتائج غير المباشرة للربط بين التجديد والعمل الخيري، الإيحاء بأن التجديد عمل جماعي، يمكن لفريق كامل أن يشارك فيه، بل يصل الأمر أحيانا لوصف الجيل كله بذلك، صحيح أن الأمر قد يستخدم لغرض إثارة حماس هذا الجيل نحو التجديد و النهضة، لكن طبيعة الأمر لا تحتمل هذا التبسيط، فعملية التجديد ليست عملا جماعيا بل لا يمكن أن تكون كذلك، بل هي عملية فردية حتما في شرارتها الأولى على الأقل، وقد تتطلب وقتا كبيرا قبل أن تنتقل الشرارة إلى مرحلة أخرى ينتشر فيها نورها إلى أعداد كبيرة – أي إلى الجماعة.

أمر آخر غير مباشر ينتج عن هذه النظرة للتجديد، هو الإيحاء-عبر الهالة الاحتفالية إعلاميا- بأن طريق المجددين سيكون مرضيا عنه جماهيريا، والحقيقة أن أية عملية تجديد حقيقية لا بد أن ترتطم بأفكار قديمة مكرسة وبمؤسسات تستمد وجودها من سلطة هذه الأفكار المكرسة و ليس من الضروري أبدا أن الجماهير ستنحاز لصالح التجديد، والمجدد الحقيقي لا بد أن يدرك طبيعة حقول الألغام التي يخوض فيها، فتجديده جهاد متعدد الجبهات، مرة مع الفكرة الأساسية التي يعمل عليها ويستخلصها من النص الأصلي ملتزما بشروط تضبط هذا التجديد وتمنعه من الشطط، ومّرة مع المؤسسات التقليدية التي سترى في تجديده مساسا بسلطتها حتى لو لم يمس هيبة النص، ومّرة مع أدعياء التجديد الذين شوهوا مفهوم التجديد وعلى المجدد الحقيقي أن يثبت دوما أنه ليس منهم..

قبل مدة وجيزة، كتب لي أحد القراء، وعمره لا يتجاوز العقدين كما يبدو من بريده الإلكتروني، موقعا باسم اختاره لنفسه: مجدد قادم !... في هذا استسهال لأمر التجديد ناتج عن تلك الأفكار المبسطة التي انتشرت مؤخرا، وهو استسهال مضر بالتجديد الحقيقي الذي يجب أن يتواضع أصحابه تجاه مسئولياتهم الجسيمة، لا يوجد مجدد حقيقي واحد يجرؤ على أن يطلق على نفسه اسم "مجدد".... يمكن أن يبذل جهوده في التجديد، أن يدعو إلى التجديد، لكن لقب المجدد لن يستحقه حقا إلا بعدما يبرهن الزمن أن أفكاره قابلة للتطبيق وأنها قادرة على المساهمة في إخراج الأمة من عنق زجاجة الأمد الطويل..


الخميس 26 ربيع الأول 1431

مجوووووده
03-12-2010, 10:13 PM
<A href="http://7awa.roro44.com/vb/redirector.php?url=http://www.0zz0.com" target=_blank>http://www13.0zz0.com/2010/03/11/21/806976296.jpg (http://www13.0zz0.com/2010/03/11/21/806976296.jpg)
http://www.bentelnil.com/up/uploads_pic/6ee4b6add2.gif (http://7awa.roro44.com/vb/redirector.php?url=http://www.bentelnil.com/up/uploads_pic/6ee4b6add2.gif)

نائل أبو محمد
05-11-2011, 09:37 PM
الأربعاء 8 جمادى الثانية 1432

للتذكير

نائل أبو محمد
01-14-2012, 09:20 PM
السبت 20 صفر 1433
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

نائل أبو محمد
02-11-2012, 07:35 PM
السبت 19 ربيع الأول 1433

حرية”الفكر” وحرية “الكفر”…و”واجب” تسمية الأشياء بأسمائها !

د.أحمد خيري العمري



ليس غريبا أبدا أن يتعرض مقام النبوة للتجريح أو التشكيك أو قلة الأدب.فهذا جزء من “متاعب المهنة” إن جاز لنا التعبير، وهو يتجاوز فترة حياة الأنبياء إلى ما بعد وفاتهم طالما كان لهم أتباع وتأثير ممتد عبر القرون…

وهكذا فانه عليه الصلاة والسلام تعرض للإيذاء والتجريح في حياته، فقيل عنه مجنون وشاعر، وقيل عنه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام أشياء أخرى كثيرة ، ولا يزالون يقولون حتى يومنا هذا (إرهابي، مغتصب أطفال….الخ).

