المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 29/9/2006م وفق 7 رمضان 1427 هجري


admin
05-20-2009, 05:42 PM
<EMBED src=2006-09-29.wav width=612 height=44 type=audio/wav>


تاريخ الخطبة: 7 رمضان 1427 الموافق ل 29/9/2006م
عنوان الخطبة: الحث على التراحم
الموضوع الرئيسي: الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم, مكارم الأخلاق
اسم الخطيب: يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

ملخص الخطبة:
1- الحث على شكر الله تعالى. 2- عزة الأمة في تمسكها بدينها. 3- الرحمة بين المسلمين. 4- مظاهر سلبية تنتشر في رمضان. 5- نصائح للمرأة المسلمة. 6- الحث على التوبة والدعاء. 7- الله أكبر من كل شيء. 8- الحرب الصليبية الجديدة. 9- تطاول الأعداء على الإسلام والمسلمين. 10- تفرق المسلمين. 11- القضية الفلسطينية.

الخطبة الأولى
عباد الله، اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمه التي لا تحصى، وتذكروا أنكم في يوم مبارك، في يوم من أيام الله، في يوم من أيام شهر رمضان، وفي مسجد تشد إليه الرحال، في مسجد شرفه الله وفضله، أنتم مرابطون فيه إلى يوم القيامة، فاشكروا الله على هذه النعم واذكروه، وكبروه على ما هداكم، فكونوا أنتم الأوفياء والحراس المخلصين والسدنة المرابطين، أخلصوا نيتكم لله عز وجل يكفكم ما أهمكم، أخلصوا أعمالكم تفوزوا برضوان الله وعفوه ورضاه.
عباد الله، ورد في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا)).
عباد الله، تذكّروا جيدا أنه لا سعادة للبشرية إلا في ظل الإسلام وتطبيق أحكامه. إن التمسك به يكفل السعادة والسيادة والعز والتمكين والنصر المبين، يكفل الرفعة والكرامة.
عباد الله، لما انحرفت أكثر القيادات عن حقيقة الإسلام وعن المنهج السوي والهدي النبوي أصبح واقع المسلمين مؤلما جدّا بسبب إعراضهم عن حقيقة دينهم، ونتج عن هذا التفكّكُ التفرق والاختلاف والعداوة والبغضاء، كما جاء في الخبر: ((وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا يجعل الله بأسهم بينهم)). ومن هنا يجب على قادة الأمة وزعمائها أن يحكموا منهج الله في شؤون الحياة، وبغير ذلك فلن يفلحوا أبدا.
أيها المسلمون، إسلامنا وديننا والحمد لله أعطى كلّ ذي حق حقه، أوصانا الله تعالى بأن نكون رحماء في جميع جوانب حياتنا؛ لنفوز برحمة الله جل وعلا.
أيها المسلم، ارحم نفسك وأشفق عليها من المعاصي التي ترتكبها فتوقعك في أشد الهلاك، ورحمتُها تكون بفعل الطاعات وعمل الصالحات. ارحم زوجتك فلا تكلّفها ما لا تطيق، أعطها حقوقها، لا تسهر طوال الليل خارج بيتك مع أصدقائك ثم تعود آخر الليل، تضيع حقوق زوجتك وأولادك عليك. ارحم من يعمل عندك فلا تكلفه ما لا يطيق. ارحموا المساكين والمحتاجين في هذا الشهر الكريم، فرحمة الله وسعت كل شيء. ارحموا أنفسكم واحقنوا دماءكم من الاعتداء والقتل وسفك الدماء وزهق الأرواح لأبسط الأسباب، ومن الغريب أن تكثر حالات النزاعات في شهر رمضان. فاتقوا الله في أنفسكم، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، كفوا عن الأذى والسرقة والاحتيال.
عباد الله، من المظاهر السلبية التي تسيء إلى حرمة هذا الشهر الفضيل إطلاق المفرقعات، ولا سيما عند أبواب المسجد الأقصى وفي أماكن ازدحام الناس وأمام المدارس بين أرجل الناس. فاتقوا الله يا من تروجون وتبيعون هذه المفرقعات، وأنتم ـ أيها الآباء ـ حافظوا على تربية أولادكم، واحرصوا على مراقبتهم وعدم وقوعهم في هذه الأمور السيئة.
