المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفاتحة 001 - آية 002 - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


admin
05-23-2010, 11:33 AM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مرحبا بكم معنا في المسجد الأقصى المبارك
سورة 001 - الفاتحة آية رقم 002 - الحمد
<EMBED height=52 type=audio/x-ms-wma width=625 src=http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ayat-sound/001002.wma en-us?>

<CENTER><TABLE style="WIDTH: 464px; HEIGHT: 88px" id=table2 border=4 cellSpacing=6 cellPadding=4 width=464><TBODY><TR><TD width="100%">الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
</TD></TR></TBODY></TABLE></CENTER>صدق الله العظيم

السابق (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?p=16538#post16538)التالي (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=3794)

admin
12-02-2010, 03:00 PM
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-5

قال أبو جعفر: معنى: { الـحَمْدُ لِلَّهِ }: الشكر خالصاً لله جل ثناؤه دون سائر ما يُعْبَد من دونه، ودون كل ما برأ من خـلقه، بـما أنعم علـى عبـاده من النعم التـي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحد، فـي تصحيح الآلات لطاعته، وتـمكين جوارح أجسام الـمكلفـين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم فـي دنـياهم من الرزق وغذاهم به من نعيـم العيش من غير استـحقاق منهم لذلك علـيه، ومع ما نبههم علـيه ودعاهم إلـيه من الأسبـاب الـمؤدية إلـى دوام الـخـلود فـي دار الـمقام فـي النعيـم الـمقـيـم. فلربنا الـحمد علـى ذلك كله أولاً وآخراً.

وبـما ذكرنا من تأويـل قول ربنا جل ذكره وتقدست أسماؤه: { الـحَمْدُ لِلَّهِ } جاء الـخبر عن ابن عبـاس وغيره:

حدثنا مـحمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عبـاس، قال: قال جبريـل لـمـحمد: «قل يا مـحمد: الـحمد لله».

قال ابن عبـاس: الـحمد لله: هو الشكر، والاستـخذاء لله، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه، وغير ذلك.

وحدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي، قال: حدثنا بقـية بن الولـيد، قال: حدثنـي عيسى بن إبراهيـم، عن موسى بن أبـي حبـيب، عن الـحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال النبـي صلى الله عليه وسلم: " إذَا قُلْتَ الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالـمِينَ، فَقَدْ شَكَرْتَ اللَّهَ فَزَادَكَ "

قال: وقد قـيـل إن قول القائل: الـحَمْدُ لِلَّهِ ثناء علـى الله بأسمائه وصفـاته الـحسنى، وقوله: «الشكر لله» ثناء علـيه بنعمه وأياديه.

وقد رُوي عن كعب الأحبـار أنه قال: الـحمد لله ثناء علـى الله. ولـم يبـين فـي الرواية عنه من أيّ معنـى الثناء الذي ذكرنا ذلك.

حدثنا يونس بن عبد الأعلـى الصدفـي، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: حدثنـي عمر بن مـحمد، عن سهيـل بن أبـي صالـح، عن أبـيه، قال: أخبرنـي السلولـي، عن كعب قال: من قال: «الـحمد لله» فذلك ثناء علـى الله.

وحدثنـي علـيّ بن الـحسن الـخراز، قال: حدثنا مسلـم بن عبد الرحمن الـجرمي، قال: حدثنا مـحمد بن مصعب القرقسانـي، عن مبـارك بن فضالة، عن الـحسن، عن الأسود بن سريع، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لَـيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَـيْهِ الـحَمْدُ مِنَ اللَّهِ تَعالـى، ولِذَلِكَ أَثْنَى علـى نَفْسِهِ فَقالَ: الـحَمْدُ لِلَّهِ "

قال أبو جعفر: ولا تَـمَانُع بـين أهل الـمعرفة بلغات العرب من الـحكم لقول القائل: الـحَمْدُ لِلَّهِ شكراً بـالصحة. فقد تبـين إذ كان ذلك عند جميعهم صحيحاً، أن الـحمد لله قد يُنْطَق به فـي موضع الشكر، وأن الشكر قد يوضع موضع الـحمد، لأن ذلك لو لـم يكن كذلك لـما جاز أن يقال الـحمد لله شكراً، فـيخرج من قول القائل «الـحمد لله» مُصدَّر «أشكُر»، لأن الشكر لو لـم يكن بـمعنى الـحمد، كان خطأ أن يصدر من الـحمد غير معناه وغير لفظه.

-1-

فإن قال لنا قائل: وما وجه إدخال الألف واللام فـي الـحمد؟ وهلاَّ قـيـل: حمداً لله ربّ العالـمين قـيـل: إن لدخول الألف واللام فـي الـحمد معنى لا يؤديه قول القائل «حمداً»، بإسقاط الألف واللام وذلك أن دخولهما فـي الـحمد منبىءٌ علـى أن معناه: جميع الـمـحامد والشكر الكامل لله. ولو أُسقطتا منه لـما دلّ إلا علـى أن حَمْدَ قائلِ ذلك لله، دون الـمـحامد كلها. إذْ كان معنى قول القائل: «حمداً لله» أو «حمدٌ الله»: أحمد الله حمداً، ولـيس التأويـل فـي قول القائل: { الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَـمِينَ } تالـياً سورة أم القرآن أحمد الله، بل التأويـل فـي ذلك ما وصفنا قبل من أن جميع الـمـحامد لله بألوهيته وإنعامه علـى خـلقه، بـما أنعم به علـيهم من النعم التـي لا كفء لها فـي الدين والدنـيا والعاجل والآجل.

ولذلك من الـمعنى، تتابعت قراءة القراء وعلـماء الأمة علـى رفع الـحمد من: { الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَـمينَ } دون نصبها، الذي يؤدي إلـى الدلالة علـى أن معنى تالـيه كذلك: أحمد الله حمداً. ولو قرأ قارىء ذلك بـالنصب، لكان عندي مـحيلاً معناه ومستـحقّاً العقوبة علـى قراءته إياه كذلك إذا تعمد قراءته كذلك وهو عالـم بخطئه وفساد تأويـله.

فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: الـحمد لله؟ أَحَمَد اللَّهُ نفسَه جل ثناؤه فأثنى علـيها، ثم عَلَّـمناه لنقول ذلك كما قال ووصف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالـى ذكره إذا:

{ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03796) } (الفاتحة1: 5)

وهو عز ذكره معبود لا عابد؟ أم ذلك من قـيـل جبريـل أو مـحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقد بطل أن يكون ذلك لله كلاماً.

قـيـل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه ولكنه جل ذكره حمد نفسه وأثنى علـيها بـما هو له أهل، ثم عَلَّـم ذلك عبـاده وفرض علـيهم تلاوته، اختبـاراً منه لهم وابتلاء، فقال لهم: قولوا «الـحمد لله ربّ العالـمين» وقولوا:
{ إياك نعبد وإياك نستعين (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03796) } (الفاتحة1: 5)
فقوله: إياك نعبد، مـما عَلَّـمَهم جل ذكره أن يقولوه ويدينوا له بـمعناه. وذلك موصول بقوله الـحمد لله ربّ العالـمين، وكأنه قال: قولوا هذا وهذا.

فإن قال: وأين قوله: «قولوا» فـيكون تأويـل ذلك ما ادّعيت؟ قـيـل: قد دللنا فـيـما مضى أن العرب من شأنها إذا عرفت مكان الكلـمة ولـم تشك أن سامعها يعرف بـما أظهرت من منطقها ما حذفت، حَذْفُ ما كفـى منه الظاهر من منطقها، ولا سيـما إن كانت تلك الكلـمة التـي حذفت قولاً أو تأويـل قول، كما قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>واعْلَـمُ أنَّنـي سأكُونُ رَمْسا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>إذَا سارَ النَّوَاعجُ لا يَسيرُ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فَقالَ السَّائلُونَ لِـمَنْ حَفَرْتُـمْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فَقالَ الـمُخْبرُونَ لَهُمْ وَزيرُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

-2-

قال أبو جعفر: يريد بذلك: فقال الـمخبرون لهم: الـميت وزير، فأسقط «الـميت»، إذ كان قد أتـى من الكلام بـما يدل علـى ذلك. وكذلك قول الآخر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ورَأيْتِ زَوْجَكِ فـي الوَغَى</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>مُتَقَلِّداً سَيْفـاً وَرُمْـحَا</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقد علـم أن الرمـح لا يتقلد، وأنه إنـما أراد: وحاملاً رمـحاً. ولكن لـما كان معلوماً معناه اكتفـى بـما قد ظهر من كلامه عن إظهار ما حذف منه. وقد يقولون للـمسافر إذا ودّعوه: مُصَاحَبـاً مُعافـى، يحذفون سِرْ واخْرُجْ إذْ كان معلوماً معناه وإن أسقط ذكره. فكذلك ما حُذِف من قول الله تعالـى ذكره: { الـحمدُ لِلَّهِ ربّ العَالـمينَ } لـمَّا عُلِـم بقوله جل وعزّ:

{ إياك نَعْبُد (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03796) }

ما أراد بقوله: الـحمد لله ربّ العالـمين من معنى أمره عبـاده، أغنت دلالة ما ظهر علـيه من القول عن إبداء ما حُذف.

وقد روينا الـخبر الذي قدمنا ذكره مبتدأ فـي تنزيل قول الله: { الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَـمِينَ } عن ابن عبـاس، وأنه كان يقول: إن جبريـل قال لـمـحمد: قل يا مـحمد: الـحمد لله ربّ العالـمين. وبَـيَّنا أن جبريـل إنـما عَلَّـمَ مـحَمَّداً صلى الله عليه وسلم ما أُمِر بتعلـيـمه إياه. وهذا الـخبر ينبىء عن صحة ما قلنا فـي تأويـل ذلك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { رَبّ }.

قال أبو جعفر: قد مضى البـيان عن تأويـل اسم الله الذي هو «الله» فـي «بسم الله»، فلا حاجة بنا إلـى تكراره فـي هذا الـموضع. وأما تأويـل قوله «رَبّ»، فإن الربَّ فـي كلام العرب متصرف علـى معان: فـالسيد الـمطاع فـيها يدعى ربًّـا، ومن ذلك قول لبـيد بن ربـيعة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وأهْلَكْنَ يَوْماً رَبَّ كِنْدَةَ وابنَه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وَرَبَّ مَعَدّ بـينَ خَبْتٍ وعَرْعَرِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

يعنـي ربّ كندة: سيدَ كندة. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>تَـخُبُّ إلـى النُّعْمانِ حَتَّـى تَنالَهُ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فِدًى لَكَ منْ رَبَ طَريفي وتالِدِي</TD></TR></TBODY></TABLE>

والرجل الـمصلـح للشيء يدعى رَبًّـا. ومنه قول الفرزدق بن غالب:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كانُوا كسَالِئَةٍ حَمْقاءَ إذْ حَقَنَتْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>سِلاءَها فـي أدِيـمٍ غَيْرِ مَرْبُوبِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

يعنـي بذلك فـي أديـم غير مصلـح. ومن ذلك قـيـل: إن فلاناً يَرُبُّ صنـيعته عند فلان، إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها. ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فكنْتَ امْرَأً أفْضَتْ إلَـيْكَ رِبـابَتـي</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وقَبْلَكَ رَبَّتْنـي فَضِعْتُ رُبُوبُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

يعنـي بقوله أفضت إلـيك: أي وصلت إلـيك ربـابتـي، فصرت أنت الذي ترب أمري فتصلـحه لـما خرجتُ من ربـابة غيرك من الـملوك الذين كانوا قبلك علـيّ، فضيعوا أمري وتركوا تفقده. وهم الرُّبوب واحدهم رَبٌّ والـمالك للشيء يدعى رَبّه. وقد يتصرّف أيضاً معنى الرب فـي وجوه غير ذلك، غير أنها تعود إلـى بعض هذه الوجوه الثلاثة.

فربنا جل ثناؤه، السيد الذي لا شِبْه له، ولا مثل فـي سؤدده، والـمصلـح أمر خـلقه بـما أسبغ علـيهم من نعمه، والـمالك الذي له الـخـلق والأمر.

-3-

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله جل ثناؤه رَبّ العالَـمِينَ جاءت الرواية عن ابن عبـاس.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عبـاس، قال: قال جبريـل لـمـحمد: «يا مـحمد قل الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَـمِينَ». قال ابن عبـاس: يقول قل الـحمد لله الذي له الـخـلق كله، السموات كلهن ومن فـيهن، والأرَضون كلهن ومن فـيهن وما بـينهن، مـما يُعلـم ومـما لا يُعلـم. يقول: اعلـم يا مـحمد أن ربك هذا لا يشبهه شيء.

القول فـي تأويـل قوله [تعالـى]: { ٱلْعَـٰلَمِينَ }.

قاله أبو جعفر: والعالـمون جمع عالـم، والعالَـم جمع لا واحد له من لفظه، كالأنامِ والرهط والـجيش ونـحو ذلك من الأسماء التـي هي موضوعات علـى جماع لا واحد له من لفظه. والعالَـم اسم لأصناف الأمـم، وكل صنف منها عالَـم، وأهل كل قرن من كل صنف منها عالَـم ذلك القرن وذلك الزمان، فـالإنس عالـم وكل أهل زمان منهم عالَـم ذلك الزمان. والـجن عالَـم، وكذلك سائر أجناس الـخـلق، كل جنس منها عالـم زمانه. ولذلك جُمِع فقـيـل «عالَـمون»، وواحده جمع لكون عالَـم كل زمان من ذلك عالَـم ذلك الزمان. ومن ذلك قول العجاج:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فَخِنْدِفُ هامَةُ هَذَا العالَـمِ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

فجعلهم عالـم زمانه. وهذا القول الذي قلناه قولُ ابن عبـاس وسعيد بن جبـير، وهو معنى قول عامة الـمفسرين.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الـحمد لله الذي له الـخـلق كله، السموات والأرض ومن فـيهن وما بـينهن، مـما يُعلـم ولا يُعلـم.

وحدثنـي مـحمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن شبـيب، عن عكرمة، عن ابن عبـاس: ربّ العالـمين: الـجنّ والإنس.

وحدثنـي علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مصعب، عن قـيس بن الربـيع، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، فـي قول الله جل وعزّ: ربّ العالـمين: قال: ربّ الـجن والإنس.

وحدثنا أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا قـيس، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، قوله: { رَبِّ #1649;لْعَـٰلَمِينَ } قال: الـجن والإنس.

وحدثنـي أحمد بن عبد الرحيـم البرقـي، قال: حدثنـي ابن أبـي مريـم، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبـير، قوله: { رَبِّ العالَـمِينَ } قال: ابن آدم، والـجن والإنس كل أمة منهم عالَـم علـى حِدَته.

وحدثنـي مـحمد بن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفـيان، عن مـجاهد: { الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَـمِين } قال: الإنس والـجنّ.

وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد: بـمثله. <LABEL class=############ disabled></LABEL>
<CENTER>
-4-</CENTER><CENTER> </CENTER>وحدثنا بشر بن معاذ العقدي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: { رَبِّ العالَـمِينَ } قال: كل صنف: عالَـم.

وحدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري، قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى، عن أبـي جعفر، عن ربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، فـي قوله: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: الإنس عالَـم، والـجن عالَـم، وما سوى ذلك ثمانـية عشر ألف عالـم، أو أربعة عشر ألف عالـم هو يشك من الـملائكة علـى الأرض، وللأرض أربع زوايا، فـي كل زاوية ثلاثة آلاف عالـم وخمسمائة عالـم، خـلقهم لعبـادته.

وحدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين بن داود، قال: حدثنا حجاح، عن ابن جريج، فـي قوله: { رَبِّ العالَـمِينَ } قال: الـجن والإنس.


-5-

admin
12-18-2010, 08:06 PM
تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03794) }


الحمد والمدح أخوان، وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها. تقول: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على حسبه وشجاعته. وأمّا الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّي ثلاثة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يَدِي ولِسَانِي والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا</TD></TR></TBODY></TABLE>

والحمد باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله عليه[الصلاة و] السلام:

(2) " الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لم يحمده " وإنما جعله رأس الشكر؛ لأنّ ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها، أشيع لها وأدلّ على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال، بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كلّ خفي ويجلي كل مشتبه.

والحمد نقيضه الذمّ، والشكر نقيضه الكفران، وارتفاع الحمد بالابتداء وخبره الظرف الذي هو «لله» وأصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله على أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار، كقولهم: شكراً، وكفراً، وعجباً، وما أشبه ذلك، ومنها: سبحانك، ومعاذ الله، ينزلونها منزلة أفعالها ويسدّون بها مسدّها، لذلك لا يستعملونها معها ويجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة، والعدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى واستقراره. ومنه قوله تعالى:

{ قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05333) [هود11: 69]،

رفع السلام الثاني للدلالة على أنّ إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم؛ لأن الرفع دال على معنى ثبات السلام لهم دون تجدّده وحدوثه. والمعنى: نحمد الله حمداً، ولذلك قيل: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }؛ لأنه بيان لحمدهم له، كأنه قيل: كيف تحمدون؟ فقيل: إياك نعبد. فإن قلت: ما معنى التعريف فيه؟ قلت: هو نحو التعريف في أرسلها العراك، وهو تعريف الجنس، ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أنّ الحمد ما هو، والعراك ما هو، من بين أجناس الأفعال. والاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم منهم. وقرأ الحسن البصري: { ٱلْحَمْدُ ِللَّهِ } بكسر الدال لإتباعها اللام. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: { ٱلْحَمْدُ ِللَّهِ } بضم اللام لإتباعها الدال، والذي جسرهما على ذلك ـ والإتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة ـ تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين، وأشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى، بخلاف قراءة الحسن.

الرب: المالك. ومنه قول صفوان لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن. تقول: ربه يربه فهو رب، كما تقول: نمّ عليه ينمّ فهو نمّ. ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل، ولم يطلقوا الرب إلا في الله وحده، وهو في غيره على التقيد بالإضافة، كقولهم: رب الدار، ورب الناقة، وقوله تعالى:

-1-

{ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبّكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05437) [يوسف12: 50]،
{ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَايَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05410) [يوسف12: 23].

وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بالنصب على المدح وقيل بما دل عليه الحمد لله كأنه قيل: نحمد الله رب العالمين.

العالم: اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وقيل: كل ما علم به الخالق من الأجسام والأعراض. فإن قلت: لم جمع؟ قلت: ليشمل كل جنس مما سمي به. فإن قلت: هو اسم غير صفة، وإنما تجمع بالواو والنون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام. قلت: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه وهي الدلالة على معنى العلم.

-2-

admin
12-18-2010, 08:16 PM
تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق 1-3

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


القراءة: أجمع القراء على ضمّ الدال من الحمد وكسر اللام من لله وروي قي الشواذ بكسر الدال واللام. وبفتح الدال وكسر اللام. وبضم الدال واللام. وأجمعوا على كسر الباء من رب. وروي عن زيد بن علي فتح الباء ويحمل على أنه بيَّن جوازه لا إنه قراءة.

اللغة: الحمد والمدح والشكر متقاربة المعنى والفرق بين الحمد والشكر أنَّ الحمد نقيض الذم كما أنَّ المدح نقيض الهجاء. والشكر نقيض الكفران. والحمد قد يكون من غير نعمة والشكر يختص بالنعمة إِلا أن الحمد يوضع موضع الشكر ويقال: الحمد لله شكراً فينصب شكراً على المصدر ولو لم يكن الحمد في معنى الشكر لما نصبه فإِذا كان الحمد يقع موقع الشكر فالشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب التعظيم ويكون بالقلب وهو الأصل ويكون أيضا باللسان وإنما يجب باللسان لنفي تهمة الجحود والكفران وأما المدح فهو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إِليه (وأما الرب) فله معان (منها) السيد المطاع كقول لبيد:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وَأَهْلَكنَ قِدْماً ربَّ كِنْدَةَ وَابْنَه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ورَبَّ مَعَدّ بَينَ خَبتِ وَعَرْعَرِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي سيد كِندة (ومنها) المالك نحو قول النبي لرجل: " أرَبّ غنم أم رَبّ أبل " فقال من كلّ ما آتاني الله فأكثر وأطيب.

(ومنها) الصاحب نحو قول أبي ذؤيب:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>قَدْ نَالهُ رَبُّ الكِلاَبِ بِكَفِّهِ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بِيْضٌ رِهابٌ رِيْشُهُنَّ مُقَزَّعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي صاحب الكِلاب (ومنها) المرِبّب (ومنها) المصلح واشتقاقه من التربية يقال ربيته وربيته بمعنى وفلان يرب صنيعته إذا كان ينمّمها ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله ويقيد في غيره فيقال رب الدار ورب الضيعة و(العالمون) جمع عالم والعالم جمع لا واحد له من لفظه كالنفر والجيش وغيرهما واشتقاقه من العلامة لأنه يدل على صانعه, وقيل: إنه من العلم لأنه اسم يقع على ما يعلم وهو في عرف اللغة عبارة عن جماعة من العقلاء لأنهم يقولون جاءني عالم من الناس ولا يقولون جاءني عالم من البقر وفي المتعارف بين الناس هو عبارة عن جميع المخلوقات وتدل عليه الآية

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23-24]

وقيل إنه اسم لكل صنف من الأصناف وأهل كل قرن من كل صنف يسمى عالماً ولذلك جمع فقيل عالمون لعالم كل زمان وهذا قول أكثر المفسرين كابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم وقيل العالم نوع ما يعقل وهم الملائكة والجن والإنس وقيل الجن والإنس لقولـه تعالى:

{ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06647) [الفرقان25: 1]

وقيل هم الإنس لقولـه تعالى:

{ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06888) [الشعراء26: 165].

الإعراب: الحمد رفع بالابتداء والابتداء عالم معنوي غير ملفوظ به وهو خلوُّ الاسم من العوامل اللفظية ليسند إليه خبر وخبره في الأصل جملة هي فعل مسند إلى ضمير المبتدأ وتقديره الحمد حقَّ أو استقر لله إِلا أنه قد استغنى عن ذكرها لدلالة قولـه لله عليها فانتقل الضمير منها إِليه حيث سدّ مسدّها وتسمى هذه جملة ظرفية هذا قول الأخفش وأبي علي الفارسي وأصل اللام للتحقيق والملك, وأما فتح الدال فعلى المصدر تقديره أحمد الحمد لله أو أجعل الحمد لله إلا أن الرفع بالحمد أقوى وأمدح لأن معناه الحمد وجب لله أو استقرَّ لله وهذا يقتضي العموم لجميع الخلق وإذا نصب الحمد فكان تقديره أحمد الحمد كان مدحاً من المتكلم فقط, فلذلك اختير الرفع ومن كسر الدال واللام أتْبَعَ حركة الدال حركة اللام ومن ضمهما أتْبَعَ حركة اللام حركة الدال وهذا أيسر من الأول لأنه اتبع حركة المبني حركة الإعراب والأول اتبع حركة المعرب حركة البناء واتبع الثاني الأول وهو الأصل في الإتباع والذي كسر أتبع الأول الثاني وهذا ليس بأصل, وأكثر النحويين ينكرون ذلك لأن حركة الإعراب غير لازمة فلا يجوز لأجلها الاتباع ولأنّ الاتباع في الكلمة الواحدة ضعيف نحو الحُلم فكيف في الكلمتين.

-1-

وقال أبو الفتح بن جني: في كسر الدال وضم اللام هنا دلالة على شدة ارتباط المبتدأ بالخبر لأنه اتبع فيهما ما في أحد الجزءين ما في الجزء الآخر وجعل بمنزلة الكلمة الواحدة نحو قولك: أخوك وأبوك, وأصل هذه اللام الفتح لأنّ الحرف الواحد لاحظّ له في الإعراب ولكنه يقع مبتدأ في الكلام ولا يبتدئ بساكن فاختير له الفتح لأنه أخفّ الحركات. تقول: رأيت زيداً وعمراً قالوا ومن عمراً - مفتوحة - وكذلك الفاء من فعمراً إِلا أنهم كسروها لأنهم أرادوا أن يفرقوا بين لام الملك ولام التوكيد إذا قلت: إن المال لهذا أي في ملكه وأن المال لهذا أي هو هو.

وإِذا أدخلوا هذه اللام على مضمر ردوها إلى أصلها وهو الفتح قالوا لك وله لأن اللبس قد ارتفع وذلك لأن ضمير الجر مخالف لضمير الرفع إِذا قلت إن هذا لك وأن هذا لأنت إِلا أنهم كسروا مع ضمير المتكلم نحو لي لأن هذه الياء لا يكون ما قبلها إِلا مكسوراً نحو غلامي وفرسي وهذا كله قول سيبويه وجميع النحويين المحققين وليس من الحروف المبتدأ بها مما هو على حرف واحد حرف مكسور إِلا الباء وحدها وقد مضى القول فيه وأما لام الجزم في ليفعل فإِنما كسرت ليفرق بينها وبين لام التوكيد نحو ليفعل فاعلم و { رب العالمين } مجرور على الصفة والعامل في الصفة عند أبي الحسن الأخفش كونه صفة فذلك الذي يرفعه وينصبه ويجرُّه وهو عامل معنوي كما أن المبتدأ إِنما رفعه الابتداء وهو معنى عمل فيه واستدلَّ على أن الصفة لا يعمل فيه ما يعمل في الموصوف بأنك تجد في الصفات ما يخالف الموصوف في إعرابه نحو أيا زيد العاقل لأن المنادى مبني والعاقل الذي هو صفته معرب ودليل ثان وهو أن في هذه التوابع ما يعرب بإعراب ما يتبعه ولا يصح أن يعمل فيه ما يعمل في موصوفه وذلك نحو أجمع وجمع وجمعاء ولما صحَّ وجوب هذا فيها دلَّ على أن الذي يعمل في الموصوف غير عامل في الصفة لاجتماعهما في أنهما تابعان.

-2-

وقال غيره من النحويين العامل في الموصوف هو العامل في الصفة ومن نصب رب العالمين فإِنما ينصبه على المدح والثناء كأنه لما قال الحمد لله استدل بهذا اللفظ على أنه ذاكر لله فكأنه قال اذكر رب العالمين فعلى هذا لو قرئ في غير القرآن رب العالمين مرفوعاً على المدح أيضاً لكان جائزاً على معنى هو رب العالمين قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>لا يَبْعُدَنْ قَوْمِي الَّذيْنَ هُمُ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>سُمُّ العِداةِ وآفَةُ الجُزْرِ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>النَّازلينَ بِكلّ مُعْتَرَكٍ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>والطيِّبْون معاقِدُ الأُزْرِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقد روي النازلون والنازلين والطيبون والطيبين والوجه في ذلك ما ذكرناه, و { العالمين } مجرور بالإضافة والياء فيه علامة, وحرف الإعراب وعلامة الجمع والنون هنا عوض عن الحركة في الواحد وإِنما فتحت فرقاً بينها وبين نون التثنية تقول هذان عالمان فتكسر نون الاثنين لالتقاء الساكنين, وقيل إِنما فتحت نون الجمع وحقها الكسر لثقل الكسرة بعد الواو كما فتحت الفاء من سوف والنون من أين ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو والياء.

المعنى: معنى الآية أن الأوصاف الجميلة والثناء الحسن كلها لله الذي تحق له العبادة لكونه قادراً على أصول النعم وفاعلاً لها ولكونه منشئاً للخلق ومربيّاً لهم ومصلحاً لشأنهم, وفي الآية دلالة على وجوب الشكر لله على نعمه وفيها تعليم للعباد كيف يحمدونه.

-3-

admin
12-18-2010, 08:22 PM
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ (javascript:Open_Menu()) }


أما قوله جل جلاله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فاعلم أن الحمد إنما يكون حمداً على النعمة، والحمد على النعمة لا يمكن إلا بعد معرفة تلك النعمة، لكن أقسام نعم الله خارجة عن التحديد والإحصاء، كما قال تعالى:

{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05575) [إبراهيم14: 34]

ولنتكلم في مثال واحد، وهو أن العاقل يجب أن يعتبر ذاته، وذلك لأنه مؤلف من نفس وبدن؛ ولا شك أن أدون الجزءين وأقلهما فضيلة ومنفعة هو البدن، ثم إن أصحاب التشريح وجدوا قريباً من خمسة آلاف نوع من المنافع والمصالح التي دبرها الله عزّ وجلّ بحكمته في تخليق بدن الإنسان، ثم إن من وقف على هذه الأصناف المذكورة في «كتب التشريح» عرف أن نسبة هذا القدر المعلوم المذكور إلى ما لم يعلم وما لم يذكر كالقطرة في البحر المحيط، وعند هذا يظهر أن معرفة أقسام حكمة الرحمن في خلق الإنسان تشتمل على عشرة آلاف مسألة أو أكثر، ثم إذا ضمت إلى هذه الجملة آثار حكم الله تعالى في تخليق العرش والكرسي وأطباق السموات، وأجرام النيرات من الثوابت والسيارات، وتخصيص كل واحد منها بقدر مخصوص ولون مخصوص وغير مخصوص، ثم يضم إليها آثار حكم الله تعالى في تخليق الأمهات والمولدات من الجمادات والنباتات والحيوانات وأصناف أقسامها وأحوالها ـ علم أن هذا المجموع مشتمل على ألف ألف مسألة أو أكثر أو أقل، ثم إنه تعالى نبه على أن أكثرها مخلوق لمنفعة الإنسان، كما قال تعالى:

{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08277) [الجاثية45: 13]

وحينئذٍ يظهر أن قوله جل جلاله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } مشتمل على ألف ألف مسألة، أو أكثر أو أقل.

أنواع العالم وإمكان وجود عوالم أخرى:

وأما قوله جل جلاله: { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فاعلم أن قوله: { رَبّ } مضاف وقوله: { ٱلْعَـٰلَمِينَ } مضاف إليه، وإضافة الشيء إلى الشيء تمتنع معرفتها إلا بعد حصول العلم بالمتضايفين، فمن المحال حصول العلم بكونه تعالى رباً للعالمين إلا بعد معرفة رب والعالمين، ثم إن العالمين عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى، وهي على ثلاثة أقسام: المتحيزات، والمفارقات، والصفات. أما المتحيزات فهي إما بسائط أو مركبات، أو البسائط فهي الأفلاك والكواكب والأمهات، وأما المركبات فهي المواليد الثلاثة، واعلم أنه لم يقم دليل على أنه لا جسم إلا هذه الأقسام الثلاثة، وذلك لأنه ثبت بالدليل أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له، وثبت بالدليل أنه تعالى قادر على جميع الممكنات، فهو تعالى قادر على أن يخلق ألف ألف عالم خارج العالم، / بحيث يكون كل واحد من تلك العوالم أعظم وأجسم من هذا العالم، ويحصل في كل واحد منها مثل ما حصل في هذا العالم من العرش والكرسي والسموات والأرضين والشمس والقمر، ودلائل الفلاسفة في إثبات أن العالم واحد دلائل ضعيفة ركيكة مبنية على مقدمات واهية؛ قال أبو العلاء المعري:ـ

-1-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>يا أيها الناس كم لله من فلك</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تجري النجوم به والشمس والقمر</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>هين على الله ماضينا وغابرنا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فما لنا في نواحي غيره خطر</TD></TR></TBODY></TABLE>

ومعلوم أن البحث عن هذه الأقسام التي ذكرناها للمتحيزات مشتمل على ألوف ألوف من المسائل، بل الإنسان لو ترك الكل وأراد أن يحيط علمه بعجائب المعادن المتولدة في أرحام الجبال من الفلزات والأحجار الصافية وأنواع الكباريت والزرانيخ والأملاح، وأن يعرف عجائب أحوال النبات مع ما فيها من الأزهار والأنوار والثمار، وعجائب أقسام الحيوانات من البهائم والوحوش والطيور والحشرات ـ لنفد عمره في أقل القليل من هذه المطالب، ولا ينتهي إلى غورها كما قال تعالى:

{ وَلَوْ أَنَّ مَّا فِى ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـٰتُ ٱللَّهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07287) [لقمان31: 27]

وهي بأسرها وأجمعها داخلة تحت قوله { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }.

رحمة الله تعالى بعباده لا تنحصر أنواعها:

-2-

admin
12-18-2010, 08:27 PM
تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق 1-5

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


القراء السبعة على ضم الدال في قوله: الحمد لله، هو مبتدأ وخبر. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة ابن العجاج أنهما قالا: (الحمد لله) بالنصب، وهو على إضمار فعل. وقرأ ابن أبي عبلة: (الحمد لله) بضم الدال واللام إتباعاً للثاني الأولَ، وله شواهد، لكنه شاذ، وعن الحسن وزيد بن علي { الحمد لله } بكسر الدال إتباعاً للأول الثاني.

قال أبو جعفر بن جرير: معنى { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }: الشكر لله خالصاً، دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وغذاهم من نعيم العيش من غير استحقاق منهم ذلك عليه، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم، فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً. وقال ابن جرير رحمه الله: الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، فكأنه قال: قولوا: الحمد لله. قال: وقد قيل: إن قول القائل: الحمد لله: ثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وقوله: الشكر لله، ثناء عليه بنعمه وأياديه، ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الآخر، وقد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية، وقال ابن عباس: الحمد لله: كلمة كل شاكر، وقد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل: الحمد لله شكراً، وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر، لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان؛ كما قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أَفادَتْكُمُ النَّعْماءُ مِني ثَلاثَةً:</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يَدِي وَلِسانِي والضَّمِيْرَ المُحَجبا</TD></TR></TBODY></TABLE>

ولكنهم اختلفوا أيهما أعم، الحمد أو الشكر؟ على قولين، والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول: حمدته لفروسيته، وحمدته لكرمه، وهو أخص؛ لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون بالقول والفعل والنية كما تقدم، وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية، لا يقال شكرته لفروسيته، وتقول: شكرته على كرمه وإحسانه إليّ. هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم.

وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: الحمد نقيض الذم، تقول: حمدت الرجل أحمده حمداً ومحمدة، فهو حميد ومحمود، والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعم من الشكر، وقال في الشكر: هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، يقال: شكرته، وشكرت له، وباللام أفصح.

-1-

وأما المدح فهو أعم من الحمد؛ لأنه يكون للحي وللميت، وللجماد أيضاً؛ كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك، ويكون قبل الإحسان وبعده، وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضاً، فهو أعم.

ذكر أقوال السلف في الحمد

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو معمر القطيعي حدثنا حفص عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله، فما الحمد لله؟ فقال علي: كلمة رضيها الله لنفسه. ورواه غير أبي معمر عن حفص فقال: قال عمر لعلي - وأصحابه عنده -: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، قد عرفناها، فما الحمد لله؟ قال علي: كلمة أحبها الله تعالى لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحب أن تقال. وقال علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران: قال ابن عباس: الحمد لله: كلمة الشكر، وإذا قال العبد: الحمد لله، قال: شكرني عبدي. رواه ابن أبي حاتم، وروى أيضاً هو وابن جرير من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: الحمد لله: هو الشكر لله، والاستخذاء له، والإقرار له بنعمته وهدايته وابتدائه وغير ذلك. وقال كعب الأحبار: الحمد لله: ثناء الله. وقال الضحاك: الحمد لله رداء الرحمن، وقد ورد الحديث بنحو ذلك.

قال ابن جرير: حدثنا سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قلت: الحمد لله رب العالمين، فقد شكرت الله فزادك " وقد روى الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا روح حدثنا عوف عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: قلت: " يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى؟ فقال: أما إن ربك يحب الحمد " ورواه النسائي عن علي بن حجر عن ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع به. وروى أبو عيسى الحافظ الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله " وقال الترمذي: حسن غريب، وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

-2-

" ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله، إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ " وقال القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي، ثم قال: الحمد لله، كان الحمد لله أفضل من ذلك " قال القرطبي وغيره: أي: لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا؛ لأن ثواب الحمد لله لا يفنى، ونعيم الدنيا لا يبقى، قال الله تعالى:

{ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05977) [الكهف18: 46]

وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبداً من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فعضلت بالملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى الله، فقالا: يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده -: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها " وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا: قول العبد: الحمد لله رب العالمين أفضل من قوله: لا إله إلا الله؛ لاشتمال الحمد لله رب العالمين على التوحيد مع الحمد، وقال آخرون: لا إله إلا الله أفضل؛ لأنها تفصل بين الإيمان والكفر، وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، كما ثبت في الحديث المتفق عليه، وفي الحديث الآخر: " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له " وقد تقدم عن جابر مرفوعاً: " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله " وحسنه الترمذي. والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى؛ كما جاء في الحديث: " اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله " .. الحديثَ.

والرب: هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى، ولا يستعمل الرب لغير الله، بل بالإضافة، تقول: رب الدار، رب كذا، وأما الرب، فلا يقال إلا لله عز وجل، وقد قيل: إنه الاسم الأعظم. والعالمين: جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله عز وجل. والعالم جمع لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات في السموات، وفي البر والبحر، وكل قرن منها وجيل يسمى عالماً أيضاً. قال بشر بن عمار: عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الحمد لله الذي له الخلق كله؛ السموات والأرض، وما فيهنَّ وما بينهن، مما نعلم ومما لا نعلم.

-3-

وفي رواية سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس: رب الجن والإنس. وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد وابن جريج. وروي عن علي نحوه، قال ابن أبي حاتم: بإسناده لا يعتمد عليه، واستدل القرطبي لهذا القول بقوله تعالى:

{ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06647) [الفرقان25: 1]

وهم الجن والإنس. قال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عما يعقل، وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين، ولا يقال للبهائم عالم. وعن زيد بن أسلم وأبي محيصن: العالم كل ما له روح ترفرف. وقال قتادة: رب العالمين: كل صنف عالم، وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد، وهو أحد خلفاء بني أمية، وهو يعرف بالجعد، ويلقب بالحمار، أنه قال: خلق الله سبعة عشر ألف عالم؛ أهل السموات وأهل الأرض عالم واحد، وسائرهم لا يعلمهم إلا الله عز وجل.

وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: الإنس عالم، والجن عالم وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف، أو أربعة عشر ألف عالم، هو يشك. الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كل زاوية ثلاثة ألاف عالم، وخمسمائة عالم، خلقهم الله لعبادته. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وهذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا هشام بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الفرات، يعني ابن الوليد، عن معتب ابن سمي عن سبيع، يعني الحميري، في قوله تعالى: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: العالمين: ألف أمة، فستمائة في البحر، وأربعمائة في البر، وحكي مثله عن سعيد بن المسيب، وقد روي نحو هذا مرفوعاً كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد حدثني محمد بن عيسى بن كيسان حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قلّ الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها، فسأل عنه، فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك، فأرسل راكباً يضرب إلى اليمن، وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق، يسأل هل رؤي من الجراد شيءٌ، أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد، فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خلق الله ألف أمة: ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه " محمد بن عيسى هذا، وهو الهلالي، ضعيف.

-4-

وحكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لله ألف عالم؛ ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر. وقال وهب بن منبه: لله ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا عالم منها. وقال مقاتل: العوالم ثمانون ألفاً. وقال كعب الأحبار: لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز وجل نقله البغوي. وحكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: إن لله أربعين ألف عالم، الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها، وقال الزجاج: العالم كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة. قال القرطبي: وهذا هو الصحيح، إنه شامل لكل العالمين؛ كقوله:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23 - 24].

والعالم مشتق من العلامة، (قلت): لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته؛ كما قال ابن المعتز:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فَيا عَجَباً كَيْفَ يُعْصَى الإِلٰــــهُ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أَمْ كَيْف يَجْحَدُهُ الجاحِدُ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وفي كُل شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

-5-

admin
12-18-2010, 08:30 PM
تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق



{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الحمد: هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها، والمدح: هو الثناء على الجميل مطلقاً. تقول حمدت زيداً على علمه وكرمه، ولا تقول حمدته على حسنه، بل مدحته. وقيل هما أخوان. والشكر: مقابلة النعمة قولاً وعملاً واعتقاداً قال:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أفادَتْكُمُ النُعْمَاءُ مني ثلاثَةً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يَدي ولساني والضَّميرَ المُحجَّبا</TD></TR></TBODY></TABLE>

فهو أعم منهما من وجه، وأخص من آخر ولما كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة، وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد، وما في آداب الجوارح من الاحتمال جعل رأس الشكر والعمدة فيه فقال عليه الصلاة والسلام: " الحمد رأس الشكر، وما شكر الله من لم يحمده " والذم نقيض الحمد والكفران نقيض الشكر. ورفعه بالابتداء وخبره لله وأصله النصب وقد قرىء به، وإنما عدل عنه إلى الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته له دون تجدده وحدوثه. وهو من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة لا تكاد تستعمل معها، والتعريف فيه للجنس ومعناه: الإشارة إلى ما يعرف كل أحد أن الحمد ما هو؟ أو للاستغراق، إذ الحمد في الحقيقة كله له، إذ ما من خير إلا وهو موليه بوسط أو بغير وسط كما قال تعالى:

{ وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05745) [النحل16: 53]

وفيه إشعار بأنه تعالى حي قادر مريد عالم. إذ الحمد لا يستحقه إلا من كان هذا شأنه. وقرىء الحمد لله بإتباع الدال اللام وبالعكس تنزيلاً لهما من حيث إنهما يستعملان معاً منزلة كلمة واحدة.

{ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية: وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً، ثم وصف به للمبالغة كالصوم والعدل. وقيل: هو نعت من رَبِّه يربه فهو رب، كقولك نم ينم فهو نم، ثم سمى به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه. ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيداً كقوله: { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبّكَ } والعالم اسم لما يعلم به، كالخاتم والقالب، غلب فيما يعلم به الصانع تعالى، وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض، فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده، وإنما جمعه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة، وغلب العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم. وقيل: اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع. وقيل: عني به الناس ههنا فإن كل واحد منهم عالم من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض يُعْلَمُ بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم الكبير، ولذلك سوى بين النظر فيهما، وقال تعالى:

{ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08487) [الذاريات51: 21]

وقرىء { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بالنصب على المدح. أو النداء. أو بالفعل الذي دل عليه الحمد، وفيه دليل على أن الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدث حال حدوثها فهي مفتقرة إلى المبقي حال بقائها.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-18-2010, 09:11 PM
تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق 1-11

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03794) } * { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03795) } * { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03796) } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03797) } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03798) }


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل الإختياري، وبقيد الاختيار فارق المدح، فإنه يكون على الجميل، وإن لم يكن الممدوحُ مختاراً كمدح الرجل على جماله، وقوّته، وشجاعته. وقال صاحب الكشاف: إنهما أخوان، والحمد أخصّ من الشكر مَورداً، وأعمّ منه متعلقاً. فموردُ الحمدُ اللسان فقط، ومتعلقه النعمةُ، وغيرها، ومورد الشكر اللسانُ، والجَنَانُ، والأركانُ، ومتعلقه النعمة وقيل: إن مورد الحمد كمورد الشكر، لأن كلَّ ثناء باللسان لا يكون من صميم القلب مع موافقة الجوارح ليس بحمدٍ بل سخرية واستهزاء. وأجيب بأن اعتبار موافقة القلب، والجوارح في الحمد لا يستلزم أن يكون مورداً له بل شرطاً. وفرّق بين الشرط، والشطر،

وتعريفه لاستغراق أفراد الحمد، وأنها مختصة بالربّ سبحانه وتعالى، على معنى أنَّ حمد غيره لا اعتداد به، لأن المنعم هو: الله عزّ وجلّ، أو على أن حمدَه هو: الفرد الكامل، فيكون الحصر ادّعائياً. ورجح صاحب الكشاف أن التعريف هنا هو: تعريف الجنس لا الاستغراق، والصواب ما ذكرناه. وقد جاء في الحديث " اللهمّ لك الحمد كله " وهو: مرتفع بالابتداء وخبره الظرف وهو: { لله }. وأصله النصب على المصدرية بإضمار فعله، كسائر المصادر التي تنصبها العرب، فعُدِل عنه إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام، والثبات المستفاد من الجمل الاسمية دون الحدوث، والتجدد اللذين تفيدهما الجمل الفعلية، واللام الداخلة على الاسم الشريف هي لام الاختصاص.

قال ابن جرير: الحمد ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، فكأنه قال: قولوا الحمد لله ثم رجح اتحاد الحمد، والشكر مستدلاً على ذلك بما حاصله: أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد، والشكر مكان الآخر. قال ابن كثير: وفيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء المتأخرين أن الحمد هو: الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة، والمتعدية. والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون بالجنان، واللسان، والأركان، انتهى.

ولا يخفى أن المرجع في مثل هذا إلى معنى الحمد في لغة العرب لا إلى ما قاله جماعة من العلماء المتأخرين، فإن ذلك لا يردّ على ابن جرير، ولا تقوم به الحجة؛ هذا إذا لم يثبت للحمد حقيقة شرعية، فإن ثبتت وجب تقديمها.

وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عمر: قد عَلِمْنا سبحان الله، ولا إلٰه إلا الله، فما الحمد لله؟ فقال عليٌّ: كلمةٌ رضيها لنفسه. وروى ابن أبي حاتم أيضاً عن ابن عباس؛ أنه قال: الحمد لله؛ كلمة الشكر، وإذا قال العبد: الحمد لله قال: شكرني عبدي. وروى هو وابن جرير، عن ابن عباس أيضاً أنه قال: الحمد لله هو: الشكر لله، والاستخذاء له، والإقرار له بنعمه، وهدايته، وابتدائه، وغير ذلك.

-1-

وروى ابن جرير عن الحكم بن عُمَيْر، وكانت له صحبة، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم " إذا قلتَ الحمد لله ربّ العالمين، فقد شكرتَ الله، فزادك " وأخرج عبد الرزاق في المصنف، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والخطابي في الغريب، والبيهقيّ في الأدب، والديلميّ في مسند الفردوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده " وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي قال: «الصلاة شكر والصيام شكر، وكل خير تفعله شكر، وأفضل الشكر الحمد». وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النّوّاس بن سَمْعَان قال: «سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ ربي فرجعت، فلما رآها قال: الحمد لله " فانتظروا؛ هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوماً أو صلاة، فظنوا أنه نسي فقالوا: يا رسول الله قد كنت قلت: لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ ربي، قال: " ألم أقل الحمد لله؟ " - وقد ورد في فضل الحمد أحاديث. منها: ما أخرجه أحمد، والنسائي، والحاكم وصححه، والبخاري في الأدب المفرد عن الأسود بن سَريع، قال: «قلت يا رسول الله ألا أنْشِدُك محامدَ حمدتُ بها ربي تبارك وتعالى؟ فقال: " أما إن ربك يحبّ الحمد " وأخرج الترمذي وحسَّنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله " وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنعم الله على عبد نعمةً فقال الحمد لله إلا كان الذي أعْطى أفضلَ مما أخذ " وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والقرطبي في تفسيره عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي، ثم قال الحمد لله، لكان الحمد أفضل من ذلك " قال القرطبي: معناه لكان إلهامهُ الحمد أكبر نعمةٍ عليه من نعم الدنيا، لأن ثواب الحمد لا يفنى، ونعيم الدنيا لا يبقى. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد يُنْعَمُ عليه بنعمةٍ إلا كان الحمد أفضل منها " وأخرج عبد الرزاق في المصنف نحوه، عن الحسن مرفوعاً.

وأخرج مسلم والنسائي، وأحمد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

-2-

" الطهورُ شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان " الحديث. وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد، والترمذي وحسنه، وابن مردويه عن رجل من بني سليم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سبحان الله نصفُ الميزان، والحمدُ لله تملأ الميزان، والله أكبرُ تملأ ما بين السماء، والأرض، والطهورُ نصف الإيمان، والصومُ نصف الصبر " وأخرج الحكيم الترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التسبيحُ نصف الميزان، والحمدُ لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجابٌ حتى تخَلُص إليه " وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التَّأني من الله، والعجلةُ من الشيطان، وما شيء أكثرُ معاذير من الله، وما شيءٍ أحبّ إلى الله من الحمد " وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي عن أبان بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التوحيدُ ثمن الجنة، والحمد ثمن كل نعمة، ويتقاسمون الجنة بأعمالهم "

وأخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيه بحمد الله، فهو أقطَع " وأخرج ابن ماجه في سننه عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثهم: " أنّ عبداً من عباد الله قال: يا ربِّ لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك. فلم يَدرِ الملكان كيف يكتبانها، فصعدا إلى السماء، فقالا: يا ربنا إنَّ عبداً قد قال مقالةً لا ندري كيف نكتبها؟ قال الله وهو أعلم بما قال عبده: ماذا قال عبدي؟ قالا يا ربّ إنه قال: لكَ الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك. فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني، وأجزيه بها ". وأخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها "

{ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال في الصحاح: الرب اسم من أسماء الله تعالى، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة. وقد قالوه في الجاهلية للملك. وقال في الكشاف: الرب المالك. ومنه قول صفوان لأبي سفيان: لأن يَرُبَّني رجلٌ من قريش أحبُّ إليّ من أن يَرُبَّني رجل من هوازن. ثم ذكر نحو كلام الصحاح. قال القرطبي في تفسيره: والرب السيد، ومنه قوله تعالى

{ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05429) [يوسف12: 42]،

وفي الحديث " أن تلد الأمة ربها " ، والرب: المصلح، والمدبر، والجابر، والقائم قال: والرب المعبود. ومنه قول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أربٌ يَبُول الثَّعْلبَان بَرأسه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لقد هَانَ من بَالت عَلَيه الثعالبُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

و { العالمين }: جمع العالم، وهو: كل موجود سوى الله تعالى، قاله قتادة.

-3-

وقيل أهل كل زمان عالم، قاله الحسين بن الفضل. وقال ابن عباس: العالمون الجنّ، والإنس، وقال الفراء، وأبو عبيد: العالم عبارة عمن يعقل، وهم أربعة أمم: الإنس، والجن، والملائكة، والشياطين. ولا يقال للبهائم عالم، لأن هذا الجمع إنما هو: جمع ما يعقل.

حكى هذه الأقوال القرطبي في تفسيره، وذكر أدلتها، وقال: إن القول الأول أصحّ هذه الأقوال؛ لأنه شامل لكل مخلوق وموجود. دليله قوله تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23، 24]

وهو: مأخوذ من العَلم، والعلامة لأنه يدل على موجده، كذا قال الزجَّاج: وقال: العالم كل ما خلقه الله في الدنيا، والآخرة، انتهى. وعلى هذا يكون جمعه على هذه الصيغة المختصة بالعقلاء تغليباً للعقلاء على غيرهم. وقال في الكشاف: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه، وهي الدلالة على معنى العلم.

وقد أخرج ما تقدم من قول ابن عباس عنه الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه. وأخرجه عبد بن حميد، وابن جريح عن مجاهد. وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جُبير. وأخرج ابن جبير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى { رَبِّ العالمينَ } قال: إله الخلق كله السموات كلهنّ، ومن فيهنّ. والأرضون كلهنّ، ومن فيهنّ، ومن بينهنّ مما يعلم ومما لا يعلم.

{ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قد تقدم تفسيرهما. قال القرطبي: وصف نفسه تعالى بعد ربّ العالمين بأنه الرحمٰن الرحيم، لأنه لما كان في اتصافه بربّ العالمين ترهيب، قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب، ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته، وأمنع، كما قال تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05642)نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05642) وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلاْلِيمُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05643) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05643) [الحجر13: 49، 50] وقال:
{ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07927) [غافر40: 3].

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنَط من جنته أحد " انتهى.

وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: ما وصف من خلقه، وفي قوله { الرحمن الرحيم } ، قال: مدح نفسه. ثم ذكر بقية الفاتحة

{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } قرىء " مِلك " ، و " مالك " ، و " ملْك " بسكون اللام، و " مَلَكَ " بصيغة الفعل. وقد اختلف العلماء أيما أبلغ مِلك، أو مالك؟ فقيل إن ملكَ أعمّ، وأبلغ من مالك، إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكاً، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرّف إلا عن تدبير الملك، قاله أبو عبيد، والمبرّد، ورجحه الزمحشري.

-4-

وقيل مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس، وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفاً، وأعظم. وقال أبو حاتم: إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك، وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً. واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي.

والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر؛ فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع، والهبة، والعتق، ونحوها، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك، وحياطته، ورعاية مصالح الرعية، فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور. والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه، أن الملك صفة لذاته، والمالك صفة لفعله. و { يوم الدين } ، يوم الجزاء من الرب سبحانه لعباده كما قال:

{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09637) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09638) يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلاْمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09639) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09639) [الإنفطار82: 17 ـ 19]

وهذه الإضافة إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار، ويوم الدين وإن كان متأخراً فقد يضاف اسم الفاعل وما في معناه إلى المستقبل كقولك: هذا ضارب زيداً غداً.

وقد أخرج الترمذي عن أمّ سلمة؛ «أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ ملك بغير ألف. وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس.

وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضاً: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كانوا يقرءون مالك بالألف». وأخرج نحوه سعيد بن منصور، عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرج نحوه أيضاً وكيع في تفسيره وعبد بن حميد، وأبو داود وعن الزهري يرفعه مرسلاً. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في تفسيره وعبد بن حميد، وأبو داود عن ابن المسيب مرفوعاً مرسلاً. وقد روي هذا من طرق كثيرة، فهو أرجح من الأوّل. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة. «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مالك يوم الدين» وكذا رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعاً.

وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن ابن مسعود، وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب. وكذا رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: { يوم الدين } يوم يدين الله العباد بأعمالهم.

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قراءة السبعة، وغيرهم بتشديد الياء، وقرأ عمر بن فايد بتخفيفها مع الكسر؛ وقرأ الفضل والرقاشي بفتح الهمزة، وقرأ أبو السوار الغَنَوي «هَيَّاك» في الموضعين وهي: لغة مشهورة.

-5-

والضمير المنفصل هو: «إيا» وما يلحقه من الكاف، والهاء، والياء هي: حروف لبيان الخطاب، والغيبة، والتكلم، ولا محل لها من الإعراب كما ذهب إليه الجمهور، وتقديمه على الفعل لقصد الاختصاص، وقيل للاهتمام، والصواب أنه لهما، ولا تزاحم بين المقتضيات. والمعنى: نخصك بالعبادة، ونخصك بالإستعانة لا نعبد غيرك، ولا نستعينه،

والعبادة أقصى غايات الخضوع، والتذلل، قال ابن كثير: وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة، والخضوع، والخوف،

وعدل عن الغيبة إلى الخطاب لقصد الالتفات، لأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كان أحسن تَطريةً لنشاط السامع، وأكثر إيقاظاً له كما تقرر في علم المعاني. والمجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه، وعن جنسه من العباد، وقيل إن المقام لما كان عظيماً لم يستقلّ به الواحد؛ استقصاراً لنفسه، واستصغاراً لها، فالمجىء بالنون لقصد التواضع، لا لتعظيم النفس.

وقدمت العبادة على الإستعانة لكون الأولى وسيلة إلى الثانية، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب، وإطلاق الإستعانة لقصد التعميم.

وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إياك نَعْبُدُ }: يعني إياك نوحد ونخاف يا ربنا لا غيرك،

{ وإياك نستعين } على طاعتك وعلى أمورنا كلها. وحكى ابن كثير عن قتادة، أنه قال في { إياك نعبد وإياك نستعين }: يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم.

وفي صحيح مسلم من حديث المعلى بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال { العبد الحمد لله رب العالمين } قال: حمدني عبدي، وإذا قال { الرحمن الرحيم } قال: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال { مالك يوم الدين } قال مجدني عبدي، فإذا قال { إياك نعبد، وإياك نستعين } قال: هذا بيني، وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، ولا الضالين } قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " وأخرج أبو القاسم البغوي، والباوردي، معاً في معرفة الصحابة، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلقي العدوّ فسمعته يقول: " يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين " ، قال: فلقد رأيت الرجال تُصرعُ فتضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها».



{ ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } قرأه الجمهور بالصاد، وقرأ السراط بالسين، والزراط بالزاي؛ والهداية قد يتعدى فعلها بنفسه كما هنا، وكقوله:

{ وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09824) [البلد90: 10]

-6-

وقد يتعدى بإلى كقوله:

{ ٱجْتَبَـٰهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05813) [النحل16: 121]،
{ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْجَحِيمِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07602) [الصافات37: 23]،
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08115) [الشورى42: 52]

وقد يتعدّى باللام كقوله

{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04788) [الأعراف7: 43]
{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05829) [الإسراء17: 9]

قال الزمخشري: أصله أن يتعدّى باللام أو بإلى. انتهى.

وهي الإرشاد، أو التوفيق، أو الإلهام، أو الدلالة. وفرَّقَ كثيرٌ من المتأخرين بين معنى المتعدى بنفسه، وغير المتعدى، فقالوا: معنى الأوّل الدلالة، والثاني الإيصال. وطلب الهداية من المهتدي معناه طلب الزيادة كقوله تعالى

{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُم هُدًى } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08353) [محمد47: 17]
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07200) [العنكبوت29: 69]

والصراط: الطريق، قال ابن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصراط المستقيم: هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو كذلك في لغة جميع العرب. قال: ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله فتصف المستقيم باستقامته، والمُعوجَّ باعوجاجه.

وقد أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { اهدنا الصراط المستقيم } بالصاد». وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والبخاري في تاريخه عن ابن عباس: «أنه قرأ الصراط بالسين». وأخرج ابن الأنباري عن ابن كثير أنه كان يقرأ " السراط " بالسين. وأخرج أيضاً عن حمزة أ { اهدنا الصراط المستقيم } يقول: ألهمنا دينك الحق. وأخرج ابن جرير عنه، وابن المنذر نحوه. وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله أنه قال: «هو دين الإسلام، وهو أوسع مما بين السماء، والأرض». وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس. وأخرج نحوه أيضاً عن ابن مسعود، وناس من الصحابة.

وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن النوّاس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ضرب اللهُ مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مُفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاةٌ، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً، ولا تفرّقوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تَلجه، فالصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق: واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم. " قال ابن كثير بعد إخراجه: وهو إسناد حسن صحيح. وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبو بكر بن الأنباري، والحاكم، وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود؛ أنه قال: «هو كتاب الله». وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن عساكر، عن أبي العالية؛ قال: هو: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده.


-7-

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي العالية، عن ابن عباس مثله.

وروي القرطبي، عن الفضيل بن عياض، أنه قال: الصراط المستقيم طريق الحج، قال: وهذا خاص، والعموم أولى. انتهى.

وجميع ما روي في تفسير هذه الآية ما عدا هذا المروي، عن الفضيل يصدق بعضه على بعض، فإن من اتبع الإسلام أو القرآن أو النبي، فقد اتبع الحق. وقد ذكر ابن جرير نحو هذا، فقال: والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنياً به، وفِّقنا للثبات على ما ارتضيته، ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول، وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم، لأن من وفَق إليه ممن أنعم اللهُ عليه من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل، والتمسك بالكتاب، والعمل بما أمره الله به، والانزجار عما زجره عنه، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكل عبد صالح، وكل ذلك من الصراط المستقيم. انتهى.

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ } انتصب { صراط } على أنه بدل من الأوّل، وفائدته التوكيد لما فيه من التثنية، والتكرير، ويجوز أن يكون عطف بيان، وفائدته الإيضاح،

والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04353)وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04353) ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04354) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04354) [النساء4: 69 ـ 70]

وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام،

و { غير المغضوب عليهم } بدل من { الذين أنعمت عليهم } على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سَلِمُوا من غضب الله، والضلال، أو صفة له على معنى أنهم جمعوا بين النعمتين نعمة الإيمان، والسلامةِ من ذلك، وصحَّ جعله صفةً للمعرفة مع كون { غير } لاتتعرف بالإضافة إلى المعارف، لما فيها من الإبهام، لأنها هنا غير مبهمة؛ لاشتهار المغايرة بين الجنسين.

والغضب في اللغة قال القرطبي: الشدة، ورجل غضوب أي: شديد الخلق، والغضوب: الحية الخبيثة لشدتها. قال: ومعنى الغضب في صفة الله: إرادة العقوبة، فهو صفة ذاته، أو نفس العقوبة، ومنه الحديث: " إن الصدقة لتطفىء غضب الرب " ، فهو صفة فعله. قال في الكشاف: هو: إرادة الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده، والفرق بين { عليهم } الأولى، و { عليهم } الثانية، أن الأولى في محل نصب على المفعولية، والثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل. و«لا» في قوله: { ولا الضالين } تأكيد للنفي المفهوم من غير، والضلال في لسان العرب قال القرطبي هو الذهاب عن سَنَن القصد، وطريق الحق، ومنه ضلَّ اللبن في الماء، أي: غاب، ومنه

{ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07304) [السجدة32: 10]

أي: غبنا بالموت، وصرنا ترابا.

-8-

وأخرج وكيع، وأبو عبيد، وسعيد بن منصور، وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ: " صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، وغير الضالين " وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد أن عبد الله بن الزبير قرأ كذلك. وأخرج الأنباري، عن الحسن أنه كان يقرأ «عليهمي» بكسر الهاء، والميم، وإثبات الياء. وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج، أنه كان يقرأ: «عليهمو» بضم الهاء، والميم، وإلحاق الواو. وأخرج أيضاً عن ابن كثير، أنه كان يقرأ: «عليهمو» بكسر الهاء، وضم الميم مع إلحاق الواو. وأخرج أيضا عن أبي إسحاق، أنه قرأ: «عليهم» بضم الهاء، والميم من غير إلحاق واو. وأخرج ابن داود عن عكرمة، والأسود أنهما كانا يقرآن كقراءة عمر السابقة.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } يقول: طريق من أنعمت عليهم من الملائكة، والنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين الذين أطاعوك، وعبدوك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنهم المؤمنون. وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } قال النبيون: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } قال اليهود: { وَلاَ ٱلضَّالّينَ } قال النصارى. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج عبد الرزاق، وأحمد في مسنده، وعبد بن حميد، وابن جرير، والبغوي، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق؛ قال: أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرسٍ له، وسأله رجل من بني القين، فقال: من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ " قال اليهود " ، قال: فمن الضالون؟ قال " النصارى ". وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرجه وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن عبد الله بن شقيق قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى، فقال له رجل إلى آخره، ولم يذكر فيه أخبرني من سمع النبي كالأوّل، وأخرجه البيهقي في الشعب عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بني القين، عن ابن عمّ له أنه قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم» فذكره. وأخرجه سفيان بن عيينة، في تفسيره، وسعيد بن منصور، عن إسماعيل بن أبي خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى " وأخرجه أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

-9-

" إن المغضوب عليهم هم اليهود، وإن الضالين النصارى " وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم وصححه، والطبراني عن الشَّرِيدُ قال: «مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على ألية يدي فقال: " أتقعُدُ قِعْدَة المغضوبِ عليهم؟ " قال ابن كثير بعد ذكره لحديث عدي بن حاتم: وقد روي حديث عدي هذا من طرق، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. انتهى.

والمصير إلى هذا التفسير النبويّ مُتَعَيَّن، وهو: الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف. قال ابن أبي حاتم: لا أعلم خلافاً بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى. ويشهد لهذا التفسير النبويّ آيات من القرآن، قال الله تعالى في خطابه لبني إسرائيل في سورة البقرة:

{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03888) [البقرة2: 90]. وقال في المائدة:
{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04520) [المائدة5: 60]

وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل: أنه لما خرج هو، وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قال اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله، فقال: أنا من غضب الله أفّر، وقالت له النصارى: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله، فقال لا أستطيعه، فاستمرّ على فطرته، وجانب عبادة الأوثان.

- فائدة في مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة - اعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواتراً، قد دلت على ذلك، فمن ذلك ما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي عن وائل بن حُجر قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { غير المغضوب عليهم، ولا الضالين } ، " فقال آمين مدّ بها صوته " ولأبي داود: «رفع بها صوته» وقد حسَّنه الترمذي. وأخرجه أيضاً النسائي، وابن أبي شيبة، وابن ماجه، والحاكم وصححه، وفي لفظ من حديثه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " رب اغفر لي آمين " أخرجه الطبراني، والبيهقي. وفي لفظ أنه قال: " آمين ثلاث مرات " أخرجه الطبراني. وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، عن أبي ميسرة قال: «لما أقرأ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فبلغ، ولا الضالين قال: «قل آمين، فقال آمين». وأخرج ابن ماجه عن عليّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال، " ولا الضالين قال آمين " وأخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

-10-

" إذا قرأ " يعني الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } " فقولوا آمين يحبكم الله " وأخرج البخاري ومسلم، وأهل السنن، وأحمد، وابن أبي شيبة، وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإن من وافق تأمينهُ تأمين الملائكة غفِر له ما تقدم من ذنبه " ، وأخرج أحمد، وابن ماجه، والبيهقي بسند قال السيوطي: صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام، والتأمين " وأخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن اليهود قوم حسد، حسدوكم على ثلاثة: إفشاء السلام، وإقامة الصف، وآمين " وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث معاذ مثله. وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين " ووجه ضعفه أن في إسناده طلحة بن عمرو، وهو: ضعيف. وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قال آمين لم يَبْقَ مقّرَّبٌ ملك في السماء إلا استغفر له " وأخرج أبو داود عن بلال، أنه قال: «يا رسول الله لا تسبقني بآمين»،

ومعنى آمين: استجب. قال القرطبي في تفسيره: معنى آمين عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب لنا، وضع موضع الدعاء. وقال في الصحاح معنى آمين كذلك فليكن.

وأخرج جُوَيبْر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس مثله. وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف، ومجاهد قالا: آمين اسم من أسماء الله. وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير مثله. وقال الترمذي: معناه لا تخيب رجاءنا.

وفيه لغتان، المد على وزن فاعيل كياسين. والقصر على وزن يمين، قال الشاعر في المدّ:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>يَا رَبُّ لا تسلبني حُبَّها أبداً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وَيَرَحمُ اللهُ عَبْداً قَالَ آمِينَاً</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال آخر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>آمين آمين لا أرضىَ بِوَاحَِدةٍ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>حَتَّى أبَلَّغها ألفَين آمِينَاً</TD></TR></TBODY></TABLE>

قال الجوهري: وتشديد الميم خطأ. وروي عن الحسن، وجعفر الصادق، والحسين بن فضل التشديد، من أمّ إذا قصد: أي نحن قاصدون نحوك، حكى ذلك القرطبي. قال الجوهري: وهو مبني على الفتح مثل: أين، وكيف لاجتماع الساكنين، وتقول منه: أمَّن فلان تأميناً. وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها، وفي أن الإمام يقولها أم لا؟ وذلك مبين في مواطنه.

-11-

admin
12-18-2010, 09:49 PM
تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03794) }


قوله عز وجل: { الحَمْدُ لِلِّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.

أما { الحمد لله } فهو الثناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله، والشكرُ الثناء عليه بإنعامه، فكلُّ شكرٍ حمدٌ، وليسَ كلُّ حمدٍ شكراً، فهذا فرقُ ما بين الحمد والشكر، ولذلك جاز أن يَحْمِدَ الله تعالى نفسه، ولم يَجُزْ أن يشكرها.

فأما الفرق بين الحمد والمدح، فهو أن الحمد لا يستحق إلا على فعلٍ حسن، والمدح قد يكون على فعل وغير فعل، فكلُّ حمدٍ مدحٌ وليْسَ كل مدحٍ حمداً، ولهذا جاز أن يمدح الله تعالى على صفته، بأنه عالم قادر، ولم يجز أن يحمد به، لأن العلم والقدرة من صفات ذاته، لا من صفات أفعاله، ويجوز أن يمدح ويحمد على صفته، بأنه خالق رازق لأن الخلق والرزق من صفات فعله لا من صفات ذاته.

وأما قوله: { رب } فقد اختُلف في اشتقاقه على أربعة أقاويل:

أحدها: أنه مشتق من المالك، كما يقال رب الدار أي مالكها.

والثاني: أنه مشتق من السيد، لأن السيد يسمى ربّاً قال تعالى:

{ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05428) [يوسف12: 41] يعني سيده.

والقول الثالث: أن الرب المدَبِّر، ومنه قول الله عزَّ وجلَّ: { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ } وهم العلماء، سموا ربَّانيِّين، لقيامهم بتدبير الناس بعلمهم، وقيل: ربَّهُ البيت، لأنها تدبره.

والقول الرابع: الرب مشتق من التربية، ومنه قوله تعالى:

{ وَرَبَآئِبُكُمُ اللاَّتِي في حُجُورِكُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04307) [النساء4: 23]

فسمي ولد الزوجة ربيبة، لتربية الزوج لها.

فعلى هذا، أن صفة الله تعالى بأنه رب، لأنه مالك أو سيد، فذلك صفة من صفات ذاته، وإن قيل لأنه مدبِّر لخلقه، ومُربِّيهم، فذلك صفة من صفات فعله، ومتى أدْخَلت عليه الألف واللام. اختص الله تعالى به، دون عباده، وإن حذفتا منه، صار مشتركاً بين الله وبين عباده.

وأما قوله: { العالمين } فهو جمع عَالم، لا واحد له من لفظه، مثل: رهط وقوم، وأهلُ كلِّ زمانٍ عَالَمٌ قال العجاج:


<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>..................... </TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فَخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذَا الْعَالَمِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

واختُلِف في العالم، على ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنّه ما يعقِل: من الملائكة، والإنس، والجنِّ، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: أن العالم الدنيا وما فيها.

والثالث: أن العالم كل ما خلقه الله تعالى في الدنيا والآخرة، وهذا قول أبي إسحاق الزجَّاج.

واختلفوا في اشتقاقه على وجهين:

أحدهما: أنه مشتق من العلم، وهذا تأويل مَنْ جعل العالم اسماً لما يعقل.

والثاني: أنه مشتق من العلامة، لأنه دلالة على خالقه، وهذا تأويل مَنْ جعل العالم اسماً لكُلِّ مخلوقٍ.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-18-2010, 09:51 PM
تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


{ الْحَمْدُ } الثناء بجميل الصفات والأفعال والشكر والثناء بالإنعام، فالحمد أعم، الرب: المالك كرب الدار أو السيد، أو المدبر كربة البيت، الربانيون يدبرون الناس بعلمهم، أو المربى، ومنه الربيبة ابنة الزوجة، (العالمين) جمع عالم لا واحد له من لفظه، كرهط وقوم، أُخذ من العلم، فيعبر به عمن يعقل من الجن والإنس والملائكة، أو من العلامة، فيكون لكل مخلوق، أو هو الدنيا وما فيها، أو كل ذي روح من عاقل وبهيم، وأهل كل زمان عالم.

admin
12-18-2010, 09:56 PM
تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ.. }

قال الزمخشري: الحَمْدُ والمدح أخوان.

فقيل: معناه أنهما مترادفان، وقيل: متقاربان، وقيل: متغايران، فالحمد يطلق على الله تعالى والمدح لا يطلق عليه. وأما الشكر/ فحكى أبو حيان فيه ثلاثة أقوال قال الطبري: هو الحمد، وقيل: غيره، وقيل: الحمد أعمّ منه، فالحمد يطلق على الصفات الجميلة والشكر على الأفعال الجزيلة. وظاهر كلام الزمخشري قول رابع أن بينهما عموم وخصوص وجه دون وجه فالحمد يكون باللّسان على الصفات الجميلة والأفعال الجزيلة والشكر يكون بالقول والفعل والقلب على الأفعال (خاصة)، واحتجوا له بقول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أفادتكم النعماء مني ثلاثة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يدي، ولساني، والضمير المحجبا</TD></TR></TBODY></TABLE>

قال ابن عرفة: وعادتهم يتعقبونه بانه لم يسمه شكرا وإنما سماه نعماء وعلى تقدير أن لو سمّاه (شكرا) فلا دليل فيه. لأن العربي إنّما يحتج بقوله فيما يرجع إلى نظم الكلام وأحكامه اللفظية الإعرابية. أما ما يحكم عليه بأنه كذا فلا يحتج به كما ذكر في الإرشاد الرد عليهم في استدلالهم على كلام النفس (بقول) الأخطل:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إن الكلام لفي الفؤاد وإنما</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>جُعل اللّسان على الفؤاد دليلا</TD></TR></TBODY></TABLE>

وذكر هذه الأقوال (الأربعة) ابن هارون في شرح ابن الحاجب الأصلي.

والألف واللاّم في " الحمد " إما للجنس أو (للعهد) أو للماهية. وقرر القاضي العماد الجنس بأنّ الحمد يختلف فيه القديم (والحادث) لأنّ الله تعالى في الأزل حمد نفسه بنفسه، فيتناول حمدنا له وحمده هو لنفسه وقرر العهد بأنّ النعم لما كان (اللّسان) يستحضرها فكأنه يعهدها إلى الله تعالى.

واختار القاضي العماد أنها للماهية وضعف كونه للجنس، وقرر بأن الله تعالى تعبدنا بحمده، أي نحمده بما حمد به نفسه فالحمد القديم (مماثل) (للحادث) بمعنى اللفظ المؤدي باللّسان هو المعنى القديم الذي وصف الله به نفسه، كما أن القرآن قديم أزلي، ونحن نعبر عنه (بألفاظنا الحادثة) فالحمد إذا حقيقة واحدة.

قال: (وهذا البحث من نظري) فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.

قال ابن عرفة: وحاصله هل المعتبرُ في الحمد صفة الفاعل أو صفة متعلق الحمد، فإن اعتبرته الحمد من حيث الفاعل فهو حادث وإن (اعتبرته) من حيث صفة المحمود جاء منها الذي قاله العماد.

ولما ذكر (بعضهم) كونها للجنس قال: إنها دالة على أفرادها مطابقة.

قال ابن عرفة: هذا جار (الخلاف) في دلالة (العام) على بعض أفراده هل (هو) مطابقة تضمن أو التزام؟

قال ابن عطية: وقرأ سفيان بن عينية (ورؤبة) بن العجاج: " الحمد " لله بفتح الدال علما على إضمار فعل.

قال ابن عرفة: وقالوا وقراءة الضم أدل على الثبوت (كقولهم له) علم (علم الفقهاء) بالنصب والرفع.

قال الزمخشري: ومنه قوله تعالى:

-1-

{ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08491) (الذاريات51: 25)

(بالرفع في) الثّاني ليدلّ على أنّ إبراهيم حياهم بتحية أحسن من تحيتهم لأن الرفع دال على الثبوت. وكذا قال السكاكي في علم البيان.

قال ابن عرفة: وعادتهم يوردون عليه تشكيكا من ناحية أن سلام الملائكة على إضمار (فعل) مؤكد بالمصدر، والدّال على إثبات الحقيقة وإزالة الشك عن الحديث الأعم من أن يكون وقوعه منهم ثابتا، أو لا؟ والاسم المرفوع دال على ثبوت وقوع السلام منهم أعم من أن يكون حقيقة أو مجازا، فتعادلا، فليس أحدهما بأبلغ من الآخر. قال: وكان يمشي لنا الجواب عنه بأن سلام إبراهيم إنما هو بعد سلام الملائكة ردا عليهم، والبعدية تقتضي الحدوث (والتجدّد)، فلو عبر فيه بالفعل لتوهّم (فيه) الحدوث، وأنه إنّما سلم ردا عليهم فعبّر بالاسم (تنبيها) على أن (سلامِيَ) عليكم كان ثابت ولو لم تبدؤوني بالسّلام. وسلام الملائكة لما كان ابتدائيا لا يتوهّم فيه البعدية ولا أنه جواب وَرَدّ عبّروا فيه بالفعل (إذْ) لا ضرورة تدعو إلى التعبير بالاسم.

قلت: وأورد بعض نحاة الزمان على هذا إشكالين.

-الأول: كيف يصح حذف الفعل مع أن المصدر مؤكد له والفعل المؤكد يحذف لأن مقام الاختصار مناف لمقام التأكيد (فيمنع) أن (يكون) المصدر هنا مؤكدا؟

-الثاني: (إنما يمنع) أن هذا أبلغ لأن هذا المصدر نائب مناب الفعل لا مؤكدا له وكأنه لم يحذف من الكلام شيء سلمنا أنه مؤكد لكن نقول: هو مؤكد لوجود الفعل وثبوته في نفس الأمر على سبيل الثبوت واللزوم، أو على سبيل التجدد والحدوث نظرٌ آخر، وانظر ما قيدته في سورة الذاريات.

قوله تعالى: {.. رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قال الزمخشري: لفظ الرّب لا يطلق هكذا إلا على الله تعالى فهو في غيره مقيد بالإضافة تقول: ربّ الدّابة وربّ الدّار.

قال ابن عرفة: فإن قلت: قد قال الأصوليون كل ما صدق مقيدا صدق مطلقا؟

فالجواب: أن ذلك باعتبار المفعولية وهذا باعتبار الإطلاق اللفظي.

وفي حديث مسلم عن عبد الله بن عمر عن أبية في أشراط الساعة " أن تلد الأمَة ربتها ".

قال ابن عطية: ويروى أنها تعدل ثلثي القرآن. والعدل إما في المعاني باشتمالها على التوحيد وغيره، وَ

{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=10013) (الصمد112: 1)

على التوحيد فقط، وإما أن يكون (فضلا) من الله لا يعلل.

-2-

admin
12-18-2010, 09:58 PM
تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03794) }


الحَمْدُ: معناه الثناء الكاملُ، والألف واللام فيه لاِستغراقِ الجنس من المحامد، وهو أعم من الشكر؛ لأنَّ الشكر إنما يكون على فِعْلٍ جميل يسدى إِلى الشاكر، والحمد المجرَّد هو ثناء بصفات المحمود.

قال: * ص *: وهل الحمدُ بمعنى الشكْر أو الحمدُ أَعمُّ، أو الشكر ثناءٌ على اللَّه بأفعاله، والحمد ثناء عليه بأوصافه؟ ثلاثةُ أقوال. انتهى.

قال الطبريُّ: الحمدُ لِلَّهِ: ثناءٌ أثنَىٰ به على نفسه تعالَىٰ، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا به عليه؛ فكأنه قال: قولوا: الحمد للَّه، وعلى هذا يجيء: قولوا: { إِيَّاكَ } ، وَ { ٱهْدِنَا }.

قال: وهذا من حذف العربِ ما يدلُّ ظاهر الكلام عليه، وهو كثيرٌ.

والرب؛ في اللغة: المعبودُ، والسيدُ المالكُ، والقائمُ بالأمور المُصْلِحُ لما يفسد منها، فالرب على الإِطلاق هو ربُّ الأرباب علَىٰ كل جهة، وهو اللَّه تعالَىٰ.

والعَالَمُونَ: جمع عَالَمٍ، وهو كل موجود سوى اللَّه تعالَىٰ، يقال لجملته: عَالَمٌ، ولأجزائه من الإنس والجن وغير ذلك عَالَمٌ، عَالَمٌ، وبحسب ذلك يجمع على العَالَمِينَ، ومن حيثُ عالَمُ الزمانِ متبدِّلٌ في زمان آخر، حَسُنَ جمعها، ولفظة العالَمِ جمع لا واحد له من لفظه، وهو مأخوذ من العَلَمِ والعلامة؛ لأنه يدل على موجده؛ كذا قال الزَّجَّاج، قال أبو حَيَّان: الألف واللام في العَالَمِينَ لِلاستغراقِ، وهو جمع سلامة، مفرده عَالَمٌ، اسم جمع، وقياسه ألا يجمع، وشذَّ جمعه أيضاً جمع سلامة؛ لأنه ليس بعَلَمٍ ولا صفةٍ.

* م *: وذهب ابنُ مالك في «شَرْحِ التَّسْهِيلِ» إلى أن «عَالَمِين» اسم جمعٍ لمن يعقل، وليس جمع عالمٍ؛ لأن العَالَمَ عامٌّ، و «عالَمِينَ» خاصٌّ، قلت: وفيه نظر. انتهى.

وقد تقدَّم القول في الرحمن الرحيم.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-18-2010, 10:22 PM
تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق 1-10

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قولُه تعالى: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ }.

الحمدُ: الثناءُ على الجَمِيل سواءٌ كانت نِعْمةً مْبْتدأة إلَى أَحَدٍ أَمْ لاَ.

يُقال: حَمَدْتُ الرجلَ على ما أَنْعَمَ به، وحمدتُه على شَجَاعته، ويكون باللسانِ وَحْدَهُ، دون عمل الجَوَارِح، إذْ لا يُقالُ: حمدت زيداً أيْ: عملت له بيدي عملاً حسناً، بخلاف الشكر؛ فإنه لا يكونُ إلاّ على نعمةٍ مُبْتَدأةٍ إلى الغير.

يُقال: شَكَرْتُه على ما أعطاني، ولا يُقالُ: شكرتُه على شَجَاعَتِه، ويكون بالقلبِ، واللِّسَانِ، والجَوَارح؛ قال الله تعالى:

{ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07410) [سبأ34: 13]

وقال الشاعرُ: [الطويل].

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>37- أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلاثَةً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَبَّبَا</TD></TR></TBODY></TABLE>

فيكونُ بين الحَمْدِ والشُّكْرِ عُمُومٌ وخُصُوصٌ من وجه.

وقيل: الحمدُ هو الشكر؛ بدليلِ قولِهم: " الحمدُ لِلَّهِ شُكْراً ".

وقيل: بينهما عُمومٌ وخصوص مُطْلق.

والحمدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ.

وقيلَ: الحمدُ: الثناءُ عليه تعالى [بأوصافِه، والشكرُ: الثناءُ عليهِ بِأَفْعَاله] فالحامِدُ قِسْمَانِ: شاكِرٌ ومُثْنٍ بالصفاتِ الجَمِيلة.

