المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 5/5/2006م وفق 7 ربيع ثاني 1427 هجري


admin
05-20-2009, 04:13 PM
<EMBED src=2006-05-05.wav width=612 height=44 type=audio/wav>
تاريخ الخطبة: 7 ربيع الثاني 1427 الموافق ل 5/5/2006م


عنوان الخطبة: أين الأخوة الإيمانية؟!

الموضوع الرئيسي: الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم, قضايا المجتمع
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري
ملخص الخطبة:
1- المفهوم الصحيح للأخوة الإسلامية. 2- وقفات مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره)) 3- وصية لملاك المنازل ومستأجريها. 4- وقفات مع الشأن والواقع الفلسطيني.
الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم في حديث مطول: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)).
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ليست الأخوة في الإسلام شعارات استهلاكية، ولا نظريات خيالية، ولا عبارات كلامية، وإنما هي أخوة إسلامية تقوم على الإيمان والعمل، فتكون الأخوة صادقةً وعميقة وصافية بمقدار صدق الإيمان وعمقه وصفائه، وتنتفي هذه الأخوة أو تضعف بانتفاء الإيمان أو ضعفه، كما أن الأخوة تقوم على العمل.
إن تطبيق هذه الأخوة يتبلور بالتعامل فيما بين الناس، وبخاصة حين الشدائد والأزمات، كما هو الوضع الحالي لشعبنا الفلسطيني المرابط، والذي يحاصَر الآن من قبل أعداء الإسلام والمسلمين. فأين المسلمون في أركان المعمورة؟! وأين المصارف والبنوك العربية والمحليّة والتي تزعم أنها تساهم في دعم الاقتصاد الوطني؟!
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن الشدائد والأزمات تكشف المعادن وتفضح المستور، وتميز الطيب من الخبيث والصادق من الكاذب. أين الذين يرجحون المصالح العامة على المصالح الخاصة؟! ما بال الأحزاب والفصائل لا تتكلم إزاء محاصرة أمريكا وأوروبا وإسرائيل للشعب الفلسطيني؟! ثم هل يجوز للمسلم أن يشتم أخاه المسلم؟! الله سبحانه وتعالى يقول: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة:13]. فالإيمان هو الضابط لخشية الله، وهذا يعني أن الذي يخشى الدول الكبرى أو يرضخ لمطالبهم الظالمة التعسّفية أو يكون مسرورا لهذه المطالب ولا يخشى الله عز وجل لا يكون مؤمنا حقا. وحينما نذكر الأخوة إنما نعني الأخوة الإيمانية أي: التي تقوم على الإيمان.
أيها المسلمون، يا أهل الإيمان في كل مكان، في هذا الحديث النبوي الشريف يعلن فيه رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم دون لبس أو غموض بأن المسلم أخو المسلم أحبَّ أم كره، وجاء النص عامًّا لتشمل الأخوة جميع المسلمين في جميع أرجاء المعمورة، وفي جميع الأوقات حتى قيام الساعة. وأشار الحديث النبوي الشريف بأن من مستلزمات الأخوة أن لا يحصل بينهم ظلم ولا خذلان ولا تحقير، فنهى عليه الصلاة والسلام عن هذه الأمور.
((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره))، فظلم المسلم لأخيه المسلم لا يجوز شرعا بأي حال من الأحوال، وهذا هو الأصل، كما أن خذلان المسلم لأخيه المسلم لا يجوز شرعًا بأي حال من الأحوال. فكيف يتخلى المسلم عن نصرة أخيه؟! فهل يكون مسلما؟! كما أن تحقير المسلم لأخيه المسلم لا يجوز شرعا بأي حال من الأحوال.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ماذا نرى في مجتمعنا؟ نرى صورا وأشكالا لظلم بعضنا بعضًا، بالإضافة إلى ظلم الاحتلال لنا، ورحم الله الشاعر بقوله:
كلما أنبت الزمان قنـاة ركب المرء في القناة سِنانا
أي: يزيد ظلما على ظلم وعدوانا على عدوان.
وأكتفي هنا بالتعرض إلى صورة واحدة فقط بشأن إيجارات البيوت والعلاقة بين المستأجر والمؤجر، والتي هي الآن علاقات متوترة واستفزازية وابتزازية؛ بحجة وجود أزمة في البيوت، أو لتزايد عدد المواطنين، ولعودة معظمهم من ضواحي القدس للسكن في حدود مدينة القدس، ولعدم منح رخص بناء من قبل سلطات الاحتلال، كل ذلك أدى إلى ارتفاع في أجرة البيوت، ثم إن صاحب البيت يرفض أن يؤجر عائلة فيها أولاد، وإنما يشترط على المستأجر أن يكون عريسا دون أولاد، كما يشترط دفع الأجرة المالية بالدولار، هذه الأجرة التي توازي راتب الموظف الغلبان أو تزيد عن راتبه أحيانا، فكيف يعيش هذا الإنسان؟! ومن أين يؤمّن قوت عياله ومعالجة أطفاله؟! وحينما يخرجه صاحب البيت أين سيذهب؟! إنه لا يجد أحدا يؤجر له؛ لأن المستأجر الذي كان عريسا أصبح له أولاد، ومعنى هذا أنه سيقذف به وعائلته وأطفاله إلى الشارع. أليس هذا عين الظلم يا مسلمون؟! فأين الرحمة؟! وأين التكاتف؟! وأين التكافل؟! وأين التضامن الذي دعا إليه ديننا الإسلامي العظيم؟! ألم تسمع ـ أيها المالك ـ بقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: ((ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة))؟! معنى هذا أن من يفضح أخاه المسلم زورا وبهتانا فإن الله يفضحه في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون، لا بد من الإشارة إلى أن الإجارات القديمة للبيوت والدكاكين هي زهيدة جدا، وأن المالك مظلوم فيها من قبل المستأجر، فكما أننا نطالب المالك في الإجارات الجديدة أن يرحم المستأجر، فإننا نطالب المستأجر أن يرحم المالك في الإجارات القديمة، والراحمون يرحمهم الرحمن.
لا يجوز أن يقع الظلم فيما بيننا، سواء من المالك أو من المستأجر. وإن الغرفة التجارية في القدس قد شكلت لجنة للنظر في أي إشكال يمكن أن يقع بين المؤجر والمستأجر؛ ليكون الحل بالتراضي والمحبة دون اللجوء إلى المحاكم. وتحية إكبار واحترام للمالكين الذين يبدون تعاطفا وتراحما مع المستأجرين، وجزاهم الله خيرا.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ألقي على مسامعكم آيات كريمة تثني على المهاجرين والأنصار، فيقول عز وجل في سورة الأنفال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال:74]. نعم، إن المهاجرين والأنصار هم المؤمنون حقا. ويقول سبحانه وتعالى في سورة الحشر: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:8، 9]. فقد وصف الله عز وجل في هاتين الآيتين المهاجرين بالصدق، ووصف سبحانه الأنصار بالفلاحة في الدنيا والآخرة، فأين نحن من إيمان المهاجرين والأنصار؟! وأين نحن من أخلاقهم السامية والرفيعة؟!
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أيها الشعب الفلسطيني المرابط، أيها الشعب الفلسطيني خارج وطنه، من على منبر المسجد الأقصى المبارك أوجه لكم ندائي هذا بأن تحافظوا على إيمانكم، وأن تتمسكوا بوحدتكم التي عهدناها فيكم، وأن تشدّوا على البطون لتتحدوا الحصار ولتكسروه، فالنصر صبر ساعة، ولتثبتوا للقاصي والداني وللعالم أجمع أنكم شعب له كرامته وعزته، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8]. وإنكم ـ يا إخوتي ـ مرابطون، لا ركوع إلا لله العزيز القهار، ولا استسلام إلا لحكم الله رب العالمين العالي المتعال، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ) [الزمر:21]، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37]، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55]، (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى) [الأعلى:9]. صدق الله العظيم.

