المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 12/5/2006م وفق 14 ربيع ثاني 1427 هجري


admin
05-20-2009, 04:15 PM
<EMBED src=2006-05-12.wav width=612 height=44 type=audio/wav>
تاريخ الخطبة: 14 ربيع الثاني 1427 الموافق ل 12/5/2006م


عنوان الخطبة: دعوة لإطفاء الفتنة

الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم, جرائم وحوادث
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة:
1- ذكرى النكبة والوضع الفلسطيني. 2- التحذير من فتنة الاقتتال. 3- وجوب إطفاء نار الفتنة. 4- الإشادة بالمبادرات الخيرة في الوقوف مع الشعب الفلسطيني.

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، من المؤلم والمؤسف أن تأتي الذكرى الثامنة والخمسون لنكبة فلسطين وقد سُفِكت دماء زكيّة على ثرى هذه الأرض الطاهرة بيد الإخوة أبناء الوطن والدّين والمصير الواحد، فهل أراد هؤلاء أن يزيدوا آلام النكبة آلاما أخرى، ويضيفوا إلى فصولها المأساوية فصلا جديدا آخر، يقود ـ لا سمح الله ـ إذا قدر له أن ينفَّذ إلى إنهاء القضية وإغلاق ملفّها بكارثة يضعها أبناء القضية الذين حلّت بهم النكبة وقدّموا الكثير من التضحيات لإزالة بعض جوانبها والتخفيف بين أبناء الوطن. لهي النكبة الحقيقية، لا بل الكارثة التي ألمت بالأمة والأرض والشعب وبكل مقدّراته ومقدساته، وهي تجاوز لكل أواصر الدين والعقيدة والأخوة والمواطنة الصالحة والصادقة، وهي اعتداء صارخ على أرواح الشهداء ودمائهم الزكية وانحراف جارف عن طريق العزّة والكرامة والفداء والعطاء، كما أن فتنة الاقتتال الداخليّ سهم قاتل موجّه إلى صدر الشعب وآماله في الحريّة والحياة الكريمة فوق ثرى وطنه الطهور، وهي خذلان لآمال وتضحيات الأسرى القابعين خلفَ القضبان ينتظرون يوم الحرية بكل صبر وثبات وعزة وإباء. ومع هذا كلّه فإن هذه الفتنة لا يوجد فيها رابح وخاسر من أبناء الشعب، بل هي خسارة للجميع، والمستفيد الوحيد منها هو المحتلّ الرابض على صدر الأمة، والذي يعمل كلَّ يوم على ابتلاع المزيد من الأرض وتكثيف مستوطناته وتسمينها وفرض الأمر الواقع من خلال ما يراه من مشاريع التوسّع والاستيطان ورسم الحدود وفقَ هواه بما يكفل أمنه بجدران الفصل العنصري التي تبتَلع ما تبقّى من أرض فلسطين بعد النكسة.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إننا من على هذا المنبر الشريف منبر المسجد الأقصى المبارك نناشد كلّ الشرفاء من حمَلَة السلاح فوق تراب هذا الوطن أن يحقنوا دماء إخوانهم، وأن لا يوجّهوا سلاحهم إلى بعضهم بعضا، وأن يكونوا صفّا واحدا ضدّ من تسوّل له نفسه إثارة الفتن، فالله يقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قتل مؤمنًا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا)). ومعنى الصرف التوبة، والعَدل الفدية. وفي حديث آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)).
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن وأد الفتنة في مهدها واجب على كل أبناء الشعب، ويقع العبء الأكبر على القوى والفصائل العامِلة في الساحة الفلسطينية وعلى مؤسّسات الحكم في الرئاسة والحكومة، ويكفي الشعب ما يعانية من ممارسات ظالمة وإجراءات تعسّفية التي يفرضها الاحتلال ويعاونه كثير من دول العالم بإحكام الحصار على أبناء شعبنا وحرمانه من لقمة عيشه للوصول به إلى الاستسلام وقبول مخطّطات الذلّ والهوان التي يمارسها الاحتلال وتدعمه في ذلك قوى الاستعمار والاستكبار. جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم، المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ـ، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله)).

