المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البقرة 002 - آية 021 - يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّك


admin
05-23-2010, 11:58 AM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مرحبا بكم معنا في المسجد الأقصى المبارك
سورة 002 - البقرة - آية رقم 021
<EMBED style="WIDTH: 512px; HEIGHT: 42px" type=audio/x-ms-wma src=http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ayat-sound/002021.wma en-us>



<CENTER><TABLE style="WIDTH: 559px; HEIGHT: 247px" id=table2 border=4 cellSpacing=6 cellPadding=4 width=559><TBODY><TR><TD width="100%">يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
</TD></TR></TBODY></TABLE></CENTER>
صدق الله العظيم

admin
01-04-2011, 04:20 PM
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }


قال أبو جعفر: فأمر جل ثناؤه الفريقـين الذين أخبر الله عن أحدهما أنه سواء علـيهم أأنذروا أم لـم يُنذروا أنهم لا يؤمنون، لطبعه علـى قلوبهم، وعلـى سمعهم وأبصارهم، وعن الآخر أنه يخادع الله والذين آمنوا بـما يبدي بلسانه من قـيـله: آمنا بـالله والـيوم الآخر، مع استبطانه خلاف ذلك، ومرض قلبه، وشكه فـي حقـيقة ما يبدي من ذلك وغيرهم من سائر خـلقه الـمكلفـين، بـالاستكانة والـخضوع له بـالطاعة، وإفراد الربوبـية له، والعبـادة دون الأوثان والأصنام والآلهة لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبـائهم وأجدادهم، وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم، فقال لهم جل ذكره: فـالذي خـلقكم وخـلق آبـاءكم وأجدادكم وسائر الـخـلق غيركم وهو يقدر علـى ضركم ونفعكم أولـى بـالطاعة مـمن لا يقدر لكم علـى نفع ولا ضر. وكان ابن عبـاس فـيـما رُوي لنا عنه يقول فـي ذلك نظير ما قلنا فـيه، غير أنه ذكر عنه أنه كان يقول فـي معنى: { اعْبُدُوا رَبكُمْ } وَحِّدوا ربكم. وقد دللنا فـيـما مضى من كتابنا هذا علـى أن معنى العبـادة الـخضوع لله بـالطاعة والتذلل له بـالاستكانة. والذي أراد ابن عبـاس إن شاء الله بقوله فـي تأويـل قوله: { اعْبُدُوا رَبَّكُمْ } وَحِّدُوه: أي أفردوا الطاعة والعبـادة لربكم دون سائر خـلقه.

حدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: قال الله: { يا أيها الناسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ } للفريقـين جميعاً من الكفـار والـمنافقـين، أي وحدوا ربكم الذي خـلقكم والذين من قبلكم.

وحدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، عن أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره، عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: { يا أيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَـلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } يقول: خـلقكم وخـلق الذين من قبلكم.

قال أبو جعفر: وهذه الآية من أدلّ دلـيـل علـى فساد قول من زعم أن تكلـيف ما لا يطاق إلا بـمعونة الله غير جائز إلا بعد إعطاء الله الـمكلف الـمعونة علـى ما كلفه. وذلك أن الله أمر من وصفنا بعبـادته والتوبة من كفره، بعد إخبـاره عنهم أنهم لا يؤمنون وأنهم عن ضلالتهم لا يرجعون.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.

قال أبو جعفر: وتأويـل ذلك: لعلكم تتقون بعبـادتكم ربكم الذي خـلقكم، وطاعتكم إياه فـيـما أمركم به ونهاكم عنه، وإفرادكم له العبـادة، لتتقوا سخطه وغضبه أن يحل علـيكم، وتكونوا من الـمتقـين الذين رضي عنهم ربهم.

وكان مـجاهد يقول فـي تأويـل قوله: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }: تطيعون.

-1-

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنـي أبـي عن سفـيان، عن ابن نـجيح عن مـجاهد فـي قوله: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قال: لعلكم تطيعون.

قال أبو جعفر: والذي أظن أن مـجاهداً أراد بقوله هذا: لعلكم أن تتقوا ربكم بطاعتكم إياه وإقلاعكم عن ضلالتكم.

قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فكيف قال جل ثناؤه: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }؟ أوَ لـم يكن عالـماً بـما يصير إلـيه أمرهم إذا هم عبدوه وأطاعوه، حتـى قال لهم: لعلكم إذا فعلتـم ذلك أن تتقوا، فأخرج الـخبر عن عاقبة عبـادتهم إياه مخرج الشك؟ قـيـل له: ذلك علـى غير الـمعنى الذي توهمت، وإنـما معنى ذلك: اعبدوا ربكم الذي خـلقكم والذين من قبلكم، لتتقوه بطاعته وتوحيده وإفراده بـالربوبـية والعبـادة، كما قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وقُلْتُـمْ لَنا كُفُّوا الـحُرُوبَ لَعَلَّنَا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>نَكُفُّ وَوَثَّقْتُـمْ لَنا كُلَّ مَوْثِقِ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلَـمَّا كَفَفْنَا الـحَرْبَ كانَتْ عُهُودُكُمْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>كَلَـمْـحِ سَرَابٍ فِـي الفَلاَ مُتَألِّقِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

يريد بذلك: قلتـم لنا كفوا لنكفّ. وذلك أن «لعلّ» فـي هذا الـموضع لو كان شكّاً لـم يكونوا وثقوا لهم كُلَّ موثق.

-2-

admin
01-04-2011, 04:31 PM
تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق 1-3


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }


لما عدّد الله تعالى فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وذكر صفاتهم وأحوالهم ومصارف أمورهم، وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها، ويحظيها عند الله ويرديها، أقبل عليهم بالخطاب، وهو من الالتفات المذكور عند قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ } ، وهو فنّ من الكلام جزل، فيه هزّ وتحريك من السامع، كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكياً عن ثالث لكما: إنّ فلاناً من قصته كيت وكيت، فقصصت عليه ما فرط منه، ثم عدلت بخطابك إلى الثالث فقلت: يا فلان من حقك أن تلزم الطريقة الحميدة في مجاري أمورك، وتستوي على جادّة السداد في مصادرك ومواردك. نبهته بالتفاتك نحوه فضل تنبيه، واستدعيت إصغاءه إلى إرشادك زيادة استدعاء، وأوجدته بالانتقال من الغيبة إلى المواجهة هازاً من طبعه ما لاً يجده إذا استمررت على لفظ الغيبة، وهكذا الافتنان في الحديث والخروج فيه من صنف إلى صنف، يستفتح الآذان للاستماع، ويستهش الأنفس للقبول، وبلغنا بإسناد صحيح عن إبراهيم عن علقمة: أنّ كل شيء نزل فيه: (يا أيها الناس) فهو مكي، و(يا أيها الذين آمنوا) فهو مدني، فقوله: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) خطاب لمشركي مكة، و«يا» حرف وضع في أصله لنداء البعيد، صوت يهتف به الرجل بمن يناديه. وأما نداء القريب فله أي والهمزة، ثم استعمل في مناداة من سها وغفل وإن قرب. تنزيلاً له منزلة من بعد، فإذا نودي به القريب المفاطن فذلك للتأكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معنيّ به جداً. فإن قلت: فما بال الداعي يقول في جؤاره: يا رب، ويا ألله، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وأسمع به وأبصر؟ قلت: هو استقصار منه لنفسه، واستبعاد لها من مظانّ الزلفى وما يقرّبه إلى رضوان الله ومنازل المقرّبين، هضماً لنفسه وإقراراً عليها بالتفريط في جنب الله، مع فرط التهالك على استجابة دعوته والإذن لندائه وابتهاله، و«أي» وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام، كما أنّ «ذو» و«الذي» وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل. وهو اسم مبهم مفتقر إلى ما يوضحه ويزيل إبهامه، فلا بد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يصح المقصود بالنداء، فالذي يعمل فيه حرف النداء هو «أيّ» والاسم التابع له صفته، كقولك: يا زيد الظريف؛ إلا أن «أيا» لا يستقل بنفسه استقلال «زيد» فلم ينفك من الصفة. وفي هذا التدرّج من الإبهام إلى التوضيح ضرب من التأكيد والتشديد. وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها لفائدتين: معاضدة حرف النداء ومكانفته بتأكيد معناه، ووقوعها عوضاً مما يستحقه أيّ من الإضافة. فإن قلت: لم كثر في كتاب الله النداء على هذه الطريقة ما لم يكثر في غيره؟ قلت: لاستقلاله بأوجه من التأكيد وأسباب من المبالغة: لأن كل ما نادى الله له عباده ـ من أوامره ونواهيه، وعظاته وزواجره ووعده ووعيده، واقتصاص أخبار الأمم الدارجة عليهم، وغير ذلك مما أنطق به كتابه ـ أمور عظام، وخطوب جسام، ومعان ـ عليهم أن يتيقظوا لها، ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها، وهم عنها غافلون.

-1-

فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ. فإن قلت: لا يخلو الأمر بالعبادة من أن يكون متوجهاً إلى المؤمنين والكافرين جميعاً، أو إلى كفار مكة خاصة، على ما روي عن علقمة والحسن، فالمؤمنون عابدون ربهم فكيف أمروا بما هم ملتبسون به؟ وهل هو إلا كقول القائل:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلَو أنِّي فعلت كُنْتُ مَنْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تَسْأَلُهُ وهُوَ قائمٌ أنْ يَقُوما</TD></TR></TBODY></TABLE>

وأما الكفار فلا يعرفون الله، ولا يقرّون به فكيف يعبدونه؟ قلت: المراد بعبادة المؤمنين: ازديادهم منها وإقبالهم وثباتهم عليها. وأما عبادة الكفار فمشروط فيها ما لا بدلها منه وهو الإقرار، كما يشترط على المأمور بالصلاة شرائطها من الوضوء والنية وغيرهما وما لا بد للفعل منه، فهو مندرج تحت الأمر به وإن لم يذكر، حيث لم ينفعل إلا به، وكان من لوازمه. على أنّ مشركي مكة كانوا يعرفون الله ويعترفون به

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08203) [الزخرف43: 87].

فإن قلت: فقد جعلت قوله { ٱعْبُدُواْ } متناولاً شيئين معاً: الأمر بالعبادة، والأمر بازديادها. قلت: الازدياد من العبادة عبادة وليس شيئاً آخر. فإن قلت: { رَبَّكُمُ } ما المراد به؟ قلت: كان المشركون معتقدين ربوبيتين: ربوبية الله، وربوبية آلهتهم. فإن خصوا بالخطاب فالمراد به اسم يشترك فيه رب السموات والأرض والآلهة التي كانوا يسمونها أرباباً وكان قوله: { ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ } صفة موضحة مميزة. وإن كان الخطاب للفرق جميعاً، فالمراد به «ربكم» على الحقيقة. والذي خلقكم: صفة جرت عليه على طريق المدح والتعظيم. ولا يمتنع هذا الوجه في خطاب الكفرة خاصة، إلا أن الأول أوضح وأصح. والخلق: إيجاد الشيء على تقدير واستواء. يقال: خلق النعل، إذا قدره وسواها بالمقياس. وقرأ أبو عمرو: { خَلَقَكُمْ } بالإدغام. وقرأ ابن السميفع: وخلق من قبلكم. وفي قراءة زيد بن علي: (وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) وهي قراءة مشكلة، ووجهها على إشكالها أن يقال: أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيداً، كما أقحم جرير في قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لا أَبَالَكُمُ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

تيما الثاني بين الأول وما أضيف إليه، وكإقحامهم لام الإضافة بين المضاف والمضاف إليه في: لا أبالك: ولعل للترجي أو الإشفاق. تقول: لعل زيداً يكرمني. ولعله يهينني. وقال الله تعالى:

{ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06183) [طه20: 44]،
{ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08080) [الشورى42: 17].

