المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 1/9/2006م وفق 8 شعبان 1427 هجري


admin
05-20-2009, 05:34 PM
خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 1/9/2006م وفق 8 شعبان 1427 هجري

<EMBED height=44 type=audio/wav width=612 src=2006-09-01.wav>


الخطبة الأولى :
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً احد. بفضل سورة الإخلاص: اللهم لا تكلنا إلى أحد، ولا تحوجنا إلى أحد، وأغننا يا رب عن كل أحد. يا من إليه المستند وعليه المعتمد، عالياً على العلا فوق العلا فرد صمد، منزه في ملكه ليس له شريك ولا ولد.
ونشهد أن لا إله إلا الله أنعم علينا بالعلم والإيمان ، وأرسل إلينا حبيبنا النبي العدنان ، سيد البشرية والأكوان ، إلى الإنس والجان . اللهم اجعل في بصرنا نورا ، وفي سمعنا نورا ، وفي قلبنا نورا ، اللهم اشرح لنا صدورنا ، ويسر لنا أمورنا . اللهم إنا نعوذ بك من وسواس الصدر ، وشتات الأمر ، وشر فتنة ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار ، وشر ما تهبّ به الريح ، وشر بوائق الدهر.

ونشهد أن سيدنا وقائدنا وحبيبنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله إمام العادلين ، وقدوة العاملين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين القائل ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )رواه الترمذي عن الصحابي الجليل أنس بن مالك  ، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين المبجّلين ، وصحابته الغر الميامين المحجلين ومن تبعهم وخطا دربهم واستن سنتهم واقتفى أثرهم بإحسان الى يوم الدين.
عباد الله :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)(فصلت (حم السجدة ): 46) .
أما بعد - فيقول الله سبحانه وتعالى في سورة الزمر:
( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ )(الزمر 9).
ويقول سبحانه وتعالى في سورة المجادلة:
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)( المجادلة11).
أيها المسلمون- يا أمة القرآن- يا أمة العلم والعرفان :
يتوافد غداً السبت(2/9/2006م) مئات الآلاف من أبنائنا وبناتنا ومن أحفادنا وحفيداتنا ، فلذات أكبادنا الى رياض الأطفال وإلى المدارس بمختلف مستوياتها ودرجاتها وتخصصاتها، وهم يحملون حقائبهم المدرسية هذه الحقائب التي يختبئ فيها الغد المنتظر الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .ونسأله سبحانه وتعالى أن يكون هذا العام الدراسي عام يُمن وخير على طلابنا وطالباتنا وعلى المجتمع بأسره ، إنه سميع مجيب .
أيها المسلمون :
الذي يبدو أن هذا العام الدراسي يختلف عن الأعوام الدراسية السابقة ، إنه سيبدأ بتشويش وعدم انتظام بالنسبة للمدارس الرسمية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية وذلك بسبب عدم استلام المعلمين في هذه المدارس رواتبهم منذ عدة أشهر . ونحن من على منبر المسجد الأقصى المبارك نطالب جميع من يعنيهم الأمر بالاهتمام وبالتعاون فيما بينهم لتأمين رواتب المعلمين حتى يتمكنوا من القيام بواجباتهم الملقاة على عواتقهم ، كما نطال بتأمين الرواتب لسائر الموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم منذ عدة أشهر .
أيها المعلمون – أيتها الشموع التي تحترق :
إن ثقتنا بكم كبيرة، إن شاء الله، فشمروا عن سواعدكم للعمل الجاد المثمر وهيؤوا أذهانكم للتحضير والشرح ، فعلى أكتافكم تقوم مهمة التعليم. ومما لا شك فيه أن التحصيل الدراسي للطلاب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمدرّس والمدرسة. فالجوّ المدرسي له أثر كبير في تحصيل الطلاب للعلوم ، كما أن المدرّس له دوره الفعّال في ترغيب الطلاب في الدراسة والتحصيل العلمي. فالمدرّس الناجح الذي يكون محباً لمهنته محترماً إياها، وان يكون لديه تقدير للرسالة السامية الملقاة على عاتقه بالإضافة الى هضمه للموضوع الذي يدرّسه ويشرحه للطلبة.
أيها المعلم :
أنت قبس من نور،قبس من رسالة الأنبياء والمرسلين، فيك ثورة العظماء، وتضحية المجاهدين، وحنكة القياديين .فكم وكم تخرجت على يديك الأجيال تلو الأجيال فكن عند حسن ظن الناس بك، فلا تمرنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيدها لطلابك، ولا تبالغ في مسامحتهم حتى لا يميلوا الى الفراغ ، فالفراغ مفسدة، فإن طبيعة الطلاب كما هو معلوم الانفلات وإلى حب الاضرابات.