الخطبة الثانية
وبعد: أيها المسلمون، في ظل الحصار الخانق على أبناء شعبنا تأتي المبادرات الخيّرة والطيّبة من أبناء الأمة ومن أبناء هذا الشعب لتخفيف وطأة هذا الحصار الذي حرم أبناء شعبنا من أدنى مقوّمات الحياة ومن أبسط حقوق الإنسان التي نادت بها كل الشرائع الإلهية والأنظمة والقوانين الوضعية.
ومن هذه المبادرات ما يجري من مسيرات ومظاهرات في بعض أقطار المسلمين تطالب حكام الأمة وشعوبها بالعمل على نصرة شعبنا الفلسطيني وفكّ الحصار عنه بكل الوسائل الممكنة وفتح باب التبرّعات بالمال وغيره من المساعدات العينيّة لسدّ حاجة شعبنا من الدواء والغذاء. وإن إقدام رجلين من رجال الأعمال من أبناء شعبنا الفلسطيني بالتبرع بخمسة ملايين دولار لهو عطاء يشير بوضوح إلى مدى الإحساس بالمسؤوليّة وتحمّل الأعباء تجاه أبناء شعبهم في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها أبناء شعبنا جميعا، وهي بادرة خير وأسوة حسنة تدعو القادرين من أبناء شعبنا ـ وهم كثر ـ إلى اتباعها ومدّ يد العون والمساعدة لاستمرار صمود هذا الشعب، وإن الموسرين من أبناء شعبنا لهم الأولى ببذل أموالهم في تعزيز صمود هذا الشعب وتشبّثه بأرضه ووطنه من أولئك الغرباء عن هذه الأرض الذين يبذلون القناطير المقنطرة من الذهب والدولارات لإقامة المستوطنات وجلب المستوطنين إليها من أصقاع الدنيا والعالم. وهذا الذي عملوا عليه قبل حلول النكبة عام ألف وتسعمائة وثمان وأربعين، واستمروا به بعد النكسة عام ألف وتسعمائة وسبع وستين، وصولا إلى جدار الفصل العنصري الذي يقتطع أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، والذي يحوز اسم النكبة الثالثة بامتياز.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن الفعاليات التي يقيمها أبناء شعبنا في ذكرى النكبة يجب أن لا يغيب عنها التحذير من أضرار هذا الجدار ومتابعة العمل على جميع الصُّعد لإزالته، في الوقت الذي ندعو فيه أبناء شعبنا إلى التمسك بأرضهم وحقوقهم، وبخاصة حق العودة للاَّجئين إلى ديارهم التي أخرجوا منها.
ومن المبادرات الخيرة والتي يجب على كلّ القوى الفاعلة في ساحتنا الفلسطينية العمل على إنجاحها مبادرة الدعوة إلى الحوار الوطني للخروج بموقف واحدٍ موحّد يحفظ شعبنا من الانزلاق إلى مواطن الردّى والفرقة، ويرتفع به إلى مستوى المسؤولية التي تليق بشعب طالما جاهد وناضل للوصول إلى حريّته واستقلاله فوق تراب وطنه الطهور، فلا يجوز الخلاف على وطن ما زال يرزح تحت وطأة الاحتلال، كما لا يجوز الاقتتال على سلطة ما زالت لا تملك من أمر هذا الوطن شيئا.
فاعملوا ـ أيها الإخوة من أبناء الوطن ـ على جمع حقّكم وتوحيد موقفكم؛ حتى تكونوا على مستوى التحدّيات التي تواجه الوطن والشعب وتكاد تعصف بهما، فلا عذر لمفرّط أو متهاون بحقوق الأمّة أمام الله والشعب والتاريخ، واعلموا أن الله سائل كل راع عما استرعاه: حفظ أم ضيع؟
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كلّ مكان، ومن المبادرات الخيرة لدعم الشعب الفلسطيني انعقاد مؤتمر العلماء المسلمين في قطَر، والذي دعا إلى مناصرة شعبنا الذي يعاني الحصار، وأهاب بالأمة شعوبا وحكومات وأفرادا إلى مد يد العون لإخوانهم في هذه الأرض المباركة، كما دفع هذا المؤتمر علماء الأمة إلى واجهة الأحداث في الدعوة والتأثير وأخذ دورهم الريادي في توجيه الأمة إلى خيرها وتوحيد كلمتها إزاء كل القضايا التي تخصّ الأمة، وفي مقدّمتها قضية فلسطين أرض الرباط وموطن الإسراء والمعراج وحاضنة المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث مسجد تشدّ إليه الرحال.

والله نسأل أن يوفق كلّ المخلصين والعاملين على حماية هذا الشعب ونصرة قضيته من أبناء الأمة إلى ما فيه خير أمتنا وشعوبها، إنه نعم المولى ونعم النصير، وهو ولي ذلك والقادر عليه.