إلى هنا والأمر عادي ولا يجب أن يثير الاستغراب أو حتى ردود الفعل المبالغ بها.

لكن ما يثير العجب ، هو الظاهرة التي أراها جديدة في التعامل مع إيذاء الرسول من قبل بعض المحسوبين على الاسلاميين[1] أو من يستخدمون على الأقل نصوصا دينية في فحوى كلامهم ، فبعد أن كنا نجد المطالبين بتطبيق حد الردة والحرابة جاهزين لإشهار اتهاماتهم حتى عند أقل هفوة ، صرنا نجد اليوم “إسلاميين” لديهم نفس الحماس في الدفاع عن “كفريات” شديدة الوضوح، والذود عنها تحت هذا الشعار أو ذاك،وبالاعتماد على نصوص منتقاة ومجتزئة من سياقها ، أي بالضبط كما يفعل نفس المتطرفين على الجهة الأخرى ، من المطالبين بتطبيق حد الردة حتى على غير المرتدين!..

وإذا كان لمتطرفي تطبيق حد الردة “تراث” فقهي متراكم يقف معهم (دون أن يعني ذلك التراكم كونه صوابا) فأن متطرفي الجهة الأخرى ظاهرة حديثة نسبيا ، ولا يكفي أبدا أن يفسر وجودهم بكونهم رد فعل لمتطرفي التطبيق ، بل يمكن أيضا فهم وجودهم بعقيدة النقص تجاه الغرب ، والرغبة الملحة بتقديم “نسخة معدلة” من الإسلام بما يتناسب مع المفاهيم الغربية ..لا يحدث ذلك بالضرورة عبر “مؤامرة” معدة مسبقا في أقبية المخابرات المركزية كما يطيب للبعض أن يتصور ، بل تحدث في دهاليز نفسية أشد تعقيدا ، في منطقة ما بين الانبهار المريض بالغرب ، والاحتقار الشديد للذات، ورد الفعل المتراكم تجاه فهم “سلبي” متراكم للنصوص الدينية..

كل هذا ، جعل البعض ، من المحسوبين على الإسلاميين ، أو ممن يستخدمون نصوصا دينية في طرح آرائهم ، يسقطون في خطأ اكبر من خطأ من يدافعون عنهم من المجدفين ممن يسيئون لمقام النبوة أو القرآن أو حتى الذات الإلهية..

هذا الخطأ هو إنكار وجود أي خطا أصلا !…كل شيء مما يقال صار خاضعا لحسن الظن والتأويل، حتى لو كان كفرا صريحا..!..كل شيء صار قابلا للتنازل في سبيل أن نعطي صورة معتدلة للإسلام ..لمن نعطي الصورة؟ ليس للغرب فحسب.بل لأنفسنا أيضا.نريد أن نقنع أنفسنا بفهم معين للإسلام كي نرتاح من تناقضاتنا.حتى لو كان هذا الفهم المعين يتناقض مع الكثير من النصوص في الإسلام..

كل هذا السياق ليس افتراضيا بطبيعة الحال.رغم أنه قد حدث في واقع افتراضي..

أحدهم على التويتر ، تعرض وبمناسبة المولد النبوي، لمقام النبوة وللرسول عليه الصلاة والسلام بكلام يصعب جدا أن يخضع لتأويل يحسن الظن بمقصده. ربما يصعب أيضا تكفيره عليه.لكن إحسان الظن بما قال غير ممكن أيضا…خلال ساعات انتشر ما كتب انتشار النار في الهشيم ، بل انتشار الخبر في الشبكة(وهو أمر أراه أسرع من انتشار النار في الهشيم)، وتم نبش أرشيفه كاملا، فإذا به قد سبق له أن كتب ما يعبر عن عدم إيمانه بالله ، ..وعن رفض واضح للشعائر باعتبارها “قيودا غبية”-على سبيل المثال..بالاضافة لأشياء أخرى تبين بوضوح “تصنيفه”.

حصل ما هو متوقع من ردود فعل تطالب برأسه وإهدار دمه (عبر تقديمه إلى القضاء أو مباشرة عبر متطوعين جاهزين، بل حدث تعميم لعنوان منزله التفصيلي!..) وخلال أقل من أربع وعشرين ساعة أصدر نفس الشخص بيانا يتراجع فيه عن كل ما كتب ، ويقر بخطأ ما قال ، بل نقل عنه مقربون أنه قال “الشهادة” أمام جمع من الناس بعدما اغتسل وتوضئ…

قال أحد كبار الدعاة أنه أحس بالصدق في بيان الرجل المتراجع.غير مهم.صدق أو لا صدق.لقد تراجع وأقر بخطأ ما قال.نقطة انتهى.كل ما قيل عن أي عقوبة سيكون لا معنى له حتى بأشد الآراء الفقهية تشددا في الموضوع…كل إصرار على العقوبة بعد هذا هو أمر لا يقدم عليه إلا جاهل ومتجاهل.

