المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 7/7/2006م وفق 11 جمادي الثانية 1427 هجري


admin
05-20-2009, 04:31 PM
<EMBED height=44 type=audio/wav width=612 src=2006-07-14.wav>



بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك في 11 جمادي الآخر 1427هـ وفق 7/7/2006م .
" الصبر مفتاح الفرج "
الخطبة الأولى :

الحمد لله جعل الصبر طريق للفرج وعودة للصابرين وأمر به عباده المؤمنين ورسله الأكرمين فقال تعالى مخاطباً رسوله الأمين وخاتم المرسلين (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(الأحقاف:35).ووصف عباده الصابرين بالصدق والتقوى فقال جل من قال (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(البقرة:177) .
ونشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ندخرها ليوم لقائه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
ونشهد أن سيدنا وحببنا وشفيعنا وقائدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيع من خلقه وخليله وسفيره بينه وبين عباده أقربهم إلى الله وسيلة واعلاهم عنده منزلة وأعظمهم عنده جاهاً فهو صلى الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد يوم القيامة ومن دونه تحت لواءه بعثه الله هادياً ومشيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فصلاة الله وسلامه على الهادي البشير وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم واتبع سبيلهم بإحسان إلى يوم الدين .
عباد الله :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته واحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)(فصلت:46) .
أيها المسلمون أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس:
ويستمر العدوان الإسرائيلي الذي نشجبه ونندد به على شعبنا الصابر المرابط ، ويتوسع هذا العدوان ليتخذ أبعاداً خطيرة تطال الإنسان الفلسطيني قتلاً وجرحاً وتشريداً ، لترتفع إلى مراقي العلا أرواح الشهداء من أبناء هذا الشعب الذين تصدوا للآلة العسكرية الإسرائيلية بكل صبر وثبات وإيمان بحقهم في الحياة فوق هذا الثرى الطاهر بكرامة تحفظ لأبناء شعبنا معنى العزة بإيمانهم وانتمائهم إلى أرض باركها الله تعالى .
واختارنا مرابطين فيها إلى يوم القيامة . ليكون هذا الشعب طليعة الأمة الإسلامية المتقدمة في ميدان العطاء والفداء عن كرامة الأمة ومقدساتها وتاريخها وحضارتها في ديار قدر لشعبها أن يكون الحلقة المتصلة في سلسلة الرباط مع ما يترتب على هذا الرباط من بلاء وابتلاء .
وصدق الله العظيم (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)(البقرة:154-155) .فكان جزاءهم أكبر من مصيبتهم وكان إكرمهم أعظم من ابتلائهم (أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة:157) .
وفي هذا المعنى يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه نعم العدلان ونعمت العلاوة (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فهذان العدلان وأولئك هم المهتدون ، فهذه العلاوة أي ما زيد على الحمل ، فالصابرون على البلاء لهم أجرهم عند ربهم وزيادة ).والله عز وجل يقول (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)(الزمر:100) .
أيها المسلمون يا أبناء ديار الإسراء والمعراج :
إن العدوان الإسرائيلي الآثم على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة وما يرافقه من مداهمات واعتقالات واغتيالات وإغلاق لكثير من المؤسسات المدنية والخدماتية في الضفة الغربية ان هذا العدوان ليستوعب مفردات الآية الكريمة التي مر ذكرها من خوف وجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.
الخوف الذي يروع الأطفال والنساء والشيوخ جراء القصف الجوي والبحري والبري الذي استهدف ويستهدف المؤسسات العامة كمقار الوزارات والجامعات والمدارس وبيوت المواطنين ويوقع الشهداء والجرحى بين صفوفهم .
أما الجوع فمن أسبابه هذا الحصار الجائر الذي فرضه الاحتلال من خلال الجدران الفاصلة والمناطق العازلة التي يستهدفها القصف المدفعي بشكل متواصل لمنع أهلها من الوصول إليها واستغلالها وتجريف الأراضي الزراعية واتلاف محاصيلها .
وضرب البنى التحتية من جسور وطرق ومحطات الماء والكهرباء هو استنزاف للاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني قبل العدوان الأخير من أزمة خانقة جراء الحصار المضروب على دخول الأموال والمساعدات للسلطة الفلسطينية .
أيها المسلمون يا أبناء ديار الإسراء والمعراج :
ان مواجهة هذا العدوان الغاشم الذي يستهدف الأرض والإنسان والشجر والحجر وكل مقدرات هذا الشعب من مؤسسات رسمية وشعبية وبنى تحتية .
ان مواجهة هذا العدوان من جميع أبناء شعبنا أن يكونوا صفاً واحداً ويداً واحدة في تصديهم لهذا العدوان الذي يسعى لكسر إرادتهم وان شعبنا الذي أفشل في الماضي مخططات الاحتلال من النيل من إرادته لجدير ان يفشل هذا العدوان الدموي الذي ينذر بكارثة إنسانية تحل في قطاعنا العزيز من وطننا الغالي هذا الوطن الذي ما بخل أبناؤه يوماً في تقديم التضحيات الجسام من أجل حريته وكرامة أبنائه وكان شعارهم وما يزال نموت واقفين ولا نرفع الراية البيضاء .ومهما كانت المصائب فحداؤنا (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) وشعارنا وشاحذ عزيمتنا ومصدر همتنا نداء الله الخالد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(آل عمران :200) .
وحادي ركبنا وملئم نفوسنا قول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ، قالوا يا رسول الله : وأين هم . قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس )(أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه)
فيا فوز المستغفرين استغفروا الله
وادع الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية :

الحمد الله الهادي إلى الصراط المستقيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه واشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين .
والصلاة والسلام على الشهداء والجرحى والمكلومين والأسرى والمظلومين من أبنائنا وأبناء المسلمين .
وبعد أيها المسلمون يا أبناء أرض الإسراء والمعراج :
أيها الصابرون على البلاء واللأواء في الوقت الذي يوسع فيه الاحتلال عدوانه الغاشم على شعبنا لترتفع أرواح الشهداء من الأبرياء والنساء والأطفال والشيوخ والشباب إلى بارئها تشكو ظلم الظالمين وتخاذل المتخاذلين .
في هذا الوقت تخرج علينا وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لتكشف عن مخطط يهدف إلى إزالة طريق باب المغاربة المؤدية إلى المسجد الأقصى المبارك هذه الطريق التي تربط باب المغاربة وهو بوابة من بوابات المسجد المبارك بحائط البراق وما تبع من أملاك الوقف الإسلامي والآثار الأموية في الجهة الغربية الجنوبية للمسجد الأقى .
بعد أن نالت يد الهدم حي المغاربة في بدايات الاحتلال لمدينة القدس عام ألف وتسعماية وسبعة وستين ان هذه الطريق تحتوي على الآثار الإسلامية منذ الفترات المتقدمة للوجود الإسلامي في هذه الديار وهي وقف إسلامي على المسجد الأقصى المبارك وان العبث في هذه الطريق أو إزالتها لهو اعتداء صارخ على المسجد الأقصى المبارك . الذي يشكل جزءاً من عقيدة المسلمين ، وهو قبلتهم الأولى وثالث مسجد تشد إليه الرحال في الإسلام وهو منتهى معجزة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبداية معراجه إلى السموات العلى .
وان الإقدام على إزالة هذه الطريق يحمل في طياته مخاطر جسيمة على أمن وسلامة المسجد الأقصى خاصة وان المتربعين بالمسجد من المستوطنين والمتطرفين اليهود لا يخفون نواياهم العدوانية تجاه المس بقدسية المسجد ووجوده وهذا ما تظهره تفوهاتهم من خلال وسائل الإعلام . ودعواتهم الصريحة للدخول إلى المسجد الأقصى ضمن مجموعات كبيرة .
أيها المسلمون يا أبناء ديار الإسراء والمعراج :
إننا ونحن نحذر من المخاطر المترتبة على هكذا أعمال الغير مسؤولة لنحمل سلطات الاحتلال كافة النتائج التي تؤدي إليها مثل هذه المغامرة الحمقاء . فقد أصبح واضحاً ان كل الحفريات التي قامت بها السلطات الإسرائيلية المحتلة لم تسفر إلا عن الحضارة الإسلامية وآثارها من قصور أموية ومبان إسلامية.
وان العبث بالقدس وحضارتها وتاريخها وحقوق مواطنيها في أراضيهم وأوقافهم لن يغير الحقيقة الناطقة بإسلامية القدس ووجهها العربي ولن يخالف الحقيقة من قال ان القدس متحف لحضارة الإسلام والمسلمين .
فهذه مساجدها ودرة جبينها المسجد الأقصى المبارك بما اشتمل عليه من قباب ومساطب ومحاريب وهذه زواياها ومدارسها وأسواقها الإسلامية تشهد لكل ذي بصر وعقل على ارتباطها بالمسلمين وارتباط المسلمين بها .
لهذا كله نهيب بالمسلمين دولاً وشعوباً وحكومات أن يتحملوا مسؤولياتهم في المحافظة على إسلامية وعروبة هذه المدينة والدفاع عن أقوى مقدساتهم فيها . كما نطالبهم أن يقفوا موقف العزة في العمل على وقف هذا العدوان الدموي الذي يشن على أبناء هذا الشعب الصابر المرابط ولا يكونوا كما قال الشاعر :
مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي كلهم من دون خلق الله ماتوا
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا المصير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً وهيء لنا وللمسلمين فرجاً عاجلاً قريباً وقائداً مؤمناً رحيماً يوحد صفنا ويجمع شملنا وينتصر لنا .
اللهم إنا نجعلك في نحر من آذانا وعادانا وكاد لنا فإنهم لا يعجزونك .
واجعلنا في عين عنايتك ، واحفظنا من جميع المخاوف والأخطار يا قوي يا عزيز يا جبار يا من بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير .
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )(العنكبوت : 45)