أخي المعلم :
لقد اودعناك فلذات أكبادنا،فكن لهم قدوة صالحة ومربياً ناجحاً عليك أن تعاملهم معاملةحسنة وان تظهر لهم المحبة والعطف ليقابلوك بالاحترام والطاعة، وكفّ عن الشكوى أمامهم، فإن كثرة الشكوى تحطم روح العمل والابداع، وتفقد احترام الطلاب لك، ولاتظهر انزعاجك أمامهم لأن الطالب إذا شعر بأن استاذه منزعج أو متضايق لأي سبب من الاسباب فإنه يتأثر نفسياً وينزعج لإنزعاج استاذه ويتضايق لتضايقه.ولا تيأس في إصلاح الطلاب مهما عظم الفساد ، والله سبحانه وتعالى يقول : (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)(المائدة 100).
أما أنتم أيها الآباء – أيتها الامهات :
لا تظنوا ولا تتوهموا أنكم خالون من المسؤولية تجاه أولادكم، فلا تُلقوا بالمسؤولية على المدرّسين وحدهم !! فالمسؤولية مشتركة، ويجب الربط بين المدرسة والبيت، وبخاصة في هذا الظرف العصيب الذي لا حماية فيه للأخلاق . يتوجب على أولياء الأمور والأهالي متابعة أبنائهم تعليمياً وسلوكياَ، وبخاصة في ساعات المساء .كم يتوجب عليهم الوقوف إلى جانب الهيئات التدريسية في محاسبة المخالفين من الطلبة . ويتوجب عليهم أيضاً الاتصال المستمر مع إدارة المدرسة ومربي الصفوف .
أيها المسلمون :
إن ديننا الإسلامي قد أعطى العناية الكافية للتعليم ، وأكرم العلماء والمعلمين تكريماً مادياً ومعنوياً. وكما هو معلوم أن أول الآيات الكريمة نزولاً لم تتناول موضوع التوحيد ، وإنما كانت الآية الأولى تأمر بالقراءة والكتابة بقوله سبحانه وتعالى :
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [1] خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [2] اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [ 3] الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [4] عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [5] )(العلق).
فهذه الآيات الكريمة توجب تعلم القراء ، كما توجب تعلم الخط والكتابة . ومن المعلوم بداهو أن فن الطباعة قد انبثق من فكرة الكتابة بالقلم الذي أشار إليه القرآن الكريم قبل خمسة عشر قرناً ، كما تشير هذه الآيات إلى وجوب البحث العلمي .
أيها المسلمون :
لا يمكن أن نتصور فهماً ووعياً وادراكاً لهذا الدين العظيم دون أن نتعلم القراءة والكتابة. ففي ذلك بيان لأهمية العلم، وبيان أن الإسلام قائم على العقل والاقناع وليس ديناً قائماً علىالخرافة والدجل والخزعبلات.
أيها المسلمون :
لقد سار الخلفاء بعد ذلك على هذا النهج القويم وشجعوا العلماء على التأليف ووضعوا الميزانيات الضخمة لهذه الغاية النبيلة السامية في الموضوعات الفقهية وفي غيرها من الموضوعات المتنوعة والمتعددة. فقد ذكرت كتب السير والتاريخ أن الوزير نظام الملك في عهد السلاجقة كان محباً للعلم وأهله، وكان مجلسه عامراً بالعلماء والفقهاء. فقال له بعض جلساء السوء: إن هؤلاء أي العلماء قد شغلوك عن بعض المصالح. فأجابهم " إن هؤلاء أي العلماء، هم جمال الدنيا والآخرة، لو أجلستهم على رأسي لما استكثرت ذلك."
لاحظوا أيها الاخوة هذا التكريم وهذه المحبة، ونتساءل: في أي قرن حصل ذلك؟! لقد حصل في القرن الخامس للهجرة الذي يقابلة القرن الحادي عشر للميلاد أي قبل تسعمائة سنة تقريباً حينما كانت أوروبا تغط في ظلمات الجهالة والتخلف والعبودية، وكانت أوروبا وقتئذ تضطهد علماءها وتُصدر بحقهم عقوبات صارمة وحرمانات بابوية !!
هذه _ يا مسلمون _ المنزلة الرفيعة التي يحظى بها العلماء في عهد ازدهار الحضارة لدى المسلمين.أما في هذه الأيام فإن أي تخفيض للميزانيات فإنهم يبدأون بتخفيض مخصصات التعليم، وتقليص عدد المعلمين ، وذلك للدلالة على الانحطاط الحضاري وعلى التخلف لدى المسلمين وان المليارات تذهب هدراً في الملذات ولصالح المستعمرين .فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .جاء في الحديث الشريف " إن الله لا يقبض العلم إنتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء:حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا" متفق عليه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ" رواه الترمذي عن الصحابي الجليل ابي هريرة .