هل يعني هذا أني أؤيد بيان التراجع؟ وبالتالي أؤيد التهديدات التي تعرض لها الرجل؟

قطعا لا.أي سخف هذا الذي سيجعلنا نحرم الرجل من حقه في الكفر.نعم.حقه في الكفر…أكرر : حقه في أن يكفر..أن يكون كافرا ..

القرآن الكريم كفل حق الكفر لمن شاء أن يكفر…

““وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟” (يونس99 )

“ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا “( الكهف29)..

“لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” ( البقرة256)

وإذا لم يكن التهديد بالقتل إكراها ، فلا إكراه إذن !..

ماذا عن حد الردة إذن ؟

أي حد؟!.. الحد الذي لم يطبقه الرسول عليه الصلاة والسلام ولو مرة واحدة في حياته رغم وجود مرتدين معروفين بالاسم؟!.. هل نستغرب هذا؟ كيف والقرآن لم ينص على أي عقوبة دنيوية للمرتد.. بل نص على وعيد آخروي ولعن فحسب..

“وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (البقرة 127)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ المائدة(54)،

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137 النساء)

“كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ” آل عمران 86/87

“وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء 115)


ماذا عن الحديث المعروف بهذا الشأن؟ ماذا عن وجود سبب معروف للحديث يربطه بمؤامرة من قبل يهود المدينة، وهي المؤامرة التي بينتها الآية القرآنية الكريمة

“وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (آل عمران 72 )..

أي أن اليهود كانوا يريدون الدخول في الإسلام والخروج منه –كل يوم- لغرض تفتيت الجبهة الداخلية للمجتمع المسلم والبقاء في الوقت نفسه يهودا..أي “حيلة شرعية”-حسب شرعهم ، توفق بين البشارات الموجودة بالنبي الجديد،عليه الصلاة والسلام، في كتبهم ، وبين بقائهم يهودا…

هذه هي الأسباب التي ولد ضمنها الحديث المشهور عن الردة، الذي يتداول اليوم بمعزل عن سبب “قوله”..[2]

لم يحدث قط أن طبق حد الردة في عهده عليه الصلاة والسلام أو في عهد أبي بكر وعمر،إلا عندما ارتبط أمر الردة بجريمة أخرى (قتل مثلا) وهو أمر مختلف تماما.

لاحقا،حدث تداخل سياسي –فقهي أدى بالتدريج إلى تكوين مفهوم حد الردة على النحو الذي وصلنا والذي يطالب البعض بتطبيقه !..[3]

لكن عدم وجود حد للردة، لا يعني قد عدم وجود ردة !..أو مرتدين !..وهو ما تطرف فيه المدافعون عن الحرية الفكرية.هم لم يدافعوا عن حق الكفر.بل دافعوا عن حرية الفكر وأنكروا أن هذا كان كفرا من الأساس. الفرق كبير وكبير جدا. القرآن كفل حرية الكفر.وحرية الارتداد عن الدين وعدم الدخول فيه ، لكنه أيضا وضع تصنيفا واضحا لكل هذه الحالات.الكافر كافر.لا يعني ذلك أبدا ولا يجب أن يكون حكما بالإعدام عليه.لكنه “كافر”..، عقوبته ستكون آخروية حصرا ما دام لم يتركب جرما “جنائيا” مصاحبا لردته ،..

إما أن نقول أنه كافر ،أو أنما قاله كان كفرا إن شئنا التمييز بين الحالتين…لكن لا يمكن ترك الأمور مائعة بين تسميات هائمة دون ضابط شرعي ، كل ما يمكن تخيله من تسميات هائمة ولا معنى حقيقي لها تم استخدامها في سياق الدفاع عن حرية الفكر في الحالة المشار إليها أعلاه…كل ما يمكن تخيله من نصوص لا رابط لها بالموضوع ، تم استخدامها في الحوارات والنقاشات عن الأمر ، وهي حوارات لا يمكن تجاهلها أو تجاهل أثرها حتى لو كانت لا تتسق مع الصورة الذهنية عن “طلبة العلم” و العلم الشرعي على نحو عام..