ألا ترى إلى قوله:

{ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08081) [الشورى42: 18].

وقد جاءت على سبيل الإطماع في مواضع من القرآن، ولكن لأنه إطماع من كريم رحيم، إذا أطمع فعل ما يطمع فيه لا محالة، لجري إطماعه مجرى وعده المحتوم وفاؤه به.

-2-

قال من قال: إن «لعل» بمعنى «كي»، و«لعل» لا تكون بمعنى «كي». ولكن الحقيقة ما ألقيت إليك. وأيضاً فمن ديدن الملوك وما عليه أوضاع أمرهم ورسومهم أن يقتصروا في مواعيدهم التي يوطنون أنفسهم على إنجازها على أن يقولوا: عسى، ولعل، ونحوهما من الكلمات أو يخيلوا إخالة. أو يظفر منهم بالرمزة أو الابتسامة أو النظرة الحلوة، فإذا عثر على شيء من ذلك منهم، لم يبق للطالب ما عندهم شك في النجاح والفوز بالمطلوب. فعلى مثله ورد كلام مالك الملوك ذي العز والكبرياء. أو يجيء على طريق الإطماع دون التحقيق لئلا يتكل العباد، كقوله:

{ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09028) [التحريم66: 8]،

فإن قلت: فـ«لعل» التي في الآية ما معناها وما موقعها؟ قلت: ليست مما ذكرناه في شيء، لأن قوله: { خَلَقَكُمْ } ، { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، لا يجوز أن يحمل على رجاء الله تقواهم لأن الرجاء لا يجوز على عالم الغيب والشهادة: وحمله على أن يخلقهم راجين للتقوى ليس بسديد أيضاً. ولكن «لعل» واقعة في الآية موقع المجاز لا الحقيقة، لأن الله عز وجل خلق عباده ليتعبدهم بالتكليف، وركب فيهم العقول والشهوات، وأزاح العلة في أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين، ووضع في أيديهم زمام الاختيار، وأراد منهم الخير والتقوى. فهم في صورة المرجوّ منهم أن يتقوا يترجح أمرهم ـ وهم مختارون بين الطاعة والعصيان ـ كما ترجحت حال المرتجي بين أن يفعل وأن لا يفعل، ومصداقه قوله عز وجل:

{ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05271) [هود11: 7]،
{ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09034) [الملك67: 2]

وإنما يبلو ويختبر من تخفى عليه العواقب، ولكن شبه بالاختبار بناء أمرهم على الاختيار. فإن قلت: كما خلق المخاطبين لعلهم يتقون، فكذلك خلق الذين من قبلهم لذلك، فلم قصره عليهم دون من قبلهم؟ قلت: لم يقصره عليهم، ولكن غلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمعنى على إرادتهم جميعاً. فإن قلت: فهلا قيل تعبدون لأجل اعبدوا؟ أو اتقوا لمكان تتقون ليتجاوب طرفا النظم. قلت: ليست التقوى غير العبادة حتى يؤدّي ذلك إلى تنافر النظم. وإنما التقوى قصارى أمر العابد ومنتهى جهده. فإذا قال: { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ } للاستيلاء على أقصى غايات العبادة كان أبعث على العبادة، وأشدّ إلزاماً لها، وأثبت لها في النفوس. ونحوه أن تقول لعبدك: احمل خريطة الكتب، فما ملكتك يميني إلا لجرّ الأثقال. ولو قلت: لحمل خرائط الكتب لم يقع من نفسه ذلك الموقع.

-3-

admin
01-05-2011, 01:54 PM
تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق1-2


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }


اللغة: الخلق الفعل على تقدير وخلق السموات فعلها على تقدير ما تدعو إليه الحكمة من غير زيادة ونقصان والخلق الطبع والخليقة الطبيعة والخَلاق النصيب.

الإعراب: يا حرف النداء وأي اسم مبهم يقع على أجناس كثيرة إنما يتم بأن يوصف وصفته تكون باسم الجنس لأنه لما كان لا يتم إلا بصفة وهي لفظة دالة على ما دلّ أي عليه مخصصة له وكان التخصيص في الإشارة يقع بالجنس ثم بالوصف وصف بأسماء الأجناس كالناس في قولـه: { يا أيها الناس } فأي منادي مفرد معرفة مبني لأنه وقع موقع حرف الخطاب وهو الكاف وإنما بني على الحركة مع أن الأصل في البناء السكون ليعلم أنه ليس بعريق في البناء والبناء عارض فيه وإنما حرّك بالضم لأنه كان في أصله التنوين فلما سقط التنوين في البناء أشبه قبل وبعد الذي قطع عنه الغاية فارتفع وقد ذكر فيه وجوه أخرى توجد في مظانها والناس مرفوع لأنه صفة لأي فتبعه على حركة لفظه ولا يجوز هنا النصب وإن كانت الأسماء المناديات المفردة المعرفة يجوز في صفاتها النصب والرفع لأن هنا الصفة هو المنادي في الحقيقة وأي وصلة إليه ويدل على ذلك لزوم ها وهو حرف التنبيه قبل الناس ونباتها وامتناعهم من حذفها فصار ذلك كالإيذان باستئناف نداء والعلم لأن لا يجوز الاقتصار على المنادي قبله كما جاز في سائر المناديات.

وأجاز المازني في يا أيها الرجل النصب وذلك فاسد لما ذكرناه ولأنه لا مجاز لذلك في كلام العرب ولم يرو عنها غير الرفع والذين من قبلكم في موضع نصب لأنه عطف على الكاف والميم في قولـه خلقكم وهو مفعول به ومن قبلكم صلة الذين ولعل حرف ناصب من أخوات إنّ وقد ذكرنا القول في مشابهته الفعل وعمله النصب والرفع فيما تقدم وكذلك حكم لعل وشبه بالفعل أظهر لأن معناه الترجي وكم في موضع نصب بكونه اسم لعل وتتقون جملة في موضع الرفع بأنه خبره.

المعنى: هذا الخطاب متوجه إلى جميع الناس مؤمنهم وكافرهم إلا من ليس بمكلف من الأطفال والمجانين وروي عن ابن عباس والحسن أن ما في القرآن من: { يا أيها الناس } فإنه نزل بمكة وما فيه من يا أيها الذين آمنوا فإنه نزل بالمدينة: { اعبدوا ربكم } أي تقربوا إليه بفعل العبادة وعن ابن عباس أنه قال معناه وَحِّدوه وقولـه: { الذي خلقكم } أي أوجدكم بعد أن لم تكونوا موجودين وأوجد من تقدم زمانكم من الخلائق والبشر بيّن سبحانه نعمه عليهم وعلى آبائهم لأن نعمه عليهم لا تتم إلا بنعمه على آبائهم: { لعلّكم تتقون } أي خلقكم لتتقوه وتعبدوه كقولـه تعالى:

-1-

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08522) [الذاريات51: 56]

وقيل معناه اعبدوه لتتقوا وقيل معناه لعلكم تتقون الحرمات بينكم وتكفون عّما حرم الله وهذا كما يقول القائل اقبل قولي لعلك ترشد فليس أنه من ذلك على شك وإنما يريد اقبله ترشد وإنما أدخل الكلام لعل ترقيقاً للموعظة وتقريباً لها من قلب الموعوظ ويقول القائل لأجيره اعمل لعلك تأخذ الأجرة وليس يريد بذلك الشك وإنما يريد لتأخذ أجرتك ومثله قول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وقُلْتُم لَنَا كُفّوا الْحُرْبَ لَعَلَّنَا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>نكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فَلَمَّا كَفَفْنَا الحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكُمُ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>كَلَمْحِ سَرَابٍ في المْلاَ مُتأَلِقِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

أراد قلتم لنا كفوا لنكف لأنه لو كان شاكاً لما قال وثقتم كل موثق. وقال سيبويه: إنما وردت لفظه لعل على أنه ترج للمخاطبين كما قال:

{ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخْشَى } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06183) [طه20: 44]

وأراد بذلك الإبهام على موسى وهارون فكأنه قال اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما والله عز وجل من وراء ذلك وعالم بما يؤول إليه أمر فرعون, وقيل فائدة إيراد لفظه لعل هي أن لا يحل العبد أبداً محل الآمن المدل بعمله بل يزداد حالاً بعد حال حرصاً على العمل وحذراً من تركه وأكثر ما جاءت لفظة لعل وغيرها من معاني الشك فيما يتعلق بالآخرة في دار الدنيا فإذا ذكرت الآخرة مفردة جاء اليقين وقيل معناه لعلكم توقون النار في ظنكم ورجائكم وأجرى لعل على عباده دون نفسه وهذا قريب مما قاله سيبويه.

-2-

admin
01-05-2011, 03:06 PM
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 1-12 من 36


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) }


القول في إقامة الدلالة على التوحيد والنبوة والمعاد

اعلم أن في هذه الآيات مسائل: ـ

المسألة الأولى: أن الله تعالى لما قدم أحكام الفرق الثلاثة، أعني المؤمنين والكفار والمنافقين. أقبل عليهم بالخطاب، وهو من باب الالتفات المذكور في قوله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وفيه فوائد: أحدها: أن فيه مزيد هز وتحريك من السامع كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكياً عن ثالث: إن فلاناً من قصته كيت وكيت، ثم تخاطب ذلك الثالث فقلت: يا فلان من حقك أن تسلك الطريقة الحميدة في مجاري أمورك، فهذا الانتقال من الغيبة إلى الحضور يوجب مزيد تحريك لذلك الثالث. وثانيها: كأنه سبحانه وتعالى يقول. جعلت الرسول واسطة بيني وبينك أولاً ثم الآن أزيد في إكرامك وتقريبك، فأخاطبك من غير واسطة، ليحصل لك مع التنبيه على الأدلة، شرف المخاطبة والمكالمة. وثالثها: أنه مشعر بأن العبد إذا كان مشتغلاً بالعبودية فإنه يكون أبداً في الترقي، بدليل أنه في هذه الآية، انتقل من الغيبة إلى الحضور. ورابعها: أن الآيات المتقدمة كانت في حكاية أحوالهم، وأما هذه الآيات فإنها أمر وتكليف، ففيه كلفة ومشقة فلا بدّ من راحة تقابل هذه الكلفة، وتلك الراحة هي أن يرفع ملك الملوك الواسطة من البين ويخاطبهم بذاته، كما أن العبد إذا ألزم تكليفاً شاقاً فلو شافهه المولى وقال: أريد منك أن تفعل كذا فإنه يصير ذلك الشاق لذيذاً لأجل ذلك الخطاب.

المسألة الثانية: حكي عن علقمة والحسن أنه قال: كل شيء في القرآن: { ياأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } فإنه مكي، وما كان { يَـاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } فبالمدينة، قال القاضي: هذا الذي ذكروه إن كان الرجوع فيه إلى النقل فمسلم، وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة على الكثرة دون مكة فهذا ضعيف، لأنه يجوز أن يخاطب المؤمنين مرة بصفتهم، ومرة باسم جنسهم، وقد يؤمر من ليس بمؤمن بالعبادة، كما يؤمر المؤمن بالاستمرار على العبادة والازدياد منها، فالخطاب في الجميع ممكن.