وأنت أيتها المرأة المسلمة، اتقي الله، وحافظي على ما أوجب الله عليك في دينك، وحافظي على أمانتك وما استرعاك الله عليه من حقوق الزوج، عوّدي أولادك على طاعة الله وأداء الصلاة، عوديهم على الصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، حذريهم من الكذب والخداع والسرقة، اتّقي الله في جيرانك، كفي أذاهم وأحسني إليهم، تفقدي أحوال الأرامل والأيتام، ابتعدي عن الفحش واحذري من الوقوع في أعراض المحصنات الغافلات المؤمنات، لا تخرجي إلى الأسواق متبرجة متطيّبة، لا تزاحمي الرجال، لا تسرفي في حفلات الزواج، لا تكلفي زوجك ما لا يطيق من النفقة. اسمعي ـ أيتها المسلمة ـ قول رسول الله عز وجل: ((إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)).
عباد الله، لقد كان سلفنا الصالح من أرحم الناس وأشفقهم، فعلى المسلم أن يقتدي بالذين من قبله، فقد مدح الله تعالى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) [الفتح:29]. كانوا رحماء فيما بينهم، كانوا يرحمون أهل الذمة، فكيف بالمسلمين؟! كان الواحد منهم إذا رأى عاصيا دعا له بالمغفرة ورجا له الرحمة كما كان يفعل أنبياء الله، إن الله أرسل الرسل لنجاة الناس، بينما الشيطان لعنه الله يضل الناس.
عباد الله، لو تراحم الناس ما كان بينهم جائع ولا عار، ولا مغبون ولا مهضوم.
أيها المسلم، ارحم الأرملة التي مات عنها زوجها ولم يترك لها سوى صبية صغار ودموع غزار. ارحم والديك الكبار وادعو لهما بالرحمة كما ربياك صغيرا. وأحسنوا إلى الفقراء وامسحوا دموع الضعفاء وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
أيها المسلم، صفِّ نفسك وجوارحك في هذا الشهر الكريم، لا تمسّ حراما، حاول أن تتطهر من الذنوب والآثام، علينا أن نحسن الصيام والقيام: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)).
عباد الله، هذا هو شهر رمضان، فاجعلوه خالصا لله تبارك وتعالى، اقرعوا باب الله تائبين منيبين راجين خائفين، فهذا أوان الرجعة، هذا هو موسم التوبة. ما أحوجنا ـ عباد الله ـ أن ندعو الله بقلوب خاشعة ضارعة وأيد ممدودة إليه مبتهلة أن ينجينا مما نحن فيه، أن يكشف عنا غُمّتنا ويفرج كربتنا، ما أحوجنا إلى أن ندعو، وللصائم دعوة ما ترد عنه فطره، كما ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي، لأنصرنك ولو بعد حين)). ما أحوجنا إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس وتهيأنا للإفطار أن نمد أيدينا إلى الله داعين لأنفسنا وأهلينا والمسلمين في كل مكان بالمغفرة والرحمة، وللمظلومين والمعذّبين بالفتح والنصرة والنجاة.
عباد الله، تذكروا دائما أن الله أكبر من كل قوة في هذا الوجود، الله أكبر من طغيان الطاغين ومن استكبار المستكبرين، الله أكبر من كلّ من يطغيه المال أو يطغيه السلطان.
أيها المسلم، إذا رأيت الدنيا برقت أمامك وسال لها لعابك فاذكر أن الله أكبر، إذا رأيت طاغية من الطغاة أو الظلمة وأردت أو خطر ببالك أن تطأطئ له الرأس أو تحني له الظهر فاذكر أن الله أكبر، الله أكبر من كل شيء.
أيها المسلم، كن مع الله ولا تبال، كن مع الله في رمضان وغير رمضان، الله رب رمضان ورب الشهور، تواصل في عباداتك وطاعاتك، لا تكن رمضانيّا فقط، كان السلف يقولون: "بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان"، كن ربانيا ولا تكن رمضانيا.
عباد الله، ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم وليلة مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل مثله أو أكثر)).


