المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 17/2/2006م وفق 18 محرم 1427 هجري


admin
05-20-2009, 03:23 PM
تاريخ الخطبة: 18 محرم 1427 وفق 17/2/2006م
عنوان الخطبة: الكفر ملة واحدة
الموضوع الرئيسي: الإيمان, موضوعات عامة
الموضوع الفرعي: الإيمان بالرسل, جرائم وحوادث
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- السخرية والاستهزاء ديدن الكافرين. 2- وقوف الاتحاد الأوروبي بجانب الدنمارك. 3- دعوة للاتحاد. 4- بيان بخصوص الرسوم المسيئة لرسول الإسلام. 5- التحذير من المراكز التي تتعامل بالسحر. 6- قضية إيجار المحلات التجارية. 7- الاعتداء على مقبرة مأمن الله.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله عز وجل في سورة الإنعام والأنبياء مواسيا رسوله الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم: (وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) [الأنعام:10، الأنبياء:41]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة هود بحق سيدنا نوح عليه السلام: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) [هود:38]، ويقول رب العالمين في سورة الحجر مدافعا عن نبيه ومصطفاه محمد عليه الصلاة والسلام: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر:95].
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله، لقد ورد لفظا الاستهزاء والسخرية في القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة على لسان المشركين والكافرين بحقّ جميع الأنبياء والمرسلين، وبحقّ القرآن الكريم العظيم؛ لذا لا غرابة ولا استهجان في أن تقوم الدنمارك بخاصّة والغرب بعامة بنشر رسومات هابطة تحاول الإساءة إلى النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا بدّ من التأكيد أن محاولات الإساءة إلى خير البرية محمد عليه السلام لا تقلّل من قدره ولا تحطّ من منزلته؛ لأن الله عز وجل قد رفع قدره وتولى الدفاع عنه، ولكن ما حصل في هذه الأيام هو امتحان واختبار للمسلمين، هل هم يحبون نبيّهم محمدًا صلى الله عليه وسلم؟ نعم، لقد أثبت المسلمون في أرجاء المعمورة أنهم يحبّون خير البرية عليه السلام، ليس هذا بالأمر المستغرب، لماذا؟ لأنّ حب الرسول من الإيمان، وإن محاولات الإساءة قد أيقظت المسلمين من سباتهم على حبّهم لرسول الإنسانية والمحبّة عليه الصلاة والسلام، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]، ويقول عز وجل في آية أخرى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19].
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يزال موضوع الرسومات المسيئة يتفاقم يومًا بعد يوم، والسبب في ذلك أن بعض الدول الغربية أخذت في نشر هذه الرسومات لتقف إلى جانب الدنمارك حتى لا تكون الدنمارك منفرِدة في المواجهة، وحتى يتوزع جهد المسلمين بين هذه الدول. وعلى الصعيد السياسي فإن الاتحاد الأوروبي أعلن رسميا قبل يومين بأنه يقف إلى جانب الدنمارك متشدّقا بحرية الرأي والتعبير، كما أعلن بأن المقاطعة الاقتصادية للدنمارك هي مقاطعة للاتحاد الأوروبي، وأن الاعتداء على الدنمارك هو الاعتداء على الاتحاد الأوروبي، كما أعلن الاتحاد الأوروبي بأنه لا يؤيّد إصدار قانون من قبَل هيئة الأمم يتضمّن تجريم من يتعرّض للأديان وللأنبياء وللمرسلين.
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يرغب الاتحاد الأوروبي في إصدار قانون يمنع التعرض للأديان والأنبياء والمرسلين؟ والجواب: لأن الاتحاد الأوروبي ليس لديه حرمه واحترام للإسلام ولنبيّ الإسلام، وهو مطمئنّ بأن المسلمين لا يتعرّضون لسائر الديانات ولا للأنبياء والمرسلين، فيرى الاتحاد الأوروبي أن إصدار مثل هذا القانون سيكون لصالح الإسلام والمسلمين، وعليه لا يريده ولا يؤيّده.
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حقّنا أن نسأل الأنظمة القائمة في العالم العربي والإسلامي: إن الاتحاد الأوروبي أعلن وقوفَه رسميا إلى جانب الدنمارك وهي على باطل وهي معتدية، فلماذا نحن المسلمين لا تقف وقفةَ رجل واحد إلى جانب البلاد الإسلامية التي تتعرّض إلى أخطار وأزمات ونحن على الحق غير معتدين؟!
لقد سبق أن وقفت أفغانستان منفرِدة والعالم الإسلامي وقَف موقفَ المتفرّج، وكأن الأمر لا يعنيه، وقد حصل ذلك أيضا بحقّ العراق، بل وقف بعض العرب ضدّه عمليّا، فلماذا يا مسلمون لا يكون للمسلمين الآن موقف موحّد على الأقل كما يحصل لدى الاتحاد الأوروبي؟! والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنبياء: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]، ويقول الله عز وجل في سورة المؤمنون: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون:52]، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [لحجرات:10]، ويقول رب العالمين في سورة الصف: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف:4]، ويقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا))، ويقول أيضا: ((ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد أصدر واحد وأربعون عالما من أقطار العالم الإسلامي بما في ذلك فلسطين بيانا أوضحوا فيه موقفهم مما يجري على الساحة الإسلامية والأوروبية والعالمية من خلال ما يأتي:
أولا: إننا نشدّ على يد الأمة الإسلامية التي هبت لنصرة نبيّها ورسولها محمد صلى الله عليه وسلم، ونحيّي الغضبة الإيمانية التي عبرت عنها الجماهير الإسلامية في العالم كله.
