المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البقرة 002 - آية 020 - يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ ع


admin
05-23-2010, 11:58 AM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مرحبا بكم معنا في المسجد الأقصى المبارك
سورة 002 - البقرة - آية رقم 020

<EMBED height=52 type=audio/x-ms-wma width=625 src=http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ayat-sound/002020.wma en-us?>


<CENTER><TABLE style="WIDTH: 759px; HEIGHT: 266px" id=table2 border=4 cellSpacing=6 cellPadding=4 width=759><TBODY><TR><TD width="100%">يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
</TD></TR></TBODY></TABLE></CENTER>
صدق الله العظيم
السابق (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=3817)التالي (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=3819)

admin
12-21-2010, 11:54 AM
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-11

{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ }.

قال أبو جعفر: فأما الظلـمات فجمع، واحدها ظلـمة وأما الرعد فإن أهل العلـم اختلفوا فـيه فقال بعضهم: هو ملك يزجر السحاب. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: الرعد ملك يزجر السحاب بصوته.

وحدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة عن الـحكم عن مـجاهد مثله.

وحدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن لـيث، عن مـجاهد مثله.

وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم قال: أنبأنا إسماعيـل بن سالـم عن أبـي صالـح، قال: الرعد ملك من الـملائكة يسبح.

وحدثنـي نصر ابن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا مـحمد بن يعلـى، عن أبـي الـخطاب البصري، عن شهر بن حوشب قال: الرعد: ملك موكل بـالسحاب، يسوقه كما يسوق الـحادي الإبل، يسبح كلـما خالفت سحابة سحابة صاح بها، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فـيه، فهي الصواعق التـي رأيتـم.

وحدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس، قال: الرعد: ملك من الـملائكة اسمه الرعد، وهو الذي تسمعون صوته.

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبد الـملك بن حسين عن السدي، عن أبـي مالك، عن ابن عبـاس، قال: الرعد: ملك يزجر السحاب بـالتسبـيح والتكبـير.

وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن ابن جريج، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، قال: الرعد: اسم ملك، وصوته هذا تسبـيحه، فإذا اشتدّ زجره السحاب اضطرب السحاب واحتك فتـخرج الصواعق من بـينه.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا أبو عوانة، عن موسى البزار، عن شهر بن حوشب عن ابن عبـاس، قال: الرعد: ملك يسوق السحاب بـالتسبـيح، كما يسوق الـحادي الإبل بحدائه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد وشبـابة قالا: ثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: الرعد: ملك يزجر السحاب.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا عتاب بن زياد، عن عكرمة، قال: الرعد: ملك فـي السحاب يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل.

وحدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: الرعد: خَـلْقٌ من خَـلْقِ الله جل وعز سامع مطيع لله جل وعز.

حدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين بن داود، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: إن الرعد ملك يؤمر بـازجاء السحاب فـيؤلف بـينه، فذلك الصوت تسبـيحه.

-1-

وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاح، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: الرعد: ملك.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن الـمغيرة بن سالـم، عن أبـيه أو غيره، أن علـي بن أبـي طالب قال: الرعد: ملك.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا موسى بن سالـم أبو جهضم مولـى ابن عبـاس، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـخلَد يسأله عن الرعد؟ فقال: الرعد: ملك.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا عمر بن الولـيد السنـي، عن عكرمة، قال: الرعد: ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل.

حدثنـي سعد بن عبد الله بن عبد الـحكم، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، قال: كان ابن عبـاس إذا سمع الرعد، قال: سبحان الذي سبحت له، قال: وكان يقول: إن الرعد: ملك ينعق بـالغيث كما ينعق الراعي بغنـمه.

وقال آخرون: إن الرعد: ريح تـختنق تـحت السحاب، فتصاعد فـيكون منه ذلك الصوت ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا بشر بن إسماعيـل، عن أبـي كثـير، قال: كنت عند أبـي الـخلَد، إذ جاءه رسول ابن عبـاس بكتاب إلـيه، فكتب إلـيه: كتبت تسألنـي عن الرعد، فـالرعد: الريح.

حدثنـي إبراهيـم بن عبد الله، قال: حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا ابن إدريس عن الـحسن بن الفرات، عن أبـيه، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـخلد يسأله عن الرعد، فقال: الرعد: ريح.

قال أبو جعفر: فإن كان الرعد ما ذكره ابن عبـاس ومـجاهد، فمعنى الآية: أو كصيب من السماء فـيه ظلـمات وصوت رعد لأن الرعد إنْ كان ملكاً يسوق السحاب، فغير كائن فـي الصيب لأن الصِّيب إنـما هو ما تـحدَّر من صوب السحاب والرعد: إنـما هو فـي جوّ السماء يسوق السحاب، علـى أنه لو كان فـيه يـمر لـم يكن له صوت مسموع، فلـم يكن هنالك رعب يرعب به أحد لأنه قد قـيـل: إن مع كل قطرة من قطر الـمطر ملكاً، فلا يعدو الـملك الذي اسمه الرعد لو كان مع الصيب إذا لـم يكن مسموعاً صوته أن يكون كبعض تلك الـملائكة التـي تنزل مع القطر إلـى الأرض فـي أن لا رعب علـى أحد بكونه فـيه. فقد عُلـم إذْ كان الأمر علـى ما وصفنا من قول ابن عبـاس إن معنى الآية: أو كمثل غيث تـحدر من السماء فـيه ظلـمات وصوت رعد إن كان الرعد هو ما قاله ابن عبـاس، وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد بـاسمه علـى الـمراد فـي الكلام من ذكر صوته. وإن كان الرعد ما قاله أبو الـخـلد فلا شيء فـي قوله: «فـيه ظلـمات ورعد» متروك، لأن معنى الكلام حينئذٍ: فـيه ظلـمات ورعد الذي هو وما وصفنا صفته.

-2-

وأما البرق، فإن أهل العلـم اختلفوا فـيه فقال بعضهم بـما:

حدثنا مطر بن مـحمد الضبـي، قال: حدثنا أبو عاصم ح وحدثنـي مـحمد بن بشار قال: حدثنـي عبد الرحمن بن مهدي ح وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قالوا جميعاً: حدثنا سفـيان الثوري، عن سلـمة بن كهيـل، عن سعيد بن أشوع، عن ربـيعة بن الأبـيض، عن علـيّ قال: البرق: مخاريق الـملائكة.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا عبد الـملك بن الـحسين، عن السدي عن أبـي مالك، عن ابن عبـاس: البرق مخاريق بأيدي الـملائكة يزجرون بها السحاب.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن الـمغيرة بن سالـم، عن أبـيه أو غيره أن علـيّ بن أبـي طالب قال: الرعد: الـملك، والبرق: ضربه السحاب بـمخراق من حديد.

وقال آخرون: هو سوط من نور يزجر به الـملك السحاب.

حدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس بذلك.

وقال آخرون: هو ماء. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا بشر بن إسماعيـل، عن أبـي كثـير، قال: كنت عند أبـي الـخلَد إذ جاءه رسول ابن عبـاس بكتاب إلـيه، فكتب إلـيه: تسألنـي عن البرق، فـالبرق: الـماء.

حدثنا إبراهيـم بن عبد الله، قال: حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن الفرات، عن أبـيه، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـخلَد يسأله عن البرق، فقال: البرق: ماء.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن رجل من أهل البصرة من قرائهم، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـخلَد رجل من أهل هجر يسأله عن البرق، فكتب إلـيه: كتبت إلـيّ تسألنـي عن البرق: وإنه من الـماء.

وقال آخرون: هو مَصْعُ مَلَكٍ.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفـيان عن عثمان بن الأسود، عن مـجاهد، قال: البرق: مَصْع مَلَك.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن مـحمد بن مسلـم الطائفـي، قال: بلغنـي أن البرق ملك له أربعة أوجه: وجه إنسان، ووجه ثور، ووجه نسر، ووجه أسد، فإذا مصع بأجنـحته فذلك البرق.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن وهب بن سلـيـمان، عن شعيب الـجبـائي، قال: فـي كتاب الله الـملائكة حملة العرش، لكل ملك منهم وجه إنسان، وثور، وأسد، فإذا حركوا أجنـحتهم فهو البرق. وقال أمية بن أبـي الصلت:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>رَجُلٌ وَثَوْرٌ تَـحْتَ رِجْلِ يَـمِينِهِ
</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>والنَّسْرُ للاخْرَى وَلَـيْثٌ مُرْصَدُ
</TD></TR></TBODY></TABLE>

-3-

حدثنا الـحسين بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن ابن جريج، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس: البرق: ملك.

وقد حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: الصواعق ملك يضرب السحاب بـالـمخاريق يصيب منه من يشاء.

قال أبو جعفر: وقد يحتـمل أن يكون ما قاله علـيّ بن أبـي طالب وابن عبـاس ومـجاهد بـمعنى واحد وذلك أن تكون الـمخاريق التـي ذكر علـيّ رضي الله عنه أنها هي البرق هي السياط التـي هي من نور التـي يزجي بها الـملك السحاب، كما قال ابن عبـاس. ويكون إزجاء الـملك السحاب: مَصْعَهُ إياه بها، وذاك أن الـمِصَاعَ عند العرب أصله الـمـجالدة بـالسيوف، ثم تستعمله فـي كل شيء جُولد به فـي حرب وغير حرب، كما قال أعشى بنـي ثعلبة وهو يصف جواري يـلعبن بحلـيهن ويجالدن به.

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إذَا هُنَّ نازَلْنَ أقْرَانَهُنَّ
</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وكانَ الـمِصَاعُ بِـمَا فـي الـجُؤَنِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

يقال منه: ماصعه مِصَاعاً. وكأن مـجاهداً إنـما قال: «مصع ملك»، إذ كان السحاب لا يـماصع الـملك، وإنـما الرعد هو الـمـماصع له، فجعله مصدراً من مصعه يَـمْصَعُه مصعاً، وقد ذكرنا ما فـي معنى الصاعقة ما قال شهر بن حوشب فـيـما مضى.

وأما تأويـل الآية، فإن أهل التأويـل مختلفون فـيه. فرُوي عن ابن عبـاس فـي ذلك أقوال أحدها ما:

حدثنا به مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس:

{ أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السمَّاءِ فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فـي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

أي هم من ظلـمات ما هم فـيه من الكفر والـحذر من القتل علـى الذي هم علـيه من الـخلاف، والتـخوّف منكم علـى مثل ما وصف من الذي هو فـي ظلـمة الصيب، فجعل أصابعه فـي أذنـيه من الصواعق حذر الـموت { يَكادَ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ } أي لشدة ضوء الـحق، { كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قَامُوا } أي يعرفون الـحق ويتكلـمون به، فهم من قولهم به علـى استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلـى الكفر قاموا متـحيرين. والآخر ما:

حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم:

{ أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السمَّاءِ فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

إلـى: { إِنَّ اللَّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }: أما الصيب والـمطر. كانا رجلان من الـمنافقـين من أهل الـمدينة هربـا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمشركين، فأصابهما هذا الـمطر الذي ذكر الله فـيه رعد شديد وصواعق وبرق، فجعلا كلـما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما فـي آذانهما من الفَرَق أن تدخـل الصواعق فـي مسامعهما فتقتلهما، وإذ لـمع البرق مشوا فـي ضوئه، وإذا لـم يـلـمع لـم يبصرا قاما مكانهما لا يـمشيان، فجعلا يقولان: لـيتنا قد أصبحنا فنأتـي مـحمداً فنضع أيدينا فـي يده فأصبحا فأتـياه فأسلـما ووضعا أيديهما فـي يده وحسن إسلامهما.

-4-

فضرب الله شأن هذين الـمنافقـين الـخارجين مثلاً للـمنافقـين الذين بـالـمدينة. وكان الـمنافقون إذا حضروا مـجلس النبـي صلى الله عليه وسلم، جعلوا أصابعهم فـي آذانهم فَرَقاً من كلام النبـي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فـيهم شيء أو يذكروا بشيء فـيقتلوا، كما كان ذانك الـمنافقان الـخارجان يجعلان أصابعهما فـي آذانهما، وإذا أضاء لهم مشوا فـيه. فإذا كثرت أموالهم وولد لهم الغلـمان وأصابوا غنـيـمة أو فتـحاً مشوا فـيه، وقالوا: إن دين مـحمد صلى الله عليه وسلم دين صدق فـاستقاموا علـيه، كما كان ذانك الـمنافقان يـمشيان إذا أضاء لهم البرق مشوا فـيه، وإذا أظلـم علـيهم قاموا. فكانوا إذا هلكت أموالهم، وولد لهم الـجواري، وأصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين مـحمد، فـارتدّوا كفـاراً كما قام ذانك الـمنافقان حين أظلـم البرق علـيهما. والثالث ما:

حدثنـي به مـحمد بن سعد قال: حدثنـي أبـي، قال: حدثنـي عمي، عن أبـيه، عن جده، عن ابن عبـاس:

{ أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السمَّاءِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

كمطر

{ فـيه ظلـمات ورعد وبرق } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

إلـى آخر الآية، هو مثل الـمنافق فـي ضوء ما تكلـم بـما معه من كتاب الله وعمل، مراءاةً للناس، فإذا خلا وحده عمل بغيره. فهو فـي ظلـمة ما أقام علـى ذلك. وأما الظلـمات فـالضلالة، وأما البرق فـالإيـمان، وهم أهل الكتاب. وإذا أظلـم علـيهم، فهو رجل يأخذ بطرف الـحق لا يستطيع أن يجاوزه. والرابع ما:

حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالـح، قال: حدثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس:

{ أوْ كَصَيِّبٍ منَ السمَّاء } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

وهو الـمطر، ضرب مثله فـي القرآن يقول: «فـيه ظلـمات»، يقول: ابتلاء. «ورعد» يقول: فـيه تـخويف، وبرق { يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ } يقول: يكاد مـحكم القرآن يدلّ علـى عورات الـمنافقـين، { كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ } يقول: كلـما أصاب الـمنافقون من الإسلام عزّاً اطمأنوا، وإن أصابوا الإسلام نكبة، قالوا: ارجعوا إلـى الكفر. يقول: { وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا } كقوله:

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ علـى حَرْفٍ فإنْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمأنَّ بِهِ وَإِنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06397) (الحج22: 11) إلـى آخر الآية.

ثم اختلف سائر أهل التأويـل بعد ذلك فـي نظير ما رُوي عن ابن عبـاس من الاختلاف.

فحدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميـمون، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: إضاءة البرق وإظلامه علـى نـحو ذلك الـمثل.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

-5-

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد مثله.

وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زُريع، عن سعيد، عن قتادة فـي قول الله:

{ فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

إلـى قوله: { وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا } ، فـالـمنافق إذا رأى فـي الإسلام رخاء أو طمأنـينة أو سلوة من عيش، قال: أنا معكم وأنا منكم وإذا أصابته شدة حقحق والله عندها فـانقُطع به فلـم يصبر علـى بلائها، ولـم يحتسب أجرها، ولـم يَرْجُ عاقبتها.

وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:

{ فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

يقول: أخبر عن قوم لا يسمعون شيئاً إلا ظنوا أنهم هالكون فـيه حذراً من الـموت، والله مـحيط بـالكافرين. ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال: { يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ } يقول: هذا الـمنافق، إذا كثر ماله وكثرت ماشيته وأصابته عافـية قال: لـم يصبنـي منذ دخـلت فـي دينـي هذا إلاّ خير، { وَإِذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا } يقول: إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء قاموا متـحيرين.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج، عن عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس:

{ فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

قال: مثلهم كمثل قوم ساروا فـي لـيـلة مظلـمة ولها مطر ورعد وبرق علـى جادة، فلـما أبرقت أبصروا الـجادّة فمضوا فـيها، وإذا ذهب البرق تـحيروا. وكذلك الـمنافق كلـما تكلـم بكلـمة الإخلاص أضاء له، فإذا شك تـحير ووقع فـي الظلـمة، فكذلك قوله: { كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِـيهِ وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قَامُوا } ثم قال: فـي أسماعهم وأبصارهم التـي عاشوا بها فـي الناس { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمَعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ } قال أبو جعفر:

وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو نُـميـلة، عن عبـيد بن سلـيـمان البـاهلـي، عن الضحاك بن مزاحم: { فِـيهِ ظُلُـماتٌ } قال: أما الظلـمات فـالضلالة، والبرق: الإيـمان.

وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنـي عبد الرحمن بن زيد فـي قوله:

{ فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

فقرأ حتـى بلغ: { إِنَّ اللَّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِير } قال: هذا أيضاً مثل ضربه الله للـمنافقـين، كانوا قد استناروا بـالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق.

وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: لـيس شيءٌ فـي الأرض سمعه الـمنافق إلا ظنّ أنه يراد به وأنه الـموت كراهية له، والـمنافق أكره خـلق الله للـموت، كما إذا كانوا بـالبَراز فـي الـمطر فرّوا من الصواعق.

حدثنا عمرو ابن علـيّ، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء فـي قوله:

{ أوْ كَصَيبٍ مِنَ السمَّاءِ فِـيهِ ظُلُـمات وَرَعْد وَبَرْق } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

قال: مثل ضُرِبَ للكافر.

-6-

وهذه الأقوال التـي ذكرنا عمن رويناها عنه، فإنها وإن اختلفت فـيها ألفـاظ قائلـيها متقاربـات الـمعانـي لأنها جميعاً تنبىء عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيـمان الـمنافق مثلاً، ومثَّل ما فـيه من ظلـمات بضلالته، وما فـيه من ضياء برق بنور إيـمانه، واتقاءه من الصواعق بتصيـير أصابعه فـي أذنـيه بضعف جنانه وتحير فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته، ومشيه فـي ضوء البرق بـاستقامته علـى نور إيـمانه، وقـيامه فـي الظلام بحيرته فـي ضلالته وارتكاسه فـي عمهه.

فتأويـل الآية إذا إذا كان الأمر علـى ما وصفنا: أَوَ مَثَلُ ما استضاء به الـمنافقون من قـيـلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللـمؤمنـين بألسنتهم: آمنا بـالله وبـالـيوم الآخر وبـمـحمد وما جاء به، حتـى صار لهم بذلك فـي الدنـيا أحكام الـمؤمنـين، وهم مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون بـالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله وبـالـيوم الآخر، مكذِّبون، ولـخلاف ما يظهرون بـالألسن فـي قلوبهم معتقدون، علـى عَمًى منهم وجهالة بـما هم علـيه من الضلالة لا يدرون أيّ الأمرين اللذين قد شرعا لهم فـيه الهداية فـي الكفر الذي كانوا علـيه قبل إرسال الله مـحمداً صلى الله عليه وسلم بـما أرسله به إلـيهم، أم فـي الذي أتاهم به مـحمد صلى الله عليه وسلم من عند ربهم؟ فهم من وعيد الله إياهم علـى لسان مـحمد صلى الله عليه وسلم وَجِلُون، وهم مع وجلهم من ذلك فـي حقـيقته شاكون فـي قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً. كمثل غيث سرى لـيلاً فـي مزنة ظلـماء ولـيـلة مظلـمة يحدوها رعد ويستطير فـي حافـاتها برق شديد لـمعانه كثـير خَطَرانه، يكاد سنا برقه يذهب بـالأبصار، ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه وينهبط منها نارات صواعق تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق. فـالصيب مثلٌ لظاهر ما أظهر الـمنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق، والظلـمات التـي هي فـيه لظلـمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب. وأما الرعد والصواعق فلـما هم علـيه من الوجل من وعيد الله إياهم علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فـي آي كتابه، إما فـي العاجل وإما فـي الآجل، أي يحل بهم مع شكهم فـي ذلك: هل هو كائن، أم غير كائن، وهل له حقـيقة أم ذلك كذب وبـاطل؟ مَثَلٌ. فهم من وجلهم أن يكون ذلك حقاً يتقونه بـالإقرار بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم مخافة علـى أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات. وذلك تأويـل قوله جل ثناؤه:

{ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِـي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817)(البقرة2: 19)

يعنـي بذلك يتقون وعيد الله الذي أنزله فـي كتابه علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بـما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار، كما يتقـي الـخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنـيه وتصيـير أصابعه فـيها حذراً علـى نفسه منها.

-7-

وقد ذكرنا الـخبر الذي رُوي عن ابن مسعود وابن عبـاس أنهما كانا يقولان: إن الـمنافقـين كانوا إذا حضروا مـجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخـلوا أصابعهم فـي آذانهم فَرَقاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فـيهم شيء، أو يُذكروا بشيء فـيقتلوا. فإن كان ذلك صحيحاً، ولست أعلـمه صحيحاً، إذ كنت بإسناده مرتابـاً فإن القول الذي روي عنهما هو القول. وإن يكن غير صحيح، فأولـى بتأويـل الآية ما قلنا لأن الله إنـما قص علـينا من خبرهم فـي أول مبتدأ قصصهم أنهم يخادعون الله ورسوله والـمؤمنـين بقولهم آمنا بـالله وبـالـيوم الآخر، مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم فـي حقـيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون مـما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربهم، وبذلك وصفهم فـي جميع آي القرآن التـي ذكر فـيها صفتهم. فكذلك ذلك فـي هذه الآية.

وإنـما جعل الله إدخالهم أصابعهم فـي آذانهم مثلاً لاتقائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين بـما ذكرنا أنهم يتقونهم به كما يتقـي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه فـي أذنـيه. وذلك من الـمَثَلِ نظير تـمثـيـل الله جل ثناؤه ما أنزل فـيهم من الوعيد فـي آي كتابه بأصوات الصواعق، وكذلك قوله:

{ حَذَرَ الـمَوْت } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

جعله جل ثناؤه مثلاً لـخوفهم وإشفـاقهم من حلول عاجل العقاب الـمهلك الذي توعده بساحتهم، كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه فـي أذنـيه حذر العطب والـموت علـى نفسه أن تزهق من شدتها. وإنـما نصب قوله: حذر الـموت علـى نـحو ما تنصب به التكرمة فـي قولك: زرتَكَ تكرمَةَ لك، تريد بذلك: من أجل تكرمتك، وكما قال جل ثناؤه: { وَيَدْعُونَنَا رَغَبـاً وَرَهَبـاً } علـى التفسير للفعل. وقد رُوي عن قتادة أنه كان يتأوّل قوله:

{ حَذَرَ الـمَوْت } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

حذراً من الـموت.

حدثنا بذلك الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر عنه.

وذلك مذهب من التأويـل ضعيف، لأن القوم لـم يجعلوا أصابعهم فـي آذانهم حذراً من الـموت فـيكون معناه ما قال إنه مراد به حذراً من الـموت، وإنـما جعلوها من حذار الـموت فـي آذانهم.

وكان قتادة وابن جريج يتأوّلان قوله:

{ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فـي آذَانهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

أن ذلك من الله جل ثناؤه صفةٌ للـمنافقـين بـالهلع. وضعف القلوب، وكراهة الـموت، ويتأوّلان فـي ذلك قوله:

{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَـيْهِمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08983) (المنافقون63: 4)

ولـيس الأمر فـي ذلك عندي كالذي قالا. وذلك أنه قد كان فـيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته كقزمان الذي لـم يقم مقامه أحد من الـمؤمنـين بـأحد و دونه. وإنـما كانت كراهتهم شُهود الـمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركهم معاونته علـى أعدائه لأنهم لـم يكونوا فـي أديانهم مستبصرين ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقـين، فكانوا للـحضور معه مشاهده كارهين، إلا بـالتـخذيـل عنه.

-8-

ولكن ذلك وصف من الله جل ثناؤه لهم بـالإشفـاق من حلول عقوبة الله بهم علـى نفـاقهم، إما عاجلاً، وإما آجلاً.

ثم أخبر جل ثناؤه أن الـمنافقـين الذين نعتهم النعت الذي ذكر وضرب لهم الأمثال التـي وصف وإن اتقوا عقابه وأشفقوا عذابه إشفـاق الـجاعل فـي أذنـيه أصابعه حِذَار حلول الوعيد الذي توعدهم به فـي آي كتابه، غير منـجيهم ذلك من نزوله بعَقْوَتهم وحلوله بساحتهم، إما عاجلاً فـي الدنـيا، وإما آجلاً فـي الآخرة، للذي فـي قلوبهم من مرضها والشك فـي اعتقادها، فقال:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

بـمعنى جامعهم فمـحلٌّ بهم عقوبته.

وكان مـجاهد يتأوّل ذلك كما:

حدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي، قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى ابن ميـمون، عن عبد الله بن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

قال: جامعهم فـي جهنـم.

وأما ابن عبـاس فروي عنه فـي ذلك ما:

حدثنـي به ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

يقول: الله منزل ذلك بهم من النقمة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج، عن مـجاهد فـي قوله:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

قال: جامعهم.

ثم عاد جل ذكره إلـى نعت إقرار الـمنافقـين بألسنتهم، والـخبر عنه وعنهم وعن نفـاقهم، وإتـمام الـمثل الذي ابتدأ ضربه لهم ولشكهم ومرض قلوبهم، فقال: { يَكَادُ البَرْقُ } يعنـي بـالبرق: الإقرار الذي أظهروه بألسنتهم بـالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم، فجعل البرق له مثلاً علـى ما قدمنا صفته. { يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ } يعنـي: يذهب بها ويستلبها ويـلتـمعها من شدة ضيائه ونور شعاعه. كما:

حدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث، قال: حدثنا بشر بن عمار، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ } قال: يـلتـمع أبصارَهم ولـمّا يفعل.

قال أبو جعفر: والـخطف: السلب، ومنه الـخبر الذي رُوي عن النبـي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى عن الـخطفة» يعنـي بها النُّهْبَة ومنه قـيـل للـخُطاف الذي يخرج به الدلو من البئر خُطَّاف لاختطافه واستلابه ما علق به. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>خطَاطِيفُ حُجْنٍ فِـي حبـالٍ مَتِـينَةٍ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تَـمُدُّ بِها أيْدٍ إلَـيْكَ نَوَازِعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

فجعل ضوء البرق وشدة شعاع نوره كضوء إقرارهم بألسنتهم وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به من عند الله والـيوم الآخر وشعاع نوره، مثلاً.

ثم قال تعالـى ذكره: { كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ } يعنـي أن البرق كلـما أضاء لهم، وجعل البرق لإيـمانهم مثلاً. وإنـما أراد بذلك أنهم كلـما أضاء لهم الإيـمان وإضاءته لهم أن يروا فـيه ما يعجبهم فـي عاجل دنـياهم من النصرة علـى الأعداء، وإصابة الغنائم فـي الـمغازي، وكثرة الفتوح، ومنافعها، والثراء فـي الأموال، والسلامة فـي الأبدان والأهل والأولاد، فذلك إضاءته لهم لأنهم إنـما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الإقرار ابتغاء ذلك، ومدافعة عن أنفسهم وأموالهم وأهلـيهم وذراريهم، وهم كما وصفهم الله جل ثناؤه بقوله:

-9-

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ علـى حَرْفٍ فَـانْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمأنَّ وَإنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ علـى وَجْهِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06397) (الحج22: 11)

ويعنـي بقوله: { مَشَوْا فِـيهِ } مشوا فـي ضوء البرق. وإنـما ذلك مثل لإقرارهم علـى ما وصفنا. فمعناه: كلـما رأوا فـي الإيـمان ما يعجبهم فـي عاجل دنـياهم علـى ما وصفنا، ثبتوا علـيه وأقاموا فـيه، كما يـمشي السائر فـي ظلـمة اللـيـل وظلـمة الصيب الذي وصفه جل ثناؤه، إذا برقت فـيها بـارقة أبصر طريقه فـيها { وَإِذَا أظْلَـمَ } يعنـي ذهب ضوء البرق عنهم. ويعنـي بقوله: «علـيهم»: علـى السائرين فـي الصيب الذي وصف جل ذكره، وذلك للـمنافقـين مثل. ومعنى إظلام ذلك: أن الـمنافقـين كلـما لـم يروا فـي الإسلام ما يعجبهم فـي دنـياهم عند ابتلاء الله مؤمنـي عبـاده بـالضرّاء وتـمـحيصه إياهم بـالشدائد والبلاء من إخفـاقهم فـي مغزاهم وإنالة عدوّهم منهم، أو إدبـار من دنـياهم عنهم أقاموا علـى نفـاقهم وثبتوا علـى ضلالتهم كما قام السائرون فـي الصيب الذي وصف جل ذكره إذا أظلـم وخفت ضوء البرق، فحار فـي طريقه فلـم يعرف منهجه.

قال أبو جعفر: وإنـما خص جل ذكره السمع والأبصار بأنه لو شاء أذهبها من الـمنافقـين دون سائر أعضاء أجسامهم للذي جرى من ذكرها فـي الآيتـين، أعنـي قوله:

{ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِـي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

وقوله: { يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ } فجرى ذكرها فـي الآيتـين علـى وجه الـمثل. ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من الـمنافقـين عقوبة لهم علـى نفـاقهم وكفرهم، وعيداً من الله لهم، كما توعدهم فـي الآية التـي قبلها بقوله:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817)(البقرة2: 19)

واصفـاً بذلك جل ذكره نفسه أنه الـمقتدر علـيهم وعلـى جمعهم، لإحلال سخطه بهم، وإنزال نقمته علـيهم، ومـحذرهم بذلك سطوته، ومخوّفهم به عقوبته، لـيتقوا بأسه، ويسارعوا إلـيه بـالتوبة. كما:

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: { وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهمْ وأبْصَارِهِمْ } لـما تركوا من الـحق بعد معرفته.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، قال: ثم قال يعنـي قال الله فـي أسماعهم يعنـي أسماع الـمنافقـين وأبصارهم التـي عاشوا بها فـي الناس: { وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ }.

قال أبو جعفر: وإنـما معنى قوله: { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ } لأذهب سمعهم وأبصارهم، ولكن العرب إذا أدخـلوا البـاء فـي مثل ذلك قالوا: ذهبت ببصره، وإذا حذفوا البـاء قالوا: أذهبت بصره، كما قال جل ثناؤه: آتنا غَدَاءَنَا ولو أدخـلت البـاء فـي الغداء لقـيـل: ائتنا بغدائنا.

-10-

قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قـيـل: { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } فوحد، وقال: { وأبْصَارِهِمْ } فجمع؟ وقد علـمت أن الـخبر فـي السمع خبر عن سمع جماعة، كما الـخبر فـي الأبصار خبر عن أبصار جماعة؟ قـيـل: قد اختلف أهل العربـية فـي ذلك، فقال بعض نـحويـي الكوفـي: وحد لسمع لأنه عنى به الـمصدر وقصد به الـخرق، وجمع الأبصار لأنه عنى به الأعين. وكان بعض نـحويـي البصرة يزعم أن السمع وإن كان فـي لفظ واحد فإنه بـمعنى جماعة، ويحتـجّ فـي ذلك بقول الله:

{ لا يَرْتَدُّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05584) (إبراهيم14: 43)

يريد لا ترتد إلـيهم أطرافهم، وبقوله:

{ وَيُوَلونَ الدُّبُرَ } (القمر54: 54)

يراد به أدبـارهم. وإنـما جاز ذلك عندي لأن فـي الكلام ما يدلّ علـى أنه مراد به الـجمع، فكان فـيه دلالة علـى الـمراد منه، وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة مغنـياً عن جِماعِهِ، ولو فعل بـالبصر نظير الذي فعل بـالسمع، أو فعل بـالسمع نظير الذي فعل بـالأبصار من الـجمع والتوحيد، كان فصيحاً صحيحاً لـما ذكرنا من العلة كما قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كُلُوا فـي بَعْضِ بَطْنكُمْو تَعِفُّوا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فإنَّ زَمانَنا زَمَنٌ خَمِيصُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

فوحد البطن، والـمراد منه البطون لـما وصفنا من العلة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إنَّ اللَّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِير }.

