المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 012 - سورة يوسف


admin
05-15-2009, 06:57 PM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إستمع بصوت عبد الباسط عبد الصمد (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/ABD_ELBASET/012.wma)
إستمع بصوت عبد الرحمن السديس (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Al-Sudas/012.wma)
إستمع بصوت سعد الغامدي (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Al-Ghamedi/012.wma)
إستمع بصوت أحمد العجمي (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Al-A'ajami/012.wma)


012
سورة يوسف
(http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012001.HTM)الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012001.HTM) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012002.HTM) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012003.HTM) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012004.HTM) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012005.HTM) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012006.HTM) لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012007.HTM) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012008.HTM) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012009.HTM) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012010.HTM) قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012011.HTM) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012012.HTM) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012013.HTM) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012014.HTM) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012015.HTM) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012016.HTM) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012017.HTM) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012018.HTM) وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012019.HTM) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012020.HTM) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012021.HTM) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012022.HTM) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012023.HTM) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012024.HTM) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012025.HTM) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012026.HTM) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012027.HTM) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012028.HTM) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012029.HTM) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012030.HTM) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012031.HTM) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012032.HTM) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012033.HTM) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012034.HTM) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012035.HTM) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012036.HTM) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012037.HTM) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012038.HTM) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012039.HTM) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012040.HTM) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012041.HTM) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012042.HTM) وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012043.HTM) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012044.HTM) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012045.HTM) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012046.HTM) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012047.HTM) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012048.HTM) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012049.HTM) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012050.HTM) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012051.HTM) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012052.HTM) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012053.HTM) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012054.HTM) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012055.HTM) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012056.HTM) وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012057.HTM) وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012058.HTM) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012059.HTM) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012060.HTM) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012061.HTM) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012062.HTM) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012063.HTM) قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012064.HTM) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012065.HTM) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012066.HTM) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012067.HTM) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012068.HTM) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012069.HTM) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012070.HTM) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012071.HTM) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012072.HTM) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012073.HTM) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012074.HTM) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012075.HTM) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012076.HTM) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012077.HTM) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012078.HTM) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012079.HTM) فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012080.HTM) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012081.HTM) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012082.HTM) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012083.HTM) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012084.HTM) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012085.HTM) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012086.HTM) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012087.HTM) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012088.HTM) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012089.HTM) قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012090.HTM) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012091.HTM) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012092.HTM) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012093.HTM) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012094.HTM) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012095.HTM) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012096.HTM) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012097.HTM) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012098.HTM) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012099.HTM) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012100.HTM) رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012101.HTM) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012102.HTM) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012103.HTM) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012104.HTM) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012105.HTM) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012106.HTM) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012107.HTM) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012108.HTM) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012109.HTM) حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012110.HTM) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012111.HTM) (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Quran/Ay012001.HTM)

صدق الله العظيم

admin
05-15-2009, 06:58 PM
الإعجاز التربوي في سورة يوسف


بقلم ياسر محمود الأقرع
تمثل قضيَّة التربية في قصَّة سيدنا يوسف عليه السلام مرتكزاً أساسياً من المرتكزات الأخلاقية التي تقوم عليها أحداث القصة، وتدعو إليها مواقفها المختلفة. وذلك عبر اللفتة الموحية والإشارة الدالة التي حملتها كلمة(رَبّ) في البناء اللغوي البياني المعجز في السورة.
واسم (الربّ) يطلق في اللغة على المالك، و السيّد، والمدبر، والمربي، والقيّم، والمنعم. (انظر: لسان العرب/م1/ص399). من هنا فإن أول ما تحمله سورة الفاتحة بعد البسملة قوله تعالى: " الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " ذلك أن الحمد كله لله المنعم المتفضل الذي لولا إنعامه على خلقه لما كان لهم وجود ولا بقاء.
ولا يطلق اسم (الرب) غير مضاف إلا على الله سبحانه وتعالى (ولم يرد على هذا النحو في القرآن الكريم). أما إذا أضيف فقد يُقصد به الله سبحانه وتعالى، مثل (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة /286/، وقوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5]. وقد يُقصد به بعض خلقه كقولنا: (ربّ المنزل، ربّ العمل).
تحمل كلمة الرب إذاً المعاني التي تقوم عليها عملية التربية من الرعاية والاهتمام والتدبير وغير ذلك. من هنا، من هذه الكلمة (الرب) ينطلق البحث في قضية التربية في قصة يوسف (عليه السلام).
عرضت لنا القصة ثلاث مراحل في حياة سيدنا يوسف:
مرحلة الطفولة: من ذكر الرؤيا حتى وصوله إلى بيت عزيز مصر.
مرحلة الشباب: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ).
مرحلة الرجولة والنضج: (يقول المؤرخون إن بين رؤياه واجتماعه بأبيه و إخوته في مصر أربعون سنة).
فكيف نتلمّس دور المربي (الله سبحانه وتعالى) في حياة يوسف عليه السلام عبر أطوارها المتتالية، وظروفها المختلفة...؟
أول ما يطالعنا من قصة يوسف عليه السلام ذكر سيدنا يوسف رؤياه لأبيه، وهو في مرحلة مبكرة من العمر (12 سنة حسب أرجح الأقوال)، ويدرك أبوه يعقوب عليه السلام أن ما رآه ابنه في رؤياه إنما هو من دلائل النبوة، فيبشّره: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
ثمة أمور ثلاثة يأتي ذكرها في الآية حكاية عن سيدنا يعقوب (عليه السلام):
1-الاجتباء و التربية:
يجتبيك ربك: أي يختارك ويصطفيك لمهمة سيوكلها إليك. وهذه المهمة تحتاج إلى تهيئة وتدريب و استعداد، وأنت ما تزال طفلاً صغيراً. ولكن الذي يختارك ويجتبيك هو (ربّك) أي هو القائم على شؤونك، ورعايتك، وتدريبك.
وقد خصّه سيدنا يعقوب بكاف الخطاب في قوله (ربك) إشعاراً له بخصوصية العلاقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وإيناساً له وهو في هذه السن المبكرة.
2- التعليم:
بعد مرحلة الاجتباء والاختيار، تأتي مسألة التهيئة (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ). وتأويل الرؤيا وتعبيرها معجزة أيدّه الله بها، لتكون عوناً له في المهمة الموكلة إليه.
3- النبوة:
(و َيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ)وهذه الواو تعني اجتماع هذه الأمور لسيدنا يوسف فالاختيار ثم تعليمه تأويل الرؤيا وحدهما لا يعنيان إتمام النعمة. ونفهم من قوله تعالى (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ ) أن إتمام النعمة هو النبوة وحمل الرسالة، وهذه هي المهمة التي يعدّك الله للقيام بها بعد اختيارك وتأييدك بعلم تأويل الرؤيا. وتختتم الآية بقوله تعالى حكاية عن سيدنا يعقوب (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
فكلمة (عليم) ترجع إلى قوله تعالى (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)، وكلمة (حكيم) تعود إلى الاجتباء والاختيار، أي أن هذا الاختيار جاء لحكمة يعلمها الله فـ (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام:124].
إذاً في هذه السن المبكرة يختار الله تعالى سيدنا يوسف ليقوم بتبليغ رسالته، وهذه مهمة عظيمة تحتاج إلى تهيئة واستعداد، وقد تكفّل الله (ربّه) بتربيته وتهيئته ورعايته حتى يتم المهمة الموكلة إليه على الوجه الذي يرضي ربه. فكيف تجلت مظاهر التربية في مراحل حياة سيدنا يوسف عليه السلام.؟
مظاهر التربية في حياة يوسف عليه السلام

حادثة إلقائه في الجب
يعيش يوسف عليه السلام المحنة الأولى في حياته في مرحلة الطفولة حين يكيد له إخوته ويقرروا أن يلقوه في ظلمة بئر ليلتقطه بعض السيارة، ويحملوه بعيداً، فيخلو لهم وجه أبيهم. (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ)، إنه الآن في ذروة الأزمة، وفي أشدّ أوقات المحنة والكرب، وهو ما يزال طفلاً صغيراً. هنا يأتي دور المربي في بث الطمأنينة في نفسه (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ).
إن سيدنا يوسف وهو في هذه السن المبكرة و في ظرف كهذا بحاجة إلى من يهدئ نفسه ويشعره بالأمان، غير أنه على حداثة سنه يفتقر إلى الدليل الموصل إلى هذه الغاية، فكان أن طمأنه (ربّه) بأن لا تخف ولا تحزن فإنك ناج مما أنت فيه ومخبرهم بما يدبرونه من المكر والأذى... ولنا أن نتصور مشاعر هذا الطفل وقد طمأنه ربّه وآنسه ووعده بالنجاة والسلامة.
حادثة بيعه عبداً
ينجي الله سيدنا يوسف من محنته الأولى ويُحمل إلى مصر ليباع ـ وهو الحرّ ـ عبداً بثمن قليل. ويشتريه العزيز ثم يطلب من امرأته أن تهتم بهذا الغلام وتكرم مثواه، ويأتي قوله تعالى(وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) إن (ربه) الذي تولّى رعايته وتربيته سيجعل من محنته هذه ـ إذاً ـ سبباً من أسباب رفعة شأنه وعلوّ منزلته كيف لا والله هو (ربّه) !
أمره مع امرأة العزيز
يوسف عليه السلام ما يزال حتى هذا الوقت في مرحلة الاختيار والاجتباء بما تتطلبه هذه المرحلة من الرعاية والتربية، والحفظ والإعداد. ويأتي قوله تعالى (وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) وهذه المرحلة سيشهدها سيدنا يوسف في مصر بعد أن جعل الله من مصر مكاناً لاستقراره وعيشه في عزّ وأمان (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)
بعد أن حفظ الله تعالى سيدنا يوسف في طفولته ونجاه من محنتين عظيمتين، تأتي مرحلة الشباب (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) وفي هذه المرحلة سيتعلم سيدنا يوسف درساً اسمه (الاعتماد على الله).
وتراوده امرأة العزيز عن نفسه، وهو في مرحلة الشباب والقوة، ولمّا أن هيأت للأمر أسبابه ودعته إلى ارتكاب الفاحشة، استعاذ سيدنا يوسف بالله مما تدعوه إليه، وذكّرها بفضل العزيز عليه قائلاً (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) إشارة إلى ما أوصى به العزيز امرأته عندما اشترى يوسف عبداً (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه).
ولمّا لم يردع امرأة العزيز تذكيرها بزوجها وبفضله عليه ورعايته له، ولما لم يكن ذلك سبباً في منعها من إنفاذ ما فكّرت بارتكابه، اشتدت المحنة على سيدنا يوسف (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) وعلى اختلاف الآراء في ماهية البرهان الذي رآه سيدنا يوسف إلا أنّ (ربّه) الذي يتولى العناية به، ويتكفل برعايته، يقوم بحفظه في هذه المحنة ويصرف عنه السوء والفحشاء.
وتأتي كلمة (ربّه) في الآية لتذكرنا بأن الله تعالى القائم على أموره هو الذي أنجاه من منطلق (التربية) من هذه المحنة، ذلك أن المربي لا يرضى لمربوبه الوقوع في الخطيئة.
وعلى الرغم من أن سيدنا يوسف استعاذ بالله مما تدعوه إليه امرأة العزيز، إلا أنه خاطبها بحجة من واقع الحال الذي تفهمه وتدركه، لعل ذلك يكون أدعى إلى إقناعها بالعدول عما عزمت عليه.
لكن امرأة العزيز لم تزدد ـ أمام موقفه ـ إلا إصراراً. فعلى الرغم من اكتشاف زوجها أمر مراودتها يوسف عن نفسه، ها هي تخاطب النسوة اللواتي كن يلمنها على فعلتها (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ).
لقد تعلم سيدنا يوسف من المحن السابقة درس (الاعتماد على الله) فربّه هو الذي حفظه في مرحلة الطفولة وذلك دون طلب منه إذ كان ما يزال صغيراً، لا يدرك أمور الحياة أو يتفهم طبائع الأحداث.
وكذلك حين راودته امرأة العزيز عن نفسه، قام مربيه (ربه) بدوره في التربية وأراه البرهان ليحفظه ويصرف عنه السوء والفحشاء....
لذلك لما أدرك سيدنا يوسف أن إقناع امرأة العزيز بعدم ارتكاب الفاحشة أمر لم يعد ممكناً التجأ إلى ربه التجاءً واضحاً مباشراً طالباً العون منه سبحانه وتعالى (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)
تلك كانت مرحلة الاجتباء والتربية التي أشار إليهما الله تعالى حكاية عن سيدنا يعقوب (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ)، فـ(يجتبيك = الاختيار) و (ربّك = التربية والرعاية).
تأويل الرؤيا والدعوة إلى الله تعالى
مرحلة التعليم كانت في مصر كما أخبرنا الله تعالى بقوله: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ).
ولأن تأويل الرؤيا كان المعجزة التي أيد الله بها سيدنا يوسف للدلالة على صدق نبوته، فقد اقترن وجودها في القصة بدعوة يوسف عليه السلام إلى عبادة الله وتوحيده.
في السجن يبدأ سيدنا يوسف بالدعوة إلى الله، مستفيداً من حاجة الفتيين إلى تأويل رؤياهما وقد طلبا منه ذلك، وقبل أن يؤوّل لهما رؤياهما، يؤكد لهما قدرته على معرفة بعض المغيبات (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا) لكنه سرعان ما يضيف (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) أي هذا بعض ما خصّني به الله الذي اختارني وحفظني ورعاني وربّاني وأعدّني لتبليغ رسالته.
إذاً إن أول ما يظهر من دلائل العلم الذي وهبه الله لسيدنا يوسف ما كان من أمر الرؤيا التي رآها كل من الرجلين اللذين دخلا معه السجن وهذا ما كان بشره به سيدنا يعقوب (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)،وما ذكره الله لنا بقوله (وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ).
ونلاحظ هنا استخدام سيدنا يوسف كلمة (ربّي) في قوله (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)، وذلك تأكيداً منه على أنّ ما به من فضل، وما لديه من علم، ما كان ليكون لولا أن الله الذي ربّاه وحفظه قد وهبه هذا العلم. ثم يبدأ في السجن دعوته إلى الله، ولنقرأ فيما قاله أثناء ذلك العبارات التالية:
(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ).
(مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِمِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِعَلَيْنَا).
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُالْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
(مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُبِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّلِلّهِ)
نلاحظ أن سيدنا يوسف يستخدم في دعوته لفظ الجلالة (الله)، دون كلمة (رب)، ذلك أن اسم (الله) جامع لأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، ففيه صفات العظمة والجلال وصفات الفعل والقدرة والقوة وصفات العدل و الإحسان والجود وصفات الإعزاز والإذلال والقهر.. وغير ذلك من صفاته تعالى.
وهذا توازن في الدعوة إلى الله التي يفترض فيها أن تجمع بين الترغيب و الترهيب. وكلمة (الربّ) تحمل معاني التربية والرعاية والقوامة وهذه كلها تندرج في أبواب الرحمة، أي الترغيب.
بعد أن دعا سيّدنا يوسف الفتيين إلى عبادة الله وتوحيده عاد إلى ما سألاه عنهمن تأويل الرؤيا. ولما انتهى من تأويل رؤياهما (قَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ) أي عند سيدك. لكن الساقي نسي ذكر يوسف لدى سيّده (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ).
وسبب بقائه في السجن ـ حسب ما رأى المفسرون ـ أنه التمس النجاة من محنته هذه في أن يذكره ساقي الملك عند سيّده، عله ينظر في أمره ويخرجه من السجن، ولم يسأل الله تعالى النجاة من هذه المحنة (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ).
ولعلنا نلاحظ هنا أن الله تعالى أراد أن يعلم سيدنا يوسف ألا يلتجئ في محنه إلا إلى ربه الذي حفظه ونجاه من محنه السابقة كلها، فأبقاه في السجن بضع سنين تعليماً وتأديباً، والتأديب جزء من التربية التي تلقاها يوسف عن ربه.
بعد أن لبث يوسف عليه السلام في سجنه ـ تعليماً وتأديباً ـ بضع سنين، يأتي سؤال الملك عمن يؤول رؤياه ليخرج الله سيدنا يوسف من السجن، وليظهر براءته في أمره مع امرأة العزيز والنسوة اللواتي قطعن أيديهن، وليجعله على خزائن الأرض.
وهكذا يهبه (ربه) بما علمه من تأويل الأحاديث مجداً وعزة، وقوة وسلطاناً، وهو الذي دخل مصر عبداً يباع بثمن زهيد.
لقاء يوسف (عليه السلام) بأبويه وإخوته:
تدور الأحداث ويلتقي سيدنا يوسف بأبويه وإخوته (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا) ويأتي اعتراف يوسف عليه السلام بفضل ربّه عليه، ورعايته له، وحفظه إياه، في مراحل حياته كلها ووقف أمام ما آلت إليه الأمور (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
ثم يتوجه إلى صاحب الفضل، إلى ربه، بالشكر والحمد والدعاء بأن يتوفاه مسلماً ويلحقه بالصالحين، فتأتي الآية الأخيرة في قصة سيدنا يوسف (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).
إنه سيدنا يوسف الذي اجتباه الله سبحانه وتعالى، وعلمه، وأتم نعمته عليه، يقف أمام ربه خاشعاً، خاضعاً، متذللاً، يقر باستمرارية الحاجة إليه، وافتقاره إلى رحمته، وفي هذا عرفان بالجميل وإقرار بالفضل، لا يصدر إلا عمن أدَّبه الله تعالى فأحسن تأديبه.
الباحث ياسر محمود الأقرع
yaserakra@maktoob.com (yaserakra@maktoob.com)