ثانيا: نؤكد على حرية الرأي المكفولة في ديننا الحنيف، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]، فالحريّة ـ يا مسلمون ـ لا تقوم على السبّ والشتم والتشهير والتجريح، وإنما يجب أن تقوم على النقاش العلميّ والموضوعي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))، ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!)، وقد قيل: "إن حريتك تنتهي حينما تبدأ حرية غيرك"، فالحرية لها ضوابطها، ولها آدابها، أما الغرب فيحاول أن يستغل لفظ الحرية ليسيء إلى الإسلام ونبي الإسلام، وإنه يفسر حرية التعبير على مزاجه، وإنه يكيل بمكيالين.
أيّها المسلمون، يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن البنود التي أشار إليها بيان علماء الأمة الإسلامية:
ثالثا: لا يجوز الاعتداء على رعايا الدول الأوروبية الذين يعيشون في الأقطار الإسلامية، فلا دخل لهم فيما جرَى في بلادهم، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الإسراء:15]، كما لا يجوز شرعا الاعتداء على السفارات والممتلكات.
رابعا: يتوجّب على المسلمين إحياء السنة النبوية في حياتنا العملية ووجوب مدارسة السيرة النبوية للأجيال الصاعدة، وأكرّر خطابي للآباء والأمهات بضرورة اقتناء كتب السيرة النبوية بالإضافة إلى القرآن الكريم، كما أذكر المعلمين والمعلمات بشرح مواقف عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
خامسا: يتوجّب تعريف الأمم والشعوب الأخرى غير المسلمة بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله من خلال وسائل الإعلام وبلغات متعددة.
سادسا وأخيرا: وجوب إصدار قوانين لمنع التعرّض للأديان والأنبياء والمرسلين في الدول الغربية ومن قبل الأمم المتّحدة.
سيدي يا رسول الله، إن قصَّرنا بحقك فمنك المعذِرة، وسنبقى الأتباع الأوفياء المخلِصين لك ولسنّتك الطاهرة ما حيِينا، فأنت نور، وهديك نور.
إن الرسول لنور يُستضاء به مهنّد من سيوف الله مسلول




الخطبة الثانية
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، هناك ثلاث مسائل أتناولها بإيجاز:
أولا: مراكز لإسقاط الشباب والفتيات: نحذّر الشباب والفتيات من الذهاب إلى المراكز التي تتعامل بالسحر، فإن هذه المراكز تجعل ما يسمّى بالسحر تدخّلا وذريعة وسِتارا لإسقاط الشباب والفتيات، فاحذروا أيَّ مركز يتعامل بالسحر، وابتعدوا عنه، ولا تتعاملوا معه، واللبيب بالإشارة يفهم، اللهمّ هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
ثانيا: الإيجارات للمحلاّت التجارية: سبق للسلطات الإسرائيلية المحتلة أن أصدرت قانونا يتضمن رفع الحماية عن أجرة المحلات وليس عن المحلات نفسها، بحيث يحق للمالك رفع قيمة الإيجار، وأقامت السلطات الإسرائيلية إثر ذلك محكمة خاصة للنظر في القضايا والشكاوى التي تصِلهم من قبل المالكين أو المستأجرين، وسبق لنا أن نبّهنا لخطورة اللّجوء إلى المحاكم لما لها من سلبيات كثيرة، وطالبنا الغرفة التجارية مرارا بتشكيل لجنة تخمين تضمّ أعضاء من الغرفة التجارية ومن المحامين والمهندسين لوضع سلّم للإيجارات حتى يعود إليها المالك أو المستأجر حينما ينشب أيّ خلاف أو سوء تفاهم بينهما، ونقول بأن الإيجارات القديمة منخفضة جدا وهي بحاجة إلى إعادة النظر برفعها من خلال التفاهم والتراضي بدلا من اللجوء إلى المحاكم، وإني أتعرض لهذا الموضوع نتيجة طلب وإلحاح من عدد من المالكين، وأؤكد على ما قلته سابقا لعلّي أجد آذانا صاغية الآن انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].
ثالثا: مقبرة مأمن الله: لا يزال الاعتداء على مقبرة مأمن الله بالقدس مستمرّا رغم صدور قرار من المحكمة الشرعية بالتوقف عن العمل وعدم إقامة ما يسمّى متحف التسامح كما يزعمون، وإن الشركة المنفذة لهذا المشروع العدواني غير التسامحيّ تدّعي بأن المحكمة الشرعية ليست ذات اختصاص للنظر في موضوع المقابر، وهذا ادعاء باطل، ونؤكّد أن المحكمة الشرعية هي ذات الاختصاص في موضوع الأراضي الوقفية والمقابر، كما نؤكد بأن أرض المقابر هي وقف إسلامي، وأن المتصرِّفَ بالمقابر والأراضي الوقفية هم المسلمون، ومن يمثل المسلمين هي دائرة الأوقاف الإسلامية، وقد أصدرنا فتوى شرعية قبل أيام مؤكّدين فيها على فتاوينا السابقة بحرمة المقابر ولا يجوز نبش القبور وبعثرة عظام الموتى، فيقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسره حيا))، حتى شمل النهي عن الجلوس على القبور بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر))، فما بالكم ـ يا مسلمون ـ فيمن ينبش المقابر ويعتدي على عظام الأموات؟! فالإثم أشد وأشد، ونحن نحتفِظ بحقنا الشرعي في هذه المقبرة وفي غيرها من المقابر مهما طال الزمان ومهما تعرّضت للاعتداءات، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء:227].