المسألة الثالثة: اعلم أن الألفاظ في الأغلب عبارات دالة على أمور هي: إما الألفاظ أو غيرها، أما الألفاظ فهي: كالاسم والفعل والحرف، فإن هذه الألفاظ الثلاثة يدل كل واحد منها على شيء، هو في نفسه لفظ مخصوص، وغير الألفاظ: فكالحجر والسماء والأرض، ولفظ النداء لم يجعل دليلاً على شيء آخر، بل هو لفظ يجري مجرى عمل يعمله عامل لأجل التنبيه. فأما الذين فسروا قولنا: «يا زيد» بأنادي زيداً، أو أخاطب زيداً فهو خطأ من وجوه: أحدها: أن قولنا. أنادي زيداً، خبر يحتمل التصديق والتكذيب، وقولنا يا زيد، لا يحتملها. وثانيها: أن قولنا يا زيد، يقتضي صيرورة زيد منادى في الحال، وقولنا أنادي زيداً، لا يقتضي ذلك، وثالثها: أن قولنا يا زيد يقتضي صيرورة زيد مخاطباً بهذا الخطاب وقولنا أنادي زيداً لا يقتضي ذلك لأنه لا يمتنع أنه يخبر إنساناً آخر بأني أنادي زيداً.

-1-

ورابعها: أن قولنا أنادي زيداً، إخبار عن النداء، والإخبار عن النداء غير النداء، والنداء هو قولنا: يا زيد، فإذن قولنا: أنادي زيداً، غير قولنا يا زيد، فثبت بهذه الوجوه فساد هذا القول. ثم ههنا نكتة نذكرها وهي: أن أقوى المراتب الاسم، وأضعفها الحرف، فظن قوم أنه لا يأتلف الاسم بالحرف، وكذا أعظم الموجودات هو الحق سبحانه وتعالى، وأضعفها البشر

{ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04312) [النساء4: 28]

فقالت الملائكة: أي مناسبة بينهما

{ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03828) [البقرة2: 30]

فقيل قد يأتلف الاسم مع الحرف في حال النداء، فكذا البشر يصلح لخدمة الرب حال النداء والتضرع

{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04768) [الأعراف7: 23]،
{ وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07984) [غافر40: 60].

المسألة الرابعة: «ياء» حرف وضع في أصله لنداء البعيد وإن كان لنداء القريب لكن لسبب أمر مهم جداً، وأما نداء القريب فله: أي والهمزة، ثم استعمل في نداء من سها وغفل وإن قرب تنزيلاً له منزلة البعيد. فإن قيل فلم يقول الداعي يا رب يا الله وهو تعالى يقول:

{ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08437) [قۤ50: 16]

قلنا هو استبعاد لنفسه من مظان الزلفى وما يقربه إلى منازل المقربين هضماً لنفسه وإقراراً عليها بالتنقيص حتى يتحقق الإجابة بمقتضى قوله: «أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي» أو لأجل أن إجابة الدعاء من أهم المهمات للداعي.

المسألة الخامسة: «أي» وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما أن «ذو» و «الذي» وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهامه، فلا بدّ وأن يردفه اسم جنس، أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يحصل المقصود بالنداء فالذي يعمل فيه حرف النداء هو أي والاسم التابع له صفة كقولك يا زيد الظريف إلا أن أيا لا يستقل بنفسه استقلال زيد فلم ينفك عن الصفة وموصوفها وأما كلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها ففيها فائدتان: الأولى: معاضدة حرف النداء بتأكيد معناه. والثانية: وقوعها عوضاً / مما يستحقه أي من الإضافة وإنما كثر في كتاب الله تعالى النداء على هذه الطريقة لاستقلاله بهذه التأكيدات والمبالغات فإن كل ما نادى الله تعالى به عباده من الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، واقتصاص أخبار المتقدمين بأمور عظام، وأشياء يجب على المستمعين أن يتيقظوا لها مع أنهم غافلون عنها، فلهذا وجب أن ينادوا بالأبلغ الآكد.

المسألة السادسة: اعلم أن قوله: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } يقتضي أن الله تعالى أمر كل الناس بالعبادة فلو خرج البعض عن هذا الخطاب لكان ذلك تخصيصاً للعموم.

-2-

وههنا أبحاث. البحث الأول: أن لفظ الجمع المعرف بلام التعريف يفيد العموم، والخلاف فيه مع الأشعري والقاضي أبي بكر وأبي هاشم، لنا أنه يصح تأكيده بما يفيد العموم كقوله:

{ فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05623) [الحجر15: 30]

ولو لم يكن اللفظ في أصله للعموم لما كان قوله: { كُلُّهُمْ } تأكيداً بل بياناً ولأنه يصح استثناء كل واحد من الناس عنه والاستثناء يخرج ما لولاه لدخل فوجب أن يفيد العموم وتمام تقريره في أصول الفقه. البحث الثاني: لما ثبت أن قوله تعالى: { يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } يتناول جميع الناس الذين كانوا موجودين في ذلك العصر فهل يتناول الذين سيوجدون بعد ذلك أم لا؟ والأقرب أنه لا يتناولهم؛ لأن قوله: { يا أيهاالناس } خطاب مشافهة وخطاب المشافهة مع المعدوم لا يجوز، وأيضاً فالذين سيوجدون بعد ذلك ما كانوا موجودين في تلك الحالة، وما لا يكون موجوداً لا يكون إنساناً وما لا يكون إنساناً لا يدخل تحت قوله: { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } فإن قيل: فوجب أن لا يتناول شيء من هذه الخطابات الذين وجدوا بعد ذلك الزمان وأنه باطل قطعاً. قلنا: لو لم يوجد دليل منفصل لكان الأمر كذلك إلا أنا عرفنا بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن تلك الخطابات ثابتة في حق من سيوجد بعد ذلك إلى قيام الساعة فلهذه الدلالة المنفصلة حكمنا بالعموم. البحث الثالث: قوله: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } أمر للكل بالعبادة فهل يفيد أمر الكل بكل عبادة؟ الحق لا، لأن قوله اعبدوا معناه ادخلوا هذه الماهية في الوجود، فإذا أتوا بفرد من أفراد الماهية في الوجود فقد أدخلواالماهية في الوجود لأن الفرد من أفراد الماهية مشتمل على الماهية لأن هذه العبادة عبارة عن العبادة مع قيد كونها هذه ومتى وجد المركب فقد وجد قيداه، فالآتي بفرد من أفراد العبادة آتٍ بالعبادة، والآتي بالعبادة آتٍ بتمام ما اقتضاه قوله: { ٱعْبُدُواْ } وإذا كان كذلك وجب خروجه عن العهدة فإن أردنا أن نجعله دالاً على العموم نقول: الأمر بالعبادة لا بدّ وأن يكون لأجل كونها عبادة لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعلية الوصف، لا سيما إذا كان الوصف مناسباً للحكم، وههنا كون العبادة عبادة يناسب الأمر بها، لما أن العبادة عبارة عن تعظيم الله تعالى وإظهار الخضوع له وكل ذلك مناسب في العقول، وإذا ثبت أن كونه عبادة علة للأمر بها وجب في كل عبادة أن يكون مأموراً بها، لأنه أينما حصلت العلة وجب حصول الحكم لا محالة. البحث الرابع: لقائل أن يقول: قوله: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ } لا يتناول الكفار البتة لأن الكفار لا يمكن أن يكونوا مأمورين بالإيمان، وإذا امتنع ذلك امتنع أن يكونوا مأمورين بالعبادة، أما أنه لا يمكن أن يكونوا مأمورين بالإيمان فلأن الأمر بمعرفة الله تعالى إما أن يتناوله حال كونه غير عارف بالله تعالى أو حال كونه عارفاً بالله تعالى، أما إن تناوله حال كونه غير عارف بالله فيستحيل أن يكون عارفاً بأمر الله تعالى لأن العلم بالصفة مع الجهل بالذات محال فلو تناوله الأمر في هذه الحالة لكان قد تناوله الأمر في حال يستحيل منه أن يعرف كونه مأموراً بذلك الأمر، وذلك تكليف ما لا يطاق، وإن تناوله الأمر بالمعرفة حال كونه عارفاً بالله فذالك محال، لأنه أمر بتحصيل الحاصل، وذلك غير ممكن.

-3-

فثبت أن الكافر يستحيل أن يكون مأموراً بتحصيل المعرفة، وإذا استحال ذلك استحال أن يكون مأموراً بالعبادة لأنه إما أن يؤمر بالعبادة قبل المعرفة وهو محال لأن عبادة من لا يعرف ممتنعة أو يؤمر بالعبادة بعد المعرفة إلا أن على هذا التقدير يكون الأمر بالعبادة موقوفاً على الأمر بالمعرفة فلما كان الأمر بالمعرفة ممتنعاً كان الأمر بالعبادة أيضاً ممتنعاً، وأيضاً يستحيل أن يكون هذا الخطاب مع المؤمنين، لأنهم يعبدون الله فأمرهم بالعبادة يكون أمراً بتحصيل الحاصل وهو محال. والجواب: من الناس من قال: الأمر بالعبادة مشروط بحصول المعرفة، كما أن الأمر بالزكاة مشروط بحصول ملك النصاب، وهؤلاء هم القائلون بأن المعارف ضرورية، وأما من لم يقل بذلك استدل بهذه الآية على أن المعارف ليست ضرورية فقال: الأمر بالعبادة حاصل، والعبادة لا تمكن إلا بالمعرفة، والأمر بالشيء أمر بما هو من ضرورياته، كما أن الطهارة إذا لم تصح إلا بإحضار الماء كان إحضار الماء واجباً، والدهري لا يصح منه تصديق الرسول إلا بتقديم معرفة الله تعالى، فوجبت، والمحدث لا تصح منه الصلاة إلا بتقديم الطهارة فوجبت، والمودع لا يمكنه رد الوديعة إلا بالسعي إليها، فكان السعي واجباً، فكذا ههنا يصح أن يكون الكافر مخاطباً بالعبادة وشرط الإتيان بها الإتيان بالإيمان أولاً ثم الإتيان بالعبادة بعد ذلك. بقي لهم: الأمر بتحصيل المعرفة محال، قلنا هذه المسألة مستقصاة في الأصول والذي نقول ههنا إن هذا الكلام وإن تم في كل ما يتوقف العلم يكون الله آمراً على العلم به، فإنه لا يجري فيما عدا ذلك من الصفات. فلم لا يجوز ورود الأمر بذلك؟ سلمنا ذلك فلم لا يجوز أن يقال هذا الأمر يتناول المؤمنين؟ قوله لأنه يصير ذلك أمراً بتحصيل الحاصل وهو محال، قلنا لما تعذر ذلك فنحمله إما على الأمر بالاستمرار على العبادة أو على الأمر بالازدياد منها، ومعلوم أن الزيادة على العبادة عبادة، فصح تفسير قوله: «اعبدوا» بالزيادة في العبادة. البحث الخامس: قال منكرو التكليف: لا يجوز ورود الأمر من الله تعالى بالتكليف لوجوه: أحدها: أن التكليف إما أن يتوجه على العبد حال استواء دواعيه إلى الفعل أو الترك أو حال رجحان أحدهما على الآخر، فإن كان الأول فهو محال، لأن في حال الاستواء يمتنع حصول الترجيح لأن الاستواء يناقض الترجيح فالجمع بينهما محال والتكليف بالفعل حال استواء الداعيين تكليف بما لا يطاق، وإن كان الثاني فالراجح واجب الوقوع؛ لأن المرجوح حال ما كان مساوياً للراجح كان ممتنع الوقوع، وإلا فقد وقع الممكن لا عن مرجح، وإذا كان حال الاستواء ممتنع الوقوع فبأن يصير حال المرجوحية ممتنع الوقوع أولى وإذا كان المرجوح ممتنع الوقوع كان الراجح واجب الوقوع ضرورة أنه لا خروج عن النقيضين إذا ثبت هذا فالتكليف إن وقع بالراجح كان التكليف تكليفاً بإيجاد ما يجب وقوعه، وإن وقع بالمرجوح كان التكليف تكليفاً بما يمتنع وقوعه، وكلاهما تكليف ما لا يطاق.