قال أبو جعفر: وإنـما وصف الله نفسه جل ذكره بـالقدرة علـى كل شيء فـي هذا الـموضع، لأنه حذر الـمنافقـين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم مـحيط وعلـى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ثم قال: فـاتقونـي أيها الـمنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولـي وأهل الإيـمان بـي لا أحل بكم نقمتـي فإنـي علـى ذلك وعلـى غيره من الأشياء قدير. ومعنى قدير: قادر، كما معنى علـيـم: عالـم، علـى ما وصفت فـيـما تقدم من نظائره من زيادة معنى فعيـل علـى فـاعل فـي الـمدح والذم.

-11-

admin
12-28-2010, 02:22 PM
تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


اللغة: الخطف أخذ في استلاب يقال خطف يخطِف وخطِيف يخطف لغتان والثاني أفصح وعليه القراءة ومنه الخطاف ويقال للذي يخرج به الدلو من البئر خطاف لاختطافه قال النابغة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>خَطَاطِيْفٌ حُجْنٌ في حِبَالٍ مَتينَةٍ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تُمَدُّ بِهَا أَيْدٍ إليْكَ نَوازعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقاموا أي وقفوا والمشيئة الإرادة والشيء ما يصح أن يعلم ويخبر عنه. قال سيبويه: هو أول الأسماء وأعمها وأبهمها لأنه يقع على المعدوم والموجود, وقيل إنه لا يقع إلا على الموجود والصحيح الأول وهو مذهب المحققين من المتكلمين ويؤيده قولـه تعالى في هذه الآية { إن الله على كل شيء قدير } فإن كل شيء سواه محدث وكل محدث فله حالتان حالة عدم وحالة وجود وإذا وجد حرج عن أن يكون مقدوراً للقادر لأن من المعلوم ضرورة أن الموجود لا يصح أن يوجد فعلمنا أنه إنما يقدر عليه في حال عدمه ليخرجه من العدم إلى الوجود وعلى هذه المسألة وأكثر مسائل التوحيد.

الإعراب: كاد من أفعال المقاربة ولا يتم بالفاعل ويحتاج إلى خبره الفعل المضارع فقولـه يكاد فعل والبرق مرفوع بأنه اسم يكاد وفاعله ويخطف أبصارهم في موضع نصب بأنه خبر يكاد وكلما أصله كل وضم إليه ما الجزاء وهو منصوب بالظرف والعامل فيه أضاء ومعناه متى ما أضاء لهم مشوا فيه وأضاء في موضع جزم بالشرط ومشوا في موضع الجزاء وإذا أظلم قد تقدم إعراب مثله ولو حرف معناه امتناع الشيء لامتناع غيره وإذا وقع الفعل بعده وهو منفي كان مثبتاً في المعنى وإذا وقع مثبتاً كان منفياً في المعنى فقولـه ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم قد انتفى فيه ذهاب السمع والإبصار بسب انتفاء المشيئة.

المعنى: { يكاد البرق يخطف أبصارهم } المراد يكاد ما في القرآن من الحجج النيرة ويخطف قلوبهم من شدة إزعاجها إلى النظر في أمور دينهم كما أن البرق يكاد يخطف أبصار أولئك كلما أضاء لهم مشوا فيه لاهتدائهم إلى الطريق بضوء البرق كذلك المنافقون كلما دعوا إلى خير وغنيمة أسرعوا وإذا وردت شدة على المسلمين تحيّروا لكفرهم ووقفوا كما وقف أولئك في الظمات متحيزين, وقيل إذا آمنوا صار الإيمان لهم نوراً فإذا عادوا إلى ظلمة العقاب, وقيل هم اليهود لما نصر المسلمون ببدر قالوا هذا الذي بشّر به موسى فلما نكبوا بأحد وقفوا وشكوا وقولـه: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } إنما خص السمع والبصر بالذكر لما جرى من ذكرهما في الآيتين فقال: { ولو شاء الله } أذهبهما من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم وهذا وعيد لهم بالعقاب كما قال في الآية الأولى: { والله محيط بالكافرين } وقولـه بسمعهم مصدر يدل على الجمع أو واحد موضوع للجمع كقول الشاعر:

-1-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كُلُوْا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوُا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فإنَّ زَمانَكُمْ زَمَنٌ خَميصُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي بطونكم والمعنى ولو شاء الله لأظهر على كفرهم فأهلكهم ودمّر عليهم لأنه على كل شيء قدير وهو مبالغة القادر وقيل إن قولـه سبحانه: { إن الله على كل شيء قدير } عام فهو قادر على الأشياء كلها على ثلاثة أوجه على المعدومات بأن يوجدها وعلى الموجودات بأن يفنيها وعلى مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه وقيل هو خاص في مقدوراته دون مقدور غيره فإن مقدوراً واحداً بين قادرين لا يمكن أن يكون لأنه يؤدي إلى أن يكون الشيء الواحد موجوداً مهدوماً ولفظه كل قد يستعمل على غير عموم نحو قولـه تعالى:

{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08326) [الأحقاف46: 25].

-2-

admin
12-28-2010, 02:26 PM
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق 1-3


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } «يكاد» معناه يقارب؛ يقال: كاد يفعل كذا إذا قارب ولم يفعل. ويجوز في غير القرآن: يكاد أن يفعل؛ كما قال رؤُبة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>قد كاد من طُول البِلَى أن يَمْصَحا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

مشتق من المصح وهو الدرس. والأجود أن تكون بغير «أن»؛ لأنها لمقاربة الحال، و «أن» تَصرف الكلام إلى الاستقبال، وهذا متناف؛ قال الله عز وجل:

{ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06625) [النور24: 43].

ومن كلام العرب: كاد النعام يطير، وكاد العروس يكون أميراً؛ لقربهما من تلك الحال. وكاد فعلٌ متصرف على فَعِل يَفْعَل. وقد جاء خبره بالاسم وهو قليل، قال: «وَمَا كِدْتُ آئِبا». ويجري مجرى كاد كَرِب وجَعَل وقارب وطَفِق، في كون خبرها بغير «أن»؛ قال الله عز وجل:

{ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04767) [الأعراف7: 22]

لأنها كلها بمعنى الحال والمقاربة؛ والحال لا يكون معها «أن»، فٱعلم.

قوله تعالى: { يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } الخطف: الأخذ بسرعة؛ ومنه سُمّيَ الطير خُطّافاً لسرعته. فمن جعل القرآن مَثَلاً للتخويف فالمعنى أنّ خَوْفهم مما ينزل بهم يكاد يُذهب أبصارهم. ومن جعله مَثَلاً للبيان الذي في القرآن فالمعنى أنهم جاءهم من البيان ما بهرهم. ويَخْطَف ويَخْطِف لغتان قرىء بهما. وقد خطِفه (بالكسر) يَخْطَفُه خَطْفاً، وهي اللغة الجيدة، واللغة الأخرى حكاها الأخفش: خَطَف يَخْطِف. الجوهري: وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف. وقد قرأ بها يونس في قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفُ أَبْصَارَهُمْ }. وقال النحاس: في «يخطف» سبعة أوجه؛ القراءة الفصيحة: يَخْطَف. وقرأ عليّ بن الحسين ويحيى بن وَثّاب: يخطِف بكسر الطاء؛ قال سعيد الأخفش: هي لغة. وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجَحْدَرِيّ وأبو رجاء العُطَارِدي بفتح الياء وكسرِ الخاء والطاء. ورُوِي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بفتح الخاء. قال الفراء: وقرأ بعض أهل المدينة بإسكان الخاء وتشديد الطاء. قال الكسائي والأخفش والفراء: يجوز «يخطِف» بكسر الياء والخاء والطاء. فهذه ستة أوجه موافقة للخط. والسابعة حكاها عبد الوارث قال: رأيت في مصحف أبيّ بن كعب «يتخطف»، وزعم سيبويه والكسائي أن من قرأ «يخطِف» بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده يختطِف، ثم أدغم التاء في الطاء فٱلتقى ساكنان فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه: ومن فتح الخاء ألقى حركة التاء عليها. وقال الكسائي: ومن كسر الياء فلأن الألف في ٱختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من إسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز؛ لأنه جمع بين ساكنين. قاله النحاس وغيره.

قلت: وروي عن الحسن أيضاً وأبي رجاء «يَخِطَّف». قال ٱبن مجاهد: وأظنه غلطاً؛ وٱستدل على ذلك بأن { خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } لم يقرأه أحد بالفتح.

{ أَبْصَارَهُمْ } جمع بَصَر، وهي حاسة الرؤية.

-1-

والمعنى: تكاد حجج القرآن وبراهينه الساطعة تَبْهَرهم. ومن جعل «البَرْق» مَثَلاً للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يُذهب أبصارهم.

قوله تعالى: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } «كلما» منصوب لأنه ظرف. وإذا كان «كلما» بمعنى «إذا» فهي موصولة والعامل فيه «مَشَوْا» وهو جوابه، ولا يعمل فيه «أضاء»؛ لأنه في صلة ما. والمفعول في قول المبرد محذوف، التقدير عنده: كلما أضاء لهم البرق الطريقَ. وقيل: يجوز أن يكون فَعَل وأفْعَل بمعنىً، كَسكَت وأسْكَت؛ فيكون أضاء وضاء سواء فلا يحتاج إلى تقدير حذف مفعول. قال الفراء: يقال ضاء وأضاء، وقد تقدّم. والمعنى أنهم كلما سمعوا القرآن وظهرت لهم الحجج أنِسُوا ومشَوْا معه، فإذا نزل من القرآن ما يَعْمَوْنَ فيه ويَضِلون به أو يكلَّفونه «قاموا»، أي ثبتوا على نفاقهم؛ عن ٱبن عباس. وقيل: المعنى كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت النِّعم قالوا: دِين محمد دينٌ مبارك، وإذا نزلت بهم مصيبة وأصابتهم شدّة سَخِطوا وثبتوا في نفاقهم؛ عن ٱبن مسعود وقتادة. قال النحاس: وهذا قول حسن، ويدل على صحته:

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06397) [الحج22: 11].

وقال علماء الصوفية: هذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى لمن لم تصح له أحوال الإرادة بدءاً، فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر، كأن تضيء عليه أحوال الإرادة لو صححها بملازمة آدابها، فلما مزجها بالدعاوى أذهب الله عنه تلك الأنوار وبقي في ظلمات دعاويه لا يبصر طريق الخروج منها. وروِي عن ٱبن عباس أن المراد اليهود، لمّا نُصِر النبيّ صلى الله عليه وسلم ببَدْر طمِعوا وقالوا: هذا والله النبيّ الذي بشّرنا به موسى لا تردّ له راية؛ فلما نُكِب بأحُد ٱرتدّوا وشَكّوا؛ وهذا ضعيف. والآية في المنافقين، وهذا أصح عن ٱبن عباس، والمعنى يتناول الجميع.

قوله تعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } «لو» حرف تَمَنٍّ وفيه معنى الجزاء؛ وجوابه اللام. والمعنى: ولو شاء الله لأطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عِزّ الإسلام بالاستيلاء عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم. وخصّ السمع والبصر لتقدّم ذكرهما في الآية أوّلاً، أو لأنهما أشرف ما في الإنسان. وقرىء «بأسماعهم» على الجمع؛ وقد تقدّم الكلام في هذا.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } عموم، ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه. وأجمعت الأمة على تسمية الله تعالى بالقدير، فهو سبحانه قدير قادر مقتدر. والقدير أبلغ في الوصف من القادر؛ قاله الزجاجيّ. وقال الهرويّ: والقدير والقادر بمعنىً واحد؛ يقال: قَدَرت على الشيء أقدِرُ قَدْراً وقَدَراً ومَقدِرَة ومَقْدُرة وقُدْرَاناً؛ أي قُدْرة. والاقتدار على الشيء: القدرة عليه. فالله جلّ وعَزّ قادر مقتدر قدير على كل ممكن يقبل الوجود والعدم.

-2-

فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله تعالى قادر، له قدرة بها فَعَلَ ويَفْعَل ما يشاء على وَفْق علمه وٱختياره. ويجب عليه أيضاً أن يعلم أن للعبد قدرة يكتسب بها ما أقدره الله تعالى عليه على مجرى العادة، وأنه غير مستبدّ بقدرته. وإنما خص هنا تعالى صفته التي هي القدرة بالذكر دون غيرها؛ لأنه تقدّم ذِكرِ فعْلٍ مُضَمَّنهُ الوعيد والإخافة؛ فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك. والله أعلم.

فهذه عشرون آية على عدد الكوفيين؛ أربع آيات في وصف المؤمنين، ثم تليها آيتان في ذكر الكافرين، وبقيتها في المنافقين. وقد تقدّمت الرواية فيها عن ٱبن جُرَيج، وقاله مجاهد أيضاً.

-3-

admin
12-28-2010, 02:31 PM
تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق 1-3


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } استئناف ثان كأنه جواب لمن يقول: ما حالهم مع تلك الصواعق؟ وكاد من أفعال المقاربة، وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكنه لم يوجد، إما لفقد شرط، أو لوجود مانع وعسى موضوعة لرجائه، فهي خبر محض ولذلك جاءت متصرفة بخلاف عسى، وخبرها مشروط فيه أن يكون فعلاً مضارعاً تنبيهاً على أنه المقصود بالقرب من غير أن، لتوكيد القرب بالدلالة على الحال، وقد تدخل عليه حملاً لها على عسى، كما تحمل عليها بالحذف من خبرها لمشاركتهما في أصل معنى المقاربة. والخطف الأخذ بسرعة وقرىء (يَخْطِف) بكسر الطاء ويخطف على أنه يختطف، فنقلت فتحة التاء إلى الخاء ثم ادغمت في الطاء، ويخطف بكسر الخاء لالتقاء الساكنين وإتباع الياء لها، ويخطف ويتخطف.

{ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } استئناف ثالث كأنه قيل: ما يفعلون في تارتي خفوق البرق، وخفيته؟ فأجيب بذلك. وأضاء إما متعد والمفعول محذوف بمعنى كلما نور لهم ممشى أخذوه، أو لازم بمعنى، كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره، وكذلك أظلم فإنه جاء متعدياً منقولاً من ظلم الليل، ويشهد له قراءة أظلم على البناء للمفعول، وقول أبي تمام:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>هُمَا أظلَما حالي ثَمَّةَ أجْلَيا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ظلامَيْهِما عن وَجْهِ أَمْرَدَ أشيبِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

فإنه وإن كان من المحدَثين لكنه من علماء العربية، فلا يبعد أن يجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. وإنما قال مع الإضاءة { كُلَّمَا } ومع الإظلام { إِذَا } لأنهم حراص على المشي، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف. ومعنى (قاموا) وقفوا، ومنه قامت السوق إذا ركدت، وقام الماء إذا جمد. { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب بهما فحذف المفعول لدلالة الجواب عليه، ولقد تكاثر حذفه في شاء وأراد حتى لا يكاد يذكر إلا في الشيء المستغرب كقوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فَلَوْ شِئتُ أن أَبكي دَمَاً لَبَكَيْتُه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

(ولو) من حروف الشرط، وظاهرها الدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني، ضرورة انتفاء الملزوم عند انتفاء لازمه، وقرىء: لأذهب بأسماعهم، بزيادة الباء كقوله تعالى:

{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03993) [البقرة2: 195]

وفائدة هذه الشرطية إبداء المانع لذهاب سمعهم وأبصارهم مع قيام ما يقتضيه، والتنبيه على أن تأثير الأسباب في مسبباتها مشروط بمشيئة الله تعالى، وأن وجودها مرتبط بأسبابها واقع بقدرته وقوله

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } كالتصريح به والتقرير له. والشيء يختص بالموجود، لأنه في الأصل مصدر شاء أطلق بمعنى شاء تارة، وحينئذ يتناول البارىء تعالى كما قال:

{ قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04599) [الأنعام6: 19]

-1-

وبمعنى مشيء أخرى، أي مشيء وجوده وما شاء الله وجوده فهو موجود في الجملة وعليه قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ }.

{ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05514) [الرعد13: 16]

فهما على عمومهما بلا مثنوية. والمعتزلة لما قالوا الشيء ما يصح أن يوجد وهو يعم الواجب والممكن، أو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيعم الممتنع أيضاً، لزمهم التخصيص بالممكن في الموضعين بدليل العقل.

والقدرة: هو التمكن من إيجاد الشيء. وقيل صفة تقتضي التمكن، وقيل قدرة الإنسان، هيئة بها يتمكن من الفعل وقدرة الله تعالى: عبارة عن نفي العجز عنه، والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، والقدير الفعال لما يشاء على ما يشاء ولذلك قلما يوصف به غير الباري تعالى، واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل على مقدار قوته، أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته. وفيه دليل على أن الحادث حال حدوثه والممكن حال بقائه مقدوران وأن مقدور العبد مقدور لله تعالى، لأنه شيء وكل شيء مقدور لله تعالى. والظاهر أن التمثيلين من جملة التمثيلات المؤلفة، وهو أن يشبه كيفية منتزعة من مجموع تضامت أجزاؤه وتلاصقت حتى صارت شيئاً واحداً بأخرى مثلها، كقوله تعالى:

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08973) [الجمعة62: 5] الآية،

فإنه تشبيه حال اليهود في جهلهم بما معهم من التوراة، بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة. والغرض منهما تمثيل حال المنافقين من الحيرة والشدة، بما يكابد من انطفأت ناره بعد إيقادها في ظلمة، أو بحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد قاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق. ويمكن جعلهما من قبيل التمثيل المفرد، وهو أن تأخذ أشياء فرادى فتشبهها بأمثالها كقوله تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07470)وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07470) وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ * وَلاَ ٱلظّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07472) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07472) [فاطر35: 19-21]

وقول امرىء القيس:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كأنَّ قلوبَ الطير رَطْباً ويابِسا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لَدَى وكرِها العنَّابُ والحشفُ البالي</TD></TR></TBODY></TABLE>

بأن يشبه في الأول: ذوات المنافقين بالمستوقدين، وإظهارهم الإيمان باستيقاد النار وما انتفعوا به من حقن الدماء وسلامة الأموال والأولاد وغير ذلك بإضاءة النار ما حول المستوقدين، وزوال ذلك عنهم على القرب بإهلاكهم وبإفشاء حالهم وإبقائهم في الخسار الدائم، والعذاب السرمد بإطفاء نارهم والذهاب بنورها. وفي الثاني: أنفسهم بأصحاب الصيب وإيمانهم المخالط بالكفر والخداع بصيب فيه ظلمات ورعد وبرق، من حيث إنه وإن كان نافعاً في نفسه لكنه لما وجد في هذه الصورة عاد نفعه ضراً ونفاقهم حذراً عن نكايات المؤمنين، وما يطرقون به من سواهم من الكفرة بجعل الأصابع في الآذان من الصواعق حذر الموت، من حيث إنه لا يرد من قدر الله تعالى شيئاً، ولا يخلص مما يريد بهم من المضار وتحيرهم لشدة الأمر وجهلهم بما يأتون، ويذرون بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة مع خوف أن تخطف أبصارهم فخطوا خطاً يسيرة، ثم إذا خفي وفتر لَمَعانُهُ بقوا متقيدين لا حراك بهم.

-2-

وقيل: شبه الإيمان والقرآن وسائر ما أوتي الإنسان من المعارف التي هي سبب الحياة الأبدية بالصَيِّب الذي به حياة الأرض. وما ارتكبت بها من الشبه المبطلة، واعترضت دونها من الاعتراضات المشككة بالظلمات. وشبه ما فيها من الوعد والوعيد بالرعد، وما فيها من الآيات الباهرة بالبرق، وتصامهم عما يسمعون من الوعيد بحال من يهوله الرعد فيخاف صواعقه فيسد أذنيه عنها مع أنه لا خلاص لهم منها وهو معنى قوله تعالى:

{ وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) [البقرة2: 19]

واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه، أو رفد تطمح إليه أبصارهم بمشيهم في مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم، وتحيرهم وتوقفهم في الأمر حين تعرض لهم شبهة، أو تعن لهم مصيبة بتوقفهم إذا أظلم عليهم.

ونبه سبحانه بقوله: { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } على أنه تعالى جعل لهم السمع والأبصار ليتوسلوا بها إلى الهدى والفلاح، ثم إنهم صرفوها إلى الحظوظ العاجلة، وسدوها عن الفوائد الآجلة، ولو شاء الله لجعلهم بالحالة التي يجعلونها لأنفسهم، فإنه على ما يشاء قدير.

-3-

admin
12-28-2010, 02:41 PM
تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ } يقرب { ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } يأخذها بسرعة { كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } أي في ضوئه { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } وقفوا، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبَهم وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون. { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } بمعنى أسماعهم { وَأَبْصَٰرِهِمْ } الظاهرة كما ذهب بالباطنة { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ } شاءه { قَدِيرٌ } ومنه إذهاب ما ذُكِرَ.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-28-2010, 02:43 PM
تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } أي ضوء البرق يذهب ويختلس بأبصارهم من شدة ضوء البرق فكذلك نور إيمان المنافق يكاد يغطي على الناس كفره في سره حتى لا يعلموا كفره. وقد قيل: معناه يكاد أن يظهر عليهم نور الإسلام، فيثبتون على ذلك. ثم قال: { كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } أي كلما لمع البرق في الليلة المظلمة مضوا فيه { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } أي: إذا ذهب ضوء البرق { قَامُواْ } متحيرين فكذلك المنافق، إذا تكلم بلا إله إلا الله، يمضي مع المؤمنين، [ويمنع بها] من السيف، فإذا مات بقي متحيراً نادماً. ويقال: معناه كلما أضاء لهم مشوا فيه، أي كلما ظهر لهم دليل نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وظهر لهم علاماته مالوا إليه، وإذا أظلم عليهم، أي إذا أصاب المسلمين محنة، كما أصابتهم يوم أحد، وكما أصابتهم يوم بئر معونة قاموا، أي ثبتوا على كفرهم. وروى أسباط عن السدى أنه قال: كان رجلان من المنافقين هربا من المدينة إلى المشركين، فأصابهما من المطر الذي ذكر الله فيه ظلمات ورعد وبرق، كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما فإذا لمع البرق مشيا في ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا شيئاً، فقاما مكانهما فجعلا يقولان يا ليتنا لو أصبحنا فنأتي محمداً - صلى الله عليه وسلم - فنضع أيدينا في يده، فأصبحا فأتياه فأسلما وحسن إسلامهما فضرب الله في شأن هذين المنافقين الخارجين مثلاً للمنافقين الذين كانوا بالمدينة. ثم قال تعالى: { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } قال بعضهم بسمعهم الظاهر الذي في الرأس وأبصارهم التي في الأعين كما ذهب بسمع قلوبهم، وأبصار قلوبهم عقوبة لهم. قيل: معناه ولو شاء لجعلهم صماً وعمياً في الحقيقة كما جعلهم صماً وعمياً في الحكم. قد قيل: معناه، ولو شاء الله لجعلهم صماً وعمياً في الآخرة كما جعلهم في الدنيا. وروي في إحدى الروايتين عن ابن عباس أنه قال: هذا من المكتوم الذي لا يفسر. ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } من العقوبة وغيرها.

admin
12-28-2010, 02:49 PM
تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ البَرْق يخطَفْ أبْصارهُمْ }. يكاد بمعنى: يقارب، وهي كلمة إذا أثبتت انتفى الفعل، وإذا نفيت ثبت الفعل. وسئل بعض المتأخرين فقيل له:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أنحوي هذا العصر ما هي كلمة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>جرت بلسانيْ جرهم وثمود</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إذا نفيت والله يشهد أثبتت</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وإن أثبتت قامت مقام جحود</TD></TR></TBODY></TABLE>

ويشهد للاثبات عند النفي قوله تعالى:

{ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04362) [النساء4: 78] وقوله
{ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَد يَرَاهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06622) [النور24: 40] ومثله
{ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08168) [الزخرف43: 52]

ويشهد للنفي عند الإثبات قوله تعالى

{ يَكَادُ الْبَرْقُ } [البقرة2: 20] و
{ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06625) [النور24: 43] و
{ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06617) [النور24: 35].

وقال ابن قتيبة: كاد: بمعنى هم ولم يفعل. وقد جاءت بمعنى الإثبات قال ذو الرمة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولو أن لقمان الحكيم تعرضت</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لعينيه ميّ سافراً كاد يَبرَق</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي: لو تعرضت له لبرق، أي: دهش وتحير.

قلت: وقد قال ذو الرمة في المنفية ما يدل على أنها تستعمل للاثبات، وهو قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>اذا غيَّر النأي المحبين لم يكد</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>رسيس الهوى من حبِّ ميَّة يبرح</TD></TR></TBODY></TABLE>

أراد: لم يبرح.

قوله تعالى: { يخطَفُ أبْصارَهُم }

قرأ الجمهور بفتح الياء، وسكون الخاء وفتح الطاء. وقرأَ أبان بن تغلب، وأبان بن يزيد كلاهما عن عاصم، بفتح الياء وسكون الخاء، وكسر الطاء مخففاً. ورواه الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، بفتح الياء وكسر الخاء، وتشديد الطاء، وهي قراءة الحسن كذلك، إلا أنه كسر الياء. وعنه: فتح الياء والخاء مع كسر الطاء المشددة.

ومعنى «يخطف» يستلب، وأصل الاختطاف: الاستلاب، ويقال لما يخرج به الدلو: خطاف، لأنه يختطف ما علق به. قال النابغة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>خطاطيف حجْنٍ في حبالٍ متينة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تمُدُّ بها أيدٍ إِليك نوازع</TD></TR></TBODY></TABLE>

والحجن المتعقفة وجمل خيطف: سريع المر، وتلك السرعة الخطفى.

قوله تعالى: { كلما أَضَاءَ لهم }

قال الزجاج: يقال ضاء الشيء يضوء، وأضاء يضيء، وهذه اللغة الثانية هي المختارة.

فصل

واختلف العلماء ما الذي يشبه الرعد مما يتعلق بأحوال المنافقين على ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه التخويف الذي في القرآن، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه ما يخافون أن يصيبهم من المصائب إذا علم النبي والمؤمنون بنفاقهم، قاله مجاهد والسدي.

والثالث: أنه ما يخافونه من الدعاء إلى الجهاد، وقتال من يبطنون مودته، ذكره شيخنا.

واختلفوا: ما الذي يشبه البرق من أحوالهم على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ما يتبين لهم من مواعظ القرآن وحكمه.

والثاني: أنه ما يضيء لهم من نور إسلامهم الذي يظهرونه. والثالث: أنه مثل لما ينالونه باظهار الإسلام من حقن دمائهم، فانه بالإِضافة إِلى ما ذخر لهم في الأجل كالبرق.

واختلفوا في معنى قوله: { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } على قولين. أحدهما: أنهم كانوا يفرون من سماع القرآن لئلا يأمرهم بالجهاد مخالفة الموت، قاله الحسن والسدي.

-1-

والثاني: أنه مثل لإِعراضهم عن القرآن كراهية له، قاله مقاتل.

واختلفوا في معنى { كلما أضاء لهم مشوا فيه } على أربعة أقوال.

أحدها: أن معناه: كلما أتاهم القرآن بما يحبون تابعوه، قاله ابن عباس والسدي.

والثاني: أن إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم، فيسرعون إلى متابعته، قاله قتادة.

والثالث: أنه تكلمهم بالاسلام، ومشيهم فيه، اهتداؤهم به، فاذا تركوا ذلك وقفوا في ضلالة، قاله مقاتل.

والرابع: أن إِضاءته لهم: تركهم بلا ابتلاء ولا امتحان، ومشيهم فيه: إقامتهم على المسالمة باظهار ما يظهرونه. ذكره شيخنا.

فأما قوله تعالى: { وإِذا أظْلَم علَيهِم } فمن قال: إضاءته: إتيانه إياهم بما يحبون، قال: إظلامه: إتيانه إياهم بما يكرهون. وعلى هذا سائر الأقوال التي ذكرناها بالعكس.

ومعنى { قاموا }: وقفوا.

قوله تعالى: { ولو شاء الله لَذَهبَ بسَمْعهم وأبْصارهم } قال مقاتل: معناه: لو شاء لأذهب أسماعهم وأبصارهم عقوبة لهم. قال مجاهد: من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في نعت المنافقين.

-2-

admin
12-28-2010, 04:14 PM
تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق



{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ } يقارب، الخطف: الاستلاب بسرعة. { أَضَآءَ لَهُم } الحق. { مَّشَوْاْ فِيهِ } تبعوه { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } بالهوى تركوه، أو كلما غنموا وأصابوا خيراً تبعوا المسلمين، وإذا أظلم فلم يصيبوا خيراً قعدوا عن الجهاد. { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } أسماعهم.


<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كلوا في نصف بطنكم تعيشوا </TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>........................</TD></TR></TBODY></TABLE>
<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 12:31 PM
تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق 1-6



{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03819) } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03821) } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03822) }


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } الخطف الأخذ بسرعة، و «كاد» يستعمل لتقريب الفعل جداً، وموضع يخطف نصب لأنه خبر «كاد». { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم } «كل» ظرف و «ما» نكرة موصوفة معناها الوقت، والعائد محذوف أي كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل فيه جوابها وهو { مَّشَوْاْ فِيهِ } أي في ضوئه وهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول: كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته؟ وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين. و «أضاء» متعدٍ كلما نور لهم ممشى ومسلكاً أخذوه، والمفعول محذوف. أو غير متعدٍ أي كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره. والمشي جنس الحركة المخصوصة فإذا اشتد فهو سعي فإذا ازداد فهو عدوٌ. { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } «أظلم» غير متعدٍ وذكر مع «أضاء» «كلما» ومع «أظلم» «إذا» لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف. { قَامُواْ } وقفوا وثبتوا في مكانهم ومنه قام الماء إذا جمد. { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } بقصيف الرعد { وَأَبْصَـٰرِهِمْ } بوميض البرق. ومفعول «شاء» محذوف لدلالة الجواب عليه أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما ولقد تكاثر هذا الحذف في «شاء» وأراد لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>عليه ولكن ساحة الصبر أوسع</TD></TR></TBODY></TABLE>


وقوله تعالى:

{ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06291) [الأنبياء21: 17].
{ وَلَوْ أَرَاد ٱللَّهُ أن يتخذْ وَلَدًا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07853) (الزمر39: 4)

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي إن الله قادر على كل شيء.

لما عدد الله فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها ويحظيها عند الله ويرديها أقبل عليهم بالخطاب وهو من الالتفات المذكور فقال: { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } قال علقمة: ما في القرآن «يا أيها الناس» فهو خطاب لأهل مكة، وما فيه «يا أيها الذين آمنوا» فهو خطاب لأهل المدينة، وهذا خطاب لمشركي مكة، و «يا» حرف وضع لنداء البعيد، وأي والهمزة للقريب، ثم استعمل في مناداة من غفا وسها وإن قرب ودنا تنزيلاً له منزلة من بعد ونأى، فإذا نودي به القريب المقاطن فذاك للتوكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معتنى به جداً. وقول الداعي «يا رب» وهو أقرب إليه من حبل الوريد استقصار منه لنفسه واستبعاد لها عن مظان الزلفى هضماً لنفسه وإقراراً عليها بالتفريط مع فرط التهالك على استجابة دعوته.

