المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 22/9/2006م وفق 29 شعبان 1427 هجري


admin
05-20-2009, 05:39 PM
خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 22/9/2006م وفق 29 شعبان 1427 هجري

<EMBED height=44 type=audio/wav width=612 src=2006-09-22.wav>


الخطبة الأولى :
الحمد لله... الحمدلله جعل شهر رمضان سيد الشهور، أفاض فيه الخير والنور، يعيش المسلمون في ظله بسعة وحبور. سبحانه، يغفر الذنوب، ويستر العيوب ويُغيث المكروب وهو علام الغيوب، عمّ فضله الأكوان، ويقبل التوبة وينزل الرحمة على المؤمنين في كل زمان ومكان.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فرض علينا الصيام تهذيباً للنفوس وتقوى للقلوب بقوله (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة :183).
اللهم اجعل في بصرنا نورا،وفي سمعنا نورا،وفي قلبنا نورا،اللهم اشرح لنا صدورنا، ويسّر لنا أمورنا. اللهم انا نعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر، وشرّ فتنة ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوائق الدهر.
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله، الصادق الأمين، غفر الله له ذنبه، وشرح له صدره، ووضع عنه وزره ورفع له ذكره، فكان مجداً واكثر ما يكون ذلك في رمضان، وكان مجتهداً واكثر ما يكون ذلك في رمضان،وكان كريماً واكثر ما يكون ذلك في رمضان، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين المبجلين ومن تبعهم وخطا دربهم واستنّ سنتهم واقتفى أثرهم بإحسان الى يوم الدين.