-4-

وثانيها: أن الذي ورد به التكليف إما أن يكون قد علم الله في الأزل وقوعه، أو علم أنه لا يقع أو لم يعلم لا هذا ولا ذاك، فإن كان الأول كان واجب الوقوع ممتنع العدم فلا فائدة في ورود الأمر به، وإن علم لا وقوعه كان ممتنع الوقوع واجب العدم، فكان الأمر بإيقاعه أمراً بإيقاع الممتنع وإن لم يعلم لا هذا ولا ذاك كان ذلك قولاً بالجهل على الله تعالى وهو محال، ولأن بتقدير أن يكون الأمر كذلك فإنه لا يتميز المطيع عن العاصي، وحينئذٍ لا يكون في الطاعة فائدة. وثالثها: أن ورود الأمر بالتكاليف إما أن يكون لفائدة أو لا لفائدة، فإن كان لفائدة فهي إما عائدة إلى المعبود أو إلى العابد أما إلى المعبود فمحال لأنه كامل لذاته، والكامل لذاته لا يكون كاملاً بغيره، ولأنا نعلم بالضرورة أن الإله العالي على الدهر والزمان يستحيل أن ينتفع بركوع العبد وسجوده، وأما إلى العابد فمحال؛ لأن جميع الفوائد محصورة في حصول اللذة ودفع الألم، وهو سبحانه وتعالى قادر على تحصيل كل ذلك للعبد ابتداء من غير توسط هذه المشاق فيكون توسطها عبثاً، والعبث غير جائز على الحكيم. ورابعها: أن العبد غير موجد لأفعاله لأنه غير عالم بتفاصيلها ومن لا يعلم تفاصيل الشيء لا يكون موجداً له وإذا لم يكن العبد موجداً لأفعال نفسه فإن أمره بذلك الفعل حال ما خلقه فيه فقد أمره بتحصيل الحاصل، وإن أمره به حال ما لم يخلقه فيه فقد أمره بالمحال وكل ذلك باطل. وخامسها: أن المقصود من التكليف إنما هو تطهير القلب على ما دلت عليه ظواهر القرآن فلو قدرنا إنساناً مشتغل القلب دائماً بالله تعالى وبحيث لو اشتغل بهذه الأفعال الظاهرة لصار ذلك عائقاً له عن الاستغراق في معرفة الله تعالى وجب أن يسقط عنه هذه التكاليف الظاهرة، فإن الفقهاء والقياسيين قالوا إذا لاح المقصود والحكمة في التكاليف وجب اتباع الأحكام المعقولة لا اتباع الظواهر.

-5-

والجواب: عن الشبه الثلاثة الأول من وجهين: الأول: أن أصحاب هذه الشبه أوجبوا بما ذكروه اعتقاد عدم التكاليف فهذا تكليف ينفي التكليف وأنه متناقض. الثاني: أن عندنا يحسن من الله تعالى كل شيء سواء كان ذلك تكليف ما لا يطاق أو غيره لأنه تعالى خالق مالك، والمالك لا اعتراض عليه في فعله. البحث السادس: قالوا: الأمر بالعبادة وإن كان عاماً لكل الناس لكنه مخصوص في حق من لا يفهم كالصبي والمجنون والغافل والناسي، وفي حق من لا يقدر لقوله تعالى:

{ لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04031) [البقرة2: 233].

ومنهم من قال إنه مخصوص في حق العبيد، لأن الله تعالى أوجب عليهم طاعة مواليهم، واشتغالهم بطاعة الموالي يمنعهم عن الاشتغال بالعبادة، والأمر الدال على وجوب طاعة المولى أخص من الأمر الدال على وجوب العبادة والخاص يقدم على العام والكلام في هذا المعنى مذكور في أصول الفقه.

المسألة السابعة: قال القاضي: الآية تدل على أن سبب وجود العبادة ما بينه من خلقه لنا والإنعام علينا. واعلم أن أصحابنا يحتجون بهذه الآية على أن العبد لا يستحق بفعله الثواب لأنه لما كان خلقه إيانا وإنعامه علينا سبباً لوجوب العبادة فحينئذٍ يكون اشتغالنا بالعبادة أداء للواجب، والإنسان لا يستحق بأداء الواجب شيئاً فوجب أن لا يستحق العبد على العبادة ثواباً على الله تعالى أما قوله: { رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ففيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أنه سبحانه لما أمر بعبادة الرب أردفه بما يدل على وجود الصانع وهو خلق المكلفين وخلق من قبلهم، وهذا يدل على أنه لا طريق إلى معرفة الله تعالى إلا بالنظر والاستدلال وطعن قوم من الحشوية في هذه الطريقة وقالوا الاشتغال بهذا العلم بدعة ولنا في إثبات مذهبنا وجوه نقلية وعقلية وههنا ثلاث مقامات: المقام الأول: في بيان فضل هذا العلم وهو من وجوه: أحدها: أن شرف العلم بشرف المعلوم فمهما كان المعلوم أشرف كان العلم الحاصل به أشرف فلما كان أشرف المعلومات ذات الله تعالى وصفاته وجب أن يكون العلم المتعلق به أشرف العلوم. وثانيها: أن العلم إما أن يكون دينياً أو غير ديني، ولا شك أن العلم الديني أشرف من غير الديني، وأما العلم الديني فإما أن يكون هو علم الأصول، أو ما عداه، أما ما عداه فإنه تتوقف صحته على علم الأصول، لأن المفسر إنما يبحث عن معاني كلام الله تعالى، وذلك فرع على وجود الصانع المختار المتكلم، وأما المحدث فإنما يبحث عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فرع على ثبوت نبوته صلى الله عليه وسلم، والفقيه إنما يبحث عن أحكام الله، وذلك فرع على التوحيد والنبوة، فثبت أن هذه العلوم مفتقرة إلى علم الأصول، والظاهر أن علم الأصول غني عنها فوجب أن يكون علم الأصول أشرف العلوم.

-6-

وثالثها: أن شرف الشيء قد يظهر بواسطة خساسة ضده، فكلما كان ضده أخس كان هو أشرف وضد علم الأصول هو الكفر والبدعة، وهما من أخس الأشياء، فوجب أن يكون علم الأصول أشرف الأشياء. ورابعها: أن شرف الشيء قد يكون بشرف موضوعه وقد يكون لأجل شدة الحاجة إليه، وقد يكون لقوة براهينه، وعلم الأصول مشتمل على الكل وذلك لأن علم الهيئة أشرف من علم الطب نظراً إلى أن موضوع علم الهيئة أشرف من موضوع علم الطب، وإن كان الطب أشرف منه نظراً إلى أن الحاجة إلى الطب أكثر من الحاجة إلى الهيئة، وعلم الحساب أشرف منهما نظراً إلى أن براهين علم الحساب أقوى. أما علم الأصول فالمطلوب منه معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، ومعرفة أقسام المعلومات من المعدومات والموجودات، ولا شك أن ذلك أشرف الأمور، وأما الحاجة إليه فشديدة لأن الحاجة إما في الدين أو في الدنيا، أما في الدين فشديدة لأن من عرف هذه الأشياء استوجب الثواب العظيم والتحق بالملائكة، ومن جهلها استوجب العقاب العظيم والتحق بالشياطين. وأما في الدنيا فلأن مصالح العالم إنما تنتظم عند الإيمان بالصانع والبعث والحشر، إذ لو لم يحصل هذا الإيمان لوقع الهرج والمرج في العالم، وأما قوة البراهين فبراهين هذا العلم يجب أن تكون مركبة من مقدمات يقينية تركيباً يقينياً وهذا هو النهاية في القوة فثبت أن هذا العلم مشتمل على جميع جهات الشرف والفضل فوجب أن يكون أشرف العلوم. وخامسها: أن هذا العلم لا يتطرق إليه النسخ ولا التغيير، ولا يختلف باختلاف الأمم والنواحي بخلاف سائر العلوم، فوجب أن يكون أشرف العلوم. وسادسها: أن الآيات المشتملة على مطالب هذا العلم وبراهينها أشرف من الآيات المشتملة على المطالب الفقهية بدليل أنه جاء في فضيلة

{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=10013) [الإخلاص112: 1] و
{ آمن ٱلرَّسُولُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04083) [البقرة2: 285]

وآية الكرسي ما لم يجيء مثله في فضيلة قوله:

{ وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيض } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04020) [البقرة2: 222] وقوله:
{ يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04080) [البقرة2: 282]

وذلك يدل على أن هذا العلم أفضل. وسابعها: أن الآيات الواردة في ا لأحكام الشرعية أقل من ستمائة آية، وأما البواقي ففي بيان التوحيد والنبوة والرد على عبدة الأوثان وأصناف المشركين، وأما الآيات الواردة في القصص فالمقصود منها معرفة حكمة الله تعالى وقدرته على ما قال:

{ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِى ٱلألْبَـٰبِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05498) [يوسف12: 111]

فدل ذلك على أن هذا العلم أفضل، ونشير إلى معاقد الدلائل: أما الذي يدل على وجود الصانع فالقرآن مملوء منه. أولها: ما ذكر ههنا من الدلائل الخمسة وهي خلق المكلفين وخلق من قبلهم، وخلق السماء وخلق الأرض، وخلق الثمرات من الماء النازل من السماء إلى الأرض، وكل ما ورد في القرآن من عجائب السماوات والأرض، فالمقصود منه ذلك، وأما الذي يدل على الصفات.

