المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 13/1/2006م وفق 13 ذو الحجة 1426 هجري


admin
05-20-2009, 02:41 PM
<EMBED src=2006-01-13.wav width=612 height=44 type=audio/wav>
تاريخ الخطبة: 13 ذو الحجة 1426 وفق 13/1/2006م


تاريخ الخطبة: 13 ذو الحجة 1426 وفق 13/1/2006م
عنوان الخطبة: يوم عرفة
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب
الموضوع الفرعي: فضائل الأزمنة والأمكنة
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- أهمية التذكير. 2- فضل أيام عشر ذي الحجة. 3- فضل يوم عرفة. 4- مبادئ خطبة الوداع. 5- قضية مقبرة "مأمن الله". 6- قضية حفريات المسجد الأقصى.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله عز وجل في كتابه العزيز: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:55-58].
أيها المسلمون، هذه الآيات الكريمة من سورة الذاريات وهي مكية، وفيها يطلب الله تبارك وتعالى من رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام أن يستمر في التذكير لمن تنفعه الذكرى ولمن لديه الاستعداد لقبول الإرشاد والوعظ والنصيحة والهداية، وأن الله عز وجل لم يخلق الجنّ والإنس إلا ليأمرهم ويكلفهم بعبادته، لا لأنه محتاج للجنّ والإنس في تحصيل الرزق وإحضار الطعام، وإنما ليعرفوه ويشكروه، فالله رب العالمين هو الرزاق ذو القوة المتين، ويقول سبحانه وتعالى في سورة التوبة: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة:31]، ويقول في سورة البينة: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة:5].
أيها المسلمون، لا نزال في الأيام العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة، والعبادة فيها لها ثواب عظيم وفضل كبير، والصوم فيها مستحب، وقد أقسم الله عز وجل بها لبيان فضلها ولتعظيم شأنها بقوله: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1، 2]. وإن زيادة الفضل في هذه الأيام تتمثل بوجود يوم عرفة فيها، والذي يصادف يوم الاثنين القادم، وبوجود يوم عيد الأضحى المبارك فيها أيضا، الذي سيصادف يوم الثلاثاء القادم إن شاء الله.
أيها المسلمون، إن العبادة هذه الأيام ليست منحصرة بالحجيج، فقد هيأ الله عز وجل للمسلمين جميعا أن يكسبوا الثواب، وعليه فإنه يستحبّ في هذه الأيام التنفّل بالصلاة والتطوّع بالصوم والمحافظة على صلات الرحم والتصدّق على الفقراء والمحتاجين.
وأذكركم ـ أيها المسلمون ـ بصوم يوم الاثنين القادم إن شاء الله الذي هو يوم عرفة يوم الوقفة العظيمة، ونحن في وقت أحوج ما نكون فيه للجوء إلى رب العالمين، وأن نستغيث برب السماوات والأرض ليفرج كربنا وليوحد صفنا ولينصرنا على أعدائنا.
أيها المسلمون، لا تزال جموع الحجيج تتوافد على مكة المكرمة من كل فج عميق، ويكتمل اجتماعهم في اليوم الثامن من ذي الحجة أي: بعد غد الأحد، هذا اليوم المعروف بيوم التروية حيث كان العرب يتزوّدون فيه بالماء استعدادا للصعود إلى جبل عرفة في اليوم التالي أي: يوم الاثنين القادم.
نعم أيها الأخوة، إن الملايين ستصعد على جبل عرفة في أكبر تجمّع سنوي دوريّ في العالم يوم الحج الأكبر، إنه يوم مبارك يوم عظيم الفضل يوم المغفرة، يكفر الله فيه الذنوب، ويضاعف فيه الحسنات؛ لقول رسولنا الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام: ((ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي؛ جاؤوني شعثا غبرا ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يوما أكثر عتقا من النار من يوم عرفة)).
فطوبى لمن وقف على عرفة، واستفاد من يومه بالطاعات، وابتعد عن الخصومات والمشاجرات. ومعنى ((ضاحين)): حالة كون الحجيج واقفين على جبل عرفة من وقت الضحى وهم بارزون للشمس دون غطاء أو ظلّ، والمعلوم أن يوم الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج؛ لقول رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام في حديث مطول: ((الحج عرفة)).
أيها المسلمون، تعدّ وقفة عرفة أكبر تجمّع سنوي دوريّ في العالم؛ لأن الحجيج جميعهم يقفون على جبل عرفة في وقت واحد وزيّ واحد، ملبين نداء واحدا: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"؛ لذا ألقى رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام خطابه الشهير المتواتر على جبل عرفة، والذي عرف خطابه بخطبة الوداع، والذي قال فيها: ((لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا))، وذلك على مسامع آلاف الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في هذا الموقف الإيماني الرائع، وشملت خطبته العديد من المبادئ الإسلاميّة العامة، وذكرتها كتب الصحاح والسنة والسيرة النبوية عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وكان ذلك في السنة العاشرة للهجرة، وإن خطابه عليه الصلاة والسلام ليس موجّها للصحابة فحسب، بل هو خطاب للأمة الإسلامية جمعاء في كل زمان ومكان.
أيها المسلمون، يحسن في هذا المقام أن أشير إلى أبرز المبادئ التي تناولها الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع من خلال التعداد:
أولا: أن الناس كلهم من آدم، وآدم من تراب، وهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي إلا بالتقوى، وهذه القاعدة السامية قد أقرها ديننا الإسلامي العظيم قبل خمسة عشر قرنا، فهل يوجد نظام في العالم يطبق هذه القاعدة؟! فما نشاهد؟! نشاهد التميز العنصري والشعور الفوقي والغطرسة والتجبر والتكبر من الدول الكبرى ضد الشعوب المستضعفة.
ثانيا: حرمة الدماء والأموال والأعراض وتحريم الخصومات والاقتتال بين المسلمين، فقد شدّد ديننا الإسلامي العظيم على حرمة سفك الدماء، وعلى حرمة غصب الأموال، وعلى حرمة التعرض والغمز بالأعراض.
ثالثا: تحريم الأخذ بالثأر؛ لأن الدولة ملتزمة بإقامة عقوبة القصاص على القاتل العمد.
رابعا: تحريم الربا بمختلف صوره.
خامسا: الاعتصام بالقرآن والسنة النبوية الشريفة المطهرة.
سادسا: وجوب العناية بالنساء والأمر بالمحافظة على حقوقهن.
وإن كل مبدأ من هذه المبادئ يحتاج إلى خطبة مستقلة.
أيها المسلمون، بهذه المبادئ السامية يصلح المجتمع وتحقن الدماء ويتعامل الناس فيما بينهم على ضوء الأحكام الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وتشيع روح المحبة والتآلف والتضامن والتكافل، هكذا يجب أن يكون المسلمون فيما بينهم في كل زمان ومكان، وهذه هي طريقة رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام في دعوته، وإنه لا يصلح آخر هذا الأمر إلا بما صلح به أوله.
سائلين المولى عز وجل التوفيق والسداد لحجاج بيت الله الحرام في أداء شعائر الحج، ونقول لهم: حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وتجارة لن تبور إن شاء الله.