أما بعد – فقد روى الصحابي الجليل سليمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في آخر يوم من شهر شعبان قائلا( يا أيها الناس،قد أظلّكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه لية خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا. من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر،و الصبر ثوابه الجنة ) رواه البيهقي وابن خزيمة والمتّقي في كنز العمال، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح، و ابن المنذري في الترغيب والترهيب.
أيها المسلمون:
غداً أو بعد غد ، والله أعلم ، يطل علينا ضيف عزيز على قلب كل مؤمن ، إنه شهر الخير والبركات،شهر القربي والعبادات.انه شهر رمضان المبارك، في هذا الشهر تتفتح خزائن الفضل والرحمة والاحسان، وتقبل ليالي الجود والعفو والغفران. لقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم(إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم وسُلسلت الشياطين)وفي رواية صفدت الشياطين والمعنى واحد.(متفق عليه عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه).
والحكمة من ذلك حتى يكون للناس حافز بالإقبال على الله عز وجل ، وتشجيع لهم للتوبة النصوح الخالصة له سبحانه وتعالى . فإن باب التوبة مفتوح على مصراعيه ، ينتظر التائبين المستغفرين العابدين . فهل من تائب ليتوب الله عليه ؟ هذا الشهر الذي أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار . نسأل الله رب العالمين ذا العرش المجيد أن يرحمنا برحمته ، وأن يغفر لنا ذنوبنا ، وأن يعتقنا وإياكم من النار .
أيها المسلمون – أيها العابدون :
ها أتاكم رمضان فشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك في جميع الأيام . احرصوا يا أحباب الأقصى على التردد والتواجد في رحابه وفي لواوينه وأروقته وباحاته فكلها أقصى . واحرصوا على التردد في رمضان وما بعد رمضان أيضاً فأنتم المعادلة السليمة الصحيحة على أرض الواقع ، فهنيئاً لكم وطوبى لكم ، وحماك الله يا أقصى .
أيها المسلمون – أيها العابدون :
من نعم الله على المسليمن أن يعيشوا في شهر رمضان المبارك في عبادة متواصلة منذ أن يمسك الصائم عن الطعام وحتى الإفطار ، بالإضافة إلى أدائه لصلاة التراويح وتلاوة القرآن الكريم وحضور دروس العلم ، فلا مجال لمضيعة الوقت في هذا الشهر الفضيل ، فالوقت أمانة فلا بد من تعبأته واشغاله بما هو مفيد . فهذا الشهر ، شهر رمضان ، شاهد يوم القيامة بالإحسان لمن أحسن ، وبالإساءة لمن أساء ، والعاقبة للمتقين . فطوبى للصائمين ، والويل للمفطرين بدون عذر شرعي . أما المضطرون للإفطار بعذر شرعي فيتوجب عليهم أن يستتروا وأن لا يجاهروا بإفطارهم . فإن المجاهرة بالإفطار هي إثم . فكيف بالذين يجاهرون بدون عذر شرعي ؟! فالإثم أشد وأشد فيقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون )متفق عليه عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه.والذي يفطر وينتهك حرمة شهر رمضان المبارك يكون قد ارتكب معصية بل كبيرة من الكبائر فالويل له .
أيها المسلمون – أيها العابدون :
يتوهم بعض المسلمين بأن الصوم هو الامتناع عن الطعام و الشراب والجماع فقط فهل هذا صحيح؟ والجواب: لم يكتف الإسلام بأن يكون الصوم هو الامتناع عن الأكل والشرب و الجماع فقط بل أوجب الامتناع عن المعاصي والكفّ عن الآثام كالكذب والغيبة والنميمة وقول الزور والخوض في أعراض الناس والغدر والطعن من الخلف زإطلاق الاشاعات والتهم الزائفات والافتراءات كل ذلك منهي عنه في كل وقت. ومن يرتكبها وهو صائم فيزداد إثماً على إثم كما أوجب ديننا العظيم حفظ اللسان عن فحش الكلام وأرذله.وأوجب علينا أن نتحلى بالأخلاق الحميدة والفضائل السامية ،وهناك يا مسلمون عشرات الأحاديث النبوية الشريفة التي توضح ذلك ، منها قول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه واحمد و البيهقي عن الصحابي الجليل ابي هريرة t.وقوله عليه الصلاة والسلام " ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك، فقل: اني صائم"أخرجه البيهقي والحاكم عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه.
وفي الحديث القدسي " قال الله عز وجل: كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب. فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، اني صائم" متفق عليه عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه.
أيها المسلمون – أيها العابدون :
نتساءل : ما فائدة صيام شخص يفحش في كلامه ويؤدي الناس بلسانه؟ وقد أجاب رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش" وفي رواية" كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و العطش"أخرجه احمد والحاكم والبيهقي وابن ماجه عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه.
فما بالكم يا مسلمون، فيمن يسب الدين والرب والعياذ بالله و هو صائم بحجة أنه عصبي ومزاجي في رمضان .فهل يبقى مسلماً ؟ إنه يخرج عن ربقة الإسلام وبئس المصير، والله غني عن العالمين.
أيها المسلمون – أيها العابدون :
توبوا الى الله رب العالمين توبة نصوحا لعلكم ترحمون وتنصرون. ها أنتم تستقبلون شهر التوبة والمغفرة والعبادة فأحسنوا صيامه وقيامه، وضاعفوا فيه الطاعة وحافظوا على حرمته، وتزودّوا لآخرتكم فإن خير الزاد التقوى.جاء في الحديث الشريف" سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان، والله اكبر تملأ ما بين السماء والأرض،والطهور نصف الإيمان والصوم نصف الصبر " أخرجه احمد عن رجل من بني سليم، واسناده صحيح.
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :
( ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه )
رواه الترمذي عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه .
فيا فوز المستغفرين استغفروا الله