-7-

أما العلم فقوله:

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَىْء فِى ٱلأرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04089) [آل عمران3: 5]

ثم أردفه بقوله:

{ هُوَ ٱلَّذِى يُصَوّرُكُمْ فِى ٱلأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04090) [آل عمران3: 6]

وهذا هو عين دليل المتكلمين فإنهم يستدلون بأحكام الأفعال واتقانها على علم الصانع، وههنا استدل الصانع سبحانه بتصوير الصور في الأرحام على كونه عالماً بالأشياء، وقال:

{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09046) [االملك67: 14]

وهو عين تلك الدلالة وقال:

{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُو } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04639) [الأنعام6: 59]

وذلك تنبيه على كونه تعالى عالماً بكل المعلومات، لأنه تعالى مخبر عن المغيبات فتقع تلك الأشياء على وفق ذلك الخبر، فلولا كونه عالماً بالمغيبات وإلا لما وقع كذلك، وأما صفة القدرة فكل ما ذكر سبحانه من حدوث الثمار المختلفة والحيوانات المختلفة مع استواء الكل في الطبائع الأربع فذاك يدل على كونه سبحانه قادراً مختاراً لا موجباً بالذات، وأما التنزيه فالذي يدل على أنه ليس بجسم، ولا في مكان قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فإن المركب مفتقر إلى أجزائه والمحتاج محدث، وإذا كان أحداً وجب أن لا يكون جسماً وإذا لم يكن جسماً لم يكن في المكان، وأما التوحيد فالذي يدل عليه قوله:

{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06296) [الأنبياء21: 22] وقوله:
{ إِذًاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِى ٱلْعَرْشِ سَبِيلا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05862) [الإسراء17: 42] وقوله:
{ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06555) [المؤمنون23: 91]

وأما النبوة فالذي يدل عليها قوله ههنا:

{ وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03821) [البقرة2: 23]

وأما المعاد فقوله:

{ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07575) [يۤس36: 79]

وأنت لو فتشت علم الكلام لم تجد فيه إلا تقرير هذه الدلائل والذب عنها ودفع المطاعن والشبهات القادحة فيها، أفترى أن علم الكلام يذم لاشتماله على هذه الأدلة التي ذكرها الله أو لاشتماله على دفع المطاعن والقوادح عن هذه الأدلة ما أرى أن عاقلاً مسلماً يقول ذلك ويرضى به. وثانيها: أن الله تعالى حكى الاستدلال بهذه الدلائل عن الملائكة وأكثر الأنبياء أما الملائكة فلأنهم لما قالوا:

{ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03828) [البقرة2: 30]

كان المراد أن خلق مثل هذا الشيء قبيح، والحكيم لا يفعل القبيح، فأجابهم الله تعالى بقوله: { إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } والمراد إني لما كنت عالماً بكل المعلومات كنت قد علمت في خلقهم وتكوينهم حكمة لا تعلمونها أنتم، ولا شك أن هذا هو المناظرة، وأما مناظرة الله تعالى مع إبليس فهي أيضاً ظاهرة وأما الأنبياء عليهم السلام فأولهم آدم عليه السلام وقد أظهر الله تعالى حجته على فضله بأن أظهر علمه على الملائكة وذلك محض الاستدلال، وأما نوح عليه السلام فقد حكى الله تعالى عن الكفار قولهم:

-8-

{ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05296) [هود11: 32]

ومعلوم أن تلك المجادلة ما كانت في تفاصيل الأحكام الشرعية بل كانت في التوحيد والنبوة، فالمجادلة في نصرة الحق في هذا العلم هي حرفة الأنبياء، وأما إبراهيم عليه السلام فالاستقصاء في شرح أحواله في هذا الباب يطول وله مقامات: أحدها: مع نفسه وهو قوله:

{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ ٱلأَفِلِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04656) [الأنعام6: 76]

وهذا هو طريقة المتكلمين في الاستدلال بتغيرها على حدوثها، ثم إن الله تعالى مدحه على ذلك فقال:

{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَـٰهَا إِبْرٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِه } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04663) [الأنعام6: 83]

وثانيها: حاله مع أبيه وهو قوله:

{ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06083) [مريم19: 42]

وثالثها: حاله مع قومه تارة بالقول وأخرى بالفعل، أما بالقول فقوله:

{ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَـٰثِيلُ ٱلَّتِى أَنتُمْ لَهَا عَـٰكِفُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06326) [الأنبياء21: 52]

وأما بالفعل فقوله:

{ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06332)هُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُون } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06332) [الأنبياء21: 58].

ورابعها: حاله مع ملك زمانه في قوله:

{ رَبّىَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04056) [البقرة2: 258]

إلى آخره وكل من سلمت فطرته علم أن علم الكلام ليس إلا تقرير هذه الدلائل ودفع الأسئلة والمعارضات عنها، فهذا كله بحث إبراهيم عليه السلام في المبدأ، وأما بحثه في المعاد فقال:

{ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03824) [البقرة2: 26]

إلى آخره وأما موسى عليه السلام فانظر إلى مناظرته مع فرعون في التوحيد والنبوة، أما التوحيد فاعلم أن موسى عليه السلام إنما يعول في أكثر الأمر على دلائل إبراهيم عليه السلام وذلك لأن الله تعالى حكى في سورة طه:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06188)قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06188) قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِى أَعْطَىٰ كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06189) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06189) [طه20: 49، 50]

وهذا هو الدليل الذي ذكره إبراهيم عليه السلام في قوله:

{ ٱلَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06801) [الشعراء26: 78]

وقال في سورة الشعراء

{ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06749) [الشعراء26: 26]

وهذا هو الذي قاله إبراهيم: { رَبّىَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ } (فلما لم يكتف فرعون بذلك وطالبه بشيء آخر قال موسى:

{ رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06751) [الشعراء26: 28]

وهذا هو الذي قال إ براهيم عليه السلام

{ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04056) [البقرة2: 258]

فهذا ينبهك على أن التمسك بهذه الدلائل حرفة هؤلاء المعصومين وأنهم كما استفادوها من عقولهم فقد توارثوها من أسلافهم الطاهرين، وأما استدلال موسى على النبوة بالمعجزة ففي قوله:

{ أَولو جِئْتُكَ بِشَىء مُّبِينٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06753) [الشعراء26: 30]

وهذا هو الاستدلال بالمعجزة على الصدق، وأما محمد عليه الصلاة والسلام فاشتغاله بالدلائل على التوحيد والنبوة والمعاد أظهر من أن يحتاج فيه إلى التطويل، فإن القرآن مملوء منه ولقد كان عليه السلام مبتلى بجميع فرق الكفار فالأول: الدهرية الذين كانوا يقولون:

{ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08288) [الجاثية45: 24]

والله تعالى أبطل قولهم بأنواع الدلائل.

-9-

والثاني: الذين ينكرون القادر المختار، والله تعالى أبطل قولهم بحدوث أنواع النبات وأصناف الحيوانات مع اشتراك الكل في الطبائع وتأثيرات الأفلاك، وذلك يدل على وجود القادر. والثالث: الذين أثبتوا شريكاً مع الله تعالى، وذلك الشريك إما أن يكون علوياً أو سفلياً، أما الشريك العلوي فمثل من جعل الكواكب مؤثرة في هذا العالم، والله تعالى أبطله بدليل الخليل في قوله: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ } وأما الشريك السفلي فالنصارى قالوا بإلاهية المسيح وعبدة الأوثان قالوا: بإلاهية الأوثان، والله تعالى أكثر من الدلائل على فساد قولهم. الرابع: الذين طعنوا في النبوة وهم فريقان: أحدهما: الذين طعنوا في أصل النبوة وهم الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا:

{ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05914) [الإسراء17: 94].

والثاني: الذين سلموا أصل النبوة وطعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم اليهود والنصارى، والقرآن مملوء من الرد عليهم، ثم إن طعنهم من وجوه تارة بالطعن في القرآن فأجاب الله بقوله:

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03824) [البقرة2: 26]

وتارة بالتماس سائر المعجزات كقوله:

{ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعًا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05910)[الإسراء17: 90]

وتارة بأن هذا القرآن نزل نجماً نجماً وذلك يوجب تطرق التهمة إليه فأجاب الله تعالى عنه بقوله:

{ كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06678) [الفرقان25: 32].

الخامس: الذين نازعوا في الحشر والنشر، والله تعالى أورد على صحة ذلك وعلى إبطال قول المنكرين أنواعاً كثيرة من الدلائل. السادس: الذين طعنوا في التكليف تارة بأنه لا فائدة فيه، فأجاب الله عنه بقوله:

{ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05827) [الإسراء17: 7]

وتارة بأن الحق هو الجبر، وأنه ينافي صحة التكليف، وأجاب الله تعالى عنه بأنه

{ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06297) [الأنبياء21: 23]

وإنما اكتفينا في هذا المقام بهذه الإشارات المختصرة لأن الاستقصاء فيها مذكور في جملة هذا الكتاب وإذا ثبت أن هذه الحرفة هي حرفة كل الأنبياء والرسل علمنا أن الطاعن فيها إما أن يكون كافراً أو جاهلاً. المقام الثاني: في بيان أن تحصيل هذا العلم من الواجبات، ويدل عليه المعقول والمنقول. أما المعقول: فهو أنه ليس تقليد البعض أولى من تقليد الباقي، فأما أن يجوز تقليد الكل فيلزمنا تقليد الكفار، وإما أن يوجب تقليد البعض دون البعض فيلزم أن يصير الرجل مكلفاً بتقليد البعض دون البعض من غير أن يكون له سبيل إلى أنه لم قلد أحدهما دون الآخر، وإما أن لا يجوز التقليد أصلاً وهو المطلوب، فإذا بطل التقليد لم يبق إلا هذه الطريقة النظرية. وأما المنقول فيدل عليه الآيات والأخبار أما الآيات. فأحدها: قوله:

{ ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05817) [النحل16: 125]

ولا شك أن المراد بقوله بالحكمة أي بالبرهان والحجة، فكانت الدعوة بالحجة والبرهان إلى الله تعالى مأموراً بها، وقوله: { وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } ليس المراد منه المجادلة في فروع الشرع لأن من أنكر نبوته فلا فائدة في الخوض معه في تفاريع الشرع، ومن أثبت نبوته فإنه لا يخالفه، فعلمنا أن هذا الجدال كان في التوحيد والنبوة، فكان الجدال فيه مأموراً به ثم إنا مأمورون باتباعه عليه السلام لقوله:

-10-

{ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04115) [آل عمران3: 31] ولقوله:
{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07345) [الأحزاب33: 21]

فوجب كوننا مأمورين بذلك الجدال. وثانيها: قوله تعالى:

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06389) [الحج22: 3]
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06394) [الحج22: 8]
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07280) [لقمان31: 20]

ذم من يجادل في الله بغير علم وذلك يقتضي أن المجادل بالعلم لا يكون مذموماً بل يكون ممدوحاً وأيضاً حكى الله تعالى ذلك عن نوح في قوله:

{ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05296) [هود11: 32]

وثالثها: أن الله تعالى أمر بالنظر فقال:

{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04366) [النساء4: 82]،
{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=09775) [الغاشية88: 17]،
{ سَنُرِيهِمْ ءَايَـٰتِنَا فِى ٱلأَفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08062) [فصلت41: 53]،
{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05539) [الرعد13: 41]،
{ قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05256) [يونس10: 101]،

أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ورابعها: أن الله تعالى ذكر التفكر في معرض المدح فقال:

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07870) [الزمر39: 21]،
{ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِى ٱلأَبْصَـٰر } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04097) [آل عمران3: 13]،
{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ لأُوْلِى النهى } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06193) [طه20: 54]
{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ لأُوْلِى النهى } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06267) [طه20: 128]

وأيضاً ذم المعرضين فقال:

{ وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05492) [يوسف12: 105]،
{ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=04924) [الأعراف7: 179]

وخامسها: أنه تعالى ذم التقليد، فقال حكاية عن الكفار

{ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08139) [الزخرف43: 23] وقال:
{ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07281) [لقمان31: 21] وقال:
{ بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06797) [الشعراء26: 74] وقال:
{ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06688) [الفرقان25: 42]

وقال عن والد إبراهيم عليه السلام:

{ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06087) [مريم19: 46]

وكل ذلك يدل على وجوب النظر والاستدلال والتفكر وذم التقليد فمن دعا إلى النظر والاستدلال، كان على وفق القرآن ودين الأنبياء ومن دعا إلى التقليد كان على خلاف القرآن وعلى وفاق دين الكفار. وأما الأخبار ففيها كثرة، ولنذكر منها وجوهاً: أحدها: ما روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: «جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال إن امرأتي وضعت غلاماً أسود فقال له هل لك من إبل، فقال: نعم قال: فما ألوانها قال حمر قال: فهل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: فأنى ذلك، قال: عسى أن يكون قد نزعه عرق قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» واعلم أن هذا هو التمسك بالإلزام والقياس. وثانيها: عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: " قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم ولم يكن له أن يشتمني. أما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول خلقه بأهون على من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الله الأَحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد "

-11-

فانظر كيف احتج الله تعالى في المقام الأول بالقدرة على الابتداء، على القدرة على الإعادة، وفي المقام الثاني احتج بالأحدية على نفي الجسمية والوالدية والمولودية. وثالثها: روى عبادة بن الصامت أنه عليه السلام قال: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فقالت عائشة: يا رسول الله إنا نكره الموت فذاك كراهتنا لقاء الله؟ فقال عليه السلام: " لا ولكن المؤمن أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، والكافر كره لقاء الله فكره الله لقاءه " وكل ذلك يدل على أن النظر والفكر في الدلائل مأمور به. واعلم أن للخصم مقامات. أحدها: أن النظر لا يفيد العلم. وثانيها: أن النظر المفيد للعلم غير مقدور. وثالثها: أنه لا يجوز الإقدام عليه. ورابعها: أن الرسول ما أمر به. وخامسها: أنه بدعة.