وقيل: الحمدُ مَقْلُوبٌ من المَدْحِ، وليس بِسَدِيدٍ - وإِنْ كان منقولاً عن ثَعْلَب؛ لأنَّ المقلوبَ أقلُّ اسْتِعْمالاً من المقلوب منه، وهذان مُسْتَوِيَان في الاستعمالِ، فليس ادعاءُ قلبِ أَحَدِهَما مِنَ الآخر أَوْلَى من العَكْس، فكانا مادّتين مُسْتَقِلَّتَيْن.

وأيضاَ فإنه يمتنعُ إطلاقُ المدْحِ حيثُ يَجُوزُ إطلاقُ الحَمْد، فإنه يُقالُ: حمدتُ الله - تعالى - ولا يقال: مَدَحْتُه، ولو كان مَقْلُوباً لما امتنع ذلك.

ولقائلٍ: أَنْ يَقُولَ: منع من ذلك مانِعٌ، وهو عَدَمُ الإِذْنِ في ذلك.

وقال الرَّاغِبُ: " الحَمْدُ لله ": الثناءُ بالفَضِيلَةِ، وهو أخصُّ من المدحِ، وأَعَمُّ من الشُّكْرِ، فإنَّ المدْحَ يقال فيما يكونُ من الإنسانِ باختيارِه، وما يكونُ منه بغَيْرِ اختيار، فقد يُمْدَح الإنسان بطول قَامَتِهِ، وصَبَاحة وجهه، كما يمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه، والحمدُ يكونُ في الثَّاني دُونَ الأوّلِ.

قال ابنُ الخَطِيبِ - رحمه الله تعالى -: الفَرْقُ بين الحَمْدِ والمَدْحِ من وجوه:

أحدها: أن المَدْحَ قد يحصلُ لِلْحَيِّ، ولغيرِ الحَيِّ? أَلاَ تَرَى أَنَّ من رَأَى لُؤْلُؤَةً في غايةِ الحُسْنِ، فإنه يَمْدَحُها؟ فثبت أَنَّ المدحَ أَعمُّ من الحمدِ.

الثَّاني: أن المدحَ قد يكونُ قَبْلَ الإِحْسَانِ، وقد يكونُ بعدَه، أما الحمدُ فإنه لا يكونُ إلاَّ بعد الإحسان.

الثالث: أنَّا المدحَ قَدْ يكونُ مَنْهِياً عنه؛ قال عليه الصلاةُ والسلامُ: " احْثُوا التُّرَابَ في وُجُوهِ المَدَّاحِينَ " أما الحمدُ فإنه مأمورٌ به مُطْلَقاً؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: " مَنْ لَمْ يَحْمَدِ النَّاسَ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ "

الرابعُ: أنَّ المدحَ عبارةٌ عنِ القولِ الدَّالُّ على كونه مُخْتَصاً بنوع من أنواع الفَضَائل.

وأمّا الحمدُ فهو القولُ الدّالُّ على كونه مُخْتَصًّا بِفَضِيلة مُعَيَّنَةٍ، وهي فضيلةُ الإنعامِ والإحسان، فثبت أنَّ المدحَ أعمُّ من الحمدِ.

وأَمَّا الفرقُ بين الحمدِ والشُّكْرِ، فهو أَنَّ الحمدَ يَعُمُّ إذا وَصَلَ ذلك الإنْعَامُ إليك أَوْ إلَى غَيْرِك، وأما الشُّكْرُ، فهو مُخْتَصٌّ بالإنعامِ الواصلِ إليك.

-1-

وقال الرَّاغِبُ - رحمه الله -: والشكرُ لا يُقالُ إلاَّ في مُقَابلة نعمة، فكلُّ شُكْرٍ حَمْدٌ، وليس كُلُّ حمدٍ شُكْراً، وكل حمد مَدْحٌ، وليس كُلُّ مَدْحٍ حَمداً.

ويقال: فُلانٌ مَحْمُودٌ إذَا حُمِد، ومُحَمَّدٌ وُجِدَ مَحْمُوداً، ومحمد كثرت خصالُه المحمودَةُ.

واحمدُ أَيْ: أَنَّه يَفُوقُ غَيْرَه في الحَمْدِ.

والألفُ: واللام في " الحَمْد " قِيل: للاستغراقِ.

وقيل: لتعريفِ الجِنْس، واختاره الزَّمَخْشَرِيُّ؛ وقال الشاعر: [الطويل]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>38-..................</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>إلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقيل: للعَهْدِ، ومنع الزمخشريُّ كونَها للاستغراقِ، ولم يُبَيّنْ وجهةَ ذلك، ويشبه أن يُقالَ: إنَّ المطلوبَ من العبدِ إنشاء الحَمْدِ، لا الإخبار به، وحينئذٍ يَسْتَحيلُ كونها للاستغراقِ، إذْ لا يمكنُ العَبْد أن ينشىءَ جميعَ المَحَامِدِ منه ومن غيرِه، بخلاف كونها للجِنْسِ.

والأصلُ في " الحَمْدِ " المصدريةُّ؛ فلذلك لا يُثَنَّى، ولا يُجْمَعُ.

وحكى ابنُ الأَعْرَابِيِّ جَمْعَهُ على " أَفْعُل "؛ وأنشد: [الطويل]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>39- وَأَبْيَضَ مَحْمُودِ الثَّنَاءِ خَصَصْتُهُ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بأَفْضَلِ أَقْوَالِي وَأَفْضَلِ أَحْمُدِي</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقرأ الجُمْهُورُ: " الحَمْدُ لِلَّه " برفْعِ الدّال وكسرِ لاَمِ الجَرِّ، ورفعُهُ على الابتداءِ، والخبرُ الجارُّ والمجرورُ بعده يَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ وهو الخَبَرُ في الحقيقة.

ثم ذلك المحذوفُ إنْ شئتَ قَدَّرْتَهُ [اسْماً، وهو المُخْتارُ، وإنْ شِئْتَ قَدَّرْتَهُ] فِعْلاً أَي: الحمدُ مُسْتَقِرٌّ لله، واسْتَقَرَّ لِلَّه.

والدليلُ على اختيارِ القَوْلِ الأَوَّلِ: أَنَّ ذَلك يَتَعَيّنُ في بَعْضِ الصورِ، فلا أَقَلَّ مِنْ ترجيحِه في غَيْرِها، وذلك أنّك إذا قُلْتَ: " خرجتُ فإِذَا في الدَّار زَيْدٌ " و " أمَّا في الدارِ فَزَيْدٌ " يتعيّنُ في هاتَيْن الصُّورَتَيْنِ [أن يقدر بالاسم]؛ لأَنَّ " إذا " الفُجائية وأَمَّا التَّفصِيلِيَّةُ لا يَلِيهِمَا إلاَّ المبتدأُ. وقد عُورِضَ هذا اللَّفظُ بأنه يَتَعيَّنُ تقدير الفِعْلِ في بعض الصُّورِ، وهو ما إِذا وَقَعَ الجَارُّ والمجرورُ صِلَةً لموصولٍ، نحو: الَّذِي في الدارِ فليكن رَاجِحاً في غيره؟

والجوابُ: أَنَّ ما رجحنا به من باب المبتدإِ، أَو الخبر، وليس أَجْنَبِيًّا، فكان اعتباره أَوْلَى، بخلاف وقوعه صِلةً، [والأول غيرُ أَجْنَبِيٍّ].

ولا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قاعدةٍ -ها هنا- لعُمُومِ فائدتها، وهي أَنَّ الجار والمجرور والظرف إذا وَقَعا صلةً أو صِفَةً، أو حالاً، أو خبراً تعلقا بمحذوفٍ، وذلك المحذوف لا يجوز ظهوره إذا كان كَوْناً مُطلقاً: فأمّا قول الشاعر: [الطويل]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>40 - لَكَ الْعِزُّ إِنْ مَوْلاَكَ عَزَّ، وَإِنْ يَهُنْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُونِ كَائِنُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وأما قولُه تبارك وتَعَالى:

{ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06990) [النمل27: 40]

فلم يقصدْ جعل الظَّرفِ كائناً فلذلك ذكر المتعلّقَ به، ثم ذلك المحذوفُ يجوزُ تقديرُه باسمٍ أَوْ فعلٍ إلاّ في الصلَةِ، فإنه يتعيّنُ أن يكونَ فِعْلاً. واختلفُوا: أَيُّ التقديرَيْنِ أَوْلَى فيما عدا الصور المستثناة؟

فقومٌ رجّحُوا تقديرَ الفِعْلِ، [وقومٌ رجَّحُوا تقدير الاسمِ]، وقد تقدمَ دليلُ الفريقين.

-2-

وقُرِىءَ شَاذًّا بنصب الدالِ من " الحَمْد " ، وفيه وجهان:

أظهرُهُما: أنه منصوبٌ على المصدريَّةِ، ثم حُذِف العاملُ، ونابَ المصدرُ مَنَابه؛ كقولِهِم في الأخبار: " حمداً، وشكراً لا كُفْراً " والتقدير: " أَحمد الله حمداً " ، فهو مصدرٌ نَابَ عن جملةٍ خبريَّةٍ.

وقال الطَّبَرِيُّ - رحمه الله تعالى -: " إنَّ في ضمنِهِ أَمْرَ عبادِه أَنْ يُثْنُوا به عليه، فكأَنَّه قال: " قولوا: الحَمْد للهِ " وعلى هذا يَجِيءُ قُولُوا: إِيَّاكَ ".

فعلى هذه العبارة يكونُ من المصادِر النائبَةِ عن الطَّلبِ لا الخبرِ، وهو محتملٌ للوجْهَيْنِ، ولكنْ كونُهُ خَبَرِيًّا أَوْلَى من كونه طَلَبياً، ولا يجوزُ إظهار الناصب، لئلاَّ يجمعَ بين البدلِ والمُبْدَلِ مِنْه.

والثاني: أنه منصوبٌ على المَفْعُولِ بهِ، أَي: اقْرَءُوا الحَمْدَ، أَو اتْلُوا الحَمْدَ؛ كقولهم: " اللَّهُمَّ ضَبُعاً وَذِئْباً " ، أَي: اجْمَعْ ضَبُعاً، والأوّلُ أَحْسَنُ؛ للدَّلالَةِ اللفظيةِ.

وقراءَةُ الرفْعِ أمكنُ، وأَبْلَغُ مِنْ قراءَةِ النَّصب، لأنَّ الرفعَ في باب المَصَادِر التي أَصْلُها النِّيَابَةُ عَنْ أَفْعَالِها يدل على الثُّبُوتِ والاستقرَارِ، بخلافِ النَّصْبِ، فإنه يدلُّ على التجددِ والحُدوثِ، ولذلك قال العلماء - رحمهم الله -: إن جوابَ إِبْرَاهِيمَ - عليه الصلاة والسّلام - في قوله تَعَالَى حكايةً عنه:

{ قَالَ سَلاَمٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05333) [هود11: 69]

أَحْسَنُ من قولِ الملائكة:

{ قَالُواْ سَلاَماً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05333) [هود11: 69]

امتثالاً لقولِه تعالى:

{ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04370) [لنساء4: 86].

و " لله " على قراءةِ النصبِ يتعلّقُ بمحذوفٍ لا بالمصدرِ، لأنَّها للبيانِ، تقديرهُ: أَعْنِي لله، كقولِهم: " سُقْياً له ورَعياً لك " تقديرُه: " أَعْنِي له ولك " ، ويدلُّ على أنَّ اللام تتعلّقُ في هذا النوع بمحذوف لا بنفس المصدر، أنَّهم لم يُعْمِلُوا المصدر المتعدِّي في المجرور باللام، فينصبوه به فيقُولُوا: سُقْياً زيداً، ولا رَعْياً عمراً، فدلَّ على أنه ليس مَعْمولاً للمصدرِ، ولذلك غَلِطَ من جعل قولَه تَعَالَى:

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08344) [محمد47: 8]،

مِنْ بَابِ الاشْتِغَالِ؛ لأنَّ " لَهُمْ " لا يتعلّقُ بـ " تَعْساً " كما مَرَّ.

ويحتملُ أَنْ يُقالُ: إن اللام في " سُقياً لك " ونحوِهِ مقويةٌ لتعدِيَةِ العامل؛ لكونِهِ فَرْعاً فيكون عاملاً فيما بعده.

وقُرِىءَ: - أَيْضاً - بِكَسْرِ الدَّال، ووجهُهُ: أَنَّها حركةُ إِتباعٍ لكسرَةِ لاَمِ الجَرِّ بعده، وهي لُغَةُ " تَمِيم " ، وبَعْضِ " غَطَفَان " ، يُتْبِعُونَ الأوّل للثَّاني؛ للتَّجَانُسِ. ومنه: [الطويل]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>41-...............</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>اضْرِبِ السَّاقَيْنُ أُمُّكَ هَابِلُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

بضمِ نُونِ التّثنِيَةِ لأجل ضمّةِ الهَمْزَةِ، ومثلُه: [البسيط]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>42- وَيْلِمِّهَا فِي هَوَاءِ الْجَوِّ طَالِبَةً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وَلاَ كَهَذَا الَّذِي في الأَرْضِ مَطْلُوبُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

الأصل: وَيْلٌ لأُمِّهَا، فحذفَ اللاَّمَ الأُولَى، واستثقَلَ ضَمَّةَ الهمزةِ بعد الكَسْرَةِ، فنقلَها إلى اللام بعد سَلْبِ حَرَكَتِها، وحذَفَ الهَمْزَةَ، ثم أَتْبَعَ اللاَّمَ المِيمَ، فصار اللفظ: " وَيْلِمِّهَا ".

ومِنْهم مَنْ لا يُتْبِعُ، فيقول: " وَيْلُمِّهَا " بِضَمِّ اللاَّمِ، قال: [البسيط]

-3-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>43 - وَيْلُمِّهَا خُلَّةً قَدْ سِيْطَ مِنْ دَمِهَا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فَجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلافٌ وتَبْديلُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

ويحتملُ أَنْ تَكُونَ هذه القراءةُ مِنْ رَفْعٍ، وأَنْ تَكُونَ مِنْ نَصْبٍ، لأنَّ الإعرابَ مُقَدَّرٌ مَنَعَ من ظُهُورِهِ حَرَكَةُ الإتباعِ.

وقرىء أيضاً: " لُلَّهِ " بضم لاَمِ الجَرِّ، قَالُو: وهي إتباعٌ لحركةِ الدَّالِ وفضّلها الزمخشريُّ على قراءة كَسْرِ الدَّالِ، مُعَلِّلاً لذلك بِأَنَّ إتباعَ حركَةِ الإعرابِ أَحْسَنُ مِنَ العَكْسِ، وهي لغةُ بَعْضِ " قَيْس " ، يُتْبِعُون الثانِي نحو: " مُنْحَدُر ومُقُبِلِينَ " بضم الدَّال والقاف لأجل الميم، وعليه قرىء:

{ مُرُدفين } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04960) [الأنفال8: 9]

بِضَمِّ الراءِ، إِتْباعاً لِلْمِيمِ.

فهذه أَرْبَعُ قِرَاءَاتٍ في " الحَمْدُ لِلَّهِ ".

ومعنى لام الجَرِّ - هنا - الاستحقاقُ أَيْ: الحمدُ مستحقٌّ لله - تعالى - ولها معانٍ أخر نَذْكُرُها وهي:

المُلْكُ: المالُ لِزَيْدٍ. والاستحقاقُ: الجُل لِلْفَرَسِ. والتَّمْلِيكُ: نحو: وهبتُ لَكَ وَشِبْهُهُ نحو:

{ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08074) [الشورى42: 11]

لتسكنوا إليها.

والنسب: نحو: لِزَيْدٍ عَمٌّ.

والتعليلُ: نحو:

{ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04389) [النساء4: 105]،

والتبليغُ: نحو: قُلْتُ لَكَ.

والتبليغُ: نحو قلتُ لك.

وللتعجُّبِ في القَسَمِ خاصَّةً؛ كقوله: [البسيط]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>44- لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ وَالآسُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

والتَّبْيِينُ نحو قولِه تَعَالَى:

{ هَيْتَ لَكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05410) [يوسف12: 23].

والصيرورةُ: نحو قولِهِ تَعَالَى:

{ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07051) [القصص28: 8].

والظرفية إِمَّا بِمَعْنَى " فِي ": كقوله تعالى:

{ وَنَضَعُ ٱلْمَوَٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06321) [الأنبياء21: 47]،

أَوْ بِمَعْنَى " عِنْدَ ": كقولِهم: " كَتَبْتُهُ لِخَمْسٍ " ، أيْ: عِنْدَ خَمْسٍ، أَوْ بِمَعْنَى " بَعْدَ ": كقوله تعالى:

{ أَقِمِ ٱلصَّلَٰوةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05898) [الإسراء17: 78]

أيْ: بَعْدَ دُلُوكها.

والانتهاءُ: كقوله تعالى:

{ كُلٌّ يَجْرِي لأَِجَلٍ مُّسَمًّـى } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05500) [الرعد13: 2].

والاستعلاءُ: نحو قوله تعالى:

{ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05929) [الإسراء17: 109].

وقد تُزَادُ باطّرادِ في معمول الفعلِ مُقدَّماً عليه؛ كقولِه تَعَالى:

{ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05430) [يوسف12: 43]،

[وإذا] كان العامِلُ فرعاً، نحو قوله تعالى:

{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05371) [هود11: 107].

وَبِغَيْرِ اطرادٍ؛ نحو قوله في ذلك البيت: [الوافر]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>45- فَلَمَّا أَنْ تَوَاقَفْنَا قَلِيلاً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أَنَخْنَا لِلْكَلاَكِلِ فَارْتَمَيْنَا</TD></TR></TBODY></TABLE>

وأما قولُه تَعَالَى:

{ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07022) [النمل27: 72]،

فقِيل: على التَّضْمِينِ، وقِيلَ: هي زَائِدَةٌ.

ومن الناسِ مَنْ قال: تقديرُ الكَلام: قُولُوا: الحمد لله.

قال ابنُ الخَطِيب: - رحمه الله تعالى -: وهذا عندي ضعيفٌ؛ لأنْ الإضمارَ إنما يُصَار إليه ليصحّ الكلامُ، وهذا الإضمار يُوجِبُ فسادَ الكَلام، والدليل عليه: أن قوله - تعالى - " الحَمْدُ لِلَّهِ " إخبارٌ عن كونِ الحَمْدِ حقًّا [لله تعالى] وملَكاً له، وهذا كَلاَمٌ تام في نفسه، فلا حاجةَ إلى الإضمار.

وأيضاً فإن قولَه: " الحمد لله " يدلُّ على كونِهِ مُسْتَحقاً للحمدِ بحسب ذاته، وبحسبِ أَفْعالِه، سواءٌ حَمَدُوه أَوْ لَمْ يَحْمِدُوه.

قال ابنُ الخَطِيب: - رحمه الله تعالى -: " الحَمْدُ لِلَّه ثمانيةُ أَحْرُفٍ، وأبوابُ الجَنَّةِ ثمانية [أبواب]، فمن قال: " الحمد لله " بصفاءِ قَلْبِهِ استحقَّ أَبْوابَ الجَنَّةِ الثمانية " والله أعلم.

-4-

فَصْلٌ

تمسّكَ الجَبْرِيَّةُ والقدريَّةُ بقوله تعالى: " الحمدُ لِلَّهِ " أما الجبريةُ فقد تمسَّكوا به من وجوه:

الأولُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ كَان فِعْلهُ أشْرَفَ وأَكْمَل، وكانت النعمةُ الصادِرَةُ عنه أَعْلَى وأفضل، كان استحقاقُه للحمدِ أكثرَ، ولا شك أنَّ أَشْرَفَ المخلُوقَاتِ هو الإيمانُ، فلو كان الإيمانُ فِعْلاً للعبد، لكان استحقاقُ العبدِ للحمدِ أَوْلَى وأجلَّ مِنِ اسْتِحْقاقِ الله له، ولما لم يكنْ كذلك، علمنا أنَّ الإيمانَ حَصَلَ بخلقِ الله - تعالى - لا بِخَلْقِ العَبْدِ.

الثاني: أجمعتِ الأمّةُ على قولِهم: " الحمدُ لِلَّهِ على نعمةِ الإيمانِ " ، فلو كان العَبْدُ فاعلاً للإيمانِ لَكَان قولُهم: " الحمد للَّه على نعمة الإيمان "؛ باطلاً، فإنَّ حمد الفاعِل على ما لا يَكُون فِعْلاً له باطلٌ قَبِيحٌ؛ لقوله تعالى:

{ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04272) [آل عمران3: 188].

الثالثُ: أَن قوله تعالى: " الحمدُ للهِ " يدلُّ ظاهِرُهُ على أنَّ كُلَّ الحمدِ لله، وانه لَيْسَ لِغَيْر الله - تعالى - حَمْدٌ أَصْلاً، وإنما يكونُ كلُّ الحمدِ لله تعالى إذا كان كُلُّ النِّعمِ من اللهِ تعالى، والإيمانُ أَفْضَلُ النعم، فوجب أَنْ يكونَ الإيمانُ من الله تعالى.

الرابعُ: أَن قولَهُ: " الحَمد لله " مَدْحٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، ومدحُ النَّفْسِ قَبيحٌ فيما بين الخَلْقِ، فلما بدأ كتابَهُ بمدحِ النفْسِ، دَلَّ ذلك على أَنَّ حالَهُ بخلافِ حَالِ الخلقِ، وأَنَّه يَحْسُن منه ما يقبحُ من الخَلْقِ، وذلك يدلُّ على أنه - تبارك وتعالى - مقدَّسٌ عن أن تُقَاس أفعالُه على أَفعالِ العِبَادِ.

الخامسُ: عند المعتزلةِ أفعالُه - تعالى - يجبُ أَنْ تكونَ حَسَنةً، ويجبُ أَنْ تكونَ لها صفةٌ زائِدَةٌ على الحُسْنِ، وإلا كان عبثاً، وذلك في حقه تعالى محالٌ، والزائدةُ على الحُسْنِ إمَّا [أن تَكُونَ] واجِبةً، وإما أن تكونَ من باب التَّفَضُّلِ.

أما الواجبُ فهو مثلُ إِيصالِ الثواب، والعوض إلى المُكَلَّفِين.

وأما الذي يكونُ من باب التفضل، فهو مثلُ أنَّه يزيد على قَدْرِ الواجِبِ على سبيلِ الإحْسَانِ.

فنقولُ: هذا يَقْدّحُ في كونه - تعالى - مستحقاً للحمد، ويُبْطِلُ صحَّةَ قولنا: الحمدُ لله.

وتقريرهُ أن نقولَ: أما أداء الواجِباتِ، فإنه لا يفيد استحقاقَ الحَمْدِ، ألا ترى أنَّ مَنْ كان له على غيره دَيْنُ دِينارٍ، فأدّاه، فإنه لا يَسْتَحِقُّ الحمدَ، فلو أوجبنا على الله تعالى فعلاً، لكان ذلك الفعلُ مخلصاً [له] عن الذَّمِّ، ولا يُوجِبُ استحقاقه للحمد.

وأما فِعْلُ التفضُّلِ فعند الخصم أنه يستفيد بذلكَ مزِيدَ حَمْدٍ ولو لم يصدرْ عنه ذلك الفعلُ، لما حَصَل له الحمدُ، فإذا كان كذلك كان ناقصاً لذاته مستكملاً بغيره، وذلك يمنع مِنْ كونه - تعالى - مُسْتحقاً للحمدِ والمدح.

السَّادسُ: قولُه: الحمدُ لله يدلُّ على أنه - تعالى - محمودٌ، فنقولُ: استحقاقُه للحمد والمدحِ إما أن يكونَ أَمْراً ثابتاً لذاته، فإنْ كان الأوّل، امتنَع ثُبوتُه لغيره، فامتنع - أيضاً - أنْ يكون شَيْءٌ من الأفعالِ موجباً له استحقاق الذم؛ لأن ما ثبت لِذَاتِهِ امتنع ارتفاعه، فوجب أَلاَّ يجبَ للعباد عليه شيءٌ مِنَ الأعْواضِ والثَّوَابِ، وذلك يَهْدِمُ أصولَ المعتزلة.

-5-

وأمّا القسم الثَّاني - وهو أن يكون استحقاق الحمد لله ليس ثابتاً لذاتِهِ - فنقول: فيلزم منه أن يكونَ ناقِصاً لذاته مُسْتكملاً بغيره، وذلك على الله - تعالى - محالٌ.

أما قول المعتزلة: إنَّ قَوْلَهُ: " الحَمْدُ لِلَّهِ " لا يتم إلاَّ على قولِنَا؛ لأن المستحقَّ للحمدِ على الإطْلاقِ هو الذي لا قَبِيحَ في فِعْلِهِ، ولا جَوْرَ في قَضِيَّتِهِ، ولا ظُلمَ في أحكامِهِ? وعندنا أنَّ الله - تعالى - كذلك؛ فكان مُسْتَحِقًّا لأعظمِ المَحَامِدِ والمدائح.

أمّا على مذهب الجَبْرِ لا قَبِيحَ إلا وهو فِعْلُه، ولا جَوْرَ إلا وهو حُكْمُه، ولاَ عَبَثَ إلا وهو صُنْعُه؛ لأنه يخلقُ الكُفْرَ في الكافر، ثم يعذبُه عليه، ويؤلم الحيواناتِ مِنْ غَيْرِ أن يُعَوِّضَهَا، فكيف يُعْقلُ على هذا التقدِيرِ كونُه مُسْتحقاً للحمد؟

وأيضاً ذلك الحمد الذي يستحقه الله - تعالى - بسبب الإلهيَّة؛ إِمَّا أن يستحِقَّهُ على العبدِ، أَوْ عَلَى نفسه، فإن كان الأول وجب كونُ العبدِ قادراً على الفِعْلِ؛ وذلك يُبْطِلُ القول بالجَبْرِ.

وإنْ كان الثاني كان معناه أن الله تعالى يجب عليه أن يحمد نَفْسَهُ؛ وذلكَ بَاطِلٌ، قالوا: فثبت أَنَّ القولَ بالحَمْدِ لا يصحُّ إلا على قولنا.

فَصْل هل وجوب الشكر يثبت بالعقل أو الشرع؟

اختلفوا في أَنَّ وُجُوبَ الشُّكْرِ ثابِتٌ بالعَقْلِ أَوْ بالسَّمْعِ.

مِنَ الناس مَنْ قال: إنه ثابِتٌ بالسَّمْعِ، لقوله تبارك وتعالى:

{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05835) [الإسراء17: 15]،

ولقوله تبارك وتعالى:

{ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04449) [النساء4: 165].

ومِنْهم مَنْ قال: إنه ثَابِتٌ قبلَ مَجيء الشرع، وبعد مجيئه على الإطلاقِ؛ والدليلُ عليه قولُه تبارك وتعالى: " الحَمدُ لِلَّهِ " وبيانه من وجوه:

الأولُ: أَن قولَه تعالى: " الحمدُ لله " يدلُّ على أن هذا الحمدَ حَقُّهُ، وملكُه على الإطْلاَقِ، وذلك يدل على أنّ ثبوت هذا الاستحقاقِ كان قبل مَجِيء الشرْع.

الثاني: أنه تعالى قال: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } [الفاتحة: 2]؛ وقد ثَبَتَ في [أصُول] الفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الحُكْمِ على الوَصْفِ المناسِبِ، يَدُلُّ على كونِ الحُكْمِ مُعَلَّلاً بذلك الوصف، فها هنا أثبتَ الحَمْدَ لنفسه، ووصف نَفْسَهُ بكونِه رَبَّ العالَمِينَ رَحْماناً رَحِيماً بِهِم، مالكاً لعاقبةِ أمْرِهم في القيامَةِ، فهذا يدلُّ على أن استحقاقَ الحمدِ ثابتٌ - لله تعالى - في كل الأوقات، سواءٌ كان قَبْلَ مَجِيء النَّبي، أو بعده.

فصل


قال ابنُ الخَطيب - رحمه الله تعالى -: تَحميدُ اللهِ - تعالى - ليس عبارةً عن قَوْلِنا: الحمدُ لِلَّهِ؛ لأن قوْلنا: " الحمد للَّه " إخبارٌ عن حُصُولِ الحَمْد، والإخبارُ عَن الشيءِ مغايرٌ للخَبَرِ عنه، فنقولُ: حَمْدُ المنعم عبارةٌ عن كُلِّ فِعْلٍ يُشْعِرُ بتعظيم المنعم بسبب كَوْنِهِ مُنْعماً، وذلك الفعل: إما أن يكونَ فِعْلَ القلبِ، أو فعل اللّسَانِ، أوْ فِعل الجوارح.

-6-

أمَّا فعلُ القلبِ: فهو أنْ يَعْتَقِدَ فيه كونَهُ مَوْصُوفاً بصفات الكمال والإجْلاَل.

وأما فعل اللِّسان فهو أنْ يذكر ألفاظاً دالَّةً على كونه مَوْصُوفاً بصفات الكمال [والإجلال].

[وأما فعل الجوارح؛ فهو أنْ يأتي بأفعالٍ دالّةٍ على كَوْنِ المنعمِ مَوصُوفاً بصفات الكمال والإجلال].

واعلم أن أهل العلم - رحمهم الله - افترقوا في هذا المقام فِرقاً كثيرةً:

فمنهم مَنْ قال: إنه لا يجوزُ عقلاً أنُ يأمرَ الله عَبِيدَه بأن يَحْمَدُوه، واحتجوا عليه بوجوه:

الأولُ: أن ذلك التحميدَ، إما أن يكونَ بناءً على إنْعَام وَصَل إليهم، أَوْ لا بِنَاءَ عليه، فالأول باطِلٌ؛ لأن هذا يقتضي أنه - تعالى - طلبَ منهم على إنعامِهِ جَزَاء ومُكافَأةً، وذلك يقدحُ في كَمَال الكرم، فإنّ الكريم إذا أنعم لم يُطالِبْ بالمُكَافأة.

وأما الثاني: فهو إِتْعَابٌ لِلْغَيْرِ ابتِداءً، وذلك يُوجِبُ الظُّلْمَ.

الثاني: قالُوا: إِنَّ الاشتغالَ بهذا الحمدِ مُتْعِبٌ للحامدِ، وغيرُ نَافِعٍ للمحمُودِ، لأنه كامِلٌ لذاتِهِ، والكامل [لذاته] يستحيل أن يستكملَ بِغَيْره، فثبت أنَّ الاشتغال بهذا التحميدِ عَبَثٌ وضَرَرٌ، فوجب ألا يكونَ مَشروعاً.

الثالثُ: أنَّ مَعْنَى الإِيجَابِ: أنه لَوْ لم يفعلْ لاسْتَحَقَّ العذابَ، فإيجابُ حَمْدِ الله تعالى معناه: أنه لو لم تشتغلْ بهذا الحمدِ، لَعَاقَبْتُكَ، وهذا الحمدُ لا نفعَ لَهُ في حَقِّ اللهِ تبارك وتعالى، فكان معناه أن هذا الفعلَ لا فَائِدَة فِيه لأحدٍ، ولو تركته [لعاقبتك] أَبَدَ الآبادِ، وهذا لا يَلِيقُ بالحَلِيم الكريم.

والفريقُ الثاني: قَالُوا: الاشتغالُ بِحَمْدِ الله - تعالى - سُوءُ أَدَبٍ من وجوه:

الأولُ: أنه يَجْرِي مَجْرَى مقابلَةِ إحْسَانِ اللهِ بذلك الشُّكر القَلِيلِ.

والثاني: أنَّ الاشتغالَ بالشُّكْرِ لا يتأتى إلاَّ مع استحضارِ تلك النِّعَمِ في القلْبِ، واشتغالُ القلبِ بالنعم يمنعه من الاسْتِغْرَاق في مَعْرِفَة المُنْعِمِ.

والثالثُ: أنَّ الثناءَ على الله - تعالى - عند وُجْدَانِ النِّعمةِ يدلُّ على أنه إنَّما أَثْنَى عليه؛ لأجْلِ الفوز بتلك النعم، وهذا الرَّجُلُ في الحَقِيقَةِ مَعْبُوده، ومَطْلُوبُه إنما هو تلك النِّعَمِ، وحظُّ النَّفسِ، وذلك مقامٌ نَازِلٌ.

وهذانِ مَرْدُودانِ بما تَقَدَّم وبأنَّ أفعالَهُ وأقوالَه وأسماءَهُ لا مدخل للعَقْلِ فيها، فقد سَمَّى رُوحَه مَاكِراً بقوله تعالى:

{ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَٰكِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04138) [آل عمران3: 54]،

ومتكبراً وغيرَ ذلك ممَّا تقدّم في أسمائه من قوله تعالى:

{ ٱللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03813) [البقرة2: 15]

وغَيْرِه.

فإن قِيل: إنما ورد ذلك مِنْ حيثُ المُقَابلة، قُلْنَا: نُسلِّمُ، ولكنه قد سمى نفسه به، ونحن لا يجوزُ لنا تسميتُهُ به.

وأما مِنْ حَيْثُ ورودُه في الشرع، فقال اللهُ تعالى:

-7-

{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03950) [البقرة2: 152].

قولُه تَعَالَى: { رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ }.

الرَّبُّ: لُغَةً: السيدُ، والمَالِكُ، والثَّابِتُ والمَعْبُودُ؛ ومنه قولُه: [الطويل]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>46- أرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ بِرَأْسِهِ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لَقَدْ هَانَ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

والمُصْلِحُ، وزاد بعضُهم أنه بمعنى: الصّاحبِ؛ وأنشد القائل: [الكامل]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>47- قَدْ نَالَهُ رَبُّ الكِلاَبِ بِكَفِّهِ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بِيضٌ رِهَابٌ ريشُهُنَّ مُقزَّعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

والظاهِرُ أَنَّهُ - هنا - بمعنى المَالِك، فليس هو معنى زائداً.

وقيل: يكون بمعنى الخَالِقِ.

واختُلِفَ فيه: هل هو في الأصلِ وَصْفٌ أو مصدر؟

فمنهم من قال: [هو وَصْفٌ أي صِفَة مشبهة بمعنى " مُرَبٍّ " ]، ثم اختلف هَؤلاءِ في وزنه.

[فمنهم من قال]: هو على " فَعِل " كقولك: " نَمَّ - يَنُمَّ - فهو نَمٌّ " من النّمام، بمعنى غَمّاز.

وقيل: وزنه " فَاعِل " ، وأصلُه: " رَابٌّ " ، ثم حُذِفت الألفُ؛ لكثرةِ الاستعمالِ؛ لقولِهم: رَجَلٌ بَارٌّ وَبَرٌّ.

ولقائلٍ أنْ يقولَ: لا نسلم أن " بَرّ " مأخوذ من " بَارّ " بل هما صِفتان مُسْتقلتَانِ، فَلاَ يَنْبَغِي أنْ يُدّعَى أنّ " ربًّا " أصله " رابٌّ ".

ومنهم مَنْ: قال إنه مَصْدرٌ " رَبَّهُ - يَرُبُّهُ - رَبًّا " أي: مَلَكَهُ.

قال: " لأنْ يَرُبَّنِي رَجَلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن يَرُبَّنِي رَجَلٌ من هَوَازِنَ ".

فهو مصدر في معنى الفاعل نحو: " رجل عَدْل وصَوْم ".

ولا يُطْلقُ على غَيْر الباري - تعالى - إلاّ بقيد إضافةٍ، نحو قوله تعالى:

{ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05437) [يوسف12: 50]،

ويقولون: " هو رَبُّ الدَّارِ، ورَبُّ البَعِير " ، وقد قالته الجاهليةُ لِلْمَلِكِ من الناس مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ؛ قال الحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ: [الخفيف]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>48- وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يَوْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>مِ الحِيَارَيْنِ وَالبَلاءُ بَلاَءُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وهذا مِنْ كُفْرِهِمْ.

وقرأ الجمهورُ: " رَبِّ " مجروراً على النعتِ " لله " ، أو البَدَلِ منه.

وقرِىءَ مَنْصُوباً، وفيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ:

إِمَّا بِمَا دَلَّ عليه الحمدُ، تقدِيرُه: " أحمد ربَّ العالمين ".

أو على القطع من التبعية، أو على النِّدَاءِ وهذا أضعفُهَا، لأنه يُؤَدِّي إلى الفَصْلِ بين الصفة والموصوف.

وقُرِىءَ مَرْفُوعاً على القَطْعِ من التبعية، فيكونُ خبراً لمبتدإٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: " هُوَ رَبُّ " وإذْ قد عرض ذِكْرُ القَطْعِ في التَبعيَّةِ، فلنستطردْ ذِكْرَهُ، لِعُمومِ فَائِدَتِه فنقول:

اعلمْ أنَّ الموصوفَ إذا كان معلوماً بدون صفته، وكان الوصفُ مَدْحاً، أو ذماً، أو ترحُّماً - جاز في الوَصْفِ الإتباعُ والقطعُ.

والقطعُ: إما على النصْبِ بإضمار فعل لائقٍ، وإمَّا على الرّفعِ على خَبَرٍ لمبتدإٍ مَحْذُوفٍ، ولا يجوزُ إظهارُ هذا الناصِبِ، ولا هذا المبتدإِ، نحو قولِهم: " الحَمْدُ لله أَهْلَ الحَمْدِ " رُوِيَ بنصبِ " أَهْل " ورفعِه، أيْ: أعني أَهْلَ، أو هو أَهلُ الحمدِ.

وإِذا تكررتِ النُّعُوتُ، والحالةُ هذه، كُنْتَ مُخَيَّراً بين ثلاثة أوجه:

إما إتباعُ الجَميعِ، أو قَطْعُ الجَمِيع، أوْ قَطْعُ البَعْضِ، وإتباعُ البَعْضِ.

-8-

إلاّ أنك إذا أَتْبَعْتَ البعضَ، وقطعتَ البعضَ وجب أَنْ تَبْدَأ بالإتباعِ، ثُمَّ تأتي بالقَطْعِ من غير عَكْسٍ، نحو: " مررتُ بزيدٍ الفَاضِلِ الكَرِيمُ "؛ لِئَلاَّ يلزمَ الفصلُ بين الصفَةِ والموصُوفِ بالجملةِ المَقْطُوعَةِ.

و " العَالَمِينَ " خَفْضٌ بالإضافَةِ، عَلاَمةُ خفضِه الياءُ؛ لجريانه مَجْرى جمع المذكرِ السَّالِمِ، وهم اسْمُ جَمْعٍ؛ لأنَّ واحِدَهُ مِنْ غَيْرِ لفظه، ولا يَجوزُ أن يكونَ جمعاً لـ " عَالَمٍ "؛ لأن الصحيح في " عَالَمِ " أن يُطْلَق على كل موجودٍ سوى الباري تَعَالى، لاشتقاقه من العَلاَمةِ، بمعنى أنه دالّ على صانِعهِ.

و " عَالَمُون " بصيغة الجمع لا يُطْلق إلا على العُقلاءِ دون غيرهم، فاستحال أن يكون " عالمون " جمع " عَالَم "؛ لأنَّ الجمعَ لا يكونُ أخَصَّ مِنَ المُفْرَدِ.

وهذا نظيرُ ما فعله سِيْبَويَه - رحمه الله تعالى - في أنَّ " أعراباً " لَيْسَ جَمْعاً لـ " عَرَب "؛ لأنَّ " عرباً " يُطْلَقُ على البَدَوِيِّ دُونَ القروِيّ.

فإن قِيلَ: لِمَ لاَ يَجُوزُ أَنِ يكونَ " عَالَمُونَ " جَمْعاً لـ " عَالَم " مُرَاداً به العاقل دُونَ غَيْره، فيزولَ المحذُورُ المذكور؟

وأُجِيبَ عنه: بأنه لَوْ جاز ذلك، لَجَازَ أَنْ يُقالَ: " شَيْئُون " جَمْعُ " شَيْءٍ " مُرَاداً به العاقل دون غيره، فدل عَدَمُ جَوَازِه على عدم ادّعاءِ ذلك.

وفي الجواب نَظَرٌ، إذْ لِقائل أنْ يقول: " شيئون " منع منه مانِعٌ آخرُ، وهو كونهُ لَيْسَ صِفَةً ولا علماً، فلا يلزَمُ مِنْ مَنْعِ ذلك منعُ " عَالَمِين " مراداً به العاقل.

ويُؤَيِّدُ هذا ما نَقَلَ الراغِبُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضى الله تعالى عنهما - أنَّ " عَالَمِين " إنما جمع هذا الجمع؛ لأن المراد به الملائكةُ والجنُّ والإنْسُ.

وقال الراغِبُ أيضاً: " إنَّ العَالَم في الأصل اسم لما يُعْلَمُ به كالطَّابَعِ اسم لما يُطْبَعُ " وجُعِلَ بناؤُه على هذه الصيغَةِ، لكونه كالآلةِ، فالعالَمُ آلة في الدلالةِ على صَانعه.