admin
05-15-2009, 06:58 PM
الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف


يشكل الإيجاز، بوصفه صورة من صور البلاغة القرآنية، سمة من سمات كتاب الله (عز وجل) إذ يتميز النص القرآني عموماً بالتركيز والتكثيف، والوصول إلى جوهر المعنى عبر القول الموجز والإشارة الدالة.
تُستثنى من ذلك بعض الآيات التي اقتضى البيان الإلهي أن تأتي بشكل مفصّل، لكنه تفصيل لا ِيُحَمِّلَ التركيبَ فوق ما يحتمل المعنى أو يقتضيه. وفي ذلك كله بلاغة استدعت الإطناب والتفصيل في موضع، والإيجاز والتكثيف في موضع آخر.
تتجلى ظاهرة الإيجاز في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) في عنصرين أساسيين هما:
1 - الإيجاز في اللفظ
2 - الإيجاز بالحذف
وهذان العنصران متداخلان، متشابكان، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، ولذا فإن الحديث عن الإيجاز في القصة يقتضي بالضرورة دراسة هذين العنصرين في سياق واحد.
لكن الوقوف على مواطن الإيجاز جميعها في قصة يوسف (عليه السلام ) والإشارة إلى ما تحمله من دلالات بلاغية أمر متعذر، فكل جملة ( لا في القصة وحدها بل في القرآن الكريم كله) تحتاج إلى وقفة مطولة، دراسة وتحليلاً، فهماً وتدبراً ، إذا ما أردنا دراسة جانب من جوانب تركيبها البلاغي.
ولذلك نرى أن نقف على بعض مواطن الإيجاز في القصة، علنا نجد فيه مثالاً لما يذخر به النص القرآني من الإيجاز البلاغي الذي يمثل جانباً من جوانب إعجاز القرآن الكريم، مما لا يكون لبشر قط مهما أوتي من فصاحة القول وبلاغة المعنى .
ولابد أن نشير أولاً إلى أن قصة يوسف (عليه السلام) جاءت في السورة عبر مجموعة من المشاهد، التي ترتبط فيما بينها ترابطاً عضوياً، فالانتقال من موقف إلى آخر في القصة يتم – غالباً – دون رابط سردي، غير أن الارتباط برابط السببية بين المشاهد، يغني عن السرد المحذوف، ويقوم بدوره، ويخلق في الوقت ذاته حالة من الحركية التعبيرية.
من هنا كان تناولنا قضية الإيجاز في القصة يقوم على التقاط بعض المشاهد منها، ومن ثم دراستها دراسة تحليلية تبين دور الإيجاز في صياغة القصة صياغة فنية رفيعة.
قضية الرؤيا:
( إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ )
بذكر قضية الرؤيا تبدأ قصة يوسف ( عليه السلام )، هكذا دون تمهيد أو مقدمات غالباً ما تحفل بمثلهما القصص الأدبية، وفي حذفهما هنا ، والبدء بذكر قضية الرؤيا إشارة بليغة إلى أنها قضية جوهرية ومحور رئيس في البناء القصصي، وبذلك يكون البدء بذكرها أدعى إلى لفت النظر إليها، والتركيز عليها، وهذا ما لا يكون لو أنّ ذكرها سبق بتمهيد أو مقدمات!!!
وقول سيدنا يوسف " إني رأيت " ثم توكيده بـ " رأيتهم" ليس فيه ما يشير إلى أن ما رآه كان على وجه الحقيقة /من الرؤية/ وذلك من قبيل المعجزة التي لن تكون غريبة على بيت النبوة، أو أنه في المنام /من الرؤيا/ ذلك أن الفعل ( رأيت) يصلح في حالتي ( الرؤية ) و( الرؤيا).
ولكن يأتي قول سيدنا يعقوب ( يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ) إذ لم يقل (رؤيتك) ليدلّنا على أن الرؤيا كانت في المنام، ولو ذكر سيدنا يوسف ذلك لكان في قول أبيه تكرار لما سبق ذكره، فكان حذف السابق لدلالة ما سيأتي عليه، وهذه سمة من سمات الأسلوب القصصي في سورة يوسف ( عليه السلام) كما سيتضح لاحقاً.
ولربما قيل: لماذا لا يذكر الأمر أولاً ثم يحذف تالياً فينتفي بذلك التكرار؟
نقول : إن ذلك سيفقد القصة عنصر التشويق، ويلغي إثارة التساؤل، وتحفيز الفكر، وتحريض المخيلة، وتلك عناصر مهمة ومؤثرة في البناء الفني للقصة، وكلما كان البناء الفني جيداً كان أقدر على إيصال الفكرة، وتحصيل الفائدة، وإدامة الأثر.
بين يوسف وإخوته:
( قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )
بهذا عقّب سيدنا يعقوب على ذِكْرٍ ابنه رؤياه، وفي قوله هذا ما قد يثير في نفس يوسف (عليه السلام) حقداً على إخوته وكراهية لهم، فأراد أبوه أن ينسب أسباب الكيد إلى عداوة الشيطان للإنسان، ليؤكد ليوسف أن كيد إخوته له _ فيما لو حدث _ ليس صادراً عن طبع فيهم وسجية، بل إنه من وساوس الشيطان، فيدفع بذلك ما قد يثار في نفس يوسف على إخوته، وجاء ذلك في قوله: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) فجاء في تلازم التحذير من إخوته وذكر عداوة الشيطان للإنسان في سياق واحد ما يغني عن طول الشرح وكثرة التفصيل.
ولعلنا نلاحظ أن تحذير سيدنا يعقوب ابنه يوسف من إخوته إنما جاء مقتضباً موجزاً ، إذ لم يأتِ على ذكر الأسباب التي ستدفعهم - وهم إخوته - إلى الكيد له وإظهار العداوة، ليأتي ذكر ذلك كله فيما بعد على لسان إخوة يوسف: ( إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .
ويجتمع إخوة يوسف للتشاور في أمره، وإيجاد طريقة للتخلص منه، وتطرح الآراء:
( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ *قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ )
هنالك ثلاثة آراء إذاً (اقتلوا يوسف _ اطرحوه أرضاً _ ألقوه في غيابة الجب) ولا تشير الآية الكريمة، إلى الطريقة التي أجمعوا عليها ، والقرار الذي توصلوا إليه، بل انتهى الأمر بهم في هذا المجلس حسب ما جاء في الآية عند حدود طرح الآراء والتشاور الذي لم يأتِ من بعده اتفاق نهائي أو إجماع مطلق، حسب نص الآية .... وهذا حذف يثير التساؤل حول ما ينوون فعله، وقد تضاربت آراءهم واختلفت، لنكتشف، فيما بعد، القرار الذي اتخذوه أثناء مشاوراتهم وأكدوه قبيل تنفيذه وذلك في قوله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) فكلمة (أجمعوا) في هذا الموضع تدل على أن الأمر لم يكن مجمعاً عليه تماماً حتى ذلك الوقت، وربما وجد بينهم من لم يكن راضياً عن هذا القرار، لكنه انصاع لرأي الأكثرية فصار الأمر إجماعاً.
ومن مواطن الحذف ما يتجلى في عدم ذكر العذر الذي سيعود به إخوة يوسف إلى أبيهم بعد التخلص من أخيهم، إذ لا يعقل أن الأمر لم يكن موضع اهتمام ومدار نقاش خلال مشاوراتهم، لكن الحذف جاء لإثارة الفكر، والمحافظة على عنصر التشويق من جهة، ومنعاً للتكرار من جهة أخرى، ذلك أن ادعاءهم بأن الذئب أكل أخاهم سيأتي في موقف آخر (عند لقائهم أباهم) وقد عادوا دون أخيهم، ولا شك أن تأجيل ذكر ما اتفقوا عليه إلى هذا الموقف أكثر أهمية من ذكره في موضع سابق.
اتفق إخوة يوسف على التخلص منه، وبيّتوا عذراً يحملونه إلى أبيهم بعد أن يتم لهم ما خططوا له، ولم يعد أمامهم إلا إقناع أبيهم بأخذ يوسف معهم:
( َقالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ )
انظر إلى البيان الإلهي، وتأمل البلاغة القرآنية فيما ينطوي عليه قولهم هذا من معانٍ متعددة تشير في مجملها إلى طبيعة العلاقة بين الأب وأبنائه فيما يتعلق بشأن أخيهم يوسف، وأنها علاقة مبنية على فقد الثقة وعدم الاطمئنان.
ففي قولهم: مالك لا تأمنّا - على قلة ألفاظه - ما يدل على أن إخوة يوسف قد حاولوا أكثر من مرة الانفراد بأخيهم وكان أبوهم يقف حائلاً بينهم وبين ذلك، لشعوره أن ابنه (يوسف ) لن يكون في مأمن ما داموا منفردين به، وقولهم (مالك لا تأمنا)، تدل على حال دائمة، قائمة، مألوفة، وتدل أيضاً _ وقد جاءت على ألسنة إخوة يوسف_ أنهم يدركون بأنهم ليسوا موضع ثقة أبيهم (في شأن يوسف على الأقل) لذلك تجدهم حين عودتهم دون أخيهم يقولون: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) مؤكدين إدراكهم غياب الثقة عن نفس أبيهم تجاههم.
وما كان ردّ سيدنا يعقوب أمام ادّعاء أبنائه إلا أن:
( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
انظر في قوله تعالى، حكاية عن سيدنا يعقوب: (سوّلت لكم أنفسكم) أي زيّنت لكم، فإنكم إنما مكرتم به ابتغاء منفعة تظنون، واهمين، أنكم ستحققونها بفعلكم. لكنّ أنفسكم خدعتكم وغرّتكم وصورت لكم الأمور على غير ما ستنتهي إليه.
وهذا ما كان حقيقة، فما فعلوه كان بقصد تغييب يوسف ليخلو لهم وجه أبيهم، ولينفردوا بمحبته إياهم، لكن الأمر سار على غير ما أرادوا، إذ ظلّ أمر يوسف يشغل بال أبيه مدة غيابه عنه حتى ضجر منه مَن حوله و: (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ). فانظر في قوله: سولت لكم أنفسكم ، كم استطاعت أن تعبر عن المعنى المراد بإيجاز شديد.