أما المقام الأول: فاحتج الخصم عليه بأمور: أحدها: أنا إذا تفكرنا وحصل لنا عقيب فكرنا اعتقاد فعلمنا بكون ذلك الاعتقاد علماً، إما أن يكون ضرورياً أو نظرياً، والأول باطل لأن الإنسان إذا تأمل في اعتقاده في كون ذلك الاعتقاد علماً، وفي اعتقاده في أن الواحد نصف الاثنين، وأن الشمس مضيئة والنار محرقة وجد الأول أضعف من الثاني، وذلك يدل على أن تطرق الضعف إلى الأول والثاني باطل، لأن الكلام في ذلك الفكر الثاني كالكلام في الأول فيلزم التسلسل وهو محال. وثانيها: إنا رأينا عالماً من الناس قد تفكروا واجتهدوا وحصل لهم عقيب فكرهم اعتقاد، وكانوا جازمين بأنه علم ثم ظهر لهم أو لغيرهم أن ذلك كان جهلاً فرجعوا عنه وتركوه وإذا شاهدنا ذلك في الوقت الأول جاز أن يكون الاعتقاد الحاصل ثانياً كذلك، وعلى هذا الطريق لا يمكن الجزم بصحة شيء من العقائد المستفادة من الفكر والنظر. وثالثها: أن المطلوب إن كان مشعوراً به استحال طلبه، لأن تحصيل الحاصل محال، وإن كان غير مشعور به كان الذهن غافلاً عنه، و المغفول عنه يستحيل أن يتوجه الطلب إليه. ورابعها: أن العلم يكون النظر مفيداً للعلم إما أن يكون ضرورياً أو نظرياً فإن كان ضرورياً وجب اشتراك العقلاء فيه وليس كذلك. وإن كان نظرياً لزم إثبات جنس الشيء بفرد من أفراده وذلك محال لأن النزاع لما وقع في الماهية كان واقعاً في ذلك الفرد أيضاً فيلزم إثبات الشيء بنفسه وهو محال لأنه من حيث أنه وسيلة الإثبات يجب أن يكون معلوماً قبل.

-12-

admin
01-11-2011, 03:22 PM
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }


قوله سبحانه وتعالى: { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } قال علقمة ومجاهد: كل آية أوّلها «يأَيها الناس» فإنما نزلت بمكة، وكل آية أوّلها «يأَيها الذِين آمنوا» فإنما نزلت بالمدينة.

قلت: وهذا يردّه أن هذه السورة والنساء مدنِيّتان وفيهما يأيها الناس. وأما قولهما في «يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» فصحيح. وقال عُرْوة بن الزبير: ما كان من حَدّ أو فريضة فإنه نزل بالمدينة، وما كان من ذكر الأمم والعذاب فإنه نزل بمكة. وهذا واضح.

و «يا» في قوله: «يأَيها» حرف نداء. «أيُّ» منادَى مفرد مبنيّ على الضم؛ لأنه منادى في اللفظ، و «ها» للتنبيه. «الناسُ» مرفوع صفة لأي عند جماعة النحويين؛ ما عدا المازني فإنه أجاز النصب قياسًا على جوازه في: يا هذا الرجل. وقيل: ضُمّت «أي» كما ضُمّ المقصود المفرد، وجاءوا بـ «ها» عِوَضًا عن ياء أخرى، وإنما لم يأتوا بياء لئلا ينقطع الكلام فجاءوا بـ «ها» حتى يبقى الكلام متصلا. قال سيبويه: كأنك كررت «يا» مرتين وصار الاسم بينهما؛ كما قالوا: ها هو ذا. وقيل: لما تعذّر عليهم الجمع بين حرفي تعريف أتوا في الصورة بمنادى مجرّد عن حرف تعريف، وأجروْا عليه المعرّف باللام المقصود بالنداء، وٱلتزموا رفعه؛ لأنه المقصود بالنداء؛ فجعلوا إعرابه بالحركة التي كان يستحقها لو باشرها النداء تنبيهاً على أنه المنادى؛ فٱعلمه.

وٱخْتُلِفَ من المراد بالناس هنا على قولين: أحدهما: الكفار الذين لم يعبدوه؛ يدل عليه قوله:

{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03821) [البقرة2: 23].

الثاني: أنه عام في جميع الناس؛ فيكون خطابه للمؤمنين بٱستدامة العبادة، وللكافرين بٱبتدائها. وهذا حَسَن.

قوله تعالى: { ٱعْبُدُواْ } أمْرٌ بالعبادة له. والعبادة هنا عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه. وأصل العبادة الخضوع والتذلل؛ يقال: طريق مُعَبَّدة إذا كانت موطوءةً بالأقدام.

قال طرفة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وظِيفاً وظيفا فوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

والعبادة: الطاعة. والتعبد: التَّنَسُّك. وعبَّدت فلاناً: ٱتخذته عبداً.

قوله تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } خصّ تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته إذ كانت العرب مُقِرّة بأن الله خلقها؛ فذكر ذلك حجةً عليهم وتقريعاً لهم. وقيل: ليذكرهم بذلك نعمته عليهم. وفي أصل الخلق وجهان: أحدهما: التقدير؛ يقال خَلقتُ الأدِيم للسقاء إذا قدّرته قبل القطع؛ قال الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وَلأنتَ تَفْرِي ما خَلقتَ وبعـ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ـضُ القوم يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال الحجاج: ما خَلَقْتُ إلاّ فَرَيْتُ، ولا وَعَدْتُ إلاّ وَفّيْتُ. الثاني: الإنشاء والاختراع والإبداع؛ قال الله تعالى:

{ وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07148) [العنكبوت29: 17].

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } فيقال إذا ثبت عندهم خلقهم ثبت عندهم خلق غيرهم؛ فالجواب: أنه إنما يجري الكلام على التنبيه والتذكير ليكون أبلغ في العظة؛ فذكّرهم مَن قبلهم ليعلموا أن الذي أمات من قبلهم وهو خَلَقهم يميتهم؛ وليفكّروا فيمن مضى قبلهم كيف كانوا، وعلى أيّ الأمور مضوْا من إهلاك من أهلك؛ وليعلموا أنهم يُبتلون كما ٱبتلُوا.
والله أعلم.


-1-

قوله تعالى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } «لعلّ» متصلة بٱعبدوا لا بخلقكم؛ لأن من ذَرَأه الله لجهنم لم يخلقه ليتّقي. وهذا وما كان مثله فيما ورد في كلام الله تعالى من قوله: { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } فيه ثلاثة تأويلات:

الأوْل: أن «لَعلّ» على بابها من الترجّي والتوقّع، والترجّي والتوقّع إنما هو في حيّز البشر؛ فكأنه قيل لهم: ٱفعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع أن تعقلوا وأن تذكروا وأن تتقوا. هذا قول سيبويه ورؤساء اللسان. قال سيبويه في قوله عز وجل:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06182)ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06182) فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06183) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06183) [طهۤ20: 43 ـ 44]

قال معناه: اذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكّر أو يخشى. وٱختار هذا القول أبو المعالي.

الثاني: أن العرب ٱستعملت «لَعلّ» مجرّدة من الشك بمعنى لام كي. فالمعنى لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا؛ وعلى ذلك يدل قول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وقلتم لنا كُفُّوا الحروبَ لعلّنا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>نَكُفُّ ووثّقتم لنا كلّ مَوْثِقِ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فلما كففنا الحرب كانت عهودكم</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>كَلَمْعِ سَرابٍ في المَلا مُتَألِّقِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

المعنى: كفُّوا الحروب لنكُفّ، ولو كانت «لعل» هنا شكّاً لم يوثقوا لهم كل موثق؛ وهذا القول عن قُطْرُب والطبري.

الثالث: أن تكون «لعل» بمعنى التعرّض للشيء؛ كأنه قيل: ٱفعلوا ذلك متعرّضين لأن تعقلوا، أو لأن تذكروا أو لأن تتقوا. والمعنى في قوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }: أي لعلكم أن تجعلوا بقبول ما أمركم الله به وقاية بينكم وبين النار. وهذا من قول العرب: ٱتقاه بحقه إذا ٱستقبله به؛ فكأنه جعل دفعه حقه إليه وقاية له من المطالبة؛ ومنه قول عليّ رضي الله عنه: كنا إذا ٱحمرّ البأس ٱتقينا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي جعلناه وقاية لنا من العدوّ. وقال عنترة:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولقد كَرَرْتُ المُهْرَ يَدْمَى نَحْرُه</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>حتى ٱتّقتني الخيلُ بٱبني حِذْيَم</TD></TR></TBODY></TABLE>
<LABEL class=############ disabled></LABEL>
<LABEL class=############ disabled>-2-</LABEL>

admin
01-11-2011, 03:39 PM
تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق 1-4

{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) }


شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة؛ بأن جعل لهم الأرض فراشاً، أي: مهداً كالفراش، مقررة موطأة، مثبتة بالرواسي الشامخات، والسماء بناء، وهو السقف، كما قال في الآية الأخرى:

{ وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَـٰتِهَا مُعْرِضُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06306) [الأنبياء21: 32]

وأنزل لهم من السماء ماء والمراد به السحاب ههنا في وقته عند احتياجهم إليه، فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد؛ رزقاً لهم ولأنعامهم؛ كما قرر هذا في غير موضع من القرآن، ومن أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى:

{ ٱلَّذِى جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَـٰرَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07988) [غافر40: 64]

ومضمونه: أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها، ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده، ولا يشرك به غيره ولهذا قال: { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " الحديث، وكذا حديث معاذ: " أتدري ما حق الله على عباده؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " الحديث، وفي الحديث الآخر: " لا يقولن أحدكم: ما شاء الله، وشاء فلان، ولكن ليقل: ما شاء الله، ثم شاء فلان " وقال حماد بن سلمة: حدثنا عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة أم المؤمنين لأمها قال: رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على نفر من اليهود، فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، قال: ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن النصارى، قلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت، أخبرت، بها من أخبرت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: " هل أخبرت بها أحداً؟ " قلت: نعم، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده " هكذا رواه ابن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث حماد بن سلمة به، وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر عن عبد الملك بن عمير به بنحوه، وقال سفيان بن سعيد الثوري عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، فقال:

-1-

" أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده " رواه ابن مردويه وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث عيسى بن يونس عن الأجلح به، وهذا كله صيانة وحماية لجناب التوحيد، والله أعلم. وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة، أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } للفريقين جميعاً من الكفار والمنافقين، أي: وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم. وبه عن ابن عباس: { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي: لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد هو الحق الذي لا شك فيه. وهكذا قال قتادة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا أبي عمرو حدثنا أبي الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قول الله عز وجل: { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } قال: الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي، ويقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها: فلان، هذا كله به شرك، وفي الحديث أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، قال: " أجعلتني لله نداً " وفي الحديث الآخر: " نعم القوم أنتم لولا أنكم تنددون؛ تقولون: ما شاء الله وشاء فلان " قال أبو العالية: فلا تجعلوا لله أنداداً، أي: عدلاء شركاء. وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة والسدي وأبو مالك وإسماعيل بن أبي خالد، وقال مجاهد: { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } قال: تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل.