لا يمكن افتراض سوء نية في المدافعين.دفاعهم في النهاية هو نتيجة طبيعية لما يزيد من عشر سنوات من رد الفعل تجاه التهجم على الاسلام ورسوله ، رد فعل حاول تقديم صورة مغايرة للتهجم لكنها انتقائية تبرز “السلام” و”التسامح” و”الرقة” و”اللين”..بينما الاسلام هو دين التوازن بين كل هذا وعكسه.هو دين ما يجب عندما يجب.وما لا يجب عندما لا يجب .توجد نصوص فعلا تؤيد التسامح والتعايش وتحض عليه.وهناك نصوص أخرى تحض على تغيير ما لا يمكن التعايش معه ولو بالقوة.سيرته عليه الصلاة والسلام عكست ذلك .وسيبقى هذا موجودا (في النصوص وفي السيرة) رغما عن أنوفنا جميعا، ومهما بذلنا أو بذل البعض منا الجهد في التعمية عن ذلك أو غض النظر عنه..

سيقولون، وقد قالوا فعلا..:ماذا عن الدعوة؟ ماذا عن كسب قلب هذا الرجل وسواه؟

ماذا عن ذلك حقا؟..

هل كانت الدعوة سببا في أن لا يقول القرآن للكافر أنه كافر ؟!..هل كانت سببا في أن لا يخاطب الكفار ويستفزهم بأشد الصفات والنعوت قوة..بكونهم كالأنعام بل أضل سبيلا. من قال أن ذلك لا يستفزهم نحو الإيمان أصلا. من قال أن “اللين” في الدعوة وحده هو ما يجذب الناس.على العكس، المبالغة في اللين تعطي أحيانا إيحاء بالضعف، بوجود مشكلة في الموقف أصلا.ولا أحد يتبع الضعفاء..

هذا أولا.

ثانيا- من قال أن علينا أن نقنع الجميع بأي فكرة مهما كانت صائبة؟..من قال أن ذلك ممكن أصلا؟ من قال أن عدم إيمان “الجميع” بفكرة ما يعود إلى خطأ ما في الفكرة أو في عرضها.هذا هراء.وهو هراء منتشر للأسف.ومستنزف أيضا. فهو يجعل “منتجي” الفكر أو الدعوة يحاولون أن ينتجوا فكرهم بطريقة تراعي “قبول المتلقي” أكثر مما تراعي الفكرة ذاتها :تناسقها وصلابتها..أي أن السلعة هنا عليها أن ترضي “أذواق” أغلبية الناس..أي توافق أفكارهم..وهذا يعني أن السلعة الفكرية –حسب هذا الهراء- لن تقدم شيئا جديدا بقدر ما ستعمل على تعزيز أفكار مسبقة عند أغلبية الناس أصلا..مالفائدة إذن من الفكرة الجديدة؟..ماذا لو كانت أفكار الناس المكرسة بحاجة إلى هدم ؟ إلى نسف ؟ ألن يقودنا هذا إلى عدم تقبل البعض وهجوم البعض، و..قبول البعض الآخر؟ هل يعني هذا أن الفكرة الجديدة خطأ لمجرد أن هناك من لا يؤمن بها..؟؟

لو كان هذا صحيحا لكان قدحا في رسالة الرسول الكريم نفسه.لقد حمل عليه الصلاة والسلام أعظم رسالة للبشرية وبأعظم أسلوب.فماذا كان؟ هل آمن به الجميع؟ هل اقتنع الجميع بما دعاهم له؟ لا، طبعا.بل قدم بعضهم حياته وهو يرفض ما جاء به.هل يعني هذا أنه قصر عليه الصلاة والسلام؟..هل يعني أنه كان عليه أن يغير منهجه وأسلوبه أملا في كسب قلوب وعقول الكفار؟..لا طبعا. ..وهذا ما يتجاوزه الهراء المنتشر الذي يصر على أن عدم رواج فكرة أو حيازتها على الأغلبية يعني وجود مشكلة فيها..

ليس من مهمتنا أن يدخل الجميع الجنة.هناك ناس يختارون جهنم عن سابق قصد وتصميم.هناك ناس “وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ( الأنفال23 )..

هل نعلم من هؤلاء؟ هل يمكن أن نحددهم.قطعا لا.لكنهم أحيانا يفعلون ذلك بأنفسهم.يقولون الكفر ويصرون عليه.ربما لا يعرفون أنه كفر.نحن نساعدهم على الاستمرار فيه وفي الإصرار عليه عندما لا نسميه باسمه. عندما نلف وندور ونجامل حرصا على “الصورة” و”السمعة”..

نعم في موروثنا الفكري ما يستحق أن نثور عليه مثلما يستحق المستبدون والطغاة الثورة..ومن ضمن هذا الموروث “مفهوم حد الردة”..