إخراج يوسف من البئر:
( وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )
بهذه الآية الكريمة يصف الله تعالى إخراج يوسف من البئر، بواسطة بعض المسافرين من التجار، وقد جاء ذكر إخراج يوسف من البئر موجزاً، مختصراً، لكنه إيجاز مذهل يغني عن السرد الطويل والشرح المفصّل.
فقد تتالت الأفعال في الآية الكريمة تتالياً سريعاً، رشيقاً، بالفاء العاطفة التي تفيد ترتيب حدوث الأفعال وتعاقبها دون فارق زمني يذكر، وهذا معناه أن المسافرين لما صاروا على مقربة من البئر أسرعوا في إرسال من يجلب لهم الماء ( فأرسلوا واردهم )، فأسرع هذا بدوره ملبياً حاجتهم إلى إحضار الماء بسرعة (فأدلى دلوه) وهنا تختفي (الفاء) (قال يا بشرى) ولم يقل الله سبحانه وتعالى (فقال يا بشرى ) ذلك أن البشرى تقتضي المفاجأة، وهذا ما يتحقق بحذف الفاء لتأتي العبارة مفاجئة، للدلالة على البشارة.... وتأمل - ضمن السياق - قول الوارد مستبشراً: (فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ) .
وقوله تعالى عن المسافرين الذين وجدوا يوسف (عليه السلام) : (سيّارة) وهي صيغة مبالغة من اسم الفاعل،إنما تدل على أن شأنهم كثرة السير، فهم تجار تعودوا السير في هذا الطريق، وهم بحكم كثرة سيرهم على هذا الطريق يعرفون البئر، يدل على ذلك سرعة إرسالهم الوارد حال اقترابهم من البئر( دلت على ذلك الفاء العاطفة) دون وجود ما يشير إلى أنهم وجدوا مشقة في اكتشاف هذا البئر، و ربما يوحي هذا بغير ما ذهب إليه بعض مفسّري الآية من أن إخوة يوسف ألقوه في بئر بعيدة عن طريق المارة، وأن هؤلاء السيارة قد ضلوا طريق سفرهم، فوجدوا البئر مصادفة.
فتعودهم السير في هذا الطريق(إذ هم سيّارة) يبعد من الذهن إمكانية أن يضلوا طريقهم. وإسراعهم بإرسال الوارد لا يوحي بإيجادهم البئر مصادفة، بل ربما دلّ على معرفتهم بوجود بئر في المكان الذي وصلوا إليه.
ولنعد إلى قول إخوة يوسف عند تشاورهم في أمر يوسف: ( وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ )، والفعل (يلتقطه) جواب الطلب (ألقوه)، وجواب الطلب نتيجة له، ولو أنهم ألقوه في بئر بعيدة لكان التقاط بعض السيارة إياه أمر غير وارد، بل ربما هلك قبل أن يهتدي إلى مكان وجوده أحد !!
ويأتي الإيجاز في صورة من أجمل صوره، وأكثرها إيحاء،في قوله تعالى (وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) فأما قوله تعالى:" أسرّوه " أي تعاملوا مع الأمر بسرية، فيعني أنهم خافوا أمراً ما( ربما خافوا أن يدّعي ملكيته أحد أو غير ذلك مما لا فائدة من تحديده ).
وأما قوله تعالى: " بضاعة " فيدلّ على أنهم تجّار، وربما كانوا تجار رقيق، أو أن هذا النوع من التجارة كان رائجاً منتشراً في ذلك الوقت، فاستبشروا بعثورهم على الغلام كونه بضاعة لها قيمتها وأهميتها... فتأمل كم اختزلت عبارة ( وأسروه بضاعة ) من المعاني والدلالات.
ويأتي قوله تعالى: ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ )
ليثير في النفس تساؤلاً مهماً إذ كيف كان إيجاد الغلام والتعامل معه بوصفه بضاعة رابحة أمراً يبعث البشرى في نفس الوارد ورفاقه، ثم باعوه بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين!؟
إن هذا الأمر الذي يثير التساؤل إنما يعلله ما جاء في الآية السابقة، في قوله تعالى: " وأسرّوه بضاعة " والسّرّية كما قلنا تعني الخوف، فالخوف إذاً هو الذي دفعهم إلى بيعه بأي ثمن، فذلك خير من أن يفقدوه دون مقابل، أو يظلّ عبئاً عليهم لأن ملكيتهم له لم تكن مشروعة، لذا استعجلوا الخلاص منه، ومن يستعجل الخلاص من بضاعة يبيعها بثمن بخس، ويكون زاهداً فيها، أما رأيت إلى السارق كيف يبيع ما يسرقه بأرخص الأثمان مهما ارتفعت قيمته وغلا ثمنه ...!!
يوسف وامرأة العزيز:
ويشتريه رجل من مصر (العزيز) ويوصي زوجته بأن تكرم مثواه، غير أن امرأة العزيز تجاوزت ذلك – لما بلغ أشده - إلى حدّ العشق والتعلق، فرغبت به وراودته عن نفسه، وغلقت الأبواب، فأبى وأصرت:
( وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
(واستبقا الباب) أي استبقا إلى الباب ( الباب اسم منصوب بنزع الخافض ) أي أراد كل منهما أن يسبق الآخر إلى الباب هو ليفتحه وهي لتمنعه، ورأى بعض المفسرين أن في قوله تعالى: ( واستبقا الباب ) بالمعنى الذي قلناه إيجاز قرآني بلاغي.
ولنا أن نضيف إلى ذلك أن الصيغة التي جاءت عليها الكلمة ( استبقا ) وهي تدل على تكلّف الفعل وبذل المشقة في سبيله، إنما تحمل دلالة بيانية أعمق، ففيها أن امرأة العزيز أسرعت إلى الباب باذلة في ذلك جهداً مقترناً بعزيمة وإصرار على ارتكاب الفاحشة دون أن يثنيها عن ذلك ولو خاطر عابر بالتراجع عما أقدمت على فعله.
وبالمقابل فإن يوسف (عليه السلام) بذل كل مشقة في سبيل الوصول إلى الباب وفي ذلك دلالة قاطعة على أن ثمة عزماً شديداً منه على تجنب ارتكاب الفاحشة دون تراخٍ أو تهاون أو مرور خاطر بالنزول عند رغبتها.
( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ )
لنقف عند شهادة الشاهد، والشاهد أتت من المشاهدة، وامرأة العزيز ويوسف لم يكن معهما أحد ليكون شاهداً على ما حدث، ولعل الشاهد قد شهد موقف امرأة العزيز ويوسف ( عليه السلام ) وقد ألفيا سيدها لدى الباب، وذِكرُ الشاهد قضيةَ قدِّ القميص تعني بالضرورة عدم رؤيته قميص يوسف وقد قُدَّ من دبر، وإلا فلا معنى لشهادته.
كيف خطرت له مسألة القميص إذاً ؟
أَوَلم يكن ممكناً ألا يكون يوسف ( عليه السلام ) مرتدياً قميصاً في ذلك الموقف ؟
الراجح - والله أعلم - أن امرأة العزيز ذكرت قميص يوسف لتجعله دليلاً على مقاومتها إياه ومنعه من فعل الفاحشة، ولم تُشر إلى الجهة التي قُدَّ منها، وكأن الشاهد – وهو خارج الباب برفقة العزيز – قد سمع ذلك دون أن يرى يوسف ، فرأى أن يجعل القميص دليل إدانة أو براءة، وهنا تنبّه العزيز إلى هذه المسألة فعرف بها كيد زوجته، وتأكد من براءة يوسف مما اتهمته به زوجته.
وهذا من وجوه الحذف البلاغي في القصة، إذ لم تشر الآية إلى أن امرأة العزيز ذكرت قدّ القميص كدلالة على براءتها، والآية لم تذكر أيضاً مكان وجود الشاهد في هذا الموقف، وأنه كان يسمع ما يحدث وهو خارج الباب دون أن يرى... فهذا كله مما توحي به الآية الكريمة بإيجاز موحٍ يحتاج إلى شيء من التأمل والتدبر.
ومما جاء في هذا الموقف مفصلاً قول الشاهد:
إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ
إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ
وكان ممكناً حسب البلاغة القرآنية اختزال هذا القول بالاكتفاء بالجزء الأول منه، إذ يتضمن في ظل وجود الشرط معنى جزئه الثاني.
لكن ذكر جانب دون الآخر، أو التفصيل في جانب والإيجاز في جانب الآخر– فيما لو جاء على هذا النحو – ربما يحمل دلالة على ميل الشاهد إلى الاحتمال الذي فصّل فيه، لذا جاء قوله في الاحتمالين متساوياً من حيث عدد الكلمات، حرصاً منه على أن يكون دقيقاً في قوله، منطقياً في رأيه، حيادياً، عادلاً، في سبيل الوصول إلى الحقيقة.
( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ )
إن قوله تعالى: ( قال نسوة في المدينة ) يدل على تسرّب الخبر من القصر وانتشاره على نطاق ضيّق، لم يصل حدّ الشيوع والعموم، فـ( نسوةٌ ) اسم جمع قلّة، وهذا ما مكن امرأة العزيز من دعوة هؤلاء النسوة إلى قصرها.
(ونسوة في المدينة) تقليل لشأن هؤلاء النسوة إذ جاء ذكرهن منكراً، على عكس ما جاء في الآية نفسها بقولهم:(امرأة العزيز) وهذا يدل على أنهن دونها شأناً ومكانةً.
وقد فصّل المفسرون القول في هذه الآية، فرأوا أن نسبتها إلى زوجها العزيز أدعى إلى استعظام الأمر، فهي متزوجة (هذا من جهة) وهي من (ذوات النفوذ والسلطان) فأمرها أعظم سوءاً من سواها .
(تراود): مضارع يدل على التجدد والاستمرارية، أي كان هذا ، وما يزال، دأبها وديدنها حتى لحظة قولهن، فهي تفعل ذلك بإصرار واستمرار.
( فتاها ):عبدها أو مملوكها، وهذا أكثر تشنيعاً وتشهيراً فسميت بـ (امرأة العزيز) أي ذات النفوذ والسلطان، وسمي من تراوده عن نفسه بـ( فتاها)، تذكيراً بتبعيته لها ومملوكيتها له.
( قد شغفها حباً ): أي وصل حبه سويداء قلبها وتمكّن منه.
( إنّا لنراها في ضلال مبين ) وجاء قولهن هذا مؤكداً بمؤكدين زيادة في استنكارهن فعلها، وأنه بعيد كل البعد عن الصواب والرأي السديد... فتأمل كم حملت هذه الكلمات القليلة الموجزة من معان ودلالات !!
( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا )
قوله تعالى: آتت كل واحدة منهن سكيناً، إشارة إلى أنها وضعت لهن أصناف الفواكه وسواه، مما يحتاج أكله إلى استخدام السكين.
وقوله تعالى(سمعت بمكرهن) يدل على أن ما قالته النسوة قد تناقلته الألسن(كثرت أم قلّت) حتى تناهى الخبر إلى سمعها. فسماع الأمر غير السماع به، فالسماع بالأمر يعني أن ثمة واسطة أو ناقلاً بين القائل والسامع، بين المرسل والمتلقي، وهذا يؤكد تناقل الخبر، ولو على نطاق محدود، ويفسّر في الوقت ذاته علّة سجن يوسف رغم رؤية الدلائل على براءته، إذ أخذ الخبر ينتشر بين الناس، حتى غدا سجنه أدعى إلى إلصاق التهمة به وتجريمه، وبذلك يبدو الأمر محاولة اعتداء عبد على سيدته، نال جزاءه سجناً.
خروج يوسف من السجن:
يخرج يوسف ( عليه السلام ) من السجن بعد تأويل رؤيا رآها الملك وقد جهل تأويلها أصحاب هذا العلم ممن يحيطون به، ولما أن علم الملك بقصة يوسف مع النسوة، وعلم ببراءته مما اتهم به ...
(قَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ) انظر في قوله تعالى حكاية عن الملك (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) فقد اشتملت كلمة (أستخلصه) على جملة من المعاني (كما وردت في معاجم اللغة ):
أستخلصه: أي أنجيه من كربته أو مصيبته، وأختاره، وأصطفيه، وأختصه: أجعله خالصاً لي.
وأستخلصه: مبالغة من ( أخلصه ) تدل على شدة حرص الملك على اصطفائه يوسف، واختياره إياه، ليكون من خاصته.
(فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )
وفي الكلام محذوف .... أي لما كلمه الملك أعجب بحسن منطقه، ورجاحة عقله، واتزانه، مما زاده إعجاباً به، فارتقى بعلاقته بيوسف ( عليه السلام ) من العلاقة الخاصة، بجعله مقرباً إليه، إلى أن يجعل له مكانة مرموقة ورتبة عالية في دولته.
ولما أن علم يوسف علوّ منزلته عند الملك، وتيقن من ثقته به، ومحبته إياه (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ).
وقوله: إني حفيظ، جاءت رداً على قول الملك (مكين أمين) أي إنني أهل للثقة، حافظ للأمانة.
ثم أضاف إلى ذلك قوله ( عليم ) أي عالم بإدارة الأمور المالية في الدولة، بما يضمن تحقيق العدل والمساواة بين الرعية.
و يبدو أن وزارة المالية لم تكن قادرة - إذ ذاك - على إدارة شؤون الدولة الاقتصادية، فأراد يوسف ( عليه السلام ) أن يشغل هذا المنصب لدرايته بذلك، وعلمه به.
وليس أدل على ذلك من قول يوسف عند تأويل رؤيا الملك :
( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ )
نلاحظ أنّ يوسف ( عليه السلام ) لم يكتفِ بتأويل الرؤيا بل ضمّن ذلك إيجاد الحلول، ولو كان من يدير الشؤون الاقتصادية قادراً على إيجاد الحلول، لوقف سيدنا يوسف عند حدّ تأويل الرؤيا وترك أمر الحل إلى أصحاب الشأن.
ولعل ما طرحه يوسف ( عليه السلام ) حلاً للمشكلة قبل وقوعها كان سبباً في جعل الملك أكثر إيماناً بأهليّة يوسف لهذا المنصب...
وإذا صحّ ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن الرجل الذي اشترى سيدنا يوسف ( أي العزيز ) هو من كان يشغل منصب وزير المالية في ذلك الوقت، فإن في ظلمه يوسف ( عليه السلام ) وسجنه إياه، رغم تأكده من براءته، دليل كاف على أنه ليس أهلاً لذلك المنصب، إذ لن يكون وهو على هذه الحال عادلاً بين الرعية ...
يوسف وإخوته في مصر:
وجاء إخوة يوسف ليكتالوا في سنوات الجدب، غير أن يوسف أبى إلا أن يعودوا ليحضروا أخاهم بنيامين حتى ينال حصته ، فعاد إخوته وراودوا عنه أباه حتى جاؤوا به بعد أن أعطوا أباهم ميثاقاً بأن يحفظوا أخاهم بنيامين من كل سوء ما لم يغلبوا على أمرهم:
( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
انظر في قوله تعالى (آوى إليه أخاه) كم فيه من إيجاز في الألفاظ ، وغنىً بالمعاني والدلالات.
فمن ينظر في كلمة (آوى) في معاجم اللغة سيجد أنها تأتي بمعنى: أعاد، وضمّ، وأحاط، وأنزل عنده، وأشفق، ورحم، ورقّ. وتآوت الطير: تجمعت بعضها إلى بعض. وتآوى الجرح : أي تقارب للبرء.
فانظر بلاغة القرآن العظيم وكم لهذه الكلمة من المعاني التي تصوّر حال يوسف (عليه السلام) عند لقائه أخاه بعد فراق طويل !!
ثم يأتي قوله تعالى:
( فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ )
إن الآية الكريمة تشير إلى أمر يثير الاستغراب، إذ لا يعلم المتلقي أية حاجة تلك دفعت يوسف ( عليه السلام ) إلى إلصاق تهمة السرقة بأخيه!!
إذاً ثمة أمر كان قد أضمره يوسف (عليه السلام) بوضع الصواع في رحل أخيه ( فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ ) ، وليس في نص الآية الكريمة ما يشير إلى أن يوسف (عليه السلام) كان قد اخبر أخاه بما ينوي فعله، حتى لا يفاجأ أو يفزع من وجود الصواع في رحله أمام مرأى من إخوته، وبعض خاصة يوسف (عليه السلام).
لقد أراد يوسف (عليه السلام) بفعله هذا أن يستبقي أخاه بنيامين فاحتال لذلك ودبّر، لكن ما فعله يوسف (عليه السلام ) لم يكن في حقيقته إلا وحياً من الله سبحانه وتعالى: ( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ).
وحاول إخوة يوسف ( عليه السلام ) العودة بأخيهم بنيامين إلى أبيهم، وذهبوا في إقناع يوسف كل مذهب ... لكنهم يفلحوا:
( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا )
واستيئسوا : صيغة مبالغة من يئسوا، ومعنى ذلك أنهم بذلوا في سبيل إقناعه كل جهد ولم يفلحوا، فلما بلغوا غاية اليأس اعتزلوا الناس ومضوا، منفردين في جانب بعيد عنهم، ليقلّبوا وجوه الأمر فيما بينهم.
واستخدام صيغة مبالغة من يئسوا ( استيئسوا ) فيه التزام بما عاهدوا أباهم عليه حين أعطوه موثقاً من الله أن يحفظوا أخاهم ما لم يغلبوا على أمرهم، ولذا بذلوا في سبيل ذلك كل جهد، واتبعوا كل وسيلة.
وأما التناجي فيما بينهم ففيه ما يدل على طرح أمر لا يريدون من غيرهم أن يطّلع عليه ... لذا كانت نجواهم فيما بينهم تتعلق بهذين الأمرين:
قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ.
وتمضي الأحداث ليكتشف إخوة يوسف أن العزيز ما هو إلا ذلك الغلام الصغير الذي ألقوه في غيابة الجب منذ سنوات بعيدة، فاعتذروا إليه، وحملوا قميصه، وعادوا به ليلقوه على وجه أبيهم، فيرتد إليه بصره بعد أن فقده حزناً على فراق ولديه.
وينتقل الجميع إلى مصر ليجمع الله تعالى سيدنا يعقوب بابنه يوسف ( عليهما السلام ) بعد غياب طويل، (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) ها هي كلمة ( آوى ) ترد من جديد، تتضمن معاني التآلف ، والتئام الجرح، وتحمل في طياتها معاني الرحمة بأبويه، والعطف عليهما، وقد أصبحا طاعنين في السن.
دعاء يوسف (عليه السلام):
وتنتهي قصة يوسف بدعائه عليه السلام:
( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ).
فانظر المعاني العظيمة التي اشتمل عليها الدعاء بإيجاز شديد كما ورد ت في الآية الكريمة ؟
في دعاء يوسف ( عليه السلام ):
- أمران نالهما يوسف من ربه في الدنيا: آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ
- أمران طلبهما يوسف من ربه لآخرته: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
- أمران يتعلقان بصفات الله تعالى :
القدرة والخلق .. فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
الإلوهية والوحدانية .. أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا (بما وهبتني) وَالآخِرَةِ (بما أرجوه منك)
فانظر آداب الدعاء في قول سيدنا يوسف:
بدأ يوسف ( عليه السلام ) دعاءه بالاعتراف بفضل الله تعالى عليه في الدنيا، بما وهبه من العلم والملك. ثم أثنى عليه بما هو أهله، واختار من صفات الله تعالى القدرة، والخلق (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، فخالق السموات والأرض هو القادر وحده على إجابة الدعاء.
ثم أقر سيدنا يوسف بعبوديته لله تعالى، وتوحيده إياه، والافتقار إليه، باستعطاف، واسترحام، وتذلل: ( أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ ).
ثم طلب بعد ذلك من الله تعالى أن يتوفاه على الإسلام ويلحقه بالصالحين.
فكان أن جمع سيدنا يوسف في دعائه بين خيري الدنيا ( العلم والملك ) والآخرة ( الوفاة على الإسلام، والحشر مع الصالحين في الجنة ) طالباً ذلك كله من خالق السموات والأرض ومن فيهما، ووارثهما ومن فيهما.
ياسر محمود الأقرع
لمراسلة المؤلف:
yaserakra@maktoob.com