وقال الرَّاغِبُ: " وأما جمعُه جَمْعَ السَّلامَةِ، فلكون الناس في جُمْلَتِهم، والإنسانُ إذا شَارَك غيرَهُ في اللّفظِ غَلَبَ حُكْمُه " ، فظاهر هذا أَنَّ " العَالَمِين " يطلق على العُقَلاء وغَيْرِهم، وهو مُخالِفٌ لما تقدّم من اختصاصِهِ بالعقلاء، كما زعم بعضُهم، وكلام الراغِبِ هو الأصَحُّ الظّاهرُ.

فصل في وجوه تربية الله لعبده

قال ابنُ الخَطِيبِ - رحمه الله تعالى -: " وجوه تَرْبِيَةِ الله لِلْعَبْدِ كثيرةٌ غيرُ مُتَنَاهِيَةٍ، ونحن نذكر منها أمثله:

الأولُ: لما وَقَعَتِ النّطفةُ مِنْ صُلْبِ الأَبِ إلى رَحِمِ الأُمِّ، فَرَبَّاهَا حتى صارت عَلَقَةً أَولاً، ثم مُضْغَةً ثانيةً، ثم تولّدت منه أعضاء مُختلفةٌ، مثلُ العِظَامِ، والغَضَارِيفِ، والرّبَاطَاتِ، والأَوْتَارِ، والأوردَةِ، والشرايِين، ثم اتصل البعضُ بالبعضِ، ثُمَّ حَصَلَ في كُلِّ واحِدٍ منها نَوْعٌ خَاصٌّ من أنواع القُوَى، فحصلت القوّةُ الباصرة في العَيْنِ? والسَّامِعَةُ في الأُذُنِ، والنَّاطِقَةُ في اللِّسانِ، فسُبْحَانَ مَنْ بَصَّرَ بِشَحْمٍ، وأَسْمَعَ بِعَظْمٍ، وأَنْطَقَ بِلَحْمٍ "!.

-9-

والثَّاني: أن الحَبَّةَ الواحِدَةَ إذا وقعت في الأرض، فإذا وصلت نَدَاوةُ الأرضِ إليها، انتفَخَتْ ولا تنشق من شيء من الجوانِبِ إلاّ مِنْ أَعْلاَها وأسفلها، مَعَ أنَّ الانتفاخَ حاصلٌ من جميع الجوانب.

أما الشق الأعلى، فيخرجُ منه الجزءُ الصاعِدُ، فبعد صعودِهِ يحصُلُ له سَاقٌ، ثم ينفصِلُ من ذلك الساقِ أَغْصَانٌ كثيرةٌ، ثم يظهر على تلك الأغصانِ الأَنْوَارُ أوَّلاً، ثُمَّ الثِّمَار ثانياً، ويحصل لتلك الثمار أجزاء مختلفة بالكَثَافَةِ، واللطافة، وهي القُشُور، واللّبوبُ، ثم الأدهان.

وأما الجُزْءُ الغائِصُ من الشجرة، فإن تلك العروق تنتهي إلى أطرافها، وتلك الأطراف تكون في اللطافة كأنها مياه منعقدة، ومع غايةِ لُطْفِها، فإنها تغوص في الأرض الصّلبة اليابسة، وأودع فيها قُوًى جاذبةً تجذِبُ اللّطيفةَ من الطين إلى نفسها، والحكمةُ في كُلّ هذه التدبِيرَاتِ تحصيلُ ما يحتاج العبد إليه من الغِذَاءِ، والإدام، والفواكه، والأشربةِ، والأدْوِيَةِ؛ كما قال تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09574)أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09574) ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09575) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09575) [عبس80: 25 - 26].

فَصْلٌ


اختلفوا في { ٱلْعَالَمِينَ }.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: " هُمُ الجنُّ والإِنْسُ؛ لأنهم المكلّفون بالخِطَابِ "؛ قال الله تعالى:

{ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06647) [الفرقان25: 1].

وقال قتادةُ: والحَسَنُ، ومُجَاهِدٌ - رضي الله تعالى عنهم -: " جميعُ المخلوقِينَ "؛ قال تبارك وتعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23 - 24].

واشْتِقَاقُه من العَلمِ والعَلاَمَةِ، سُمُّوا بذلك؛ لِظُهورِ أَثَرِ الصنعة فيهم.

قال أَبُو عُبَيد - رحمه الله تعالى -: هم أرْبَعُ أُمَمٍ: الملائكةُ، والإنسُ، والجِنُّ، والشَّيَاطِينُ، مُشْتَقٌّ من العلم، ولا يُقَال للبهائِمِ؛ لأنها لا تَعْقِلُ.

واخْتَلَفُوا في مبلغِهِم.

قال سَعِيدُ بنُ المُسَيَّب - رضي الله عنه -: " لِلَّه ألْفُ عَالَمٍ: سِتُّمائةٍ في البَحْرِ، وأربعمائة في البرِ ".

وقال مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان - رضي الله عنه -: " ثَمانُونَ أَلْفاً، أَرْبَعُون ألفا في البَحْرِ، وأربعونَ ألفاً في البَرِّ ".

وقال وَهْبٌ - رضي الله عنه -: " لله ثَمَانِيَةَ عَشرَ ألفَ عَالَمٍ، الدّنيا عَالَمٌ منها، وما العمران في الخَرَابِ إلا كفُسْطاطٍ في صَحْرَاء ".

وقال كَعْبُ الأحبارِ - رضي الله عنه -: " لا يُحْصي عَدَدَ العَالَمِين إلاّ اللهُ - عز وجل - "؛ قال تعالى:

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09317) [المدثر74: 31].

-10-

admin
12-18-2010, 10:24 PM
تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


أخرج عبد بن حميد من طرق مطر الوراق عن قتادة في قول الله { الحمد لله رب العالمين } قال: ما وصف من خلقه. وفي قوله { الرحمن الرحيم } قال: مدح نفسه { مالك يوم الدين } قال: يوم يدان بين الخلائق. أي هكذا فقولوا { إياك نعبد وإياك نستعين } قال: دلّ على نفسه { اهدنا الصراط المستقيم } أي الصرط المستقيم { صراط الذين أنعمت عليهم } أي طريق الأنبياء { غير المغضوب عليهم } قال: اليهود { ولا الضالين } قال: النصارى.

وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن ام سلمة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة { بسم الله الرحمن الرحيم } فعدّها آية { الحمد لله رب العالمين } آيتين { الرحمن الرحيم } ثلاث آيات { مالك يوم الدين } أربع آيات وقال: هكذا { إياك نعبد وإياك نستعين } وجمع خمس أصابعه ".

admin
12-19-2010, 01:48 PM
تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03794) }


في إعراب { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }

وقد اختلف القرّاء في قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ، فقرأت العامّة بضمّ الدال على الابتداء، وخبره فيما بعده. وقيل: على التقديم والتأخير، أي لله الحمد.

وقيل: على الحكاية. وقرأ هارون بن موسى الأعور ورؤبة بن العجاج بنصب الدال على الإضمار، أي أحمد الحمد؛ لأن الحمد مصدر لا يثنّى ولا يجمع. وقرأ الحسن البصري بكسر الدال، أتبع الكسرة الكسرة. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة الشامي بضم الدال واللام، أتبع الضمة الضمّة.

{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قرأ زيد بن علي: { رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } بالنصب على المدح، وقال أبو سعيد ابن أوس الأنصاري: على معنى أحمد ربّ العالمين. وقرأ الباقون { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } بكسر الباء، أي خالق الخلق أجمعين ومبدئهم ومالكهم والقائم بأمورهم، والرب بمعنى السيّد، قال الله تعالى:

{ ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05429) [يوسف12: 42]

أي سيّدك، قال الأعشى:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>واهلكن يوماً ربّ كندة وابنه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وربّ معبين خبت وعرعر</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وربّ عمر والرومي من رأس حضية</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وأنزلن بالأسباب رب المشقرة</TD></TR></TBODY></TABLE>

يعني: رئيسها وسيّدها.

ويكون بمعنى المالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أربُّ إبل أنت أم رب غنم؟ ". فقال: من كل قد آتاني الله فأكثر وأطنب " وقال طرفة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كقنطرة الرومي أقسم ربها</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لتكتنفنّ حتى تشاد بقرمد</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال النابغة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وإن يك ربّ أذواد فحسبي</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أصابوا من لقائك ما أصابوا</TD></TR></TBODY></TABLE>

ويكون بمعنى الصاحب، قال أبو ذؤيب:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فدنا له رب الكلاب بكفّه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بيض رهاب ريشهن مقزع</TD></TR></TBODY></TABLE>

ويكون بمعنى المرعى، يقول: ربّ يربّ ربابة وربوباً، فهو ربّ، مثل برّ وطب، قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>يربّ الذي يأتي من العرف إنه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>إذا سئل المعروف زاد وتمّما</TD></TR></TBODY></TABLE>

ويكون بمعنى المصلح للشيء، قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كانوا كسالئة حمقاء إذحقنت</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>سلاءها في أديم غير مربوب</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي غير مصلح.

وقال الحسين بن الفضل: الرب: اللبث من غير إثبات أحد، يقال: ربّ بالمكان وأربّ، ولبث وألبث إذا أقام وفي الحديث أنه كان يتعوّذ بالله من فقر ضرب أو قلب قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ربّ بأرض تخطّاها الغنم لب بأرض ما تخطاها الغنم</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

وهو الاختيار؛ لأن المتكلمين أجمعوا على أنّ الله لم يزل ربّاً وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو بكر محمد بن موسى الواسطي عن الرب، فقال: هو الخالق ابتداءً، والمربي غذاءً، والغافر انتهاءً. ولا يقال للمخلوق: هو الرب، معرّفاً بالألف واللام، وإنما يقال على الإضافة: هو رب كذا؛ لأنه لا يملك الكل غير الله، والألف واللام تدلاّن على العموم. وأمّا العالمون فهم جمع عالَم، ولا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش ونحوها.

واختلفوا في معناه، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن، أخبرنا أبو إسحاق بن أسعد بن الحسن بن سفيان عن جدّه عن أبي نصر ليث بن مقاتل عن أبي معاذ الفضل بن خالد عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن الربيع بن أنس عن شهر بن حوشب عن أبي بن كعب قال: العالمون هم الملائكة، وهم ثمانية عشر ألف ملكاً منهم أربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمشرق، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمغرب، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالكهف الثالث من الدنيا، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك في الكهف الرابع من الدنيا، مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ ومن ورائهم أرض بيضاء كالرخام.

-1-

... مسير الشمس أربعين يوماً، طولها لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ مملوءة ملائكة يقال لهم الروحانيون، لهم زجل بالتسبيح والتهليل، لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من هول صوته فهم العالمون، منتهاهم إلى حملة العرش.

وقال أبو معاذ [النحوي]: هم بنو آدم.

وقال أبو هيثم خالد بن يزيد: هم الجن والإنس؛ لقوله تعالى:

{ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06647) [الفرقان25: 1]،

وهي رواية عطية العوفي وسعيد بن جبير عن ابن عباس.

وقال الحسين بن الفضل: العالمون: الناس، واحتجّ بقوله تعالى:

{ أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06888) [الشعراء26: 165].

وقال العجاج: بخلاف هذا العالم.

وقال الفراء وأبو عبيدة: هو عبارة عمن يعقل، وهم أربع أمم: الملائكة، والجن، والإنس، والشياطين، لا يقال للبهائم: عالم. وهو مشتق من العلم، قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ما إن سمعت بمثلهم في العالمينا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: هم أهل التنزيه من الخلق. وقال عبد الرَّحْمن بن زيد ابن أسلم: هم المرتزقون. وقال الخضر بن إسماعيل: هو اسم الجمع الكثير، قال ابن الزبعري:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إني وجدتك يا محمد عصمة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>للعالمين من العذاب الكارث</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال أبو عمرو بن العلاء: هم الروحانيون. وهو معنى قول ابن عباس: كل ذي روح دبّ على وجه الأرض. وقال سفيان بن عيينة: هو جمع للأشياء المختلفة.

وقال جعفر بن محمد الصادق: " العالمون: أهل الجنة وأهل النار ". وقال الحسن وقتادة ومجاهد: هو عبارة عن جميع المخلوقات، واحتجوا بقوله:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23 - 24].

واشتقاقه على هذا القول من (العلم) و (العلامة)؛ لظهورهم ولظهور أثر الصنعة فيهم ثم اختلفوا في مبلغ العالمين وكيفيتهم، فقال سعيد بن المسيب: لله ألف عالم؛ منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر. وقال الضحاك: فمنهم ثلاثمائة وستون عالماً حفاة عراة لا يعرفون مَن خالقهم، وستون عالماً يلبسون الثياب. وقال وهب: لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا عالم منها، وما العمارة في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء. وقال أبو سعيد الخدري: إن لله أربعين ألف عالم، الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد. وقال أبو القاسم مقاتل بن حيان: العالمون ثمانون ألف عالم؛ أربعون ألفاً في البرّ وأربعون ألفاً في البحر. وقال مقاتل بن سليمان: لو فسّرت { ٱلْعَالَمِينَ } ، لاحتجت إلى ألف جلد كل جلد ألف ورقة. وقال كعب الأحبار: لا يحصي عدد العالمين إلاّ الله، قال الله:

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09317) [المدّثر74: 31].

-2-

admin
12-19-2010, 01:49 PM
تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قال سهل: معنى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } [2] الشكر لله، فالشكر لله هو الطاعة لله، والطاعة لله هي الولاية من الله تعالى كما قال الله تعالى:

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04515) [المائدة5: 55]

ولا تتم الولاية من الله تعالى إلا بالتبري ممن سواه. ومعنى: { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [2] سيد الخلق المربّي لهم، والقائم بأمرهم، المصلح المدبر لهم قبل كونهم، وكون فعلهم المتصرف بهم السابق علمه فيهم، كيف شاء لما شاء، وأراد وحكم وقدر من أمر ونهي، لا رب لهم غيره.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-19-2010, 01:51 PM
تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قال ابن عطاء: معناه الشكر لله إذا كان منه الامتنان على تعليمنا إياه حتى حمدناه.

وقيل معنى الحمد لله أى: لا حمدًا لله إلا الله. وقيل الحمد لله أى: أنت المحمود لجميع صفاتك وأحوالك.

قال الواسطى: الناس في الحمد على ثلاث درجات، قالت العامة: الحمد لله على العادة، وقالت الخاصة الحمد لله شكرًا على اللذة وقالت الآية: الحمد لله الذى لم ينزلنا منزلة استقطعنا النعمة عن شواهد ما أشهدنا الحق من حقه.

وذُكر عن جعفر الصادق فى قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فقال: مَن حمده بجميع صفاته كما وصف نفسه فقد حمده، لأن الحمد حاء وميم ودال فالحاء من الوحدانية والميم من الملك والدال من الديمومة فمن عرفه بالوحدانية والملك والديمومة فقد عرفه.

وقال رجل بين يدى الجنيد رحمه الله: الحمد لله فقال لأتمها كما قال الله تعالى قل { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فقال الرجل ومن العالمين حتى يذكر مع الحق فقال قله يا أخى فإن المحدث إذا قرن بالقديم لا يبقى له أثر.

وذكر عن عطاء أو غيره أنه قال: الحمد لله إقرار المؤمنين بوحدانيته وإقرار الموحدين بفردانيته وإقرار العارفين باستحقاق ربوبيته، فالأول إقرار بالإلهية والثانى إقرار بالربوبية والثالث إقرار بالتعظيم.

وقيل الحمد: هو الثناء لله فثناء المؤمنين فى قراءة فاتحة الكتاب وثناء المريدين بالذكر في الخلوات وثناء العارفين في الشوق إليه والأنس به.

وقال الحسين: ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها، والحمد النبى صلى الله عليه وسلم والمحمود الله والحامد العبد والحميد حاله التى توصل بالمريد.

وقيل أيضًا: الحمد لله رب العالمين عن العالمين قبل العالمين لعلمه بعجز العالمين عن أداء حمد رب العالمين.

وقيل هذا رحمة للعالمين بإضافته إياهم إليه أنه ربهم.

وقيل في الحمد لله رب العالمين: إن الحمد يكون على السراء والضراء والشكر لا يكون إلا على النعماء.

وقيل: الحمد لله يكون لاستغراق الحامد فى النعمة والشكر لاستزاده.

وقيل فى قوله: الحمد لله رب العالمين أى منطق العالمين لحمده.

وذكر عن ابن عطاء فى قوله الحمد لله رب العالمين أى: مربى أفضل العارفين بنور اليقين والتوفيق وقلوب المؤمنين بالصبر والإخلاص وقلوب المريدين بالصدق والوفاء وقلوب العارفين بالفكرة والعبرة.

وقيل: رب العالمين أى هو الذى برأ العالمين بين رحمته الرحمن الرحيم حتى يؤهلهم لتمجيده بقولهم: الحمد لله رب العالمين، أى سبق الحمد منى لنفسى قبل أن يحمدنى أحد من العالمين، وحمدى نفسى لنفسى فى الأزل لم يكن لعلة، وحمد الخلق إياى مشوب بالعلل، وقيل رب العالمين أى: ملهم العالمين بحمده وحده.

وقيل: لما علم عجز عباده عن حمده حمد نفسه بنفسه فى الأزل فاستراح طوق عباده هو محل العجز عن حمده وأنَّى ينازع الحدث القدم، ألا ترى سيد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله

-1-

" لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ".

وأنشد:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إذا نحن أثنينا عليك بصالح</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فأنت كما نُثنى وفوق الذى نُثنى</TD></TR></TBODY></TABLE>

وحمد نفسه بالأزل لما علم من كثرة نعمه على عباده وعجزهم عن القيام بواجب حمده فحمد نفسه عنهم؛ لتكون النعمة أهنأ لديهم، حيث أسقط عنهم به ثقل رؤية المنة.

وسُئل جعفر بن محمد عن قوله: الحمد لله رب العالمين قال: معناه الشكر لله فهو المنعم بجميع نعمائه على خلقه وحسن صنيعته وجميل بلائه، فالألف الحمد من الآية وهو الواحد فبالآية أهل معرفته من سخطه وسوء قضائه، واللام من لطفه وهو الواحد فبلطفه إذا فهم حلاوة عطفه وسقاهم كأس سره والحاء فمن حمده وهو السابق يحمد نفسه قبل خلقه، فبسابق حمده استقرت النعم على خلقه وقدروا على حمده، والميم فمن مجده فبجلال مجده زينهم بنور قدسه، والدال فمن دينه الإسلام فهو السلام ودينه الإسلام وداره السلام وتحيتهم فيها سلام لأهل السلام فى دار السلام.

-2-

admin
12-19-2010, 01:54 PM
تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله جل ذكره: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }.

حقيقة الحمد الثناء على المحمود، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة، واللام ها هنا للجنس، ومقتضاها الاستغراق؛ فجميع المحامد لله سبحانه إمَّا وصفاً وإمَّا خلقاً، فله الحمد لظهور سلطانه، وله الشكر لوفور إحسانه. والحمد لله لاستحقاقه لجلاله وجماله، والشكر لله لجزيل نواله وعزيز أفضاله، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحَوْله، وحمد الخَلْق له على إنعامه وطوْلِه، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو، واستيجابه لنعوت العز والسمو، فله الوجود (قدرة) القديم، وله الجود الكريم، وله الثبوت الأحدي، والكون الصمدي، والبقاء الأزلي، والبهاء الأبدي، والثناء الديمومي، وله السمع والبصر، والقضاء والقدر، والكلام والقول، والعزة والطوْل، والرحمة والجود، والعين والوجه والجمال، والقدرة والجلال، وهو الواحد المتعال، كبرياؤه رداؤه، وعلاؤه سناؤه، ومجده عزه، وكونه ذاته، وأزله أبده، وقدمه سرمده، وحقه يقينه، وثبوته عينه، ودوامه بقاؤه، وقدره قضاؤه، وجلاله جماله، ونهيه أمره، وغضبه رحمته، وإرادته مشيئته، وهو الملك بجبروته، والأحد في ملكوته. تبارك الله سبحانه!! فسبحانه ما أعظم شأنه!

فصل: عَلمَ الحق سبحانه وتعالى شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه، وعجزَهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه وسنائه فأخبرهم أنه حَمِد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فانتعشوا بعد الذِّلة، وعاشوا بعد الخمود، واستقلت أسرارهم لكمال التعزز حيث سمعوا ثناء الحق عن الحق بخطاب الحق، فنطقوا ببيان الرمز على قضية الأشكال. وقالوا:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولوجهها من وجهها قمر</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ولعينها من عينها كحل</TD></TR></TBODY></TABLE>

هذا خطيب الأولين والآخرين، سيد الفصحاء، وإمام البلغاء، لمَّا سمع حمده لنفسه، ومدحه سبحانه لحقِّه، علم النبي أن تقاصر اللسان أليق به في هذه الحالة فقال: " لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ".

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>داود لو سمعت أذناه قالتَها</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لما ترنّم بالألحان داود</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>غنت سعاد بصوتها فتخاذلت</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ألحان داود من الخجل</TD></TR></TBODY></TABLE>

فصل: وتتفاوت طبقات الحامدين لتباينهم في أحوالهم؛ فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه وإكرامه من نوعي صفة نفعِه ودفعِه، وإزاحته وإتاحته، وما عقلوا عنه من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم قال جل ذكره:

{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05710) [النحل16: 18]،

وطائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه، وأودع سرائرهم من مكنونات بره، وكاشف أسرارهم به من خفي غيبه، وأفرد أرواحهم به من بواده مواجده. وقوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم، ولم يردوا من ملاحظة العز والكرم إلى تصفح أقسام النعم، وتأمل خصائص القِسَم، و(فرق بين) من يمدحه بعز جلاله وبين من يشكره على وجود أفضاله، كما قال قائلهم:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وما الفقر عن أرض العشيرة ساقنا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ولكننا جئنا بلقياك نسعد</TD></TR></TBODY></TABLE>

-1-

وقوم حمدوه مُسْتَهْلَكِين عنهم فيما استنطقوا من عبارات تحميده، بما اصطلم أسرارهم من حقائق توحيده، فهم به منه يعبِّرون، ومنه إليه يشيرون، يُجري عليهم أحكام التصريف، وظواهرهم بنعت التفرقة مرعية، وأسرارهم مأخوذه بحكم جمع الجمع، كما قالوا:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>بيان بيان الحق أنت بيانه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وكل معاني الغيب أنت لسانه</TD></TR></TBODY></TABLE>

قوله جل ذكره: { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.

الرب هو السيد، والعالمون جميع المخلوقات، واختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين لاشتماله على العقلاء والجمادات فهو مالك الأعيان ومُنشيها، ومُوجِد الرسوم والديار بما فيها.

ويدل اسم الرب أيضاً على تربية الخلق، فهو مُربٍ نفوس العابدين بالتأييد ومربٍ قلوب الطالبين بالتسديد، ومربٍ أرواح العارفين بالتوحيد، وهو مربٍ الأشباح بوجود النِّعم، ومربٍ الأرواح بشهود الكرم.

ويدل اسم الرب أيضاً على إصلاحه لأمور عباده من ربيت العديم أربه؛ فهو مصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته، ومصلح أمور العابدين بحسن كفايته، ومصلح أمور الواجدين بقديم عنايته، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه، وأصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه، وثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه، قال قائلهم:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ما دام عزُّك مسعوداً طوالعه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فلا أبالي أعاش الناس أم فقدوا</TD></TR></TBODY></TABLE>

-2-

admin
12-19-2010, 01:56 PM
تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى



{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } شكر نفسه للعباد لأنه علم عجزهم عن شكره وايضاً ادَّب الخلق بتقدّم حمده امتنانه عليهم على حمدهم نفسه ولسان الحمد ثلاث لسان الانسانىّ ولسَانُ الرّوحانىّ ولسان الرَّباني اما اللسان الانسانى فهو للعوام وشكره بالتحدث بانعام الله واكرامه مع تصديق القلب باداء الشكر واما اللسان الرَّوحاني فهو للخواص وهو ذكر القلب لطائف اصطناع الحق في تربية الاحوال وتزكية الافعال واما اللسان الربَّاني فهو للعارفين وهو حركة السرّ يصدق شكر الحق جل جلاله بعد ادراك لطائف المعارف وغرائب الكواشف بنعت المشاهدة والغيبة فى قربة واجتناء ثمرة الانس وخوض الرّوح فى بحر القدس وذوق الاسرار مع مباينة الانوار والحامدون في حمدهم لله بالتفاوت لسانهم فى مقاماتهم ومقاصدهم واهل الارادة حَمِدوه بما نالوا من صفاء المعاملاتِ مقروناً بنور القرب واهل المحبّة حمدوه بما نالوا من انوار المكاشفات مقرونةً بنور صرف الصفات واهل المعرفة حمدوه بما نالوا من جمال المشاهدات ممزوجا بعلم الربوبيّة واهل التوحيد حمدوه بما نالوا من سناء خصائص الصفات وجلال فهم الذات مشوباً بنعت البقاء واهل شهود الازل بنعت الانس حَمدُوه بما لاح فى قلوبهم من نور القدس وقدس القدس وبما اَودَع اللهُ ارواحَهم من اسرار علوم القدم وما افرد مواطن اسرارهم من غصن الابصار فى تعرض الحدثان عند حقائقها وما خصّها بكشف الكشاف فحمدهم بالبسط والرجاء والانبساط شطح وَحمُده فى الاصطلام والمحوخرس كما قال عليه السلام " لا احصى ثناءً عليك " فى قبضه عن تحصيل شكر رؤية القدم فلسان التحميد لأهل التفرقة ولسانُ الحمد في رؤية المحمود صفات اهل الجمع وقيل الحمد لله ما قضى وقدر بإدراكٍ على ما هدى وحفظ وعلى ما ارشدوا وعلى ما اختاروا وقال ابو الوزير الركبى في قوله الحمد لله عن الله قال لو عرّفت ذلك عبدى لما شكرت غيرى وقال ابو بكر بن ابى طاهر ما خلق الله شيئاً من خلقه الا وألهمَهُ الحمد ثم جعل فاتحة كتابه وفرض عليهم في صلاته وقال ابن عطاء الحمد لله معناه الشكر لله اذا كان منه الامتنان على تعليمنا ايّاه حتى حمدنا وقيل معنى الحمد لله أي بمعنى انت المحمود جميع صفاتك وافعالك وقيل الحمد لله أي لا حامداً لله الا الله وذكر عن جعفر الصادق في قوله الحمد لله قال من حمده فقال من حمد بصفاته كما وصف نفسه فقد حمده لان الحمد حاء وميم وقال فالحاء من الوحدانية والميم من الملك والدال من الديموميّة فمن عرفه بالوحدانية والديموميّة والملك فقد عرفه وقال رجل بين يدي الجنيد الحمد لله فقال له اتممها كما قال الله قل رب العالمين فقال له الرجل ومَن العالمُوْنَ حتى يذكر مع الحق فقال قله يا اخى فان الحادث اذا قارن بالقديم لا يبقى له اثر قوله تعالى { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } لانه اظهر نفسه عليهم حتى نالوا من بركاتهم ما هداهم الى معرفته فرباهم بها على قدر مذاقهم فربّى المريدين بشعشعة انوارهم ولوائح اسراره وربّى المحبّين بحلاوة مناجاته ولذّةِ خطابه وربّى المشتاقين بحسن وصاله وربّى العاشقين بكشف جماله وربّى العارفين بمشاهدة بقائة ودوام انسه وحقائق انبساطه وربّى الموحّدين برؤية الوحدانيّة والانانيّة في عين الجمع وجمع الجمع وقيل { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي منطقهم بحمده وذُكِر عن ابن عطاءٍ { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي مربي انفس العارفين بنور التوفيق وقولب المؤمنين بالصبر والاخلاص وقلوب المريدين بالصدق والوفاء وقلوب العارفين بالفكرة والعبرة وقال محمد بن على الترمذي عَلِمَ الله تواتر نعمه على عباده غفلتهم عن القيام بشكره فَاَوْجَبَ عليهم في العبادة التي تكرّر عليهم في اليوم والليلة قَراءة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فيكون ذلك قياماً بشكره وان يغفلوا عنه فَابوا ذلك وقال بعضهم ذكَرَ بسم الله ثم قال الحمد لله اعلم اَنَّ منه المبتدأ واليه المنتهى وقال الحارث المحاسِبىّ انّ الله بدأ بحمد نفسه فأوجب للمؤمنين تقديم الحمد له في اول كل كتاب وكل خطبة وكل قولٍ حسن وهو احسنُ ما ابتدأ به المبتدئ وافتتح مقالته وقال بعضهم من قال الحمد لله رب العالمين فقد قام بحق العبودية وشكر النعمة وقال بعضهم ظهر فضل آدم على الكل بقوله حين عطس الحمد لله وقال الاستاذ مربّى الاشباح بوجود النّعمِ ومربى الارواح بشهود الكرم. <LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-19-2010, 01:58 PM
تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03794) } * { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03795) } * { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03796) }


{ الحمد لله ربّ العالمين } إلى آخر السورة، الحمد بالفعل ولسان الحال هو ظهور الكمالات وحصول الغايات من الأشياء إذ هي أثنية فاتحة ومدح رائعة لموليها بما يستحقه. فالموجودات كلها بخصوصياتها وخواصها، وتوجهها إلى غاياتها، وإخراج كمالاتها من حيز القوّة إلى الفعل، مسبحة، حامدة، كما قال تعالى:

{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05864) [الإسراء17، الآية: 44]،

فتسبيحها إياه تنزيهه عن الشريك وصفات النقص والعجز باستنادها إليه وحده، ودلالتها على وحدانيته وقدرته، وتحميدها إظهار كمالاتها المترتبة، ومظهريتها لتلك الصفات الجلالية والجمالية.

وخصّ بذاته بحسب مبدئيته للكل، وحافظيته ومدبريته له التي هي معنى الربوبية للعالمين، أي لكلّ ما هو علم لله يعلم به كالخاتم لما يختم به، والقالب لما يقلب فيه، وجمع جمع السلامة لاشتماله على معنى العلم أو للتغليب، وبإزاء إفاضة الخير العامّ والخاص، اي النعمة الظاهرة كالصحة والرزق. والباطنة كالمعرفة والعلم. وباعتبار منتهائيته التي هي معنى مالكية الأشياء في يوم الدين إذ لا يجزي في الحقيقة إلا المعبود الذي ينتهي إليه الملك وقت الجزاء بإثابة النعمة الباقية عن الفانية عند التجرّد عنها بالزهد وتجليات الأفعال عند انسلاخ العبد عن أفعاله، وتعويض صفاته عند المحو عن صفاته وإبقائه بذاته، وهبته له الوجود الحقاني عند فنائه فله تعالى مطلق الحمد وماهيته أزلاً وأبداً على حسب استحقاقه إياه بذاته باعتبار البداية والنهاية وما بينهما في مقام الجمع على ألسنة التفاصيل، فهو الحامد والمحمود تفصيلاً وجمعاً، والعابد والمعبود مبدأ ومنتهى.

ولما تجلى في كلامه لعباده بصفاته شاهدوه بعظمته وبهائه، وكمال قدرته وجلاله، فخاطبوه قولاً وفعلاً بتخصيص العبادة به، وطلب المعونة منه، إذ ما رأوا معبوداً غيره، ولا حول ولا قوّة لأحد إلاّ به. فلو حضروا لكانت حركاتهم وسكناتهم كلها عبادة له وبه، فكانوا على صلاتهم دائمين داعين بلسان المحبة لمشاهدتهم جماله من كل وجه على كل وجه.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-19-2010, 02:05 PM
تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق 1-4

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


{ الحمد لله } لامه للعهد اى الحمد الكامل وهو حمد الله لله أو حمد الرسل او كمل اهل الولاء او للعموم والاستغراق اى جميع المحامد والاثنية للمحمود اصلا والممدوح عدلا والمعبود حقا عينية كانت تلك المحامد او عرضية من الملك او من البشر او من غيرهما كما قال تعالى

{ وَإِن مِن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05864) [الإسراء17: 44].

والحمد عنه الصوفية اظهار كمال المحمود وكماله تعالى صفاته وافعاله وآثاره.

قال الشيخ داود القيصرى الحمد قولى وفعلى وحالى اما القولى فحمد اللسان وثناؤه عليه بما اثنى به الحق على نفسه على لسان انبيائه عليهم السلام واما الفعلى فهو الاتيان بالاعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء لوجه الله تعالى وتوجها الى جنابه الكريم لان الحمد كما يجب على الانسان باللسان كذلك يجب عليه بحسب كل عضو بل على كل عضو كالشكر وعند كل حال من الاحوال كما قال النبى عليه السلام " الحمد لله على كل حال "

وذلك لا يمكن الا باستعمال كل عضو فيما خلق لاجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لامره لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاتها واما الحالى فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالاخلاق الآلهية لان الناس مأمورون بالتخلق باخلاق الله تعالى بلسان الانبياء عليهم السلام لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم وفى الحقيقة هذا حمد الحق ايضا نفسه فى مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له واما حمده ذاته فى مقامه الجمعى الالهى قولا فهو ما نطق به فى كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية وفعلا فهو اظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه الى شهادته ومن باطنه الى ظاهره ومن علمه الى عينه فى مجالى صفاته ومحال ولاية اسمائه وحال فهو تجلياته فى ذاته بالفيض القدس الاولى وظهور النور الازلى فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا كما قيل

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>لقد كنت دهرا قبل ان يكشف الغطا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>اخالك انى ذاكر لك شاكر</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلما اضاء الليل اصبحت شاهدا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بانك مذكور وذكر وذاكر</TD></TR></TBODY></TABLE>

وكل حامد بالحمد القولى يعرف محموده باسناد صفات الكمال اليه فهو يستلزم التعريف انتهى كلامه والحمد شامل للثناء والشكر والمدح ولذلك صدر كتابه بان حمد نفسه بالثناء فى لله والشكر فى رب العالمين والمدح فى الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم ليس للعبد ان يحمده بهذه الوجوه الثلاثة حقيقة بل تقليدا ومجازا اما الاول فلان الثناء والمدح بوجه يليق بذاته او بصفاته فرع معرفة كنههما وقد قال الله تعالى

{ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06249) [طه20: 110].
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04671) [الأنعام6: 91].

واما الثانى فكما ان النبي عليه السلام لما خوطب ليلة المعراج بان أثن على قال

-1-

" لا احصى ثناء عليك "

وعلم ان لا بد من امتثال الامر واظهار العبودية فقال " انت كما اثنيت على نفسك

. " فهو ثناء بالتقليد وقد امرنا ايضا ان نحمد بالتقليد بقوله

{ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07009) [النمل27: 59].

كما قال

{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09006) [التغابن64: 16].

كذا فى التأويلات النجمية: قال السعدى قدس سره

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>عطا ييست هر موى ازو برتنم</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>جه كونه بهر موى شكرى كنم</TD></TR></TBODY></TABLE>

وذكر الشيخ الامام حجة الاسلام الغزالى رحمه الله فى منهاج العابدين ان الحمد والشكر آخر العقبات السبع التى لا بد للسالك من عبورها ليظفر بمبتغاه فاول ما يتحرك العبد لسلوك طريق العبادة يكون بخطرة سماوية وتوفيق خاص الهى وهو الذى اشار اليه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم بقوله " ان النور اذا دخل قلب العبد انفتح وانشرح فقيل يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها فقال التجافى عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ".

فاذا خطر بقلب العبد اول كل شئ ان له منعما بضروب من النعم وقال انه يطالبنى بشكره وخدمته فلعله ان غفلت يزيل نعمته ويذيقنى نقمته وقد بعث الى رسولا بالمعجزات واخبرنى بان لى ربا عالما قادرا على ان يثيب بطاعته ويعاقب بمعصيته وقد امر ونهى فيخاف على نفسه عنده فلم يجد فى طريق الخلاص من هذا النزاع سبيلا سوى الاستدلال بالصنعة على الصانع فيحصل له اليقين بوجود ربه الموصوف بما ذكر فهذه عقبة العلم والمعرفة استقبله فى اول الطريق ليكون فى قطعها على بصيرة بالتعلم والسؤال من علماء الآخرة فاذا حصل له اليقين بوجود ربه بعثته المعرفة على التشمر للخدمة ولكنه لا يدرى كيف يعبده فيتعلم ما يلزمه من الفرائض الشرعية ظاهرا وباطنا فلما استكمل العلم والمعرفة بالفرائض انبعث للعبادة فنظر فاذا هو صاحب ذنوب كما هو حال اكثر الناس فيقول كيف اقبل على الطاعة وانا مصر متلطخ بالمعاصى فيجب ان اتوب اليه ليخلصنى من اسرها واتطهر من اقذارها فاصلح للخدمة فيستقبله ههنا عقبة التوبة فلما حصلت له اقامة التوبة الصادقة بحقوقها وشرائطها نظر للسلوك فاذا حوله عوائق من العبادة محدقة به فتأمل فاذا هى اربع الدنيا والخلق والشيطان والنفس فاستقبلته عقبة العوائق فيحتاج الى قطعها باربعة امور التجرد عن الدنيا والتفرد عن الخلق والمحاربة مع الشيطان والنفس وهى اشدها اذ لا يمكنه التجرد عنها ولا ان يقهرها بمرة كالشيطان اذهى المطية والآلة ولا مطمع ايضا فى موافقتها على الاقبال على العبادة اذهى مجبولة على ضد الخير كالهوى واتباعها له

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>نمى تازد اين نفس سركش جنان</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>كه عقلش تواندكرفتن عنان</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كه بانفس وشيطان برآيد بزور</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>مصاف بلنكان نيايد زمور</TD></TR></TBODY></TABLE>

-2-

فاحتاج الى ان يلجمها بلجام التقوى لتنقاد فيستعملها فى المراشد ويمنعها عن المفاسد فلما فرع من قطعها وجد عوارض تعترضه وتشغله عن الاقبال على العبادة فنظر فاذا هى اربعة رزق تطلبه النفس ولا بد واخطار من كل شئ يخافه او يرجوه او يريده او يكرهه ولا يدرى اصلاحه فى ذلك ام فساده والثالث الشدائد والمصائب تنصب عليه من كل جانب لا سيما وقد انتصب لمخالفة الخلق ومحاربة الشيطان ومضارة النفس والرابع انواع القضاء فاستقبله ههنا عقبة العوارض الأربعة فاحتاج الى قطعها باربعة بالتوكل على الله فى الرزق والتفويض اليه فى موضع الخطر والصبر عند الشدائد والرضى بالقضاء فاذا قطعها نظر فاذا النفس فاترة كسلى لا تنشط ولا تنبعث لخير كما يحق وينبغى وانما ميلها الى غفلة ودعة وبطالة بل الى سرف وفضول فاحتاج الى سائق يسوقها الى الطاعة وزاجراً بزجرها عند المعصية وهما الرجاء والخوف فالرجاء في حسن ما وعد من الكرامات والخوف من صعوبة ما وعد من العقوبات والاهانات فهذه عقبة البواعث استقبلته فاحتاج الى قطعها بهذين المذكورين فلما فرغ منها لم ير عائقا ولا شاغلا ووجد باعثا وداعيا معانق العبادة بلزام الشوق فنظر فاذا تبدو بعد كل ذلك آفتان عظيمتان هما الرياء والعجب فتارة يرائى بطاعته الناس وتارة يستعظم ذلك ويكرم نفسه فاستقبلته ههنا عقبة القوادح فاحتاج الى قطعها بالاخلاص وذكر المنة فاذا قطعها بحسن عصمة الجبار وتأييده حصلت العبادة له كما يحق وينبغى ولكنه نظر فاذا هو غريق فى بحور نعم الله من امداد التوفيق والعصمة فخاف ان يكون منه إغفال للشكر فيقع فى الكفران وينحط عن تلك المرتبة الرفيعة التى هى مرتبة اغذية الخالصين فاستقبلته ههنا عقبة الحمد والشكر فقطعها بتكثيرهما فلما فرغ منها فاذا هو بمقصوده ومبتغاه فيتنعم فى طيب هذه الحالة بقية عمره بشخص فى الدنيا وقلب فى العقبى ينتظر البريد يوما ويستقذر الدنيا فاستكمل الشوق الى الملأ الاعلى فاذا هو برسول رب العالمين يبشره بالرضوان من عند رب غير غضبان فينقلونه فى طيبة النفس وتمام البشر والانس من هذه الدنيا الفانية الى الحضرة الالهية ومستقر رياض الجنة فيرى لنفسه الفقيرة نعيماً وملكا عظيما: قال الشيخ سعدى قدس سره

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>عروسى يود نوبت ما تمت</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>كرت نيك روزى بودخاتمت</TD></TR></TBODY></TABLE>

قال خسرو عند وفاته

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>زدنيا ميرود خسر وبزيرلب همى كويد</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>دلم بكرفت ازغربت تمناى وطن دارم</TD></TR></TBODY></TABLE>

{ رب العالمين } لما نبه على استحقاقه الذاتى بجميع المحامد بمقابلة الحمد باسم الذات اردفه باسماء الصفات جمعا بين الاستحاققين وهو أى رب العالمين كالبرهان على استحقاقه جميع المحامد الذاتى والصفاتي والدنيوى والأخروي. والرب بمعنى التربية والاصلاح اما في حق العالمين فيربيهم باغذيتهم وسائر اسباب بقاء وجودهم وفى حق الانسان فيربى الظواهر بالنعمة وهى النفس ويربى البواطن بالرحمة وهى القلوب ويربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ويربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ويربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة ويربى الانسان تارة باطواره وفيض قوى انواره فى اعضائه فسبحان من اسمع بعظم وبصر بشحم وانطق بلحم واخرى بترتيب غذائه فى النبات بحبوبه وثماره وفى الحيوان بلحومه وشحومه وفى الاراضى باشجاره وانهاره وفى الافلاك بكواكبه وانواره وفى الزمان بسكونك وتسكين الحشرات والحركات المؤذية فى الليالى وحفظك وتمكينك من ابتغاء فضله بالنهار فيا هذا يربيك كانه ليس له عبد سواك وانت لا تخدمه او تخدمه كأن لك ربا غيره.