-1-

و «أي» وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما أن «ذو» و «الذي» وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهامه فلا بد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يتضح المقصود بالنداء. فالذي يعمل فيه «يا أي»، أي والتابع له صفته نحو «يا زيد الظريف» إلا أن «أيا» لا يستقل بنفسه استقلال زيد فلم ينفك عن الصفة، وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها لتأكيد معنى النداء وللعوض عما يستحقه أي من الإضافة. وكثر النداء في القرآن على هذه الطريقة لأن ما نادى الله به عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده أمور عظام وخطوب جسام، يجب عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم إليها وهم عنها غافلون، فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ. { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } وحدوه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل عبادة في القرآن فهي توحيد { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } صفة موضحة مميزة لأنهم كانوا يسمون الآلهة أرباباً. والخلق إيجاد المعدوم على تقدير واستواء، وعند المعتزلة إيجاد الشيء على تقدير واستواء، وهذا بناء على أن المعدوم شيء عندهم لأن الشيء ما صح أن يعلم ويخبر عنه عندهم، وعندنا هو اسم للموجود. خلقكم بالإدغام: أو عمرو. { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } احتج عليهم بأنه خالقهم وخالق من قبلهم لأنهم كانوا مقرين بذلك فقيل لهم: إن كنتم مقرين بأنه خالقكم فاعبدوه ولا تعبدوا الأصنام. { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي اعبدوا على رجاء أن تتقوا فتنجوا بسببه من العذاب. و «لعل» للترجي والإطماع ولكنه إطماع من كريم فيجري مجرى وعده المحتوم وفاؤه، وبه قال سيبويه. وقال قطرب: هو بمعنى «كي» أي لكي تتقوا. { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ } أي صير ومحل «الذي» نصب على المدح أو رفع بإضمار هو «فراشاً» بساطاً تقعدون عليها وتنامون وتتقلبون وهو مفعول ثانٍ لجعل، وليس فيه دليل على أن الأرض مسطحة أو كرية إذ الافتراش ممكن على التقديرين. { وَٱلسَّمَاءَ بِنَاءً } سقفاً كقوله تعالى:

{ وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06306) [الأنبياء21: 32]،

وهو مصدر سمي به المبنى. { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً } مطراً { فَأَخْرَجَ بِهِ } بالماء، نعم خروج الثمرات بقدرته ومشيئته وإيجاده ولكن جعل الماء سبباً في خروجها كماء الفحل في خلق الولد وهو قادر على إنشاء الكل بلا سبب كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد، ولكن له في إنشاء الأشياء مدرجاً لها من حال إلى حال وناقلاً من مرتبة إلى مرتبة، حكماً وعبراً للنظار بعيون الاستبصار. و «من» في { مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } للتبعيض أو للبيان { رِزْقاً } مفعول له إن كانت «من» للتبعيض، ومفعول به لـ «أخرج» إن كانت للبيان.

-2-

وإنما قيل الثمرات دون الثمر والثمار وإن كان الثمر المخرج بماء السماء كثيراً، لأن المراد جماعة الثمرة، ولأن الجموع يتعاور بعضها موقع بعض لالتقائها في الجمعية. { لَكُمْ } صفة جارية على الرزق إن أريد به العين، وإن جعل اسماً للمعنى فهو مفعول به كأنه قيل رزقاً وإياكم. { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } هو متعلق بالأمر أي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له أنداداً لأن أصل العبادة وأساسها التوحيد، وأن لا يجعل له ند ولا شريك. ويجوز أن يكون الذي «رفعاً» على الابتداء وخبره «فلا تجعلوا». ودخول الفاء لأن الكلام يتضمن الجزاء أي الذي حفكم بهذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية فلا تتخذوا له شركاء. المثل والند ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوىء، ومعنى قولهم ليس لله ند ولا ضد نفي ما يسد مسده ونفي ما ينافيه { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنها لا تخلق شيئاً ولا ترزق والله الخالق الرازق، أو مفعول «تعلمون» متروك أي وأنتم من أهل العلم. وجعل الأصنام لله أنداداً غاية الجهل، والجملة حال من الضمير في «فلا تجعلوا».

ولما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الإشراك لخلقهم أحياء قادرين وخلق الأرض التي هي مثواهم ومستقرهم، وخلق السماء التي هي كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار وما سوّاه عز وجل من شبه عقد النكاح بين المقلة والمظلة بإنزال الماء منها عليها والإخراج به من بطنها أشباه النسل من الثمار رزقاً لبني آدم، فهذا كله دليل موصل إلى التوحيد مبطل للإشراك، لأن شيئاً من المخلوقات لا يقدر على إيجاد شيء منها، عطف على ذلك ما هو الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما يقرر إعجاز القرآن فقال:

{ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا } «ما» نكرة موصوفة أو بمعنى الذي { عَلَىٰ عَبْدِنَا } محمد عليه السلام، والعبد اسم لمملوك من جنس العقلاء، والمملوك موجود قهر بالاستيلاء. وقيل: نزلنا دون أنزلنا لأن المراد به النزول على سبيل التدريج والتنجيم وهو من مجازه لمكان التحدي وذلك أنهم كانوا يقولون لو كان هذا من عند الله لم ينزل هكذا نجوماً سورة بعد سورة وآيات غب آيات على حسب النوازل وعلى سنن ما نرى عليه أهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقاً حيناً فحيناً، شيئاً فشيئاً لا يلقي الناظم ديوان شعره دفعة، ولا يرمي الناثر بخطبه ضربة، فلو أنزله الله لأنزله جملة قال الله تعالى:

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءَانُ جُمْلَةً وٰحِدَةً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06678) [الفرقان25: 32]،

فقيل: إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على تدريج { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ } أي فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه، وهلموا نجماً فرداً من نجومه سورة من أصغر السور.

-3-

والسورة الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات. وواوها إن كانت أصلاً فإما أن تسمى بسور المدينة وهو حائطها لأنها طائفة من القرآن محدودة محوزة على حيالها كالبلد المسور، أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد كاحتواء سور المدينة على ما فيها، وإما أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارىء، وهي أيضاً في نفسها مرتبة طوال وأوساط وقصار، أو لرفعة شأنها وجلالة محلها في الدين. وإن كانت منقلبة عن همزة فلأنها قطعة وطائفة من القرآن كالسؤرة التي هي البقية من الشيء. وأما الفائدة في تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً فهي كثيرة، ولذا أنزل الله تعالى التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه مسورة مترجمة السورة، وبوب المصنفون في كل فن كتبهم أبواباً موشحة الصدور بالتراجم. منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن من أن يكون بياناً واحداً، ومنها أن القارىء إذا ختم سورة أو باباً من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله، ومن ثم جزّأ القراء القرآن أسباعاً وأجزاء وعشوراً وأخماساً، ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عنده ما حفظه ويجل في نفسه، ومنه حديث أنس رضي الله عنه كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل فينا. ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل. { مِّن مِّثْلِهِ } متعلق بـ «سورة» صفة لها والضمير لما نزلنا أي بسورة كائنة من مثله يعني فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم، أو لعبدنا أي فأتوا بمن هو على حاله من كونه أمياً لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء. ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك. ورد الضمير إلى المنزل أولى لقوله تعالى:

{ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06678) [يونس10: 38].
{ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05277) [هود11: 13].
{ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05908) [الإسراء17: 88].

ولأن الكلام مع رد الضمير إلى المنزل أحسن ترتيباً. وذلك أن الحديث في المنزل لا في المنزل عليه وهو مسوق إليه فإن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبذاً مما يماثله. وقضية الترتيب لو كان الضمير مردوداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال: وإن ارتبتم في أن محمداً منزل عليه فهاتوا قرآناً من مثله، ولأن هذا التفسير يلائم قوله { وَٱدْعُواْ شُهَدَاءَكُم } جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة { مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي غير الله وهو متعلق بـ «شهداءَكم أي ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق أو من يشهد لكم بأنه مثل القرآن { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } إن ذلك مختلق وأنه من كلام محمد عليه السلام.

-4-

وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا أنتم بمثله واستعينوا بآلهتكم على ذلك.

{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرفون صدق النبي عليه السلام، قال لهم: فإذا لم تعارضوه وبان عجزكم ووجب تصديقه فآمنوا وخافوا العذاب المعَدَّ لمن كذب وعاند. وفيه دليلان على إثبات النبوة صحة كون المتحدى به معجزاً، والإخبار بأنهم لن يفعلوا وهو غيب لا يعلمه إلا الله. ولما كان العجز عن المعارضة قبل التأمل كالشكوك فيه لديهم لاتكالهم على فصاحتهم واعتمادهم على بلاغتهم، سيق الكلام معهم على حسب حسبانهم فجيء بـ «إن» الذي للشك دون «إذا» الذي للوجوب، وعبَّر عن الإتيان بالفعل لأنه فعل من الأفعال. والفائدة فيه أنه جارٍ مجرى الكتابة التي تعطيك اختصاراً إذ لو لم يعدل من لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل لاستطيل أن يقال «فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله». ولا محل لقوله «ولن تفعلوا» لأنها جملة اعتراضية، وحسّن هذا الاعتراض أن لفظ الشرط للتردد فقطع التردد بقوله «ولن تفعلوا» و «لا» و «لن» أختان في نفي المستقبل إلا أن في «لن» تأكيداً. وعن الخليل أصلها «لا أن»، وعند الفراء «لا» أبدلت ألفها نوناً، وعند سيبويه حرف موضوع لتأكيد نفي المستقبل، وإنما علم أنه إخبار عن الغيب على ما هو به حتى صار معجزة لأنهم لو عارضوه بشيء لاشتهر فكيف والطاعنون فيه أكثر عدداً من الذابين عنه؟ وشرط في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله لأنهم إذا لم يأتوا بها وتبين عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق الرسول، وإذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد وأبوا الانقياد استوجبوا النار فقيل لهم: إن استبنتم العجز فاتركوا العناد، فوضع «فاتقوا النار» موضعه لأن اتقاء النار سبب ترك العناد وهو من باب الكناية وهي من شعب البلاغة، وفائدته الإيجاز الذي هو من حلية القرآن. والوقود ما ترفع به النار يعني الحطب، وأما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح. وصلة الذي والتي تجب أن تكون معلوماً للمخاطب فيحتمل أن يكونوا سمعوا من أهل الكتاب أو من رسول الله، أو سمعوا قبل هذه الآية قوله تعالى:

{ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09026\)[التحريم66: 6].

وإنما جاءت النار منكرة ثم ومعرفة هنا لأن تلك الآية نزلت بمكة ثم نزلت هذه الآية بالمدينة مشاراً بها إلى ما عرفوه أولاً.

-5-

ومعنى قوله تعالى: «وقودها الناس والحجارة» أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران بأنها تتقد بالناس والحجارة وهي حجارة الكبريت، فهي أشد توقداً وأبطأ خموداً وأنتن رائحة وألصق بالبدن أو الأصنام المعبودة فهي أشد تحسيراً. وإنما قرن الناس بالحجـارة لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا حيث عبدوها وجعلوها لله أنداداً ونحوه قوله تعالى:

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06372) [الأنبياء21: 98]

أي حطبها، فقرنهم بها محماة في نار جهنم إبلاغاً في إيلامهم. { أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } هيئت لهم. وفيه دليل على أن النار مخلوقة خلافاً لما يقوله جهم سنة الله في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب تنشيطاً لاكتساب ما يزلف وتثبيطاً عن اقتراف ما يتلف، فلما ذكر الكفار وأعمالهم وأوعدهم بالعقاب قفاه بذكر المؤمنين وأعمالهم وتبشيرهم بقوله:

-6-

admin
12-30-2010, 12:40 PM
تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03819) } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03821) }


{ يكاد البرق } يعني دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة كلمة أضاء لهم يعني المنافقين، وإضاءته لهم هو تركهم بلا ابتلاء ولا امتحان { مشوا فيه } يعني على المسالمة بإظهار كلمة الإيمان وقيل كلما نالوا غنيمة وراحة في الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم، { وإذا أظلم عليهم قاموا } يعني إذا رأوا شدة وبلاء تأخروا { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } أي بصوت الرعد { وأبصارهم } بوميض البرق. وقيل: أي لذهب بأسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما أذهب أسماعهم وأبصارهم الباطنة { إن الله على كل شيء قدير } أي هو الفاعل لما يشاء لا منازع له فيه. قوله عزّ وجلّ: { يا أيها الناس } قال ابن عباس: يا أيها الناس خطاب لأهل مكة ويا أيها الذين آمنوا خطاب لأهل المدينة، وهو هنا خطاب عام لسائر المكلفين { اعبدوا ربكم } قال ابن عباس: وحدوا ربكم وكل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناه التوحيد. وأصل العبودية التذلل والعبادة غاية التذلُّل ولا يستحقها إلاّ من له غاية الإفضال والإنعام وهو الله تعالى { الذي خلقكم } أي ابتداع خلقكم على غير مثال سبق { والذين من قبلكم } أي وخلق الذين من قبلكم { لعلكم } لعل وعسى حرفاً ترجّ وهما أي كل منهما من الله واجب { تتقون } أي لكي تنجوا من العذاب، وقيل معناه تكونوا على رجاء التقوى بأن تصيروا في ستر ووقاية من عذاب الله وحكم الله من ورائكم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد { الذي جعل لكم الأرض فراشاً } أي خلق لكم الأرض بساطاً ووطاء مذللة ولم يجعلها حزنة لا يمكن القرار عليها، والحزن ما غلظ من الأرض { والسماء بناء } أي سقفاً مرفوعاً قيل إذا تأمل الإنسان المتفكر في العالم وجده كالبيت المعمور فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض مفروشة كالبساط والنجوم كالمصابيح والإنسان كمالك البيت وفيه ضروب النبات المهيأة لمنافعه وأصناف الحيوان مصروفة في مصالحه، فيجب على الإنسان المسخر له هذه الأشياء شكر الله تعالى عليها { وأنزل من السماء } يعني السحاب { ماء } يعني المطر { فأخرج به } أي بذلك الماء { من الثمرات } يعني من ألوان الثمرات وأصناف النبات { رزقاً لكم } أي وعلفاً لدوابكم { فلا تجعلوا لله أنداداً } يعني أمثالاً تعبدونهم كعادته، والندّ المثل { وانتم تعلمون } يعني أنكم بعقولكم تعلمون أن هذه الأشياء والأمثال لا يصح جعلها أنداداً لله، وأنه واحد خالق لجميع الأشياء وأنه لا مثل له ولا ضد له.

قوله تعالى: { وإن كنتم في ريب } أي إن كنتم في شك لأن الله تعالى عليم أنهم شاكون { مما نزلنا على عبدنا } أي محمد صلى الله عليه وسلم لما تقرر إثبات الربوبية لله سبحانه وتعالى وأنه الواحد الخالق وأنه لا ضد له ولا ندّ أتبعه بإقامة الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما يدحض الشبهة في كون القرآن معجزة، وأنه من عند الله تعالى لا من عند نفسه كما تدّعون فيه، وقوله على عبدنا إضافة تشريف لمحمد صلى الله عليه وسلم وأن القرآن منزل عليه من عند الله سبحانه وتعالى { فأتوا } أمر تعجيز { بسورة } والسورة قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر وقيل السورة اسم للمنزلة الرفيعة، ومنه سور البلد لارتفاعه، سميت سورة لأن القارئ ينال بها منزلة رفيعة حتى يستكمل المنازل باستكمال سور القرآن { من مثله } أي مثل القرآن، وقيل الضمير في مثله راجع إلى عبدنا، يعني من مثل محمد صلى الله عليه وسلم أميّ لم يحسن الكتابة ولم يجالس العلماء ولم يأخذ العلم عن أحد، ورد الضمير إلى القرآن أوجه وأولى ويدل عليه أن ذلك مطابق لسائر الآيات الواردة في التحدي وإنما وقع الكلام في المنزل ألا ترى أن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فأتوا أنتم بسورة مما يماثله ويجانسه، ولو كان الضمير مردوداً إلى محمد صلى الله عليه وسلم لقال وإن ارتبتم في أن محمداً منزل عليه فهاتوا قرآناً مثل محمد صلى الله عليه وسلم، ويدل على كون القرآن معجزاً ما اشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة في طرفي الإيجاز والإطالة فتارة يأتي بالقصة باللفظ الطويل ثم يعيدها باللفظ الوجيز ولا يخل بالمقصود الأول، وأنه فارقت أساليبه أساليب الكلام وأوزانه أوزان الأشعار والخطب والرسائل ولهذا تحديت العرب به، فعجزوا عنه وتحيروا فيه واعترفوا بفضله وهم معدن البلاغة وفرسان الفصاحة ولهم النظم والنثر من الأشعار والخطب والرسائل، حتى قال الوليد بن المغيرة في وصف القرآن: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وأن أصله لمغدق وإن أعلاه لمثمر { وادعوا شهداءكم من دون الله } أي استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله والمعنى إن كان الأمر كما تقولون أنها تستحق العبادة فاجعلوا الاستعانة بها في دفع ما نزل بكم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وإلاّ فاعلموا أنكم مبطلون في دعواكم أنها آلهة.

-1-

وقيل معناه وادعوا أناساً يشهدون لكم { إن كنتم صادقين } أن محمد صلى الله عليه وسلم تقوله من تلقاء نفسه.

-2-

admin
12-30-2010, 01:14 PM
تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق 1-7


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


يكاد: مضارع كاد التي هي من أفعال المقاربة، ووزنها فعل يفعل، نحو خاف يخاف، منقلبة عن واو، وفيها لغتان: فعل كما ذكرناه، وفعل، ولذلك إذا اتصل بها ضمير الرفع لمتكلم أو مخاطب أو نون إناث ضموا الكاف فقالوا: كدت، وكدت، وكدن، وسمع نقل كسر الواو إلى الكاف، مع ما إسناده لغير ما ذكر قول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وكيدت ضباع القف يأكلن جثتي</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>وكيد خراش عند ذلك ييتم</TD></TR></TBODY></TABLE>

يريد، وكادت، وكاد، وليس، من أفعال المقاربة ما يستعمل منها مضارع إلا: كاد، وأوشك. وهذه الأفعال هي من باب كان، ترفع الإسم وتنصب الخبر، إلا أن خبرها لا يكون إلا مضارعاً، ولها باب معقود في النحو، وهي نحو من ثلاثين فعلاً ذكرها أبو إسحاق البهاري في كتابه (شرح جمل الزجاجي). وقال بعض المفسرين: يكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي، وقد أنشدوا في ذلك شعراً يلغز فيه بها، وهذا الذي ذكر هذا المفسر هو مذهب أبي الفتح وغيره، والصحيح عند أصحابنا أنها كسائر الأفعال في أن نفيها نفي وإيجابها إيجاب، والاحتجاج للمذهبين مذكور في كتب النحو. الخطف: أخذ الشيء بسرعة. كل: للعموم، وهو اسم جمع لازم للإضافة، إلا أن ما أضيف إليه يجوز حذفه ويعوض منه التنوين، وقيل: هو تنوين الصرف، وإذا كان المحذوف معرفة بقيت كل على تعريفها بالإضافة، فيجيء منها الحال، ولا تعرف باللام عند الأكثرين، وأجاز ذلك الأخفش، والفارسي، وربما انتصب حالاً، والأصل فيها أن تتبع توكيداً كأجمع، وتستعمل مبتدأ، وكونها كذلك أحسن من كونها مفعولاً، وليس ذلك بمقصور على السماع ولا مختصاً بالشعر خلافاً لزاعمه. وإذا أضيفت كل إلى نكرة أو معرفة بلام الجنس حسن أن تلي العوامل اللفظية، وإذا ابتدىء بها مضافة لفظاً إلى نكرة طابقت الأخبار وغيرها ما تضاف إليه وإلى معرفة، فالأفصح إفراد العائد أو معنى لا لفظاً، فالأصل، وقد يحسن الإفراد وأحكام كل كثيرة. وقد ذكرنا أكثرها في كتابنا الكبير الذي سميناه بالتذكرة، وسردنا منها جملة لينتفع بها، فإنها تكررت في القرآن كثيراً.

المشي: الحركة المعروفة. لو: عبارة سيبويه، إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وهو أحسن من قول النحويين إنها حرف امتناع لامتناع لاطراد تفسير سيبويه، رحمه الله، في كل مكان جاءت فيه لو، وانخرام تفسيرهم في نحو: لو كان هذا إنساناً لكان حيواناً، إذ على تفسير الإمام يكون المعنى ثبوت الحيوانية على تقدير ثبوت الإنسانية، إذ الأخص مستلزم الأعم، وعلى تفسيرهم ينخرم ذلك، إذ يكون المعنى ممتنع الحيوانية لأجل امتناع الإنسانية، وليس بصحيح، إذ لا يلزم من انتفاء الإنسانية انتفاء الحيوانية، إذ توجد الحيوانية ولا إنسانية.

-1-

وتكون لو أيضاً شرطاً في المستقبل بمعنى أن، ولا يجوز الجزم بها خلافاً لقوم، قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>لا يلفك الراجوك إلا مظهرا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>خلق الكرام ولو تكون عديماً</TD></TR></TBODY></TABLE>

وتشرب لو معنى التمني، وسيأتي الكلام على ذلك عند قوله تعالى:

{ لَو أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03965) [البقرة2: 167]،

إن شاء الله تعالى، ولا تكون موصولة بمعنى أن خلافاً لزاعم ذلك. شاء: بمعنى أراد، وحذف مفعولها جائز لفهم المعنى، وأكثر ما يحذف مع لو، لدلالة الجواب عليه. قال الزمخشري: ولقد تكاثر هذا الحدف في شاء وأراد، يعني حذف مفعوليهما، قال: لا يكادون يبرزون هذا المفعول إلا في الشيء المستغرب، نحو قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

وقوله تعالى:

{ لَو أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06291) [الأنبياء21: 17]، و
{ لَو أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07853) [الزمر39: 4]

انتهى كلامه. قال صاحب التبيان، وذلك بعد أن أنشد قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>عليه ولكن ساحة الصبر أوسع</TD></TR></TBODY></TABLE>

متى كان مفعول المشيئة عظيماً أو غريباً، كان الأحسن أن يذكر نحو: لو شئت أن ألقى الخليفة كل يوم لقيته، وسر ذكره أن السامع منكر لذلك، أو كالمنكر، فأنت تقصد إلى إثباته عنده، فإن لم يكن منكراً فالحذف نحو: لو شئت قمت. وفي التنزيل:

{ لَو نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04982)[الأنفال8: 31]

انتهى.

وهو موافق لكلام الزمخشري. وليس ذلك عندي على ما ذهبنا إليه من أنه إذا كان في مفعول المشيئة غرابة حسن ذكره، وإنما حسن ذكره في الآية والبيت من حيث عود الضمير، إذ لو لم يذكر لم يكن للضمير ما يعود عليه، فهما تركيبان فصيحان، وإن كان أحدهما أكثر. فأحدهما الحذف ودلالة الجواب على المحذوف، إذ يكون المحذوف مصدراً دل عليه الجواب، وإذا كانوا قد حذفوا أحد جزأي الإسناد، وهو الخبر في نحو: لولا زيد لأكرمتك، للطول بالجواب، وإن كان المحذوف من غير جنس المثبت فلأن يحذف المفعول الذي هو فضلة لدلالة الجواب عليه، إذ هو مقدر من جنس المثبت أولى. والثاني: أن يذكر مفعول المشيئة فيحتاج أن يكون في الجواب ضمير يعود على ما قبله، نحو قوله تعالى:

{ لَو أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06291) [الأنبياء21: 17]،

وقول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

وأما إذا لم يدل على حذفه دليل فلا يحذف، نحو قوله تعالى:

{ لِمَن شَاءَ مِنكُم أَن يَسْتَقِيمَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09619) [التكوير81: 28]
{ لِمَن شَاءَ مِنكُم أَن يَتَقَدَّمَ أَو يَتَأَخَّرَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09323) [المدثر74: 37].

الشيء: ما صح أن يعلم من وجه ويخبر عنه، قال سيبويه، رحمه الله، وإنما يخرج التأنيث من التذكير، ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى؟ والشيء مذكر، وهو عندنا مرادف للموجود، وفي إطلاقه على المعدوم بطريق الحقيقة خلاف، ومن أطلق ذلك عليه فهو أنكر النكرات، إذ يطلق على الجسم والعرض والقديم والمعدوم والمستحيل.

-2-

القدرة: القوة على الشيء والاستطاعة له، والفعل قدر ومصادره كثيرة: قدر، قدرة، وبتثليث القاف، ومقدرة، وبتثليث الدال: وقدر، أو قدر، أو قدر، أو قدار، أو قدار، أو قدراناً، ومقدراً، ومقدراً.

الجملة من قوله: { يكاد البرق يخطف أبصارهم } لا موضع لها من الإعراب إذ هي مستأنفة جواب قائل قال: فكيف حالهم مع ذلك البرق؟ فقيل: { يكاد البرق يخطف أبصارهم } ، ويحتمل أن تكون في موضع جر صفة لذوي المحذوفة التقدير كائد البرق يخطف أبصارهم، والألف واللام في البرق للعهد، إذ جرى ذكره نكرة في قوله:

{ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) [البقرة2: 19]،

فصار نظير: لقيت رجلاً فضربت الرجل، وقوله تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09281)كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09281) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09282) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09282) [المزمل73: 15 - 16]

وقرأ مجاهد، وعلي بن الحسين، ويحيـى بن زيد: يخطف بسكون الخاء وكسر الطاء، قال ابن مجاهد: وأظنه غلطاً واستدل على ذلك بأن أحداً لم يقرأ بالفتح إلا من خطِف الخطفة. وقال الزمخشري: الفتح، يعني في المضارع أفصح، انتهى. والكسر في طاء الماضي لغة قريش، وهي أفصح، وبعض العرب يقول: خطَف بفتح الطاء، يخطف بالكسر. قال ابن عطية، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن وأبي رجاء، وذلك وهم. وقرأ علي، وابن مسعود: يختطف. وقرأ أُبي: يتخطف. وقرأ الحسن أيضاً: يخطف، بفتح الياء والخاء والطاء المشددة. وقرأ الحسن أيضاً، والجحدري، وابن أبي إسحاق: يخطف، بفتح الياء والخاء وتشديد الطاء المكسورة، وأصله يختطف. وقرأ الحسن أيضاً، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري، وقتادة: يخطف، بفتح الياء وكسر الخاء والطاء المشددة. وقرأ أيضاً الحسن، والأعمش: يخطف، بكسر الثلاثة وتشديد الطاء. وقرأ زيد بن علي: يخطف، بضم الياء وفتح الخاء وكسر الطاء المشددة من خطف، وهو تكثير مبالغة لا تعدية. وقرأ بعض أهل المدينة: يخطف، بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء المكسورة، والتحقيق أنه اختلاس لفتحة الخاء لا إسكان، لأنه يؤدّي إلى التقاء الساكنين على غير حد التقائهما.

فهذا الحرف قرىء عشر قراءات: السبعة يَخْطَفُ، والشواذ: يَخَطَّفُ يختطف يتخطَف يخطَّف وأصله يتخطف، فحذف التاء مع الياء شذوذاً، كما حذفها مع التاء قياساً. يخطف يخطف يخطف يخطف، والأربع الأخر أصلها يختطف فعرض إدغام التاء في الطاء فسكنت التاء للإدغام فلزم تحريك ما قبلها، فإما بحركة التاء، وهي الفتح مبينة أو مختلسة، أو بحركة التقاء الساكنين، وهي الكسر. وكسر الياء اتباع لكسرة الخاء، وهذه مسألة إدغام اختصم به، وهي مسألة تصريفية يختلف فيها اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، وتبيين ذلك في علم التصريف. ومن فسر البرق بالزجر والوعيد قال: يكاد ذلك يصيبهم. ومن مثله بحجج القرآن وبراهينه الساطعة قال: المعنى يكاد ذلك يبهرهم.

وكل: منصوب على الظرف وسرت إليه الظرفية من إضافته لما المصدرية الظرفية لأنك إذا قلت: ما صحبتني أكرمتك، فالمعنى مدّة صحبتك لي أكرمك، وغالب ما توصل به ما هذه بالفعل الماضي، وما الظرفية يراد بها العموم، فإذا قلت: أصحبك ما ذر لله شارق، فإنما تريد العموم.

-3-

فكل هذه أكدت العموم الذي أفادته ما الظرفية، ولا يراد في لسان العرب مطلق الفعل الواقع صلة لما، فيكتفى فيه بمرة واحدة، ولدلالتها على عموم الزمان جزم بها بعض العرب. والتكرار الذي يذكره أهل أصول الفقه والفقهاء في كلما، إنما ذلك فيها من العموم، لا إن لفظ كلما وضع للتكرار، كما يدل عليه كلامهم، وإنما جاءت كل توكيداً للعموم المستفاد من ما الظرفية، فإذا قلت: كلما جئتني أكرمتك، فالمعنى أكرمك في كل فرد فرد من جيئاتك إلي. وما أضاء: في موضع خفض بالإضافة، إذ التقدير كل إضاءة، وهو على حذف مضاف أيضاً، معناه: كلّ وقت إضاءة، فقام المصدر مقام الظرف، كما قالوا: جئتك خفوق النجم. والعامل في كلما قوله: مشوا فيه، وأضاء عند المبرد هنا متعد التقدير، كلما أضاء لهم البرق الطريق. فيحتمل على هذا أن يكون الضمير في فيه عائداً على المفعول المحذوف، ويحتمل أن يعود على البرق، أي مشوا في نوره ومطرح لمعانه، ويتعين عوده على البرق فيمن جعل أضاء لازماً، أي: كلما لمع البرق مشوا في نوره، ويؤيد هذا قراءة ابن أبي عبلة: كلما ضاء ثلاثياً، وقد تقدّم أنها لغة. وفي مصحف أُبيّ: مرّوا فيه، وفي مصحف ابن مسعود: مضوا فيه. وهذه الجملة استئناف ثالث كأنه قيل: فأضاء لهم في حالتي وميض البرق وخفائه، قيل: كلما أضاء لهم إلى آخره.

وقرأ يزيد بن قطيب والضحاك: وإذا أظلم مبنياً للمفعول، وأصل أظلم أن لا يتعَدّى، يقال: أظلم الليل. وظاهر كلام الزمخشري أن أظلم يكون متعدياً بنفسه لمفعول، فلذلك جاز أن يبنى لما لم يسم فاعله. قال الزمخشري: أظلم على ما لم يسم فاعله، وجاء في شعر حبيب بن أوس الطائي:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>هما أظلما حاليّ ثمت أجليا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب</TD></TR></TBODY></TABLE>

وهو أن كان محدثاً لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه، انتهى كلامه. فظاهره كما قلنا أنه متعدّ وبناؤه لما لم يسم فاعله، ولذلك استأنس بقول أبي تمام: هما أظلما حالي، وله عندي تخريج غير ما ذكر الزمخشري، وهو أن يكون أظلم غير متعدّ بنفسه لمفعول، ولكنه يتعدّى بحرف جر. ألا ترى كيف عدى أظلم إلى المجرور بعلى؟ فعلى هذا يكون الذي قام مقام الفاعل أو حذف هو الجار والمجرور، فيكون في موضع رفع، وكان الأصل: وإذا أظلم الليل عليهم، ثم حذف، فقام الجار والمجرور مقامه، نحو: غضب زيد على عمرو، ثم تحذف زيداً وتبني الفعل للمفعول فتقول: غضب على عمرو، فليس يكون التقدير إذ ذاك: وإذا أظلم الله الليل، فحذفت الجلالة وأقيم ضمير الليل مقام الفاعل.