admin
05-15-2009, 06:59 PM
الإعجاز البياني في سورة يوسف
محمود ياسر الأقرع
يقول تعالى:(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) الآية الأولى من سورة يوسف.
تفتتح سورة يوسف بالحروف المقطعة ، شأنها في ذلك شأن بعض السور في القرآن الكريم . وقد ذهب مفسّرو القرآن ودارسوه في تأويل هذه الحروف والبحث عن مدلولاتها مذاهب شتى ، على حين ظن فيها المستشرقون والساعون إلى الطعن في كتاب الله مجالاً واسعاً للنقض والتشكيك .
ولعل أبرز ما قيل في تأويل هذه الحروف إنها إشارة إلى المادة الأولية التي تصنع منها الكلمات العربية ، والقرآن أنزل عربياً ، وما دام الأمر كذلك أي أن المادة الأولية لصناعة النص موجودة " فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ". البقرة. الآية (23).
ولذلك فإن ورود الحروف المقطعة في معظم السور التي بُدِئت بهذه الحروف ، جاء مقترناً بذكر القرآن الكريم كمثل قوله تعالى في سورة البقرة :( الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) . وفي سورة يونس :(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ).وفي سورة هود: (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ). وهكذا في معظم السور التي استهلت بالحروف المقطعة .
في أول هذه السورة، سورة يوسف، يصف الله تعالى القرآن بـ " الكتاب المبين" (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ)، والمبين لغة من: أبان، أي أظهر وأوضح. ضدها أخفى وستر (لسان العرب م13/ص67) ووصف القرآن في مطلع سورة يوسف بـ ( المبين ) أمر في غاية الدّقة ومنتهى البلاغة .
في علم البلاغة هنالك ما يسميه البلاغيون ( براعة الاستهلال ) وهو أن يذكر الإنسان في أوّل كلامه ما يشير إلى غرضه من الكلام ليكون ابتداء كلامه دالاً على انتهائه .
وقد جاء وصف الكتاب بـ"المبين" في مطلع سورة يوسف إشارة إلى أن قصة يوسف ( موضوع السورة ) تقوم على مبدأ الإبانة ، والإظهار، والكشف . وهذا معناه وجود أمر خفيٍّ غير ظاهر ولا مكشوف سيزول عنه ستار الغموض ليبدو ويُستحضر من التغييب ليكون حاضراً بادياً للعيان.
وسنعرض أحداث قصة سيدنا يوسف ( عليه السلام ) في مراحلها المختلفة ومواقفها المتباينة حتى نتبيّن قضية (الإخفاء والإبانة) التي يقوم عليها البناء القصصي في سورة يوسف (عليه السلام ) والتي أشارت إليها ، في براعة ودقة، كلمة ( المبين ) التي جاءت في مطلع السورة .
- يتفق المفسّرون على أن سبب نزول سورة يوسف، هو طلب اليهود من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يحدثهم بخبر يوسف عليه السلام، وهم يعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب ولا يعلم من أمر يوسف شيئاً. إذاً فالأمر خفيٌّ عليه مستور عنه ، وجاءت السورة كشفاً وتبياناً لما خفي على رسول الله من أمر يوسف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)وفي قوله تعالى ( لمن الغافلين ) جاء التوكيد باللام ليدل على تأكيد غياب هذا الأمر عن رسوله كلّياً ، فلم يقل الله سبحانه ( لمن الجاهلين ) لأنني قد أجهل الأمر وأكون قد سمعت به ، فأنا أسمع مثلاً عن علم الذرة لكنني أجهله ، أما أن أكون غافلاً عنه، فمعنى ذلك أنه لم يخطر في بالي مطلقاً فالغفلة عن الأمر أشد تغييباً له من الجهل به .
لذا فإن رسول الله كان ( غافلاً ) عن أمر يوسف تماماً، وهنا عندما تأتي السورة بقصة يوسف على ما جاءت عليه من التفصيل والدقة فإن ذلك معناه أن هذا الكلام ليس من النبي وإنما هو وحي من الله (بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ ) . إذاً فالكتاب المبين سيُظهر ما خفي عن النبي (ص) ويقصّ عليه قصة يوسف عليه السلام .
- تبدأ القصة بذكر الرؤيا على لسان يوسف (يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)والرؤيا أمر يراه النائم، غالباً ما يكون رمزاً وإشارة ودلالة ( كما جاء في رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام ) والرمز أمر غامض خفيّ يحتاج إلى بيان وإظهار وكشف ، وتأويل رؤيا يوسف يعني فكّ رموزها المستورة، وبيان مدلولاتها الخفية. ولذا جاء تأويل سيدنا يعقوب رؤيا ابنه على أنها النبوة إظهاراً وكشفاً لما جاء رمزاً غامضاً.
إذ قال سيدنا يعقوب (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، إذاً أوّل سيدنا يعقوب رؤيا ابنه يوسف على أنها النبوة، وأن ما جاء في الرؤيا من إشارات هو من علامات تلك النبوة.
لكن من يستمع إلى القصة يُفاجأ بقول سيدنا يعقوب (يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) إذ يتساءل من يستمع إلى هذا القول: ما شأن إخوة يوسف حتى يكيدوا لأخيهم ويمكروا به ولا يفرحوا ويسرُّوا برؤياه ، ورؤياه تعني العز والمجد والسلطان، وإن نال أخوهم هذا الشرف فلا بدّ أن يكون لهم نصيب منه ..؟؟
الله يعلم أن هذا الأمر سيثير تساؤلاً في نفس السامع فيأتي قوله تعالى (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) ورداً على التساؤل حول موقف إخوة يوسف، يقول الله تعالى (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)
أراد الله تعالى أن يبيّن لنا ما خفي علينا من موقف إخوة يوسف حسب ما جاء على لسان سيدنا يعقوب، فجاءت علة هذا الموقف وسببه على لسان إخوة يوسف.
- الآن إخوة يوسف يفكّرون بطريقة للتخلص من يوسف حتى يخلو لهم وجه أبيهم .
ثمة اقتراحات ثلاثة وردت على ألسنتهم :
1- اقْتُلُواْ يُوسُفَ : والقتل إخفاء وتغييب لا إظهار بعده فالقتيل يوارى ثم قد لا يظهر أمره بعد ذلك .
2- أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا: أي ارموه في أرض واسعة وهذا إظهار لا تغييب فيه ولا إخفاء ، إلا على احتمال أن يفترسه وحش ضارٍ، وهذا مجرد احتمال لا تبدو دلائله في قولهم ( أو اطرحوه أرضاً ) . ثم إنّ هذا الاقتراح هو انتقال من موقف سلبي إلى موقف أقل سلبية ( من القتل إلى النبذ في أرض مجهولة ) ، ولو كان طرح يوسف في أرضٍ يقتضي بالضرورة أن تنال منه الوحوش الضارية ، لتساوى هذا الاقتراح مع القتل، ولا داعي عندها لوجود ( أو ) العاطفة، التي تفيد التخيير بين أمرين متغايرين، مختلفين ( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا ).
3- وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ( إخفاء )يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ( إبانة) وشاءت حكمة الله تعالى أن يكون قرارهم فيما يفعلونه قائماً على مبدأ الإخفاء والستر ثم الإظهار والإبانة والكشف.
- في لحظة التغييب والإخفاء (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ) يطمئن الله سيدنا يوسف بأن الأمر الذي يحاولون إخفاءه سوف يظهر ويُكشف (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ )
ويأتي الإظهار والإبانة بعد التغييب (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ ) إن ما أريد له أن يختفي ويستر، كشفه الله تعالى وأبانه، وخرج سيدنا يوسف من البئر .
- غير أن السيّارة الذين وجدوا سيدنا يوسف لم يحملوه بشكل ظاهر علنيّ، مخافة أن يطالب به أحد من ذويه إن كان حرّاً ، أو يدّعي ملكيته سيّد إن كان عبداً ، لذا ( أَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ) ، أي أنهم قاموا بإخفائه بنيّة بيعه، وهذا إخفاء وستر، سيتبعه كشف وإبانة حين يصلون إلى مصر ويبيعونه .
- ها هو يوسف (عليه السلام) وقد بلغ أشدّه، تراوده امرأة العزيز،وتغريه بارتكاب الفاحشة، والأمر يتطلب الإخفاء والستر(وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ)،ولمّا أبى يوسف ( عليه السلام ) النزول عند رغبتها، وكبر عندها ذلك، كان أول ما فعله سيدنا يوسف وكذلك امرأة العزيز هو الاتجاه إلى الأبواب المغلقة يوسف ليفتحها و امرأة العزيز لعدم تمكينه من ذلك، (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) ، فالباب الذي أغلق على أنه وسيلة من وسائل الإخفاء والستر، هو الآن أداة من أدوات الإظهار والكشف...
- وتسارع امرأة العزيز باتهام يوسف بأنه أراد بها الفاحشة، وأرادت بذلك ستر الحقيقة وتغييبها ، لكن وجود شاهد من أهلها واقتراحه أن يُنظر في القميص هل قدَّ من قبل فتكون امرأة العزيز صادقة أم من دبر فتكون من الكاذبين ، هذا الشاهد كان أداة الكشف والإظهار التي أبانت براءة يوسف وعفّته .
- ولمّا شاع الخبر بين الناس ، ووصل إلى امرأة العزيز أن نسوة في المدينة يتحدثن عنها ويلمنها على مراودتها فتاها ، أرادت أن تكيد لهن وتطلعهن على حُسْنِ يوسف وجماله حتى لا يلمنها ، لكنها لم تُجلس يوسف في مكان ما ثم تحضر النسوة ليرينه ، وإنما اختارت أن تخفيه عن نواظرهن ثم تظهره وتبيّنه لهن ، فأخفت يوسف عليه السلام (وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) وهذه إبانة بعد إخفاء. و بها بيّنت امرأة العزيز للنسوة ما كان خافياً عليهن من سبب مراودة يوسف عن نفسه .
- ثم يدخل يوسف السجن ، وتعرض لنا القصة قضية الرؤيا هنا مرتين :
أ -حين يسأله فَتَيان كانا معه في السجن عن رؤياهما فيؤول لكل فتى منهما رؤياه .
ب _وحين يؤول رؤيا الملك في (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) وذلك بعد إخراجه من السجن.
والرؤيا -كما قلنا- رمز موحٍ وإشارة دالة ، يكتنفهما شيء من الغموض والستر وتأويل الرؤيا كشف وإظهار وإبانة .
ثم إن دخول يوسف السجن ( تغييب وإخفاء ) ثم خروجه منه ( إظهار وإبانة ). لكن يوسف ( ع ) لم يكن ليرضى أن يخرج من السجن وما زال في قضية امرأة العزيز والنسوة اللواتي قطعن أيديهن لبس أو غموض، فطلب أن يعاد النظر في الأمر حتى يُعلن ما كان خافياً، ويظهر ما كان مستوراً. فلما سئلت النسوة عن الأمر (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) وأما امرأة العزيز فقد قالت (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ )
وحصحص تعني _ لغوياً _ ظهر وانكشف بعد خفاء. والحصحصة : بيان الحقّ بعد كتمانه ( لسان العرب م7/ ص16 ) .
- ويجعل الملكُ سيدَنا يوسف على خزائن الأرض، ويأتي إليه إخوته ليكتالوا في السنوات المجدبة (فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) .
وهكذا خفيت شخصية يوسف على إخوته ولم يعرفوه ، وهذا الإخفاء سيتبعه بيان في نهاية الأمر حين يكشف يوسف عن شخصيته (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا).
- موقف آخر تبدو فيه قضية الإخفاء والإبانة واضحة جليّة ، وذلك حين أراد يوسف أن يستبقي أخاه ( بنيامين ) لديه في مصر، حتى يذهب إخوته ويحضروا أباهم معهم ، فعمد سيدنا يوسف إلى الصواع ( وهو ما يُكال به ) فجعله في رحل أخيه ثم نادى منادٍ في العير ( إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ولمّا فتشت الرِّحال استخرج الصواع من رحل أخيه بنيامين، فأبقاه معه بهذه الحجة . وهذه الحيلة فيما نرى تعتمد الإخفاء والستر ثم الإظهار والكشف .
- ها هو سيدنا يعقوب (عليه السلام) حين يعود أولاده من مصر دون ( بنيامين ) شقيق يوسف يحزن عليه حزناً شديداً ، ويتذكر مصابه بيوسف، فيفقد بصره، وفاقد البصر تخفى عليه مظاهر الأشياء. لكن قميص يوسف الذي حُمل إلى سيدنا يعقوب من مصر، وألقي على وجهه يعيد إليه بصره الذي فقده ، وإذا كان فَقْد البصر ( غياب وستر وإخفاء للأشياء ) فإن الإبصار من بعد ذلك( حضور لما غاب ، وكشف لما سُتر، وإبانة لما أُخفي ) .
- وتنتهي قصة يوسف بسجود أبويه وإخوته له، تأويلاً لرؤياه التي جاءت في بداية القصّة ، فالرؤيا التي بدأت رمزاً وإشارة ودلالة ، وهي أمور خفية غامضة تعتمد الإيحاء، ها هي الآن تنكشف وتظهر لا تأويلاً لفظياً مثلما فعل سيدنا يعقوب أوّّل القصة، وإنما فعلاً حقيقياً وواقعاً ملموساً ، ليقول يوسف في نهاية الأمر (يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ) .
إذاً فإن الأحداث كلها في قصة يوسف ( عليه السلام ) تقوم على مبدأ الإظهار والإبانة ، ومن هنا نتبين الغاية البلاغية من استهلال السورة بقوله تعالى (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) ، إذ جاء وصف القرآن بالمبين مؤشراً دلالياً على الخط الذي تقوم عليه الأحداث في البناء القصصي لـ سورة يوسف .
المراسلة المؤلف:
yaserakra@maktoob.com (yaserakra@maktoob.com)