-3-

والعالمين جمع عالم والالم جمع لا واحد له من لفظه. قال وهب لله ثمانية عشر الف عالم الدنيا عالم منها وما العمران في الخراب الا كفسطاط فى صحراء. وقال الضحاك ثلاثمائة وستون ثلاثمائة منهم حفاة عراه لا يعرفون خالقهم وهم حشو جهنم وستون عالما يلبسون الثياب مر بهم ذو القرنين وكلمهم وقال كعب الاحبار لا يحصى لقوله تعالى

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09317) [المدثر74: 31].

وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان الله تعالى خلق الخلق اربعة اصناف الملائكة والشياطين والجن والانس ثم جعل هؤلاء عشرة اجزاء تسعة منهم الملائكة وواحد الثلاثة الباقي ثم جعل هذه الثلاثة عشرة اجزاء تسعة منهم الشياطين وجزء واحد الجن والانس ثم جعلهما عشرة اجزاء فتسعة منهم الجن وواحد الانس ثم جعل الانس مائة وخمسة وعشرين جزأ فجعل مائة جزء فى بلاد الهند منهم ساطوح وهم اناس رؤسهم مثل رؤس الكلاب ومالوخ وهم اناس اعينهم على صدورهم وماسوخ وهم اناس آذانهم كآذان الفيلة ومالوف وهم اناس لا يطاوعهم ارجلهم يسمون دوال ياى ومصير كلهم الى النار وجعل اثنى عشر جزأ منهم فى بلاد الروم النسطورية والملكانية والاسرائيلية كل من الثلاث اربع طوائف ومصيرهم الى النار جميعا وجعل ستة اجزاء منهم فى المشرق يأجوج ومأجوج وترك وخاقان وترك حد خلخ وترك خزر وترك جرجير وجعل ستة اجزاء فى المغرب الزنج والزط والحبشة والنوبة وبربر وسائر كفار العرب ومصيرهم الى النار وبقى من الانس من اهل التوحيد جزء واحد فجز أهم ثلاثا وسبعين فرقة اثنتان وسبعون على خطر وهم أهل البدع والضِلالات وفرقة ناجية وهم اهل اسنة والجماعة وحسابهم على الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وفى الحديث " ان بنى اسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين فرقة وتفرق امتى على ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى النار الا فرقة واحدة " قالوا من هى يا رسول الله قال " من هم على ما انا عليه واصحابى "

يعنى ما انا عليه واصحابى من الاعتقاد والفعل والقول فهو حق وطريق موصل الى الجنة والفوز والفلاح وما عداه باطل وطريق الى النار ان كانوا اباحيين فهم خلود والا فلا.

-4-

admin
12-19-2010, 02:10 PM
تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ (javascript:Open_Menu()) }


آية. مخفوضان لانهما نعت لله وقد مضى معناهما.

admin
12-19-2010, 02:13 PM
تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ (javascript:Open_Menu()) }


{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } قرأ القرّاء بضمّ الدّال وكسر الّلام وقرء فى الشواذّ بفتح الدّال وكسر الّلام وقرء ايضاً بكسر الدّال والّلام لاتباع الدّال لّلام ولام الحمد لتعريف الجنس او الاستغراق وعلى اىّ تقدير فالكلام للحصر وهو على تقدير الاستغراق واضح وعلى تقدير الجنسيّة فالحصر يستفاد من لام لله لانّه للاختصاص والحمد امّا بمعنى ما يحمد عليه وصحّ الحصر حينئذٍ مع ما يترائى من صفات الكمال لغيره تعالى لانّ ما للغير من صفات الكمال انّما هى له تعالى حقيقة واتّصاف الغير بها باعتبار مظهريّته لها لا باعتبار انّها من نفسه او بمعناه المصدرىّ وفاعله الله واصله حمدا لله حمداً ثمّ حذف الفعل ونقل المصدر الى الرّفع وادخل عليه لامّ التعريف وجعل الله خبره بتوسط الّلام للدلالة على الثّبات والاستغراق والحصر وحصر الحمد بهذا المعنى فى الله مع تعدّد الحامدين وكثرتهم لما سيأتى فى سورة البقرة عند قوله

{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04051) [البقرة2: 253]

من انّه تعالى فاعل كلّ فعل ظاهر من كلّ فاعل وانّه لا فاعل فى الوجود الاّ الله ولا حول ولا قوّة الاّ بالله ولانّ كلّ مادح اذا كان مدحه حمداً يعنى ثناء على جميل واقعىّ اختيارىّ لا يكون مادحاً الاّ اذا صار عقلانيّاً ناظراً بنظر العقل ومتكلّماً بلسان العقل لا بنظر الجهل ونظر نفسه ولا بلسان الجهل ولسانه، ونظر العقل ولسانه نظر الله ولسانه فحمده يكون حينئذٍ حمدا لله لا حمد غير الله، او بمعناه المصدرىّ والله مفعوله والاصل حمدت الله حمداً فحذف الفعل واقيم المصدر مقامه وادخل عليه الّلام وعدل به الى الرّفع وجعل مفعوله بتوسط الّلام خبراً له هذا باعتبار الحدوث والصدور للمعنى المصدرىّ ويجوز ان يعتبر المصدر مبنيّاً للفاعل او المفعول بمعنى اعتبار ثبوت الحدث للفاعل او المفعول واتّصافه به من غير اعتبار الحدوث والصدور فيه، ويكون المعنى الحامديّة لله او المحموديّة لله.

اعلم انّ ما يحمد عليه من صفاته الجماليّة عين ما يسبّح تعالى به من صفاته الجلاليّة لانّ اصل جميع صفاته الثّبوتيّة الجماليّة الّتى يحمد تعالى عليها هو سعة وجوده واحاطته لكلّ وجود وعدم وكلّ موجود ومعدوم لانّ العدم ثابت له نفسه الّتى هى عدم النفسيّة بالوجود والمعدوم محكوم عليه بالعدم بسبب الوجود وسعة وجوده ليست الاّ سعة جملة صفاته واصل جميع صفاته السلبيّة الجلاليّة الّتى يسبّح تعالى بها هو سلب الحدود عنه تعالى وسلب الحدود راجع الى سلب السّلوب ومصداق سلب السّلوب ليس الاّ الوجود وهذا بخلاف الممكنات المحدودات فانّ السّلوب الرّاجعة اليها هى سلوب الوجودات الّتى هى منتزعة من حدود وجوداتها لا من نفس وجوداتها فسبحان من لا يحمد الاّ على ما يسبّح به ولا يسبّح الاّ بما يحمد عليه ولذلك كان قلمّا ينفكّ ذكر التّسبيح عن صريح الحمد او معناه فى الكتاب والسنّة والمراد انشاء الحمد بهذه الكلمة او الاخبار بمحموديّته تعالى ولمّا كان الله اسماً للذّات باعتبار ظهوره والذّات متّحدة مع جميع الصّفات الحقيقيّة وظهور الذّات ظهور لتلك الصّفات كان الكلام فى قوّة ان يقال: الحمد للذّات الجامعة لجميع صفات الكمال لجمعها جميع صفات الكمال.

-1-

{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قرء بكسر الباء وفتحها من ربّه بمعنى ملكه او جمعه او ربّاه او اصلحه او صاحبه او لزمه والكلّ مناسب، والربّ صفة مشبّهة او اسم فاعل مخفّف رابّ او مصدر اقيم مقام اسم الفاعل، والعالم من العلم او من العلامة مثل الخاتم بمعنى ما يعلم به ويطلق على ما سوى الله جملة وعلى كلّ مرتبة من مراتب ما سوى الله، وعلى كلّ نوع من انواع الموجودات، وعلى كلّ فرد من افراد الانسان كأنّه اعتبر فى اطلاقه اجتماع امور مع نحو اتّحاد بينها وجمعه بالواو والنّون على خلاف القياس وربوبيّته تعالى ليست كربوبيّة المّلاك للاملاك ولا كربوبيّة الاباء للاولاد، ولا كربوبيّة النّفس للاعضاء، بل كربوبيّة النّفس للقوى من حيث انّها تكون محصّلة للقوى ومقوّمة لها وحافظة ومبلّغة لها الى كمالاتها الاوّليّة والثّانويّة فانّ الله تعالى مفيض الوجود على العالمين وحافظ ومقوّم لها ومبلّغ لها الى كمالاتها الاوّليّة والثّانويّة ولذلك عقّبها بقوله { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }.

-2-

admin
12-19-2010, 02:14 PM
تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) مصنف و مدقق

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


الكلام: في التفسير للحمد: { الحمد } والمدح اخوان وهو الثناء الحسن على الجميل من نعمه وغيرها، تقول: حمدت الرجل على انعامه، وحمدته على حسبَه وشجاعَته، وأما الشكر فهو على النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح، قال:


<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>افادتكم النعماء مني ثلاثة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يدي ولساني والضمير المحجبا</TD></TR></TBODY></TABLE>

{ رب } الرب السيد المَالك، وقيل: سيّد الخلق ومالكهم، وقيل: منشئهم ومربيهم. { العالمين } هم الجن والانس والملائكة. وروي عن زَيد بن علي (عليه السلام) أنه قال: " لله تعالى أربعة عشر ألف عالم: الجن والإنس منها عالم واحد " وعن وهب: " لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم: الدنيا منها عالم واحد " وقيل: كل ذي روح لأن لفظ الرب يدل عليه، وقيل: الخلق جميعهم، وقيل: أهل كل زمان.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-19-2010, 02:16 PM
تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ (javascript:Open_Menu()) }


{ الحَمْدُ لِلَّهِ } إخبار بأن الله مالك لجميع الحمد من الخلق، أو مستحق لأن يحمدوه، ومن ذكر الجملة وأراد بها الثناء على الفعل الجميل الاختيار تعظيماً كان محصلا للحمد، ولو لم يقصد الإِنشاء، ولا يجوز قصد الإِنشاء على أن الآية نزلت إخبارا إلا لمن أراد غير الآية، وإلا أن يقال، المعنى قولوا هذه السورة، فحينئذ يجوز لقارئها التصرف في الحمد بالإخبار والإنشاء، لكن الإنشاء بالجملة الاسمية قليل. ومختلف فيه، ولا يحمد الله على صفاته، بل على أفعاله، وقيل بالجواز على إسقاط لفظ الاختيارى من الحد، أو على أن المراد به نفى الضرورة، وصفاته ليست ضرورية، كما أنها ليست اختيارية، لا إله إلا الله، سبحان الله، ولفظ الجلالة لا يدل على فعل ولا صفة، بل على الذات، فهو جامد، وقيل: أصله الاشتقاق من لفظ يدل على معنى العبادة، أو العلو، أو الطرب. أو التحيّر، أو الاحتجاب، أو نحو ذلك، بمعنى خلقه احتجبوا عن رؤيته، بأن حجبهم عنها ومنعهم، وليس هو بمحتجب، وفزعوا إليه واضطربوا وتحيروا، { رَبِّ } سيد { الْعَٰلَمِينَ } أو مالكهم، الناس عاَلم، والملائكة عالم، والجن عالم، والفرس عالم، والجبال عالم، والنبات عالم، والفعل عالم، والاعتقاد عالم، وهكذا كل صنف عالم، الجميع عالمون، جمع تغليبا للعاقل جع قلة. إيذانا بقلتهم بالنسبة إلى قدرته تعالى على خلقه، أصنافا غير الموجودة، وسميت لأن فيها علامة الحدوث. كالتركيب والحلول، وعلامة وجود الله.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-19-2010, 02:26 PM
تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-7

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


الحمد والمدح ينتظمهما الاشتقاق الكبير، وهو اتحاد الحروف مع اختلاف ترتيبها ، فالحاء والميم والدّال الموجودة في الحمد هى نفسها حروف " المدح " ولكن بترتيب آخر، والزمخشري يقول بتآخيهما، واختلف الذين عُنوا بشرح كلامه، هل قصده بالتآخي: اتحاد معناهما أو اتحاد حروفهما مع ما ينتظم الكلمات المتنوعة التي تلتقي بالاشتقاق من معنى لطيف قد يظهر مع التأمل الخاطف، وقد يخفي إلا مع التأمل الطويل؟ فالحمد والمدح كالجذب والجبذ في اتحاد الحروف، ووجود معنى يجمع بينهما، والذين فرقوا بين الحمد والمدح راعوا أن الحمد يكون على الأمور التي للمحمود اختيار فيها، بخلاف المدح، فقد يكون في الأمور الطبيعية كمدح الوجه بالحسن، والقامة بالاعتدال، والدرة بالصفاء، ولا يسمى شيء من ذلك حمدا، وعرّفوا الحمد أنه الثناء باللسان على الجميل وقيده بعضهم بكونه اختياريا، ومنهم من زاد على ذلك سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل على أن بعض العلماء يرى أن المدح أيضا لا يكون إلا في الأمور الاختيارية، وإن ورد على غيرها عُدّ من باب المجاز، وتقييد الثناء بكونه على الجميل يخرج الذم فإن الثناء قد يصدق عليه في نحو قولهم (أثنى عليه شرّا) وتقييد الجميل بكونه اختياريا يخرج المحاسن الاضطرارية كالتي أشرنا إليها وهي التي تُمدح - على رأي بعض - ولا تُحمد، وقول بعضهم سواء تعلق بالفضائل أو بالفواضل يقتضي دخول الصفات التي تكون ذات أثر في الغير فيما يُحمد عليه فإن الفضائل جمع فضيلة وهي صفة تقوم بنفس الموصوف لا تتعداه إلى غيره، والفواضل جمع فاضلة وهي ما ينتقل أثره إلى الغير، فسجية الكرم فضيلة، والكرم طبيعة قائمة بنفس الكريم لا تنتقل عنه وإنما ينتقل عنه أثرها وهو الإِحسان إلى الغير ويُعَبر عنه بالفاضلة، والشجاعة طبيعة في نفس الشجاع لا تتعداه إلى غيره وإنما يتعدى أثرها عندما تبعث صاحبها على نصرة المظلومين وإغاثة الملهوفين، ويُعبر عن هذا الأثر بالفاضلة كذلك، واستشكل هذا التعريف بأنه يمنع دخول صفات الله فيما يحمد عليه وهي من أجل المحامد، وسبب المنع هو قيد الاختياري، وأجاب القطب رحمه الله في (التيسير) بأن هذا القيد يراد به إخراج المحاسن الاضطرارية، فلا يمنع من دخول صفات الله تعالى لأنها وإن لم يجز لنا أن نصفها بأنها اختيارية لما يُفهمه هذا الوصف من إمكان تخلي الله تعالى عنها فإنه لا يجوز لنا أيضا أن نقول عنها إنها اضطرارية لما يقتضي ذلك من كون الله سبحانه مضطرا إليها - تعالى الله عن ذلك - ورأي القطب في (الهيميان) أن يستبدل قيد الاختياري بغير الاضطراري لئلا يكون مانعا من دخول صفات الله، ويرى السيد الجرجاني في حاشيته على الكشاف أن كون الصفات مبدأ للاختيارات يزيح المانع من دخولها وتابعه المفسر الشهير أبو السعود حيث قال عن الجميل اختياريا كان أو مبدأ له، وحاصل ذلك أنه لما كانت صفات الله تعالى الذاتية كالحياة والعلم والقدرة والمشيئة سببا لحصول أفعاله الاختيارية كالخلق والإِنعام جاز حمده عليها بل وجب ذلك.

-1-

واختلف في الحمد والشكر هل هما متحدان؟ أم مختلفان؟ فذهب ابن جرير الطبري وأبو العباس المبرد إلى أنهما بمعنى واحد ونسبه ابن جرير إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وحكاه أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب " الحقائق " عن جعفر الصادق وابن عطاء قال القرطبي: وليس بمرضي، واستدل له ابن جرير بصحة قولك: الحمد لله شكرا، وتعقبه ابن عطيه بأنه دليل على خلاف ما ذهب إليه لأن قولك شكراً إنما خصصت به الحمد لأنه على نعمة من النعم، وأنكر ابن كثير على سلفه ابن جرير جعل الحمد والشكر بمعنى مستندا في هذا الإِنكار على التفرقة التي أوردها المتأخرون بينهما، وتعقبه الشوكاني في (فتح القدير) بأن كلام المتأخرين ليس بحجة على استعمال الكلمات العربية ولا سيما أن ابن جرير قد عضد رأيه بما رواه عن بعض السلف كما عضده بجواز مجيء الشكر مصدرًا للحمد، وفي السنه ما يدل على أن الحمد قد يسد مسد الشكر، فقد أخرج ابن جرير عن الحكم بن عمير - وكانت له صحبة - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا قلت الحمد لله رب العالمين، فقد شكرت الله فزادك " وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " والحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " والخطابي في " الغريب " والبيهقي في " الأدب " والديلمي في " مسند الفردوس " عن عبد الله بن عمرو ابن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده " وفيه انقطاع إلى أن الألوسي ذكر أنّ له شاهدا يتقوى به، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الحلبى قال: الصلاة شكر والصيام وكل خير تفعله شكر وأفضل الشكر الحمد، وأخرج الطبراني في " الأوسط " بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لئن ردها الله عليَّ لأشكرن ربي " فرجعت فلما رآها قال: " الحمد لله " فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة فظنوا أنه نسى، فقالوا يا رسول الله قد كنت قلت: " لئن ردها الله عليّ لأشكرن ربي " قال: " ألم أقل الحمد لله " وإنما كان الحمد رأس الشكر وأفضله لأنه إعلان باللسان عن إنعام المنعم، واللسان أقوى دلالة من غيره، وفيما أوردناه ما يؤكد ما قاله ابن عطية من أن الشكر أعم من الحمد فهو يشمل القول والعمل ويدل لذلك قول الله تعالى:

-2-

{ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07410) [سبأ34: 13] وقوله سبحانه:
{ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07274) [لقمان31: 14]

إذ ليس المطلوب من شكر الله، وشكر الوالدين مجرد الاعتراف بالإِحسان وإنما المطلوب القيام بحقوق عبادة الله كما أمر، ومعاملة الوالدين بالإِحسان وهو واضح في قوله سبحانه:

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05843) [الإسراء17: 23]

وعرف بعض العلماء الشكر لغة بأنه فعل ينبيء عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الشاكر سواء كان قولا باللسان أم اعتقادا ومحبة بالجنان، أم عملا وخدمة بالأركان، واستُدُل بذلك بقول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أفادتكم النعماء مني ثلاثة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يدي ولساني والضمير المحجبا</TD></TR></TBODY></TABLE>

فإن مراده من هذا أن النعماء سخرت لهم يده يخدمهم بها، ولسانه يثني عليهم به، والضمير المحجب يواليهم به، وإذا القينا نظرة على هذا التعريف وجدنا بين الحمد والشكر عموما وجيها، فكل واحد منهما أخص من وجه وأعم من آخر، أما الحمد فهو أخص موردا وأعم متعلقا لأن مورده اللسان وحده ومتعلقه النعمة وغيرها، وأما الشكر فهو بعكس ذلك لأن مورده اللسان والقلب والجوارح ومتعلقه النعمة وحدها، وهذا كما ذكرنا أن الحمد يكون على الفضائل كالشجاعة والكرم وغيرهما، وبعض العلماء جعل تعريف الشكر المذكور نفسه تعريفا للحمد العرفي فيكون بين الحمدين اللغوي والعرفي كالذي بين الحمد والشكر اللغويين من العموم الوجهي، ولست أدري ما هي حجة هؤلاء في جعل الحمد العرفي أعم موردا من الحمد اللغوي بحيث يكون باللسان وغيره، وهؤلاء يرون أن الشكر العرفي هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خُلق لأجله، وهو سائغ نظرا إلى أن جميع آلاء الله تعالى تستدعي طاعته والقيام بحسن عبادته، ويؤكد ذلك قوله تعالى:

{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09385) [الإنسان76: 3]

وقوله على لسان سليمان عليه السلام:

{ لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06990) [النمل27: 40]

على أن بعض العلماء يرى أن الحمد لا يتصور أن يكون عملا لسانيا لا يشامله عمل القلب والجوارح لأن حمد المحمود باللسان وحده من غير استشعار معناه بالقلب ولا تصديق له بالجوارح يعد سخرية واستخفافا، وأُجيب بأن استشعار معني الحمد بالقلب وتصديقه بعمل الجوارح شرطان له وليسا من جوهره ومما يستغرب منه دعوى القرطبي: إن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان، وهو مردود بالأحاديث الصحيحة التي أوردها القرطبي نفسه في تفسيره منها ما رواه مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليرضي عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها "

-3-

وروى ابن ماجه عن أنس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ " ، وفي الكتاب العزيز ما يدل على أن الحمد يكون في مقابل الإِحسان فالله تعالى يقول تعليما لعباده كيف يحمدونه:\

{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا.. } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05932) [الكهف18: 1] ويقول
{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07452) [فاطر35: 1]

وحكى عن أهل الجنة قولهم وَقَالُواْ

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07485)ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07485) ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07486) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07486) [فاطر35: 34- 35]

ويستغرب من القرطبي قوله عقب هذا.

وعلى هذا الحد قال علماؤنا الحمد أعم من الشكر لأن الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر، والجزاء مخصوص إنما يكون مكافأة لمن أولاك معروفا فصار الحمد أعم في الآية لأنه يزيد على الشكر، فإن هذا الذي ذكره أخيرا يهدم ما بناه أولا حيث اشترط في الحمد أن يكون من غير سبق إحسان، اللهم إلا أن يكون مراده أن الحمد يأتي تارة في مقابل نعمة وتارة بدونها كما صرح به ابن عطية وكما يفيده تعريف الحمد الذي ذكرناه، وإذا كان هذا هو مراد القرطبي فهو معنى صحيح ولكن عبارته لم تف بمطلوبه.

و " ال " في الحمد قيل هي للاستغراق وعليه أبو حيان في (البحر) والقرطبي في تفسيره والألوسي " مع بعض تردد " والفخر الرازي في (مفاتيح الغيب) والشوكاني في (فتح القدير) وقطب الأئمة في (الهيميان) ونور الدين السالمي في (طلعة الشمس).

وقيل هي للجنس وعليه الزمخشري وكثير من الذين تأثروا برأيه، ووهّم الزمخشري أصحاب الرأي الأول، وحمل خصوم الزمخشري هذا التوهيم على أنه أراد به الانتصار لمذهبه الفاسد في خلق الأفعال فإنه إذا جعلت جميع صنوف المحامد محصورة في الله عز وجل كما يستلزمه القول بالاستغراق فات الزمخشري مطلوبه من جعل العباد الصالحين مستحقين لشيء من الحمد على خلقهم الأفعال الحسنة كما هي عقيدة المعتزلة في أن الإِنسان يستقل بخلق أفعاله استقلالا تاما، وللإِمام نور الدين السالمي رحمه الله في أول " طلعة الشمس " بحث نفيس في هذه المسألة أطال فيه مناقشة الزمخشري في رأيه، غير أن السيد الجرجاني انتصر للزمخشري في حاشيته على " الكشاف " بإيضاح لا يدع مجالاً للشك في أن الزمخشري لم يرد برأيه هذا نصرة مذهبه في خلق الأفعال، فإن اختصاص الجنس يستلزم اختصاص أفراده أيضا، إذ لو وُجِدَ فرد منه لغيره ثبت الجنس له في ضمنه وإنما اختار الزمخشري الجنس على الاستغراق لأنه يُسْتَفَاد من جوهر الكلام، ويستلزم اختصاص جميع الأفراد، فلا حاجة في تأدية المقصود من إثبات الحمد له تعالى وانتفائه عن غيره إلى أن يلاحظ بمعونة الأمور الخارجية، بل يكون على ما اختاره اختصاص الأفراد بطريق برهاني فيكون أقوى من إثباته ابتداء.

-4-

وإذا كان إفراد الحمد على كلا القولين مختصة بالله سبحانه فإن في ذلك ما يفيد أن جميع النعم لا تصدر إلا عنه

{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05745) [النحل16: 53]

وفي تذكير الإِنسان بذلك تحرير لرقبته من الذل لغير الله تعالى، ورفع للرؤوس حتى لا تتطأطأ لغير عزته وكبريائه، ورفع من معنوية الإِنسان فلا يتعلق قلبه بغير الله سبحانه.

وجملة " الحمد لله " قيل إنها خبرية يراد بها الإِخبار عن كون جميع المحامد لله سبحانه وقيل هي خبرية لفظا، إنشائية معنى، والظاهر أن معناها يحتمل الخبر والإِنشاء بحسب قصد المتكلم بها، وأما لفظها فخبري قطعا.

" الرب " مأخوذ من ربه يربه بمعنى نماه أو أصلحه أو مَلَكه، ويقال أيضا ربّبَه وربّته ورباه، ويُطلق الرب على الملك كقول النابغة: -

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>تخب إلى النعمان حتى تناله</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فذلك من ربٍّ تليدي وطارفي</TD></TR></TBODY></TABLE>

ومنه قول الآخر: -

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وكنت امرأ أفضت إليك ربابتي</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وقبلك ربتني فضعت ربوب</TD></TR></TBODY></TABLE>

ويطلق على المالك، واستشهد له بقصة صفوان بن أمية مع أبي سفيان صخر بن حرب عندما نمى إلى أهل مكة بعد فتحها أن المسلمين هُزموا في حربهم مع هوازن وكان أبو سفيان لا تزال الجاهلية مترسبة في نفسه، وكان صفوان لا يزال على شركه فسُرّ أبو سفيان بما سمع، وأخذت الحمية القرشية صفوان فغضب عليه وقال له " في فيك الكثكث لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن " يعني لأن يملكني رجل من قريش - يقصد به رسول الله صلى الله عليه وسلم - أحب إلى من أن يملكني رجل من هوازن، ويُطلق الرب على السيد والمصلح والمدبِّر، وهذه المعاني قريب بعضها من بعض، والله تعالى يربي عباده بالآلاء الظاهرة والباطنة التي يسبغها عليهم وهو مالك أمرهم ومدبره، وجابر كسرهم، ومصلح شأنهم.

" العالمين " جمع عالم وفي العالم خلاف! هل هو مأخوذ من العلم أو العلامة؟

فعلى الأول يطلق على ما من شأنه العلم، فيقال عالم البشر وعالم الملائكة وعالم الجن وعالم الشياطين، وعلى الثاني يطلق على كل ما كان علامة على وجود الله سبحانه فيشمل الكائنات كلها، فإن كل ذرة في الوجود هي حجة قاطعة على وجوده سبحانه، ودليل ساطع على صفاته اللائقة بجلاله، ومن ثمَّ يقول الإِمام ابن أبي نبهان رحمهما الله: " إن كل ذرة في الوجود هي كلمة من كلمات الله سبحانه، دالة على معرفته، ناطقة بتوحيده، وما عداها فهو كالشرح لتلك الكلمة " ونظرا إلى الاختلاف في اشتقاقه كلمة " العالم " وما توحيه القرائن اختلف المفسرون في المراد بالعالمين هنا، فقيل يراد به السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما رواه ابن جرير عن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما وروى عنه أن المراد بالعالمين الإِنس والجن وهو محكي عن سعيد بن جبير ومجاهد واستدل له بقوله تعالى

-5-

{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06647) [الفرقان25: 1]

وقال الفراء وأبو عبيدة: يراد به العقلاء وهم أربعة أمم الإِنس والجن والملائكة والشياطين، ونسبه صاحب المنار إلى الإِمام جعفر الصادق، وأصح هذه الأقوال القول الأول لأن أحسن ما فسر به القرآن القرآن نفسه، والله تعالى يقول:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ.. (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23- 24]

وكل ذرة في الكون هي بحاجة إلى الرعاية والإِصلاح والتنمية من قبل الله تعالى إذ لو تخلى الله سبحانه عن أي كائن في هذا الوجود في أقل من لحظة لما قر له قرار، وتربية الله سبحانه تغمر كل كائن دقيقا كان أو جليلا وما من شيء إلا وهو ناطق بلسان حاله معلنا افتقاره إلى الله ذي الجلال، ومن هنا ساغ أن يجمع العالم - مع صدقه على ما يعقل وما لا يعقل - فيقال العالمون إذ لا فرق بين العاقل وغيره في دلالة حاله على احتياجه إلى واجب الوجود لذاته، ويرى الإمام محمد عبده تغليب العاقل على غيره لنكتة لاحظتها العرب وهي أن لفظ العالم لا يطلق على كل كائن وموجود فيقال عالم الحجر وعالم التراب وإنما يطلق على كل جملة متمايزة لأفرادها صفات تقربها من العاقل الذي جمعت جمعه وإن لم تكن منه فيقال عالَم الإِنسان وعالَم الحيوان وعالَم النبات ثم قال ونحن نرى أن هذه الأشياء هي التي يظهر فيها معنى التربية الذى يعطيه لفظ رب لأن فيها مبدأها وهو الحياة والتغذي والتولد، وهذا ظاهر في الحيوان ثم حكى عن أستاذه السيد جمال الدين الأفغاني أن الحيوان شجرة قطعت رجلها من الأرض فهي تمشي والشجرة حيوان ساخت رجلاه في الأرض فهو قائم في مكانه يأكل ويشرب وإن كان لا ينام ولا يغفل.

ويتضح لك مما ذكرناه سابقا أن التربية تظهر في كل شيء وليس ظهورها محصورا في الأصناف التي ذكرها الأستاذ الإِمام، وللعلماء أقوال في جمع العالَم مع أن العالَم اسم جنس يستغرق جميع أفراده من غير أن يجمع وأحسن ما يقال أنه أريد بالجمع إدخال جميع أجناس العالَم المختلفة في مدلول هذه الكلمة بينما يحصل استغراق أفراد هذه الأجناس بالتعريف إذ لو قيل رب العالَم لربما توهم أن المراد به جنس من أجناس العالَم كالبشر أو الملائكة أو الجن، أما بهذه الصيغة فلا يبقى مجال لتوهم ذلك.

-6-

وتربية الله للعالمين تنقسم إلى قسمين: تكوينية وتشريعية. فالتكوينية ظاهرة على كل شيء ولنأخذ الإِنسان مثلاً لذلك فإن الله أوجده من خلية مهينة حقيرة إذا نظرت بالمجهر لم تكد تبصر لدقتها المتناهية ولكن لم تلبث أن تطورت بأطوار تربية الله المختلفة حتى خرج منها بشر سوي سميع بصير يفكر ويقدر ويدبر ويعلم ويريد، يتميز بقدرات معنوية مع ما أوتيه من قوة حسية، أهلُّه كل ذلك للخلافة في الأرض والاضطلاع بأمانة ثقلت على السماوات والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وأشفقن منها، وكل ما يسره الله سبحانه للإِنسان من قوام جسده داخل في حدود تربيته التكوينية.

وأما التربية التشريعية فالإِنسان هو المستهدف بها وإن عم أثرها غيره وهى تتمثل في رسالات الله التي بعث بها رسله المصطفين لإِخراج الناس من الظلمات إلى النور وجمع شتاتهم وتوجيه عقولهم وأفكارهم وتصفية فطرهم وطبائعهم وكما أن الخلق لا يكون إلا من الله والبشر مهما أوتوا من قوة لن يخلقوا ذبابا، فإن التشريع الصالح للإِنسانية لا يكون إلا منه سبحانه وتعالى أما التشريعات البشرية فما هي إلا مصدر شقاء الإِنسانية وبلائها إذ لا يمكن أن تؤلف بين الأجناس المختلفة في العادات والظروف ولا أن تجمع بين الرغبات المتباينة، ولا يصح أن تعتبر من التربية في شيء، وكل من تسول له نفسه فيشرع من الأحكام ما لم يأذن به الله كمن تسول له نفسه بأن يستطيع أن يشارك الله تعالى في خلقه تعالى الله عن ذلك.

-7-

admin
12-19-2010, 02:38 PM
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-7 من 14

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


{ الْحَمْدُ للَّهِ }.

الشأن في الخطاب بأمر مهم لم يسِبق للمخاطب به خطابٌ من نوعه أنْ يُسْتأنَس له قبل إلقاء المقصود وأن يهيَّأَ لتلقيه، وأن يشوق إلى سماع ذلك وتُراضَ نفسه على الاهتمام بالعمل به ليستعد للتلقي بالتخلي عن كل ما شأنُه أن يكون عائقاً عن الانتفاع بالهدى من عناد ومكابرة أو امتلاء العقل بالأوهام الضالة، فإن النفس لا تكاد تنتفع بالعِظات والنذُر، ولا تُشرق فيها الحكمة وصحة النظر ما بقي يخالجها العناد والبهتان، وتخامر رشدها نزغات الشيطان، فلما أراد الله أن تكون هذه السورة أُولى سور الكتاب المجيد بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم آنفاً نبه الله تعالى قُراء كتابه وفاتحي مصحفه إلى أصول هذه التزكية النفسية بما لقنهم أن يبتدئوا بالمناجاة التي تضمنتها سورة الفاتحة من قوله: { إياك نعبد } إلى آخر السورة، فإنها تضمنت أصولاً عظيمة: أولها التخلية عن التعطيل والشرك بما تضمنه { إياك نعبد }. الثاني التخلي عن خواطر الاستغناء عنه بالتبرىء من الحول والقوة تجاه عظمته بما تضمنه { وإياك نستعين }. الثالث الرغبة في التحَلي بالرشد والاهتداء بما تضمنه { اهدنا الصراط المستقيم }. الرابع الرغبة في التحلي بالأسوة الحسنة بما تضمنه { صراط الذين أنعمت عليهم }. الخامس التهمم بالسلامة من الضلال الصريح بما تضمنه { غير المغضوب عليهم }. السادس التهمم بسلامة تفكيرهم من الاختلاط بشبهات الباطل المموَّه بصورة الحق وهو المسمى بالضلال لأن الضلال خطأ الطريق المقصود بما تضمنه { ولا الضالين }.

وأنت إذا افتقدت أصول نجاح المرشِد في إرشاده والمسترشد في تلقيه على كثرتها وتفاريعها وجدتها عاكفة حول هذه الأركان الستة فكن في استقصائها لبيباً. وعسى أن أزيدك من تفصيلها قريباً. وإن الذي لقن أهل القرآن ما فيه جماع طرائق الرشد بوجه لا يحيط به غير علام الغيوب لم يهمل إرشادهم إلى التحلي بزينة الفضائل وهي أن يقدروا النعمة حق قدرها بشكر المنعم بها فأراهم كيف يُتَوِّجُون مناجاتَهم بحمد واهب العقل ومانح التوفيق، ولذلك كان افتتاح كل كلام مهم بالتحميد سنة الكتاب المجيد. فسورة الفاتحة بما تقرر مُنَزَّلَةٌ من القرآن مَنْزلَة الديباجة للكتاب أو المقدمة للخطبة، وهذا الأسلوب له شأن عظيم في صناعة الأدب العربي وهو أعون للفهم وأدعى للوعي.

وقد رسم أسلوب الفاتحة للمنشئين ثلاث قواعد للمقدمة: القاعدة الأولى إيجاز المقدمة لئلا تمل نفوس السامعين بطول انتظار المقصود وهو ظاهر في الفاتحة، وليكون سنة للخطباء فلا يطيلوا المقدمة كي لا ينسَبوا إلى العِي فإنه بمقدار ما تطال المقدمة يقصر الغرض، ومن هذا يظهر وجه وضعها قبل السور الطوال مع أنها سورة قصيرة. الثانية أن تشير إلى الغرض المقصود وهو ما يسمى براعة الاستهلال لأن ذلك يهيىء السامعين لسماع تفصيل ما سيرد عليهم فيتأهبوا لتلقيه إن كانوا من أهل التلقي فحسب، أو لنقده وإكماله إن كانوا في تلك الدرجة، ولأن ذلك يدل على تمكن الخطيب من الغرض وثقته بسداد رأيه فيه بحيث ينبه السامعين لوعيه، وفيه سنة للخطباء ليحيطوا بأغراض كلامهم.

-1-

وقد تقدم بيان اشتمال الفاتحة على هذا عند الكلام على وجه تسميتها أم القرآن. الثالثة أن تكون المقدمة من جوامع الكلم وقد بين ذلك علماء البيان عند ذكرهم المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها. الرابع أن تفتتح بحمد الله.

إن القرآن هدى للناس وتبياناً للأحكام التي بها إصلاح الناس في عاجلهم وآجلهم ومعاشهم ومعادهم ولما لم يكن لنفوس الأمة اعتياد بذلك لزم أن يُهَيَّأَ المخاطبون بها إلى تلقيها ويعرف تهيؤهم بإظهارهم استعداد النفوس بالتخلي عن كل ما من شأنه أن يعوق عن الانتفاع بهاته التعاليم النافعة وذلك بأن يجردوا نفوسهم عن العناد والمكابرة وعن خلط معارفهم بالأغلاط الفاقرة، فلا مناص لها قبل استقبال تلك الحكمة والنظر من الاتسام بميسم الفضيلة والتخلية عن السفاسف الرذيلة.

فالفاتحة تضمنت مناجاة للخالق جامعة التنزه عن التعطيل والإلحاد والدهرية بما تضمنه قوله: { مالك يوم الدين } ، وعن الإشراك بما تضمنه { إياك نعبد وإياك نستعين } ، وعن المكابرة والعناد بما تضمنه { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } فإن طلب الهداية اعتراف بالاحتياج إلى العلم، ووصف الصراط بالمستقيم اعتراف بأن من العلم ما هو حق ومنه ما هو مشوب بشُبه وغلط، ومَن اعترف بهذين الأمرين فقد أعد نفسه لاتباع أحسنهما، وعن الضلالات التي تعتري العلوم الصحيحة والشرائع الحقة فتذهب بفائدتها وتنزل صاحبها إلى دَركةٍ أقل مما وقف عنده الجاهل البسيط، وذلك بما تضمنه قوله: { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } كما أجملناه قريباً، ولأجل هذا سميت هاته السورة أم القرآن كما تقدم.

ولما لُقِّن المؤمنون هاته المناجاة البديعة التي لا يهتدي إلى الإحاطة بها في كلامه غير علام الغيوب سبحانه قدم الحمد عليها ليضعه المناجون كذلك في مناجاتهم جرياً على طريقة بلغاء العرب عند مخاطبة العظماء أن يفتتحوا خطابهم إياهم وطلبتهم بالثناء والذكر الجميل. قال أمية ابن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جُدْعان:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أَأَذْكُرُ حاجتي أَم قَدْ كفاني</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>حَيَاؤُكَ إِنَّ شيمتَك الحَياء</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إذا أَثنى عليك المرءُ يوماً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>كفاه عن تَعَرُّضِه الثَّناءُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

فكان افتتاح الكلام بالتحميد سنة الكتاب المجيد لكل بليغ مُجيد، فلم يزل المسلمون من يومئذٍ يُلقِّبُون كل كلام نفيس لم يشتمل في طالعه على الحمد بالأبتر أخذاً من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " كلُّ أَمْرٍ ذِي بال لا يُبْدَأ فيه بالحمدُ لله أو بالحمد فهو أقطع " وقد لُقبت خطبة زياد ابن أبي سفيان التي خطبها بالبصرة بالبتراء لأنه لم يفتتحها بالحمد، وكانت سورة الفاتحة لذلك منزَّلة من القرآن منزلة الديباجة للكتاب أو المقدمة للخطبة، ولذلك شأن مهم في صناعة الإنشاء فإن تقديم المقدمة بين يدي المقصود أعون للأَفهام وأدعى لوعيها.

-2-

و(الحمد) هو الثناء على الجميل أي الوصف الجميل الاختياري فِعْلاً كان كالكرم وإغاثة الملهوف أم غيره كالشجاعة. وقد جعلوا الثناء جنساً للحمد فهو أعم منه ولا يكون ضده. فالثناء الذكر بخير مطلقاً وشذ من قال يستعمل الثناء في الذكر مطلقاً ولو بَشرَ، ونسبا إلى ابن القطاع وغرَّه في ذلك ما ورد في الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم " من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار " وإنما هو مجاز دعت إليه المشاكلة اللفظية والتعريض بأن من كان متكلماً في مسلم فليتكلم بثناء أو ليدَعْ، فسمَّى ذكرهم بالشر ثناء تنبيهاً على ذلك. وأما الذي يستعمل في الخير والشر فهو النثاء بتقديم النون وهو في الشر أكثر كما قيل.