لكن التظاهر بأنه لا كفر ولا ردة ، وشطب نصف آيات القرآن هو مما يستحق ثورة أكبر..

نعم.من حق الكفار أن يكفروا.هذا شأنهم.ومن واجبنا أن نكون ضد إعدامهم.فالردة لا تستوجب الإعدام.وسينتظرهم في الآخرة ما يستحقون ما لم يتوبوا ..

لكن مثلما لهم الحق في أن يكفروا، فمن واجبنا نحن أن نسمي الأشياء باسمها..كل الآيات التي كفلت حرية المعتقد فعلت ذلك ضمن هذا السياق : الغي، الرشد ، الكفر ، الإيمان..

حرية المعتقد (بما في ذلك الكفر والإلحاد) لا يجب أن تتنافى مع صراحتنا في التوصيف والتصنيف، هذا هو المنهج القرآني –النبوي..بلا مزايدات ولا مجاملات ولا لف أو دوران..

كما نؤيد حقهم في أن يقولوا “كفرهم”، فمن حقنا أيضا أن نقول أنه كفر..وأن نؤكد أيضا أن هذا لا يعني “إعدامهم”..

لا يجب أن يمنعوننا من حقنا في تسمية الأشياء بما اختاره الله لها..،في الوقت الذي يحصلون هم من الحرية الفكرية، على حقهم في الكفر..

حق الكفر الذي كفله لهم القرآن ، قبل أن تكفله لهم “الحرية الفكرية”..









[1] كلمة “محسوبين على الإسلاميين” لا تعني أنهم ليسوا مسلمين..فالإسلامي هو من يحمل فكرا إسلاميا محددا، أما المسلم فهو من شهد بالشهادتين.

[2] للمزيد عن الموضوع ، لا غنى عن كتاب طه جابر العلواني بعنوان “لا إكراه في الدين” وهو يتناول موضوع الردة تفصيلا

لتحميل الكتاب

نائل أبو محمد
02-11-2012, 07:35 PM
السبت 19 ربيع الأول 1433

حرية”الفكر” وحرية “الكفر”…و”واجب” تسمية الأشياء بأسمائها !

د.أحمد خيري العمري



ليس غريبا أبدا أن يتعرض مقام النبوة للتجريح أو التشكيك أو قلة الأدب.فهذا جزء من “متاعب المهنة” إن جاز لنا التعبير، وهو يتجاوز فترة حياة الأنبياء إلى ما بعد وفاتهم طالما كان لهم أتباع وتأثير ممتد عبر القرون…

وهكذا فانه عليه الصلاة والسلام تعرض للإيذاء والتجريح في حياته، فقيل عنه مجنون وشاعر، وقيل عنه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام أشياء أخرى كثيرة ، ولا يزالون يقولون حتى يومنا هذا (إرهابي، مغتصب أطفال….الخ).

إلى هنا والأمر عادي ولا يجب أن يثير الاستغراب أو حتى ردود الفعل المبالغ بها.

لكن ما يثير العجب ، هو الظاهرة التي أراها جديدة في التعامل مع إيذاء الرسول من قبل بعض المحسوبين على الاسلاميين[1] أو من يستخدمون على الأقل نصوصا دينية في فحوى كلامهم ، فبعد أن كنا نجد المطالبين بتطبيق حد الردة والحرابة جاهزين لإشهار اتهاماتهم حتى عند أقل هفوة ، صرنا نجد اليوم “إسلاميين” لديهم نفس الحماس في الدفاع عن “كفريات” شديدة الوضوح، والذود عنها تحت هذا الشعار أو ذاك،وبالاعتماد على نصوص منتقاة ومجتزئة من سياقها ، أي بالضبط كما يفعل نفس المتطرفين على الجهة الأخرى ، من المطالبين بتطبيق حد الردة حتى على غير المرتدين!..

وإذا كان لمتطرفي تطبيق حد الردة “تراث” فقهي متراكم يقف معهم (دون أن يعني ذلك التراكم كونه صوابا) فأن متطرفي الجهة الأخرى ظاهرة حديثة نسبيا ، ولا يكفي أبدا أن يفسر وجودهم بكونهم رد فعل لمتطرفي التطبيق ، بل يمكن أيضا فهم وجودهم بعقيدة النقص تجاه الغرب ، والرغبة الملحة بتقديم “نسخة معدلة” من الإسلام بما يتناسب مع المفاهيم الغربية ..لا يحدث ذلك بالضرورة عبر “مؤامرة” معدة مسبقا في أقبية المخابرات المركزية كما يطيب للبعض أن يتصور ، بل تحدث في دهاليز نفسية أشد تعقيدا ، في منطقة ما بين الانبهار المريض بالغرب ، والاحتقار الشديد للذات، ورد الفعل المتراكم تجاه فهم “سلبي” متراكم للنصوص الدينية..

