المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 21/4/2006م وفق 23 ربيع أول 1427 هجري


admin
05-20-2009, 04:05 PM
<EMBED src=2006-04-21.wav width=612 height=44 type=audio/wav>
تاريخ الخطبة: 23 ربيع أول 1427 الموافق ل 21/4/2006م


عنوان الخطبة: ويؤثرون على أنفسهم

الموضوع الرئيسي: الإيمان, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: القرآن والتفسير, خصال الإيمان
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري
ملخص الخطبة:
1- آية في مدح الأنصار. 2- سبب نزول الآية. 3- مناسبات الآية ودروسها. 4- وجوب مناصرة الشعب الفلسطيني. 5- وصية الشعب الفلسطيني بالثبات والصبر. 6- المخططات اليهودية.
الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه مدحا للأنصار: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
أيها المسلمون، هذه الآية الكريمة من سورة الحشر وهي مدنية، وفيها مدح للأنصار رضي الله عنهم، وهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذه الآية سبب نزول ذكرته كتب التفسير والحديث النبوي الشريف، ومفاده: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصابني الجهد ـ أي: الفقر والجوع ـ، فأرسل عليه الصلاة والسلام إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجل يضيف هذا الرجل الليلة رحمه الله؟))، فقال الصحابي الجليل طلحة رضي الله عنه: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله وقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله، قالت: والله، ما عندي إلا قوت الصبية، قال: إذا أراد الصبية العشاء فنوّميهم، وتعالي فأطفئي السراج، ونطوي الليلة لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: ((لقد عجب الله الليلة من صنيع فلان وفلانة)) قصد بذلك طلحة وزوجته، فأنزل الله فيهما: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ). والإيثار هو تقديم وتفضيل الآخرين على نفسه، ومعنى "خصاصة" حاجة وعوَز وفقر.
أيها المسلمون، تحمل هذه المناسبة في طياتها الشيء الكثير، من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متقشّفا في حياته؛ حتى إنه لم يوجد في بيته ما يقدمه للضيف. وهذا درس بليغ للمسؤولين ولِذوي الشأن المتخَمين في العالم الإسلامي بأن يتّقوا الله في الرعية، وأن يتقوا الله في أموال المسلمين، هذه الأموال التي هي أمانة في أعناقهم. هذا وقد وضع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاعدة عامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم: (إذا شبع الحاكم جاعت الرعية، وإذا جاع الحاكم شبعت الرعية)، وهذه القاعدة الإيمانية طبّقها الخليفة العادل عمر بن الخطاب في عام الرّمادة حينما أصاب الجزيرة العربية قحط وجدب، فحرّم على نفسه أكل اللحم والدسم حتى حلّ مشكلة المجاعة خلال أشهر معدودات، فأين نحن من عدل عمر ومن سياسته الحكيمة؟!
أيها المسلمون، يؤخذ من مناسبة الآية الكريمة التي وردت في سورة الحشر بأن الإيثار بين الصحابة زاد في إيمانهم وعقيدتهم، كما زاد الترابط المجتمعي فيما بينهم، وأن المؤاخاة الفريدة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة النبوية الشريفة كانت أصدق مثال عملي على ذلك، ويقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، فالإيمان الصادق يدفع بالمسلم أن يحبّ لأخيه كما يحب لنفسه، فكيف إذا آثر المسلم أخاه على نفسه؟! فيزداد إيمانه على إيمان، فالإيثار من الإيمان، فأين نحن من هذا الإيمان؟!
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وهنا مناسبة أخرى للآية، ومفادها بأن أهدي لرجل من الصحابة رأس شاة، وكان فقير الحال، ولكنه أحسّ بأن جاره أشد منه حاجة، فأرسل رأس الشاة له، فإذا بجاره يحسّ بنفس الشعور تجاه جار ثالث، فيرسل رأس الشاة له، وهكذا فكلّ جار يرسله إلى أقرب جار له، فتداولت رأس الشاة سبعة بيوت من الجيران؛ حتى رجع رأس الشاة إلى الأول، فنزلت الآية: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، فأين نحن من هذا الإيثار؟!
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، يؤخذ من هذه المناسبة عدّة دروس بليغة، من أبرزها القناعة، وهي كنز لا يفنى، وحب الخير للآخرين، فلم يطمع أحدهم برأس الشاة، بل هو الإيثار في أبهى صوره، والإيثار من الإيمان، والإيمان ما وقر في الصدر وصدقه العمل، وأي عمل أفضل من الإيثار؟! فلا مجال للأنانية، لا مجال لحب الذات في رحاب الإيمان، وأي مسلم يريد في مجتمعنا أن يعرف قوة إيمانه فليسأل نفسه: ماذا قدم لأمته من خدمات وإنجازات؟ وماذا قدم للآخرين من المعوزين والمحتاجين والفقراء والمساكين؟ وهل شعر مع غيره أم استحكمت فيه الأنانية وحبّ الذات؟
أيها المسلمون، إن الشعب الفلسطيني والذي هو جزء من الأمة الإسلامية يحارب في قوته وفي رزقه، ويحاصر من قبل أعداء الإسلام والمسلمين بشكل سافر واضح، ونتساءل: أليس تجويع النساء والأطفال هو إرهاب بالمفهوم الغربي؟! فأين الذين يتشدقون بالعدالة والديمقراطية؟! وأين الذين يحاربون الإرهاب؟! أليسوا هم الإرهابيون؟!
إنه يتوجب على المسلمين في أرجاء المعمورة أن يقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني المحاصر، ويأثم كل من يستطيع مدّ المساعدة إلى هذا الشعب المرابط ولا يبادر بالمساعدة. إننا لن نتسوّل ولن نركع ولن نساوم ولن نتنازل عن حقوقنا الشرعية التي قرّرها لنا رب العالمين.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إننا ندرك أن الملوك والرؤساء والأمراء في العالم العربي والإسلامي هم في امتحان كبير أمام الله عز وجل، فإما أن يخضعوا للضغوط الأمريكية ويتخلوا عن تقديم الواجب الملقى على عاتقهم تجاه المرابطين في أرض الإسراء والمعراج، وإما أن يستجيبوا لنداء الإغاثة الذي ينطلق من الأيتام والأرامل والمحتاجين والمعوزين، فينجوا من مساءلة الله ربّ العالمين لهم يومَ لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، اللهم هل بلغت؟!
أيها المسلمون، أيها المرابطون في أرض الإسراء والمعراج، الثبات الثبات على الحق والإيمان، وليكن رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم قدوتنا حينما حوصِر في شعب مكة هو وأصحابه مدة ثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر، فقد ازدادوا ثباتا كما ازدادوا إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق:2، 3]، وعلى الموسرين والمقتدرين من شعبنا المرابط أن ينجدوا إخوانهم المجتاجين، ولتكن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار نبراسا لكم في أعمالكم ومواقفكم وتضامنكم لتنالوا رضوان الله. وتحية وتقدير ووفاء ومحبة لكل من بادر وتبرّع من داخل فلسطين وخارجها، فلن ينسى الله أعمالهم.
جاء في الحديث النبوي الشريف: ((إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا)). اللهم امنحنا رضوانك يا كريم.