وأما المدح فقد اختلف فيه فذهب الجمهور إلى أن المدح أعم من الحمد فإنه يكون على الوصف الاختياري وغيره. وقال صاحب «الكشاف» الحمد والمدح أخوان فقيل أراد أخوان في الاشتقاق الكبير نحوجَبذ وجَذب، وإن ذلك اصطلاح له في «الكشاف» في معنى أُخوة اللفظين لئلا يلزم من ظاهر كلامه أن المدح يطلق على الثناء على الجميل الاختياري، لكن هذا فهم غير مستقيم والذي عليه المحققون من شراح «الكشاف» أنه أراد من الأخوة هنا الترادف لأنه ظاهر كلامه؛ ولأنه صريح قوله في «الفائق»: «الحمد هو المدح والوصف بالجميل» ولأنه ذكر الذم نقيضاً للحمد إذ قال في «الكشاف»: «والحمد نقيضه الذم» مع شيوع كون الذم نقيضاً للمدح، وعُرفُ علماء اللغة أن يريدوا من النقيض المقابل لا ما يساوي النقيض حتى يجاب بأنه أراد من النقيض ما لا يجامع المعنى والذم لا يجامع الحمد وإن لم يكن معناه رفع معنى الحمد بل رفع معنى المدح إلا أن نفي الأعم وهو المدح يستلزم نفي الأخص وهو الحمد لأن هذا لا يقصده علماء اللغة، يعني وإن اغتفر مثله في استعمال العرب كقول زهير:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ومن يجعل المَعْروف في غير أهله</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يَكُنْ حمده ذمّاً عليه ويندم</TD></TR></TBODY></TABLE>

لأن كلام العلماء مبني على الضبط والتدقيق.

ثم اختلف في مراد صاحب «الكشاف» من ترادفهما هل هما مترادفان في تقييدهما بالثناء على الجميل الاختياري؟ أو مترادفان في عدم التقييد بالاختياري، وعلى الأول حمله السيد الشريف وهو ظاهر كلام سعد الدين. واستدل السيد بأنه صرح بذلك في قوله تعالى:

{ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08410) [الحجرات49: 7]

إذ قال: «فإن قلت فإن العرب تمدح بالجمال وحسن الوجوه وهو مدح مقبول عند الناس، قلت الذي سوغ ذلك أنهم رأوا حسن الرواء ووسامة المنظر في الغالب يسفر عن مخبر مرضٍ وأخلاق محمودة على أن من محققة الثقات وعلماء المعاني من دفع صحة ذلك وخطأ المادح به وقصر المدح على النعت بأمهات الخير وهي كالفصاحة والشجاعة والعدل والعفة وما يتشعب عنها» ا هـ.

-3-

وعلى المحمل الثاني وهو أن يكون قُصد من الترادف إلغاء قيد الاختياري في كليهما حمله المحقق عبد الحكيم السلكوتي في «حواشي التفسير» فرضاً أو نقلاً لا ترجيحاً بناء على أنه ظاهر كلامه في «الكشاف» و«الفائق» إذ ألغى قيد الاختياري في تفسير المدح بالثناء على الجميل وجعلهما مع ذلك مترادفين.

وبهذا يندفع الإشكال عن حمدنا الله تعالى على صفاته الذاتية كالعلم والقدرة دون صفات الأفعال وإن كان اندفاعه على اختيار الجمهور أيضاً ظاهراً؛ فإن ما ورد عليهم من أن مذهبهم يستلزم أن لا يحمد الله تعالى على صفاته لأنها ذاتية فلا توصف بالاختيار إذ الاختيار يستلزم إمكان الاتصاف، وقد أجابوا عنه إما بأن تلك الصفات العلية نزلت منزلة الاختيارية لاستقلال موصوفها، وإما بأن ترتب الآثار الاختيارية عليها يجعلها كالاختيارية، وإما بأن المراد بالاختيارية أن يكون المحمود فاعلاً بالاختيار وإن لم يكن المحمود عليه اختيارياً.

وعندي أن الجواب أن نقول إن شرط الاختياري في حقيقة الحمد عند مثبته لإخراج الصفات غير الاختيارية لأن غير الاختياري فينا ليس من صفات الكمال إذ لا تترتب عليها الآثار الموجبة للحمد، فكان شرط الاختيار في حمدنا زيادة في تحقق كمال المحمود، أما عدم الاختيار المختص بالصفات الذاتية الإلٰهية فإنه ليس عبارة عن نقص في صفاته ولكنه كمال نشأ من وجوب الصفة للذات لقدم الصفة فعدم الاختيار في صفات الله تعالى زيادةٌ في الكمال لأن أمثال تلك الصفات فينا لا تكون واجبة للذات ملازمة لها فكان عدم الاختيار في صفات الله تعالى دليلاً على زيادة الكمال وفينا دليلاً على النقص، وما كان نقصاً فينا باعتبار مّا قد يكون كمالاً لله تعالى باعتبار آخر مثل عدم الولد، فلا حاجة إلى الأجوبة المبنية على التنزيل إما باعتبار الصفة أو باعتبار الموصوف، على أن توجيه الثناء إلى الله تعالى بمادة (حمد) هو أقصى ما تسمى به اللغة الموضوعة لأداء المعاني المتعارفة لدى أهل تلك اللغة، فلما طرأت عليهم المدارك المتعلقة بالحقائق العالية عبر لهم عنها بأقصى ما يقربها من كلامهم.

(الحمد) مرفوع بالابتداء في جميع القراءات المروية وقوله (لله) خبره فلام (لله) متعلق بالكون والاستقرار العام كسائر المجرورات المخبر بها وهو هنا من المصادر التي أتت بدلاً عن أفعالها في معنى الإخبار، فأصله النصب على المفعولية المطلقة على أنه بدل من فعله وتقدير الكلام نحمد حمداً لله، فلذلك التزموا حذف أفعالها معها. قال سيبويه هذا باب ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره وذلك قولك سقياً ورعياً وخيبةً وبؤساً، والحذرَ بدلاً عن احذر فلا يحتاج إلى متعلق وأما قولهم سقياً لك نحو:

-4-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>سقْياً وَرعْياً لذاك العاتبِ الزَّارِي</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

فإنما هو ليبينوا المعنيَّ بالدعاء. ثم قال بعد أبواب: هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء، من ذلك قولك حمداً وشُكراً لا كفراً وعَجباً، فإنما ينتصب هذا على إضمار الفعل كأنك قلت أحمد الله حمداً وإنما اختُزِل الفعل هٰهنا لأنهم جعلوا هذا بدلاً من اللفظ بالفعل كما فعلوا ذلك في باب الدعاء وقد جاء بعض هذا رفعاً يُبتدأ به ثم يبنى عليه (أي يخبر عنه) ثم قال بعد باب آخر: هذا باب يختار فيه أن تكون المصادر مبتدأة مبنياً عليها ما بعدَها، وذلك قولك { الحمد لله } ، والعجبُ لك، والويل له، وإنما استحبوا الرفع فيه لأنه صار معرفة وهو خبر (أي غير إنشاء) فقوي في الابتداء (أي إنه لما كان خبراً لا دعاء وكان معرفة بأَلْ تهيأت فيه أسباب الابتداء لأن كونه في معنى الإخبار يهّيىء جانب المعنى للخبرية وكونه معرفة يصحح أن يكون مبتدأ) بمنزلة عبد الله، والرجل، والذي تَعْلم (من المعارف) لأن الابتداء إنما هو خبر وأحسنه إذا اجتمع معرفة ونكرة أن تبدأ بالأعرف وهو أصل الكلام. وليس كل حرف (أي تركيب) يصنع به ذاك، كما أنه ليس كل حرف (أي كلمة من هذه المصادر) يدخل فيه الألف واللام، فلو قلت السقي لك والرعي لك لم يجز (يعني يقتصر فيه على السماع). واعلم أن { الحمدُ لله } وإن ابتدأْتَه ففيه معنى المنصوب وهو بدل من اللفظ بقولك أحمد الله. وسمعنا ناساً من العرب كثيراً يقولون: الترابَ لك والعجبَ لك، فتفسير نصب هذا كتفسيره حيث كان نكرة، كأنك قلت حمداً وعجباً، ثم جئت (بِلَك) لتبين من تعني ولم تجعله مبنياً عليه فتبتدئه». انتهى كلام سيبويه باختصار. وإنما جلبناه هنا لأنه أفصح كلام عن أطوار هذا المصدر في كلام العرب واستعمالهم، وهو الذي أشار له صاحب «الكشاف» بقوله: «وأصله النصب بإضمار فعله على أنه من المصادر التي ينصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار كقولهم شكراً، وكفراً، وعجباً، ينزلونها منزلة أفعالها ويسدون بها مسدها، ولذلك لا يستعملونها معها والعدول بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى» الخ.

ومن شأن بلغاء العرب أنهم لا يعدلون عن الأصل إلا وهم يرمون إلى غرض عدلوا لأجله، والعدول عن النصب هنا إلى الرفع ليتأتى لهم الدلالةُ على الدوام والثبات بمصير الجملة اسمية؛ والدلالةُ على العموم المستفاد في المقام من أل الجنسية، والدلالةُ على الاهتمام المستفاد من التقديم. وليس واحد من هذه الثلاثة بممكن الاستفادة لو بقي المصدر منصوباً إذ النصب يدل على الفعل المقدر والمقدر كالملفوظ فلا تكون الجملة اسمية إذ الاسم فيها نائب عن الفعل فهو ينادي على تقدير الفعل فلا يحصل الدوام.

-5-

ولأنه لا يصح معه اعتبار التقديم فلا يحصل الاهتمام. ولأنه وإن صح اجتماع الألف واللام مع النصب كما قرىء بذلك وهي لغة تميم كما قال سيبويه فالتعريف حينئذٍ لا يكون دالاً على عموم المحامد لأنه إن قدر الفعل أَحمدُ بهمزة المتكلم فلا يعم إلا تحميدات المتكلم دون تحميدات جميع الناس، وإن قدر الفعل نحمد وأريد بالنون جميع المؤمنين بقرينة { اهدنا الصراط المستقيم } وبقرينة { إياك نعبد } فإنما يعم محامد المؤمنين أو محامد الموحدين كلهم، كيف وقد حمد أهل الكتاب الله تعالى وحمده العرب في الجاهلية. قال أمية بن أبي الصلت:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>الحمد لله حمداً لا انقطاعَ له</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فليس إحسانُه عنا بمقطوع</TD></TR></TBODY></TABLE>

أما إذا صار الحمد غير جار على فعل فإنه يصير الإخبار عن جنس الحمد بأنه ثابت لله فيعم كل حمد كما سيأتي. فهذا معنى ما نُقل عن سيبويه أنه قال: إن الذي يَرْفع الحمدَ يُخبرُ أنَّ الحمدَ منه ومن جميع الخلق والذي ينصب يُخبرُ أن الحمد منه وحدَه لله تعالى.

واعلم أن قراءة النصب وإن كانت شاذة إلا أنها مجدية هنا لأنها دلت على اعتبار عربي في تطور هذا التركيب المشهور، وأَن بعض العرب نطقوا به في حال التعريف ولم ينسوا أصل المفعولية المطلقة. فقد بان أن قوله { الحمد لله } أبلغ من { الحمدَ لله } بالنصب، وأنَّ { الحمدَ لله } بالنصب والتعريف أبلغ من حمداً لله بالتنكير. وإنما كان { الحمد لله } بالرفع أبلغ لأنه دال على الدوام والثبات. قال في «الكشاف»: «إن العدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره ومنه قوله تعالى:

{ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08491) [الذاريات51: 25]

رفع السلام الثاني للدلالة على أن إبراهيم عليه السلام حيّاهم بتحيّة أحسنَ من تحيّتهم» ا هـ.

فإن قلت وقع الاهتمام بالحمد مع أن ذكر اسم الله تعالى أهم فكان الشأن تقديم اسم الله تعالى وإبقاء الحمد غير مهتم به حتى لا يلجأ إلى تغييره عن النصب إلى الرفع لأجل هذا الاهتمام، قلت: قدم الحمد لأن المقام هنا مقام الحمد إذ هو ابتداء أَوْلى النعم بالحمد وهي نعمة تنزيل القرآن الذي فيه نجاح الدارين، فتلك المنة من أكبر ما يحمد الله عليه من جلائل صفات الكمال لا سيما وقد اشتمل القرآن على كمال المعنى واللفظ والغاية فكان خطوره عند ابتداء سماع إنزاله وابتداء تلاوته مذكراً بما لمنزِّله تعالى من الصفات الجميلة، وذلك يذكِّر بوجوب حمده وأن لا يُغفل عنه فكان المقام مقام الحمد لا محالة، فلذلك قدم وأزيل عنه ما يؤذن بتأخره لمنافاته الاهتمام، ثم إن ذلك الاهتمام تأتَّى به اعتبار الاهتمام بتقديمه أيضاً على ذكر الله تعالى اعتداداً بأهمية الحمد العارضةِ في المقام وإن كان ذكر الله أهمَّ في نفسه لأن الأهمية العارضة تقدم على الأهمية الأصلية لأنها أمر يقتضيه المقام والحال والآخر يقتضيه الواقع، والبلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال والمقامِ، ولأن ما كان الاهتمام به لعارض هو المحتاج للتنبيه على عارضه إذ قد يخفى، بخلاف الأمر المعروف المقرر فلا فائدة في التنبيه عليه بل ولا يفيته التنبيه على غيره.

-6-

فإن قلت كيف يصح كون تقديم الحمد وهو مبتدأ مؤذناً بالاهتمام مع أنه الأصل، وشأن التقديم المفيد للاهتمام هو تقديم ما حقه التأخير؟

قلت لو سلم ذلك فإن معنى تقديمه هو قصد المتكلم للإتيان به مقدماً مع إمكان الإتيان به مؤخراً؛ لأن للبلغاء صيغتين متعارفتين في حمد الله تعالى إحداهما { الحمدُ الله } كما في الفاتحة والأخرى

{ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08300) كما في سورة (الجاثية45: 36).

وأما قصد العموم فسيتضح عند بيان معنى التعريف فيه.

والتعريف فيه بالألف واللام تعريف الجنس لأن المصدر هنا في الأصل عوض عن الفعل فلا جرم أن يكون الدال على الفعل والساد مسده دالاً على الجنس فإذا دخل عليه اللام فهو لتعريف مدلوله لأن اللام تدل على التعريف للمسمى فإذا كان المسمى جنساً فاللام تدل على تعريفه. ومعنى تعريف الجنس أن هذا الجنس هو معروف عند السامع فإذا قلت: الحمد لله أو العجب لك فكأنك تريد أن هذا الجنس معروف لديك ولدى مخاطبك لا يلتبس بغيره كما أنك إذا قلت الرجل وأردت معيناً في تعريف العهد النحوي فإنك تريد أن هذا الواحد من الناس معروف بينك وبين مخاطبك فهو في المعنى كالنكرة من حيث إن تعريف الجنس ليس معه كبير معنى إذ تعين الجنس من بين بقية الأجناس حاصل بذكر لفظه الدال عليه لغة وهو كاف في عدم الدلالة على غيره، إذ ليس غيره من الأجناس بمشارك له في اللفظ ولا متوهم دخوله معه في ذهن المخاطب بخلاف تعريف العهد الخارجي فإنه يدل على واحد معين بينك وبين مخاطبك من بين بقية أفراد الجنس التي يشملها اللفظ، فلا يفيد هذا التعريف أعني تعريف الجنس إلا توكيد اللفظ وتقريره وإيضاحه للسامع؛ لأنك لما جعلته معهوداً فقد دللت على أنه واضح ظاهر، وهذا يقتضي الاعتناء بالجنس وتقريبه من المعروف المشهور، وهذا معنى قول صاحب «الكشاف»: «وهو نحو التعريف في أُرسلَها العِراكَ ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو والعراك ما هو من بين أجناس الأفعال» وهو مأخوذ من كلام سيبويه.

وليست لام التعريف هنا للاستغراق لما علمت أنها لام الجنس ولذلك قال صاحب «الكشاف»: «والاستغراق الذي توهمه كثير من الناس وهم منهم» غير أن معنى الاستغراق حاصل هنا بالمثال لأن الحكم باختصاص جنس الحمد به تعالى لوجود لام تعريف الجنس في قوله: { الحمد } ولام الاختصاص في قوله: { لله } يستلزم انحصار أفراد الحمد في التعلق باسم الله تعالى لأنه إذا اختص الجنسُ اختصت الأفراد؛ إذ لو تحقق فرد من أفراد الحمد لغير الله تعالى لتحقق الجنس في ضمنه فلا يتم معنى اختصاص الجنس المستفاد من لام الاختصاص الداخلة على اسم الجلالة، ثم هذا الاختصاص اختصاص ادعائي فهو بمنزلة القصر الادعائي للمبالغة.

-7-

admin
12-19-2010, 02:49 PM
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 8-14 من 14

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

واللام في قوله تعالى: { للَّه } يجوز أن يكون للاختصاص على أنه اختصاص ادعائي كما مر، ويجوز أن يكون لام التقوية قوت تعلق العامل بالمفعول لضعف العامل بالفرعية وزاده التعريف باللام ضعفاً لأنه أبعدَ شبهه بالأفعال، ولا يفوت معنى الاختصاص لأنه قد استفيد من تعريف الجزأين.

هذا وقد اختلف في أن جملة (الحمد) هل هي خبر أو إنشاء؟ فإن لذلك مزيد تعلق بالتفسير لرجوعه إلى المعنى بقول القائل: (الحمد لله).

وجماع القول في ذلك أن الإنشاء قد يحصل بنقل المركب من الخبرية إلى الإنشاء وذلك كصيغ العقود مثل بعت واشتريت، وكذلك أفعال المدح والذم والرجاء كعسى ونعم وبئس وهذا الأخير قسمان منه ما استعمل في الإنشاء مع بقاء استعماله في الخبر ومنه ما خص بالإنشاء فالأول كصيغ العقود فإنها تستعمل أخباراً تقول بعت الدار لزيد التي أخبرتك بأنه ساومني إياها فهذا خبر، وتقول بعت الدار لزيد أو بعتك الدار بكذا فهذا إنشاء بقرينة أنه جاء للإشهاد أو بقرينة إسناد الخبر للمخاطب مع أن المخبر عنه حال من أحواله، والثاني كنعم وعسى.

فإذا تقرر هذا فقد اختلف العلماء في أن جملة { الحمد لله } هل هي إخبار عن ثبوت { الحمد لله } أو هي إنشاء ثناء عليه إلى مذهبين، فذهب فريق إلى أنها خبر، وهؤلاء فريقان منهم من زعم أنها خبر باق على الخبرية ولا إشعار فيه بالإنشائية، وأورد عليه أن المتكلم بها لا يكون حامداً لله تعالى مع أن القصد أنه يثني ويحْمد الله تعالى، وأجيب بأن الخبر بثبوت الحمد له تعالى اعتراف بأنه موصوف بالجميل إذ الحمد هو عين الوصف بالجميل، ويكفي أن يحصل هذا الوصف من الناس وينقله المتكلم. ويمكن أن يجاب أيضاً بأن المخبر داخل في عموم خبره عند الجمهور من أهل أصول الفقه. وأجيب أيضاً بأن كون المتكلم حامداً قد يحصل بالالتزام من الخبر يريدون أنه لازم عرفي لأن شأن الأمر الذي تضافر عليه الناس قديماً أن يقتدي بهم فيه غيرهم من كل من علمه، فإخبار المتكلم بأنه علم ذلك يدل عرفاً على أنه مقتد بهم في ذلك هذا وجه اللزوم، وقد خفي على كثير أي فيكون مثل حصول لازم الفائدة من الخبر المقررة في علم المعاني، مثل قولك: سهرتَ الليلة وأنت تريد أنك علمتَ بسهره، فلا يلزم أن يكون ذلك إنشاء لأن التقدير على هذا القول أن المتكلم يخبر عن كونه حامداً كما يخبر عن كون جميع الناس حامدين فهي خبر لا إنشاء والمستفاد منها بطريق اللزوم معنى إخباري أيضاً.

-8-

ويرد على هذا التقدير أيضاً أن حمد المتكلم يصير غير مقصود لذاته بل حاصلاً بالتبع مع أن المقام مقام حمد المتكلم لا حمد غيره من الناس، وأجيب بأن المعنى المطابقي قد يؤتى به لأجل المعنى الالتزامي لأنه وسيلة له، ونظيره قولهم طويل النجاد والمرادُ طول القامة فإن طول النجاد أتى به ليدل على معنى طول القامة.

وذهب فريق ثان إلى أن جملة { الحمد لله } هي خبر لا محالة إلا أنه أريد منه الإنشاء مع اعتبار الخبرية كما يراد من الخبر إنشاء التحسر والتحزن في نحو:

{ إني وضعتُها أنثى } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04120) [آل عمران3: 36]

وقول جعفر بن عُلْبة الحارثي:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>هوايَ مع الركْبِ اليمانين مُصِعدُ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

فيكون المقصد الأصلي هو الإنشاء ولكن العدولَ إلى الإخبار لما يتأتى بواسطة الإخبار من الدلالة على الاستغراق والاختصاص والدوام والثبات ووجه التلازم بين الإخبار عن حمد الناس وبين إنشاء الحمد واضح مما علمته في وجه التلازم على التقرير الأول، بل هو هنا أظهر لأن المخبر عن حمد الناس لله تعالى لا جَرَم أنه منشىء ثناء عليه بذلك، وكونُ المعنى الالتزامي في الكناية هو المقصود دون المعنى المطابقي أظهر منه في اعتبار الخبرية المحضة لما عهد في الكناية من أنها لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة الأصل معه، فدل على أن المعنى الأصلي إما غير مراد أو مراد تبعاً لأن (مع) تدخل على المتبوع.

المذهب الثاني أن جملة { الحمد لله } إنشاء محض لا إشعار له بالخبرية، على أنها من الصيغ التي نقلتْها العرب من الإخبار إلى إنشاء الثناء كما نقلتْ صيغَ العقود وأفعالَ المدح والذم أي نقلاً مع عدم إماتة المعنى الخبري في الاستعمال، فإنك قد تقول الحمد لله جواباً لمن قال: لمن الحمدُ؟ أو من أَحمد؟ ولكنَّ تعهد المعنى الأصلي ضعيف فيحتاج إلى القرينة. والحق الذي لا محيد عنه أن الحمد لله خبر مستعمل في الإنشاء فالقصد هو الإنشائية لا محالة، وعدل إلى الخبرية لتحمل جملة الحمد من الخصوصيات ما يناسب جلالة المحمود بها من الدلالة على الدوام والثبات والاستغراق والاختصاص والاهتمام، وشيءٌ من ذلك لا يمكن حصوله بصيغةِ إنشاءٍ نحو حمداً لله أو أحمد الله حمداً ومما يدل على اعتبار العرب إياها إنشاء لا خبراً قول ذي الرمة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولما جَرَتْ في الجزل جرياً كأنَّه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>سنا الفجر أَحْدَثْنا لخالقها شكرا</TD></TR></TBODY></TABLE>

فعبر عن ذكر لفظ الحمد أو الشكر بالإحداث، والإحداث يرادف الإنشاء لغة فقوله أحدثنا خبر حكى به ما عبر عنه بالإحداث وهو حَمْده الواقع حين التهابها في الحطب.

-9-

والله هو اسم الذاتِ الواجبِ الوجود المستحق لجميع المحامد. وأصل هذا الاسم الإلٰه بالتعريف وهو تعريف إلاه الذي هو اسم جنس للمعبود مشتق من أَلَهَ بفتح اللام بمعنى عبد، أو من ألِه بكسر اللام بمعنى تحير أو سكن أو فزع أو ولع مما يرجع إلى معنى هو ملزوم للخضوع والتعظيم فهو فِعال بكسر الفاء بمعنى مفعول مثل كتاب، أطلقه العرب على كل معبود من أصنامهم لأنهم يرونها حقيقةً بالعبادة ولذلك جمعوه على آلهة بوزن أَفعلة مع تخفيف الهمزة الثانية مَدَّةً، وأحسب أن اسمه تعالى تقرر في لغة العرب قبل دخول الإشراك فيهم فكان أصل وضعه دالاً على انفراده بالألوهية إذ لا إلٰه غيره فلذلك صار علماً عليه، وليس ذلك من قبيل العلمَ بالغلبة بل من قبيل العلم بالانحصار مثل الشمس والقمر فلا بدع في اجتماع كونه اسمَ جنس وكونه علماً، ولذلك أرادوا به المعبود بحق رداً على أهل الشرك قبل دخول الشرك في العرب وإننا لم نقف على أن العرب أطلقوا الإلٰه معرَّفاً باللام مفرداً على أحد أصنامهم وإنما يضيفون فيقولون إلاه بني فلان والأكثر أن يقولوا: رَب بني فلان أو يجمعون كما قالوا لعبد المطلب: أَرْضِ الآلهةَ، وفي حديث فتح مكة: «وجد رسول الله البيتَ فيه الآلهة». فلما اختص الإلٰه بالإلٰه الواحد واجبِ الوجود اشتقوا له من اسم الجنس علماً زيادة في الدلالة على أنه الحقيق بهذا الاسم ليصير الاسم خاصاً به غير جائز الإطلاق على غيره سَنن الأعلام الشخصية، وأَراهم أبدعوا وأَعجبوا إذ جعلوا علم ذاته تعالى مشتقاً من اسم الجنس المؤذن بمفهوم الألوهية تنبيهاً على أن ذاته تعالى لا تستحضر عند واضع العَلَم وهو الناطق الأول بهذا الاسم من أهل اللسان إلا بوصف الألوهية وتنبيهاً على أنه تعالى أَوْلى من يُؤَلَّه ويُعبد لأنه خالق الجميع فحذفوا الهمزة من الإلٰه لكثرة استعمال هذا اللفظ عند الدلالة عليه تعالى كما حذفوا همزة الأناس فقالوا: النَّاس؛ ولذلك أظهروها في بعض الكلام. قال البَعِيث بن حُرَيث.

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>معَاذَ الإلٰهِ أَنْ تكون كظبيةٍ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ولا دُميةٍ ولا عقيلةِ رَبْرَب</TD></TR></TBODY></TABLE>

كما أظهروا همزة الأناس في قول عَبيد بن الأبرص الأسدي:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إن المنَايَا ليطَّلِعْـ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ـنَ على الأناس الآمِنِينَ</TD></TR></TBODY></TABLE>

ونُزِّل هذا اللفظ في طوره الثالث منزلة الأعلام الشخصية فتصرفوا فيه هذا التصرف لينتقلوا به إلى طَور جديد فيجعلُوه مثل علم جديد، وهذه الطريقة مسلوكة في بعض الأعلام. قال أبو الفتح بن جني في شرح قول تأبط شرا في النشيد الثالث عشر من «الحماسة»:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إِني لمُهْدٍ من ثَنائي فقَاصِدٌ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>به لابن عم الصدق شُمْسِ بن مَالك</TD></TR></TBODY></TABLE>

شُمس بضم الشين وأصله شَمس بفتحها كما قالوا حُجْر وسُلْمَى فيكون مما غُير عن نظائره لأجْل العلمية ا هـ.

-10-

وفي «الكشاف» في تفسير سورة أبي لهب بعد أن ذكر أن من القراء من قرأ (أبي لهْبٍ) بسكون الهاء ما نصه وهي من تغيير الأعلام كقولهم شُمْس بن مالك بالضم ا هـ. وقال قبله: «ولفُلَيْتَه بن قاسم أمير مكة ابنان أحدهما عبدِ الله بالجر، والآخر عبدَ الله بالنصب، وكان بمكة رجل يقال له عبدِ الله لا يعرف إلا هكذا» ا هـ. يعني بكسر دال عبد في جميع أحوال إعرابه، فهو بهذا الإيماء نوع مخصوص من العَلَم، وهو أنه أقوى من العلم بالغلَبة لأن له لفظاً جديداً بعد اللفظ المغلَّب. وهذه الطريقة في العلمية التي عرضت لاسم الجلالة لا نظير لها في الأعلام فكان اسمه تعالى غيرَ مشابه لأسماء الحوادث كما أن مسمى ذلك الاسمِ غير مماثل لمسميات أسماء الحوادث. وقد دلوا على تناسيهم ما في الألف واللام من التعريف وأنهم جعلوهما جزءاً من الكلمة بتجويزهم ندَاء اسم الجلالة مع إبقاء الألف واللام إذ يقولون يا الله مع أنهم يمنعون نداء مدخول الألف واللام.

وقد احتج صاحب «الكشاف» على كون أصله الإلٰه ببيت البعيث المقدم، ولم يقررْ ناظروه وجه احتجاجه به، وهو احتجاج وجيه لأن مَعَاذ من المصادر التي لم ترد في استعمالهم مضافة لغير اسم الجلالة، مثل سبحان فأجريت مُجرى الأمثال في لزومها لهاته الإضافة، إذ تقول معاذالله فلما قال الشاعر معاذ الإلٰه وهو من فصحاء أهل اللسان علمنا أنهم يعتبرون الإلٰه أصلاً للفظ الله، ولذلك لم يكن هذا التصرف تغييراً إلا أنه تصرف في حروف اللفظ الواحد كاختلافِ وجوه الأداء مع كون اللفظ واحداً، ألا ترى أنهم احتجوا على أن لاَه مخفف الله بقول ذي الأَصبع العَدْواني:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>لاَه ابنُ عمِّكَ لا أُفْضِلْتَ في حَسَبٍ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>عنّى ولا أنتَ ديَّانِي فتَخْزُوني</TD></TR></TBODY></TABLE>

وبقولهم لاَه أبوكَ لأن هذا مما لزم حالة واحدة، إذ يقولون لله أبوك ولله ابن عمك ولله أنتَ.

وقد ذُكِرتْ وجوه أخر في أصل اسم الجلالة: منها أن أصله لاَهٌ مصدر لاه يليه ليهاً إذا احتجب سمي به الله تعالى، ثم أدخلت عليه الألف واللام للمح الأصل كالفضل والمَجد اسمين، وهذا الوجه ذكر الجوهري عن سيبويه أنه جوزه. ومنها أن أصله وِلاَهٌ بالواو فِعال بمعنى مفعول من وله إذا تحيَّر، ثم قلبت الواو همزة لاستثقال الكسرة عليها، كما قلبت في إعاء وإشاح، أي وِعاء ووشاح، ثم عرف بالألف واللام وحذفت الهمزة. ومنها أن أصله (لاَها) بالسريانية علم له تعالى فعرب بحذف الألف وإدخال اللام عليه. ومنها أنه علم وضع لاسم الجلالة بالقصد الأوَّلِي من غير أخذ من أَلِهَ وتصييرِه الإلٰه فتكون مقاربته في الصورة لقولنا الإلٰه مقاربةً اتفاقيةً غير مقصودة، وقد قال بهذا جمع منهم الزجاج ونسب إلى الخليل وسيبويه، ووجَّهه بعض العلماء بأن العرب لم تهمل شيئاً حتى وضعت له لفظاً فكيف يتأتى منهم إهمال اسم له تعالى لتجري عليه صفاته.

-11-

وقد التُزم في لفظ الجلالة تفخيم لامه إذا لم ينكسر ما قبل لفظه وحاول بعض الكاتبين توجيه ذلك بما لا يسلَم من المنع، ولذلك أبَى صاحب «الكشاف» التعريج عليه فقال: «وعلى ذلك (أي التفخيم) العرب كلهم، وإطباقهم عليه دليل أنهم ورثوه كابراً عن كابر».

وإنما لم يقدم المسند المجرور وهو متضمن لاسم الجلالة على المسند إليه فيقال: لله الحمد، لأن المسند إليه حَمْد على تنزيل القرآن والتشرف بالإسلام وهما منة من الله تعالى فحمده عليهما عند ابتداء تلاوة الكتاب الذي به صلاح الناس في الدارين فكان المقام للاهتمام به اعتباراً لأهمية الحمد العارضة، وإن كان ذكر الله أهم أصالة فإن الأهمية العارضة تقدم على الأهمية الأصلية لاقتضاء المقام والحالِ، والبلاغة هي المطالبة لمقتضى الحال، على أن الحمد لما تعلق باسم الله تعالى كان في الاهتمام به اهتمام بشؤون الله تعالى.

ومن أعجب الآراء ما ذكره صاحب «المنهل الأصفى في شرح الشفاء» التلمساني عن جمع من العلماء القول بأن اسم الجلالة يمسك عن الكلام في معناه تعظيماً وإجلالاً ولتوقف الكلام فيه على إذن الشارع.

{ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }.

وصف لاسم الجلالة فإنه بعد أن أسند الحمد لاسم ذاته تعالى تنبيهاً على الاستحقاق الذاتي، عقبَ بالوصف وهو الرب ليكون الحمد متعلقاً به أيضاً لأن وصف المتعلَّق متعلَّق أيضاً، فلذلك لم يقل الحمد لرب العالمين كما قال:

{ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09645) [المطففين83: 6]

ليؤذن باستحقاقه الوصفي أيضاً للحمد كما استحقه بذاته.

وقد أجرى عليه أربعة أوصاف هي: رب العالمين، الرحمٰن، الرحيم، مالك يوم الدين، للإيذان بالاستحقاق الوصفي فإن ذكر هذه الأسماء المشعرة بالصفات يؤذن بقصد ملاحظة معانيها الأصلية، وهذا من المستفادات من الكلام بطريق الاستتباع لأنه لما كان في ذكر الوصف غنية عن ذكر الموصوف لا سيما إذا كان الوصف منزلاً منزلة الاسم كأوصافه تعالى وكان في ذكر لفظ الموصوف أيضاً غُنية في التنبيه على استحقاق الحمد المقصود من الجملة عَلمنا أن المتكلم ما جمع بينهما إلا وهو يشير إلى أن كِلاَ مَدلُولَيْ الموصوف والصفة جدير بتعلق الحمد له مع ما في ذكر أوصافه المختصة به من التذكير بما يُميزه عن الآلٰهة المزعومة عند الأمم من الأصنام والأوثان والعناصر كما سيأتي عند قوله تعالى: { مالك يوم الدين }.

والرب إما مصدر وإما صفة مشبهة على وزن فَعْل مِنْ رَبَّه يَرُبُّه بمعنى رباه وهو رَب بمعنى مُرَبَ وسائس. والتربية تبليغ الشيء إلى كماله تدريجاً، ويجوز أن يكون من ربه بمعنى ملَكَه، فإن كان مصدراً على الوجهين فالوصف به للمبالغة، وهو ظاهر، وإن كان صفة مشبهة على الوجهين فهي واردة على القليل في أوزان الصفة المشبهة فإنها لا تكون على فَعْل من فعَل يفعُل إلا قليلاً، من ذلك قولهم نمّ الحديث ينُمُّه فهو نَمٌّ للحديث.

-12-

والأظهر أنه مشتق من ربَّه بمعنى رباه وساسه، لا من ربه بمعنى ملكه لأن الأول الأنسب بالمقام هنا إذ المراد أنه مدبر الخلائق وسائس أمورها ومبلغها غاية كمالها، ولأنه لو حمل على معنى المالك لكان قوله تعالى بعد ذلك { مالك يوم الدين } كالتأكيد والتأكيد خلاف الأصل ولا داعي إِليه هنا، إلا أن يجاب بأن العالمين لا يشمل إلا عوالم الدنيا، فيحتاج إلى بيان أنه ملك الآخرة كما أنه ملك الدنيا، وإن كان الأكثر في كلام العرب ورود الرب بمعنى الملك والسيد وذلك الذي دعا صاحب «الكشاف» إلى الاقتصار على معنى السيد والملك وجوز فيه وجهي المصدرية والصفة، إلا أن قرينة المقام قد تصرف عن حمل اللفظ على أكثر موارده إلى حمله على ما دونه فإن كلا الاستعمالين شهير حقيقي أو مجازي والتبادر العارض من المقام المخصوص لا يقضي بتبادر استعماله في ذلك المعنى في جميع المواقع كما لا يخفي. والعرب لم تكن تخص لفظ الرب به تعالى لا مطلقاً ولا مقيداً لما علمت من وزنه واشتقاقه. قال الحرث بن حلزة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وهُوَ الرب والشهيدُ على يو</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>م الحِيارَيْن والبلاء بلاء</TD></TR></TBODY></TABLE>

يعني عَمْرو بن هند. وقال النابغة في النعمان بن الحارث:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>تخُبُّ إلى النعمان حتى تناله</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فِدًى لك من ربٍّ طرِيفي وتالدي</TD></TR></TBODY></TABLE>

قال في النعمان بن المنذر حين مرض:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ورَبٌّ عليه الله أحسن صنعه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وكان له على البرية ناصرا</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال صاحب «الكشاف» ومن تابعه: إنه لم يطلق على غيره تعالى إلا مقيداً أو لم يأتوا على ذلك بسند وقد رأيتَ أن الاستعمال بخلافه، أما إطلاقه على كل من آلهتهم فلا مرية فيه كما قال غاوي بن ظالم أو عباس بن مرداس:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أَرَبٌّ يبولُ الثُّعْلُبَانُ برأْسِه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لقد هان من بالت عليه الثعالبُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وسموا العزى الرَّبة. وجمْعه على أرباب أدل دليل على إطلاقه على متعدد فكيف تصح دعوى تخصيص إطلاقه عندهم بالله تعالى؟ وأما إطلاقه مضافاً أو متعلقاً بخاص فظاهر وروده بكثرة نحو رب الدار ورب الفرس ورب بني فلان.

وقد ورد الإطلاق في الإسلام أيضاً حين حكى عن يوسف عليه السلام قوله:

{ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05410) [يوسف12: 23]

إذا كان الضمير راجعاً إلى العزيز وكذا قوله:

{ ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05426) [يوسف12: 39]

فهذا إطلاق للرب مضافاً وغير مضاف على غير الله تعالى في الإسلام لأن اللفظ عربي أطلق في الإسلام، وليس يوسفُ أطلَقَ هذا اللفظ بل أطلق مرادفه فلو لم يصح التعبير بهذا اللفظ عن المعنى الذي عبر به يوسف لكان في غيره من ألفاظ العربية مَعْدَل، إنما ورد في الحديث النهي عن أن يقول أحد لسيده ربي وليقل سيدي، وهو نهي كراهة للتأديب ولذلك خص النهي بما إذا كان المضاف إليه ممن يعبد عرفاً كأسماء الناس لدفع تهمة الإشراك وقطع دابره وجوزوا أن يقول رب الدابة ورب الدار، وأما بالإطلاق فالكراهة أشد فلا يقل أحد للملك ونحوه هذا رب.

-13-

و(العالمين) جمع عالم قالوا ولم يجمع فاعَلٌ هذا الجمع إلا في لفظين عالَم وياسم، اسم للزهر المعروف بالياسمين، قيل جمعوه على يَاسَمُون وياسَمِين قال الأعشى:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وقابَلَنَا الجُلُّ والياسمـ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ـونَ والمُسْمِعات وقَصَّابها</TD></TR></TBODY></TABLE>

والعالم الجنس من أجناس الموجودات، وقد بنته العرب على وزن فاعل بفتح العين مشتقاً من العِلْم أو من العلامة لأن كل جنس له تميز عن غيره فهو له علامة، أو هو سببُ العلم به فلا يختلط بغيره. وهذا البناء مختص بالدلالة على الآلة غالباً كخاتم وقالب وطابع فجعلوا العوالم لكونها كالآلة للعلم بالصانع، أو العلم بالحقائق. ولقد أبدع العرب في هذه اللطيفة إذ بنوا اسم جنس الحوادث على وزن فاعل لهذه النكتة، ولقد أبدعوا إذ جمعوه جمع العقلاء مع أن منه ما ليس بعاقل تغليباً للعاقل.

وقد قال التفتزاني في «شرح الكشاف»: «العالم اسم لذوي العلم ولكل جنس يعلم به الخالق، يقال عالم الملك، عالم الإنسان، عالم النبات يريد أنه لا يطلق بالإفراد إلا مضافاً لنوع يخصصه يقال عالم الإنس عالم الحيوان، عالم النبات وليس اسماً لمجموع ما سواه تعالى بحيث لا يكون له إجراء فيمتنع جمعه» وهذا هو تحقيق اللغة فإنه لا يوجد في كلام العرب إطلاق عالم على مجموع ما سوى الله تعالى، وإنما أطلقه على هذا علماء الكلام في قولهم العالم حادث فهو من المصطلحات.

والتعريف فيه للاستغراق بقرينة المقام الخطابي فإنه إذا لم يكن عهد خارجي ولم يكن معنى للحمل على الحقيقة ولا على المعهود الذهني تمحض التعريف للاستغراق لجميع الأفراد دفعاً للتحكم فاستغراقه استغراق الأجناس الصادق هو عليها لا محالة وهو معنى قول صاحب «الكشاف»: «ليشمل كل جنس مما سُمِّي به» إلا أن استغراق الأجناس يستلزم استغراق أفرادها استلزاماً واضحاً إذ الأجناس لا تقصد لذاتها لا سيما في مقام الحكم بالمربوبية عليها فإنه لا معنى لمربوبية الحقائق.