-4-

وأما ما وقع في كلام حبيب فلا يستشهد به، وقد نقد على أبي علي الفارسي الاستشهاد بقول حبيب:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>من كان مرعى عزمه وهمومه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>روض الأماني لم يزل مهزولا</TD></TR></TBODY></TABLE>

وكيف يستشهد بكلام من هو مولد، وقد صنف الناس فيما وقع له من اللحن في شعره؟ ومعنى قاموا: ثبتوا ووقفوا، وصدرت الجملة الأولى بكلما، والثانية بإذا. قال الزمخشري: لأنهم حراص على وجود ما هممهم به معقودة من إمكان المشي وتأتيه، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقف والتحبس، انتهى كلامه. ولا فرق في هذه الآية عندي بين كلما وإذا من جهة المعنى، لأنه متى فهم التكرار من: { كلما أضاء لهم مشوا فيه } لزم منه أيضاً التكرار في أنه إذا أظلم عليهم قاموا، لأن الأمر دائر بين إضاءة البرق والإظلام، فمتى وجد هذا فقد هذا، فيلزم من تكرار وجود هذا تكرار عدم هذا، على أن من النحويين من ذهب إلى أن إذاً تدل على التكرار ككلما، وأنشد:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إذا وجدت أوار الحب في كبدي</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أقبلت نحو سقاء القوم أبترد</TD></TR></TBODY></TABLE>

قال: فهذا معناه معنى كلما.

وفي تأويل هذه الآية أقوال. قال ابن عباس والسدي: كلما أتاهم القرآن بما يحبونه تابعوه. وقال قتادة: إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم، فيسرعون إلى متابعته. وقال مقاتل: البرق الإسلام، ومشيهم فيه إهتداؤهم، فإذا تركوا ذلك وقعوا في ضلالهم. وقيل: إضاءته لهم: تركهم بلا ابتلاء، ومشيهم فيه: إقامتهم على المسالمة بإظهار ما يظهرونه، وقيل: كلما سمع المنافقون القرآن وحججه أنسوا ومشوا معه، فإذا نزل ما يعمون فيه أو يكلفونه قاموا، أي ثبتوا على نفاقهم. وقيل: كلما توالت عليهم النعم قالوا: دين حق، وإذا نزلت بهم مصيبة سخطوا وثبتوا على نفاقهم. وقيل: كلما خفي نفاقهم مشوا، فإذا افتضحوا قاموا، وقيل: كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، فإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه. وقيل: ينتفعون بإظهار الإيمان، فإذا وردت محنة أو شدة على المسلمين تحيروا، كما قام أولئك في الظلمات متحيرين. قال الزمخشري: وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون، إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم، انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة، انتهى كلامه.

ومفعول شاء هنا محذوف للدلالة عليه التقدير: ولو شاء الله إذهاب سمعهم وأبصارهم. والكلام في الباء في بسمعهم كالكلام فيها في: { ذهب الله بنورهم } ، وتوحيد السمع تقدم الكلام عليه عند الكلام على قوله: { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم }.

-5-

وقرأ ابن أبي عبلة: لأذهب بأسماعهم وأبصارهم، فالباء زائدة التقدير لأذهب أسماعهم، كما قال بعضهم: مسحت برأسه، يريد رأسه، وخشنت بصدره، يريد صدره، وليس من مواضع قياس زيادة الباء، وجمعه الإسماع مطابق لجمع الإبصار. ومعنى الجملة: أن ذهاب الله بسمعهم وأبصارهم كان يقع على تقدير مشيئة الله ذلك. وقيل: المعنى لإهلاكهم، لأن في هلاكهم ذهاب سمعهم وأبصارهم. وقيل: وعيد بإذهاب الأسماع والأبصار من أجسادهم حتى لا يتوصلوا بهما إلى مالهم، كما لم يتوصلوا بهما إلى ما عليهم. وقيل: لأظهر عليهم بنفاقهم فذهب منهم عز الإسلام. وقيل: لأذهب أسماعهم فلا يسمعون الصواعق فيحذرون، ولأذهب أبصارهم فلا يرون الضوء ليمشوا. وقيل، عن ابن عباس: لذهب بسمعهم وأبصارهم لما تركوا من الحق بعد معرفته. وقيل: لعجل لهم العقوبة في الدنيا، فذهب بسمعهم وأبصارهم، فلم ينتفعوا بها في الدنيا، لأنهم لم يستعملوها في الحق فينتفعوا بها في أخراهم. وقيل: لزاد في قصيف الرعد فأصمهم وفي ضوء البرق فأعماهم. وقيل: لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد. وقيل: لفضحهم عند المؤمنين وسلطهم عليهم. وقال الزمخشري: لذهب سمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق.

وظاهر الكلام أن هذا كله مما يتعلق بذوي صيب، فصرف ظاهره إلى أنه مما يتعلق بالمنافقين غير ظاهر، وإنما هذا مبالغة في تحير هؤلاء السفر وشدة ما أصابهم من الصيب الذي اشتمل على ظلمات ورعد وبرق، بحيث تكاد الصواعق تصمهم والبرق يعميهم. ثم ذكر أنه لو سبقت المشيئة بذهاب سمعهم وأبصارهم لذهبت، وكما اخترنا في قوله { ذهب الله بنورهم } إلى آخره أنه مبالغة في حال المستوقد، كذلك اخترنا هنا أن هذا مبالغة في حالة السفر، وشدة المبالغة في حال المشبه بهما يقتضي شدة المبالغة في حال المشبه، فهو وإن لم تكن هذه الجزئيات التي للمشبه به ثابتة للمشبه بنظائرها ثابتة له، ولا سيما إذا كان التمثيل من قبيل التمثيلات المفردة. وأما على ما اخترناه من أنه من التمثيلات المركبة، فتكون المبالغة في التشبيه بما آل إليه حال المشبه به، وقد تقدم الكلام على ذلك قبل، وخص السمع والأبصار في قوله: { لذهب بسمعهم وأبصارهم } لتقدم ذكرهما في قوله: { في آذانهم } ، وفي قوله: { يخطف أبصارهم }. وقال بعضهم: تقدم ذكر الرعد والصواعق، ومدركهما السمع، والظلمات والبرق، ومدركهما: البصر، ثم قال: لو شاء أذهب ذلك من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم، أعقب تعالى ما علقه على المشيئة بالإخبار عنه تعالى بالمقدرة لأن بهما تمام الأفعال، أعني القدرة والإرادة وأتى بصيغة المبالغة إذ لا أحق بها منه تعالى. وعلى كل شيء: متعلق بقوله: قدير، وفي لفظ قدير ما يشعر بتخصيص العموم، إذ القدرة لا تتعلق بالمستحيلات.

-6-

وقد تقدم لنا بعض كلام على تناسق الآي التي تقدم الكلام عليها، ونحن نلخص ذلك هنا، فنقول: افتتح تعالى هذه السورة بوصف كلامه المبين، ثم بين أنه هدى لمؤمني هذه الأمة ومدحهم، ثم مدح من ساجلهم في الإيمان وتلاهم من مؤمني أهل الكتاب، وذكر ما هم عليه من الهدى في الحال ومن الظفر في المآل، ثم تلاهم بذكر أضدادهم المختوم على قلوبهم وأسماعهم المغطي أبصارهم الميؤوس من إيمانهم، وذكر ما أعد لهم من العذاب العظيم، ثم أتبع هؤلاء بأحوال المنافقين المخادعين المستهزئين وأخر ذكرهم وإن كانوا أسوأ أحوالاً من المشركين، لأنهم اتصفوا في الظاهر بصفات المؤمنين وفي الباطن بصفات الكافرين، فقدم الله ذكر المؤمنين، وثنّى بذكر أهل الشقاء الكافرين، وثلّث بذكر المنافقين الملحدين، وأمعن في ذكر مخازيهم فأنزل فيهم ثلاث عشرة آية، كل ذلك تقبيح لأحوالهم وتنبيه على مخازي أعمالهم، ثم لم يكتف بذكر ذلك حتى أبرز أحوالهم في سورة الأنفال، فكان ذلك أدعى للتنفير عما اجترحوه من قبيح الأفعال. فانظر إلى حسن هذا السياق الذي نوقل في ذروة الإحسان وتمكن في براعة أقسام البديع وبلاغة معاني البيان.

-7-

admin
12-30-2010, 01:24 PM
تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق 1-3


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ... }

قال ابن عرفة: هذا من (تمام) قوله:

{ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

فصل بينهما بجملة اعتراض وهي قوله

{ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

أتت (مشددة) لما قبلها.

قال: واختلفوا في كاد فقيل: (نفيها) إيجاب، وإيجابها نفي.

قال ابن الحاجب: إذا دخل النفي عليها فهي كالأفعال (على الأصح وقيل: إنها تقتضي الثبوت مع الماضي والمستقبل، وقيل: مع الماضي للإثبات ومع الاستقبال كالأفعال) وانظر أبا حيان.

قال ابن عرفة: الظّاهر عندي أن (الخلاف) لفظي يرجع إلى (الوفاق) فمن رد النفي إلى المقاربة جعلها كسائر الأفعال ومن رده إلى نفس الفعل الذي تعلقت به المقاربة قال نفيها إثبات وإثباتها نفي.

فإن قلت: هلا قال: كلما أنار لهم مشواْ فيه؟

(والجواب: أنه لشدة) الظّلمة (لا يزيلها) إلاّ شدة الضوء (وقليل) النور لا يزيلها، أو لشدّة (الضوء) عقب شدة الظلمة إذ هو (أشد في التخويف).

(فإن قلت): هلا قيل: وإذا ذهب ضوؤه عنهم قاموا فإن ذهاب الضوء يكون بحصول مطلق (الظلمة) حسبما تقدم أن الضوء هو إفراط الإنارة.

والجواب بأنّ الحالتين لا واسطة بينهما: فإما ظلام شديد وإما ضوء شديد وهذا أبلغ في التخويف، وهو معاقبة ظلام شديد (بضوء شديد) سريع الذهاب يعقبه أيضا ظلام شديد.

فإن قلت: ما أفاد قوله فيه مع أن المعنى يهدي إليه؟

قلنا: أفاد أنهم لا يمشون إلا في موضع الضوء خاصة، ولا يستطيعون المشي في غيره.

فإن قلت: ما أفاد قوله " عَلَيْهمْ "؟

قلنا: التنبيه على أنّ تلك الظّلمات عقوبة فهي ظلمة عليهم ولأجلهم فليست على غيرهم بوجه.

قوله تعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ... }

فإن قلت: هلا علقت المشيئة بما (تحذروا) منه، وهو الموت لأنهم لم يتحذروا من الصمم والعمى؟

والجواب: أن الموت أمر غالب عام متكرر في العادة ليس لأحد مقدرة عن التحرز منه (وأما ذهاب السمع والبصر فهو نادر ليس بعام يمكن المخالفة فيه وادّعاء الحذر منه) (بالتحرز) والتحصن بأسباب النجاة فلذلك أسندت (المشيئات) إليه.

قلت: (أو) لأنهم لم يتحرّزوا من الموت ألاّ بسدّ سمعهم فلذلك أسند الذهاب إليه.

قال الطيبي: والآية حجّة لمن يقول: إن القدرة (تتعلق) بالعدم الإضافي لأن المعنى: لو شاء الله أن يعدم سمعهم لعدمه.

وردّه ابن عرفة: بأن القدرة إنما تعلقت بإيجاد نقيض السمع والبصر في المحل، فانعدم السمع والبصر إذ ذاك لوجود نقيضهما لا لكون القدرة تعلقت بإعدامهما.

قال الطيبي: في مناسبة هذه الآية إنّه لما تقدم أن الرعد سبب/ لإذهاب سمعهم والبرق سبب لإذهاب سمعهم والبرق سبب لإذهاب بصرهم نبّه بهذا على أنّه ليس بسبب عقلي فيلزم ولا ينفك بل هو سبب عادي بخلق الله تعالى ولم يقع ولو شاء أن يقع لوقع.

-1-

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قال ابن التلمساني: لا خلاف لأن المعدوم باعتبار التقرر في الأزل لا يصدق عليه شيء واختلفوا في الإطلاق اللّفظي (فذهب المعتزلة إلى أنه يطلق عليه شيء) ومنعه أهل السنة.

قلت: وقال الآمدي في أبكار الأفكار: هما مسألتان:

-أحدهما: هل يطلق على المعدوم شيء أم لا ولا (ينبني عليها) كفر ولا إيمان؟

والثانية: هل المعدوم تقرر في الأزل أم لا؟

فذهب المعتزلة إلى أنّ له تقررا في الأزل ويلزمهم الكفر وقدم العالم.

قال الزمخشري: (في) أن الشيء يطلق على الممكن والمستحيل.

وظاهر الآية حجة المعتزلة لأنه لو كان المراد أن الله على كل (شيء) موجودٍ قديرٌ للزم تحصيل الحاصل.

فإن قلت: يصح تعليق القدرة بالموجود عند من (يقول): إن (العَرض) لا يبقى زمانين؟

(قلت): إن كانت القدرة متعلقة (بالعرض الموجود) فيلزم تحصيل الحاصل، وإن تعلقت بإيجاد العرض الذي يخلقه (هو) حين التعلق معدوم فيلزم تعلقها بالمعدوم.

قلت: وأجيب بثلاثة أوجه:

الجواب الأول: أجاب القرافي في شرح الأربعين لابن الخطيب بأن المشتق كاسم الفاعل لا خلاف في صحة (صدقه) حقيقة في الحال (مجاز) في الاستقبال. (واختلفوا) في صدقه عن الماضي. قال: هذا إذا كان (محكوما) به، وأما إذا كان متعلق الحكم فلا خلاف في صحة صدقه على الأزمنة الثلاثة حقيقة (نحو القائم في الدار) (قال): وكذلك لفظة شيء إن كان محكوما به كقولنا: المعدوم شيء، ففيه التفصيل المتقدم، وإن كان متعلق الحكم كهذه الآية فلا خلاف أنه يصدق على المستقبل حقيقة.

الجواب الثاني: قال ابن عرفة: القدرة تتعلق بالممكن لعدم المقدر الموجود كما يفهم (من) معنى قوله تعالى

{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06584)(النور24: 2)

المراد من حصل منه الزنا (بالفعل)، ومن سيحصل منه الزنا يصدق عليه في الحال أنّه زان (باعتبار) على تقدير (وجوده)، وهذا كما (يقول) المنطقيون: القضية الخارجية والقضية الحقيقية ويجعلون (القضية) الخارجية عامة في الأزمنة الثلاثة مثل كل أسود مجمع للبصر وكل أبيض (مفرق) للبصر. والمراد (به) كل موصوف بالسّواد مطلقا في الماضي والحال والاستقبال.

فإن قلت: (هلا) يلزمكم تخصيصه بالممكن الذي علم الله تعالى أنه يوجد ولا (يصدق) (على الممكن الذي علم الله) أنه لا يوجد؟

قلنا: نعم وصح إطلاق الحدوث عليه لأن الآية خطاب للعوام ولو كان خطابا للخواص لتناولت الممكن بالإطلاق الذي علم لله أنه (لم يوجد) فالمراد: الله قادر على كل شيء موجود لأن الخطاب للعوام. ونظيره الوجهان (المذكوران) في الاستدلال على وجود الصانع.

قالوا: ثم دليل الإمكان يخاطب به الخواص، ودليل الحدوث بخاطب به الجميع.

وأشار الطيبي إلى هذا وزاد جوابا آخر، وهو ثالث، وهو الجواب الثالث: أن لفظة شيء تصدق على الموجود عند (وجود) أول جزء منه فيصح تعلق القدرة به (إذ ذَاك).

-2-

قالوا: وهذا العموم مخصوص بالمستحيل.

وقال ابن فورك: لا يحتاج إلى تخصيصه لأنك إذا قلت (للآخر) كل مما في هذا البيت فلا (تأكل) إلا مما هو مطعوم، وما ليس بمطعوم لا تأكله. وكذلك هو الذي وقع به التخصيص اللّفظُ يأباه فلا يحتاج إلى إخراجه منه.

قال ابن عرفة: " إنّا إن اعتبرنا لفظ شيء من حيث الإفراد وجب التخصيص (وإن) اعتبرناه من حيث التركيب لم يحتج إلى تخصيصه.

قال ابن الخطيب: " لو كان (لفظ) شيء عاما في الموجود والمعدوم لما صدق على الموجود شيء لأن الآية دلّت على أن تعلق القدرة في العدم فلا يصدق عليه بعد الوجود شيء ".

وأبطله ابن عرفة بأنه ما صار موجودا حتى ثبت له ذلك الاسم (في) العدم وتعلقت به القدرة وصدق عليه لفظ شيء ".

-3-

admin
12-30-2010, 02:36 PM
تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق 1-4


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ } استئناف آخرُ وقع جواباً عن سؤال مقدر، كأنه قيل: فكيف حالُهم مع ذلك البرق؟ فقيل: يكاد ذلك { يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } أي يختلِسُها ويستلبها بسرعة، وكاد من أفعال المقاربة وُضعت لمقاربة الخبر من الوجود لتآخذَ أسبابَه وتعاضِدَ مباديَه لكنه لم يوجد بعدُ لفقد شرطٍ أو لعُروض مانع، ولا يكون خبرُها إلا مضارعاً عارياً عن كلمة أن، وشذ مجيئه اسماً صريحاً كما في قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فأُبْتُ إلى فهمٍ وما كِدْتُ آيبا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

وكذا مجيئه مع أنْ حملاً لها على عسى في مثل قول رؤبة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>قد كاد من طول البِلى أن يُمْحَصَا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

كما تحمل هي عليها بالحذف لما بـينهما من المقارنة في أصل المقاربة وليس فيها شائبة الانشائية كما في عسى، وقرىء يخطِف بكسر الطاء ويختطف ويَخَطف بفتح الياء والخاء بنقل فتحة التاء إلى الخاء وإدغامها في الطاء، ويِخِطف بكسرهما على إتباع الياء الخاء، ويُخَطِّف من صيغة التفعيل ويتخطف من قوله تعالى:

{ وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07198) [العنكبوت29، الآية 67]

{ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم } كل ظرف وما مصدرية والزمان محذوف، أي كلَّ زمان إضاءةً، وقيل: ما نكرة موصوفة معناها الوقت والعائد محذوف، أي كل وقت أضاء لهم فيه والعامل في كلما جوابها، وهو استئناف ثالث، كأنه قيل: ما يفعلون في أثناء ذلك الهول، أيفعلون بأبصارهم ما فعلوا بآذانهم أم لا، فقيل: كلما نوّر البرقُ لهم ممشىً ومسلكاً على أن أضاء متعدٍ والمفعول محذوف، أو كلما لمع لهم على أنه لازم، ويؤيده قراءة { كُلَّمَا أَضَاء } { مَّشَوْاْ فِيهِ } أي في ذلك المسلك أو في مطرح نوره خطوات يسيرة مع خوف أن يخطَف أبصارهم، وإيثارُ المشي على ما فوقه من السعي والعدو للإشعار بعدم استطاعتهم لهما { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } أي خفي البرقُ واستتر، والمظلم وإن كان غيرَه، لكن لمّا كان الإظلامُ دائراً على استتاره أُسند إليه مجازاً تحقيقاً لما أريد من المبالغة في موجبات تخبُّطِهم، وقد جوز أن يكون متعدياً منقولاً من ظلم الليل. ومنه ما جاء في قول أبـي تمام:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>هما أظلما حاليَّ ثُمّتَ أجليا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ظلامَيْهما عن وجهِ أمردَ أشيبِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

ويعضُده قراءة أُظلِم على البناء للمفعول { قَامُواْ } أي وقفوا في أماكنهم على ما كانوا عليه من الهيئة متحيرين مترصدين لخفقة أخرى عسى يتسنى لهم الوصول إلى المقصد أو الالتجاء إلى ملجأ يعصِمُهم، وإيرادُ كلما مع الإضاءة وإذا مع الإظلام للإيذان بأنهم حِراصٌ على المشي، مترقبون لما يصححه، فكلما وجدوا فرصة انتهزوها، ولا كذلك الوقوف، وفيه من الدلالة على كمال التحير وتطاير اللب ما لا يوصف { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } كلمة لو لتعليق حصولِ أمرٍ ماض هو الجزاءُ بحصول أمرٍ مفروض فيه هو الشرط لما بـينهما من الدوران حقيقة أو ادعاء، ومن قضية مفروضية الشرطِ دلالتُها على انتفائه قطعاً، والمنازِعُ فيه مكابر، وأما دلالتها على انتفاءِ الجزاء فقد قيل وقيل.

-1-

والحق الذي لا محيد عنه أنه إن كان ما بـينهما من الدوران كلياً أو جزئياً قد بُني الحكم على اعتباره فهي دالةٌ عليه بواسطة مدلولها الوضعيّ لا محالة، ضرورة استلزام انتفاء العلة لانتفاء المعلول، أما في مادة الدوران الكلي كما في قوله عز وجل:

{ وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05701) [النحل16، الآية 9]

وقولك: لو جئتني لأكرمتُك فظاهرٌ لأن وجودَ المشيئة علةٌ لوجود الهداية حقيقةً، ووجودَ المجيء علةٌ لوجود الإكرام ادعاءً، وقد انتفيا بحكم المفروضية فاقتضى معلولاهما حتماً، ثم إنه قد يساق الكلامُ لتعليل انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط كما في المثالين المذكورين وهو الاستعمال الشائعُ لكلمة لو، ولذلك قيل: هي لامتناع الثاني لامتناع الأول، وقد تساق للاستدلال بانتفاء الثاني لكونه ظاهراً أو مسلّماً على انتفاء الأولِ لكونه خفياً أو متنازعاً فيه، كما في قوله سبحانه:

{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06296) [الأنبياء21، الآية 22] وفي قوله تعالى:

{ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08312) [الأحقاف46، الآية 11]

فإن فسادهما لازمٌ لتعدد الآلهةِ حقيقةً وعدمُ سبقِ المؤمنين إلى الإيمان لازمٌ لخيريته في زعم الكفرة ولا ريبَ في انتفاء اللازمين، فتعين انتفاءُ الملزومين حقيقة في الأول وادعاءً باطلاً في الثاني ضرورةَ استلزامِ انتفاءِ اللازم لانتفاء الملزوم، لكن لا بطريق السببـية الخارجية، كما في المثالين الأولين، بل بطريق الدلالةِ العقلية الراجعةِ إلى سببـية العلم بانتفاء الثاني للعلم بانتفاء الأول، ومن لم يَتَنَبَّه له زعَم أنه لانتفاء الأولِ لانتفاء الثاني.

وأما في مادة الدوران الجزئي كما في قولك: لو طلعت الشمسُ لوُجد الضوء، فلأن الجزاءَ المنوطَ بالشرط الذي هو طلوعُها ليس وجودَ أي ضوء كان كضوء القمر المجامعِ لعدم الطلوع مثلاً، بل إنما هو وجودُ الضوءِ الخاصِّ الناشىء عن الطلوع، ولا ريب في انتفائه بانتفاءِ الطلوع، هذا إذا بُني الحكمُ على اعتبار الدوران، وأما إذا بني على عدمه فإما أن يعتبرَ هناك تحققُ مدارٍ آخرَ له أو لا، فإن اعتبر فالدلالةُ تابعةٌ لحال ذلك المدار، فإن كان بـينه وبـين انتفاءِ الأول منافاةٌ تُعيِّن الدلالة كما إذا قلت: لو لم تطلُع الشمسُ لوجد الضوء، فإن وجود الضوء وإن عُلِّق صورةً بعدم الطلوع لكنه في الحقيقة معلَّق بسبب آخرَ له، ضرورةَ أن عدم الطلوعِ من حيث هو ليس مداراً لوجود الضوء في الحقيقة، وإنما وضع موضعَ المدار لكونه كاشفاً عن تحقق مدارٍ آخر له، فكأنه قيل: لو لم تطلعِ الشمسُ لوجد الضوء بسبب آخرَ كالقمر مثلاً. ولا ريب في أن هذا الجزاءَ منتفٍ عند انتفاء الشرط لاستحالة وجودِ الضوء القمَري عند طلوع الشمس، وإن لم يكن بـينهما منافاةٌ تعيِّن عدمَ الدلالة كما في قوله صلى الله عليه وسلم في بنت أبـي سلمة:

-2-

" لو لم تكن ربـيبتي في حِجْري ما حلَّت لي لأنها ابنة أخي من الرضاعة " فإن المدار المعتبرَ في ضمن الشرط - أعني كونها ابنةِ أخيه عليه السلام من الرضاعة - غيرُ منافٍ لانتفائه الذي هو كونُها ربـيبتَه عليه السلام، بل مجامعٌ له، ومن ضرورته مجامعةُ أثرَيهما أعني الحرمة الناشئةَ من كونها ربـيبته عليه السلام، والحرمةَ الناشئة من كونها ابنةَ أخيه من الرضاعة. وإن لم يعتبر هناك تحققُ مدارٍ آخرَ بل بني الحكمُ على اعتبار عدمِه فلا دلالة لها على ذلك أصلاً.

كيف لا ومساق الكلام حينئذ لبـيانِ ثبوتِ الجزاء على كل حال بتعليقه بما ينافيه ليُعلم ثبوتُه عند وقوعِ ما لا ينافيه بالطريق الأولى، كما في قوله عز وجل:

{ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05920) [الإسراء17، الآية 100]

وقوله عليه السلام: " لو كان الإيمانُ في الثريا لناله رجالٌ من فارس " وقولِ علي رضي الله عنه: «لو كُشفَ الغطاءُ ما ازددتُ يقيناً» فإن الأجزيةَ المذكورة قد نيطت بما ينافيها ويستدعي نقائضَها، إيذاناً بأنها في أنفسها بحيث يجب ثبوتُها مع فرض انتفاءِ أسبابها أو تحققِ انتفاء أسبابها، فكيف إذا لم يكن كذلك على طريقة لو الوصلية، في مثل قوله تعالى:

{ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06617) [النور24، الآية 35]

ولها تفاصيلُ وتفاريعُ حررناها في تفسير قوله تعالى:

{ أَوَلَوْ كُنَّا كَـٰرِهِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04833) [الأعراف7، الآية 88]

وقول عمرَ رضي الله عنه: «نعم العبدُ صهيبٌ لو لم يخَفِ الله لم يعصِه» إنْ حُمل على تعليق عدمِ العصيان في ضمن عدمِ الخوف بمدارٍ آخرَ نحوُ الحياء والإجلالِ وغيرهما مما يجامِعُ الخوفَ كان من قبـيل حديث ابنةِ أبـي سلمة، وإن حُمل بـيانُ استحالة عصيانه مبالغةً كان من هذا القبـيل، والآية الكريمة، واردة على الاستعمال الشائعِ مفيدةٌ لكمال فظاعة حالِهم وغايةِ هول ما دهَمهم من المشاقّ، وأنها قد بلغت من الشدة إلى حيث لو تعلقت مشيئةُ الله تعالى بإزالة مشاعرِهم لزالت، لتحقق ما يقتضيه اقتضاءً تاماً، وقيل: كلمة (لو) فيها لربط جزائها بشرطِها مجردةً عن الدلالة على انتفاء أحدِهما لانتفاء الآخر بمنزلة كلمة أن، ومفعولُ المشيئة محذوفٌ جرياً على القاعدة المستمرة فإنها إذا وقعت شرطاً وكان مفعولُها مضموناً للجزاء فلا يكاد يُذكر إلا أن يكون شيئاً مستغرباً كما في قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلو شئتُ أن أبكِي دماً لبَكَيْتُه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>عليه ولكن ساحةُ الصبر أوسعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي لو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لفعل، ولكن لم يشأ لما يقتضيه من الحِكَم والمصالح، وقرىء لذهب بأسماعهم على زيادة الباء كما في قوله تعالى:

{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03993) [البقرة2، الآية 195] الآية،

والإفرادُ في المشهورة، لأن السمع مصدر في الأصل، والجملة الشرطية معطوفة على ما قبلها من الجمل الاستئنافية، وقيل: على كلما أضاء الخ، وقوله عز وجل: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } تعليلٌ للشرطية وتقريرٌ لمضمونها الناطقِ بقدرته تعالى على إزالة مشاعرِهم بالطريق البرهاني، والشيءُ بحسب مفهومِه اللغوي يقعُ على كل ما يصِحّ أن يُعلم ويُخبَرَ عنه كائناً ما كان، على أنه في الأصل مصدر شاء أُطلِقَ على المفعول واكتُفي في ذلك باعتبار تعلقِ المشيئةِ به من حيث العلمُ والإخبارُ عنه فقط، وقد خصَّ ههنا بالممكن موجوداً كان أو معدوماً بقضية اختصاصِ تعلقِ القدرة به، لما أنه عبارةٌ عن التمكين من الإيجاد والإعدام الخاصَّيْن به، وقيل: هي صفةٌ تقتضي ذلك التمكينَ، والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأْ لم يفعل، والقديرُ هو الفعّال لكل ما يشاء كما يشاء، ولذلك لم يوصَفْ به غيرُ الباري جل جلاله وتقدست أسماؤه، ومعنى قدرتِه تعالى على الممكن الموجود حالَ وجوده أنه إن شاء إبقاءَه على الوجود أبقاه عليه، فإن علةَ الوجود هي علةُ البقاء، وقد مر تحقيقه في تفسير قوله تعالى:

-3-

{ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03793) [الفاتحة1، الآية 2]

وإن شاء إعدامَه أعدمه، ومعنى قدرته على المعدوم حالَ عدمِه أنه إن شاء إيجادَه أوجده وإن لم يشأْ لم يوجِدْه، وقيل: قدرةُ الإنسان هيئةٌ بها يتمكن من الفعل والترك، وقدرةُ الله تعالى عبارة عن نفي العجز، واشتقاقُ القدرة من القَدْر لأن القادر يوقع الفعل بقدْر ما تقتضيه إرادته أو بقدر قوتِه، وفيه دليل على أن مقدورَ العبد مقدورٌ لله تعالى حقيقة، لأنه شيء وكلُّ شيء مقدورٌ له تعالى.