admin
05-15-2009, 07:11 PM
الإعجاز الأسلوبي في سورة يوسف


بقلم ياسر محمود الأقرع
لم يكن أسلوب التوكيد في كلام العرب – على كثرته - لوناً من ألوان الزينة، أو شكلاً من أشكال الحشو الذي يرهق النص ويثقله بما لا فائدة منه ولا جدوى. وإنما هو ركن من أركان البناء اللغوي والبياني الذي ذخرت به النصوص العربية شعراً ونثراً. فالعرب لا تؤكد كلامها إلا إذا كان المخاطب في حاجة إلى ذلك، وتأتي بمؤكد واحد إن كان المخاطب متردداً في تصديق ما يقال أو ظنَّ ذلك منه، في حين تأتي بأكثر من مؤكد _ وقد تشفع ذلك بالقسم _ إن كان المخاطب منكراً ما يسمع كل الإنكار أو ظنَّ منه ذلك.
سنتوقف في بحثنا هذا أمام آيات من سورة يوسف (عليه السلام) نعرض خلالها مواقف من القصة، في محاولة منا لتلمس الوجه البياني الذي يمثله أسلوب التوكيد في السورة.
ولنقف قبلاً أمام قوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وفيه أول ما جاء مؤيداً بالتوكيد في سورة سيدنا يوسف (موضوع بحثنا).
ذكر الله تعالى إنزال القرآن مؤكداً بـ (إنَّ)ذلك أن كفار مكة - ومنهم اليهود الذين سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يقص عليهم قصة يوسف (عليه السلام) - كانوا يطعنون بصدق نبوته، وبأن القرآن هو كتاب منزل من الله تعالى. لذلك، وقبل البدء في القصة التي طلبوا سماعها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، جاء ذكر إنزال القرآن بأنه من عند الله مؤكداً بـ (إنَّ)، لنفي ما زعموه، وتسفيه ما ظنّوه.
أضف إلى ذلك أن إنزال القرآن الكريم على النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر غيبي، والغيبيات تحتاج إلى ما لا تحتاجه المحسوسات من التوكيد، إذ يأتي التوكيد - عند ذكرها - رفعاً للشبهة ودفعاً للظنّ، ودرءاً للخاطر إن جاء مشككاً أو منكراً.
وانظر في قوله تعالى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) وقد جاء دون توكيد، إذ الأمر هنا ليس أمراً غيبياً، بل هو أمر محسوس يحمل في ذاته دلائل مصداقيته، وذلك في قصص القرآن الكريم كلها ومنها قصة يوسف (أَحْسَن الْقَصَصِ)، فلا حاجة إذاً للتوكيد، ما دام المثال ظاهراً، والدليل قائماً.
ولما أراد الله تعالى أن يخبرنا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يعرف شيئاً عن قصة يوسف (عليه السلام) جاء بلام التوكيد في قوله:(وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) وذلك دفعاً لأي شك أو تردد في شأن معرفة النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذه القصة قبل نزول القرآن عليه، فأكد غفلته عن الأمر تأكيداً لا يغضّ من قدر رسوله، بل يدل على صحة نبوته وصدق دعوته (صلى الله عليه وسلم) .
مواقف في قصة سيدنا يوسف والأثر البلاغي لأسلوب التوكيد فيها:
رؤيا يوسف (عليه السلام)
(يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)
بهذا أخبر سيدنا يوسف أباه عن أمر رؤياه، وجاء بكلامه مؤكداً بـ (إنّ)، ثم بتكرار فعل الرؤيا مرتين (رأيت _ رأيتهم). وجاء هذا التوكيد في معرض الحديث عن أمر غير مألوف، فيه من الغرابة ما يُخشى معه أن يشك السامع في صدق ما يسمع، لذا جاء ذكر الرؤيا مقترناً بالتوكيد (إني رأيت _ رأيتهم) دفعاً لشك قد يخامر سيدنا يعقوب في صدق ما يقوله هذا الغلام الصغير.
ويؤول سيدنا يعقوب رؤيا ابنه، ويطلب منه ألا يخبر إخوته بالأمر...
إخوة يوسف يكيدون له
ها هم إخوة يوسف يتشاورون في أمره (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنّا). وجاؤوا بقولهم هذا مؤكداً بمؤكد واحد (اللام في ليوسف). ثم أكّدوا قولهم (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) بمؤكدين (إنَّ _ اللام في لفي). وإخوة يوسف ليس بينهم من يشك أو يتردد في أن يوسف وأخاه أحب إلى أبيهم منهم، ولا بينهم منكر أن أباهم في ضلال مبين. فلماذا إذاً جاء الكلام مؤكداً وهم في غير حاجة إلى توكيد ما هم متفقون عليه ومجتمعون بسببه!؟
إن مجيء الكلام مؤكداً في قولهم (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) يؤسس لاقتراح غريب سيطرحونه، وصولاً إلى قرار جريء سيتفقون عليه، وهو التخلص من أخيهم يوسف.
لذا أرادوا تأكيد الأسباب المؤدية إلى هذا الاقتراح حتى يبدو اقتراحاً مقبولاً، له أسبابه ودوافعه. فبدؤوا بتوكيد أمر محبة أبيهم أخاهم يوسف بمؤكد واحد (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا)، ثم صعّدوا الموقف بتوكيدين (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) ليأتي عقب ذلك مباشرة قولهم: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ).
ولولا ما قدموه من أعذار مؤكدة، غير قابلة للشك (في زعمهم)، ما كان اقتراحهم (قتل أخيهم) أمراً مقبولاً.
من هنا كان لابدّ - وصولاً إلى هذا الاقتراح - من توكيد الأسباب المؤدية إليه!!
وربّ قائل يقول: إن وجود المؤكد، والمؤكدين في قول إخوة يوسف يدل على وجود متردد أو منكر بينهم، فهل ثمة منكر أو متردد فيما كانوا يسوقونه من أعذار تسول لهم قتل أخيهم؟
نعم، إن عقولهم تنكر ما تقوله ألسنتهم، وليس أدلّ على ذلك من اعترافهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ). إذاً ما يتفقون عليه وينوون فعله تنكره عقولهم، كونه – باعترافهم - ليس من الصلاح، وجاء هذا على ألسنتهم بإقرار واضح، وتصريح فاضح.
بين سيدنا يعقوب وأولاده
لما اتفق إخوة يوسف على إلقاء أخيهم في غيابة الجب، ولم يبق أمامهم إلا إقناع أبيهم بأخذه، ذهبوا إليه و(قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) وفي قولهم هذا مؤكدان: (إنّ _ اللام في لناصحون)، فهل يحتاج إقرارهم بالنصح لأخيهم إلى توكيدين؟
ثم قالوا: (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وهنا جاؤوا كذلك بمؤكدين، فهل يحتاج أمر حفظهم لأخيهم مؤكدين أيضاً (إنّ _ اللام في لحافظون)؟
إن مجيء قضيتي (النصح – الحفظ) مقترنتين بالتوكيد يعني أن سيدنا يعقوب (عليه السلام) كان منكراً للمضمون الذي جاء فيهما، ويبدو أن إخوة يوسف عرفوا ذلك عن أبيهم، وأيقنوا عدم ثقته بهم، فجاؤوه بهذه المؤكدات رغبة في إقناعه بصفاء نيتهم، وصدق ادّعائهم. وليس أدلّ على ذلك من قولهم (مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) ففيه إقرار منهم بعدم ثقة أبيهم بهم.
فإخوة يوسف كانوا إذاً في معرض الشبهة من وجهة نظر سيدنا يعقوب وقد عرفوا ذلك وأيقنوه فاحتاجوا إلى توكيد خطابهم.
وتأمل رد سيدنا يعقوب على أولاده حين (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ) وجاء هنا بمؤكدين
(إنَّ _ اللام في ليحزنني)(وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) وجاء بالجملة دون توكيد.
فأية دلالة يحملها وجود التوكيد في الجملة الأولى وغيابه عن الجملة الثانية؟
أكد سيدنا يعقوب حزنه لذهاب إخوة يوسف به، لأحد أمرين:
إما أن يكون ذلك رداً على قولهم (مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) فأراد بتوكيد الحزن دفع ما ظنوه من عدم الثقة بهم، فأكد لهم أن سبب ذلك إنما حزنه على فراقه لا الخوف منهم عليه.
أو أنه أراد أن يؤكد لهم: إن حزني لا بسبب بعده عني، بل بسبب ذهابكم به، فذهابكم به هو الخطوة الأولى التي تتيح لكم الإساءة إليه. فأكد حزنه على ذهاب يوسف معهم لأن ذهابه معهمهو الذي سيجلب عليه الحزن والهم. أَوَلم يقل سيدنا يعقوب فيما بعد (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ) إنه الحزن ذاته الذي ذكره – متخوفاً - عند ذهاب يوسف مع إخوته.
وسيدنا يعقوب(عليه السلام) لم يؤكد خوفه على يوسف من أن يأكله الذئب لأنه كان على ثقة بأن ذلك لن يحدث،فسيّدنا يوسف قد اجتباه الله لحمل رسالته، وسيعلمه من تأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليه(حسب تفسير الرؤيا) ولا سبيل إلى ذلك كله إن أكل الذئب يوسف(عليه السلام)، لذا جاء كلامه حول هذا الأمر دون توكيد، وإنما ساق هذا العذر (خوفه على يوسف من الذئب) ليدفع عن أولاده ظنّهم عدم الثقة بهم، لعل هذا العذر يتيح له إبقاء يوسف عنده.
الغريب في الأمر أن إخوة يوسف تركوا قضية حزن أبيهم على فراق يوسف (وهي مؤكدة) وردّوا على قضية خوفه من أن يأكله الذئب، التي جاءت دون توكيد فـ (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) وتأمل مؤكدات الجملة:
(لئن)ويرى النحاة أنها تدل على قسم محذوف، و (إنَّ) واللام في قولهم (لخاسرون). وهذه المؤكدات كلها جاءت في معرض الردّ على تخوّف أبيهم من أن يأكل الذئب يوسف، فأفرطوا في توكيد نفي حدوث هذا الأمر حتى يطمئنوا أباهم فيرسل أخاهم معهم.
ولعل في هذه المؤكدات ما يدل على أنهم بيّتوا هذا العذر من قبل، وذلك وقت اتفاقهم على طريقة التخلص من أخيهم، فلما لامس سيدنا يعقوب - بذكره الخوف من الذئب - ما كانوا بيّتوه في أنفسهم، جاء ردّهم أكثر توكيداً في نفي حدوث هذا الأمر، إذ من غير المعقول أن يتفق إخوة يوسف (عليه السلام) على كيفية التخلص منه، دون الاتفاق على ما سيقولونه لأبيهم عند عودتهم إلى البيت دون أخيهم، وربما اقتضى البيان الإلهي عدم ذكر اتفاقهم هذا كونه سيأتي فيما بعد في سياق القصة، فلا حاجة لتكراره... والله أعلم.
تأتي لحظة إلقاء يوسف (عليه السلام) في غيابة الجب، وهو طفل صغير، ويأتي وحي الله مبشراً إياه بالنجاة من محنته (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) وقد جاءت البشرى مؤكدة بقسم محذوف قبل (لتنبئنّهم) دلت عليه اللام الواقعة في جواب القسم، كما جاء الفعل مؤكداً بنون التوكيد الثقيلة، وما هذه المؤكدات في هذا الوقت الحرج إلا زيادة في بث الطمأنينة في نفس يوسف بأن نجاته من محنته أمر كائن لا محالة، وتوكيد الأمر أدعى إلى الثقة والاطمئنان.
ويرجع إخوة يوسف حاملين إلى أبيهم عذرهم (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)، ولئن جاء ذكر ذهابهم للاستباق مؤكداً بـ (إنّ) فإن الجملة ما دون ذلك خلت من المؤكدات. ويبدو الأمر غريباً، إذ كيف لا يكون عذرهم حافلاً بالمؤكدات، في قضية يقف فيها أبوهم موقف المنكر،غير المصدّق، ويقفون أمامه موقف المذنب الذي يحتاج إلى إثبات باطل أتى يحمله!؟
في ذلك نقول: إن إخوة يوسف كانوا واثقين من أن وسائل التوكيد، التي قد يلجؤون إليها في كلامهم، عاجزة عن إقناع أبيهم بما جاؤوا به، ولذلك اتبعوا قولهم (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) قولهم (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي لن ينفعنا أن نؤكد كلامنا أو نشفعه بالقسم، دعماً لحجتنا وتأييداً لقولنا، لذا (جَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) أي هذا دليل ملموس (حسب زعمهم) لعله _ مع نفاد الحجج الكلامية _ يقنع أباهم بما يزعمون. وبما أنهم حملوا دليلاً محسوساً، فلا حاجة إذاً لوسائل توكيد القول التي لن تجدي _ في هذه القضية _ نفعاً أو تؤيد _ في هذا الموقف _ قولاً.
وجاءت سيارة، وحُمل يوسف (عليه السلام) إلى مصر، ليباع عبداً، وينشأ في بيت العزيز.
يوسف (عليه السلام) وامرأة العزيز
ولما بلغ أشده أخذت امرأة العزيز تراوده عن نفسه،غير أن سيدنا يوسف الذي اجتباه الله لحمل رسالته ما كان له أن يقع في الخطيئة فـ (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، وقد جاء ردّه هذا مؤكداً بـ (إنّ)في موضعين:
إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ: إن سيدي أكرمني وأحسن إقامتي عنده وأنعمعليّ. وتمثل هذه الجملة (المقدمات)
إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ: إنّ الإساءة إلى من أحسن إليّ ظلم،عاقبته الخيبة والخسران.وتمثل هذه الجملة (النتائج).
و القولان جاءا مؤكدين بـ (إنّ).
إذاً، إن المقدمات التي جاءت مؤكدة لا شك ستفضي إلى نتائج مؤكدة أيضاً. وهذا كله من باب إقناع امرأة العزيز بالحجة والمنطق، وهو في الآن ذاته شريعة الله القائمة على العدل، ولو خلت إحدى الجملتين من التوكيد لاختلّ التوازن بين المقدمات والنتائج.
لكن امرأة العزيز أصرّت على ما عزمت عليه (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) والجملة مؤكدة بـ (لقد) التي تدل على قسم محذوف قبلها، وهذا التوكيد المؤيد بالقسم دليل على أن الأمر قد حدث دون شك، وأنّ امرأة العزيز قد همّت بيوسف حقيقة.
ويأتي قوله تعالى (وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) وهذه الجملة تنفي الأمر عن سيدنا يوسف من ناحيتين:
الناحية الأولى: وجود لولا التي تعني أن أمر (الهمّ) لم يحدث أصلاً. فقولنا: لولا المطر يبس الزرع. لا يعني أن الزرع قد يبس بحال من الأحوال!؟
وقوله تعالى (وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) يعني أيضاً أن الهم لم يحدث أصلاً.
وقد ذهب بعض النحاة إلى أن جواب لولا في الآية محذوف، وما قبلها ليس جواباً، إذ لا يصح أن يأتي جواب لولا قبلها. وقد خالف نحاة آخرون هذا الرأي.
وعلى أية حال نقول: إنما حذف جواب لولا – إن اتفقنا مع أصحاب هذا الرأي – لدلالة ما قبلها عليه، ومن ثم فالمحذوف يحمل الدلالة ذاتها، وهذا يتفق والمعنى الذي نذهب إليه... بأن الهم لم يحدث من جانب سيدنا يوسف.
أما الناحية الثانية: فهي مجيء فعل (الهمّ) في قوله تعالى (وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) دون توكيد، على غير ما جاء به الفعل المنسوب إلى امرأة العزيز (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ)، إذ جاء مؤكداً كما ذكرنا آنفاً، وهذا يدل على أن الأمرين غير متماثلين، وإلا فما الدلالة التي يحملها توكيد الفعل الأول، وعدم توكيد الفعل الثاني إن كان الفعلان متساويين.
ولما استبقا الباب، ووجدا العزيز لديه بادرت امرأة العزيز فـ (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
نلاحظ أن كلام امرأة العزيز هنا لم يأت مؤكداً، على الرغم من أن الموقف يتطلب ذلك، فأية دلالة يحملها هذا الأمر!؟
إذا كان الكلام المؤكد يراد منه إزالة التردد أو الإنكار من نفس المخاطب، فإن الأمر عند العزيز لم يدخل بعد حيز التفكير حتى يشكك فيما يسمع أو ينكره، فأرادت امرأته أن تبادره بقولمصبوغ بصبغة الحقيقة الواقعة، بلسان الواثق من نفسه. ولو جاءت – في قولها - بمؤكدات لوضعت نفسها في موضع المتهم المدافع عن نفسه... وهي لم ترد ذلك، بل أرادت وضع نفسها في موضع المدّعي،لتجعل يوسف (عليه السلام) في موضع المتهم الذي يضطر إلى أساليب التوكيد- على اختلافها- دفاعاً عن نفسه، وردّاً للتهمة، ونفياً لها... فالبيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر.
ولعل امرأة العزيز لم تكن تحفل بموقف زوجها من الأمر، ولا يهمها إن اقتنع ببراءتها أملا، فهي لا تحتاج والحالة هذه إلى توكيد الأمر لدفع الشبهة لدى زوجها (إن وجدت).
ودليلنا على ذلك أن امرأة العزيز عادت إلى مراودة يوسف عن نفسه أمام جمع من النسوة دون أن تقيم لزوجها وزناً أو تحسب له حساباً، ولو كانت تخشاه لما أقدمت على ذلك.
وعلى أيّ وجه كان الأمر، فإن سيدنا يوسف (عليه السلام) (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) هكذا دون توكيد، فلم يضع نفسه في موقف المتهم المدافع عن نفسه، ولم يأت جوابه بنفي الأمر الذي اتهمته به، فلم يقل مثلاً: (لم أرد بأهلك سوءاً) وإنما ردّ الاتهام بمثله (من وجهة نظر العزيز)، وأجاب بلهجة واثقة (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي).
الطرفان إذاً امرأة العزيز ويوسف (عليه السلام) كل منهما يتهم الآخر، وليس ثمة بيّنة إلا قميص يوسف الذي قُدَّ من دبر. لكن الاحتكام إلى هذا الأمر لو جاء على لسان يوسف (عليه السلام) لكان رأيه في معرض المدافع عن نفسه، وقد لا يُقبل اقتراحه هذا فـ (شَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا ) وجاءت شهادته نقضاً لادعائها، وتثبيتاً لقول يوسف (عليه السلام) وتنزيها له مما اتهم به بهتاناً وزوراً.