وإنما جمع العالم ولم يُؤت به مفرداً لأن الجمع قرينة على الاستغراق، لأنه لو أُفرد لتوهم أن المراد من التعريف العهد أو الجنس فكان الجمع تنصيصاً على الاستغراق، وهذه سنة الجموع مع (ال) الاستغراقية على التحقيق، ولما صارت الجمعية قرينة على الاستغراق بطل منها معنى الجماعات فكان استغراق الجموع مساوياً لاستغراق المفردات أو أشمل منه. وبطل ما شاع عند متابعي السكاكي من قولهم استغراق المفرد أشْمَل كما سنبينه عند قوله تعالى:

{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03829)[البقرة2: 31].

-14-

admin
12-19-2010, 02:54 PM
تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق



{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله تعالى: { الْحَمْدُ للهِ }.

لم يذكر لحمده هنا ظرفاً مكانياً ولا زمانياً. وذكر في سورة الروم أن من ظروفه المكانية: السماوات والأرض في قوله:

{ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07218) [الروم30: 18] الآية -

وذكر في سورة القصص أن من ظروفه الزمانية: الدنيا والآخرة في قوله:

{ وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07113) [القصص28: 70] الآية -

وقال في أول سورة سبأ

{ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07398) [سبأ34: 1]

والألف واللام في { الْحَمْدُ } لاستغراق جميع المحامد. وهو ثناء أثنى به تعالى على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه به.

وقوله تعالى: { رَبِّ الْعَالَمِينَ }.

لم يبين هنا ما العالمون، وبين ذلك في موضع آخر بقوله:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23-24] الآية.

قال بعض العلماء: اشتقاق العالم من العلامة، لأن وجود العالم علامة لا شك فيها على وجود خالقه متصفاً بصفات الكمال والجلال. قال تعالى

{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04274) [آل عمران3: 190]

والآية في اللغة: العلامة. <LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-19-2010, 03:03 PM
تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق 1-5

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله جل اسمه:

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ }

قيل: الحمْد والمدح والشكر ألفاظ متقاربة المعنى. كما انّ مقابلاتها وهي الذمّ والهجاء والكُفران كذلك. وقيل: الأولان مترادفان. وقيل: بل الحمدُ أخصّ منه لأنّه مختصٌّ بالإختياري. وقيل: الأخيران مترادفان. فيقال: الحمد لله شكراً. فنصبه على المصدريّة يقتضي وضع أحدهما موضع الثاني، فإذا كان الحمد يقع موقع الشكر، فالشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم. والحقّ انّ بين الحمْد والشكْر تعاكساً في العموم والخصوص بحسب المورد والمتعلّق، فانّ مورد الحمد هو اللسان، سواء كان بازاء النعمة الواصلة أم لا. وأما الشكر فهو على النعمة خاصّة، ومورده يعمّ الجنان واللسان والأركان كما قال:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أفادتكم النعماء منّي ثلاثة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يدي ولساني والضمير المحجّبا</TD></TR></TBODY></TABLE>

فالحمْد إحدى شعَب الشكْر بوجه، وانّما جعل رأس الشكر والعمدة فيه، كما في قوله (صلى الله عليه وآله): الحمْدُ رأسُ الشكرِ. وقوله (عليه السلام): مَا شكَر الله منْ لم يحمده، لكونه أشيع للنعمة، وأدلّ على مكانها، وأنطق للإفصاح عن بعض خفيّاتها في عالَم الحسّ، لخفاء عمل القلب وعقائده، ولما في آداب الجوارح من الإحتمال.

ولما كان الحمد من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة لا يكاد يستعمل معها، فأصله النصْب، والجملة فعليّة، وإنّما عدل به إلى الرفع بالابتدائية، والظرف خبره، والجملة إسميّة للدلالة على ثبات الحمد ودوامه دون تجدّده وحدوثه، ومنه قوله تعالى:

{ قَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05333) [هود11: 69]

للدلالة على أن إبراهيم (عليه السلام) حيّاهم تحيّة أحسن من تحيّتهم، لكون الإسمية دالّة على معنى الثبات دون الفعلية.

وقرأ الحسَن: الحمدِ لله باتباع الدال اللام، وابن عيلة بالعكس، والباعث لهما تنزيل الكلمتين المستعملتين معاً منزلة كلمة واحدة.

فصل

[حقيقة العمد]

ما مرّ من تخصيص الحمد باللسان، وكون الثناء باللسان عمدة أفراد الشكر، إنّما هو في نظر الحسّ - كما أومأنا إليه - وبحسب ما هو المتعارف عند المحجوبين، وأما في عرْف المكاشفين، فالحمد نوع من الكلام، وقد مرّ انّ الكلام غير مختصّ الوقوع باللسان، ولهذا حمد الله واثنى على ذاته بما هو أهله ومستحقّه، كما قال النبي (عليه وآله السلام): لا أحصي ثناءً عليك، أنتَ كما أثنيتَ على نفسك.

وكذا يحمده ويسبحه كل شيء، كما في قوله تعالى:

{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05864) [الإسراء17: 44].

فحقيقة الحمد عند العارفين المحقّقين، اظهار الصفات الكماليّة، وذلك قد يكون بالقول كما هو المشهو رعند الجمهور، وقد يكون بالفعل، وهو كحمد الله ذاته، وحمد جميع الأشياء له، وهذا القسم أقوى، لأنّ دلالة اللفظ من حيث هو لفظ دلالة وضعية قد يتخلّف عنها مدلولها، ودلالة الفعل - كدلالة آثار الشجاعة على الشجاعة، وآثار السخاوة على السخاوة - عقليّة قطعيّة لا يتصوّر فيها تخلّف، فحمد الله ذاته، وهو أجلّ مراتب الحمد، هو ايجاده كلّ موجود من الموجودات، فالله جل ثناؤه حيث بسط بساط الوجود على ممكنات لا تعدّ ولا تحصى، ووضع عليه موائدَ كرمه التي لا تتناهى، فقد كشفَ عن صفات كماله ونعوت جلاله، وأظهرَها بدلالات عقليّة تفصيليّة غير متناهية.

-1-

فإنّ كلّ ذرّة من ذرّات الوجود تدل عليها، ولا يتصور في العبارة مثل هذه الدلالات، كما وقع التنبيه عليه في الحديث المنقول سابقاً.

فايجاده تعالى كلَ موجود، هو الحمْد بالمعنى المصدري، بمنزلة التكلّم بالكلام الدالّ على الجميل، ونفس ذلك الموجود هو الحمْد بالمعنى الحاصل بالمصدر؛ فإطلاق الحمْدِ على كلّ موجود، صحيح بهذا المعنى، وكما ان كل موجود حمد، فهو حامد أيضاً لاشتماله على مقوّم عقليّ وجوهر نطقيّ، كأرباب الأنواع وملائكة الطباع وغيرهم، كما تقرّر في موضعه، ولذلك عبّر في القرآن عن تلك الدلالة العقليّة منه بالنطق في قوله تعالى:

{ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08030) [فصلت41: 21].

وكذلك جميع الموجودات من حيث نظامه الجملي حمد واحد وحامد واحد، لما قد ثبت انّ الجميع بمنزلة إنسان واحد كبير له حقيقة واحدة وصورة واحدة وعقل واحد، وهو العقل الأول الذي هو صورة العالَم وحقيقته، وهو الحقيقة التمامية المحمديّة، فأجلّ مراتب الحمْد وأعظمها هي المرتبة الختميّة المحمديّة القائمة بوجود الخاتم (ص) من حيث وصوله إلى المقام المحمود الموعود في قوله:

{ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05899) [الإسراء17: 79].

فذاته المقدّسة أقصى مراتب الحمد التي حمد الله بها ذاته، ولذلك خُصّ بلواءِ الحمْد، وسمّي بالحمّاد والأحمد والمحمود من مشتقّات الحمد كما قيل.

ولا يخفى عليك، أنّ القول بأنّ حقيقته (صلّى الله عليه وآله) أقصى مراتب الحمد، لا ينافي كونه بحسب وجوده العنصري أحد أجزاء العالَم الكبير، من حيث انّ دلالة جميع الموجودات على جميل صفات الله تعالى أقوى من دلالة موجود واحد هو جزء العالَم عليه، وذلك لأنّ الإنسان الكامل له أطوار متفاوتة ونشآت متنوّعة، فله (صلّى الله عليه وآله) جميع المقامات والنشآت، ففي وقت ومقام له أن يقول:

{ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06041)[الكهف18: 110].

وفي وقت ومقام له أن يقول: لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملَكٌ مقرّب ولا نبي مرسَل. وقوله: من أطاعني فقد أطاع الله ومَن أبغضني فقد أبغض الله.

وكونه أقصى مراتب الحمد إنّما يتحقّق في مقامه الجمعي الأخروي الذي هو المقام المحمود، ولهذا قال - كما روي عنه (صلّى الله عليه وآله) - فيلهمني الله محامَد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد.

مكاشفة


لمّا تقرّر انّ جميع مراتب الموجودات روحاً وجسماً عقلاً وحسّاً بجميع الألسنةِ قولاً وفِعلاً وحالاً، يحمدونه تعالى، ويسبّحونه ويمجّدونه في الدنيا والآخرة بحسب الفطرة الأصليّة، ومقتضى الداعية الذاتيّة، ولا شكّ انّ لكلّ فعلٍ غريزيّ غايةً ذاتيةً وباعثاً أصليّاً، وقد تقرّر انّ ذاته تعالى غاية الغايات ونهاية الرغبات، فعلى هذا قوله: الحَمْدُ لله، يمكن أن يكون إشارة إلى مبدأ الوجود وغايته، سواء كانت اللام في " الله " للغاية أو للاختصاص، فمعناه على الأول: أنّ حقيقة الوجود وجنسه، إذا كان التعريف في الحمد للجنس، أو الوجود كلّه، إذا كان للاستغراق - كما قيل - لأجل استكمالها بمعرفته تعالى ووصولها إليه.

-2-

ومعناه على الثاني: ان حقيقة الوجود، أو جميع أفراده لله تعالى، وإذا كانت هي له تعالى كان هو تعالى لها أيضاً، لقوله (صلّى الله عليه وآله): من كان لله كان الله له، فذاته تعالى علّة تماميّة كلّ شيءٍ، وغايةُ كمال كلّ موجود، إمّا بلا واسطة، كما للحقيقة المحمديّة التي هي صورة نظام العالَم وأصله ومنشأه، وإمّا بواسطة فيضه الأقدس، ووجوده المقدّس، كما لسائر الموجودات. وفيه سرّ الشفاعة ولواء الحمد.

قوله جل اسمه:

{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

الربّ: إمّا صفة، وإمّا مصدر وُصف به مبالغةً كالعدْل. سمّي به السيّد المطاع كقول لَبيد: وأهلكنَ يوما رَبَّ كِندَة وابنَه. أي سيّد كِندة. والمالك كقوله (صلّى الله عليه وآله) لرجل: أربَّ غَنَمٍ أنتَ أم ربّ إبل؟ فقال: من كل ما آتاني الله فأكثر وأطيب، والصاحب كقول أبي ذؤيب:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>قَد نَالَه ربُّ الكلاب بِكفّه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بِيضُ رِهاب ريشهن مُقَرَّعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي صاحب الكلاب. وغير ذلك.

واشتقاقُه من " التربية " وهي: تبليغ الشيء إلى كمالِه تدريجاً ولا يطلق على غيره تعالى إلاّ مقيداً، كقولهم: ربّ الدار، وربّ الناقة. وقول الإشراقيين للصورة المفارقة للطبائع الجسمانيّة ربُّ النوع. وقوله تعالى:

{ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05437)[يوسف12: 50].
{ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05410) [يوسف12: 23].

وقرأ زيد بن علي (عليه السلام) بالنصب، على المدح، أو النداء، أو بفعل مضمر دلّ عليه الحمْْد.

والعالمون: جمع عالَم وهو جمع لا واحد له من جنسه كالنفر والرَّهْط.

واشتقاقه: إمّا من العلامة، فهو اسم لما يُعلَم به كالخاتَم لما يختَم به، والقالِب لما يُقلب به، غلب فيما يُعلم به صانعُه، وإمّا من العلَم لأنّه يقع على ما يعلم وهو في عرف اللغة عبارة عن جماعة من العلماء من الملائكة والثقلين، وإنّما جُمع ليشمل كلّ جنس من مسمّاه. وغلب العقلاء فيهم، فجمع لمعنى وصفهم فيه بالواو والنون، وقيل: العالَم، لنوع ما يعقل، وهم الملائكة والجنّ والإنس. وقيل هم العقلاء خاصّة لقوله تعالى:

{ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06647) [الفرقان25: 1].

وقيل: هم الإنس لقوله:

{ أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06888) [الشعراء26: 165].

وفي المتعارف بين الناس، هو عبارة عن جميع المخلوقات من الجواهر والأعراض وقد دلّت عليه الآية

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23 - 24].

وفي تفسير البيضاوي: وقيل عنَى به الناس ها هنا، فإنّ كل واحد منهم عالَم من حيث إنّه يشتمل على نظائر ما في العالَم الكبير من الجواهر والأعراض يعلم بها الصانع، كما يعلم بما أبدعه في العالَم الكبير، ولذلك سوّى بين النظر فيهما، وقال تعالى:

-3-

{ وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08487) [الذاريات51: 21] انتهى.

أقول: كون كلّ واحدٍ من أفراد الناس أو أكثرهم مشتملاً على نظائر ما في العالَم الكبير كلاً أو جلاً، محل نظر، فربّ إنسان لم يتجاوز عن حدود البهيمية إلى درجة العقل، واشتماله على بعض نظائره غير مختصّ بالإنسان. ويمكن أن يراد بالعالمين ههنا العلماءِ من الإنسان، أما على عرف أصل اللغة فظاهر، وأمّا على المعارف بين الناس، فلأنّ كلُّ عالِم - بالكسر - عالَم - بالفتح - امّا باعتبار انّ فيه من كلّ ما في العالَم الكبير شيء، لأنّ نشاته الكاملة مظهر جميع الأسماء والصفات الإلهيّة ومجمع كلّ الحقائق الكونيّة، كما يعرفه متتبّعوا آيات الآفاق والأنفس، فيكون أنموذجاً لجميع ما في العالَم، فهو بهذا الاعتبار عالَم صغير، ولذلك سمّي بالعالَم الصغير، فكأنّه كتاب مختصر منتخَب من جميع العالَم، لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها، كما انّ القرآن مع وجازته مشتمل على جميع ما في الكتب السماويّة، وإما باعتبار انّه إذا برز باطنُه إلى عالَم الآخرة وحشر إلى ربّه، يصير علمه عيناً، وغيبه شهادةً، فكلّ ما يخطر بباله من الأفلاك والعناصر والجنّات والأنهار والحور والقصور وغير ذلك، يكون موجوداً في الخارج من غير مضايقة ومزاحمة فله من كلّ ما يريده ويشتهيه، ولو كان أعظم من هذا العالَم بكثير، فهو بهذا الاعتبار عالَم كبير برأسه، ليس جزءاً من أجزاء هذا العالَم، ولهذا سمّي بالعالم الكبير، بل بالعالَم الأكبر أيضاً نظراً إلى هذا.

وتسميته بالعالَم الصغير، إنّما وقع نظراً الى الاعتبار الأوّل، فعلى ما بيّنا زال الإشكال الذي ورد ها هنا من أن الإنسان من العالَم، فكيف يزيد على الكلّ.

وقد تكلّف بعض أهل النظر، ممّن يريد أن يطير مع الطيور السماويّة بأجنحة عمليّة صنعَها بيديه وألصقها بجنبيْه في دفع هذا الإشكال بهذا المقال وهو: أنّ أهل الذوق يجعلونَه من حيث الوجود الخارجي وما يشتمل عليه من الأجزاء والأحوال، جزءاً من العالَم حتّى يكونَ العالَم الصغير الذي يكون الإنسان كبيراً بالنسبة إليه هو الموجودات الخارجيّة، والعالَم الكبير هو الإنسان بجميع ما يشتمل عليه من الموجودات الخارجيّة والذهنيّة، فيزيد على العالَم بالموجودات الذهنية، ثم اعترض على نفسه اعتراضاً وارداً لا مدفع له بقوله:

فإن قلت: العالَم الكبير أيضاً يشتمل على الموجودات الذهنيّة، إذ العقولُ والنفوس الفلكيةُ ناطقة مدرِكة للأشياء كما هو المشهور بين الفلاسفة. فأجابَ عنه بقوله: قلتُ: أما العقولُ فلا احساس لها مطلقاً. وأما النفوس الفلكيةُ فلا احساس لها بالحواسُ الظاهرة. انتهى.

أقول: ولا يخفى ما فيه من الركاكة، فإنّه على تقدير صحّته، لا يثبت إلاّ كونه كبيراً بالنسبة إلى العقول والنفوس، لا بالنسبة إلى مجموع العالَم المشتمل على العقول والنفوس الكلية المدركة للكليّات، وعلى النفوس الجزئية الحيوانيّة المدركة للجزئيات، فالحقّ ما ذكرنا، من أنّ الإنسان الكامل عند خروج روحه عن مشيمة هذه العالَم، ونشر صحيفة ذاته، يكون كما أشار إليه أبو يزيد البسطامي بقوله: لو أنّ العرشَ وما حواه ألف مرّة وقع في زاوية قلب العارف لما ملأه، وقد أشار بعض أكابر العارفين في نظمه إلى هذا المعنى حيث قال:

-4-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>يا خالقَ الأشياءِ في نفسِه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>انتَ لِما تخلقُه جامعُ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>تخلقُ ما لا ينتهي كونُه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فيكَ فأنتَ الضيّقُ الواسعُ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>من وسعَ الحقَّ فما ضاقَ عن</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>خلْق فكيفَ الأمرُ يا سامعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

فقوله: من وسع الحقّ، إشارة الى الحديث القدسيّ المشهور، أعني " قوله سبحانه: ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ".

تنبيه


[في ان العالم دائم الحدوث]

ذكر البيضاوي أنّ فيه دليلاً على أنّ الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدِث حالَ حدوثها، فهي مفتقرة إلى المبقي حال بقاءِها، بناءً على ما ذكر سابقاً من انّ معنى التربية تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً.

وأقول: ليس فيه دليل على ذلك، إذ الشيء التدريجي لمّا كان حصوله على هذا الوجه، فجميع زمان وجوده هو بعينه زمان حدوثه، فالنامي مثلاً، زمان نموّه من أول نشوّه إلى منتهى كماله المقداري هو زمان حدوث مقداره الحاصل له شيئاً فشيئاً، وكفعل الصلاة فإن زمانه من لدن أول تكبيرة الافتتاح، إلى آخر تسليمة الاختتام، كلّه وقت الحدوث لا وقت البقاء. نعمْ، فيه دليل على أن العالَم تدريجيّ الحصول، متدرج في التكوّن.

ونحن قد أثبتنا في العلوم البرهانيّة حدوثَ العالَم، بإقامة البراهين القطعيّة على أنّ جواهر هذا العالَم، والصور الطبيعية للأجرام السماويّة والاسطقسيّة، كلها تدريجيّة الكون، سيّالة الحصول، غير قارّة الوجود، كالحركة المتّصلة ومقدارها من الزمان، وهذا التحقيق من المطالب الشريفة، اختصّ بدركها القلوبُ المنوّرة بنور الايمان والتابعيّة، دون النفوس المقتصرة على الأنظار الكلاميّة والآراء الفلسفيّة، وبه يظهر السرّ وينكشف الأمر، في أن خلق السموات والأرض وما بينهما، لماذا كان في ستّة أيام، كما سيجيء بيانه في موضعه.

-5-

admin
12-19-2010, 03:17 PM
تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) مصنف و مدقق 1-11

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03794) }


فاتحة الكتاب هي أم الكتاب، لا تصلح الصلاة بدونها، فأنت في كل ركعة تستطيع أن تقرأ آية من القرآن الكريم، تختلف عن الآية التي قرأتها في الركعة السابقة، وتختلف عن الآيات التي قرأتها في صلواتك.. ولكن إذا لم تقرأ الفاتحة فسدت الصلاة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تام " أي غير صالحة.

فالفاتحة أم الكتاب التي لا تصلح الصلاة بدونها، والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل.. فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله عز وجل حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين، قال الله عز وجل مجدني عبدي.. فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله عز وجل هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.. وإذا قال: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } قال الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ".

وعلينا أن نتنبه ونحن نقرأ هذا الحديث القدسي ان الله تعالى يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، ولم يقل قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي، ففاتحة الكتاب هي أساس الصلاة، وهي أم الكتاب.

نلاحظ ان هناك ثلاثة أسماء لله قد تكررت في بسم الله الرحمن الرحيم، وفي فاتحة الكتاب، وهذه الاسماء هي: الله. والرحمن والرحيم. نقول أن ليس هناك تكرار في القرآن الكريم، وإذا تكرر اللفظ يكون معناه في كل مرة مختلفا عن معناه في المرة السابقة، لأن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى.. ولذلك فهو يضع اللفظ في مكانه الصحيح، وفي معناه الصحيح..

قولنا: { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } هو استعانة بقدرة الله حين نبدأ فعل الأشياء.. إذن فلفظ الجلالة { ٱللَّهِ } في بسم الله، معناه الاستعانة بقدرات الله سبحانه وتعالى وصفاته. لتكون عونا لنا على ما نفعل. ولكن إذا قلنا: الحمد لله.. فهي شكر لله على ما فعل لنا. ذلك اننا لا نستطيع أن نقدم الشكر لله إلا إذا استخدمنا لفظ الجلالة. الجامع لكل صفات الله تعالى. لأننا نحمده على كل صفاته ورحمته بنا حتى لا نقول باسم القهار وباسم الوهاب وباسم الكريم، وباسم الرحمن.. نقول الحمد لله على كمال صفاته، فيشمل الحمد كمال الصفات كلها.

وهناك فرق بين { بِسْمِ ٱللَّهِ } الذي نستعين به على ما لا قدرة لنا عليه.. لأن الله هو الذي سخر كل ما في الكون، وجعله يخدمنا، وبين { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فإن لفظ الجلالة إنما جاء هنا لنحمد الله على ما فعل لنا.

-1-

فكأن " بسم الله في البسملة " طلب العون من الله بكل كمال صفاته.. وكأن الحمد لله في الفاتحة تقديم الشكر لله بكل كمال صفاته.

و { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } في البسملة لها معنى غير { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } في الفاتحة، ففي البسملة هي تذكرنا برحمة الله سبحانه وتعالى وغفرانه حتى لا نستحي ولا نهاب أن نستعين باسم الله ان كنا قد فعلنا معصية.. فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نستعين باسمه دائما في كل اعمالنا. فإذا سقط واحد منا في معصية، قال كيف استعين باسم الله، وقد عصيته؟ نقول له ادخل عليه سبحانك وتعالى من باب الرحمة.. فيغفر لك وتستعين به فيجيبك.

وانت حين تسقط في معصية تستعيذ برحمة الله من عدله، لأن عدل الله لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها.

وأقرأ قول الله تعالى:

{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05980) [الكهف18: 49]

ولولا رحمة الله التي سبقت عدله. ما بقي للناس نعمة وما عاش أحد على ظهر الأرض.. فالله جل جلاله يقول:

{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05753) [النحل16: 61]

فالانسان خلق ضعيفا، وخلق هلوعا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل أحدكم الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته، قالوا: حتى أنت يا رسول الله قال: حتى أنا ".

فذنوب الانسان في الدنيا كثيرة.. إذا حكم فقد يظلم. وإذا ظن فقد يسئ.. وإذا تحدث فقد يكذب.. وإذا شهد فقد يبتعد عن الحق.. وإذا تكلم فقد يغتاب.

هذه ذنوب نرتكبها بدرجات متفاوتة. ولا يمكن لأحد منا ان ينسب الكمال لنفسه حتى الذين يبذلون اقصى جهدهم في الطاعة لا يصلون الى الكمال، فالكمال لله وحده. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ".

ويصف الله سبحانه وتعالى الانسان في القرآن الكريم:

{ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05575) [إبراهيم14: 34]

ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى ألا تمنعنا المعصية عن ان ندخل الى كل عمل باسم الله.. فعلمنا أن نقول: { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } لكي نعرف أن الباب مفتوح للاستعانة بالله. وأن المعصية لا تمنعنا من الاستعانة في كل عمل باسم الله.. لأنه رحمن رحيم، فيكون الله قد أزال وحشتك من المعصية في الاستعانة به سبحانه وتعالى.

-2-

ولكن الرحمن الرحيم في الفاتحة مقترنة برب العالمين، الذي أوجدك من عدم.. وأمدك بنعم لا تعد ولا تحصى. انت تحمده على هذه النعم التي أخذتها برحمة الله سبحانه وتعالى في ربوبيته، ذلك أن الربوبية ليس فيها من القسوة بقدر ما فيها من رحمة.

والله سبحانه وتعالى رب للمؤمن والكافر، فهو الذي استدعاهم جميعا الى الوجود. ولذلك فإنه يعطيهم من النعم برحمته.. وليس بما يستحقون.. فالشمس تشرق على المؤمن والكافر.. ولا تحجب أشعتها عن الكافر وتعطيها للمؤمن فقط، والمطر ينزل على من يعبدون الله. ومن يعبدون أوثانا من دون الله. والهواء يتنفسه من قال لا إله إلا الله ومن لم يقلها.

وكل النعم التي هي من عطاء الربوبية لله هي في الدنيا لخلقه جميعا، وهذه رحمة.. فالله رب الجميع من أطاعه ومن عصاه. وهذه رحمة، والله قابل للتوبة، وهذه رحمة..

إذن ففي الفاتحة تأتي { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } بمعنى رحمة الله في ربوبيته لخلقه، فهو يمهل العاصي ويفتح ابواب التوبة لكل من يلجأ اليه.

وقد جعل الله رحمته تسبق غضبه. وهذه رحمة تستوجب الشكر. فمعنى { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } في البسملة يختلف عنها في الفاتحة. فإذا انتقلنا بعد ذلك الي قوله تعالى:

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فالله محمود لذاته ومحمود لصفاته، ومحمود لنعمه، ومحمود لرحمته، ومحمود لمنهجه، ومحمود لقضائه، الله محمود قبل ان يخلق من يحمده. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما الحمد لله.

والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعات وساعات.. تعد كلمات الشكر والثناء، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس. حتى تصل الى قصيدة أو خطاب ملئ بالثناء والشكر. ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته نعمه لا تعد ولا تحصى، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله..

ولعلنا نفهم ان المبالغة في الشكر للبشر مكروهة لأنها تصيب الانسان بالغرور والنفاق وتزيد العاصي في معاصيه.. فلنقلل من الشكر والثناء للبشر.. لأننا نشكر الله لعظيم نعمه علينا بكلمتين هما: الحمد لله، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا صيغة الحمد. فلو أنه تركها دون أن يحددها بكلمتين.. لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغة المناسبة ليحمدوا الله على هذا الكمال الالهي.. فمهما أوتي الناس من بلاغة وقدرة على التعبير. فهم عاجزون على أن يصلوا الى صيغة الحمد التي تليق بجلال المنعم.. فكيف نحمد الله والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو يحصي نعمه أو يحيط برحمته؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا صورة العجز البشري عن حمد كمال الالوهية لله، فقال: " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ".

-3-

وكلمتا الحمد لله، ساوى الله بهما بين البشر جميعا، فلو أنه ترك الحمد بلا تحديد، لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير. فهذا أمي لا يقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها الله. وهذا عالم له قدرة على التعبير يستطيع ان يأتي بصيغة الحمد بما أوتي من علم وبلاغة. وهكذا تتفاوت درجات البشر في الحمد.. طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا.

ولكن الحق تبارك وتعالى شاء عدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له.. فيعلمنا في أول كلماته في القرآن الكريم.. أن نقول { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث يستوي المتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام.

ولذلك فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا. ويظل الله دائما محمودا.. فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقنا خلق لنا موجبات الحمد من النعم، فخلق لنا السماوات والارض وأوجد لنا الماء والهواء. ووضع في الأرض أقواتها الى يوم القيامة.. وهذه نعمة يستحق الحمد عليها لأنه جل جلاله جعل النعمة تسبق الوجود الانساني، فعندما خلق الانسان كانت النعمة موجودة تستقبله. بل ان الله جل جلاله قبل أن يخلق آدم أبا البشر جميعا سبقته الجنة التي عاش فيها لا يتعب ولا يشقى. فقد خلق فوجد ما يأكله وما يشربه وما يقيم حياته وما يتمتع به موجودا وجاهزا ومعدا قبل الخلق.. وحينما نزل آدم وحواء الى الأرض كانت النعمة قد سبقتهما. فوجدا ما يأكلانه وما يشربانه، وما يقيم حياتهما.. ولو أن النعمة لم تسبق الوجود الانساني وخلقت بعده لهلك الانسان وهو ينتظر مجيء النعمة.

بل ان العطاء الالهي للانسان يعطيه النعمة بمجرد أن يخلق في رحم أمه فيجد رحما مستعدا لاستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل. فاذا خرج الى الدنيا يضع الله في صدر أمه لبنا ينزل وقت أن يجوع ويمتنع وقت أن يشبع. وينتهي تماما عندما تتوقف فترة الرضاعة. ويجد أبا وأما يوفران له مقومات حياته حتى يستطيع أن يعول نفسه.. وكل هذا يحدث قبل ان يصل الانسان إلى مرحلة التكليف وقبل أن يستطيع ان ينطق: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }.

وهكذا نرى أن النعمة تسبق الْمُنْعَمَ عليه دائما.. فالانسانَ حيث يقول " الحمد لله " فلأن موجبات الحمد ـ وهي النعمة ـ موجودة في الكون قبل الوجود الانساني.

والله سبحانه وتعالى خلق لنا في هذا الكون أشياء تعطي الانسان بغير قدرة منه ودون خضوع له، والانسان عاجز عن أن يقدم لنفسه هذه النعم التي يقدمها الحق تبارك وتعالى له بلا جهد.

-4-

فالشمس تعطي الدفء والحياة للارض بلا مقابل وبلا فعل من البشر، والمطر ينزل من السماء دون ان يكون لك جهد فيه أو قدرة على إنزاله. والهواء موجود حولك في كل مكان تتنفس منه دون جهد منك ولا قدرة. والأرض تعطيك الثمر بمجرد أن تبذر فيها الحب وتسقيه.. فالزرع ينبت بقدرة الله.. والليل والنهار يتعاقبان حتى تستطيع أن تنام لترتاح، وأن تسعى لحياتك.. لا أنت أتيت بضوء النهار، ولا أنت الذي صنعت ظلمة الليل، ولكنك تأخذ الراحة في الليل والعمل في النهار بقدرة الله دون أن تفعل شيئا.

كل هذه الاشياء لم يخلقها الانسان، ولكنه خلق ليجدها في الكون تعطيه بلا مقابل ولا جهد منه. ألا تستحق أن نقول الحمد لله على نعمة تسخير الكون لخدمة الانسان؟ إنها تقتضي وجوب الحمد.

وآيات الله سبحانه وتعالى في كونه تستوجب الحمد.. فالحياة التي وهبها الله لنا، والآيات التي أودعها في كونه لتدلنا على أن لهذا الكون خالقاً عظيماً. فالكون بشمسه وقمره ونجومه وأرضه وكل ما فيه مما يفوق قدرة الانسان.. ولا يستطيع أحد أن يدعيه لنفسه. فلا أحد مهما بلغ علمه يستطيع أن يدعي أنه خلق الشمس أو أوجد النجوم أو وضع الأرض أو وضع قوانين الكون أو أعطى غلافها الجوي.. أو خلق نفسه أو خلق غيره.

هذه الآيات كلها أعطتنا الدليل على وجود قوة عظمى، وهي التي أوجدت وهي التي خلقت.. وهذه الآيات ليست ساكنة، لتجعلنا في سكونها ننساها، بل هي متحركة لتلفتنا الي خالق هذا الكون العظيم.

فالشمس تشرق في الصباح فتذكرنا باعجاز الخلق، وتغيب في المساء لتذكرنا بعظمة الخالق.. وتعاقب الليل والنهار يحدث أمامنا كل يوم علمنا نلتفت ونفيق.. والمطر ينزل من السماء ليذكرنا بألوهية من أنزله.. والزرع يخرج من الأرض يسقي بماء واحد. ومع ذلك فإن كل نوع له لون وله شكل وله مذاق وله رائحة، وله تكوين يختلف عن الآخر، ويأتي الحصاد فيختفي الثمر والزرع.. ويأتي موسم الزراعة فيعود من جديد.

كل شيء في هذا الكون متحرك ليذكرنا اذا نسينا، ويعلمنا أن هناك خالقاً عظيماً.

ونستطيع أن نمضي في ذلك بلا نهاية فنعم الله لا تعد ولا تحصى.. وكل واحدة منها تدلنا على وجود الحق سبحانه وتعالى، وتعطينا الدليل الايماني على ان لهذا الكون خالقاً مبدعاً.. وانه لا أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق الكون أو خلق ما فيه.. فالقضية محسومة لله.. و { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } لأنه وضع في نفوسنا الإيمان الفطري ثم أيده بإيمان عقلي بآياته في كونه.

بل إن كل شيء في هذا الكون يقتضي الحمد، ومع ذلك فإن الانسان يمتدح الوجود وينسى الموجود!! فأنت حين ترى زهرة جميلة مثلا أو زهرة غاية في الإبداع.

-5-

. أو أي خلق من خلق الله يشيع في نفسك الجمال تمتدح هذا الخلق.. فتقول: ما أجمل هذه الزهرة أو هذه الجوهرة أو هذا المخلوق.. ولكن المخلوق الذي امتدحته، لم يعط صفة الجمال لنفسه.. فالزهرة لا دخل لها أن تكون جميلة أو غير جميلة، والجوهرة لا دخل لها في عظمة خلقها.. وكل شيء في هذا الكون لم يضع الجمال لنفسه وانما الذي وضع الجمال فيه هو الله سبحانه وتعالى، فلا نخلط ونمدح المخلوق وننسى الخالق.. بل قل: الحمد لله الذي أوجد في الكون ما يذكرنا بعظمة الخالق ودقة الخلق.

ومنهج الله سبحانه وتعالى يقتضي منا الحمد، لان الله أنزل منهجه ليرينا طريق الخير ويبعدنا عن طريق الشر.

فمنهج الله الذي أنزله على رسله قد عرفنا ان الله تبارك وتعالى هو الذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا.. فدقة الخلق وعظمته تدلنا على أن هناك خالقاً عظيماً.. ولكنها لا تستطيع أن تقول لنا من هو، ولا ماذا يريد منا. ولذلك أرسل الله رسله، ليقولوا لنا إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو الله تبارك وتعالى وهذا يستوجب الحمد.

ومنهج الله بين لنا ماذا يريد الحق منا، وكيف نعبده.. وهذا يستوجب الحمد. ومنهج الله جل جلاله أعطانا الطريق وشرع لنا اسلوب حياتنا تشريعاً حقاً.. فالله تبارك وتعالى لا يفرق بين أحد منا.. ولا يفضل أحداً على احد إلا بالتقوى، فكلنا خلق متساوون أمام الله جل جلاله..

إذن: فشريعة الحق، وقول الحق، وقضاء الحق، هو من الله، أما تشريعات الناس فلها هوى، تميز بعضا عن بعض.. وتأخذ حقوق بعض لتعطيها للآخرين، لذلك نجد في كل منهج بشرى ظلما بشريا.

فالدول الشيوعية أعضاء اللجنة المركزية فيها هم أصحاب النعمة والترف. بينما الشعب كله في شقاء.. لأن هؤلاء الذي شرعوا اتبعوا هواهم. ووضعوا مصالحهم فوق كل مصلحة.. وكذلك في الدول الرأسمالية. أصحاب رأس المال يأخذون كل الخير. ولكن الله سبحانه وتعالى حين نزل لنا المنهج قضى بالعدل بين الناس.. وأعطى كل ذي حق حقه. وعلمنا كيف تستقيم الحياة على الأرض عندما تكون بعيدة عن الهوى البشري خاضعة لعدل الله، وهذا يوجب الحمد.

والحق سبحانه وتعالى، يستحق منا الحمد لأنه لا يأخذ منا ولكنه يعطينا. فالبشر في كل عصر يحاولون استغلال البشر.. لأنهم يطمعون لما في ايديهم من ثروات وأموال، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج الى ما في أيدينا، إنه يعطينا ولا يأخذ منا، عنده خزائن كل شيء مصداقا لقوله جل جلاله:

{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05614) [الحجر15: 21]

فالله سبحانه وتعالى دائم العطاء لخلقه، والخلق يأخذون دائما من نعم الله، فكأن العبودية لله تعطيك ولا تأخذ منك وهذا يستوجب الحمد.

-6-

والله سبحانه وتعالى في عطائه يجب أن يطلب منه الانسان، وأن يدعوه وان يستعين به، وهذا يتوجب الحمد لأنه يقينا الذل في الدنيا. فأنت إن طلبت شيئا من صاحب نفوذ، فلابد ان يحدد لك موعدا أو وقت الحديث ومدة المقابلة، وقد يضيق بك فيقف لينهي اللقاء.. ولكن الله سبحانه وتعالى بابه مفتوح دائما.. فأنت بين يديه عندما تريد، وترفع يديك الى السماء وتدعو وقتما تحب، وتسأل الله ما تشاء، فيعطيك ما تريده إن كان خيرا لك.. ويمنع عنك ما تريده ان كان شرا لك.

والله سبحانه وتعالى يطلب منك ان تدعوه وان تسأله فيقول:

{ وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07984) [غافر40: 60] ويقول سبحانه وتعالى:
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03984) [البقرة2: 186]

والله سبحانه وتعالى يعرف ما في نفسك، ولذلك فإنه يعطيك دون أن تسأل. واقرأ الحديث القدسي:

يقول رب العزة:

" من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ".

والله سبحانه وتعالى عطاؤه لا ينفد، وخزائنه لا تفرغ، فكلما سألته جل جلاله كان لديه المزيد، ومهما سألته فإنه لا شيء عزيز على الله سبحانه وتعالى، إذا أراد أن يحققه لك..

واقرأ قول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>حسب نفسي عزا بأنني عبد</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يحتفي بي بلا مـواعيد رب</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>هو في قدسه الاعز ولكن</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أنا ألقى متى وأين أحب</TD></TR></TBODY></TABLE>

إذن: عطاء الله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد.. ومنعه العطاء يستوجب الحمد.

ووجود الله سبحانه وتعالى الواجب الوجود يستوجب الحمد.. فالله يستحق الحمد لذاته، ولولا عدل الله لبغى الناس في الارض وظلموا، ولكن يد الله تبارك وتعالى حين تبطش بالظالم تجعله عبرة.. فيخاف الناس الظلم.. وكل من أفلت من عقاب الدنيا على معاصيه وظلمه واستبداده سيلقى الله في الاخرة ليوفيه حسابه.. وهذا يوجب الحمد.. أن يعرف المظلوم أنه سينال جزاءه فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه ان هناك يوما سيرى فيه ظالمه وهو يعذب في النار.. فلا تصيبه الحسرة، ويخف احساسه بمرارة الظلم حين يعرف ان الله قائم على كونه لن يفلت من عدله أحد.

وعندما نقول: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فنحن نعبر عن انفعالات متعددة.. وهي في مجموعها تحمل العبودية والحب والثناء والشكر والعرفان.. وكثير من الانفعالات التي تملأ النفس عندما تقول: " الحمد لله " كلها تحمل الثناء العاجز عن الشكر لكمال الله وعطائه.. هذه الانفعالات تأتي من النفس وتستقر في القلب.. ثم تفيض من الجوارح على الكون كله.

-7-

فالحمد ليس ألفاظا تردد باللسان، ولكنها تمر أولا على العقل ليعي معنى النعم.. ثم بعد ذلك تستقر في القلب فينفعل بها.. وتنتقل الي الجوارح فأقوم واصلي لله شاكرا ويهتز جسدي كله، وتفيض الدمعة من عيني.. وينتقل هذا الانفعال كله الي من حولي.

ونفسر ذلك قليلا.. هب انني في أزمة أو كرب أو شيء سيؤدي الي فضيحة.. وجاءني من يفرج كربي فيعطيني مالا أو يفتح لي طريقا.. أول شيء انني سأعقل هذا الجميل فأقول انه يستحق الشكر.. ثم ينزل هذا المعنى الي قلبي فيهتز القلب الي صانع هذا الجميل.. ثم تنفعل جوارحي لأترجم هذه العاطفة إلي عمل يرضيه على جميل صنعه. ثم أحدث الناس عن جميله وكرمه فيسارعون إلي الالتجاء اليه.. فتتسع دائرة الحمد وتنزل النعم على الناس.. فيمرون بنفس ما حدث لي فتتسع دائرة الشكر والحمد..