فيا فوز المستغفرين ، استغفروا الله.
الخطبة الثانية :
الحمد الله حمداً كثيراً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بعثه الله بشيراً ونذيراً.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد.كما صليت على سيدنا ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم.وبارك علىسيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها المسلمون- يا أبناء أرض الإسراء والمعراج :
هناك موضوعان ساخنان بالإضافة إلى موضوع التعليم والمعلمين .
1- الموضوع الأول العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني : إلى متى ستستمر المجازر الدموية اليومية في غزة ونابلس وجنين وغيرها من مناطق الاحتلال ؟؟؟ وماذا تتوقع السلطات الاسرائيلية المحتلة من خلال هذه المجازر وازهاق أرواح الأبرياء ؟ هل تنتظر حلاً أم تنتظر استسلاماً ؟ وأين السلام الذي يرفع شعاراً بين الفينة والأخرى ؟ إننا من على منبر المسجد الأقصى المبارك ندين هذا العدوان فالروح الإنسانية لها كرامتها وحرّم الله عز وجل ازهاقها . وسبق أن أعلنا موقفنا ضد الحرب على لبنان وضد اجتياح قطاع غزة زذلك من منطلق شرعي . فهل يعد هذا الموقف تطرفاً وأرهاباً ؟! وسبق أن نادينا بضرورة إجراء التبادل بين الأسرى كحل سلمي للأزمة ، وحماية للأرواح وكذلك من منطلق شرعي فهل مناداتنا بذلك يُعدّ تطرفاً وإرهاباً ؟ أم إن قتل الأبرياء وهدم المنازل وتخريب البنية التحتية يُعدّ دفاعاً عن النفس !! هكذا يزعمون . فالشخص الذي ضد الحرب يكون إرهابياً ، وأما الشخص الذي مع الحرب يكون مدافعاً عن نفسه وليس إرهابياً ، فقد انقلبت المفاهيم والمقاييس ، ومسكين الضعيف ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أيها المسلمون _ يا أبناء أرض الإسراء والمعراج :
2- الموضوع الآخر:المسجد الأقصى المبارك ( للمرة تلو المرة ):تناقلت وسائل الإعلام الغربية والعبرية أخبار حول باحات المسجد الأقصى المبارك ، وأن بلدية القدس الاسرائيلية المحتلة تزعم وتدعي بأن باحات المسجد الأقصى هي ساحات عامة ، وتعني بذلك أنها ساحات تقع تحت تصرف البلدية ويجري عليها ما يجري على الساحات العامة . وهذا طرح خبيث وخطير ويتعارض مع عقيدتنا وإيماننا . فإن الحكم الشرعي أن المسجد الأقصى ما يحيط بالسور فتبلغ مساحته مائة وأربعين دونماً . فتشمل بناء الأقصى المغطى وبناء الصخرة المشرفة والطرقات والممرات والمساطب واللواوين والأروقة والآبار والجدران . وهذا ما يراه مليار ونصف المليار مسلم ، ولا يوجد مسلم واحد يقول خلاف ذلك . فحينما نقول بأن المسجد الأقصى المبارك هو للمسلمين وحدهم وحينما ندافع عن حقنا الشرعي الإيماني في هذا المسجد نعدّ محرضين وإرهابيين ؟! إننا نقول للمرة تلو المرة بأن المسجد الأقصى المبارك هو للمسلمين وحدهم وهو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ، وهو أسمى من أن يخضع لقرارات المحاكم ولا يخضع لمفاوضات ولا مساومات ولا لتنازلات . وسنبقى على العهد ما حيينا . وحماك الله يا أقصى . قولوا بعد أيها المصلون : حماك الله يا أقصى .
اللهم آمنا في أوطاننا، وفرج الكرب عنا.
اللهم احم المسجد الاقصى من كل سوء.
اللهم هيء من يوحد المسلمين ويحذو حذو صلاح الدين .
اللهم يا الله يا أمل الحائرين ويا نصير المستضعفين ندعوك بكل اليقين إعلاء شأن المسلمين بالحق والنصر المبين .
اللهم ارحم شهداءنا، وشاف جرحانا، واطلق سراح أسرانا ، وعليك بمن آذانا .
اللهم انا نسألك توبة نصوحا: توبة قبل الممات، وراحة عند الممات، ورحمة ومغفرة بعد الممات.
الله انصر الإسلام والمسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الاحياء منهم والاموات.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )(العنكبوت 45) .