ذكر حديث في معنى هذه الآية الكريمة

قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا أبو خلف موسى بن خلف، وكان يعد من البدلاء، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن الحارث الأشعري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وأنه كاد أن يبطىء بها، فقال له عيسى عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن، وإما أن أبلغهن، فقال: يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي، قال: فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، فقعد على الشرف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن، أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، فإن مثل ذلك كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بورق أو ذهب، فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله خلقكم ورزقكم، فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وآمركم بالصلاة؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفوا، وآمركم بالصيام؛ فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصدقة؛ فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فشدوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، وقال لهم: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم؟ فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير؛ حتى فك نفسه، وآمركم بذكر الله كثيراً وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فأتى حصناً حصيناً، فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله "

-2-

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله؛ فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى جاهلية فهو من جثي جهنم " قالوا: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ فقال: " وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم على ما سماهم الله عز وجل: المسلمين المؤمنين عباد الله " هذا حديث حسن، والشاهد منه في هذه الآية قوله: «وإن الله خلقكم ورزقكم، فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً»، وهذه الآية دالة على توحيده تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، وقد استدل به كثير من المفسرين كالرازي وغيره على وجود الصانع تعالى، وهي دالة على ذلك بطريق الأولى؛ فإن من تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية، واختلاف أشكالها وألوانها وطباعها ومنافعها ووضعها في مواضع النفع بها محكمة، علم قدرة خالقها وحكمته وعلمه وإتقانه وعظيم سلطانه، كما قال بعض الأعراب، وقد سئل ما الدليل على وجود الرب تعالى؟ فقال: يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام لتدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج؟ ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟.

-3-

وحكى الرازي عن الإمام مالك أن الرشيد سأله عن ذلك، فاستدل له باختلاف اللغات والأصوات والنغمات، وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه؛ ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء، وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد، فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل، فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي، وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة، ليس لها صانع فبهت القوم، ورجعوا إلى الحق، وأسلموا على يديه. وعن الشافعي أنه سئل عن وجود الصانع، فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم، وتأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعراً وروثاً، وتأكله الظباء فيخرج منها المسك، وهو شيء واحد. وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن ذلك فقال: ههنا حصن حصين أملس، ليس له باب ولا منفذ، ظاهره كالفضة البيضاء، وباطنه كالذهب الإبريز، فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره، فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح، يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة. وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>تَأَمَّلْ في نباتِ الأرضِ وانظُرْ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>إلى آثارِ ما صنعَ المَليكُ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>عُيونٌ من لُجَيْنٍ شاخِصاتٌ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بأحداقٍ هي الذَّهَبُ السَّبيكُ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>على قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شاهداتٌ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>بأنَّ اللّهَ ليسَ لهُ شَريكُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال ابن المعتز:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فيا عجباً كيف يُعْصى الإلـ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ـهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجاحِدُ</TD></TR><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وفي كُل شَيْءٍ لهُ آيةٌ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>تدلُّ على أَنَّهُ واحِدُ</TD></TR></TBODY></TABLE>

وقال آخرون: من تأمل هذه السموات في ارتفاعها واتساعها، وما فيها من الكواكب الكبار والصغار النيرة من السيارة ومن الثوابت، وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرة، ولها في أنفسها سير يخصها، ونظر إلى البحار المكتنفة للأرض من كل جانب، والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها، مع اختلاف أشكالها وألوانها؛ كما قال تعالى:

{ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07478)وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07478) وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07479) } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07479) [فاطر35: 27 - 28]

وكذلك هذه الأنهار السارحة من قطر إلى قطر للمنافع، وماذرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة، والنبات المختلف الطعوم والأراييج والأشكال والألوان، مع اتحاد طبيعة التربة والماء، استدل على وجود الصانع وقدرته العظيمة، وحكمته ورحمته بخلقه، ولطفه بهم، وإحسانه إليهم، وبره بهم، لا إله غيره، ولا رب سواه، عليه توكلت وإليه أنيب، والآيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جداً.

-4-

admin
01-11-2011, 04:20 PM
تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } لما عدد فرق المكلفين وذكر خواصهم ومصارف أمورهم، أقبل عليهم بالخطاب على سبيل الالتفات هَزّاً للسامع وتنشيطاً له واهتماماً بأمر العبادة، وتفخيماً لشأنها، وجبراً لكلفة العبادة بلذة المخاطبة. و (يـا) حرف وضع لنداء البعيد، وقد ينادي به القريب تنزيلاً له منزلة البعيد. إما لعظمته كقول الداعي: يا رب، ويا الله، هو أقرب إليه من حبل الوريد. أو لغفلته وسوء فهمه. أو للاعتناء بالمدعو له وزيادة الحث عليه. وهو مع المنادى جملة مفيدة، لأنه نائب مناب فعل. وأي: جعل وصلة إلى نداء المعرف باللام، فإن إدخال «يا» عليه متعذر لتعذر الجمع بين حرفي التعريف فإنهما كمثلين وأعطي حكم المنادى وأجري عليه المقصود بالنداء وصفاً موضحاً له، والتزام رفعه إشعاراً بأنه المقصود، وأقحمت بينهما هاء التنبيه تأكيداً وتعويضاً عما يستحقه، أي من المضاف إليه، وإنما كثر النداء على هذه الطريقة في القرآن لاستقلاله بأوجه من التأكيد، وكل ما نادى الله له عباده من حيث إنها أمور عظام، من حقها أن يتفطنوا إليها، ويقبلوا بقلوبهم عليها، وأكثرهم عنها غافلون، حقيق بأن ينادي له بالآكد الأبلغ والجموع وأسماؤها المحلاة باللام للعموم حيث لا عهد، ويدل عليه صحة الاستثناء منها. أو التأكيد بما يفيد العموم كقوله تعالى:

{ فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05623) [الحجر15: 30]

واستدلال الصحابة بعمومها شائعاً وذائعاً، فالناس يعم الموجودين وقت النزول لفظاً ومن سيوجد، لما تواتر من دينه عليه الصلاة والسلام أن مقتضى خطابه وأحكامه شامل للقبيلين، ثابت إلى قيام الساعة إلا ما خصه الدليل، وما روي عن علقمة والحسن أن كل شيء نزل فيه { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } فمكي { وَيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمنوا } فمدني، إن صح رفعه فلا يوجب تخصيصه بالكفار، ولا أمرهم بالعبادة، فإن المأمور به هو القدر المشترك بين بدء العبادة، والزيادة فيها، والمواظبة عليها، فالمطلوب من الكفار هو الشروع فيها بعد الإتيان بما يجب تقديمه من المعرفة والإقرار بالصانع، فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم إلا به، وكما أن الحدث لا يمنع وجوب الصلاة، فالكفر لا يمنع وجوب العبادة، بل يجب رفعه والاشتغال بها عقيبه. ومن المؤمنين ازديادهم وثباتهم عليها وإنما قال: { رَبُّكُـمْ } تنبيهاً على أن الموجب للعبادة هي الربوبية.

{ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } صفة جَرَتْ عليه تعالى للتعظيم والتعليل، ويحتمل التقييد والتوضيح إن خص الخطاب بالمشركين، وأريد بالرَّب أعم من الرب الحقيقي، والآلهة التي يسمونها أرباباً. والخلق إيجاد الشيء على تقدير واستواء، وأصله التقدير يقال: خلق النعل إذا قدرها وسواها بالمقياس.

{ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } متناول كل ما يتقدم الإنسان بالذات أو بالزمان.

-1-

منصوب معطوف على الضمير المنصوب في { خَلَقَكُمْ }. والجملة أُخْرِجَتْ مَخْرَجَ المقرر عندهم، إما لاعترافهم به كما قال الله تعالى:

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08203) [الزخرف43: 87]

أو لتمكنهم من العلم به بأدنى نظر! وقرىء { مِن قَبْلِكُمْ } على إقحام الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيداً، كما أقحم جرير في قوله:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>يا تيم تيمَ عُدَيٍّ لا أبا لَكمُو</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic></TD></TR></TBODY></TABLE>

تيماً، الثاني بين الأول وما أضيف إليه.

{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } حال من الضمير في { ٱعْبُدُواْ } كأنه قال: اعبدوا ربكم راجين أن تنخرطوا في سلك المتقين الفائزين بالهدى والفلاح، المستوجبين جوار الله تعالى. نبه به على أن التقوى منتهى درجات السالكين وهو التبري من كل شيء سوى الله تعالى إلى الله، وأن العابد ينبغي أن لا يغتر بعبادته، ويكون ذا خوف ورجاء قال تعالى:

{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=07310) [السجدة32: 16]
{ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=05877) [الإسراء17: 57]

أو من مفعول { خَلَقَكُمْ } والمعطوف عليه على معنى أنه خلقكم ومن قبلكم في صورة من يرجى منه التقوى لترجح أمره باجتماع أسبابه، وكثرة الدواعي إليه. وغلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ، والمعنى على إرادتهم جميعاً. وقيل تعليل للخلق أي خلقكم لكي تتقوا كما قال:

{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=08522) [الذاريات51: 56]

وهو ضعيف إذ لم يثبت في اللغة مثله.

والآية تدل على أن الطريق إلى معرفة الله تعالى والعلم بوحدانيته واستحقاقه للعبادة، النظر في صنعه والاستدلال بأفعاله، وأن العبد لا يستحق بعبادته عليه ثواباً، فإنها لما وجبت عليه شكراً لما عدده عليه من النعم السابقة فهو كأجير أخذ الأجر قبل العمل.