واعلم أن كلَّ واحد من التمثيلين وإن احتمل أن يكون من قبـيل التمثيل المفرق كما في قوله: [الطويل]

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كأن قلوبَ الطير رَطْباً ويابسا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لدى وَكرها العُنّابُ والحَشَفُ البالي</TD></TR></TBODY></TABLE>

بأن يُشبَّه المنافقون في التمثيل الأول بالمستوقدين وهُداهم الفطريُّ بالنار وتأيـيدُهم إياه بما شاهدوه من الدلائل باستيقادها وتمكنِهم التامِّ من الانتفاع به بإضاءتها ما حولهم وإزالته بإذهاب النور الناري، وأخذ الضلالة بمقابلته بملابستهم الظلماتِ الكثيفة وبقائهم فيها، ويشبهوا في التمثيل الثاني بالسابلة، والقرآنُ وما فيه من العلوم والمعارفِ التي هي مدارُ الحياة الأبدية بالصيب الذي هو سببُ الحياة الأرضيةِ وما عَرَض لهم بنزوله من الغموم والأحزان وانكساف البال بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد بالرعدِ والبرقِ وتصامِّهم عما يقرَع أسماعَهم من الوعيد بحال من يَهُولُه الرعدُ والبرق فيخاف صواعقَه فيسدُّ أذنه عنها، ولا خلاصَ له منها، واهتزازُهم لِمَا يلمع لهم من رَشَدٍ يدركونه أو رِفد يُحرِزونه بمشيهم في مَطْرَحِ ضوء البرق، كلما أضاء لهم، وتحيُّرهم في أمرهم حين عنَّ لهم مصيبةٌ بوقوفهم إذا أظلم عليهم.

لكن الحملَ على التمثيل المركب الذي لا يعتبر فيه تشبـيهُ كلِّ واحدٍ من المفردات الواقعة في أحد الجانبـين بواحدٍ من المفردات الواقعة في الجانب الآخر على وجه التفصيل، بل يُنتزع فيه من المفردات الواقعة في جانب المشبَّه هيئةٌ فتُشبَّهُ بهيئةٍ أخرى منتزعةٍ من المفردات الواقعة في جانب المشبَّه به بأن يُنتزع من المنافقين وأحوالهم المفصلة في كل واحد من التمثيلين هيئةٌ بحِيالها فتُشبَّه كلَّ واحدةٍ من الأوليـين بما يضاهيها من الأُخْرَيـين هو الذي يقتضيه جزالةُ التنزيل ويستدعيه فخامةُ شأنه الجليلِ لاشتماله على التشبـيه الأولِ إجمالاً مع أمرٍ زائدٍ هو تشبـيهُ الهيئة بالهيئة وإيذانُه بأن اجتماعَ تلك المفردات مستتبعٌ لهيئة عجيبةٍ حقيقةٍ بأن تكون مثلاً في الغرابة.

-4-

admin
12-30-2010, 02:38 PM
تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


ثم قال سبحانه: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ } الذى فى المطر { يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } ، يعنى يذهب بأبصارهم من شدة نوره، يقول سبحانه: مثل الإيمان إذا تكلم به المنافق مثل نور البرق الذى يكاد أن يذهب بأبصارهم، { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ } البرق { مَّشَوْاْ فِيهِ } ، يقول: كلما تكلموا بالإيمان مضوا فيه، يقول: ويضيء لهم نوراً يهتدون به، { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } البرق، أى ذهب ضوءه، { قَامُواْ } فى ظلمة لا يبصرون الهدى، { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } فلا يسمعون { وَأَبْصَارِهِمْ } فلا يرون أبداً عقوبة لهم، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آية: 20] من ذلك وغيره.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 02:40 PM
تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


من تمام مثل المنافقين - كذلك أصحاب الغفلات - إذا حضروا مشاهد الوعظ، أو جنحت قلوبهم إلى الرقة، أو داخلهم شيء من الوهلة تَقْرُبُ أحوالهم من التوبة، وتقوى رغبتهم في الإنابة حتى إذا رجعوا إلى تدبرهم، وشاوروا إلى قرنائهم، أشار الأهل والولد عليهم بالعَوْدِ إلى دنياهم، وبسطوا فيهم لسان النصح، وهَدَّدُوهم بالضعف والعجز، فيضعف قصودُهم، وتسقط إرادتهم، وصاروا كما قيل:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إذا ارعوى، عاد إلى جهله</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>كَذِي الضنى عاد إلى نكسه</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ } يعني سمع المنافقين الظاهر وأبصارهم الظاهرة، كما أصمهم وأعماهم بالسر، فكذلك أرباب الغفلة، والقانعون من الإسلام بالظواهر - فالله تعالى قادر على سلبهم التوفيق فيما يستعملونه من ظاهر الطاعات، كما سلبهم التحقيق فيما يستبطنونه من صفاء الحالات.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 02:41 PM
تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى



{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } اي اذا وجَدُوا من طاعتهم حلاوة وعوضاً عاجلاً فشرعوا فيها واذا احتبس عليهم طريق الكراماتِ فتركوا جميع الطاعات قال الحسين اذا اضَاءَهم مرادهم من الدّنيا والدين ألغوه واذا ظلم عليهم من خلافٍ بعقولهم قاموا مجهولين.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 02:42 PM
تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يخطف أبصارهم } أي يعمي.

admin
12-30-2010, 02:44 PM
تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق

{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


المعنى:

معنى { يكاد }: يقارب، وفيه مبالغة في القرب، وحذفت منه أن، لأنها للاستقبال. قال الفرزدق:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>يكاد يمسكه عرفان راحته</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم</TD></TR></TBODY></TABLE>

{ يخطف } فيه لغتان يقال: خطف يخطف، وخطف يخطف. والأول أفصح، وعليه القراء. وروي عن الحسن { يخطف } ـ بكسر الخاء وكسر الطاء ويروى { يخطف } بكسر الياء والخاء والطاء. والخطف: السلب. ومنه الحديث، أنه نهى عن الخطفة: يعني النهبة. ومنه قيل الخطاف: والذي يخرج به الدلو من البئر (خطاف)، لاختطافه واستلابه. قال نابغة بني ذبيان:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>خطاطيف حجن في حبال متينة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تمد بها أيد اليك نوازع</TD></TR></TBODY></TABLE>

جعل ضوء البرق، وشدة شعاع نوره، كضوء إقرارهم بألسنتهم بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، واليوم الآخر، ثم قال: { كلما أضاء لهم مشوا فيه }: يعني كلما أضاء البرق لهم. وجعل البرق مثلا لايمانهم. وإضاءة الايمان أن يروا فيه ما يعجبهم في عاجل دنياهم، من إصابة الغنائم والنصرة على الأعداء فلذلك أضاء لهم، لأنهم إنما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الاقرار ابتغاء ذلك، ومدافعة عن انفسهم واموالهم، كما قال:

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِن أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِن أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06397) (الحج22: 11)

{ وإذا أظلم عليهم }: يعني ضوء البرق على السائرين في الصيب الذي ضربه مثلا للمنافقين، وظلام المنافقين: أن يروا في الاسلام ما لا يعجبهم في دنياهم، من ابتلاء الله المؤمنين بالضراء، وتمحيصه اياهم بالشدائد والبلاء من إخفاقهم في مغزاهم، أو إدالة عدوهم، أو إدبار دنياهم عنهم، أقاموا على نفاقهم، وثبتوا على ضلالهم، كما ثبت السائر في الصيب الذي ضربه مثلا. { وإذا أظلم } وخفت ضوء البرق، فحار في طريقه، فلم يعرف منهجه.

وقوله: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } ، انما خص الله تعالى ذكر السمع والبصر، انه لو شاء، لذهب بهما دون سائر اعضائهم، لما جرى من ذكرهما في الآيتين من قوله: { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } ، وفي قوله { يخطف أبصارهم } فلما جرى ذكرهما على وجه المثل، عقب بذكر ذلك بانه لو شاء، اذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم، وكفرهم، كما توعد في قوله: { محيط بالكافرين }. وقوله: { بسمعهم } قد بينا فيما تقدم، أنه مصدر يدل على الجمع وقيل: إنه واحد موضوع للجمع، فكأنه أراد " باسماعهم " قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كلوا في نصف بطنكم تعفوا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فان زمانكم زمن خميص</TD></TR></TBODY></TABLE>

اراد البطون ويقال: ذهبت به واذهبته وحكي أذهب به، وهو ضعيف ذكره الزجّاج والمعنى: ولو شاء الله لأظهر على كفرهم فدمر عليهم وأهلكهم لأنه { على كل شيء قدير }: أي قادر وفيه مبالغة.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 03:31 PM
تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق



{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } جواب سؤال آخر كأنّه قيل، ما حال الممطرين او المنافقين مع البرق، و الخطف الاذهاب بسرعة، او حال مترادفة او متداخلة { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } استئناف آخر وجواب سؤال ثالث او حال مترادفة او متداخلة، واضاء متعدّ ولازم وكذلك أظلم وان كان متعدّية فى غاية القلّة والمعنى كلّما اضاء الله او البرق ما حولهم او الطّريق مشوا فى الضّياء او فى ما حولهم او فى الطّريق، واذا أظلم الله ما حولهم او اذا أظلم ما حولهم او الطّريق او المعنى كلّما اضاء ما حولهم او الطّريق، واذا أظلم ما حولهم او الطّريق، ولمّا كان الانسان بالفطرة كادحاً الى الله والى الخيرات فكلّما وجد معيناً من عالم النّور سعى اليه لا محالة، واذا لم يجد المعين من عالم الخيرات قد يقف وقد يسعى بفطرته ولذلك أتى بالشّرطيّة الاولى كليّةً وبالثّانية مهملةً { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } مفعول شاء محذوف بقرينة الجواب ومثله كثيرٌ فى كلامهم لا يذكر المفعول الاّ قليلاً وقد مضى وجه افراد السّمع والمعنى لو شاء الله ان يذهب بسمعهم بالصّاعقة وببصرهم بوميض البرق، او لو شاء الله ان يذهب بسمعهم حتّى لا يسمعوا صوت الرّعد والصّاعقة، او المعنى لو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم حتّى لا يسمعوا كلمات التّهديد والوعيد، ولا يبصروا آيات الله الدّالة على حقّيّته وحقيّة نبيّه على ان يكون الالتفات الى الممثّل له ويكون الضّمائر راجعة الى المنافقين والجملة عطف على الشّرطيّة السّابقة او حال او مستأنفةٌ على تجويز اتيان الواو للاستئناف { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } استئناف لتعليل السّابق والشيء من المفاهيم العامّة الشّاملة للواجب والممكن ولا اختصاص له بالممكن وعلى هذا فعمومه مخصّص بما سوى الواجب تعالى، والقدرة فسّرت بصحّة الفعل والتّرك وهذا للمتكلّمين، ولا يصحّ تفسير قدرة الله به لانّه يلزم منه ان يكون نسبة الافعال اليه تعالى بالامكان والحال انّ واجب الوجود بالذّات واجب من جميع الجهات كما حقّق فى محلّه، وفسّرت بكون الفاعل فى ذاته ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل؛ وهذا يعمّ قدرة الواجب والممكن لعدم اقتضاء الشّرطية امكان وضع المقدّم بل تصحّ مع ضرورة وضع المقدّم وامكانه، ولمّا انساق ذكر الكتاب الى فرق النّاس من المتّقين وما هم عليه وما هو لهم، ومن الكفّار وما هم عليه وما هو عليهم، ومن المنافقين وما هم عليه وما هو عليهم عقّب ذلك بالامر بالعبادة المستعقبة للتّقوى المستعقبة لما ذكر للمتّقين كأنّه نتيجة له وفرع على ذكر الفرق وما لهم وما عليهم وصدّر الكلام بالنّداء تهييجاً لنشاط السّامع بلذّة المخاطبة اهتماماً بشأن العبادة وعدل عن الغيبة الى الخطاب بطريق الالتفات فى الكلام تجديداً لنشاطه فى العبادة فقال:

{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 03:42 PM
تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 1-8


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }: تقدم إعراب هذه الجملة مستأنفة وغير مستأنفة، وعلى الاستئناف، فهو بيانى، فكأنه قيل ما حالهم مع ذلك البرق العظيم؟ فأجيب بأنه من عظمة يكاد يخطف أبصارهم او كأنه قيل ما مضرة البرق فإنه نور حسن؟ فأجيب بأنه هائل يكاد يضر أبصارهم.. هكذا أقول. وقا القاضى: كأنه جواب لمن يقول ما حالهم من تلك الصواعق؟ فأجيب بأن من أدنى مضرة البرق الهائل الذى يكاد يخطف أبصارهم، وكاد لمقاربة الخبر من الوقوع لعروض سبب الوقوع، لكن لم يقع لفقد شرط أو عروض مانع، فيخطف أبصارهم قريب الوقوع لعروض شدة البرق، لكنه لم يقع فضلا من الله تبارك وتعالى، فإذا تقدم نفى فالأصل أن يكون نفياً لمقاربة الخبر عن الوقوع، فيكون المعنى إنه لم يقرب وقوعه فضلا عن أن يقع، وتارة يكون نفياً لوقوع الخبر عن قريب فيثبت وقوعه عن بعيد، والغائب أن يكون خبرها مضارعاً تنبيهاً على أنه المقصود بالقرب مجرداً من أن، لأن أن للاستقبال المنافى للقرب، بخلاف الحال، وإذا لم يجرد فحملا على عسى لتشاركهما فى أصل المقاربة، فإن عسى إما رجاء ورجاء الشىء طلب له واستجلاب وحب لقربه، وإما توقع للمكروه، والمكروه لو كان بعيداً يخاف وقوعه ويصور بصورة القريب تحرز أو نفوراً عنه، وأيضاً المحبوب حاضر فى القلب يصور بصورة الواقع إذا اشتد حبه، والخطف الأخذ بسرعة، وقرأ مجاهد يخطف أبصارهم، بكسر الطاء، على أن ماضيه مفتوح، وقراءة السبعة وغيرهم، بالفتح، أفصح على أن ماضيه مكسور، وكسر ماضيه أفصح. وقرأ ابن مسعود يخطتف بوزن يفتعل، وقرأ الحسن يخطف، بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة، والأصل يختطف كقراءة ابن مسعود نقلت فتحة التاء إلى الخاء وأبدلت التاء طاء وأدغمت الطاء فى الطاء، وعن الحسن أيضاً يخطف بذلك الضبط والنقل والإبدال والإدغام إلا الخاء، فإنه كسرها فى هذه الرواية إلحاقاً بالطاء بعدها فى حركتها، وهذا أولى مما قيل إن الرواية جاءت على لغة من يدغم بلا نقل، بل بسكن ويدغم، ويجيز إبقاء الساكن الأول على حاله، ويجيز تحريكه لالتقاء الساكنين، وهى لغة رديئة. وقرأ زيد بن على: يخطف بضم الياء وفتح الخاء وتشديد الطاء مكسورة. وقرأ أبى: يتخطف كقوله تعالى:

{ وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِن حَوْلِهِم } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07198) (العنكبوت29: 67)

لكن بالبناء للفاعل، بخلاف يتخطف الناس فإنه للمفعول، وفى تلك القراءات كلها مبالغة غير قراءة الجمهور ومجاهد، والفعل فى الجمع متعد.

{ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيهِ }: كل ظرف زمان أساغ ظرفيتها كونها مضافة لمصدر نائب عن اسم الزمان، وما مصدرية أى كل إضاءته، أى كل زمان إضاءته، وهو متعلق بمشوا وضمير أضاء وضمير فيه عائدان إلى البرق، ويقدر مضافان فى الثانى، أى مشوا فى مطرح نوره، أو الظرفية التى أفادتها فى مجازية لا حقيقة، فلا يقدر شىء، أو يقدر واحد، أى فى نوره، وإن قدرنا هكذا فى مطرحه كانت حقيقة أيضاً، ومفعول أضاء محذوف، أى كلما أضاء لهم مومضاً أو شياشجره، أى نوره مشوا فى مطرح نوره، فالهاء عائدة إلى البرق، ويجوز عودها إلى الوضع الذى أضاء لهم المحذوف، ويجوز كونه لازماً أى كلما ظهر لهم البرق ولمع مشوا فيه، ويدل له قراءة ابن أبى عبلة: كلما أضاء لهم بترك الهمزة الأولى والهاء للبرق، ويجوز عود ضمير أضاء إلى الله على الأوجه كلها، وجملة مشوا مستأنفة أو حال من البرق أو من ضميره فى يخطف، وفيه الأوجه السابقة فى يكاد البرق.

-1-

. إلخ، وعلى الاستئناف فهو يأتى كأنه قيل ما يفعلون فى حين خوف البرق وحين خفته فقال: { كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيه }.

{ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا }: والجملة هذه معطوفة على مشوا فيه، فعلى أن الظروف والفضلات لسن من الجملة، فالمعطوف قاموا على أنها منها فالمعطوف إذا وشرطها وجوابها، فإذا تقرر هذا علمت أن جواب إذا ونحوها قد يكون له محل، ويدل على ظرفية كل مقابلته بإذا الظرفية، وإنما قال مع الإضاءة كلما، ومع الإظلام إذا، لأنهم حراص على المشى، فكلما أمكنت لهم مشية بادروها، وليس القيام عند الإظلام بهذه المنزلة، ومعنى قاموا. وقفوا وتركوا المشى، كقولك قامت السوق أى سكنت، ضد قامت بمعنى نفقت، وقولك قامت بمعنى سكنت لانتهائها، وقام الماء جمد وترك المشى الحابس، وكأنه قيل وإذا أظلم عليهم قاموا، وزعم بعض أن الإقامة عند الإظلام مراد تكريرها، وأن ترك ذكر تكريرها استغناء بذكره فى الإضاءة، أو لاستفادته من الإظلام، فإن تكرير الإضاءة لا يتحقق إلا بتكرير الإظلام، وهذا الوجهان لا حاجة إلى ذكرهما، أما الأول فلأنه لا دليل عليه، وأما الثانى فلأنه ظاهر صريح الأخذ من بعض اللغة، فلا يحسن أن يجعلا مقابلين لما ذكرته أولا ولا رادين له، فإنما ذكرته أولا هو أنه ذكر اللفظ الذى هو نص مسوق لمجرد التكرير، لأنه لا تسلم دلالتها عليه، وإذا كان المعنى عليه فالمفيد له المقام لا هى، وأظلم لازم وضميره للبرق، ويجوز كونه متعدياً فضميره للبرق، أو لله، أى أظلم الله عليهم ممشاهم، أو أظلمه عليهم البرق بسبب خفاء به، والمتعدى من ظلم بمعنى كان لا ضوء فيه، ويشهد للتعدى قراءته يزيد بن قطيب: أظلم بالبناء للمفعول ثم ظهر لى أنه يحتمل أن يكون فى قراءة لازماً كما يقال: مر يزيد فليس نصاً فى التعدى، والنائب على كل حال هو قوله { عَلَيْهِمْ } سواء كان لازماً أو متعدياً بالجواز نيابة الظرف عن فاعل متعدى إذا لم يذكر مفعوله، ويحتمل على بعد أن يكون متعدياً ونائبه ضميره عائد إلى الممشاء المدلول عليه بالمقام إذ لم يتقدم له ذكر، وجاء متعدياً فى قول حبيب بن أوس:

-2-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>هما أظلما حالى ثمت أجليا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب</TD></TR></TBODY></TABLE>

فحالى مفعول أظلم، ويحتمل أيضاً كونه ظرفاً فيكون أظلم لازماً، وهو من المحدثين لا يستشهد بكلامه فى اللغة والنحو والصرف ونحو ذلك، لكنه عند قومنا ثقة من علماء العربية، فيجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه، كما يقال ذلك فى سيبويه ونحوه، يقال لو لم يرووا مثل ما قالوا عن العرب ولم يستمعوا نظيره لما قالوه.

وبحث التفتازانى بأن مبنى الرواية على الوثوق والضبط، ومبنى القول على الدراية والإحاطة بالأوضاع والقوانين، والإتقان فى الأول لا يستلزم الإتقان فى الثانى، والقول بأن قوله بمنزلة نقل الحديث بالمعنى ليس بسديد، بل هو بعمل الراوى أشبه، وهو لا يوجب السماع، والمحدث بإسكان الحاء وفتح الدال الشاعر الذى أحدثه الله - جل وعلا - بعد الصدر الأول من الإسلام، كحبيب بن أوس والبحترى وأبى نواس، ولا يستشهد بكلامهم لأنهم بعد فساد الألسنة، ويقابلهم الجاهليون كامرئ القيس وزهير، والمخضرمون وهم من أدرك الجاهلية والإسلام كحسان ولبيد، والمتقدمون من أهل الإسلام كالفرزدق وجرير، ويستشهد بكلامهم، أو المحدث، بفتح الحال والدال المشددة من يلهمه ويلقى الغيب فى روعه، أعنى فى قلبه كأن أحداً يكلمهم ويخبرهم، والمحدث، بفتح الحاء وكسر الدال المشددة، من اعتنى بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العلماء ينطق به ويعلمه الناس، وهما فى البيت عائد إلى الدهر والعقل، وحالاه حاله الدنيوى والدينى، ومعنى أجليا كشفا ومعنى عن وجه أمرد أشيب عن وجهى وأنا شاب فى السن شيخ أشيب فى تجربة الأمور، وأشيب فى غير وقت الشيب لمقاساة الشدائد، فنفى ذلك تجريد وأسند الإظلام إلى العقل والدهر، لأن العاقل لا يطيب له عيش والدهر يعادى كل فاضل. والله أعلم.

واختلف المفسرون فى المقصود فى التمثيل فى الصيب المذكور، فقال الجمهور: مثل الله سبحانه وتعالى بالصيب لما فيه من الإشكال على المنافقين من حيث إنهم فى ظلمات الكفر والمعاصى، وما فيه من الوعيد والزجر وهو الرعد، وما فيه من الحجج الباهرة هو البرق، وتخوفهم وروعهم وحذرهم وهو جعل أصابعهم فى آذانهم، وفضح نفاقهم واستشهار كفرهم، وتكاليف الشرع التى يكرهونها من نحو الجهاد والزكاة هى الصواعق، وعن ابن مسعود: أن المنافقين فى مجلس رسول الله - صل الله عليه وسلم - كانوا يجعلون اصابعهم فى آذانهم لئلا يستمعوا القرآن فيميلوا إلى الإيمان، فضرب الله المثل لهم وهو وفاق لتأويل الجمهور، وفى رواية عنه كلما صلحت أحوالهم فى زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا: دين محمد دين مبارك، وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوا وثبتوا فى نفاقهم، وعن ابن عباس: كلما سمع المنافقون وظهرت الحجج آنسوا ومشوا معه، فإذا نزل من القرآن ما يشق عليهم قاموا، أى ثبتوا على نفاقهم، وعن مجاهد: كان المنافقون إذا أصابوا فى الإسلام رخاء طابت أنفسهم وسروا، وإذا أصابتهم شدة لم يصبروا ولم يرجوا عافيتها، وعن الحسن: البرق نور الله، وعن ابن عباس: نور القرآن وهما متقاربان أو واحد، وقيل المطر هو القرآن لأنه حياة القلوب، كما أن المطر حياة الأرض، والظلمات ما فى القرآن من ذكر الكفر والشرك والنفاق والرعد ما خوفوا به من الوعيد، وذكر النار والبرق ما فيه من الهدى، والبيان والوعد ذكر الجنة.

-3-

يسدون آذانهم لئلا تميل قلوبهم إلى الإيمان، لأنه عندهم كفر والكفر موت، وقيل المطر الإسلام، والظلمات ما فيه من بلاء ومحن، والرعد ما فيه من الوعيد والمخاوف فى الآخرة، والبرق ما فيه من الوعد، يجعلون أصابعهم فى آذانهم إذا رأوا فى الإسلام شدة هربوا حذراً من الهلاك

{ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817) (البقرة2: 19)

لا ينفعهم الهرب { يَكَادُ البَرْقُ } دليل الإسلام يأخذ أبصارهم إلى الإسلام، ويزعجهم إلى التدبر الحق، لولا ما سبق من الشقاوة، كلما أضاء لهم تركوا بلا شىء مشوا فيه على المسالمة بإظهار كلية الإيمان، وقيل إذا نالوا غنيمة وراحة فى الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم، وإذا رأوا شدة تأخروا، وقيل شبه الإيمان والقرآن وما أتى الإنسان من المعارف التى هى بسبب الحياة الأبدية، بالصيب الذى هو حياة الأرض وما اختلطت من الشبه المبطلة، واعترضت دونها من الاعتراضات المشكلة بالظلمات وما فيها من الوعد والوعيد بالرعد، وما فيها من الآيات الباهرة بالبرق، وتصاممهم عما يسمعون من الوعيد بحال من تهوله الرعد فيخاف صواعقه فيسد أذنه عنها، مع أنه لا خلاص لهم منها، وهو معنى قوله: { وَاللَّهُ مُحِيطٌ بالكَافِرِينَ } وتحركهم لما يلمع لهم من رشيد يدركونه، أو رفد تطمح إليه أبصارهم، بمشيهم فى مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم، وتحيرهم وتوقفهم فى الأمر حين تعرض لهم شبهة أو تعن لهم مصيبة بتوقفهم إذا أظلم عليهم، وقيل شبه أنفسهم بأصحاب الصيب وإيمانهم المخالط للكفر والخداع يصيب فيه ظلمات، ورعد وبرق بحيث إنه وإن كان نافعاً فى نفسه لكنه لما وجد فى هذه الصورة عاد نفعه ضراً، وشبه نفاقهم حذراً من نكايات المؤمنين وما يطرقون به من سواهم من الكرة بجعل الأصابع فى الآذان من الصواعق حذر الموت، من حيث إنه لا يرد من قدر الله شيئاً، ولا يخلص ما يريد بهم من المضار، وشبه تحيرهم لشدة الأمر وجعلهم ما يأتون وما يذرون، بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة، مع خوف أن يخطف أبصارهم فخطوا خطوات يسيرة، ثم إذا خفى وفتر لمعانه بقوا متقيدين لا حراك لهم، كما شبه ذوات المنافقين بالمستوقدين، وإظهارهم الإيمان باستيقاد النار، وما انتفعوا به من حقن الدماء وسلامة الأموال والأولاد وغير ذلك، بإضاءة النار ما حول المستوقدين، وزوال ذلك عنهم على القرب بإهلاكهم وإفشاء حالهم، وإبقائهم فى الخسار الدائم والعذاب السرمدى، بإطفاء نارهم وإذهاب نورهم، وذلك تشبيه مفردات بمفردات، وتخريجها على الاستعارة المركبة التمثيلية أولى كما مر، وهى إن يشبه كيفية منتزعة من مجموع تضامت أجزاءه وتلاصقت حتى صارت شيئاً واحداً، بأخرى مثلها، ومن تشبيه مفرد بمفرد قول امرئ القيس بن حجر الكندى:

-4-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>كأن قلوب الطير رطباً ويابساً</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لدى وكرها العناب والحشف البالى</TD></TR></TBODY></TABLE>

شبه قلوب الطير الرطب بالعناب واليابسة بالحسف البالى، ومن التمثيلية قوله جل وعلا:

{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08973) (الجمعة62: 5)

شبه حال اليهود فى جهلهم بما معهم من التوراة بحال الحمار فى جهله ما يحمل من أسفار الحكمة.

{ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ }: هذا من تمام تهويل ذلك الصيب الممثل به بتهويل رعده وبرقه، حيث إن رعده بلغ من القوة أن يذهب بأسماعهم، وأن برقه بلغ منها أن يذهب بأبصارهم، لولا أن الله جل وعلا أبقى عليهم أسماعهم وأبصارهم، فضلا منه أو استدراجاً، ليتمادوا فى الغى والفساد فيشتد عذابهم، ولو شاء إبقاءها لذهبت، ولكنه لم يشأ فلم تذهب، لأن السبب لا يتأثر فى المسبب إلا بمشيئة الله تعالى، ومفعول شاء محذوف دل عليه الجواب، وقام مقامه، ولا يكاد يذكر بعدما وقع شرطاً لأدوات الشرط من نحو شاء وأراد وأحب، مما يدل على حب الشىء أو إرادته وتقديره، ولو شاء الله ذهاباً بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ولما حذف من الشرط هو ومتعلقه ذكر منه الفعل فى الجواب وأظهر متعلقه، ولم يؤت به ضميراً وهكذا تقدر أبدا من لفظ الجواب، وإذا كان غريباً لذاته أو لمتعلقه ذكر قول أبى يعقوب الخزاعى من قصيدة يرثى بها خزيم بن عامر، وقيل يرثى بها ابنه لا خزيما:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلو شئت أن أبكى دماً لبكيته</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>عليه ولكن ساحة الصبر أوسع</TD></TR></TBODY></TABLE>

فان البكاء نفسه غير غريب، ولكنه يستغرب لكونه بالدم، والمعتاد كونه بالدمع فذكر مع ما تعلق به ليتقرر فى نفس السامع ويأنس به، وقل ذكره إذا لم يستغرب كقول أبى الحسن على بن أحمد الجوهرى:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولم يبق منى الشوق غير تفكرى</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>فلو شئت أن أبكى بكيت تفكر</TD></TR></TBODY></TABLE>

أى لو شئت البكاء الحقيقى المطلق لم يتيسر. لفناء مادة الدمع لشدة نحولى بل أجد مكان بكاء مجازياً مقيداً بالفكر. بدل الدمع الحقيقى الواقع فى الصور، فليس هذا البيت كالذى قبله لأنه ليس المراد لو شئت أن أبكى تفكراً، فليس ما فى الجواب من جنس ما فى الشرط، فضلا عن أن يدل عليه ويقوم مقامه، ويجوز أن يراد بالبكاء فى قوله: فلو شىءت أن أبكى، البكاء مطلقاً بقطع النظر عن كونه حقيقاً وكونه بكاء تفكر، وإن قلت: فلعل المعنى أن الشوق أفنانى فصرت لا أقدر على الدمع، إنما أقدر على التفكر فقط، فلو شئت أن أبكى تفكراً بكيت تفكراً، فيكون كالبيت السابق، لكن على التنازع فى تفكر.

-5-

قلت: لا يخفى أن قوله: فلو شئت أن أبكى بكيت تفكراً، متفرع على قوله: ولم يبق منى الشوق غير تفكرى. وذلك الاحتمال لا يصلح على هذا التفريع؛ لأن بكاء التفكر ليس إلا إيقاع التفكر والقدرة على إيقاعه لا يتفرع على ألا يبقى فيه الشوق غير التفكر بخلاف عدم القدرة على البكاء الحقيقى، بحيث يحصل منه بدل الدمع التفكر، فإنه مما يتفرع على ألا يبقى فيه غير التفكر. والله أعلم.

ولو هذه امتناعية تدل على امتناع شرطها لامتناع جوابها، فإن الملزوم ينتفى بانتقاء لازمه، هذا مذهب ابن الحاجب، والصحيح قول الجمهور إنها تدل على امتناع جوابها لامتناع شرطها، وقيل إنها لمجرد الربط، مثل إن وغير ذلك، إنما يفيده المقام والسياق، وقد قال التفتازانى: الظاهر أن لو هنا لمجرد الشرط بمنزلة أن لا بمعناه الأصلى من انتفاء الشىء لانتفاء غيره ووافقة السيد الشريف، ثم ذكر جواز إبقائها على ما فسر به الآية أولا وقد يقصد بها استمرار الشىء فيربط بأبعد النقيضين عنه نحو: لو أهاننى لأكرمته، وقول عمر: لو لم يخف الله لم يعصه، وقرأ ابن أبى عبلة: لأذهب بأسماعهم وأبصارهم، فالباء فيها صلة للتأكيد ومدخولها مفعول به والتعدية بالهمزة لا بها بخلافها فى قراءة الجمهور، فإنها للتعدية لعدم الهمزة فيها، وإنما جعلت حرف التعدية فى قراءة ابن أبى عبلة هو الهمزة، والصلة هى الباء، لأن الأصل فى التعدية الهمزة لا الباء، ولأنها الكثير فى التعدية والباء فيها قليلة بالشبه.

{ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ }: هذا كالتصريح بأن وجود المسببات مرتبط بأسبابها واقع بقدرته تعالى، كما نسبه عليه بقوله عز وجل: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهَ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِم } ، والشىء عندنا وعند قومنا: الموجود فى الحال، وما قد كان موجوداً وفنى وما سيوجد، وإنما صح إطلاقه على ما وجد وفنى أو سيوجد باعتبار وجوده الماضى أو المستقبل، والأصل ألا يطلق على ما لم يوجد ولا يوجد، سواء أكان جائز الوجود أو ممتنع الوجود، لأنه فى الأصل مصدر شاء يشاء بفتح همزة شاء، فتارة يطلق بمعنى اسم فاعل كشاءٍ بكسر الهمزة المنونة كقام اسم الفاعل شاءً بفتح الهمزة بمعنى مريد، وهمزة شاء كقاض هى الياء المبدلة ألفاً فى شاء بفتح الهمزة ويشاء، وأما همزة شاء يشاء هذين فأبدلت ياء وحذفت الياء كحذفها فى قاض، فيتناول كل مريد، ولذلك أجيب بالله - سبحانه وتعالى - يعد السؤال عنه فى قوله تبارك وتعالى:

-6-

{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04599) (الأنعام6: 19)
وقد يطلق على ما لم يوجد لكنه جائز الوجود، وتارة بمعنى اسم مفعول كأنه قيل مشىء بفتح الميم كمبيع أو بإبدالها ياء وإدغام الياء فى الياء، وهما اسم مفعول شاء يشاء، والمراد مشىء وجوده، بفتح الميم، وما شاء الله وجوده فهو موجود باق، أو موجود ماض، أو سيوجد، وكل ذلك بحسب مشيئته تعالى، ومنه قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ } أى قدير على كل ما أراد، وذلك مذهبنا، وقيل: ويحتمل وقوعه متناولا لما يمكن وقوعه، ولو كان لم يقع، وقالت طائفة من المعتزلة: الشىء يطلق على الموجود والمعدوم والممكن، وقال جمهور المعتزلة، الشىء ما يصبح أن يوجد وهو يعلم الواجب والممكن، أو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيعم الممتنع أيضاً فيخصون عموم الآية ونحوها بالممكن، إذا لا معنى لقولك إن الله قادر على الواجب فى حقه كوجوده علمه وسائر صفاته الذاتية، لأنه قديم. وإن قيل ذلك لا على معنى الحدوث والتجدد، فلا بأس، بل بمعنى مطلق بثبوت ذلك له تعالى، ولا معنى لقولك: إن الله قادر على المستحيل فى وصفه، فإن هذا حرام وكفر، فكأنه قال: إن الله على كل شىء مستقيم قدير، فخرج بلفظ الاستقامة المستحيل، فإنه لا يقال هو قادر عليه ولا عاجز عنه، فلا يتوهم دخوله تعالى فى عموم كل شىء، كما أن قولك: زيد أمير على الناس لا يشمل زيداً وإن كان فى جملة الناس. قال سيبويه فى باب مجاز أواخر الكلم من العربية وإنما يخرج التأنيث من التذكير، ألا ترى أن الشىء يقع على كل ما أخبر عنه، من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى؟ والشىء مذكر وهو أعم العام، كما أن الله أخص الخاص يجرى الجسم والعرض والقديم، تقول شىء لا كالأشياء أى معلوم لا كسائر المعلومات، وعلى المعدوم والمحال، انتهى.

وورش يمكن الياء من شىء، رفعاً وجراً ونصباً، وكهيئة واو السوء وشبيهه إذا انفتح ما قبلها، وكان مع الهمزة فى كلمة إلا موئلا والموءودة، وحمزة يقف على الياء من شىء وكهيئة فى الوصل خاصة، والباقون لا يمكنون ويقفون والقدرة التمكن من إيجاد الشىء، وقيل صفة تقتضى التمكن من إيجاد الشىء وإيجاد الإنسان وغيره الشىء وهو فعله الفعل، والشىء الفعل، وإيجاد الله الشىء خلقه جسما أو عرضا، كفعل الإنسان وغيره، فإنه مخلوق الله تبارك وتعالى، وقيل قدرة الإنسان هيئة بها يتمكن من الفعل، وقدرة الله عبارة عن نفى العجز عنه، كما أن التكلم فى حقه بمعنى نفى الخرش، والقادر هو الذى إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل، القدير الفعال لما يشاء على ما يشاء ولذا قل وصف غير الله تعالى به، ولفظ القدير مأخوذ من التقدير لأن التقدير يوقف فعله على مقدار قوته وما يتميز به من العاجز، أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته، وتبين بذلك أن الحادث حال حدوثه وحال بقائه مقدوران، وأن مقدور العبد مقدور لله تعالى، لأن المقدور شىء وكل شىء مقدور، والممكن مقدور ما دام ممكناً باقياً على الإمكان.

-7-

قال التفتازانى: المقدور إن أريد به ما تعلقت به القدرة فلا يكون إلا موجوداً أو إن أريد ما يصلح تعلق القدرة به يكون معدوماً، وهو المعنى بقولهم إن الله - تعالى - قادر على جميع الممكنات، وأن مقدوراته غير متناهية، وعرف بعضهم القدرة بأنها الصفة المؤثرة على وفق الإرادة، وتأثيرها الإيجاد، وإن قلت على هذا كيف صح لبعض أن يقول الشىء مختص بالموجود، لأن إيجاد الموجود محال؟ قلت: المحال إيجاد الموجود بوجود سابق وهو غير لازم، واللازم إيجاد موجود وهو أثر ذلك الإيجاد وليس بمحال. والله أعلم.

ومن أراد أن يحبه أحد محبة عظيمة فيأخذ مرآة من فضة جديدة أو عاج ويكتب فى كاغد { يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } إلى قوله: { قديراً } لا قوله: { وإذا أظلم عليهم قاموا } فى يوم الجمعة فى زيادة الهلال ويأخذ نملتين من شجرة تكون الواحدة طالعة والأخرى هابطة، وما فيها ثم تجتمعان ويقفان قليلا وجه الواحدة إلى وجه الأخرى، فتجعلان داخل المرآة ويجعل عليهما الكاغد، وتتستر المرآة وما عليها، ثم يريها لمن أراد محبته، بعد أن ينظر فيها هو، فإذا نظر فيها من أراد فليأخذها منه بسرعة ويخفيها عنه، ولا يراها بعد ذلك ويسترها عنده، وقيل فى قوله: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ }... إلخ مستأنفاً عن القصة وإن المعنى: لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم الظاهرة، كما ذهب بالباطنة إذ لم يقروا ولم يوفوا، أو أقروا ولم يوفوا، أن الله قدير على ذلك وغيره لا منازع له ولا معقب لفعله، وقد تقدم ذكر الوعيد فناسبه ذكر القدرة هنا فلذا خصت بالذكر هنا.

-8-

admin
12-30-2010, 03:43 PM
تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ الْبَرْقُ } المعهود فى الآية قبل { يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } أبصار أهل الصيب، يقرب أن يأخذها بسرعة، وإسناد الخطف إلى البرق مجاز للسببية ونفى كاد نفى، وإثباتها إثبات كسائر الأفعال، وغير هذا تخليط، وإذا قلت، كاد يقوم فمعناه قرب، وإذا قلت، لم يكد يقوم فمعناه لم يقرب، وإذا قيل، لم يكد يقوم مع أنه قام فمعناه أنه لم يقرب للقيام، ثم قرب وقام { كُلَّمَا أَضَاءَ } ظهر البرق أو أظهر البرق الطريق { لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } يمشون فى ضوئه كل إضاءة أى كل وقت إضاءة، أو فى الطريق المدلول عليه بالشىء، كما قدر بعض، كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه، وذلك أن المشى فى مطرح البرق لا فى البرق، والهاء للبرق، وكل ظرف لإضافته إلى المصدر المنسبك بما المصدرية المستعمل ظرفاً، كجئت طلوع الشمس، ويجوز أن يكون لازماً بمعنى وقع، كما فسرته أولا، كلما لمع مشوا فى مطرح ضوئه { وَإِذَا أَظْلَمَ } الطريق المسدود عليه، أو أظلم البرق، أى زال، أو الجو { عَلَيهِمْ قَامُوا } أمسكوا عن الشىء { وَلَوْ شَاءَ اللهُ } أى لو شاء إذهاب أسماعهم وأبصارهم { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } أى بسمع المنافقين، الإضاءة للحقيقة أو الاستغراق، وكأنه قيل، بأسماعهم، كما قال { وَأَبْصَٰرِهِمْ } عيون المنافقين الظاهرة كما ذهب ببصائر قلوبهم الباطنة فلا تقبل الحق، ويجوز عود الهاءين لأصحاب الصيب، لأن بصائرهم ولو كانت لا تعمى بالظلمات لكن المراد التنوية للصيب وشأنه المشبه بهما حال المنافقين، فإن تقويتهما تقوية لحالهم فى الهول، فيكون شبههم بالمستوقد، ثم بالصيب الموصوف بما ذكر، وبأنه لولا أن الله حفظ سمع أهله وأبصارهم لذهبت بالبرق والرعد، ومشيهم فى البرق تشبيه لميلهم إلى بلاغة القرآن، وصدقه، ووعده بالخير، وإمساكهم عن المشى عند ذهاب البرق، وتشبيه لوقوفهم عما يكرهون من تسفيه دينهم، ورفض آلهتهم، والمشيئة والإرادة بمعنى، ولا يصح ما قيل إن أصل لمشيئة لإيجاد واستعمل بمعنى الإرادة، والباء للتعدية، أى أذهب أسماعهم، وقيل، ذهبت بكذا ذهبت معه، وإذا لم يذهب فللتعدية، أو مجاز فى المعية { إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى على كل شىء ممكن وأما المستحيل فى حقه، كاتخاذ الصاحبة والولد فلا تقل هو قادر عليه، لأن الاتصاف بالقدرة عليه اتصاف بجوازه، ولا غير قادر عليه، لأن هذه صبغه عجز، تعالى عنها، ولأنها فرع عن تقرره هكذا فى الجملة، وهو غير متقرر، تعالى عنه، أو المعنى على كل شىء شاءه هؤلاء لا يرده عما أراد وقوعه، ومع ذلك هو قادر على إيقاع لم يسبق قضاؤه بوقوعه من الممكنات إجماعا، وما لم يكن ولا يكون لا يسمى شيئاً، ونسبه بعض أصحابنا، وقيل شىء، وهو الصحيح عندى، وأما المستحيل فلا يسمى شيئاً، والآية ونحوها من الآى والحديث تدل على جوازه فى كل معلوم ممكن، ويطلق على المحال بمعنى ملاحظته، ولا يقال قادر عليه ولا غير قادر، ومعنى: وقد خلقك من قبل ولم تك شيئاً: لم تكن شيئاً موجوداً، بل شيئاً معدوماً.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 04:23 PM
تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق 1-9


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } استئناف آخر بياني كأنه قيل: فكيف حالهم مع ذلك البرق؟ فقال: { يَكَادُ } الخ، وفي «البحر» يحتمل أن يكون في موضع جر لذوي المحذوفة فيما تقدم ويكاد مضارع كاد من أفعال المقاربة وتدل على قرب وقوع الخبر وأنه لم يقع والأول لوجود أسبابه والثاني لمانع أو فقد شرط على ما تقضي العادة به، والمشهور أنها إن نفيت أثبتت وإن أثبتت نفت وألغزوا بذلك، ولم يرتض هذا أبو حيان وصحح أنها كسائر الأفعال في أن نفيها نفي وإثباتها إثبات، واللام في البرق للعهد إشارة إلى ما تقدم نكرة، وقيل: إشارة إلى البرق الذي مع الصواعق أي برقها وهو كما ترى. وإسناد الخطف وهو في الأصل الأخذ بسرعة أو الاستلاب إليه من باب إسناد الإحراق إلى النار وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه قريباً. والشائع في خبر كاد أن يكون فعلاً مضارعاً غير مقترن بأن المصدرية الاستقبالية أما المضارع فلدلالته على الحال المناسب للقرب حتى كأنه لشدة قربه وقع وأما أنه غير مقترن بأن فلمنافاتها لما قصدوا ونحو ـ وأبت إلى فهم وما كدت آيباً، وكان الفقر أن يكون كفراً، وقد كاد ـ من طول البلى أن يمحصا ـ قليل.

وقرأ مجاهد وعلي بن الحسين ويحيـى بن وثاب { يَخْطَِفُ } بكسر الطاء والفتح أفصح. وعن ابن مسعود (يختطف) وعن الحسن (يخطف) بفتح الياء والخاء وأصله يختطف فأدغم التاء في الطاء. وعن عاصم وقتادة والحسن أيضاً (يخطف) بفتح الياء وكسر الخاء والطاء المشددة. وعن الحسن أيضاً والأعمش (يخطف) بكسر الثلاثة والتشديد. وعن زيد (يخطف) بضم الياء وفتح الخاء وكسر الطاء المشددة وهو تكثير مبالغة لا تعدية، وكسر الطاء في الماضي لغة قريش، وهي اللغة الجيدة.

{ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } استئناف ثالث كأنه لما قيل إنهم مبتلون باستمرار تجدد خطف الأبصار فهم منه أنهم مشغولون بفعل ما يحتاج إلى الأبصار ساعة فساعة وإلا لغطوها كما سدوا الآذان، فسئل وقيل: ما يفعلون في حالتي وميض البرق وعدمه؟ فأجيب بأنهم حراص على المشي ـ كلما أضاء لهم اغتنموه ومشوا وإذا أظلم عليهم توقفوا مترصدين. و { كُلَّمَا } في هذه الآية وأمثالها منصوبة على الظرفية وناصبها (ما) هو جواب معنى. و (ما) حرف مصدري أو اسم نكرة بمعنى وقت فالجملة بعدها صلة أو صفة وجعلت شرطاً لما فيها من معناه وهي لتقدير ما بعدها بنكرة تفيد عموماً بدلياً ولهذا أفادت (كلما) التكرار كما صرح به الأصوليون وذهب إليه بعض النحاة واللغويين واستفادة التكرار من (إذا) وغيرها من أدوات الشرط من القرائن الخارجية على الصحيح، ومن ذلك قوله: <LABEL class=############ disabled></LABEL>

-1-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إذا وجدت أوار الحب من كبدي</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أقبلت نحو سقاء القوم أبترد</TD></TR></TBODY></TABLE>

وزعم أبو حيان أن التكرار الذي ذكره الأصوليون وغيرهم في (كلما) إنما جاء من عموم كل لا من وضعها وهو مخالف للمنقول والمعقول، وقد استعلمت هنا في لازم معناها كناية أو مجازاً وهو الحرص والمحبة لما دخلت عليه/ ولذا قال مع الإضاءة (كلما) ومع الإظلام (إذا) وقول أبي حيان: إن التكرار متى فهم من (كلما) هنا لزم منه التكرار في (إذا) إذ الأمر دائر بين إضاءة البرق والإظلام ومتى وجد ذا فقد ذا فلزم من تكرار وجود ذا تكرار عدم ذا غفلة عما أرادوه من هذا المعنى الكنائي والمجازي.

وأضاء إما متعد كما في قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>أعد نظراً يا عبد قيس لعلما</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>أضاءت لك النار الحمار المقيدا</TD></TR></TBODY></TABLE>

والمفعول محذوف أي: كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه وسلكوه، وإما لازم ويقدر حينئذ مضافان أي كلما لمع لهم مشوا في مطرح ضوئه ولا بد من التقدير إذ ليس المشي في البرق بل في محله وموضع إشراق ضوئه وكون (في) للتعليل والمعنى مشوا لأجل الإضاءة فيه يتوقف فيه من له ذوق في العربية، ويؤيد اللزوم قراءة ابن أبـي عبلة (ضاء) ثلاثياً، وفي مصحف ابن مسعود بدل (مشوا فيه) (مضوا فيه)، وللإشارة إلى ضعف قواهم لمزيد خوفهم ودهشتهم لم يأت سبحانه بما يدل على السرعة، ولما حذف مفعول { أَضَآءَ } وكانت النكرة أصلاً أشار إلى أنهم لفرط الحيرة كانوا يخبطون خبط عشواء ويمشون كل ممشى.

ومعنى { أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } اختفى عنهم، والمشهور استعمال أظلم لازما، وذكر الأزهري ـ وناهيك به ـ في «التهذيب» أن كل واحد من أوصاف الظلم يكون لازماً ومتعدياً، وعلى احتمال التعدي هنا ويؤيده قراءة زيد بن قطيب والضحاك (أظلم) بالبناء للمفعول مع اتفاق النحاة على أن المطرد بناء المجهول من المتعدي بنفسه يكون المفعول محذوفاً أي إذا أظلم البرق بسبب خفائه معاينة الطريق قاموا أي وقفوا عن المشي ويتجوز به على الكساد ومنه قامت السوق، وفي ضده يقال: مشت الحال.

{ وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } عطف على مجموع الجمل الاستئنافية ولم يجعلوها معطوفة على الأقرب ومن تتمته لخروجها عن التمثيل وعدم صلاحيتها للجواب، وعطف ما ليس بجواب على الجواب ليس بصواب وجوزه بعض المحققين إذ لا بأس بأن يزاد في الجواب ما يناسبه وإن لم يكن له دخل فيه بل قد يستحسن ذلك إذا اقتضاه المقام كما في

{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06156) [طه20: 17] الآية

وكونها اعتراضية أو حالية من ضمير { قَامُواْ } بتقدير المبتدأ أو معطوفة على الجملة الأولى مع تخلل الفواصل اللفظية، والمقدرة فضول عند ذوي الفضل، والقول بأنه أتى بها لتوبيخ المنافقين حيث لم ينتهوا لأن من قدر على إيجاد قصيف الرعد ووميضه وإعدامهما قادر على إذهاب سمعهم وأبصارهم أفلا يرجعون عن ضلالهم محل للتوبيخ إذ لا يصح عطف الممثل له على حال الممثل به.

-2-

ومفعول { شَآءَ } هنا محذوف وكثيراً ما يحذف مفعولها إذا وقعت في حيز الشرط ولم يكن مستغرباً، والمعنى ولو أراد الله إذهاب سمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب، ولتقدم ما يدل على التقييد من

{ يَجْعَلُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03917) [البقرة2: 19]

و { يَكَادُ } قوى دلالة السياق عليه وأخرجه من الغرابة، ولك أن لا تقيد ذلك المفعول وتقيد الجواب كما صنعه الزمخشري أو لا تقيد أصلاً، ويكون المعنى لو أراد الله إذهاب هاتيك القوى أذهبها من غير سبب فلا يغنيهم ما صنعوه، والمشيئة عند المتكلمين كالإرادة سواء، وقيل: أصل المشيئة إيجاد الشيء وإصابته وإن استعمل عرفاً في موضع الإرادة، وقرأ ابن أبـي عبلة (لأذهب الله بأسماعهم) وهي محمولة على زيادة الباء لتأكيد التعدية أو على أن (أذهب) لازم بمعنى ذهب كما قيل بنحوه في

{ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06484) [المؤمنون23: 20]
{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03993) [البقرة2: 195]

إذ الجمع بين أداتي تعدية لا يجوز، وبعضهم يقدر له مفعولا أي لأذهبهم فيهون الأمر.

وكلمة (لو) لتعليق حصول أمر ماض هو الجزاء بحصول أمر مفروض هو الشرط لما بينهما من/ الدوران حقيقة أو ادعاء ومن قضية مفروضية الشرط دلالتها على انتفائه قطعاً والمنازع فيه مكابر، وأما دلالتها على انتفاء الجزاء فقد قيل وقيل، والحق أنه إن كان ما بينهما من الدوران قد بني الحكم على اعتباره فهي دالة عليه بواسطة مدلولها ضرورة استلزام انتفاء العلة لانتفاء المعلول. أما في الدوران الكلي كالذي في قوله تعالى شأنه

{ وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05701) [النحل16: 9]

وقولك لوجئتني لأكرمتك فظاهر، ثم إنه قد يساق الكلام لتعليل انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط كما في المثالين، وهو الاستعمال الشائع في (لو) ولذا قيل: إنها لامتناع الثاني لامتناع الأول وقد يساق للاستدلال بانتفاء الثاني لكونه ظاهراً أو مسلماً على انتفاء الأول لكونه بعكسه كما في قوله تعالى:

{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06296) [الأنبياء21: 22] و
{ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08312) [الأحقاف46: 11]

واللزوم في الأول: حقيقي وفي الثاني: ادعائي، وكذا انتفاء الملزومين وليس هذا بطريق السببية الخارجية بل بطريق الدلالة العقلية الراجعة إلى سببية العلم بانتفاء الثاني للعلم بانتفاء الأول. ومن لم يتنبه زعم أنه لانتفاء الأول لانتفاء الثاني.

وأما في مادة الدوران الجزئي كما في قولك: لو طلعت الشمس لوجد الضوء فلأن الجزاء المنوط بالشرط ليس وجود أي ضوء بل وجود الضوء الخاص الناشىء من الطلوع ولا ريب في انتفائه بانتفائه هذا إذا بنى الحكم على اعتبار الدوران وإن بنى على عدمه فإما أن يعتبر تحقق مدار آخر له أو لا، فإن اعتبر فالدلالة تابعة لحال ذلك المدار فإن كان بينه وبين الانتفاء الأول منافاة تعين الدلالة كما إذا قلت: لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء فإن وجود الضوء معلق في الحقيقة بسبب آخر هو المدار ووضع عدم الطلوع موضعه لكونه كاشفاً عنه فكأنه قيل: لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء بالقمر مثلاً.

-3-

ولا ريب في أن هذا الجزاء منتف عند انتفاء الشرط لاستحالة الضوء القمري عند طلوع الشمس، وإن لم يكن بينهما منافاة تعين عدم الدلالة كحديث " لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة " فإن المدار المعتبر في ضمن الشرط ـ أعني كونها ابنة الأخ ـ غير مناف لانتفائه الذي هو كونها ربيبته بل مجامع له، ومن ضرورته مجامعة أثريهما أعني الحرمة الناشئة من هذا، وهذا وإن لم يعتبر تحقق مدار آخر بل بني الحكم على اعتبار عدمه فلا دلالة لها على ذلك أصلاً، ومساق الكلام حينئذ لبيان ثبوت الجزاء على كل حال بتعليقه بما ينافيه ليعلم ثبوته عند وقوع ما لا ينافيه بالأولى كما في قوله تعالى:

{ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05920) [الإسراء17: 100]

فإن الجزاء قد نيط بما ينافيه إيذاناً بأنه في نفسه بحيث يجب ثبوته مع فرض انتفاء سببه أو تحقق سبب انتفائه فكيف إذا لم يكن كذلك على طريقة (لو) الوصلية و «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» إن حمل على تعليق عدم العصيان في ضمن عدم الخوف بمدار آخر كالحياء مما يجامع الخوف كان من قبيل حديث الربيبة، وإن حمل على بيان استحالة عصيانه مبالغة كان من هذا القبيل، والآية الكريمة واردة على الاستعمال الشائع مفيدة لفظاعة حالهم وهول ما دهمهم وأنه قد بلغ الأمر حيث لو تعلقت مشيئة الله تعالى بإزالة قواهم لزالت لتحقق ما يقتضيه اقتضاء تاماً. وقيل: كلمة (لو) فيها ـ لربط جزائها بشرطها مجردة عن الدلالة على انتفاء أحدهما لانتفاء الآخر ـ بمنزلة إن، ذكر جميع ذلك مولانا مفتي الديار الرومية وأظنه قد أصاب الغرض إلا أن كلام مولانا السيالكوتي يشعر باختيار أن (لو) موضوعة لمجرد تعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فيه من غير دلالة على انتفاء الأول أو الثاني أو على استمرار الجزاء/ بل جميع هذه الأمور خارجة عن مفهومها مستفادة بمعونة القرآن كيلا يلزم القول بالاشتراك أو الحقيقة والمجاز من غير ضرورة، وبه قال بعضهم، وما ذهب إليه ابن الحاجب من أنها للدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني من لوازم هذا المفهوم وكونه لازماً لا يستلزم الإرادة في جميع الموارد فإن الدلالة غير الإرادة. وذكر أن ما قالوه من أنها لتعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فرضاً مع القطع بانتفائه فيلزم لأجل انتفائه انتفاء ما علق به فيفيد أن انتفاء الثاني في الخارج إنما هو بسبب انتفاء الأول فيه مع توقفه على كون انتفاء الأول مأخوذاً في مدخولها، وقد عرفت أنه يستلزم خلاف الأصل يرد عليه أن المستفاد من التعليق على أمر مفروض الحصول إبداء المانع من حصول المعلق في الماضي وأنه لم يخرج من العدم الأصلي إلى حد الوجود وبقي على حاله لارتباط وجوده بأمر معدوم، وأما أن انتفاءه سبب لانتفائه في الخارج فكلا كيف والشرط النحوي قد يكون مسبباً مضافاً للجزاء، نعم إن هذا مقتضى الشرط الاصطلاحي، وما استدل به العلامة التفتازاني على إفادتها السببية الخارجية من قول الحماسي:

-4-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولو طار ذو حافر قبلها</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لطارت ولكنه لم يطر</TD></TR></TBODY></TABLE>

لأن استثناء المقدم لا ينتج، ففيه أن اللازم مما ذكر أن لا تكون مستعملة للاستدلال بانتفاء الأول على انتفاء الثاني ولا يلزم منه أن لا تكون مستعملة لمجرد التعليق لإفادة إبداء المانع مع قيام المقتضي كيف ولو كان معناها إفادة سببية الانتفاء للانتفاء كان الاستثناء تأكيداً وإعادة بخلاف ما إذا كان معناها مجرد التعليق فإنه يكون إفادة وتأسيساً، وهذا محصل ما قالوه رداً وقبولاً. وزبدة ما ذكروه إجمالاً وتفصيلاً. ومعظم مفتى أهل العربية أفتوا بما قاله مفتي الديار الرومية، ولا أوجب عليك التقليد فالأقوال بين يديك فاختر منها ما تريد.

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } كالتعليل للشرطية والتقرير لمضمونها الناطق بقدرته تعالى على إذهاب ما ذكر لأن القادر على الكل قادر على البعض والشيء لغة ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كما نص عليه سيبويه، وهو شامل للمعدوم والموجود الواجب والممكن وتختلف إطلاقاته، ويعلم المراد منه بالقرائن فيطلق تارة، ويراد به جميع أفراده كقوله تعالى:

{ وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04080) [البقرة2: 282]

بقرينة إحاطَه العلم الإلهي بالواجب والممكن المعدوم والموجود والمحال الملحوظ بعنوان ما، ويطلق ويراد به الممكن مطلقاً كما في الآية الكريمة بقرينة القدرة التي لا تتعلق إلا بالممكن، وقد يطلق ويراد به الممكن الخارجي الموجود في الذهن كما في قوله تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05954)وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْءٍ إِنّى فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05954) إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05955) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05955) [الكهف18: 23-24]

بقرينة كونه متصوراً مشيئاً فعله غداً، وقد يطلق ويراد به الممكن المعدوم الثابت في نفس الأمر كما في قوله تعالى:

{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05732) [النحل16: 40]

بقرينة إرادة التكوين التي تختص بالمعدوم، وقد يطلق ويراد به الموجود الخارجي كما في قوله تعالى:

{ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06050)[مريم19: 9]

أي موجوداً خارجياً لامتناع أن يراد نفي كونه شيئاً بالمعنى اللغوي الأعم الشامل للمعدوم الثابت في نفس الأمر لأن كل مخلوق فهو في الأزل شيء أي معدوم ثابت في نفس الأمر وإطلاق الشيء عليه قد قرر، والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا يعدل عنه إلا لصارف ولا صارف.

-5-

وشيوع استعماله في الموجود لا ينتهض صارفاً إذ ذاك إنما هو لكون تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر لا لاختصاصه به لغة، وما ذكره مولانا البيضاوي من اختصاصه بالموجود ـ لأنه في الأصل مصدر شاء ـ أطلق بمعنى شاء تارة؛ وحينئذ يتناول الباري تعالى وبمعنى مشيء أخرى أي مشيء وجوده الخ ففيه مع ما فيه أنه يلزمه في قوله تعالى:

{ وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04080)[البقرة2: 282]

استعمال المشترك في معنييه لأنه إذا كان بمعنى الشائي/ لا يشمل نحو الجمادات عنده، وإذا كان بمعنى المشيء وجوده لا يشمل الواجب تعالى شأنه، وفي استعمال المشترك في معنييه خلاف ولا خلاف في الاستدلال بالآية على إحاطة علمه تعالى. وأما ما ذكر في «شرحي المواقف والمقاصد» فجعجعة ولا أرى طحناً، وقعقعة ولا أرى سلاحاً تقنا، وقد كفانا مؤنة الإطالة في رده مولانا الكوراني قدس سره، والنزاع في هذا وإن كان لفظياً والبحث فيه من وظيفة أصحاب اللغة إلا أنه يبتني على النزاع في أن المعدوم الممكن ثابت أولا، وهذا بحث طالما تحيرت فيه أقوام وزلت فيه أقدام.

والحق الذي عليه العارفون الأول لأن المعدوم الممكن ـ أي ما يصدق عليه هذا المفهوم ـ يتصور ويراد بعضه دون بعض، وكل ما هو كذلك فهو متميز في نفسه من غير فرض الذهن، وكل ما هو كذلك فهو ثابت ومتقرر في خارج أذهاننا منفكاً عن الوجود الخارجي فما هو إلا في نفس الأمر. والمراد به علم الحق تعالى باعتبار عدم مغايرته للذات الأقدس فإن لعلم الحق تعالى اعتبارين أحدهما: أنه ليس غيراً والثاني: أنه ليس عيناً، ولا يقال بالاعتبار الأول العلم تابع للمعلوم لأن التبعية نسبة تقتضي متمايزين ولو اعتباراً، ولا تمايز عند عدم المغايرة، ويقال ذلك بالاعتبار الثاني للتمايز النسبي المصحح للتبعية، والمعلوم الذي يتبعه العلم هو ذات الحق تعالى بجميع شؤونه ونسبه واعتباراته. ومن هنا قالوا: علمه تعالى بالأشياء أزلاً عين علمه بنفسه لأن كل شيء من نسب علمه بالاعتبار الأول فإذا علم الذات بجميع نسبها فقد علم كل شيء من عين علمه بنفسه، وحيث لم يكن الشريك من نسب العلم بالاعتبار الأول إذ لا ثبوت له في نفسه من غير فرض إذ الثابت كذلك هو أنه تعالى لا شريك له فلا يتعلق به العلم بالاعتبار الثاني ابتداء، ومتى كان تعلق العلم بالأشياء أزلياً لم تكن أعداماً صرفة إذ لا يصح حينئذ أن تكون طرفاً إذ لا تمايز، فإذا لها تحقق بوجه ما، فهي أزلية بأزلية العلم، فلذا لم تكن الماهيات بذواتها مجعولة لأن الجعل تابع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت، فالثبوت متقدم على الجعل بمراتب فلا تكون من حيث الثبوت أثراً للجعل وإلا لدار، وإنما هي مجعولة في وجودها، لأن العالم حادث وكل حادث مجعول وليس الوجود حالاً حتى لا تتعلق به القدرة، ويلزم أن لا يكون الباري تعالى موجداً للممكنات ولا قادراً عليها لأنه قد حقق أن الوجود بمعنى ما ـ بانضمامه إلى الماهيات الممكنة ـ يترتب عليها آثارها المختصة بها موجود، أما أولاً: فلأن كل مفهوم مغاير للوجود فإنه إنما يكون موجوداً بأمر ينضم إليه وهو الوجود، فهو موجود بنفسه لا بأمر زائد وإلا لتسلسل، وامتيازه عما عداه بأن وجوده ليس زائداً على ذاته.