وتعود امرأة العزيز إلى ما عزمت على فعله، وعلى مرأى ومسمع النسوة اللواتي كنَّ يلمنها على مراودتها يوسف عن نفسه (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ)
انظر إلى توكيدها أمر مراودة يوسف عن نفسه (لَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ).
وقد جاء هذا التأكيد بعد إدراكها أن النسوة قد رأين في حُسْنِ يوسف عذراً مقبولاً لما أقدمت على فعله، فلم يعد ثمة حرج إذاً في توكيدها الإقدام على هذا الأمر.
ثم تقول (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) لقد حمل كلامها تهديداً ووعيداً، وجاء حافلاً بالمؤكدات التي تصور عزمها على إنفاذ تهديدها فأكدت بـ (لئن) الدالة على قسم محذوف قبلها، وبـاللام ونون التوكيد الثقيلة في (ليسجننّ)، واللام ونون التوكيد الخفيفة في (ليكونن).
رأى بعض النحاة أن مجيء (ليسجننّ) بنون التوكيد الثقيلة، و(ليكونن) بنون التوكيد الخفيفة معناه أن حرصها على سجنه كان أكبر من حرصها على إذلاله، والأمر فيما نرى يحتمل وجهاً آخر والله أعلم:
لقد أكدت امرأة العزيز بنون التوكيد الثقيلة ما هي قادرة على فعله،أي سجن يوسف(عليه السلام)،أمّا الذل والصَّغار فأمران معنويان لا يملكهما إلا الله سبحانه وتعالى. والإذلال أمر لا يخرج عن كونه مجرد احتمال، فكيف لها أن تؤكد ما لا قدرة لها عليه، ولا بيدها حدوثه...!؟
ولنتأمل فيما آلت إليه الأمور...
توعدت امرأة العزيز يوسف (عليه السلام) بالسجن، بقولها: (ليسجننَّ) وقد كان لها ما أرادت (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) وانظر إلى البيان الإلهي في تكرار لفظة (لَيُسْجَنَنَّ) مؤكدة بالمؤكدين نفسيهما في الحالتين، إشارة إلى أن امرأة العزيز نفذت تهديدها كما أرادت تماماً.
أما الإذلال فليست تمتلك وسائله أو أدواته، لأنه خارج عن إرادتها فلم يكن لها ذلك، إذ كان سيدنا يوسف في سجنه داعياً إلى الله، مبلغاً رسالته، ناصحاً، مستشاراً فيما يجهل علمه سواه (تأويل الرؤيا)، وكان – حسب ما جاء على لسان الفَتيين ـ من المحسنين، ثم لما خرج من سجنه جعله الملك على خزائن الأرض... وفي ذلك كله عزّ ورفعة لا إذلال وصَغَار.
ظهور براءة يوسف
_ ولما سأل الملك امرأة العزيز والنسوة عن أمر يوسف (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) إنها تقر بذنبها بقولها (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ) وجاءت الجملة هنا دون توكيد، كونها جاءت في سياق الاعتراف بذنب يدعو للخجل أمام الملك، فلم يكن من البلاغة إذاً أن يأتي اعترافها هذا مؤكداً، ثم تضيف (وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) وهنا تأتي بمؤكدين (إنّ _ اللام في لمن) زيادة في تأكيد براءة يوسف وصدقه. وهذا أيضاً مما يدحض قضية الهمّ التي ذكرت في قوله تعالى (وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) والتي سعى المشككون إلى إثارتها وتأويلها بالشكل الذي يرغبون.
ثم تقول (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) وتوكيدها أن النفس أمّارة بالسوء بمؤكدين (إنّ – اللام في لأمّارة)، حُسْن اعتذار وتبرير لفعل شائن صدر عنها، إذ أكدت أن الأمر خارج عن إرادتها.
ولنتذكر اعتراف امرأة العزيز أمام النسوة وقد هتكت أمامهن ستر الحياء: (لَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ) كيف جاء الاعتراف مقترناً بالتوكيد، بعدما رأت في موقف النسوة عند رؤيتهم يوسف ما يبرر فعلها.
أما أمام الملك فالأمر مختلف حتماً، فجاء اعترافها مبطناً بالحياء (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ)
إخوة يوسف في مصر
ويأتي إخوة يوسف إلى مصر ليكتالوا، ويردّهم يوسف (عليه السلام) طالباً منهم إحضار أخيهم (بنيامين)، فوعدوه بذلك و(قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ).
وجاء وعدهم هنا مؤكداً بـ (إنّ - اللام في لفاعلون)، وهذا دأبهم في وعودهم، تأتي دائماً حافلة بالمؤكدات، ذلك أنهم - بفعل ما تخفيه نفوسهم من أمر- يرون وعودهم في معرض التشكيك والشبهة. وعادوا إلى أبيهم لإحضار بنيامين (قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقولهم (إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) يماثل وعدهم يوم أرادوا الذهاب بسيدنا يوسف. لذا فإن ذلك اليوم كان أوّل ما خطر في بال يعقوب (عليه السلام) عند سماعه وعدهم هذا فـ(قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ).
ولنتذكر وعودهم التي جاءت بصيغ متشابهة، مشفوعة بأساليب التوكيد ذاتها:
قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
وهذا موقف من يضمر أمراً، أو يبيّت سوءاً، أو يرى نفسه دائماً في موضع الشبهة والشك وعدم التصديق.
ولذا قال سيدنا يعقوب (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ) ولعله قَبِل بذلك منهم كونه يدرك أن أولاده لا يكنّون من الغيرة والحقد على بنيامين ما كان في أنفسهم على يوسف (عليه السلام) ولذا لم يبلغ خوفه عليه ما بلغه على يوسف حين أراد إخوته أن يذهبوا به.
ويرسل يعقوب (عليه السلام) ابنه بنيامين مع إخوته، ولمّا أراد يوسف (عليه السلام) أن يستبقي أخاه عنده أسرَّ إليه (إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) وجاء قول يوسف مؤكداً بـ (إنّ) وضمير الفصل (أنا) الذي يفيد التوكيد أيضاً، لأن الأمر يبدو غريباً، فيوسف الذي غاب هذه السنوات الطويلة، دون أن يُعلم مصيره، هو الآن عزيز مصر، ولشدة ما في الأمر من غرابة كان لا بدّ أن يأتي قوله (إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ) مشفوعاً بالتوكيد.
ثم وُضِعَ الصواع في رحل أخيه (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ).
فما كان من إخوته لما سمعوا ذلك إلا أن قالوا (تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) وقد جاء قولهم مؤكداً بالقسم (تالله)، و(لقد) وذلك على الرغم من ثقتهم ببراءتهم من هذه التهمة، لكن الاتهام الذي جاء مؤكداً بمؤكدين (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) كان لا بد من الردّ عليه برد مشفوع بالتوكيد، خصوصاً أن أخوة يوسف تعوّدوا أن يكونوا موضع الشك والشبهة، ولو كانوا في غير هذا الموضع لأجابوا إجابة الواثق المتأكد من براءته (لسنا سارقين). كقول يوسف حين اتهمته امرأة العزيز أمام زوجها بأنه كان يراودها عن نفسها، فـ (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) هكذا دون قسم أو توكيد، بل هي إجابة الواثق من براءته، المتأكد من طهره وعفته.
وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم دون أخيهم (بنيامين) فقالوا (يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ)، ولأنهم ليسوا موضع ثقة عند أبيهم قالوا (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) وقولهم (إِنَّا لَصَادِقُونَ) رغم ما فيه من المؤكدات لا يكفي – لو جاء وحده - لإقناع أبيهم بصدقهم، لذا كان من الضروري أن يُشهدوا على ما جاؤوا به أهل القرية التي كانوا فيها، وأصحاب الإبل الذين أقبلوا معهم.
لكن سيّدنا يعقوب، وقد كذبوا عليه في أمر يوسف، ما كان ليصدقهم هذه المرة (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا). لقد أعادوا إليه مرارة فقده يوسف فـ (تَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) وأثار هذا الأمر استغرابهم (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ).
وقد جمعوا بين القسم والتعجب في قولهم (تالله) فأكدوا أن تذكره يوسف سوف يؤدي به إلى الهلاك، وأرادوا بذلك أن يصرفوه عن فعله هذا، وتعجبوا في الآن ذاته من تذكره يوسف بعد هذا الزمن الطويل على فقده وغيابه عنه.
إخوة يوسف.. من الشك إلى اليقين
ويعود أبناء يعقوب (عليه السلام) إلى مصر، ويسألهم يوسف (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ) وهذا سؤال من باب الإخبار. وإخبارهم بأمر كان ما يزال سرّاً بينهم أمر مثير للاستغراب فـ (قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ) وجاؤوا بمؤكدين (إنّ - اللام في لأنت)وهنا لا بد من أن نتوقف قليلاً:
هل كان إخوة يوسف في حاجة إلى هذا التساؤل حتى يكتشفوا أن عزيز مصر ما هو إلا أخوهم يوسف..؟؟
إن الانتقال من أقصى الغفلة وعدم المعرفة بشخصية يوسف إلى أقصى المعرفة وآخر حدودها أمر أكبر من أن يثيره تساؤل سيدنا يوسف (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) وكان الأولى بهذا التساؤل أن يثير في أنفسهم شكوكاً بأن أخاهم الذي استبقاه العزيز عنده هو من أخبره بقصة ذهابهم بيوسف وعودتهم دونه... لكن ذلك لم يحدث!!!
لا شك إذاً أن إخوة يوسف كان قد تسرب إلى نفوسهم أن ثمة شيئاً في ملامح العزيز يشابه شخصية يوسف،لكن عقولهم سرعان ما استبعدت الأمر وأنكرته لفقدان الإشارات الدالة عليه.
ولنعد إلى قوله تعالى في وصف أول لقاء جمع بين يوسف و إخوته: (وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ).
فأي معنى تحمله عبارة: (وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)؟
وما هو الإنكار هنا؟
إذا كان الإنكار – لغوياً - ضد المعرفة (حسب التعبير المعجمي) فهل يعني هذا أن الإنكار هو الجهل وعدم المعرفة مطلقاً كما جاء في تفسير (وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)!؟
وماذا نقول إذاً في قوله تعالى (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) / النحل (83)؟؟
إن (الإنكار) يتضمن معنى المعرفة إذاً، أو الشك على أقل تقدير، ثم دفع هذه المعرفة أو تغييبها لسبب ما. والراجح أن إخوة يوسف قد خطر في بالهم عند لقائهم الأول به أن في العزيز شيئاً من أخيهم، ثم جاء الإنكار من ذواتهم لأن القرائن لا تشير إلى ما دار في أذهانهم ولا تدل عليه. فلما سألهم سيدنا يوسف (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ)تداعى إلى نفوسهم ما كانوا غيبوه عقلاً، وثبت في أذهانهم ما كانوا أنكروه قبلاً. وأيقنوا أن من هم في حضرته إنما هو أخوهم يوسف نفسه، فـ (قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ) وجاء سؤالهم مبطناً بالإخبار فكأنهم قالوا: (إنك أنت يوسف أليس كذلك!؟) لذا لم يأتِ جوابه بـ (نعم) وإنما (قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَينا).
وانظر في قوله تعليماً لإخوته وتأديباً لهم (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) فهو يربط بين المقدمات والنتائج، إنّ من يتق الله ويصبر (هذه المقدمات) فإن الله لا يضيّع أجر المحسنين (هذه النتائج) وهذا يذكرنا بقول يوسف (عليه السلام) لامرأة العزيز (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وفي الحالتين كان لا بد من توكيد المقدمات وتوكيد النتائج، ترسيخاً للقاعدة الإلهية، والشريعة الربانية (العدل) وتوكيداً لها، ولو خلا أحد الأمرين من التوكيد لاختل التوازن بين المقدمات والنتائج.
وأمام هذا الواقع وقف إخوة يوسف و(قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) وفي قولهم هذا أمران تدور حولهما مجمل أحداث القصة، ويلخصان في الوقت نفسه طبيعة العلاقة بين يوسف وإخوته. هما:
1- فضل يوسف على إخوته (تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا)
2- خطيئة إخوة يوسف في حقه (إِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ)
نحن إذاً أمام إقرار من إخوة يوسف بأن الله فضل أخاهم عليهم، واعتراف منهم بما اقترفوه من إساءة في حق أخيهم. وجاء الإقرار مؤكداً بالقسم المتضمن معنى التعجب (تالله) لما آلت إليه أمور يوسف وأحواله، وجاء مؤكداً بـ (لقد) وهذا من باب المبالغة في توكيد الأمر وتثبيته.
كما جاء اعترافهم مؤكداً بمؤكدين أيضاً (إن) المخففة من (إنّ) (اللام في لخاطئين).
لقاء يوسف بأبيه
و تمضي الأحداث و(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي توجهت عائدة من مصر إلى الشام(قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ)
وأتى بقوله(إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) مؤكداً، رغم تخوفه من أن ينسبوه إلى الخرف، لأنه كان على ثقة بأن الله سيجمعه بيوسف تحقيقاَ للرؤيا التي رآها ابنه في صغره …. أَوَلم يقل قبل ذلك (أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
(قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ) وهذا تأكيد وتعجب من أن سيدنا يعقوب لم يزل مصرّاَ على زعمه بأن ابنه يوسف حي، ولم يهتد بعد إلى صواب الرأي، ويقنع بأنه قد ذهب دون عودة.
ولما ألقى إخوة يوسف قميص أخيهم على وجه أبيه ارتد بصيراً، فعاد ليذكرهم بقوله فيما مضى (أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) لكنه هذه المرة يأتي بقوله مؤكداً، بعد أن مثلت بين يديه دلائل علمه من الله فـ (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
ولأن اعتراف إخوة يوسف (عليه السلام) أمام أخيهم لم يكن كافياً، ذلك أن ما ارتكبوه من ذنب في حقه كان قد ترك أثره في أبيهم أيضاً، وأصابه جرّاء ذلك من الحزن والهم ما أفقده بصره، لذا وقفوا أمام أبيهم وقفة المقرّ بذنبه، المعترف بخطيئته، و(قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) وجاء اعترافهم هذا مؤكداً بمؤكد واحد (إنّ)، في حين جاء اعترافهم أمام أخيهم (إِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) بمؤكدين.
و لذلك دلالة لابد من الوقوف عليها: لقد كان يوسف هو المقصود بالإساءة، وهي إساءة مقصودة، متعمدة، جاءت إثر حوار ونقاش وتداول، بينما لم يكن أثر ذلك على أبيهم مقصوداً لذاته، متعمداً، وإنما جاء نتيجة فعلهم مع يوسف. فلما وقفوا أمام من تقصدوا إلحاق الأذى به، وقد أصبح ذا قوة وسلطان، وهو قادر _ لو أراد _ أن يقتص من إخوته، كانوا أشد حرصاً على الاعتذار إليه واسترضائه، لذا جاء اعترافهم - كما اعتذارهم - مؤكداً.
ولربما كانوا أبلغ اعتذاراً أمام يوسف من أبيهم كونهم وثقوا من أن أباهم - بحكم عاطفة الأبوة – سيكون أكثر استعداداً للصفح والمسامحة. وهذا ما لا يتوقعونه من أخيهم، وقد سعوا في إيذائه وحاولوا التخلص منه.
- وتحققت رؤيا يوسف (عليه السلام) والتفت إلى أبيه(وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَالْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)وقد توجه بخطابه إلى أبيه لأنه من قص عليه رؤياه وهو صغير فأوّلها له، وكل ما جاء في تأويل الرؤيا أول القصة جاء دون توكيد (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
وأما ما يقوله يوسف الآن وقد غدا كل شيء حقيقة واقعة فيأتي مؤكداً (قَدْجَعَلَهَا) (وَقَدْأَحْسَنَ بَي) (إِنَّرَبِّي) حتى قوله (إِنَّهُهُوَالْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). وقد جاء قول يعقوب (عليه السلام)(إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) مؤكداً بمؤكد واحد عند تفسير الرؤيا، أما هنا وقد تأكد كل شيء، وأصبح واقعاً ملموساً، فقد جاء قول يوسف (عليه السلام) مؤكداً بـ (إنّ) وضمير الفصل (هو) وجاءت كلمتا (عليم _ حكيم) معرفتين بأل: (العليم الحكيم). وهذه الـ (أل) تفيد الاستغراق، فالله تعالى هو العليم الذي ينتهي إليه كل علم، الحكيم الذي تنتهي إليه كل حكمة... وفي هذا توكيد لهذه الصفات.
إذاً، شكل التوكيد - حضوراً وغياباً - ركناً أساسياً في البناء الأسلوبي للحوار في قصة يوسف (عليه السلام) إذ لعب دوراً مهماً في الكشف عن طبائع شخصيات القصة وميولها وأهوائها، وأسهم في فضح خفايا النفس البشرية و إظهار مكنوناتها الدفينة، عن طريق اللغة الحوارية التي تمثل الوسيط الأهم بين عوالم الإنسان الداخلية والعالم المحيط.
لمراسلة المؤلف
ياسر محمود الأقرع
yaserakra@maktoob.com (yaserakra@maktoob.com)