والحمد لله تعطينا المزيد من نعم الله مصداقا لقوله تبارك وتعالى:

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05548) [إبراهيم14: 7]

وهكذا نعرف ان الشكر على النعمة يعطينا مزيدا من النعمة.. فنشكر عليها فتعطينا المزيد وهكذا يظل الحمد دائماً والنعمة دائمة.. اننا لو استعرضنا حياتنا كلها فكل حركة فيها تقتضي الحمد، عندما ننام ويأخذ الله سبحانه وتعالى أرواحنا، ثم يردها الينا عندما نستيقظ، فإن هذا يوجب الحمد، فالله سبحانه وتعالى يقول:

{ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07891) [الزمر39: 42]

وهكذا فإن مجرد استيقاظنا من النوم، وان الله سبحانه وتعالى رد علينا أرواحنا، وهذا الرد يستوجب الحمد، فإذا قمنا من السرير فالله سبحانه وتعالى هو الذي يعطينا القدرة على الحركة، ولولا عطاؤه ما استطعنا ان نقوم.. وهذا يستوجب الحمد.. فإذا تناولنا افطارنا فالله هيأ لنا طعاما من فضله، فهو الذي خلقه، وهو الذي انبته، وهو الذي زرقنا به، وهذا يستوجب الحمد..

فإذا نزلنا الى الطريق يسر الله لنا ما ينقلنا الى مقر اعمالنا وسخره لنا، سواء كنا نملك سيارة او نستخدم وسائل المواصلات، فله الحمد، واذا تحدثنا مع الناس فالله سبحانه وتعالى هو الذي اعطى السنتنا القدرة على النطق ولو شاء لجعلها خرساء لا تنطق.. وهذا يستوجب الحمد، فإذا ذهبنا الى أعمالنا، فالله يسر لنا عملا نرتزق منه لنأكل حلالا.. وهذا يستوجب الحمد..

واذا عدنا الى بيوتنا فالله سخر لنا زوجاتنا ورزقنا بأولادنا وهذا يستوجب الحمد.

اذن فكل حركة حياة في الدنيا من الانسان تستوجب الحمد.. ولهذا لابد ان يكون الانسان حامدا دائما.. بل ان الانسان يجب ان يحمد الله على اي مكروه أصابه؛ لأنه قد يكون الشيء الذي يعتبره شرا هو عينه الخير.

-8-

فالله تعالى يقول:

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04303) [النساء4: 19]

اذن فأنت تحمد الله لأن قضاءه خير.. سواء أحببت القضاء أو كرهته فإنه خير لك.. لأنك لا تعلم والله سبحانه وتعالى يعلم.

وهكذا من موجبات الحمد أن تقول الحمد لله على كل ما يحدث لك في دنياك. فأنت بذلك ترد الامر الى الله الذي خلقك.. فهو أعلم بما هو خير لك.

فاتحة الكتاب تبدأ بالحمد لله رب العالمين.. لماذا قال الله سبحانه وتعالى رب العالمين؟ نقول إن { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } تعني حمد الألوهية. فكلمة الله تعني المعبود بحق.. فالعبادة تكليف والتكليف يأتي من الله لعبيده.. فكأن الحمد اولا لله.. ثم يقتضي بعد ذلك أن يكون الحمد لربوبية الله على ايجادنا من عدم وامدادنا من عدم.. لأن المتفضل بالنعم قد يكون محمودا عند كل الناس.. لكن التكليف يكون شاقا على بعض الناس.. ولو علم الناس قيمة التكليف في الحياة.. لحمدوا الله أن كلفهم بافعل ولا تفعل.. لأنه ضمن عدم تصادم حركة حياتهم.. فتمضي حركة الحياة متساندة منسجمة. اذن فالنعمة الاولى هي أن المعبود ابلغنا منهج عبادته، والنعمة الثانية أنه رب العالمين.

في الحياة الدنيا هناك المطيع والعاصي، والمؤمن وغير المؤمن.. والذين يدخلون في عطاء الالوهية هم المؤمنون.. أما عطاء الربوبية فيشمل الجميع.. ونحن نحمد الله على عطاء ألوهيته، ونحمد الله على عطاء ربوبيته، لأنه الذي خلق، ولأنه رب العالمين.. الكون كله لا يخرج عن حكمه.. فليطمئن الناس في الدنيا ان النعم مستمرة لهم بعطاء ربوبيه.. فلا الشمس تستطيع أن تغيب وتقول لن أشرق ولا النجوم تستطيع أن تصطدم بعضها ببعض في الكون، ولا الأرض تستطيع أن تمنع إنبات الزرع.. ولا الغلاف الجوي يستطيع أن يبتعد عن الأرض فيختنق الناس جميعا..

اذن فالله سبحانه وتعالى يريد ان يطمئن عباده انه رب لكل ما في الكون فلا تستطيع اى قوى تخدم الانسان ان تمتنع عن خدمته.. لأن الله سبحانه وتعالى مسيطر على كونه وعلى كل ما خلق.. انه رب العالمين وهذه توجب الحمد.. ان يهيئ الله سبحانه وتعالى للانسان ما يخدمه، بل جعله سيدا في كونه.. ولذلك فإن الانسان المؤمن لا يخاف الغد.. وكيف يخافه والله رب العالمين. اذا لم يكن عنده طعام فهو واثق ان الله سيرزقه لأنه رب العالمين.

-9-

. واذا صادفته ازمة فقلبه مطمئن الي ان الله سيفرج الازمة ويزيل الكرب لأنه رب العالمين.. واذا اصابته نعمة ذكر الله فشكره عليها لانه رب العالمين الذي انعم عليه.

فالحق سبحانه وتعالى يحمد على انه رب العالمين.. لا شيء في كونه يخرج عن مراده الفعلي.. اما عطاء الالوهية فجزاؤه في الاخرة.. فالدنيا دار اختبار للايمان، والاخرة دار الجزاء.. ومن الناس من لا يعبد الله.. هؤلاء متساوون في عطاء الربوبية مع المؤمنين في الدنيا.. ولكن في الآخرة يكون عطاء الالوهية للمؤمنين وحدهم.. فنعم الله لأصحاب الجنة، وعطاءات الله لمن آمن.. واقرأ قوله تبارك وتعالى.

{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04777) [الأعراف7: 32]

على ان الحمد لله ليس في الدنيا فقط.. بل هو في الدنيا والاخرة.. الله محمود دائما.. في الدنيا بعطاء ربوبيته لكل خلقه.. وعطاء الوهيته لمن آمن به وفي الاخرة بعطائه للمؤمنين من عباده.. واقرأ قوله جل جلاله:

{ وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07923) [الزمر39: 74] وقوله تعالى:
{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05165) [يونس10: 10]

فاذا انتقلنا الى قوله تعالى: { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } فمن موجبات الحمد أن الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم.. يعطي نعمه في الدنيا لكل عباده عطاء ربوبية، وعطاء الربوبية للمؤمن والكافر.. وعطاء الربوبية لا ينقطع الا عندما يموت الانسان..

والله لا يحجب نعمه عن عبيده في الدنيا.. ونعم الله لا تعد ولا تحصى ومع كل التقدم في الآلات الحاسبة والعقول الالكترونية وغير ذلك فإننا لم نجد أحدا يتقدم ويقول انا سأحصي نعم الله.. لأن موجبات الاحصاء ان تكون قادرا عليه.. فانت لا تقبل على عد شيء الا اذا كان في قدرتك ان تحصيه.. ولكن مادام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فانك لا تقبل عليه.. ولذلك لن يقبل احد حتى يوم القيامة على احصاء نعم الله تبارك وتعالى لان احدا لا يمكن ان يحصيها.

ولابد ان نلتفت الى ان الكون كله يضيق بالانسان، وان العالم المقهور الذي يخدمنا بحكم القهر والتسخير يضيق حين يرى العاصين.. لان المقهور مستقيم على منهج الله قهرا.. فحين يرى كل مقهور الانسان الذي هو خدمته عاصيا يضيق.

واقرأ الحديث القدسي لتعرف شيئا عن رحمة الله بعباده.. يقول الله عز وجل: " ما من يوم تطلع شمسه إلا وتنادي السماء تقول يا رب إئذن لي أن أسقط كسفا على ابن آدم؛ فقد طعم خيرك ومنع شكرك وتقول البحار يا رب إئذن لي أن أغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وتقول الجبال يا رب إئذن لي أن أطبق على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فيقول الله تعالى: دعوهم دعوهم لو خلقتموهم لرحمتوهم إنهم عبادي فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم "

-10-

رواه الإِمام أحمد بن حنبل في مسنده ".

تلك تجليات صفة الرحمن وصفة الرحيم.. وكيف ضمنت لنا بقاء كل ما يخدمنا في هذا الكون مع معصية الانسان.. انها كلها تخدمنا بعطاء الربوبية وتبقى في خدمتنا بتسخير الله لها لانه رحمن رحيم..

بعض الناس قد يتساءل هل تتكلم الارض والسماء وغيرها من المخلوقات في عالم الجماد والنبات والحيوان؟ نقول نعم ان لها لغة لا نعرفها نحن وانما يعرفها خالقها.. بدليل انه منذ الخلق الاول ابلغنا الحق تبارك وتعالى ان هناك لغة لكل هذه المخلوقات.. واقرأ قوله جل جلاله:

{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08020) [فصلت41: 11]

إذن فالأرض والسماء فهمت كلتاهما عن الله.. وقالت له سبحانه وتعالى { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } ألم يُعَلَمْ الله سليمان منطق الطير ولغة النمل؟ ألم تسبح الجبال مع داود؟ إذن كل خلق الله له ادراكات مناسبة له.. بل له عواطف.. فعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن قوم فرعون.. قال:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08230)كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08230) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08231) وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08232) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08233) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08234) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08234) [الدخان44: 25-29]

اذن فالسماوات والارض لهما انفعال.. انفعال يصل الى مرحلة البكاء.. فهما لم تبكيا على فرعون وقومه.. ولكنهما تبكيان حزنا عندما يفارقهما الانسان المؤمن المصلي المطبق لمنهج الله.. ولقد قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه: (إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان موضع في الارض وموضع في السماء.. اما الموضع في الارض فهو مكان مصلاه الذي اسعده وهو يصلي فيه. واما الموضع في السماء فهو مصعد عمله الطيب).


-11-

admin
12-19-2010, 03:19 PM
تفسير أيسر التفاسير/ أسعد حومد مصنف و مدقق

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ (javascript:Open_Menu()) }


{ ٱلْعَالَمِينَ }

(2) - الثَّنَاءُ الجَمِيلُ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ للهِ وَحْدَهُ، وَنُثْنِي عَلَيْهِ الثَّنَاءَ لأَِنَّهُ مُنْشِيءُ المَخْلُوقَاتِ، والقَائمُ عَلَيْهَا.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-19-2010, 03:31 PM
تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق 1-5

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


الحمدُ: الثناءُ على الجميل سواءً كان نعمةً مُسْداةً إلى أحدٍ أم لا، يقال: حَمِدْتُ الرجل على ما أنعم به عليَّ وحَمِدْته على شجاعته، ويكون باللسان وحدَه دونَ عملِ الجَواح، إذ لا يقال: حَمِدْت زيداً أي عَمِلْتُ له بيديَّ عملاً حسناً، بخلافِ الشكر فإنه لا يكونُ إلاَّ نعمةً مُسْدَاةً إلى الغيرِ، يقال: شكرتُه على ما أعطاني، ولا يقال: شكرتُه على شجاعته، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، قال تعالى:

{ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07410)[سبأ34: 13],

وقال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>34ـ أفادَتْكُمُ النَّعْماءُ مني ثلاثةً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يدي ولساني والضميرَ المُحَجَّبا</TD></TR></TBODY></TABLE>

فيكونُ بين الحمد والشكر عمومٌ وخصوصٌ من وجهٍ. وقيل: الحمدُ هو الشكرُ بدليل قولهم: " الحمدُ لله شكراً ". وقيل: بينهما عمومٌ/ وخصوصٌ مطلقٌ والحمدُ أعمُّ من الشكرِ، وقيل: الحمدُ الثناءُ عليه تعالى بأوصافه، والشكرُ الثناءُ عليه بأفعالِه، فالحامدُ قسمان: شاكرٌ ومُثْنٍ بالصفاتِ الجميلة. وقيل: الحمدُ مقلوبٌ من المدحِ، وليس بسديدٍ وإن كان منقولاً عن ثعلب، لأن المقلوبَ أقلُّ استعمالاً من المقلوب منه، وهذان مستويان في الاستعمال، فليس ادِّعاءُ قلبِ أحدِهما من الآخر أَوْلَى من العكس، فكانا مادتين مستقلتين، وأيضاً فإنه يَمْتنع إطلاقُ المدحِ حيث يجوزُ إطلاقُ الحمدِ، فإنه يقال: " حَمِدْتُ الله " ولا يقال مَدَحْته، ولو كان مقلوباً لَما امتنع ذلك. ولقائلٍ أن يقول: مَنَعَ من ذلك مانعٌ، وهو عَدَمُ الإِذْنِ في ذلك.

وقال الراغب: " الحمدُ لله الثناء [عليه] بالفضيلة، وهو أخصُّ من المدحِ وأعمُّ من الشكر، يقال فيما يكونُ من الإِنسان باختياره وبما يكونُ منه وفيه بالتسخير، فقد يُمْدَحُ الإِنسان بطولِ قامتهِ وصَباحةِ وجههِ كما يُمْدَحُ ببذلِ مالِه وشجاعتهِ وعلمهِ، والحمدُ يكون في الثاني دونَ الأول، والشكرُ لا يُقال إلا في مقابلةِ نعمة، فكلُّ شكرٍ حَمْدٌ وليس كل حمدٍ شكراً، وكلُّ حَمْدٍ مَدْحٌ وليس كلُّ مَدْحٍ حمداً، ويقال: فلان محمود إذا حُمِد، ومُحْمَدٌ [وُجد محموداً] ومُحَمَّد كَثُرت خصالُه المحمودة، وأحْمَدُ أي: إنه يفوق غيرَه في الحمد ".

والألفَ واللامُ في " الحَمْد " قيل: للاستغراقِ وقيل: لتعريفِ الجنسِ، واختاره الزمخشري، قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>35ـ..........................</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>إلى الماجِدِ القَرْمِ الجَوادِ المُحَمَّدِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقيل: للعَهْدِ. وَمَنع الزمخشري كونَها للاستغراق، ولم يبيِّنْ وجهَ ذلك، ويُشْبِه أن يقال: إنَّ المطلوبَ من العبد إنشاء الحمد لا الإِخبارُ به وحينئذ يستحيلُ كونُها للاستغراقِ، إذ لا يُمْكنُ العبدَ أن يُنْشِئَ جميعَ المحامدِ منه ومن غيرِه بخلافِ كونِها للجنسِ.

والأصلُ فيه المصدريةُ فلذلك لا يُثَنَّى ولا يُجْمع، وحكى ابنُ الأعرابي جمعَه على أَفْعُل وأنشد:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>36ـ وأَبْلَجَ محمودِ الثناء خَصَصْتُه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بأفضلِ أقوالي وأفضلِ أَحْمُدي</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقرأ الجمهور: " الحمدُ لِلَّه " برفع الدال وكسر لام الجر، ورفعُه على الابتداء، والخبرُ الجار والمجرور بعده فيتعلَّقُ بمحذوف هو الخبرُ في الحقيقة.

-1-

ثم ذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَه اسماً وهو المختار، وإنْ شئتَ قدَّرْتَه فِعْلاً، أي: الحمدُ مستقرٌّ لله أو استقرَّ لله. والدليلُ على اختيار القول الأولِ أنَّ ذلك يتعيَّن في بعض الصور فلا أدلُّ من ترجيحه في غيرها، وذلك أنك إذا قلت: " خرجت فإذا في الدار زيدٌ " ، و " أمَّا في الدار فزيدٌ " ، يتعيَّن في هاتين الصورتين تقديرُ الاسم، لأن إذا الفجائية وأمَّا التفصيلية لا يليهما إلا المبتدأ. وقد عورض هذا اللفظُ بأنه يتعيَّن تقديرُ الفعلِ في بعضِ الصور، وهو ما إذا ما وقع الجارُّ والمجرورُ صلةً لموصولٍ، نحو: " الذي في الدار " فليكنْ راجحاً في غيره. والجوابُ أن ما رَجَّحْنا به هو من باب المبتدأ والخبر وليس أجنبياً فكان اعتباره أولى، بخلاف وقوعه صلةً، والأولُ غيرُ أجنبي.

ولا بُد من ذِكْر قاعدةٍ ههنا لعموم فائدتها، وهي أنَّ الجارَّ والمجرورَ والظرفَ إذا وَقَعا صلة أو صفة أو حالاً أو خبراً تعلقا بمحذوفٍ، وذلك المحذوفُ لا يجوز ظهورهُ إذا كان كوناً مطلقاً، فأمَّا قول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>37ـ لكَ العِزُّ إنْ مَوْلاكَ عَزَّ وإنْ يَهُنْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فأنت لدى بُحْبوحَةِ الهُونِ كائِنُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

فشاذٌّ لا يُلتفَتُ إليه. وأمَّا قوله تعالى:

{ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06990) [النمل27: 40]

فلم يَقْصِدْ جَعْلَ الظرفِ ثابتاً فلذلك ذكرَ المتعلِّقَ به. ثم ذلك المحذوفُ يجوز تقديرُه باسم أو فعل إلا في الصلة فإنه يتعيَّن أن يكون فعلاً، وإلاَّ في الصورتين المذكورتين فإنه يتعيَّنُ أَنْ يكونَ اسماً. واختلفوا: أيُّ التقديرين أولى فيما عدا الصورَ المستثناةَ؟ فقوم رجَّحوا تقديرَ الاسمِ، وقومٌ رجَّحوا تقديرَ الفعلِ، وقد تقدَّم دليلُ الفريقين.

وقرئ شاذاً بنصب الدال من " الحمد " ، وفيه وجهان: أظهرهُما أنه منصوبٌ على المصدرية، ثم حُذِف العاملُ، وناب المصدرُ مَنَابَه، كقولهم في الإِخبار: " حمداً وشكراً لا كُفْراً " ، والتقدير: أَحْمَدُ الله حَمْداً فهو مصدرٌ نابَ عن جملة خبرية. وقال الطبري: إن في ضمنه أمرَ عبادِه أن يُثْنوا به عليه، فكأنه قال: قولوا الحمدَ لله، وعلى هذا يجييء " قولوا إياك " فعلى هذه العبارة يكون من المصادر النائبة عن الطلب لا الخبر، وهو محتملٌ للوجهين، ولكنَّ كونَه خبرياً أَوْلَى من كونه طلبياً؛ ولا يجوز إظهارُ هذا الناصبِ لِئلاّ يُجْمَع بين البدلِ والمُبْدلِ منه. والثاني: أَنه منصوبٌ على المفعول به أي اقرؤوا الحمدَ، أو اتلوا الحمدَ، كقولهم: " اللهم ضَبُعاً وذئْباً " ، أي اجمَعْ ضبُعاً، والأولُ أحسن للدلالةِ اللفظيةِ.

وقراءةُ الرفع أَمْكَنُ وأَبْلَغُ من قراءة النصب، لأنَّ الرفعَ في بابِ المصادر التي أصلُها النيابةُ عن أفعالها يَدُلُّ على الثبوتِ والاستقرارِ بخلافِ النصب فإنه يَدُلُّ على الثبوتِ والاستقرارِ بخلافِ النصب فإنه يَدُلُّ على التجدُّدِ والحدوثِ، ولذلك قال العلماء: إن جوابَ خليل الرحمن عليه السلام في قوله تعالى حكايةً عنه:

-2-

{ قَالَ سَلاَمٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05333) [هود11: 69]

أحسنُ مِنْ قول الملائكة " قالوا سلاماً " ، امتثالاً لقوله تعالى:

{ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04370) [النساء4: 86].

و " لله " على قراءة النصب يتعلَّق بمحذوفٍ لا بالمصدرِ لأنها للبيان تقديره: أَعْنِي لله، كقولهم: سُقْياً له وَرَعْياً لك، تقديرهُ: أعني له ولك، ويدلُّ على أن اللام تتعلق في هذا النوع بمحذوفٍ لا بنفسِ المصدرِ أنهم لم يُعْمِلوا المصدرِ المتعدي في المجرورِ باللام فينصبوه فيقولوا: / سُقياً زيداً ولا رَعْياً عمراً، فدلَّ على أنه ليس معمولاً للمصدرِ، ولذلكَ غَلِظَ مَنْ جعلَ قولَه تعالى:

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08344) [محمد47: 8]

من باب الاشتغالِ لأنَّ " لهم " لم يتعلَّق بِتَعْساً كما مَرَّ. ويحتمل أن يقال: إنَّ اللام في " سُقياً لك " ونحوِه مقويةٌ لتعدية العاملِ لكونِه فَرْعاً فيكونُ عاملاً فيما بعدَه.

وقُرئ أيضاً بكسرِ الدال، ووجهُه أنها حركةُ إتباعٍ لكسرةِ لامِ الجر بعدها، وهي لغة تميم وبعض غطفان، يُتْبِعُون الأول للثاني للتجانس، ومنه: " اضربِ الساقَيْنُ أُمُّك هابِلُ " ، بضم نون التثنية لأجل ضمِّ الهمزة. ومثله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>38ـ وَيْلِمِّها في هواءِ الجَوِّ طالبةً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبٌ</TD></TR></TBODY></TABLE>

الأصل: ويلٌ لأُِمها، فَحَذَفَ اللامَ الأولى، واستثقل ضمَّ الهمزةِ بعد الكسرة، فَنَقَلها إلى اللام بعد سَلْب حركتها، وحَذَفَ الهمزةَ، ثم أَتْبع اللامَ الميمَ، فصار اللفظ: وَيْلِمِّها، ومنهم مَنْ لا يُتبع، فيقول: وَيْلُمِّها بضم اللام، قال:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>39ـ وَيْلُمِّها خُلَّةً قد سِيْطَ مِنْ دمِها</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فَجْعٌ وَوَلْعٌ [وإخلافٌ وتَبِدِيلُ]</TD></TR></TBODY></TABLE>

ويُحتمل أن تكونَ هذه القراءة من رفعٍ وأن تكونَ مِنْ نصبٍ، لأنَّ الإِعرابَ مقدرٌ مَنَعَ من ظهورِه حركةُ الإِتباعِ.

وقُرئ أيضاً: " لُلَّهِ " بضمِّ لامِ الجرِّ، قالوا: وهي إتباعٌ لحركة الدالِ، وفضَّلها الزمخشري على قراءة كسر الدال معتلاً لذلك بأنَّ إتباع حركة البناء لحركة الإِعراب أحسنُ من العكس وهي لغةُ بعضِ قيس، يُتْبعون الثاني للأول نحو: مُنْحَدُرٌ ومُقُبلِين، بضمِّ الدالِ والقافِ لأجلِ الميم، وعليه قُرئ:

{ مُرْدِفين } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04960) [الأنفال8: 9]

بضمِّ الراءِ إتباعاً للميمِ، فهذه أربعُ قراءاتٍ في " الحمدُ لله " وقد تقدَّم توجيهُ كلٍّ منها.

ومعنى لام الجر هنا الاستحقاقُ، أي الحمدُ مستحقٌ لله، ولها معانٍ أُخَرُ، نذكرها الآن، وهي الملك والاستحقاق [نحو:] المالُ لزيد، الجُلُّ للفرس، والتمليك نحو: وَهَبْتُ لك وشبهِه، نحو:

{ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05764) [النحل16: 72]،

والنسب نحو: لزيد عَمُّ " والتعليلُ نحو:

{ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04389) [النساء4: 105]

والتبليغ نحو: قلتُ لك، والتعجبُ في القسم خاصة، كقوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>40ـ للهِ يَبْقى على الأيام ذو حِيَدٍ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

والتبيين نحو: قوله تعالى:

{ هَيْتَ لَكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05410) [يوسف12: 23]،

والصيرورةُ نحو قوله تعالى:

{ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07051) [القصص28: 8]،

والظرفية: إمَّا بمعنى في، كقوله تعالى:

{ وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06321) [الأنبياء21: 47]،

أو بمعنى عِنْد، كقولهم: " كتبتُه لخمسٍ " أي عند خمس، أو بمعنى بَعْدَ، كقوله تعالى:

-3-

{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05898) [الإسراء17: 78]

أي: بعد دلوكها، والانتهاء، كقوله تعالى:

{ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07464) [فاطر35: 13]،

والاستعلاء نحو قوله تعالى:

{ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05929) [الإسراء17: 109]

أي على الأذقان، وقد تُزاد باطِّراد في معمول الفعل مقدَّماً عليه كقوله تعالى:

{ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05430)[يوسف12: 43]

أو كان العاملُ فَرْعاً، نحوُ قولِه تعالى:

{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05371) [هود:11 107]

وبغيرِ اطًِّراد نحو قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>41ـ ولمَّا أَنْ توافَقْنا قليلاً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أنَخْنا للكلاكِل فارتَمَيْنا</TD></TR></TBODY></TABLE>

وأمَّا قوله تعالى:

{ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07022) [النمل27: 72]

فقيلَ: على التضمين. وقيل هي زائدة.

قوله { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }: الربُّ لغةً: السيِّدُ والمالك والثابِت والمعبود، ومنه:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>42ـ أَرَبٌّ يبول الثُّعْلُبان برأسه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لقد هانَ مَنْ بالَتْ عليه الثعالبُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

والمُصْلِح. وزاد بعضُهم أنه بمعنى الصاحب وأنشد:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>43ـ قَدْ ناله ربُّ الكلاب بكفِّه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بيضٌ رِهافٌ ريشُهُنَّ مُقَزَّعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

والظاهرُ أنه هنا بمعنى المالك، فليس هو معنى زائداً، وقيل: يكون بمعنى الخالق.

واختلف فيه: هل هو في الأصل وصفٌ أو مصدرٌ؟ فمنهم مَنْ قال: هو وصفٌ ثم اختلف هؤلاء في وزنه، فقيل: هو على وزن فَعَل كقولك: نَمَّ يَنُمُّ فهو نَمٌّ، وقيل: وزنه فاعِل، وأصله رابٌّ، ثم حُذفت الألف لكثرةِ الاستعمال، كقولهم: رجل بارٌّ وبَرٌّ. ولِقائلٍ أن يقول: لا نُسَلِّم أنَّ بَرَّاً مأخوذٌ من بارّ بل هما صيغتان مستقلتان فلا ينبغي أن يُدَّعى أن ربَّاً أصله رابٌّ. ومنهم من قال: هو مصدَر ربَّهُ يَرُبُّه رَبَّاً أي مَلَكَه، قال: " لأَنْ يَرُبَّني رجلٌ من قريش أحبُّ إليَّ أن يَرُبِّني رجلٌ من هوازن " ، فهو مصدَرٌ في معنى الفاعل، نحو: رجل عَدْلٌ وصَوم، ولا يُطلق على غير الباري تعالى إلا بقيدِ إضافة، نحو قوله تعالى:

{ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05437) [يوسف12: 50]،

ويقولون: " هو ربُّ الدار وربُّ البعير " وقد قالَتْه الجاهلية للمَلِك من الناس من غير قَيْدٍ، قال الحارث بن حلزة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>44ـ وهو الربُّ والشهيدُ على يَوْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>مِ الحِيَارَيْنِ والبلاءُ بلاءُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وهذا من كفرهم.

وقراءةُ الجمهور مجروراً على النعت لله أو البدل منه، وقُرئ منصوباً، وفيه ثلاثةُ أوجه: إمَّا [منصوبٌ] بما دَلَّ عليه الحمدُ، تقديره: أَحْمَدُ ربِّ العالمين، أو على القطعِ من التبعِيَّة أو على النداء وهذا أضعفُها؛ لأنه يؤدِّي إلى الفصلِ بين الصفةِ والموصوف. وقُرئ مرفوعاً على القَطْعِ من التبعيَّة فيكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي هو ربُّ.

وإذا قصد عُرِض ذِكْرُ القَطْعِ في التبعية فلنستطرِدْ ذكرَه لعمومِ الفائدةِ في ذلك: اعلم أن الموصوف إذا كان معلوماً بدون صفتهِ وكانَ الوصفُ مدحاً، أو ذَمَّاً أو ترحُّماً جاز في الوصفِ [التابع] الإِتباعُ والقطعُ، والقطعُّ إمَّا على النصب بإضمار فعل لائقٍ، وإمَّا على الرفع على خبر مبتدأ محذوف، ولا يَجُوز إظهارُ هذا الناصبِ ولا هذا المبتدأ، نحو قَولِهم: " الحمدُ لله أهلَ الحمدِ " رُوِي بنصب " أهل " ورفعِه، أي: أعني أهلَ أو هو أهلُ الحمد.

-4-

وإذا تكَرَّرت النعوتُ والحالةُ هذه كنتَ مخيَّراً بين ثلاثةِ أوجهٍ: إمّا إتْباعِ الجميع أو قطعِ الجميعِ أو قطعِ البعض وإتباعِ البعضِ، إلا أنك إذا أَتْبَعْتَ البعضَ وقَطَعْتَ البعضَ وجب أن تبدأَ بالإِتباع، ثم تأتي بالقَطْعِ من غير عكسٍ، نحو: مَرَرْتُ بزيد الفاضلِ الكريمُ، لئلا يلزمَ الفصلُ بين الصفة والموصوف بالجملة المقطوعة.

والعالمين: خفضٌ بالإِضافةِ، علامةُ خفضِه الياءُ لجريانه مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ، وهو اسمُ جمع لأن واحدَه من غير لفظِه، ولا يجوز أن يكونَ جمعاً لعالَم، لأنَّ الصحيحَ في " عالَم " أنه يُطلَقُ على كلِّ موجودٍ سوى الباري تعالى، لاشتقاقِه من العَلامة بمعنى أنه دالٌّ على صانعه، وعالَمون بصيغة الجمع لا يُطلق إلا على العقلاء دونَ غيرهم، فاستحالَ أن يكونَ عالَمون جمع عالَم؛ لأن الجمع لا يكون أخصَّ من المفرد، وهذا نظيرُ ما فعله سيبويه في أنَّ " أعراباً " ليس جمعاً لـِ " عَرَب " لأن عَرَباً يُطلق على البَدَويّ والقَرويّ، وأعراباً لا يُطلق إلاَّ على البدوي دون القروي. فإنْ قيل: لِمَ لا يجوز أن يكون " عالَمون " جمعاً لـ " عالَم " مُراداً به العاقلُ دونَ غيره فيزولَ المحذورُ المذكورُ؟ أُجيبَ عن هذا بأنه لو جاز ذلك لجاز أن يقال: شَيْئون جمع شَيء مراداً به العاقلُ دونَ غيره، فدلَّ عدمُ جوازِه على عَدم ادِّعاء ذلك. وفي الجواب نظرٌ، إذ لقائلٍ أن يقول: شَيْئون مَنَعَ مِنه مانعٌ آخرٌ وهو كونُه ليس صفةً ولا علماً، فلا يلزم مِنْ مَنْعِ ذلك منعُ " عالَمين " مراداً به العاقلُ، ويؤيِّد هذا ما نقل الراغب عن ابن عباس أن " عالَمين " إنما جُمع هذا الجمعَ لأنَّ المرادَ به الملائِكةُ والجنُّ والإِنسُ، وقال الراغبُ أيضاً: " إن العالَم في الأصل اسمٌ لما يُعْلَم به كالطَابَع اسمٌ لما يُطْبَعُ به، وجُعِل بناؤه على الصيغةِ لكونِه كالآلة، فالعالَمُ آلةٌ في الدلالة على صانعهِ " ، وقال الراغب أيضاً: " وأمَّا جَمْعُه جَمْعَ السلامةِ فلكونِ الناسِ في جملتِهم، والإِنسانُ إذا شارك غيره في اللفظِ غَلَب حكمُه " ، وظَاهرُ هذا أن " عالَمين " يُطلَق على العُقلاءِ وغيرهم، وهو مخالفٌ لِما تقدَّم من اختصاصِه بالعُقلاءِ، كما زَعَم بعضُهم، وكلامُ الراغبِ هو الأصحُّ الظاهرُ.

-5-

admin
12-19-2010, 03:34 PM
تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قال ابن جرير: معنى { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وغذاهم به من نعيم العيش، فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً، و { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ثناءٌ أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال: قولوا الحمد لله، ثم قال: وأهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الآخر.

قال ابن كثير: وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر، لأنه اشتهر عند كثير من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكرّ لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجَنَان، واللسان، والأركان كما قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أفادتكم النعماء مني ثلاثة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>يدي ولساني والضمير المحجّبا</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال الجوهري: الحمد نقيض الذم تقول: حمدت الرجل أحمده حمداً فهو حميد ومحمود، والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعمّ من الشكر، والشكرُ هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، يقال: شكرته وشكرتُ له وباللام أفصح، وأما المدح فهو أعمّ من الحمد لأنه يكون للحي، وللميت، وللجماد، كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك، ويكون قبل الإحسان وبعده على الصفات المتعدية واللازمة أيضا فهو أعم.

وفي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضلُ الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمدُ لله " ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فقال: الحمد لله، إلاّ كان الذي أعطَى أفضل مما أخذ " وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثهم " أن عبداً من عباد الله قال: يا رب لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله فقالا: يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده - ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله لهما: أكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها ".

والألف واللام في { ٱلْحَمْدُ } لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث: " اللهم لك الحمد كلُّه، ولك الملك كلُّه، وبيدك الخير كلُّه، وإليك يرجع الأمر كلُّه " الحديث.

{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الربُّ هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكلُّ ذلك صحيح في حق الله تعالى، ولا يستعمل الرب لغير الله إلا بالإضافة، تقول: ربُّ الدار، وأما الرب فلا يقال إلا لله عزّ وجلّ.

-1-

و { ٱلْعَالَمِينَ } جمع عالم وهو كل موجود سوى الله عزّ وجلّ، وهو جمعٌ لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات في السماوات، وفي البر، والبحر.

وقال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عمّا يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين، ولا يقال للبهائم عالم.

وقال الزجاج: العالم كلُّ ما خلق الله في الدنيا والآخرة. قال القرطبي: وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين قال تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746)قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06746) قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06747) [الشعراء26: 23-24].

والعالم مشتقٌ من العلامة، لأنه دال على وجود خالقه وصانعه وعلى وجدانيته جلَّ وعلا كما قال ابن المعتز:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فيا عجباً كيف يعصي الإلـٰه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أم كيـف يجحـده الجاحـد</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وفـي كـل شيء لـه آية</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تـدل عـلى أنـه واحـد</TD></TR></TBODY></TABLE>

-2-

admin
12-19-2010, 03:35 PM
تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله عَزَّ وَجَلَّ: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ، الحمدُ والشكر نظيران؛ إلا أن الحمدَ أعمُّ من حيث إن فيه معنى المدح من المنعَم عليه؛ وغيرِ المنعَم عليه؛ ولا يكون الشُّكْرُ إلا من الْمُنْعَمِ عليه. والشكر أعمُّ من الحمدِ من حيثُ إنهُ يكون من اللسان والقلب والجوارحِ؛ والحمدُ لا يكون إلا باللسان؛ ويتبيَّن الفرقُ بينهما بنقيضهما. فنقيضُ الحمد الذمُّ؛ ونقيضُ الشكر الكفرانُ.

وقولهُ: { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. الربُّ في اللغة: اسمٌ لِمن يربي الشيءَ ويصلحهُ؛ يقال لسيد العبد: ربٌّ؛ ولزوج المرأة: ربٌّ؛ وللمالك: ربٌّ. ولا يقال: الربُّ معرفاً بالألف واللام إلا لله عَزَّ وَجَلَّ. والله تعالى هو المربي والْمُحَوِّلُ من حال إلى حالٍ؛ من نُطْفَةٍ إلى عَلَقَةٍ إلى مُضْغَةٍ إلى غيرِ ذلك إلى أجل مسمَّى.

وقوله { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } العالَمُ: جمعٌ لا واحدَ له من لفظهِ؛ كالنَّفَرِ والرَّهْطِ؛ وهو اسمٌ لِمن يعقلُ مثل الإنسِ والجنِّ والملائكة؛ لأنكَ لا تقولُ: رأيتُ عالَماً من الإبلِ والبقرِ والغنم؛ إلا أنهُ حُمِلَ اسمُ العالَم في هذه السُّورة على كلِّ ذي رُوحٍ دَبَّ ودَرَجَ لتغليب العُقلاءِ على غيرِهم عند الاجتماعِ. وربَّما قِيْلَ للسَّماوات وما دونِها مما أحاطَتْ به: عالَمٌ؛ كما روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّ للهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفَ عَالَمٍ؛ وَإنَّ دُنْيَاكُمْ مِنْهَا عَالَمٌ ".

admin
12-19-2010, 03:53 PM
تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى



{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ (javascript:Open_Menu()) }


في وصل { الرَّحِيـمِ } بـ { ٱلْحَمْدُ } ، عند النحويين ثلاثة أوجه:

- أحدهما: أن تقول " الرَّحِيْمِ. الحَمْدُ لله " فتكسر الميم وتقف عليها وتقطع ألف الحمد. وهذا مستعمل عند القراء حسن، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم روته أم سلمة.

- والثاني: أن تقول: " الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لله " ، فَتَصِل الألف وتعرب الرحيم بحقه من الإعراب فتكون الكسرة خفضاً، وإن شئت / قدرت أنك وقفت على الرحيم بالإسكان، ثم وصلت فكسرت الميم لسكونها وسكون لام الحمد بعدها، ولا يعتد بألف الوصل لسقوطها في درج الكلام.

وهذان الوجهان حسنان مستعملان في القراءة.

- والوجه الثالث: حكاه الكسائي سماعاً من العرب، أن تقول: " الرَّحِيمَِ الحَمْدُ " فتح الميم ووصل الألف وذلك أنك تقدر أنك أسكنت الميم للوقف عليها وقطعت ألف الحمد للابتداء / بها، ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفتها فانفتحت الميم. ولا يقرأ بهذا.

وقد ذكر الفراء هذا التقدير في قوله تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04085)الۤمۤ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04085) ٱللَّهُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04086) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04086) [آ ل عمران3: 1-2]

وذكره غيره. وستراه إن شاء الله ومثله قياس وصل " نَسْتَعِينُ " بِـ " اهْدِنَا ".

والألف الأول من اسم " الله " تحذف من الخط مع اللام، تقول: " لله الحجة، ولله الأمر " ، فإن قلت: " بالله أتق " ، و " ليس كالله أحد "؛ لم يجز حذف الألف من الخط، وعلة حذفها من الخط مع اللام، دون سائر حروف الجر، أنَّ اللام مع الألف يصيران حرفاً واحداً في رأي العين. والألف مع اللام الثانية بمنزلة " قَدْ " لأنهما زيدا معاً للتعريف لا يفترقان. فلو أثبتت الألف مع اللام الأولى، كنت قد فصلتها مع اللام الأولى من اللام الثانية.

/ وقيل: إنما حذفت الألف من الخط مع اللام، لئلا تصير " لا " فتشبه النفي. فإن كانت الألف مقطوعة لم تحذف الألف مع اللام، ولا مع غيرها من حروف الجر في الخط نحو قولك: " لألواحك حُسْنٌ، ولألواحِك بياض " ، وإنما ذلك، لأن الألف في هذا ليست مع اللام للتعريف إذ اللام أصلية فجاز انفصالها من اللام الثانية مع اللام الأولى.

قوله: { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.

الرب المالك. فمعناه: مالك العالمين.

وقيل: الرب السيد.

وقيل: المصلح، يقال: " رَبَّه يَرُبُّه رَبّاً " إذا أصلحه. ويقال على التكثير: رَبَّتَهُ وِرَِبَّاهُ ورَبَّبَهُ.

/ فالذين يقولون: " رَبَّتَه " بالتاء، أصله عندهم رَبَّبَهُ ثم أبدلوا من الباء الثالثة " ياء " ، كما يقال، تقَضَّيْتُ " في " تَقَضَّضْتُ " ثم أبدلوا من الياء تاء. كما أبدلوا من الواو تاء في " تُراتٍ " ، و " تُجاهٍ " و " تولج " وأصله " وولج " على " فوعل، من " ولجت ". وبدل التاء من الياء قليل شاذ، وهو في الواو كثير.

و { ٱلْعَالَمِينَ } جمع عالم. والعالم هو جميع الخلق الموجود في كل زمان. وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه في قول الله:

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. قال: " العالمون ثمانية عشر ألف ملك في نواحي الأرض الأربع، في كل ناحية أربعة آلاف ملك وخمسمائة ملك مع كل ملك منهم عدد الجن والإنس، فبهم يدفع الله العذاب عن أهل الأرض ".


<LABEL class=############ disabled></LABEL>