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أتناول نقطتين مهمتين أثيرتا مؤخرا، ولكن تلهّى الناس عنها في أمور أخرى، وهاتان النقطتان هما:
أولا: مقبرة "مأمن الله" الإسلامية بالقدس الغربية: تقع مقبرة "مأمن الله" والمعروفة بمقبرة "ماميلا" في وسط مدينة القدس، ومساحتها الكلية مائتا دونم حسب ما هو مثبت في الطابو التركي والطابو البريطاني، وقد اقتطع منها مساحات واسعة بحجة أنها مقبرة دارسة قديمة، فمنذ عام 1948م والاعتداءات عليها متواصلة وحتى الآن، ونتساءل: هل حينما أقيم فندق بلازا على "مأمن الله" عام 1948م كانت قديمة ودارسة؟! ثم إن تحويل المقبرة الإسلامية من مقبرة عامرة إلى مقبرة دارسة بحاجة إلى فتوى شرعية من ذوي الشأن ومن أصحابها الشرعيين، ثم إن تحويل المقابر من مقابر عامرة إلى مقابر دارسة ليس بالأمر المعتمد من الناحية الدينية، وإنما هي مجرد اجتهادات مع التأكيد على أنه لا يسقط عن أرض المقبرة صفة الوقفية، وليس من مصلحة أهل فلسطين الأخذ بهذه الاجتهادات، وبالتالي لا بد من المحافظة على المقابر وإعادة الدفن فيها إذا كانت مهجورة التزاما بالأحاديث النبوية الشريفة التي تحذر من الاعتداء على رفاة الموتى.
أيها المسلمون، إن المشروع الإسرائيلي الجديد الذي هو تحت الإنشاء الآن على مقبرة "مأمن الله" بالقدس سيكون متحفا للتسامح كما يدّعون، وإن العمال أثناء العمل في هذا المشروع قد وجدوا عظاما مبعثرة، ونتساءل: من أين أتت هذه العظام؟! أليس من القبور التي نبشت؟!
إن مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي يدعي بأن المشروع لا يؤثر على القبور! ونتساءل: كيف هذا المشروع لا يؤثر على القبور والمشروع قد احتلّ واغتصب عشرين دونما من هذه المقبرة؟! فهل كانت هذه المساحة الواسعة خالية من القبور؟! ثم لماذا منعنا من الدخول إلى المشروع للاطلاع عما يجري في المقبرة؟! فلو كان الأمر عاديا وسليما لما منعنا من الدخول إليه، فالمشروع يقام على أرض مسروقة ومغتصبة من المقبرة الإسلامية، وعليه ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك نطالب بالتوقف عن العمل في هذه المقبرة وكفّ اليد عنها، لأنه لا يجوز شرعا نبش المقابر والعبث برفاة وعظام الموتى، كما لا يجوز شرعا التصرف بالأراضي الوقفية الإسلامية من قبل غير المسلمين، وعلى أهل بيت المقدس الوقوف إلى جانب الحق والعدل والمطالبة بحقوقهم المشروعة.
أيها المسلمون، ثانيا: الحفريات أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه: لقد أثبتت الأوراق والخرائط بأن الحفريات الإسرائيلية أسفل الأقصى مستمرة ولم تتوقف، وأن عددا من البيوت الوقفية التي تقع بين باب السلسلة وباب القطانين قد تأثرت بسبب هذه الحفريات، ونؤكد من الناحية الشرعية بأن باطن الأرض الوقفية أي: أسفل الأرض الوقفية هو وقف أيضا، كما أن هواء وسماء الأرض الوقفية هي وقف أيضا، وأن حكم الوقف قائم إلى يوم القيامة، وأن أي اعتداء على الوقف هو باطل مهما طال وقت الاعتداء، ولا يسري تقادم الزمان على الاعتداءات الوقفية، مع الإشارة إلى أن هذه الحفريات لها آثار سلبية خطيرة على مباني المسجد الأقصى ومرافقه، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، فنحذر من الاستمرار في هذه الحفريات، ويتوجب رفع اليد عن الأملاك الوقفية وعدم العبث أسفلها، فالحق أبلج واضح، والباطل فاضح، فالأقصى هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وهو للمسلمين وحدهم حتى قيام الساعة.