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن موضوع القدس درّة فلسطين كان ولا يزال قائما غير قاعد، وساخنا غير بارد، فما من يوم يمر إلا ونقرأ أو نسمع أو نشاهد إجراءات سلبية تجاوزية بحقّ مدينة القدس من قبل الاحتلال الإسرائيلي بهدف خنق هذه المدينة ومحاصرتها وتهويدها، والذي يحاول أن يدافع عن هذه المدينة وعن مقدساتها يتّهم بالتحريض والتطرف والإرهاب زورا وبهتانا، حتى الذي يدافع عن مقابر المسلمين يتّهم بالتحريض، فانقلبت الموازين، وأصبح المعتدى عليه متّهما بعدة تهم جاهزة ومفبركة.
أيها المسلمون، إن المخطّطات المبيّتة لهذه المدينة المباركة المقدسة حسب برنامج الحكومة الإسرائيلية الجديدة يتمحور بتكثيف عدد السكان اليهود، وذلك بضم الكتل الاستيطانية الاستعمارية الواقعة في ضواحي القدس إلى مدينة القدس، وبالمقابل فإنهم يقترحون سلخ الأحياء ذات الكثافة السكانية العربية عن مدينة القدس. بهذه المخطّطات العدوانية يعالجون حسب تصوّرهم المشكلة السكانية الديمغرافية، والتي تقلق الساسة الإسرائيليين بشكل مستمر، ويرون أن الوقت ـ كما يقولون ـ ليس لصالحهم، فإن التزايد العربي في مدينة القدس مستمرّ، وإنهم يتوقعون أن تصل نسبة اليهود عام 2020م إلى 56 في المائة، وأن نسبة العرب 44 في المائة، وفي حين أن الاحتلال الإسرائيلي يخطط لأن تكون نسبة اليهود بالقدس 75 في المائة، وأن نسبة العرب 25 في المائة فقط.
أيها المسلمون، يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة بأنه يرفض المساس بيهودية المدينة المقدسة الكبرى. هكذا يقول، ولا يتحقق هذا الحلم إلا بأمرين: بضم المستعمرات إلى مدينة القدس، وبسلخ الأحياء العربية عن مدينة القدس؛ بحيث تصبح الكثافة السكانية في القدس من اليهود. وهكذا يتآمرون علينا بعنصرية وبسياسة عِرقية، بالإضافة إلى إجراءات التهويد الأخرى بحقّ هذه المدينة المقدسة وبحقّ سكانها العرب الأصليّين. وإن هذه الإجراءات غير شرعية ومخالفة للقوانين الدولية.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، يتوجب علينا أن نحافظ على وجودنا في أرضنا المباركة المقدسة، وأن نرابط فيها؛ ذلك تنفيذا لقرار ربّ العالمين بقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء:1]، بالإضافة إلى الأحاديث النبوية الشريفة التي توجب علينا المرابطة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وتحرم الخروج منها، ولما لنا من جذور تاريخية في مدينة القدس عبر آلاف السنين، وعليه فنحن لسنا غرباء في هذه الديار، فالذين يتهموننا بأننا غرباء هم في الحقيقة الغرباء، وعليهم أن يسألوا أنفسهم: من أين أتوا؟ ومتى أتوا إلى هذه الديار المباركة المقدسة؟

(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].