admin
05-15-2009, 07:17 PM
بعض جوانب الإعجاز العلمي في سورة يوسف
أ . د / صلاح أحمد حسن
أستاذ العيون بكلية الطب جامعة أسيوط
ملاحظات عامة حول سورة يوسف عليه السلام
/1/ السورة ذكرت في كتاب الله كاملة بنفس اسم بطل أحداثها – يوسف عليه السلام – لأن :
1- خط القصة الدرامي الأساسي متصل ...
2- القصة مكتملة البناء الدرامي، من حيث التمهيد، ثم الثروة، ثم الانفراج ...
3- وقائع القصة وأماكن حدوثها محددة ...
4- أحداثها لا تمثل صراعاً عقائدياً ( مثل فرعون / موسى) , ولكن صراعاً سلوكياً داخل أفراد الأسرة الواحدة ..
5- ولأن شخصيتها المحورية والثانوية معدودة ( يعقوب / يوسف / الإخوة / عزيز مصر وامرأته، صاحبا السجن / الملك) .
/2/ الإشارة القرآنية المعجزة إلى ذكر القصة في كتاب الله بالعربية ( لكون أبطالها لا يتكلمون العربية)، لتكون وقائعها، والعبر المستخلصة منها، في غاية الوضوح : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [يوسف : 2] .
/3/ ولأن الهدف الأساسي من سورة يوسف هو العظة والعبرة، فقد حوت العديد من قواعد العلوم : طب، علم نفس، زراعة، إدارة، اجتماع، قانون، تشريع، عقيدة، وغيرها ..
/4/ السورة بلغت الإعجاز في النهاية الدرامية : فبعض الشخصيات ذكرت في نهاية مطافها ( كيعقوب وإخوة يوسف)، وبعض النهايات تركت مفتوحة (كيوسف وامرأة العزيز) .
/5/ يجب ملاحظة أن إخوة يوسف – برغم كل ما ارتكبوه من جرائم – كانوا مسلمين، لقوله تعالى : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة : 133] .
· لماذا هو أحسن القصص ؟
يقول الله تعالى : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ... } [يوسف : 3]، فلماذا هو أحسن القصص ؟
/1/ - لأنه من عند الله تعالى رب العالمين : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ } .
/2/ - ولأنه عبرة لأصحاب العقول : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي } [يوسف : 111] .
/3/ - ولأن فيه صدق الحديث، والحدث، والأحداث : { مَا كَانَ حَدِيثاً ... } [يوسف : 111] .
/4/ - ولأن فيه التفصيل والإحاطة بجوانب كثيرة ( اجتماع – علم نفس – طب – قانون – اقتصاد – سياسة – غدارة – دين – أخلاق) : { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى } [يوسف : 111] .
/5/ - ثم الهدى والرحمة للمؤمنين : { ... وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [يوسف : 111] .
أولاً : يعقوب عليه السلام :
* تحذير يوسف عليه السلام من قصّ رؤياه على إخوته : { قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [يوسف : 5]، لأسباب عديدة :
‌أ- لأن الإخوة ليسوا أشقاء : { إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ } .
‌ب- لتدلل يوسف على أبيه الشيخ الكبير ( عمر يوسف كان وقتها ما بين : 8-10 سنوات) : { أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } [يوسف : 8] .
‌ج- لتواجد يوسف الدائم مع أبيه وعدم قيامه بالرعي مع إخوته : { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ } [يوسف : 13] .
* الأدب النبوي في رد المكائد إلى الشيطان : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [يوسف : 5] .
* النبوءة :
‌أ- ببشارة النبوة : { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } [يوسف : 6] .
‌ب- وكذا علم تفسير الأحلام : { وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } [يوسف : 6] .
‌ج- وإتمام نعمة النبوة على آل يعقوب وختماً بيوسف : { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } [يوسف : 6] .
* الإيحاء لأبنائه بالذئب : { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } [يوسف : 13] .
* موقف يعقوب من محنة يوسف عليهما السلام :
‌أ- فراسة المؤمن : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً } .
‌ب- الاسترجاع والتسليم بقضاء الله والاستعانة بالله عند الابتلاء : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ } [يوسف : 18]
‌ج- تم تفويض الأمر لله : { فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [يوسف : 64]، أي فالله خير حافظاً ليوسف من كل مكروه .
* محنة المجاعة :
‌أ- تقرير حقيقة الحسد وأخذ الحيطة للوقاية منه : { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } [يوسف : 67] .
‌ب- ثم ترك النتائج لله : { وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } [يوسف : 67] .
‌ج- إحاطة يعقوب عليه السلام مسبقاً بالأحداث : { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ } [يوسف : 68] .
‌د- صدق إحساس يعقوب بعودة يوسف وأخيه : { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } [يوسف : 83] .
* محنة العمى : { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } [يوسف : 84] .
ملاحظات :
/1/ - العلاقة بين الانفعالات النفسية والأمراض العضوية (كالمياه البيضاء والمياه الزرقاء) : { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ }، وكظم غيظ شديد { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } [يوسف : 84] .
/2/ - الركون إلى حصن الله المتين عند الشدائد : { قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [يوسف : 86] .
/3/ - سلوكيات الكفيف :
1. الاعتماد على حاسة اللمس : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ } .
2. الظلام الحسي (العمى) والظلام المعنوي (عدم معرفة أي شيء عن يوسف) .
3. تأهيل الكفيف .
4. اقتران الإحباط واليأس بالكفر : { وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف : 87] .
5. رهافةحواس أخرى عند الكفيف، كاللمس والشم : { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } [يوسف : 94] .
* معجزة استرجاع الإبصار : { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً } [يوسف : 96] .
* تأكيد يعقوب عليه السلام على سبق علمه بالأحداث : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [يوسف : 96] .
* نقاء وسماحة النبوة في كل الأحوال : { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } [يوسف : 98] .
ثانياً : يوسف عليه السلام :
تفرد الرؤيا عند الطفل يوسف عليه السلام : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [يوسف : 4] .
1- عدم تناسب الرؤيا من المرحلة السنية للطفل .
2- جدية تلقي الرؤيا من الأب .
المحنة الأولى :
الجب : { فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ .. } [يوسف : 15] .
المحنة الثانية :
الاسترقاق : { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } [يوسف : 19]، { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ } [يوسف : 20] . على اعتقاد أنه عبد آبق أو لخوفهم من سماسرة العزيز .
ملاحظات :
1- كيف وصل يوسف إلى عزيز مصر ؟ هل عن طريق البصاصين أم سماسرة تجار الرقيق الذين أحاطهم بطلبه ؟
2- فراسة عزيز ( وزير) مصر في يوسف : { وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } .
3- الإشارة ضمناً إلى قضية الإنجاب : { عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً }. نفس قول امرأة فرعون في موسى : { وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } [القصص : 9] .
4- التمكين ليوسف في الأرض : { وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ } [يوسف : 21] .
5- تعليم تفسير الأحلام، إما وحياً وإما عن طريق معلمين في القصر : { وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } [يوسف : 21] .
6- هبة الحكم والعلم : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [يوسف : 22] .
7- قانون رد الإحسان بالإحسان : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [يوسف : 22] .
المحنة الثالثة :
الغواية : { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [يوسف : 23] .
ملاحظات :
1- هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ (الأصل الطيب : { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } [يوسف : 23] .
2- دلالة ثانية للطب الشرعي في التاريخ : فحص ملابس المجني عليه : { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ } [يوسف : 25] .
المحنة الرابعة :
التحرش الجنسي الجماعي : { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } [يوسف : 33] .
المحنة الخامسة :
السجن ظلماً (الاحتياطي) : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } [يوسف : 35] .
ملاحظات :
1) واجب الدعوة إلى الله حتى في السجن : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [يوسف : 39] .
2) إذاً فاسأل الله : { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } [يوسف : 42] .
3) علاقة الشيطان بالنسيان عند الإنسان :
‌أ- { وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [الأنعام : 68].
‌ب-{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } [يوسف : 42].
‌ج- { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ... } [الكهف : 63] .
‌د- { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ } [المجادلة : 19].
4) الإشارة إلى عدم أحقية العالِم (بكسر اللام الثانية) في حجب العلم أو الامتناع عن الفتوى لمن يطلبها .
5) اللين والأدب والحياء في التظلم إلى ولي الأمر : { فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [يوسف : 50] .
6) واجب استجلاء الأمور من ولي الأمر : { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ } .
7) إعلان براءة يوسف : { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ } .
8) اعتراف امرأة العزيز : { قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } [يوسف : 51] .
9) تقريب الملك ليوسف : { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } [يوسف : 54] .
10) مؤهلات تولي الإمارة : { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } [يوسف : 55] .
نعم الله على يوسف عليه السلام :
1) الخروج من السجن: { إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ... } [يوسف : 100] .
2) التمكين في الأرض: { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } [يوسف : 54] . { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } [يوسف : 55] .
3) لقاء الأشتات:
وقد يجمع الله شتيتين بعدما يظنان كل الظن أنهما لا يتلاقيا :
{ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } [يوسف : 58] .
4) الترغيب والترهيب لإخوانه :
‌أ- الترغيب : { وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } [يوسف : 59] .
‌ب-الترهيب : { فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ } [يوسف : 60] .
5) اعتراف إخوته ضمناً بنفس أسلوبهم الإجرامي الذي اتبعوه مع يوسف : { قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } [يوسف : 61] .
6) الجزاء من جنس العمل : { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ } [يوسف : 70] .
‌أ- العقاب النفسي جزاء جرائمهم السابقة .
‌ب- لتطبيق قوانين مصر على أخيه (الاسترقاق) .
‌ج- المكر الخير : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال : 30] . وقوله تعالى : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [آل عمران : 54] .
7) انتقال أبويه وإخوته من البدو إلى الحضر : { وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ } .
8) الصلح مع إخوته : { مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } [يوسف : 100] .
9) الشكر له على النعم :
‌أ- الملك : { رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ } .
‌ب- علم تفسير الأحلام : { وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } .
‌ج- نعمة الموت على الإسلام : { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف : 101] .
ثالثاً : إخوة يوسف عليه السلام :
/1/ الجريمة الأولى في حق يوسف عليه السلام :
الشروع في قتل يوسف : وهي جريمة مكتملة الأركان، من حيث سبق الإصرار والترصد، قام فيها الجناة ( إخوة يوسف) بعقد النية والاتفاق الجنائي بينهم، ورسم الجريمة وتنفيذها في أخيهم يوسف ( عليه السلام) .
أولاً : الدافع للجريمة : { إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } [يوسف : 8] . لما ظنوه من قرب أبيهم من يوسف، وتدليله، وعدم جعله يشاركهم الرعي .
ثانياً : ارتباط السلوك الإجرامي بسوء الخلق : { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [يوسف : 8] .
ثالثاً : الاتفاق الجنائي واستعراض الخيارات : { اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً } [يوسف : 9] .
رابعاً : نية التوبة بعد الجريمة : { وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } [يوسف : 9]، وبزوغ القاعدة الفقهية : ( الإصلاح بعد جريمة)، يقول تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [النساء : 17] .
خامساً : اختلاف درجات الإجرام والمسؤولية الجنائية بين المجرمين في الجريمة الواحدة : { قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [يوسف : 10] .
سادساً : خطوات تنفيذ الجريمة :
1) التمسكن للأب وإظهار الحب ليوسف : { قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } [يوسف : 11] .
2) الإغراء بالأكل واللعب ( احتياجات الطفل الأساسية) : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } [يوسف : 12] .
3) والتعهد بالمحافظة عليه : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [يوسف : 12] .
ملاحظات :
توصل إخوة يوسف بالغريزة إلى أحداث أبحاث التربية في تربية الطفل وهي :
1) أمانة المعلم على الطفل .
2) الرفق بالطفل عند النصح له .
3) توفير المأكل والملعب أهم من تلقي العلم في هذه السن الصغيرة ( ارجع إلى حديث الرسول : ( لاعبوهم على سبع، واضربهم على سبع، وصاحبهم على سبع )، والمثل الشعبي : ( اديه رمحه وما تدهش قمحة!) .
4) توفير السلام والحماية للطفل .
ملاحظات :
إخلال إخوة يوسف عليه السلام بجميع شروط العقد :
‌أ- تعهدوا بسلامة يوسف عليه السلام، وهم به متربصون .
‌ب- تعهدوا بالنصح له، وهم له كارهون .
‌ج- تعهدوا بالمحافظة عليه، وهم له مضيعون .
‌د- أخلوا بعهدهم في جعله يأكل ويلعب .
أكاذيب إخوة يوسف بعد الجريمة ( الحبكة الدرامية) :
1) الحضور عند العشاء يبكون ( الرعاة لا يتأخرون – عادة – بعد المغرب إلا لأمر جلل) : { وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ } [يوسف : 16] .
2) اختلاف الرواية : { قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ } [يوسف : 17] .
3) شكهم في أقوالهم : { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف : 17] .
4) أول دلالة للطب الشرعي في التاريخ : الدم الكذب : { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } [يوسف : 18] .
/2/ الجريمة الثانية في حق يوسف عليه السلام :
1- القذف : { قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } [يوسف : 77] .
2- معرفة يوسف بسلوك إخوته : { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً } [يوسف : 77] .
3- اعتراف إخوة يوسف بفضله عليهم وسوء فعلهم : { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ } [يوسف : 91] .
4- توبة إخوة يوسف واللجوء إلى أبيهم ليستغفر لهم : { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [يوسف : 97] .
رابعاً : بعض المظاهر السلوكية والاجتماعية للطبقة الراقية في سورة يوسف عليه السلام :
/1/ امرأة عزيز مصر ( أسوأ النساء حظاً في التاريخ) :
‌أ- صاحبة أول جريمة اغتصاب فاشلة تقوم بها امرأة لرجل في التاريخ .
‌ب- لم ترزق الذرية، وأوقعها حظها العاثر في غواية نبي معصوم .
‌ج- وصاحبة أخلد فضيحة، إذ صارت قرآناً يتلى حتى يوم الدين .
/2/ إن المرأة تأخذ المبادأة : { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ } [يوسف : 23] .
/3/ وإنها قد تكون الطرف الموجب : { وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } [يوسف : 23] .
/4/ وقد تكون مغتصبة : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف : 24] . لكل فعل إنساني ثلاث مراحل : إدراك ووجدان ونزوع، ولقد أتمت امرأة العزيز الفعل بأكمله، ولكن الفعل وقف عند يوسف عند مرحلتي الإدراك والوجدان ( مراحل نفسية داخلية)، وتوقف عند النزوع (حيث لا حساب)، لأمر أظهره له الله تعالى : { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف : 24] .
/5/ وقد تلجأ إلى المطاردة : { وَاسْتَبَقَا الْبَابَ } [يوسف : 25] .
/6/ وقد تلجأ إلى العنف لتحقيق مرادها : { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ } [يوسف : 25] .
/7/ وقد تستخدم الكذب وقول الزور عند افتضاح أمرها : { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [يوسف : 25] .
/8/ ولها من النفوذ ما يجعلها تقترح العقوبة : { إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [يوسف : 25] .
/9/ ضعف شخصية الزوج : (إما لضعف شخصيته أو لعجزه الجنسي أو الخوف من تأثير الفضيحة على مستقبله السياسي) وعدم المقدرة على توجيه الاتهام مباشرة إلى زوجته فعد تكشف إدانتها واللجوء إلى تعميم الاتهام إلى عموم جنس المرأة : { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [يوسف : 28] .
/10/ المساواة بين الجاني والمجني عليه، والهزل في توقيع العقاب : { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ } [يوسف : 29] .
/11/ الفراغ وشيوع النميمة بين نساء هذه الطبقة وكثرة القيل والقال : { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } [يوسف : 30] .
/12/ نقل الوشايات : { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } .
/13/ البذخ والتعود على إقامة الحفلات واتباع أصول الإتيكيت، من إرسال للدعوات وإعداد تدابير الحفل : { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً } .
/14/ تقدم فن الإتيكيت، وتقديم السرفيس لكل فرد في الأكل : { وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً } .
/15/ الجبروت في التعامل مع الرفيق والخدم : { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } .
/16/ الدراية بالرجال وشدة الانبهار بهم والتمييز بين كريم المحتد وغيره : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } [يوسف : 31] .
/17/ المكاشفة بالفحش وعدم الخجل منه، ولكن داخل نفس الطبقة : { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } [يوسف : 32] .
/19/ الإصرار على ممارسة الفاحشة والتهديد باستخدام النفوذ لتحقيقها : { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ } [يوسف : 32] .
/20/ تلفيق التهم لأبرياء، حتى وإن ثبتت براءتهم : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } [يوسف : 35] .
/21/ الفساد السياسي ( التعتيم على الجرائم وعدم رفعها إلى الملك) : { قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [يوسف : 50] . { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ } .
/22/ الاعتراف بالحق حينما تتأزم الأمور : { قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } [يوسف : 51] .
/23/ الاعتراف فيه راحة لجميع الأطراف : { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } [يوسف : 52] . فإن كان القول لامرأة العزيز، ففي ذلك راحة لزوجها من شك الخيانة ورفع لرأسه أمام الملأ، وإن كان القول ليوسف عليه السلام، ففه رد لجميل عزيز مصر الذي آواه وأكرم مثواه .
/24/ أغفل القرآن الكريم حكم الملك في هذه القضية : لأسباب لا يعلمها إلا الله، وتجاوزه إلى أمره ليوسف أن يكون من أفراد الحكم { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } [يوسف : 54] .
خامساً : العلاج الواقي من الوقوع في الفواحش داخل البيوت من خلال سورة يوسف عليه السلام :
/1/ - الحذر من الإقامة الدائمة للخدم داخل البيوت، حتى ولو كانوا قد تربوا فيها صغاراً .
/2/ - عدم مشروعية التبني .
/3/ - عدم مشروعية الخلوة بالخدم .
/4/ - الحذر من الفراغ والنميمة وكثرة القيل والقال .
/5/ - غض البصر للرجل والمرأة، على حد سواء .
/6/ - الحذر من المجالس السيئة .
سادساً : القوانين الإلهية الأزلية في سورة يوسف :
/1/ - { إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [يوسف : 5].
/2/ - { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [يوسف : 21].
/3/ - { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [يوسف : 22].
/4/ - { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [يوسف : 23].
/5/ - { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف : 24] .
/6/ - { وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } [يوسف : 52].
/7/ - { إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [يوسف : 53].
/8/ - { وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [يوسف : 56].
/9/ - { وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } [يوسف : 57].
/10/ -{ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [يوسف : 64].
/11/ -{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ... } [يوسف : 67].
/12/ -{ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف : 76] .
/13/ -{ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف : 87] .
/14/ -{ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [يوسف : 90] .
/15/ -{ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } [يوسف : 110] .
أ . د / صلاح أحمد حسن
أستاذ العيون بكلية الطب جامعة أسيوط

