المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 28/7/2006م وفق 3 رجب 1427 هجري


admin
05-20-2009, 05:18 PM
<EMBED src=2006-07-28.wav width=612 height=44 type=audio/wav>


تاريخ الخطبة: 3 رجب 1427 الموافق ل 28/7/2006م
عنوان الخطبة: الموقف الإيماني
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم, جرائم وحوادث
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة:
1- سنة الابتلاء. 2- الحكمة من المصائب والآلام. 3- موقف المؤمن. 4- المستقبل للإسلام. 5- تواصل العدوان الإسرائيلي. 6- العدوان على المسجد الأقصى.

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، هذا نداء الله تعالى لكم يشدّ عزيمتكم، ويسدد قصدكم، ويمحص ما في نفوسكم، فافتحوا قلوبكم لفهمه، واستغلّوا عقولكم بغايته وقصده، وأدركوا بنور بصيرتكم بإنجاز وعده، لتقفوا على خطاب الله الكريم في الذين خلوا من قبلكم، فكان جزاء صبرهم نصرا وعاقبة أمرهم عزا، ومن أصدق من الله قولا؟!: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، إن هذه المصائب والنوائب والآلام والبأساء والضراء لهي امتحان صدق المؤمنين وسبر غور يقينهم ومقياس ثباتهم ورباطهم، واقرؤوا إن شئتم قول الله تعالى وهو يصف شعور ومشاعر المؤمنين يوم أحاط بهم زلزال المشركين في يوم الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدً) [الأحزاب:9-11]، فكان النصر بعد الابتلاء والتمحيص، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد:31].
وها هو موقف المؤمنين يتجلى عبر الزمان والمكان في آيات بينات هدى ورحمة للمؤمنين: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب:22، 23].
وقد بشر رسولكم صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام بالنصر وظهور هذا الدين وهم يشكون إليه حالة الضيق التي وصلوا إليها من اضطهاد المشركين، فقد ورد في الحديث الشريف عن خباب بن الأرت قال: قلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو الله لنا؟! فقال: ((إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه))، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((والله، ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).
وكان ذلك، فقد وصل أسلافكم إلى هذه الديار المباركة فاتحين منتصرين، وكنتم أهل الرباط من بعدهم، تصابرون أعداءكم متربصين بهم إحدى الحسنيَين، يحدوكم الأمل والإيمان بنصر الله، وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حكيم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وتزداد ضراوة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، في استهداف واضح للمدنيين، وخرق فاضح لكل المواثيق والأنظمة والأعراف الدولية، فضلا عن الشرائع الإلهية التي تحرم قتل الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال في حالات الحرب، ولكن هذه الحرب المجنونة تصبّ جام غضبها ونقمتها على المدنيين ومقدرات حياتهم من الغذاء والدواء، فقد استهدف قصفها الجوي قوافل الإغاثة التي تحمل الغذاء والمعونات الطبية للمدنيين المشردين من بيوتهم جراء القصف المستمر لقراهم ومدنهم في لبنان، كما شردت القوات الإسرائيلية التي تشن عدوانها على قطاع غزة مئات العائلات الفلسطينية من بيوتها تحت ذريعة أن هذه البيوت تشمل على مخازن الصواريخ والأسلحة كما حصل في أبراج الندى في بيت لاهيا، فقد شردت 400 عائلة من هذه الأبراج، وراحت تفترش الأرض وتلتحف السماء بعد أن دمرت محطات الكهرباء والجسور والطرقات التي تصل مدن ومخيمات القطاع بعضها ببعض، ويستمر هذا العدوان هنا في فلسطين وهناك في لبنان تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي تكابر قوى الاستكبار العالمي بإطلاق اسم العالم الحرّ عليه أو عالم رعاية حقوق الإنسان، ولنا أن نتساءل: أي إنسان يقصدون؟! وهل قسموا الإنسانية إلى درجات، منها ما يستحق العيش والحياة ومنها من يستحق القتل بأسلحة الدمار والخراب، بل بأسلحة محرمة دولية كالقنابل الحارقة والعنقودية؟! أما شعوب ودول المسلمين فآن لها أن تستيقظ، فقد طمي السيل حتى غاصت الركب، وأوشك قطار العزة والكرامة أن يتجاوزها إن لم تتدارك أمرها.
يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن مواكب الشهداء التي يشيّعها شعبنا المرابط من شبابه وأطفاله ورجاله ونسائه جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على شعبنا لن تزيد هذا الشعب إلا إصرارا على حريته وكرامته، وتمسكا بحقوقه التي لن يساوم عليها مهما بلغت التضحيات، كما أن العدوان يزيد شعبَنا صلابة وتماسكا وتكافلا وتعاونا، وهذا شأن الشعب الفلسطيني المرابط على امتداد تاريخ جهاده ونضاله، فقد نذر نفسه أن يكون طليعة أمته في الصبر والثبات والرباط والذود عن كرامة الأمة ومقدساتها وتاريخها وحضارتها في هذه الديار المباركة التي رويت بدم الشهداء الأخيار، وهي أمانة الأجيال في أعناقكم، فاحفظوا لله وديعته.
يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، ويتزامن مع العدوان المادي على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية عدوان معنوي آخر على المسجد الأقصى، يتمثل في منع المصلين من الوصول إليه لأداء عباداتهم وإعمارهم لمسجدهم، فهذا الأسبوع الخامس على التوالي الذي يمنع أبناء المسلمين ممن تقل أعمارهم عن الخامسة والأربعين سنة من الوصول للأقصى للصلاة فيه، كل ذلك يجري تحت ذرائع الأمن المزعوم وعدم الإخلال بالنظام العام. فأين حرية العبادة؟! وأين حرية الوصول إلى أماكنها في ظل شرعية الغطرسة والاحتلال؟! والله يقول: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) [البقرة:114]. وأي خراب أكبر من هذا الخراب المعنوي الذي يحول دون عباد الله وبيوت الله؟!

إننا من على هذا المنبر الشريف نطالب المجتمع الدولي بأسره بالعمل على وقف الحرب المستعرة التي وقودها مقدّرات الشعب الفلسطيني واللبناني، وضحاياها الأبرياء من أبناء الشعبين. كما ندين استمرار سلطات الاحتلال بعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، ومنع أبنائها وأبناء المسلمين في سائر أنحاء الوطن من الوصول للمسجد الأقصى لأداء عباداتهم، فهم ليسوا الغرباء عن هذه الديار، بل هي ديار أجدادهم وآبائهم. كما نستنكر منع كثير من المصلين بالأمس من الوصول للمسجد الأقصى لأداء صلاة العصر تحت ذريعة الأمن واحتجاز عدد من شباب المدينة في مراكز الأمن الإسرائيلي لبضع ساعات.