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، خلال هذا الأسبوع أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي أمرا بإغلاق جميع المنافذ حول مدينة القدس بالأسلاك الشائكة ريثما يتم استكمال بناء الجدار العنصري حول هذه المدينة التي يطلقون عليها مدينة السلام؛ بحيث تعزل مدينة القدس عن سائر المناطق وتحاصر اقتصاديًا وصحيًا وعلميًا واجتماعيًا وعائليًا وإنسانيًا.
أيها المسلمون، مما لا يخفى أن هذه الإجراءات التعسفية تهدف إلى تهويد المدينة من حيث محاصرتها وعزلها، بالإضافة إلى التخطيط من الناحية السكانية الديمغرافية بزيادة عدد اليهود في مدينة القدس، وبالمقابل تقليل عدد العرب فيها، ثم بعد ذلك يرفعون شعار السلام لخداع العالم! وأي سلام بعد تمزيق البلاد وتشتيت العباد؟! وأي سلام حينما لا تعود مدينة القدس إلى أصحابها الشرعيين؟!
إن الهدف من هذه الإجراءات هو فرض تسويات ظالمة والاستسلام للأمر الواقع المرير، ثم على أي شيء سيتم التفاوض؟! وأين ذهبت ما تسمى خارطة الطريق وقد تاهت فيها الطريق؟! فهل بقيت أراض في الضفة الغربية حتى تجري بشأنها المفاوضات؟! لقد نهبت واغتصبت مئات الآلاف من الدونمات من أجل إقامة المستعمرات وشق الطرق الالتفافية وبناء الجدار العنصري العازل عليها.
أيها المسلمون، علينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا ولا نسير خلف سراب خادع، علينا أن نفهم حقيقة الأمور ولا نضيع أوقاتنا بالتمنيات وبالأوهام وبالمماطلات، فلا بد من التأكيد للمرة تلو المرة على أن الإجراءات الإسرائيلية على مدينة القدس المحتلة وسائر الناطق المحتلة الأخرى هي إجراءات غير شرعية، تمت قسرًا وجبرًا عن أهل فلسطين، دون رضاهم ودون موافقتهم، بالإضافة إلى أن هذه الإجراءات مخالفة أيضا للقوانين الدولية.
أيها المرابطون في أرض الإسراء والمعراج، نذكركم بالبشارة التي زفها لكم رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ولا من أصابهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)). فكونوا عند حسن ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكم، فأنتم المرابطون، وأنتم أصحاب الحق الشرعيون، فحافظوا على أراضيكم وبيوتكم وعقاراتكم، وينبغي عليكم إشغالها وعدم هجرها.

واعلموا أن الدنيا خلقت لكم، ولكنكم أنتم خلقتم للآخرة، ولم يعطيها لكم لتركنوا إليها. واعلموا أنكم بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم تحاسبون، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء:227].