-6-

وأما ثانياً: فلأنه لو لم يكن موجوداً لم يوجد شيء أصلاً لأن الماهية الممكنة قبل انضمام الوجود متصفة بالعدم الخارجي فلو كان الوجود معدوماً كان مثلها محتاجاً لما تحتاجه فلا يترتب على الماهية بضمه آثارها لأنه على تقدير كونه معدوماً ليس فيه بعد العدم إلا افتقاره إلى الوجود، وهذا بعينه متحقق في الماهية قبل الضم فلا يحدث لها بالضم وصف لم تكن عليه، فلو كان هذا الوجود المفتقر مفيداً لترتب الآثار لكانت الماهية مستغنية عن الوجود حال افتقارها إليه واللازم باطل لاستحالة اجتماع النقيضين فلا بد أن يكون الوجود موجوداً بوجود هو نفسه وإلا لتسلسل أو انتهى إلى وجود موجود بنفسه، والأول: باطل، والثاني: قاض بالمطلوب. نعم الوجود بمعنى الموجودية حال لأنه صفة اعتبارية ليست بعرض ولا سلب، ومع هذا يتعلق به الجعل لكن لا ابتداء بل بضم حصة من الوجود الموجود إلى الماهية فيترتب على ذلك اتصاف الماهية بالموجودية وظاهر أنه لا يلزم من عدم تعلق القدرة بالوجود بمعنى الموجودية ابتداء أن لا تتعلق به بوجه آخر، وإذا تبين/ أن الماهيات مجعولة في وجودها فلا بد أن يكون وجود كل شيء عين حقيقته، بمعنى أن ما صدق عليه حقيقة الشيء من الأمور الخارجية هو بعينه ما صدق عليه وجوده، وليس لهما هويتان متمايزتان في الخارج كالسواد والجسم إذ الوجود إن قام بالماهية معدومة لزم التناقض، وموجودة لزم وجودان مع الدور أو التسلسل، والقول بأن الوجود ينضم إلى الماهية من حيث هي لا تحقيق فيه، إذ تحقق في محله أن الماهية قبل عروض الوجود متصفة في نفس الأمر بالعدم قطعاً لاستحالة خلوها عن النقيضين فيه، غاية الأمر أنا إذا لم نعتبر معها العدم لا يمكن أن نحكم عليها بأنها معدومة، وعدم اعتبارنا العدم معها حين عروض الوجود لا يجعلها منفكة عنه في نفس الأمر وإنما يجعلها منفكة عنه باعتبارنا وضم الوجود أمر يحصل لها باعتبار نفس الأمر لا من حيث اعتبارنا، فخلوها عن العدم باعتبارنا لا يصحح اتصافها بالوجود من حيث هي هي في نفس الأمر سالماً عن المحذور فإذاً ليس هناك هويتان تقوم إحداهما بالأخرى بل عين الشخص في الخارج عين تعين الماهية فيه وهو عين الماهية فيه أيضاً إذ ليس التعين أمراً وجودياً مغايراً بالذات للشخص منضماً للماهية في الخارج ممتازاً عنهما فيه مركباً منها ومن الفرد بل لا وجود في الخارج إلا للأشخاص، وهي عين تعيينات الماهية وعين الماهية في الخارج لاتحادهما فيه، وعلى هذا فلا شك في مقدورية الممكن إذ جعله بجعل حصته من الوجود المطلق الموجود في الخارج مقترنة بأعراض وهيآت يقتضيها استعداد حصته من الماهية النوعية فيكون شخصاً، وإيجاد الشخص من الماهية ـ على الوجه المذكور ـ عين إيجاد الماهية لأنهما متحدان في الخارج جعلا ووجوداً متمايزان في الذهن فقط، وهذا تحقيق قولهم: المجعول هو الوجود الخاص، ولا يستعد معدوم لعروضه إلا إذا كان له ثبوت في نفس الأمر إذ ما لا ثبوت له ـ وهو المنفي ـ لا اقتضاء فيه لعروض الوجود بوجه، وإلا لكان المحال ممكناً واللازم باطل، فالثبوت الأزلي لماهية الممكن هو المصحح لعروض الإمكان المصحح للمقدورية لا أنه المانع كما توهموه.

-7-

هذا والبحث طويل والمطلب جليل. وقد أشبعنا الكلام عليه «الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية» على وجه رددنا فيه كلام المعترضين المخالفين لما تبعنا فيه ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم، وهذه نبذة يسيرة تنفعك في تفسير الآية الكريمة فاحفظها فلا أظنك تجدها في تفسير، وحيث كان الشيء عاماً لغة واصطلاحاً عند أهل الله تعالى، وإن ذهب إليه المعتزلة أيضاً فلا بد في مثل ما نحن فيه من تخصيصه بدليل العقل بالممكن.

والقدرة عند الأشاعرة صفة ذاتية ذات إضافة تقتضي التمكن من الإيجاد والإعدام والإبقاء لا نفس التمكن لأنه أمر اعتباري ولا نفي العجز عنه تعالى لأنه من الصفات السلبية، ولعل من اختار ذلك اختاره تقليلاً للصفات الذاتية، أو نفياً لها والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، ولكون المشيئة عندنا صفة مرجحة لأحد طرفي المقدور، وعند الحكماء العناية الأزلية ساغ لنا أن نعرفه بما ذكر دونهم خلافاً لمن وهم فيه ـ والقدير ـ هو الفعال لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة، وقلما يوصف به غيره تعالى، والمقتدر إن استعمل فيه تعالى فمعناه القدير أو في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة، واشتقاق القدرة من القدر بمعنى التحديد والتعيين، وفي الآية دليل على أن الممكن الحادث حال بقائه مقدور لأنه شيء وكل شيء مقدور له تعالى، ومعنى كونه مقدوراً أن الفاعل إن شاء أعدمه وإن شاء لم يعدمه واحتياج الممكن حال بقائه إلى المؤثر مما أجمع عليه من قال إن علة الحاجة هي الإمكان ضرورة أن الإمكان لازم له حال البقاء وأما من قال إن علة الحاجة الحدوث وحده أو مع الإمكان قال باستغنائه إذ لا حدوث حينئذ وتمسك في ذلك ببقاء البناء بعد فناء البناء، ولما رأى بعضهم شناعة ذلك قالوا: إن الجواهر لا تخلو عن الأعراض وهي لا تبقى زمانين فلا يتصور الاستغناء عن القادر سبحانه بحال، وهذا مما ذهب إليه الأشعري/ ولما فيه من مكابرة الحس ظاهراً ـ أنكره أهل الظاهر، نعم يسلمه العارفون من أهل الشهود وناهيك بهم حتى إنهم زادوا على ذلك فقالوا: إن الجواهر لا تبقى زمانين أيضاً والناس

-8-

{ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08436) [ق50: 15]،

وأنا أسلم ما قالوا

{ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07968) [غافر40: 44]

الذي لا يتقيد بشأن وقد كان ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان.

ثم المراد من هذا التمثيل تشبيه حال المنافقين في الشدة ولباس إيمانهم المبطن بالكفر المطرز بالخداع حذر القتل بحال ذوي مطر شديد فيه ما فيه يرقعون خروق آذانهم بأصابعهم حذر الهلاك إلى آخر ما علم من أوصافهم، ووجه الشبه وجدان ما ينفع ظاهره وفي باطنه بلاء عظيم، وقيل: شبه سبحانه المنافقين بأصحاب الصيب، وإيمانهم المشوب بصيب فيه ما تلى من حيث إنه وإن كان نافعاً في نفسه لكنه لما وجد كذا عاد نفعه ضراً، ونفاقهم حذراً عن النكاية بجعل الأصابع في الآذان ممادها حذر الموت من حيث إنه لا يرد من القدر شيئاً وتحيرهم لشدة ما عنى وجهلهم بما يأتون ويذرون بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة مع خوف أن يخطف أبصارهم فخطوا يسيراً ثم إذا خفي بقوا متقيدين لا حراك لهم، وقيل: جعل الإسلام الذي هو سبب المنافع في الدارين كالصيب الذي هو سبب المنفعة وما في الإسلام من الشدائد والحدود بمنزلة الظلمات والرعد وما فيه من الغنيمة والمنافع بمنزلة البرق فهم قد جعلوا أصابعهم في آذانهم من سماع شدائده وإذا لمع لهم برق غنيمة مشوا فيه وإذا أظلم عليهم بالشدائد قاموا متحيرين، وقيل غير ذلك، وما تقتضيه جزالة التنزيل وتستدعيه فخامة شأنه الجليل غير خفي عليك إذا لمعت بوارق العناية لديك.

ومن البطون تشبيه من ذكر في التشبيه الأول بذوي صيب فيكون قوله تعالى: { كُلَّمَا أَضَاء } الخ إشارة إلى أنهم كلما وجدوا من طاعتهم حلاوة وعرضاً عاجلاً { مَّشَوْاْ فِيهِ } وإذا حبس عليهم طريق الكرامات تركوا الطاعات، وقال الحسين: إذا أضاء لهم مرادهم من الدنيا في الدين أكثروا من تحصيله وإذا أظلم عليهم قاموا متحيرين.

-9-

admin
12-30-2010, 04:32 PM
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-4


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


الأظهر أن تكون جملة: { يجعلون } حالاً اتضح بها المقصود من الهيئة المشبه بها لأنها كانت مجملة، وأما جملة: { يكاد البرق } فيجوز كونها حالاً من ضمير { يجعلون } ، لأن بها كمال إيضاح الهيئة المشبه بها ويجوز كونها استئنافاً لبيان حال الفريق عند البرق نشأ عن بيان حالهم عند الرعد. وجملة: { كلما أضاء لهم مشوا فيه } حال من (البرق) أو من ضمير (أبصارهم) لا غير، وفي هذا تشبيه لجزع المنافقين من آيات الوعيد بما يعتري القائم تحت السماء حين الرعد والبرق والظلمات فهو يخشى استكاك سمعه ويخشى الصواعق حذر الموت ويعشيه البرق حين يلمع بإضاءة شديدة ويعمي عليه الطريق بعد انقطاع لمعانه. وقوله: { كلما أضاء لهم } تمثيل لحال حيرة المنافقين بحال حيرة السائرين في الليل المظلم المرعد المبرق. وقوله: { والله محيط بالكافرين } اعتراض للتذكير بأن المقصود التمثيل لحال المنافقين في كفرهم لا لمجرد التفنن في التمثيل. وقوله: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } رجوع إلى وعيد المنافقين الذين هم المقصود من التمثيل فالضمائر التي في جملة { ولو شاء الله } راجعة إلى أصل الكلام، وتوزيع الضمائر دل عليه السياق. فعبر عن زواجر القرآن بالصواعق وعن انحطاط قلوب المنافقين وهي البصائر عن قرار نور الإيمان فيها بخطف البرق للأبصار، وإلى نحو من هذا يشير كلام ابن عطية نقلاً عن جمهور المفسرين وهو مجاز شائع، يقال فلان يرعد ويبرق، على أن بناءه هنا على المجاز السابق يزيده قبولاً، وعبر عما يحصل للمنافقين من الشك في صحة اعتقادهم بمشي الساري في ظلمة إذا أضاء له البرق، وعن إقلاعهم عن ذلك الشك حين رجوعهم إلى كفرهم بوقوف الماشي عند انقطاع البرق على طريقة التمثيل، وخلل ذلك كله بتهديد لا يناسب إلا المشبهين وهو ما أفاده الاعتراض بقوله: { والله محيط بالكافرين } وقوله: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } فجاء بهذه الجمل الحالية والمستأنفة تنبيهاً على وجه الشبه وتقريراً لقوة مشابهة الزواجر وآيات الهدى والإيمان بالرعد والبرق في حصول أثري النفع والضر عنهما مع تفنن في البلاغة وطرائق الحقيقة والمجاز.

وجعل في «الكشاف» الجمل الثلاث مستأنفاً بعضها عن بعض بأن تكون الأولى استئنافاً عن جملة:

{ أَو كَصَيِّبٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03817\) [البقرة2: 19]

والثانية وهي: { يكاد البرق } مستأنفة عن جملة: { يجعلون } لأن الصواعق تستلزم البرق، والثالثة وهي: { كلما أضاء لهم مشوا } مستأنفة عن قوله: { يكاد البرق } والمعنى عليه ضعيف وهو في بعضها أضعف منه في بعض كما أشرنا إليه آنفاً.

والجعل والأصابع مستعملان في حقيقتهما على قول بعض المفسرين لأن الجعل هو هنا بمعنى النوط، والظرفية لا تقتضي الإحاطة فجعل بعض الإصبع في الأذن هو جعل للإصبع فتمثل بعض علماء البيان بهذه الآية للمجاز الذي علاقته الجزئية تسامح ولذلك عبر عنه صاحب «الكشاف» بقوله هذا من الاتساعات في اللغة التي لا يكاد الحاصر يحصرها كقوله:

-1-

{ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04466) [المائدة5: 6]
{ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04498) [المائدة5: 38]

ومنه قولك مسحت بالمنديل، ودخلت البلد، وقيل ذلك مجاز في الأصابع، وقيل مجاز في الجعل ولمن شاء أن يجعله مجازاً في الظرفية فتكون تبعية لكلمة (في).

و(من) في قوله: { من الصواعق } للتعليل أي لأجل الصواعق إذ الصواعق هي علة جعل الأصابع في الآذان ولا ضير في كون الجعل لاتقائها حتى يقال يلزم تقدير مضاف نحو ترك واتقاء إذ لا داعي إليه، ونظير هذا قولهم سقاه من العيمة (بفتح العين وسكون الياء وهي شهوة اللبن) لأن العيمة سبب السقي والمقصود زوالها إذ المفعول لأجله هو الباعث وجوده على الفعل سواء كان مع ذلك غاية للفعل وهو الغالب أم لم يكن كما هنا.

والصواعق جمع صاعقة وهي نار تندفع من كهربائية الأسحبة كما تقدم آنفاً. وقوله: { حذر الموت } مفعول لأجله وهو هنا علة وغاية معاً.

ومن بديع هذا التمثيل أنه مع ما احتوى عليه من مجموع الهيئة المركبة المشبه بها حال المنافقين حين منازعة الجواذب لنفوسهم من جواذب الاهتداء وترقبها ما يفاض على نفوسهم من قبول دعوة النبي وإرشاده مع جواذب الإصرار على الكفر وذبهم عن أنفسهم أن يعلق بها ذلك الإرشاد حينما يخلون إلى شياطينهم، هو مع ذلك قابل لتفريق التشبيه في مفرداته إلى تشابيه مفردة بأن يشبه كل جزء من مجموع الهيئة المشبهة لجزء من مجموع هيئة قوم أصابهم صيب معه ظلمات ورعد وصواعق لا يطيقون سماع قصفها ويخشون الموت منها وبرق شديد يكاد يذهب بأبصارهم وهم في حيرة بين السير وتركه. وقوله: { والله محيط بالكافرين } اعتراض راجع للمنافقين إذ قد حق عليهم التمثل واتضح منه حالهم فآن أن ينبه على وعيدهم وتهديدهم وفي هذا رجوع إلى أصل الغرض كالرجوع في قوله تعالى

{ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم وَتَرَكَهُم } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03815) [البقرة2: 17]

الخ كما تقدم إلا أنه هنا وقع بطريق الاعتراض.

والإحاطة استعارة للقدرة الكاملة شبهت القدرة التي لا يفوتها المقدور بإحاطة المحيط بالمحاط على طريقة التبعية أو التمثيلية وإن لم يذكر جميع ما يدل على جميع المركب الدال على الهيئة المشبهة بها وقد استعمل هذا الخبر في لازمه وهو أنه لا يفلتهم وأنه يجازيهم على سوء صنعهم.

والخطف الأخذ بسرعة.

و(كلما) كلمة تفيد عموم مدخولها، و(ما) كافة لكل عن الإضافة أوهي مصدرية ظرفية أو نكرة موصوفة فالعموم فيها مستفاد من كلمة (كل). وذكر (كلما) في جانب الإضاءة و(إذا) في جانب الإظلام لدلالة (كلما) على حرصهم على المشي وأنهم يترصدون الإضاءة فلا يفيتون زمناً من أزمان حصولها ليتبينوا الطريق في سيرهم لشدة الظلمة.

و { أضاء } فعل يستعمل قاصراً ومتعدياً باختلاف المعنى كما تقدم في قوله:

-2-

{ فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حَوْلَهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03815) [البقرة2: 17]

وأظلم يستعمل قاصراً كثيراً ويستعمل متعدياً قليلاً. والظاهر أن (أضاء) هنا متعد فمفعول (أضاء) محذوف لدلالة (مشوا) عليه وتقديره الممشى أو الطريق أي أضاء لهم البرق الطريق وكذلك (أظلم) أي وإذا أظلم عليهم البرق الطريق بأن أمسك وميضه فإسناد الإظلام إلى البرق مجاز لأنه تسبب في الإظلام. ومعنى القيام عدم المشي أي الوقوف في الموضع.

وقوله تعالى: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } مفعول (شاء) محذوف لدلالة الجواب عليه وذلك شأن فعل المشيئة والإرادة ونحوهما إذا وقع متصلاً بما يصلح لأن يدل على مفعوله مثل وقوعه صلة لموصول يحتاج إلى خبر نحو ما شاء الله كان أي ما شاء كونه كان ومثل وقوعه شرطاً للو لظهور أن الجواب هو دليل المفعول وكذلك إذا كان في الكلام السابق قبل فعل المشيئة ما يدل على مفعول الفعل نحو قوله تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09745)سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09745)* (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09745) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09746) (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09746)} (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09746) [الأعلى: 6، 7]

قال الشيخ في «دلائل الإعجاز»: إن البلاغة في أن يجاء به كذلك محذوفاً وقد يتفق في بعضه أن يكون إظهار المفعول هو الأحسن وذلك نحو قول الشاعر (هو إسحاق الخريمي مولى بني خريم من شعراء عصر الرشيد يرثي أبا الهيذام الخريمي حفيده ابن ابن عمارة).

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولو شئتُ أن أبكي دماً لبَكيته</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>عليه ولكن ساحةُ الصبر أوسع</TD></TR></TBODY></TABLE>

وسبب حسنه أنه كأنه بدع عجيب أن يشاء الإنسان أن يبكي دماً فلما كان كذلك كان الأولى أن يصرح بذكره ليقرره في نفس السامع الخ كلامه وتبعه صاحب «الكشاف» وزاد عليه أنهم لا يحذفون في الشيء المستغرب إذ قال لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب الخ وهو مؤول بأن مراده أن عدم الحذف حينئذٍ يكون كثيراً. وعندي أن الحذف هو الأصل لأجل الإيجاز فالبليغ تارة يستغني بالجواب فيقصد البيان بعد الإبهام وهذا هو الغالب في كلام العرب، قال طرفة: وإن شئتَ لم ترقل وإن شئت أرقلت، وتارة يبيّن بذكر الشرط أساس الإضمار في الجواب نحو البيت وقوله تعالى:

{ لَو أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06291) [الأنبياء21: 17]

ويحسن ذلك إذا كان في المفعول غرابة فيكون ذكره لابتداء تقريره كما في بيت الخريمي والإيجاز حاصل على كل حال لأن فيه حذفاً إما من الأول أو من الثاني. وقد يوهم كلام أئمة المعاني أن المفعول الغريب يجب ذكره وليس كذلك فقد قال الله تعالى:

{ قَالُوا لَو شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08023) [فصلت41: 14]

فإن إنزال الملائكة أمر غريب قال أبو العلاء المعري.

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وإن شئتَ فازعُم أَنَّ مَن فوقَ ظهرها</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>عبيدُكَ واستشهِد إِلٰهَك يَشْهَدِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

فإن زعم ذلك زعم غريب.

والضمير في قوله: { بسمعهم وأبصارهم } ظاهره أن يعودوا إلى أصحاب الصيب المشبه بحالهم حال المنافقين لأن الإخبار بإمكان إتلاف الأسماع والأبصار يناسب أهل الصيب المشبه بحالهم بمقتضى قوله: { يكاد البرق يخطف أبصارهم } وقوله: { يجعلون أصابعهم في آذانهم } والمقصود أن الرعد والبرق الواقعين في الهيئة المشبه بها هما رعد وبرق بلغا منتهى قوة جنسيهما بحيث لا يمنع قصيف الرعد من إتلاف أسماع سامعيه ولا يمنع وميض البرق من إتلاف أبصار ناظريه إلا مشيئة الله عدم وقوع ذلك لحكمة وفائدة ذكر هذا في الحالة المشبهة بها أن يسري نظيره في الحالة المشبهة وهي حالة المنافقين فهم على وشك انعدام الانتفاع بأسماعهم وأبصارهم انعداماً تاماً من كثرة عنادهم وإعراضهم عن الحق إلا أن الله لم يشأ ذلك استدراجاً لهم وإملاء ليزدادوا إثماً أو تلوماً لهم وإعذاراً لعل منهم من يثوب إلى الهدى وقد صيغ هذا المعنى في هذا الأسلوب لما فيه من التوجيه بالتهديد لهم أن يذهب الله سمعهم وأبصارهم من نفاقهم إن لم يبتدروا الإقلاع عن النفاق وذلك يكون له وقع الرعب في قلوبهم كما وقع لعتبة بن ربيعة لما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم

-3-

{ فَقُل أَنذَرْتُكُم صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08022) [فصلت41: 13].

فليس المقصود من اجتلاب لو في هذا الشرط إفادة ما تقتضيه (لو) من الامتناع لأنه ليس المقصود الإعلام بقدرة الله على ذلك بل المقصود إفادة لازم الامتناع وهو أن توفر أسباب إذهاب البرق والرعد أبصارَهم الواقعين في التمثيل متوفرة وهي كفران النعمة الحاصلة منهما إذ إنما رزقوهما للتبصر في الآيات الكونية وسماع الآيات الشرعية فلما أعرضوا عن الأمرين كانوا أحرياء بسلب النعمة إلا أن الله لم يشأ ذلك إمهالاً لهم وإقامة للحجة عليهم فكانت لو مستعملة مجازاً مرسلاً في مجرد التعليق إظهاراً لتوفر الأسباب لولا وجود المانع على حد قول أُبي بن سُلْمى بن ربيعة من شعراء «الحماسة» يصف فرسه:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولو طَار ذو حافر قبلَها</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>لطارتْ ولكنه لم يطِرْ</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي توفر فيها سبب الطيران، فالمعنى لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم بزيادة ما في البرق والرعد من القوة فيفيد بلوغ الرعد والبرق قرب غاية القوة، ويكون لقوله: { إن الله على كل شيء قدير } موقع عجيب.

وقوله: { إن الله على كل شيء قدير } تذييل، وفيه ترشيح للتوجيه المقصود للتهديد زيادة في تذكيرهم وإبلاغاً لهم وقطعاً لمعذرتهم في الدنيا والآخرة.

-4-

admin
12-30-2010, 04:35 PM
تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }.

أي: يكاد نور القرآن لشدة ضوئه يعمي بصائرهم، كما أن البرق الخاطف الشديد النور يكاد يخطف بصر ناظره، ولا سيما إذا كان البصر ضعيفاً. لأن البصر كلما كان أضعف كان النور أشد إذهاباً له. كما قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>مثل النهار يزيد أبصار الورى</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>نوراً ويعمي أعينَ الخفّاش</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال الآخر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>خفافيش أعماها النهار بضوئه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ووافقها قطع من الليلِ مظلم</TD></TR></TBODY></TABLE>

وبصائر الكفار والمنافقين في غاية الضعف. فشدة ضوء النور تزيدها عمى. وقد صرح تعالى بهذا العمى في قوله:

{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05517) [الرعد13: 19] وقوله:
{ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07470) [فاطر35: 19]

إلى غير ذلك من الآيات.

وقال بعض العلماء: يكاد البرق يخطف أبصارهم أي: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين.

قوله تعالى: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ }.

ضرب الله في هذه الآية المثل للمنافقين بأصحاب هذا المطر إذا أضاء لهم مشوا في ضوئه وإذا أظلم وقفوا، كما أن المنافقين، إذا كان القرآن موافقاً لهواهم ورغبتهم عملوا به، كمناكحتهم للمسلمين وإرثهم لهم، والقسم لهم من غنائم المسلمين، وعصمتهم به من القتل مع كفرهم في الباطن، وإذا كان غير موافق لهواهم، كبذل الأنفس والأموال في الجهاد في سبيل الله المأمور به فيه وقفوا وتأخروا. وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06630)وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06630) وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06631) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06631) [النور24: 48-49].

وقال بعض العلماء: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } أي: إذا أنعم الله عليهم بالمال والعافية قالوا: هذا الدين حق، ما أصابنا منذ تمسكنا به إلا الخير، { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي: وإن أصابهم فقر أو مرض أو ولدت لهم البنات دون الذكور. قالوا: ما أصابنا هذا إلا من شؤم هذا الدين وارتدوا عنه. وهذا الوجه يدل له قوله تعالى:

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06397) [الحج22: 11].

وقال بعض العلماء: إضاءته لهم معرفتهم بعض الحق منه، وإظلامه عليهم ما يعرض لهم من الشك فيه.

admin
12-30-2010, 04:38 PM
تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن البرق الذي هو وقتي وزمنه قليل. هو الذي يسترعي انتباههم. ولو آمنوا لأضاء نور الإيمان والإسلام طريقهم. ولكن قلوبهم مملوءة بظلمات الكفر فلا يرون طريق النور.. والبرق يخطف أبصارهم، أي يأخذها دون إرادتهم. فالخطف يعني أن الذي يخطف لا ينتظر الإذن، والذي يتم الخطف منه لا يملك القدرة على منع الخاطف. والخطف غير الغصب. فالغصب أن تأخذ الشيء برغم صاحبه.

ولكن.. ما الفرق بين الأخذ والخطف والغصب؟. الأخذ أن تطلب الشيء من صاحبه فيعطيه لك. أو تستأذنه. أي تأخذ الشيء بإذن صاحبه. والخطف أن تأخذه دون إرادة صاحبه ودون أن يستطيع منعك.

والغصب أن تأخذ الشيء رغم إرادة صاحبه باستخدام القوة أو غير ذلك بحيث يصبح عاجزا عن منعك من أخذ هذا الشيء.

ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى. إذا دخل طفل على محل للحلوى وخطف قطعة منها، يكون صاحب المحل لا قدرة له على الخاطف لأن الحدث فوق قدرات المخطوف منه، فهو بعيد وغير متوقع للشيء، فلا يستطيع منع الخطف.. أما الغصب فهو أن يكون صاحب المحل متنبها ولكنه لا يملك القدرة على منع ما يحدث، وإذا حاول أن يقاوم.. فإن الذي سيأخذ الشيء بالرغم عنه لابد أن يكون أقوى منه. أي أن قوة المُغْتَصِب، تكون أقوى من المُغْتَصَب منه.

وقوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }.

لابد أن نتنبه إلى قوله تعالى " يكاد " أي يكاد أو يقترب البرق من أن يخطف أبصارهم. وليس للإنسان القدرة أن يمنع هذا البرق من أن يأخذ انتباه البصر.

وقوله تعالى { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ }.

أي أنهم يمشون على قدر النور الدنيوي. الذي يعطيه لهم البرق. فلا نور في قلوبهم. ولذلك إذا أظلم عليهم توقفوا، لأنه لا نور لهم.

وقوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ }.

يدعي بعض المستشرقين أن ذلك يتعارض مع الآية الكريمة التي تقول { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } كيف يكونون صما بكما عميا.. أي أن منافذ الإدراك عندهم لا تعمل، ونحن هنا نتحدث عن العمى الإيماني، ثم يقول تبارك وتعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } مع أنهم صم وبكم وعمي؟..

نقول أن قول الحق سبحانه وتعالى: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } أي لا يرون آيات الله ويقين الإيمان، ولا يسمعون آيات القرآن ويعقلونها.. إذن فوسائل إدراكهم للمعنويات تتعطل. ولكن وسائل إدراكهم بالنسبة للمحسات تبقى كما هي. فالمنافق الذي لا يؤمن بيوم القيامة، لا يرى ذلك العذاب الذي ينتظره في الآخرة.

ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن يذهب بسمعهم وأبصارهم.

-1-

بالنسبة للأشياء المحسة. لاستطاع لأنه قادر على كل شيء، ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك. حتى لا يأتوا مجادلين في الآخرة، من أنهم لو كان لهم بصر لرأوا آيات الله. ولو كان لهم سمع لتدبروا القرآن. فأبقى الله لهم أبصارهم وأسماعهم. لتكون حجة عليهم، بأن لهم بصرا ولكنهم انصرفوا عن آيات الله إلى الأشياء التي تأتيهم بفائدة عاجلة في الدنيا مهما جاءت بغضب الله. وأن لهم سمعا يسمعون به كل شيء من خطط المؤامرات على الإسلام. وضرب الإيمان وغير ذلك. فإذا تليت عليهم آيات الله فأنهم لا يسمعونها. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى:

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08352) [محمد47: 16]

أي أنهم يسمعون ولا يعقلون ولا يدخل النور إلى قلوبهم، فكأنهم صم عن آيات الله لا يسمعونها.

والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا مثل المنافقين بأنهم لا يلتفتون إلى القيم الحقيقية في الحياة. ولكنهم يأخذون ظاهرها فقط. يريدون النفع العاجل، وظلمات قلوبهم. لا تجعلهم يرون نور الإيمان. وإنما يبهرهم بريق الدنيا مع أنه زائل ووقتي. فيخطف أبصارهم. ولأنه لا نور في قلوبهم، فإذا ذهبت عنهم الدنيا، تحيط بهم الظلمات من كل مكان لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. مع أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم، لأنهم لا يستخدمونها الاستخدام الإيماني المطلوب. والمفروض أن وسائل الإدراك هذه. تزيدنا إيمانا.. ولكن هؤلاء لا يرون إلا متاع الدنيا. ولا يسمعون إلا وسوسة الشيطان، فالمهمة الإيمانية لوسائل الإدراك توقفت، وكأن هذه الوسائل غير موجودة.

-2-

admin
12-30-2010, 04:42 PM
تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03819) } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03821) } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03822) } * { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03823) }


{ يكاد البرقُ يخطف أبصارهم } هذا تمثيلٌ آخر، يقول: يكاد ما في القرآن من الحجج يخطف قلوبهم من شدَّة إزعاجها إلى النَّظر في أمر دينهم { كلما أضاءَ لهم مشوا فيه }: كُلَّما سمعوا شيئاً ممَّا يُحبّون صدَّقوا، وإذا سمعوا ما يكرهون وقفوا، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ: { وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } أَيْ: بأسماعهم الظَّاهرة، وأبصارهم الظَّاهرة، كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة حتى صاروا صُمَّاً عُمياً، فليحذروا عاجل عقوبة الله سبحانه وآجلها، فـ { إنَّ الله على كل شيء قديرٌ } من ذلك.

{ يا أيُّها النَّاس } يعني: أهل مكَّة { اعبدوا ربَّكم }: اخضعوا له بالطَّاعة { الذي خلقكم }: ابتدأكم ولم تكونوا شيئاً { والذين من قبلكم } [آباءكم] [وخلق الذين من قبلكم]. أي: إنَّ عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوق وهو الصَّنم { لعلَّكم تتقون } لكي تتقوا بعبادته عقوبته أن تحلَّ بكم.