كل هذا ، جعل البعض ، من المحسوبين على الإسلاميين ، أو ممن يستخدمون نصوصا دينية في طرح آرائهم ، يسقطون في خطأ اكبر من خطأ من يدافعون عنهم من المجدفين ممن يسيئون لمقام النبوة أو القرآن أو حتى الذات الإلهية..

هذا الخطأ هو إنكار وجود أي خطا أصلا !…كل شيء مما يقال صار خاضعا لحسن الظن والتأويل، حتى لو كان كفرا صريحا..!..كل شيء صار قابلا للتنازل في سبيل أن نعطي صورة معتدلة للإسلام ..لمن نعطي الصورة؟ ليس للغرب فحسب.بل لأنفسنا أيضا.نريد أن نقنع أنفسنا بفهم معين للإسلام كي نرتاح من تناقضاتنا.حتى لو كان هذا الفهم المعين يتناقض مع الكثير من النصوص في الإسلام..

كل هذا السياق ليس افتراضيا بطبيعة الحال.رغم أنه قد حدث في واقع افتراضي..

أحدهم على التويتر ، تعرض وبمناسبة المولد النبوي، لمقام النبوة وللرسول عليه الصلاة والسلام بكلام يصعب جدا أن يخضع لتأويل يحسن الظن بمقصده. ربما يصعب أيضا تكفيره عليه.لكن إحسان الظن بما قال غير ممكن أيضا…خلال ساعات انتشر ما كتب انتشار النار في الهشيم ، بل انتشار الخبر في الشبكة(وهو أمر أراه أسرع من انتشار النار في الهشيم)، وتم نبش أرشيفه كاملا، فإذا به قد سبق له أن كتب ما يعبر عن عدم إيمانه بالله ، ..وعن رفض واضح للشعائر باعتبارها “قيودا غبية”-على سبيل المثال..بالاضافة لأشياء أخرى تبين بوضوح “تصنيفه”.

حصل ما هو متوقع من ردود فعل تطالب برأسه وإهدار دمه (عبر تقديمه إلى القضاء أو مباشرة عبر متطوعين جاهزين، بل حدث تعميم لعنوان منزله التفصيلي!..) وخلال أقل من أربع وعشرين ساعة أصدر نفس الشخص بيانا يتراجع فيه عن كل ما كتب ، ويقر بخطأ ما قال ، بل نقل عنه مقربون أنه قال “الشهادة” أمام جمع من الناس بعدما اغتسل وتوضئ…

قال أحد كبار الدعاة أنه أحس بالصدق في بيان الرجل المتراجع.غير مهم.صدق أو لا صدق.لقد تراجع وأقر بخطأ ما قال.نقطة انتهى.كل ما قيل عن أي عقوبة سيكون لا معنى له حتى بأشد الآراء الفقهية تشددا في الموضوع…كل إصرار على العقوبة بعد هذا هو أمر لا يقدم عليه إلا جاهل ومتجاهل.

هل يعني هذا أني أؤيد بيان التراجع؟ وبالتالي أؤيد التهديدات التي تعرض لها الرجل؟

قطعا لا.أي سخف هذا الذي سيجعلنا نحرم الرجل من حقه في الكفر.نعم.حقه في الكفر…أكرر : حقه في أن يكفر..أن يكون كافرا ..

القرآن الكريم كفل حق الكفر لمن شاء أن يكفر…

““وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟” (يونس99 )

“ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا “( الكهف29)..

“لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” ( البقرة256)

وإذا لم يكن التهديد بالقتل إكراها ، فلا إكراه إذن !..

ماذا عن حد الردة إذن ؟

أي حد؟!.. الحد الذي لم يطبقه الرسول عليه الصلاة والسلام ولو مرة واحدة في حياته رغم وجود مرتدين معروفين بالاسم؟!.. هل نستغرب هذا؟ كيف والقرآن لم ينص على أي عقوبة دنيوية للمرتد.. بل نص على وعيد آخروي ولعن فحسب..

“وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (البقرة 127)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ المائدة(54)،

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137 النساء)

“كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ” آل عمران 86/87

“وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء 115)


ماذا عن الحديث المعروف بهذا الشأن؟ ماذا عن وجود سبب معروف للحديث يربطه بمؤامرة من قبل يهود المدينة، وهي المؤامرة التي بينتها الآية القرآنية الكريمة

“وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (آل عمران 72 )..