الخطبة الثانية :
الحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين. ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين الى يوم الدين.
اللهم صلِ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم، و بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم، في العالمين انك حميد مجيد.
أيها المصلون- يا اخوة الإيمان في كل مكان :
أتناول في هذه الخطبة مسألة واحدة حول التعقيب على تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة : لقد أثارت تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة حفيظة المسلمين في أرجاء المعمورة لأنها تصريحات جارحة ظالمة عدوانية عنصرية ، غير علمية وغير مبررة .
وقد ازداد غضب المسلمين لكون هذه التصريحات صدرت عن أعلى مركز ديني مسيحي في العالم . ويتوجب علينا أن نعلن غضبنا انتصاراً لدين الله ولنبينا وحبيبنا محمد r كما يتوجب علينا رفضنا واستنكارنا للتقولات الظالمة غير الصحيحة عن الإسلام وبحق نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ، فأقول :
1- أولاً : يدعي بابا الفاتيكان بأن الإسلام قام على العنف وعلى حد السيف ، وهذا ادعء قديم جديد وهو باطل لا يقوم على دليل ، لقول الله سبحانه وتعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)(البقرة:256). أما أن الإسلام له جيش وقوة عسكرية هذا أمر مسلم به لأن الإسلام نظام شامل للحياة بما في ذلك النظام السياسي .
2- ثانياً : يدعي باب الفاتيكان بأن الأسلام لا يستند إلى العقل والمنطق . وهذا ادعء باطل ظالم ، فالإسلام تقوم عقيدته على العقل ، وأحكامه على النقاش والأدلة والبراهين ، وهناك مئات الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على العلم وعلى التفكر في ملكوت السموات والأرض كما أنها تخاطب العقول وذوي الألباب للإقناع بالأدلة .
3- ثالاثً : يدعي بابا الفاتيكان أن كلام الامبراطور البيزنطي الذي استدل به لا يمثل رأيه . والسؤال : ان كان هذا الادعاء صحيحاً فلماذا يستدل به . ثم ما دام البابا غير مقتنع بكلام الامبراطور البيزنطي لماذا لا يعلن عن رأيه الواضح والصريح في الإسلام ؟ ثم هل الذي يريد أن يتحدث عن الإسلام يعتمد على مصادر غير إسلامية ؟ هل هذه هي الأمانة العلمية ؟! إن بابا الفاتيكان يناقض نفسه بنفسه .
أيها المسلمون – يا أخوة الإيمان في كل مكان :
ان تصريحات بابا الفاتيكان : إما أنها صدرت بسبب جهله لحقيقة الإسلام ، وإما أن يكون عارفاً للإسلام ولكن يتقصد الاساءة إليه بهدف عدواني تعصبي امتداد للحروب الصليبية . وعلى كلا الاحتمالين فإنه يتوجب عليه شطب العبارات المسيئة للإسلام من خطابه ، وأن يعلن اعتذاره عن هذه الاساءات . هذا إذا أراد بابا الفاتيكان تهدأة الأوضاع في العالم . وبهذه المناسبة نؤكد على العهدة العمرية وعلى العلاقة الحسنة بين المسلمين والمسيحيين المشرقيين ، ولن تؤثر تصريحات بابا الفاتيكان على هذه العلاقة والله سبحانه وتعالى يقول (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(الأنعام:164 ، الاسراء :15 ، فاطر :18 ، الزمر :7).
نعم أيها المسلمون لقد أجاب القرآن الكريم على أعداء الإسلام بقوله (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون)(التوبة:32) وبقوله (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(الصف:8) أجيبوني أيها المصلون :مَنْ ربنا ؟ الله.من نبينا ؟ محمد r. ما ديننا ؟ الإسلام. ما دستورنا ؟ القرآن . والحمد لله على نعمة الإسلام .
اللهم آمنا في أوطاننا، وفرج الكرب عنا.
اللهم احم المسجد الاقصى من كل سوء.
اللهم ارحم شهداءنا، وشافي جرحانا، وأطلق سراح أسرانا ، وعليك بمن آذانا .
اللهم هيء من يوحد المسلمين ويحذو حذو صلاح الدين .
اللهم انا نسألك توبة نصوحا: توبة قبل الممات، وراحة عند الممات، ورحمة ومغفرة بعد الممات.
الله انصر الإسلام والمسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الاحياء منهم والاموات.
(وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45))(العنكبوت).