موسى أحمد الزغاري
01-09-2010, 08:08 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جاء في تفسير تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) :

مسألة: وٱختلف العلماء لِمَ سُمِيت هذه السورة أحسن القَصَص من بين سائر الأقاصيص؟ فقيل: لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العِبر والحِكم ما تتضمن هذه القصّة؛ وبيانه قوله في آخرها:
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }
[يوسف: 111]. وقيل: سماها أحسن القَصص لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته، وصبره على أذاهم، وعفوه عنهم ـ بعد الالتقاء بهم ـ عن ذكر ما تعاطوه، وكرمه في العفو عنهم، حتى قال:
{ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ }
[يوسف: 92]. وقيل: لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين، والجنّ والإنس والأنعام والطّير، وسير الملوك والممالك، والتّجار والعلماء والجهّال، والرجال والنّساء وحِيلهنّ ومكرهنّ، وفيها ذكر التّوحيد والفقه والسِّيرَ وتعبير الرؤيا، والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش، وجمل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا. وقيل: لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وسيرهما. وقيل: «أَحْسَنَ» هنا بمعنى أعجب. وقال بعض أهل المعاني: إنما كانت أحسن القَصَص لأن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة؛ ٱنظر إلى يوسف وأبيه وإخوته، وٱمرأة العزيز؛ قيل: والملك أيضاً أسلم بيوسف وحسن إسلامه، ومستعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال؛ فما كان أمر الجميع إلا إلى خير.
</O:p