أي أن اليهود كانوا يريدون الدخول في الإسلام والخروج منه –كل يوم- لغرض تفتيت الجبهة الداخلية للمجتمع المسلم والبقاء في الوقت نفسه يهودا..أي “حيلة شرعية”-حسب شرعهم ، توفق بين البشارات الموجودة بالنبي الجديد،عليه الصلاة والسلام، في كتبهم ، وبين بقائهم يهودا…

هذه هي الأسباب التي ولد ضمنها الحديث المشهور عن الردة، الذي يتداول اليوم بمعزل عن سبب “قوله”..[2]

لم يحدث قط أن طبق حد الردة في عهده عليه الصلاة والسلام أو في عهد أبي بكر وعمر،إلا عندما ارتبط أمر الردة بجريمة أخرى (قتل مثلا) وهو أمر مختلف تماما.

لاحقا،حدث تداخل سياسي –فقهي أدى بالتدريج إلى تكوين مفهوم حد الردة على النحو الذي وصلنا والذي يطالب البعض بتطبيقه !..[3]

لكن عدم وجود حد للردة، لا يعني قد عدم وجود ردة !..أو مرتدين !..وهو ما تطرف فيه المدافعون عن الحرية الفكرية.هم لم يدافعوا عن حق الكفر.بل دافعوا عن حرية الفكر وأنكروا أن هذا كان كفرا من الأساس. الفرق كبير وكبير جدا. القرآن كفل حرية الكفر.وحرية الارتداد عن الدين وعدم الدخول فيه ، لكنه أيضا وضع تصنيفا واضحا لكل هذه الحالات.الكافر كافر.لا يعني ذلك أبدا ولا يجب أن يكون حكما بالإعدام عليه.لكنه “كافر”..، عقوبته ستكون آخروية حصرا ما دام لم يتركب جرما “جنائيا” مصاحبا لردته ،..

إما أن نقول أنه كافر ،أو أنما قاله كان كفرا إن شئنا التمييز بين الحالتين…لكن لا يمكن ترك الأمور مائعة بين تسميات هائمة دون ضابط شرعي ، كل ما يمكن تخيله من تسميات هائمة ولا معنى حقيقي لها تم استخدامها في سياق الدفاع عن حرية الفكر في الحالة المشار إليها أعلاه…كل ما يمكن تخيله من نصوص لا رابط لها بالموضوع ، تم استخدامها في الحوارات والنقاشات عن الأمر ، وهي حوارات لا يمكن تجاهلها أو تجاهل أثرها حتى لو كانت لا تتسق مع الصورة الذهنية عن “طلبة العلم” و العلم الشرعي على نحو عام..

لا يمكن افتراض سوء نية في المدافعين.دفاعهم في النهاية هو نتيجة طبيعية لما يزيد من عشر سنوات من رد الفعل تجاه التهجم على الاسلام ورسوله ، رد فعل حاول تقديم صورة مغايرة للتهجم لكنها انتقائية تبرز “السلام” و”التسامح” و”الرقة” و”اللين”..بينما الاسلام هو دين التوازن بين كل هذا وعكسه.هو دين ما يجب عندما يجب.وما لا يجب عندما لا يجب .توجد نصوص فعلا تؤيد التسامح والتعايش وتحض عليه.وهناك نصوص أخرى تحض على تغيير ما لا يمكن التعايش معه ولو بالقوة.سيرته عليه الصلاة والسلام عكست ذلك .وسيبقى هذا موجودا (في النصوص وفي السيرة) رغما عن أنوفنا جميعا، ومهما بذلنا أو بذل البعض منا الجهد في التعمية عن ذلك أو غض النظر عنه..

سيقولون، وقد قالوا فعلا..:ماذا عن الدعوة؟ ماذا عن كسب قلب هذا الرجل وسواه؟

ماذا عن ذلك حقا؟..

هل كانت الدعوة سببا في أن لا يقول القرآن للكافر أنه كافر ؟!..هل كانت سببا في أن لا يخاطب الكفار ويستفزهم بأشد الصفات والنعوت قوة..بكونهم كالأنعام بل أضل سبيلا. من قال أن ذلك لا يستفزهم نحو الإيمان أصلا. من قال أن “اللين” في الدعوة وحده هو ما يجذب الناس.على العكس، المبالغة في اللين تعطي أحيانا إيحاء بالضعف، بوجود مشكلة في الموقف أصلا.ولا أحد يتبع الضعفاء..

هذا أولا.