-2-

admin
01-11-2011, 04:34 PM
تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }


{ يَٰ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } أي أهل مكة { ٱعْبُدُواْ } وحدوا { رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ } أنشأكم ولم تكونوا شيئا { وَ } خلق { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } بعبادته عقابه،( ولعلَّ) في الأصل للترجي وفي كلامه تَعالى: للتحقيق.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>

admin
01-11-2011, 04:40 PM
تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق 1-4

{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) }


لما فرغ سبحانه من ذكر المؤمنين، والكافرين، والمنافقين أقبل عليهم بالخطاب التفاتاً للنكتة السابقة في الفاتحة. و " يا " حرف نداء، والمنادى " أيّ ": وهو اسم مفرد مبني على الضم، و " ها " حرف تنبيه مقحم بين المنادى، وصفته. قال سيبويه: كأنك كررت «يا» مرتين، وصار الاسم بينهما كما قالوا: ها هو ذا. وقد تقدّم الكلام في تفسير الناس، والعبادة، وإنما خص نعمة الخلق، وامتنّ بها عليهم؛ لأن جميع النعم مترتبة عليها، وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها، وأيضاً، فالكفار مقرُّون بأن الله هو: الخالق

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) [الزخرف43: 87]

فامتن عليهم بما يعترفون به، ولا ينكرونه. وفي أصل معنى الخلق، وجهان: أحدهما التقدير، يقال: خلقت الأديم للسقاء: إذا قدّرته قبل القطع. قال زهير:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>ولأنت تفرى ما خلقت وبعـ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>ـض القوم يخلق ثم لا يفرى</TD></TR></TBODY></TABLE>

الثاني: الإنشاء، والإختراع، والإبداع. و " لعل " أصلها الترجي، والطمع، والتوقع، والإشفاق، وذلك مستحيل على الله سبحانه، ولكنه لما كانت المخاطبة منه سبحانه للبشر كان بمنزلة قوله لهم: افعلوا ذلك على الرجاء منكم، والطمع، وبهذا قال جماعة من أئمة العربية منهم سيبويه. وقيل: إن العرب استعملت " لعل " مجردة من الشك بمعنى لام " كي ". والمعنى هنا: لتتقوا، وكذلك ما وقع هذا الموقع، ومنه قول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وَقُلتْمُ لَنَا كُفُّوا الحروبَ لَعلنا</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>نَكُفّ وَوَثَّقْتُم لَنَا كُلَّ مَوثِقِ</TD></TR></TBODY></TABLE>
<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>فَلَمَّا كفَفَنْاَ الحَربَ كانت عُهُودُكمُ</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>كَشَبّه سَرَابٍ في المَلأ مَُتَألقِ</TD></TR></TBODY></TABLE>

أي: كفوا عن الحرب لنكف، ولو كانت " لعل " للشك لم يوثقوا لهم كل موثق، وبهذا قال جماعة منهم قطرب. وقيل إنها بمعنى التعرّض للشيء كأنه قال: متعرّضين للتقوى. و { جعل } هنا بمعنى صيّر لتعدّيه إلى المفعولين، ومنه قول الشاعر:

<TABLE dir=rtl class=TextArabic><TBODY><TR class=TextArabic><TD class=TextArabic>وقد جعلت أرى الإثنين أربعة</TD><TD class=TextArabic> </TD><TD class=TextArabic>والأربع اثنين لما هدَّني الكبر</TD></TR></TBODY></TABLE>

و { فِرَاشاً } أي: وطاء يستقرون عليها. لما قدّم نعمة خلقهم أتبعه بنعمة خلق الأرض فراشاً لهم، لما كانت الأرض التي هي مسكنهم، ومحل استقرارهم من أعظم ما تدعو إليه حاجتهم، ثم أتبع ذلك بنعمة جعل السماء كالقبة المضروبة عليهم، والسقف للبيت الذي يسكنونه كما قال:

{ وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=06306) [الأنبياء21: 32].

وأصل البناء: وضع لبنة على أخرى، ثم امتنّ عليهم بإنزال الماء من السماء. وأصل ماء موه، قلبت الواو لتحركها، وانفتاح ما قبلها ألفاً فصار ماه، فاجتمع حرفان خفيفان، فقلبت الهاء همزة. والثمرات جمع ثمرة. والمعنى: أخرجنا لكم ألواناً من الثمرات، وأنواعاً من النبات، ليكون ذلك متاعاً لكم إلى حين. والأنداد جمع ندّ، وهو المثل والنظير. وقوله: { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية، والخطاب للكفار، والمنافقين.

-1-

فإن قيل: كيف وصفهم بالعلم، وقد نعتهم بخلاف ذلك حيث قال:

{ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03811) [البقرة2: 13]
{ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03810) [البقرة2: 12]
{ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03814) [البقرة2: 16]
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03816\) [البقرة2: 18].

فيقال: إن المراد أن جهلهم، وعدم شعورهم لا يتناول هذا، أي: كونهم يعلمون أنه المنعم دون غيره من الأنداد، فإنهم كانوا يعلمون هذا، ولا ينكرونه كما حكاه الله عنهم في غير آية. وقد يقال: المراد، وأنتم تعلمون، وحدانيته بالقوّة، والإمكان لو تدبرتم، ونظرتم. وفيه دليل على وجوب استعمال الحجج، وترك التقليد. قال ابن فُورَك: المَراد وتجعلون لله أنداداً بعد علمكم الذي هو نفي الجهل بأن الله واحد. انتهى. وحذف مفعول تعلمون للدلالة على عدم اختصاص ما هم عليه من العلم بنوع واحد من الأنواع الموجبة للتوحيد.

وقد أخرج البزار، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: ما كان { يا ايها الذين آمنوا } فهو أنزل بالمدينة، وما كان { يُذْهِبْكُمْ يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } فهو أنزل بمكة. وروى نحو ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه. وروى نحوه أبو عبيد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر من قول علقمة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن مردويه، وابن المنذر عن الضحاك مثله. وكذا أخرج أبو عبيد عن ميمون بن مهران. وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة، وابن مردويه عن عروة، وعكرمة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: { أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } قال: هي للفريقين جميعاً من الكفار والمؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: { لَعَلَّكُمْ } يعني " كي ". وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عون بن عبد الله بن عتبة؛ قال: لعل من الله واجب.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن مسعود، وناس من الصحابة في قوله:

{ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاُرْضَ فِرَاشاً } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) [البقرة2: 22]

أي: تمشون عليها وهي: المهاد والقرار

{ وَٱلسَّمَاء بِنَاء } (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=03820) [البقرة2: 22]

قال: كهيئة القبة وهي سقف الأرض وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن أنه سئل: المطر من السماء أم من السحاب؟ قال: من السماء. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن كعب قال: السحاب غربال المطر، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض، والبذر. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال: المطر ماء يخرج من تحت العرش، فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في سماء الدنيا، فيجتمع في موضع يقال له: الأبزم، فتجيء السحاب السود، فتدخله، فتشربه مثل شرب الإسفنجة، فيسوقها الله حيث يشاء.

وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عكرمة قال: ينزل الماء من السماء السابعة، فتقع القطرة منه على السحاب مثل البعير.

-2-

وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن خالد بن يزيد قال: المطر منه من السماء، ومنه ما يستقيه الغيم من البحر، فَيُعْذبُهُ الرعد والبرق. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن ابن عباس قال: إذا جاء القطر من السماء تفتحت له الأصداف، فكان لؤلؤاً. وأخرج الشافعي في الأم، وابن أبي الدنيا في كتاب المطر، وأبو الشيخ في العظمة عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ساعةٍ من ليلٍ، ولا نهارٍ إلا والسماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء " وأخرج ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما نزل مطر من السماء إلا ومعه البذر، أما لو أنكم بسطتم نطعاً لرأيتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: المطر. مزاجة من الجنة، فإذا كثر المزاج عظمت البركة، وإن قلّ المطر، وإذا قلّ المزاج قلت البركة، وإن كثر المطر. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء، وينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة يكتبون حيث يقع ذلك المطر، ومن يرزقه، ومن يخرج منه مع كل قطرة.

وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } أي: لا تشركوا به غيره من الأنداد التي لا تضرّ، ولا تنفع { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه لا ربّ لكم يرزقكم غيره. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { أَندَاداً } قال: أشباهاً. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود { أَندَاداً } قال: أكفاء من الرجال يطيعونهم في معصية الله. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { أنداداً } قال: شركاء.

وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والنسائي، وابن ماجه، وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: «قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، قال: " جعلتني لله ندا ما شاء الله وحده " وأخرج ابن سعد عن قتيلة بنت صيفى قالت: «جاء حبر من الأحبار إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون، قال: " وكيف؟ " قال: يقول أحدكم لا والكعبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف، فليحلف بربّ الكعبة " فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله نداً، قال: " وكيف ذلك " قال: يقول أحدكم ما شاء الله وشئت، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم، فمن قال منكم " ما شاء الله قال ثم شئت " وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

-3-

" تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " وأخرج أحمد، وابن ماجه، والبيهقي، وابن مردويه عن طفيل بن سخبرة: «أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مرّ برهط من اليهود فقال: أنتم نعم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيراً ابن الله، فقالوا: وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله، وشاء محمد. ثم مرّ برهط من النصارى فقال: أنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله، قالوا: وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبح أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فخطب، فقال: " إن طفيلاً رأى رؤيا، وإنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم، فلا تقولوها، ولكن قولوا ما شاء الله وحده لا شريك له " وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفا سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله حياتك يا فلان وحياتي، وتقول: لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص، ولولا القط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل ما شاء الله وشئت، وقول الرجل لولا الله وفلان، هذا كله شرك. وأخرج البخاري، ومسلم عن ابن مسعود قال: «قلت: يا رسول الله أي: الذنب أعظم؟ " قال: أن تجعل لله ندّاً، وهو خلقك " الحديث.

-4-

admin
01-11-2011, 04:43 PM
تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق



{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } أي أطيعوا ربكم. ويقال: وحدوا ربكم. وهذه الآية عامة، وقد تكون كلمة يا أيها الناس خاصة لأهل مكة وقد تكون عامة لجميع الخلق فها هنا { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } لجميع الخلق. يقول للكفار: وحدوا ربكم، ويقول للعصاة: أطيعوا ربكم، ويقول للمنافقين: أخلصوا بالتوحيد معرفة ربكم، ويقول للمطيعين: اثبتوا على طاعة ربكم. واللفظ يحتمل هذه الوجوه كلها، وهو من جوامع الكلم. واعلم أن النداء في القرآن على ست مراتب: نداء مدح، ونداء ذم، ونداء تنبيه، ونداء إضافة، ونداء نسبة، ونداء تسمية. فأما نداء المدح فمثل قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيّ } { يا أيها ٱلرُّسُلَ } { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } ونداء الذم مثل قوله تعالى: { يا أيهاٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُواْ } ونداء التنبيه مثل قوله تعالى { يا أيهاٱلإِنسَـٰنَ } { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } ونداء الإضافة مثل قوله تعالى { يا عِبَادِى } ونداء النسبة مثل قوله { يا بني آدم } { يا بَنِى إِسْرٰءيلَ } ونداء التسمية مثل قوله تعالى { يا دَاوُودُ } { يا إِبْرَاهِيمَ } فها هنا ذكر نداء التنبيه فقال: { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } أخبر بالنداء أنه يريد أن يأمر أمراً أو ينهى عن شيء. ثم بين الأمر فقال: { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } يعني وحدوا وأطيعوا { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } معناه: أطيعوا ربكم الذي هو خالقكم، فخلقكم ولم تكونوا شيئاً { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } يعني وخلق الذين من قبلكم { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } المعصية وتنجون من العقوبة.


<LABEL class=############ disabled></LABEL>