الخطبة الثانية
تواجه الأمة الإسلامية حاليا حربا صليبيّة ضروسا، تأخذ أشكالا وأنماطا متعدّدة الأساليب، والهدف واحد هو استئصال الإسلام من الصدور والحضور.
فمن الغزو العسكري لكثير من البلاد الإسلامية، وآخرها أفغانستان والعِراق والحرب على لبنان واستمرار الاحتلال الإسرائيلي البغيض لأرض فلسطين، وتضيف بعض الدول الإسلامية كما حدث في إقليم تيمور في أندونيسيا وجنوب السودان، واستمرار المحاولات لسلخ إقليم دارفور. إلى الغزو الثقافي الذي يتمثّل بتغير المناهج التعليمية في كثير من البلدان الإسلامية بما يتماشى وسياسة العولمة، وتجاهل دراسة التاريخ الإسلامي والفتوحات الإسلامية، وعدم تدريس آيات الجهاد والقتال التي وردت في القرآن الكريم، وإهمال اللغة العربية لأنها لغة القرآن ودستور الأمة. إلى الغزو الاقتصادي عن طريق سياسة الانفتاح والاستثمار والأسواق الحرة وإغراق البلدان الإسلامية بالبضائع المستوردة للإبقاء عليها في ركب التخلف والحاجة والعوز. ثم حملات التشكيك والإساءة والتطاول على الدين الإسلامي وعلى سيد الخلق أجمعين سيدنا ونبينا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وليس من باب الصدفة أن تصدر حملات التشكيك ضدّ الإسلام والمسلمين وضد رسولنا الكريم، فالمتتبع لهذه الحملات يرى أنها تتزامن مع كل نجاحات يحقّقها المسلمون سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، فبعد نجاح الحركات الإسلامية في فلسطين ومصر من خلال الانتخابات التشريعية صدرت الصور الكريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد الانتصار الذي حققه حزب الله في جنوب لبنان خرج علينا الرئيس الأمريكي باتهام المسلمين بالفاشست أي: الإرهاب، وتبعه بابا الفاتيكان بتفوُّهات وترّهات تنال العقيدة الإسلامية وتسيء إلى النبي الكريم.
فالتطاول على الإسلام والمسلمين يهدف إلى زعزعة ثقة المسلمين بإيمانهم وعقيدتهم ونبيهم الكريم في زمن التخاذل والتشرذم التي تعيشها الأمة، قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة:120].
فعذرا يا حبيبي يا رسول الله، عذرا يا نبي الأمة، في قائدنا وقدوتنا فلم يرقَ الزعماء إلى الرد المناسب على كل المتطاولين على الإسلام دينا ودستورا وعقيدة ورسولا.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، أيها المرابطون، من الغريب أن يتّحد الغرب الكافر متعدِّدَ الأديان والمذاهب والجنسيات كما هو في الاتحاد الأوروبي، في حين يتفرّق عالمنا الإسلامي الذي تجمعه وحدة الدين واللغة والعقيدة شيعا وأحزابا وطوائف.
انظروا إلى شهر رمضان الكريم، دول متجاورة لا تفصل بينها حدود متباعدة، بعضها صام يوم السبت وأخرى صامت يوم الأحد وأخرى صامت يوم الاثنين، فأين وحدة المطالع؟! أليس من المفروض أن يكون للمسلمين رأي واحد وقرار واحد؟! فاسمعوها جيدا: لا عزة للمسلمين ولا وحدة لهم بدون دولة الإسلام، دولة عزيزة الجانب قوية الإرادة، موحدة فكرا وعقيدة ورأيا وعملا، دولة توحد القلوب قبل أن توحد الصفوف.
أيها المرابطون، وتبقى قضيتنا الفلسطينية شغلنا الشاغل في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على البشر والحجر والشجر؛ اغتيالات متواصلة واعتقالات مستمرة وتدمير للمنازل واقتلاع للأشجار وتجميد للأموال واستمرار للحصار. ونحن في مأزق تشكيل حكومة جديدة لإحياء عملية ما يسمّى السلام بعد أن أمر الجميع بموتها، الجميع يتباكى على السلام المذبوح، والجميع يطالب الحكومة الفلسطينية الحالية أو الجديدة الالتزام بالاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل.
فهل سأل سائل: هل التزمت إسرائيل بالاتفاقيات المتعدّدة مع الجانب الفلسطيني؟! منذ أوسلو عام 1990م خمسة عشر عاما ماذا قدمت إسرائيل للفلسطينيين؟! هل أوقفت إقامة المستوطنات وتوسيعها؟! هل أوفقت مصادرة الأراضي؟! هل انسحبت من الأراضي العربية المحتلة؟! هل أوقفت عزل وحصار وتهويد القدس؟! هل أوقفت بناء جدار الفصل العنصري؟! حتى نحمل الحكومة الفلسطينية سبب معاناة وجوع شعبنا الفلسطيني!
أيها المصلون، كلمة حق لا بد من قولها من على هذا المنبر الشريف: إن التخلي عن السلطة والزعامة في سبيل مرضاة الله والحفاظ على الثوابت الإيمانية والتمسك بها وحقن الدم الفلسطيني أن يراق على أرض فلسطين الطهور أفضل وأشرف بكثير من التنازع على السلطة أو البقاء فيها مرضاة لأعداء الله؛ حتى يدرك الفلسطينيون أن أي تنازل عن الحقوق والثوابت الإيمانية تعطي الأعداء من الابتزاز والتنازلات على حساب الأرض والإنسان.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلْ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران:149، 150].