ثانيا- من قال أن علينا أن نقنع الجميع بأي فكرة مهما كانت صائبة؟..من قال أن ذلك ممكن أصلا؟ من قال أن عدم إيمان “الجميع” بفكرة ما يعود إلى خطأ ما في الفكرة أو في عرضها.هذا هراء.وهو هراء منتشر للأسف.ومستنزف أيضا. فهو يجعل “منتجي” الفكر أو الدعوة يحاولون أن ينتجوا فكرهم بطريقة تراعي “قبول المتلقي” أكثر مما تراعي الفكرة ذاتها :تناسقها وصلابتها..أي أن السلعة هنا عليها أن ترضي “أذواق” أغلبية الناس..أي توافق أفكارهم..وهذا يعني أن السلعة الفكرية –حسب هذا الهراء- لن تقدم شيئا جديدا بقدر ما ستعمل على تعزيز أفكار مسبقة عند أغلبية الناس أصلا..مالفائدة إذن من الفكرة الجديدة؟..ماذا لو كانت أفكار الناس المكرسة بحاجة إلى هدم ؟ إلى نسف ؟ ألن يقودنا هذا إلى عدم تقبل البعض وهجوم البعض، و..قبول البعض الآخر؟ هل يعني هذا أن الفكرة الجديدة خطأ لمجرد أن هناك من لا يؤمن بها..؟؟

لو كان هذا صحيحا لكان قدحا في رسالة الرسول الكريم نفسه.لقد حمل عليه الصلاة والسلام أعظم رسالة للبشرية وبأعظم أسلوب.فماذا كان؟ هل آمن به الجميع؟ هل اقتنع الجميع بما دعاهم له؟ لا، طبعا.بل قدم بعضهم حياته وهو يرفض ما جاء به.هل يعني هذا أنه قصر عليه الصلاة والسلام؟..هل يعني أنه كان عليه أن يغير منهجه وأسلوبه أملا في كسب قلوب وعقول الكفار؟..لا طبعا. ..وهذا ما يتجاوزه الهراء المنتشر الذي يصر على أن عدم رواج فكرة أو حيازتها على الأغلبية يعني وجود مشكلة فيها..

ليس من مهمتنا أن يدخل الجميع الجنة.هناك ناس يختارون جهنم عن سابق قصد وتصميم.هناك ناس “وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ( الأنفال23 )..

هل نعلم من هؤلاء؟ هل يمكن أن نحددهم.قطعا لا.لكنهم أحيانا يفعلون ذلك بأنفسهم.يقولون الكفر ويصرون عليه.ربما لا يعرفون أنه كفر.نحن نساعدهم على الاستمرار فيه وفي الإصرار عليه عندما لا نسميه باسمه. عندما نلف وندور ونجامل حرصا على “الصورة” و”السمعة”..

نعم في موروثنا الفكري ما يستحق أن نثور عليه مثلما يستحق المستبدون والطغاة الثورة..ومن ضمن هذا الموروث “مفهوم حد الردة”..

لكن التظاهر بأنه لا كفر ولا ردة ، وشطب نصف آيات القرآن هو مما يستحق ثورة أكبر..

نعم.من حق الكفار أن يكفروا.هذا شأنهم.ومن واجبنا أن نكون ضد إعدامهم.فالردة لا تستوجب الإعدام.وسينتظرهم في الآخرة ما يستحقون ما لم يتوبوا ..

لكن مثلما لهم الحق في أن يكفروا، فمن واجبنا نحن أن نسمي الأشياء باسمها..كل الآيات التي كفلت حرية المعتقد فعلت ذلك ضمن هذا السياق : الغي، الرشد ، الكفر ، الإيمان..

حرية المعتقد (بما في ذلك الكفر والإلحاد) لا يجب أن تتنافى مع صراحتنا في التوصيف والتصنيف، هذا هو المنهج القرآني –النبوي..بلا مزايدات ولا مجاملات ولا لف أو دوران..

كما نؤيد حقهم في أن يقولوا “كفرهم”، فمن حقنا أيضا أن نقول أنه كفر..وأن نؤكد أيضا أن هذا لا يعني “إعدامهم”..

لا يجب أن يمنعوننا من حقنا في تسمية الأشياء بما اختاره الله لها..،في الوقت الذي يحصلون هم من الحرية الفكرية، على حقهم في الكفر..

حق الكفر الذي كفله لهم القرآن ، قبل أن تكفله لهم “الحرية الفكرية”..









[1] كلمة “محسوبين على الإسلاميين” لا تعني أنهم ليسوا مسلمين..فالإسلامي هو من يحمل فكرا إسلاميا محددا، أما المسلم فهو من شهد بالشهادتين.

[2] للمزيد عن الموضوع ، لا غنى عن كتاب طه جابر العلواني بعنوان “لا إكراه في الدين” وهو يتناول موضوع الردة تفصيلا

لتحميل الكتاب