{ الذي جعل لكم الأرض فراشاً } بساطاً، لم يجعلها حَزْنةً غليظةً لا يمكن الاستقرار عليها { والسماء بناءً } سقفاً { وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات } يعني: حمل الأشجار جميع ما ينتفع به ممَّا يخرج من الأرض { فلا تجعلوا لله أنداداً }: أمثالاً من الأصنام التي تعبدونها { وأنتم تعلمون } أنَّهم لا يخلقون، والله هو الخالق، وهذا احتجاجٌ عليهم في إثبات التَّوحيد، ثمَّ احتجَّ عليهم في إثبات نبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم به، فقال:

{ وإنْ كنتم في ريب مما نزلنا } [أي: وإن كنتم] في شكٍّ من صدق هذا الكتاب الذي أنزلناه على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقلتم: لا ندري هل هو من عند الله أم لا { فأتوا بسورة } من مثل هذا القرآن في الإِعجاز، وحسن النَّظم، والإِخبار عمَّا كان وما يكون، { وادعوا شهداءكم } واستعينوا بآلهتكم التي تدعونها { من دون الله إن كنتم صادقين } أنَّ محمداً تقوَّله من نفسه.

{ فإنْ لم تفعلوا } هذا فيما مضى، { ولن تفعلوا } هُ أيضاً فيما يُستقبل أبداً { فاتقوا } فاحذروا أن تصلوا { النَّار التي وقودها } ما يُوقد به { الناسُ والحجارة } يعني حجارة الكبريت، وهي أشدُّ لاتِّقادها { أعدَّت } [خُلقت وهُيِّئت] جزاءً { للكافرين } بتكذيبهم، ثمَّ ذكر جزاء المؤمنين فقال:

{ وبشِّر الذين آمنوا } أَيْ: أخبرهم خبراً يظهر به أثر السُّرور على بشرتهم { وعملوا الصالحات } أَي: الأعمال الصَّالحات، يعني الطَّاعات فيما بينهم وبين ربِّهم { أنَّ لهم }: بأنَّ لهم { جناتٍ }: حدائق ذات الشِّجر { تجري من تحتها } من تحت أشجارها ومساكنها { الأنهار } { كلما رزقوا }: أُطعموا من تلك الجنَّات ثمرةً { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } لتشابه منا يُؤتون به، وأرادوا: هذا من نوع ما رُزقنا من قبل { وأتوا به متشابهاً } في اللَّون والصُّورة، مختلفاً في الطَّعم، وذلك أبلغ في باب الإِعجاب { ولهم فيها أزواجٌ }: من الحور العين والآدميات { مطهرةٌ } عن كلِّ أذىً وقذرٍ ممَّا في نساء الدُّنيا، ومن مساوىء الأخلاق، وآفات الشَّيب والهرم { وهم فيها خالدون } لأنَّ تمام النِّعمة بالخلود.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 04:43 PM
تفسير أيسر التفاسير/ أسعد حومد مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ أَبْصَارَهُمْ } { وَأَبْصَارِهِمْ }

(20) - يَكَادُ بَرْقُ الإِيمَان يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ لِشِدَّةِ ضَوْئِهِ، فَكُلَّما ظَهَرَ لَهُمْ شَيءٌ مِنَ الإِيمَانِ، اسْتَأْنَسُوا بِهِ واتَّبَعُوهُ، ثُمَّ تَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ فَتُظْلِمُ نُفُوسُهُمْ، وَيَقِفُونَ حَائِرِينَ مُتَرَدِّدِينَ. وَكَذَلِكَ يَكُونُ حَالُ المُنَافِقِينَ مُتَفَاوِتينَ فِي الدَّرَجَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَلَو شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ، لِمَا تَرَكُوا مِنَ الحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَاللهُ وَاسِعُ القُدْرَةِ، إِذا أَرَادَ شَيئاً فَعَلَهُ، ولا يُعْجِزُهُ شيءٌ أَبَداًً فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ.

قَامَ - وَقَفَ في مَكَانِهِ.

أَظْلَمَ عَلَيهِمْ - خَفِيَ عَلَيهِم البَرْقُ وَاسْتَتَرَ.

يَخْطَفُ - يَذْهَبُ بِهَا بِسُرْعَةٍ.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-30-2010, 04:45 PM
تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق 1-4



{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }: " يكادُ " مضارع كَادَ، وهي لمقاربةِ الفعل، تعملُ عمل " كانَ " ، إلاَّ أنَّ خَبَرها لا يكونُ إلا مضارعاً، وشَذَّ مجيئُه اسماً صريحاً، قال:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>241ـ فَأُبْتُ إلى فَهْمٍ وما كِدْتُ آيباً</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>وكم مثلِها فارَقْتُها وهي تَصْفِرُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

والأكثرُ في خبرِها تجرُّدُهُ من " أنْ " عَكَسَ " عسى " ، وقد شَذَّ اقترانُهُ بها، وقال رؤبة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>242ـ قد كادَ مِنْ طولِ البلى أن يَمْحَصا</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

لأنها لمقاربةِ الفعلِ، و " أَنْ " تُخَلِّصُ للاستقبال، فَتَنَافَا. واعلم أنَّ خَبَرَها ـ إذا كانَتْ ـ هي مثبتةً- منفيٌّ في المعنى لأنها للمقاربة، فإذا قلت: " كاد زيدٌ يفعلُ " كان معناه قارَبَ الفعلَ، إلا أنه لم يَفْعَل، فإذا نُفِيَتْ انتفَى خبرُها بطريقِ الأَوْلى، لأنه إذا انْتَفَتْ مقاربةُ الفعل/ انتفى هو من باب أَوْلَى ولهذا كانَ قَولُه تعالى:

{ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06622) [النور24: 40]

أبلغَ مِنْ أَنْ لو قيل: لم يَرَها، لأنه لم يقارِبِ الرؤيةَ فكيف له بها؟ وزعم جماعةٌ منهم ابن جني وأبو البقاء وابنُ عطية أنَّ نفيَها إثباتُ وإثباتَها نفيٌ، حتى أَلْغَزَ بعضُهم فيها فقال:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>243ـ أَنَحْوِيَّ هذا العصرِ ما هي لفظةٌ</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>جَرَتْ في لِسانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُودِ</TD></TR></TBODY></TABLE>
<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>إذا نُفِيَتْ - والله أعلمُ - أُثْبِتَتْ</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>وإِنْ أُثْبِتَتْ قامَتْ مَقَامَ جُحُودِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وَحَكَوْا عن ذي الرمة أنه لمَّا أَنْشَدَ قولَه:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>244ـ إذا غَيَّر النأيُ المحِبِّينَ لم يَكَدْ</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>رسيسُ الهوى من حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

عِيْبَ عليه لأنه قال: لَمْ يَكَدْ يَبْرَحُ فيكون قد بَرِحَ، فغيَّره إلى قوله: " لم يَزَلْ " أو ما هو بمعناه، والذي غَرَّ هؤلاء قولُهُ تعالى:

{ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03869) [البقرة2: 71]

قالوا: فهي هنا منفيَّةٌ وخبرُها مُثْبَتٌ في المعنى، لأن الذبْحَ وقع لقوله: " فَذَبَحُوها ". والجوابُ عن هذهِ الآية من وَجْهَين، أحدُهما: أنه يُحْمَلُ على اختلافِ وَقْتَيْنِ، أي: ذَبَحوها في وقتٍ، وما كادوا يفعلونَ في وقتٍ آخرَ، والثاني: أنه عَبَّر بنفيِ مقاربةِ الفعل عن شدَّةِ تعنُّتِهِمْ وعُسْرِهِم في الفعلِ.

وأمَّا ما حَكَوْهُ عن ذي الرُّمَّة فقد غلَّط الجمهورُ ذا الرُّمة في رجوعِهِ عن قولِهِ، وقالوا: هو أَبْلَغُ وأحسنُ مِمَّا غَيَّره إليه.

واعلم أَنَّ خَبَرَ " كاد " وأخواتِها ـ غيرَ عسى ـ لا يكون فاعلُه إلا ضميراً عائداً على اسمها، لأنها للمقارَبَةِ أو للشروع بخلافِ عسى، فإنها للترجِّي، تقول: " عسى زيدٌ أن يقومَ أبوه " ، ولا يجوز ذلك في غيرها، فأمَّا قولُه:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>245ـ وَقَفْتُ على رَبْعٍ لِميَّةَ ناقتي</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>فما زِلْتُ أبكي عندَهُ وأُخَاطِبُهْ</TD></TR></TBODY></TABLE>
<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وَأَسْقِيهِ حتى كَادَ مِمَّا أَبُثُّه</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُه ومَلاعِبُهْ</TD></TR></TBODY></TABLE>

فأتى بالفاعلِ ظاهراً فقد حَمَلَه بعضُهم على الشذوذِ، وينبغي أن يُقال: إنما جاز ذلك لأن الأحجارَ والملاعب هي عبارةٌ عن الرَّبْع، فهي هو، فكأنه قيل: حتى كاد يكلِّمني، ولكنه عَبَّر عنه بمجموع أجزائه، وقولُ الأخر:

-1-

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>246ـ وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُني</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>ثَوْبي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشاربِ السَّكِرِ</TD></TR></TBODY></TABLE>
<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وكنتُ أمشي على رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلاً</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>فَصِرْتُ أمشي على أخرى من الشجر</TD></TR></TBODY></TABLE>

فأتى بفاعل [خبر] جَعل ظاهراً، فقد أُجيب عنه بوجهين: أحدُهما: أنه على حَذْفِ مضافٍ تقديره: وقد جَعَل ثوبي إذا ما قمت يُثْقلني. والثاني: أنه من باب إقامةِ السببِ مُقامَ المُسَبَّبِ، فإنَّ نهوضَه كذا متسبِّبٌ عن إثقالِ ثوبِه إياه، والمعنى: وقد جَعَلْتُ أَنْهَضُ نَهْضَ الشارب الثملِ لإِثقالِ ثوبي إياي.

ووزن كاد كَودِ بكسر العين، وهي من ذواتِ الواو، كخاف يَخاف، وفيها لغةٌ أخرى: فتحُ عينها، فعلى هذه اللغةِ تُضَمُّ فاؤُها إذا أُسْنِدَتْ إلى تاء المتكلم وأخواتِها، فتقولُ: كُدْت وكُدْنا مثل: قُلْت وقُلْنا، وقد تُنْقَلُ كسرةُ عينها إلى فائِها مع الإِسناد إلى ظاهر، كقوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>247ـ وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأكُلْنَ جُثَّتي</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>وكِيدِ خِراشٌ عند ذلك يَيْتَمُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

ولا يجوز زيادتُها خلافاً للأخفشِ، وسيأتي هذا كلُه في " كاد " الناقصة، أمَّا " كاد " التامة بمعنى مَكَر فإنها فَعَل بفتح العين من ذواتِ الياء، بدليل قوله:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09737)إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09737) وَأَكِيدُ كَيْداً (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09738) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09738) [الطارق: 15 - 16].

و " البرق " اسمها، و " يخَطف " خبرُها، ويقال: خَطِف يَخْطَفُ بكسر عين الماضي وفتح المضارع، وخَطَف يخطِف، عكسُ اللغة الأولى، وفيه قراءاتٌ كثيرة، المشهورُ منها الأولى. الثانية: يَخْطِف بكسر الطاء. الثالثة يَخَطَّفُ بفتح الياء والخاء والطاء مع تشديدِ الطاء، والأصل: يَخْتَطِفُ، فَأُبْدلت تاءُ الافتعال طاءً للإِدغام، الرابعة: كذلك إلا أنَّه بكسر الخاء إتباعاً لكسرة الطاء. السادسة: كذلك إلا أنه بكسر الياء أيضاً إتباعاً للخاء، السابعة: يَخْتَطِف على الأصل. الثامنة: يَخْطِّف بفتح الياء وسكونِ الخاء وتشديد الطاء، وهي رديئةٌ لتأديتها غلى التقاء ساكنين. التاسعة: بضم الياء وفتح الخاء وتشديدِ الطاء مكسورةً، والتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية. العاشرة: يَتَخَطَّف.

والخَطْفُ: أَخْذُ شيءٍ بسرعة، وهذه الجملةُ - أعني قولَه: يكاد البرق يَخْطَف - لا محلَّ لَها، لأنها استئنافٌ، كأنه قيل: كيف يكونُ حالُهم مع ذلك البرقِ؟ فقيل: يكاد يَخْطَف، ويحتمل أن يكون في محلِّ جر صفةً لذوي المحذوفة، التقدير: أو كذوي صيبٍ كائدٍ البرقُ يَخْطَف.

قوله تعالى:/ { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ }: " كل " نَصْبٌ على الظرفية، لأنها أُضيفت إلى " ما " الظرفية، والعاملُ فيها جوابُها، وهو " مَشَوا ". وقيل: " ما " نكرةٌ موصوفةٌ، ومعناها الوقتُ أيضاً، والعائدُ محذوفٌ، تقديرُه: كلَّ وقتٍ أضاءَ لهم فيه، فأضاءَ على الأول لا محلَّ له لكونِه صلةً، ومحلُّه الجرُّ على الثاني. و " أضاء " يجوز أن يكون لازماً. وقال المبرد: " هو متعدٍّ ومفعولُه محذوفٌ " ، أي: أضاء لهم البرقُ الطريقَ، فالهاء في " فيه " تعودُ على البرق في قولِ الجمهور، وعلى الطريقِ المحذوفِ في قول المبرد.

-2-

و " فيه " متعلِّق بمَشَوا، و " في " على بابها أي: إنه محيطٌ بهم: وقيل: هي بمعنى الباء، ولا بدَّ من حذف على القَوْلين، أي: مَشَوا في ضوئِه أي بضوئِه، ولا محلَّ لجملةِ قولهِ " مَشَوا " لأنها مستأنفةٌ.

واعلم أنَّ " كُلاًّ " من ألفاظِ العموم، وهو اسمُ جمعٍ لازمٌ للإِضافة، وقد يُحْذَفُ ما يضاف إليه، وهل تنوينُه حينئذٍ تنوينُ عوضٍ أو تنوينُ صَرْفٍ؟ قولان. والمضافُ إليه " كل " إن كانَ معرفةً وحُذِفَ بقيتْ على تعريفها، فلهذا انتصَبَ عنها الحالُ، ولا يَدْخُلها الألفُ واللامُ، وإن وقع ذلك في عبارةِ بعضِهم، وربما انتَصَبَتْ حالاً، وأصلُها أن تُسْتَعْمَل توكيداً كأجمعَ، والأحسنُ استعمالُها مبتدأً، وليس كونُها مفعولاً بها مقصوراً على السماعِ، ولا مختصاً بالشعر خلافاً لزاعم ذلك. وإذا أُضيفت إلى نكرةٍ أو معرفةٍ بلامِ الجنسِ حَسُنَ أن تَلِي العواملَ اللفظيةَ، وإذا أُضيفت إلى نكرةٍ تعيُّنَ اعتبارُ تلك النكرة فيما لها من ضميرٍ وغيره، تقول: كلُّ رجال أتَوْكَ فأكرِمْهم، ولا يجوزُ أن يُراعَىٰ لفظ " كل " فتقول: كلُّ رجال أتاكَ فأكرمه، و [تقول:] كلُّ رجلٍ أتاك فأكرمه، ولا تقول: أَتَوْك فأكرِمْهم، اعتباراً بالمعنى، فأما قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>248ـ جادَتْ عليه كلُّ عَيْن ثَرَّةٍ</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>فتركْنَ كلَّ حدَيقةٍ كالدرهم</TD></TR></TBODY></TABLE>

فراعى المعنى فهو شاذٌّ لا يُقاس عليه، وإذا أُضيفَتْ إلى معرفةٍ فوجهانِ، سواءً كانت الإِضافة لفظاً نحو:

{ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06136) [مريم19: 95]

فراعى لفظَ كل، أو معنىً نحو:

{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07171) [العنكبوت29: 40]

فراعىٰ لفظَها، وقال:

{ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07037) [النمل27: 87]،

فراعىٰ المعنىٰ، وقولُ بعضهم: إن " كُلَّما " تفيدُ التكرارَ، ليس ذلك من وَضْعها، فإنك إذا قُلْتَ: " كلما جِئْتَني أَكْرَمْتُك " كان المعنى: أُكْرِمُكَ في كلِّ فردٍ فردٍ من جَيئاتِكَ إليَّ.

وقُرئ " ضاء " ثلاثياً، وهي تَدُلُّ على أنَّ الرباعيَّ لازمٌ. وقرئ: " وإذا أُظْلِم " مبنياً للمفعول، وجَعَلَه الزمخشريُّ دالاَّ على أنَّ أَظْلَمَ متعدٍ، واستأنَسَ أيضاً بقول حبيب:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>249ـ هما أَظْلما حالَيَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَا</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>ظَلامَيْهِما عن وجهِ أَمْرَدَ أَشْيَبِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

ولا دليلَ في الآيةِ لاحتمالِ أن أصلَه: وإذا أَظْلم الليلُ عليهم، فلمَّا بُنِي للمفعولِ حُذِف " الليل " وقام " عليهم " مَقَامَه، وأمَّا حبيبٌ فمُوَلِّدٌ.

وإنما صُدِّرت الجملةُ الأولى بكلما، والثانيةُ بإذا، قال الزمخشري: " لأنهم حِراصٌ على وجودِ ما هَمُّهم به معقودٌ من إمكان المشي وتأتِّيه، فكُلَّما صادفوا منه فرصةً انتهزوها، وليسَ كذلك التوقُّفُ والتحبُّسُ " وهذا الذي قاله هو الظاهرُ، إلاَّ أنَّ مِن النحويين مَنْ جعلَ أنَّ " إذا " تُفيد التكرار أيضاً، وأنشد:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>250ـ إذا وَجَدْتُ أُوارَ الحُبِّ في كَبْدِي</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>أَقْبَلْتُ نحو سِقاءِ القومِ أَبْتَرِدُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

قال: " معناها معنى كلما ".

قوله تعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } " لو " حرفٌ لِما كان سيقع لوقوع غيره، هذه عبارةُ سيبويه، وهي أَوْلى من عبارة غيره:/ حرفُ امتناع لامتناع لِصحّةِ العبارة الأولى في نحو قوله تعالى:

-3-

{ لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06040) [الكهف18: 109]،

وفي قوله عليه السلام: " نِعْمَ العبدُ صُهَيْبٌ لو لم يَخَفِ اللهَ لم يُعْصِه " ، وعدم صحةِ الثانية في ذلك كما سيأتي محرِّراً، ولفسادِ نحو قولهم: " لو كان إنساناً لكان حيواناً " إذ لا يلزم مِنْ امتناعِ الإِنسانِ امتناعُ الحيوان، ولا يُجْزَمُ بها خلافاً لقوم، فأمَّا قولُه:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>251ـ لو يَشَأْ طارَ به ذو مَيْعَةٍ</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>لاحِقُ الآطالِ نَهْدٌ ذو خُصَلْ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقول الآخر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>252ـ تامَتْ فؤادَك لو يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْ</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>إحدى نساءِ بني ذُهْلِ بنِ شَيْبَانا</TD></TR></TBODY></TABLE>

فمِنْ تسكينِ المحرَّكِ ضرورةً، وأكثر ما تكونُ شرطاً في الماضي، وقد تأتي بمعنى إنْ كقوله تعالى:

{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04293) [النساء4: 9] وقولِه:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>253ـ ولَوْ أَنَّ ليلى الأخيليَّةَ سَلَّمَتْ</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>عليَّ ودوني جَنْدَلٌ وصَفائِحُ</TD></TR></TBODY></TABLE>
<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>لسَلَّمْتُ تسليمَ البشاشةِ أَوْزَقَا</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>إليها صَدَىً مِنْ جانبِ القبرِ صائحُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

ولا تكونُ مصدريةً على الصحيح، وقد تُشَرَّبُ معنى التمني فَتَنْصِبُ المضارعَ بعد الفاء جواباً لها نحو:

{ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06825) [الشعراء26: 102]،

وسيأتي تحريرُه في مَوْضِعِه.

و " شاء " أصلُه: شَيِئَ علَى فَعِلَ بكسر العين، وإنما قُلِبت الياءُ ألفاً للقاعدةِ المُمَهَّدةِ. ومفعولُه محذوفٌ تقديرُه: ولو شاء الله إذهابَ، وكَثُر حَذْفُ مفعولِه ومفعولِ " أراد " حتى لا يَكاد يُنْطَق به إلاَّ في الشيءِ المستغرَبِ كقولِه:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>254ـ ولو شِئْتُ أن أبكي دَماً لبكَيتُه</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>عليهِ ولكنْ ساحةُ الصبرِ أَوْسَعُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

قال تعالى:

{ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07853) [الزمر71: 4].

واللامُ في " ذهب " جوابُ لو. واعلم أنَّ جوابَها يَكْثُر دخولُ اللامِ عليه مثبتاً، وقد تُحْذَفُ، قال تعالى:

{ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08840) [الواقعة56: 70]،

ويَقِلُّ دخولُها عليه منفيَّاً بـ " ما " ، ويَمْتَنِعُ دخولُها عليه منفيَّاً بغير " ما " نحو: لو قُمْتَ لم أَقُمْ، لِتوالِي لامين فيثقلُ، وقد يُحْذَفُ كقوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>255ـ لا يُلْفِكَ الراجُوك إلا مُظْهِراً</TD><TD class=TextArabic></TD><TD class=TextArabic>خُلُقَ الكرامِ ولو تكونُ عَدِيماً</TD></TR></TBODY></TABLE>

و " بسَمْعِهم " متعلِّقٌ بذَهَب. وقُرِئَ: " لأَذْهَبَ " فتكونُ الباءُ زائدةً، أو يكونُ فَعَل وأَفْعَل بمعنىً، ونحوهُ:

{ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06484) [المؤمنون23: 20].

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } هذه جملةُ مؤكِّدةٌ لمعنى ما قبلَها، و " على كل شيء " متعلِّقٌ بقدير، وهو فَعِيل بمعنى فاعِل مشتقٌ من القُدْرَة وهي القُوة والاستطاعةُ، وفعلُها قَدَر بفتح العين، وله ثلاثةَ عشَرٍ مصدراً: قدرة بتثليث القاف، ومَقْدرة بتثليث الدال، وقَدْرَاً وقَدَراً وقُدَراً وقَداراً وقُدْراناً ومَقْدِراً ومَقْدَراً. وقدير أَبْلَغُ مِن قادر قاله الزجاج، وقِيل: هما بمعنى، قاله الهروي. والشيءُ: ما صَحُّ أن يُعْلَمَ من وجه، ويُخْبَرَ عنه، وهو في الأصل مصدرُ شاء يشاء/، وهل يُطْلق على المعدومِ والمستحيل؟ خلافٌ مشهور.

-4-

admin
12-31-2010, 07:23 PM
تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } إن رجع الضمير إلى أصحاب المطر وهم الذين شبه بهم المنافقين: فهو بيِّنٌ في المعنى، وإن رجع إلى المنافقين: فهو تشبيه بمن أصابه البرق على وجهين: أحدهما: تكاد براهين القرآن تلوح لهم كما يضيء البرق، وهذا مناسب لتمثيل البراهين بالبرق حسبما تقدم، والآخر: يكاد زجر القرآن ووعيده يأخذهم كما يكاد البرق يخطف أبصار أصحاب المطر المشبه بهم { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم يمشون بضوء البرق إذا لاح لهم، وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه يلوح لهم من الحق ما يقربون به من الإيمان { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم إذا زال عنهم الضوء وقفوا متحيرين لا يعرفون الطريق، وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه إذا ذهب عنهم ما لاح من الإيمان: ثبتوا على كفرهم، وقيل: إن المعنى كلما صلحت أحوالهم في الدنيا قالوا هذا دين مبارك؛ فهذا مثل الضوء، وإذا أصابتهم شدّة أو مصيبة عابوا الدين وسخطوا: فهذا مثل الظلمة، فإن قيل: لم قال مع الإضاءة كلما، ومع الظلام إذا؟ فالجواب: أنهم لما كانوا حراصاً على المشي ذكر معه كلما، لأنها تقتضي التكرار والكثرة { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } الآية: إن رجع إلى أصحاب المطر: فالمعنى لو شاء الله لأذهب سمعهم بالرعد وأبصارهم بالبرق، وإن رجع إلى المنافقين: فالمعنى لو شاء الله لأوقع بهم العذاب والفضيحة، وجاءت العبارة عن ذلك بإذهاب سمعهم وأبصارهم، والباء للتعدية كما هي في قوله تعالى:

{ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03815) [البقرة2: 17].


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-31-2010, 07:33 PM
تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله عَزَّ وَجَلَّ: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ }؛ أي يختلِسُ أبصارَ المسافرين من شدَّة ضوئهِ؛ كذلكَ البيانُ من القُرْآنِ يكادُ يذهبُ بأبصارِ المنافقين؛ فيأخذُهم إلى اللهِ لَمَّا قَلَبُوا الدينَ. ومعنى { يَكَادُ } أي يقربُ من ذلك ولَم يفعل. وقرأ ابن أبي إسحاقَ: (يَخَطَّفُ) بنصب الخاء وتشديدِ الطاء؛ أي يَخْتَطِفُ؛ فَأُدْغِمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ }؛ أي كلَّما أضاءَ البرقُ للمسافرين مَشَوا في ضوئهِ، { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } ، بَقَوا في ظلمةِ القبرِ. وفي مصحف عبدِالله: (مَضَواْ فِيْهِ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ }. أي لذهبَ بسَمعِ المسافرين بالرعدِ وأبصارهم بالبرقِ؛ كذلك لو شاءَ الله لذهبَ بسمعِ المنافقين وأبصارهم بزجرِ القُرْآنِ ووعدهِ ووعيده والبيان الذي فيه وجعلَهم صُمّاً وعُمياً في الحقيقةِ عقوبةً لَهم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }؛ أي مِن إذهاب السَّمعِ والبَصَرِ.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
12-31-2010, 07:36 PM
تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى 1-2


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ }.

هو مثل لما أظهروا من الإيمان الذي حقن دماءهم ومنع من أموالهم. { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ }: أي ثبتوا على ما أبطنوا من كفرهم.

وقال ابن مسعود: " كان رجلان من المنافقين هربا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله، واشتد عليهم البرق والصواعق وأيقنا بالهلاك، فقالا: ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمداً صلى الله عليه وسلم، نضع بأيدينا في يده، فأصبحا فأتياه، وحسن إسلامَهُما. فضرب الله شأنهما وما نزل بهما مثلاً للمنافقين الذين كانوا بالمدينة. وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقاً مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فيهم من نفي أو قتل كما فعل الرجلان خوفاً من صوت الصواعق ".

ودل على ذلك قوله تعالى:

{ يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05090) [التوبة9: 64].

وعن ابن مسعود أيضاً في الآية أن قوله: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } معناه: إذا كثرت أموالهم وغنموا ودامت سلامتهم قالوا: إن دين محمد صلى الله عليه وسلم دين صدق وتمادوا على إظهار الإيمان وهو قوله: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } أي تمادَوْا على حالهم، فإذا أحربوا وهلكت أموالهم، قالوا: هذا من أجل دين محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي رجعوا إلى كفرهم ونفاقهم.

وقال الحسن: " معنى المثل الأول في قوله: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } أنه تعالى مثل المنافقين كمثل رجل يمشي في ليلة مظلمة وفي يده شعلة من نار فهو يبصر بها موضع قدميه، فبينا هو كذلك أحوج ما كان إلى الضياء طُفئت ناره / فلم يبصر كيف يمشي. وإن المنافق تكلم بـ " لا إله إلا الله " فناكح بها المسلمين وحقن دمه وأحرز ماله. فلما كان عند الموت والحاجة / إليها سلبه الله إياها إذ لم تكن حقيقة، فبقي لا شيء معه كما بقي ذلك الرجل في ظلمة لا ضوء معه ".

وقيل: هي مثل في اليهود إذ في كتابهم ذكر محمد [عليه السلام] وصفته، فرأوه وعلموه فلم ينفعهم ذلك وكفروا به على علم منهم أنه نبي حق ".

وعلى أن الأمثال ضربها الله في المنافقين أكثر أهل التفسير.

قال الربيع بن أنس: معنى ذلك مثلهم كمثل قوم صاروا في ليلة مظلمة فيها رعد ومطر وبرق على جادة ظلماء، فإذا [أبرق أبصروا] ومشوا، / وإذا أظلم تحيروا وشكوا في الجادة. وكذلك المنافق؛ إذا تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له الأمر، وإذا شك تحيَّر وانتكس فصار في ظلمة من أمره ".

-1-

قوله: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ } الآية.

خص الله جل ذكره ذكر السمع والبصر [لتقدم ذكرهما] قبل ذلك، ووحَّد السمع لأنه مصدر يدل على القليل والكثير من جنسه.

وقيل: معنى الآية: " لو شاء الله لأطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على نفاقهم وكفرهم فيستحلَّ دماءهم وأموالهم وأولادهم، وفيه تهديد ووعيد.

واختلف في البرق؛ فروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: " هو مخاريق الملائكة ".

وعنه أنه قال: " يحدث من ضرب الملك السحاب بمخراق من حديد "

وقال " الرعد صوت الملك ".

وعن ابن عباس: " أن البرق سوط من نور يزجي به الملك السحاب " يريد أن البرق نور السوط إذا ضرب به.

وقال مجاهد: " البرق مصع الملك " والمصع الضرب، والمصاع عند العرب المجالدة بالسيوف والمخاريق السياط، واحدها مخراق وهو السوط.

وروى مجاهد عن ابن عباس " أن البرق ملك يتراءى ".

وفي يَخْطَفُ " أوجه وقراءات أفصحها " يخطف " بفتح الطاء مخففاً. ولغة أخرى بكسر الطاء مخففاً، وبه قرأ علي بن الحسين وابن وثاب، فدل ذلك على أنه يقال: خَطَفَ، يَخْطَفُ، وَخَطِفَ يَخْطِف لغتان فيه.

- ووجه ثالث: قرأ به الحسين وقتادة وعاصم الجحدري وهو كسر الخاء والطاء والتشديد، وأصله، " يَخِطِّفُ " ، فأدغم التاء في الطاء بعد أن أسكنها وكسر الخاء لالتقاء الساكنين.

- ووجه رابع: وهو فتح الخاء وكسر الطاء مشدداً وأصله أيضاً " يَخْتَطِفُ " ، ثم ألقى حركة التاء [على الخاء]، وأدغم التاء في الطاء، وهو مروي أيضاً / عن الحسن.

وحكى الفراء إسكان الخاء، والتشديد عن بعض أهل المدينة. كأنه أدغم التاء في الطاء، وترك الخاء على سكونها في " يختطف " ، وهو بعيد، لأنه جمع بين ساكنين ليس أحدهما حرف لين.

- ووجه سادس: ذكره الأخفش والكسائي والفراء، وهو كسر الياء والخاء والتشديد، وهو كالوجه الثالث إلا أنه كسر الياء للاتباع.

- ووجه سابع: قرأ به أُبَيٌّ، وهو " يَتَخَطَّفُ " على " يَتَفَعَّلُ " مثل " يَتَغَسَّلُ ".

ومعنى يخطف يأخذ بسرعة.

وفي " أضاء " لغتان: ضاء وأضاء بمعنى حكاهما الفراء.

-2-