المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 28/10/2006م وفق 5 شوال 1427 هجري


admin
05-20-2009, 05:48 PM
<EMBED src=2006-10-27.wav width=612 height=44 type=audio/wav>


تاريخ الخطبة: 5 شوال 1427 وفق 27/10/2006م
عنوان الخطبة: والفتنة أشد من القتل
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, موضوعات عامة
الموضوع الفرعي: الفتن, الكبائر والمعاصي, جرائم وحوادث
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة:
1- حقن الإسلام للدماء. 2- مفاسد الاقتتال بين المسلمين. 3- عقوبة القاتل بغير حق. 4- هل للقاتل توبة؟ 5- لا داعي للاختلاف. 6- الإشادة بالاتفاق على عدم التصعيد. 7- ظاهرة إطلاق النار في المسيرات وتشييع الجنائز. 8- التحذير من لغة السلاح. 9- الحث على المحافظة على الوتر وسنة الفجر. 10- الحث على التكافل الاجتماعي.

الخطبة الأولى
يقول رسولنا الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار))، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: ((إنه كان حريصا على قتل صاحبه)).
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، لقد حرص ديننا الإسلامي الحنيف على حفظ الدماء وعدم إزهاق الأرواح، وعدّ الاقتتال الداخلي أشد من القتل وأكبر خطرا، فإن الاقتتال الداخلي يمثل فتنة هوجاء وضلالة عمياء، والله سبحانه وتعالى يقول في سورة البقرة: (وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ)، ويقول عز وجل في السورة نفسها: (وَالفِتنَةُ أَكبَرُ مِنَ القَتلِ)، ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث مطول: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)).
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، ذلك لما في الاقتتال الداخلي من آثار سلبية وتبعات سيئة، ألا يدري أولئك المتقاتلون الذين يستعملون السلاح لغة تفاهم فيما بينهم، ألا يدرون أنهم يرتكبون آثاما متعددة؟! إنهم يشيعون الفوضى في المجتمع، إنهم يدبون الذعر فيما بين النساء والأطفال، إنهم يثيرون الثارات بين الناس، بالإضافة إلى ما يترتب على الاقتتال من ترمل للنساء وتيتّم للأطفال، ثم نقول للمتقاتلين بأن النصوص تحكم عليكم بالكفر والعياذ بالله.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، ألا يدري القاتل الإثم الذي يلحقه نتيجة ارتكابه هذه الجريمة الكبرى؟! فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة النساء: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، ويقول تعالى في سورة المائدة: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، ويقول عز وجل في سورة الأنعام: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
فهذه الآيات الكريمة وغيرها من الآيات الكريمة تحذر من القتل العمد؛ وذلك لحفظ الدماء وعدم إزهاق الأرواح. ويقول رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قيل: يا رسول الله، ما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس، التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))، وفي حديث نبوي شريف آخر: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)).
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، سؤال يطرح نفسه: هل للقاتل العمد توبة؟ والجواب: يصف عليه الصلاة والسلام حال القاتل والمقتول بقوله: ((يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة؛ رأسه بإحدى يديه، متلبِّبا قاتله بيده الأخرى، تشخب أوداجه دما، فيقول: يا رب، سل هذا: فيم قتلني؟ فيقول الله تعالى للقاتل: تعست، ويذهب به إلى النار)).
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، وقد سئل الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن المصير الأخروي للقاتل العمد هل له توبة؟ فتلا قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، ثم قال عبد الله بن عباس: ما نسخت هذه الآية ولا بدلت، وأنى للقاتل توبة؟! أي: ليس للقاتل العمد توبة.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، وسؤال آخر يتبع السؤال الذي قبله: متى تقبل توبة القاتل العمد؟ والجواب: تقبل توبته في إحدى حالتين:
الحالة الأولى: إذا أقيم على القاتل العمد حد القصاص، (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة:179]. وذلك على اعتبار أن العقوبات في الإسلام زواجر وجوابر.
أما الحالة الثانية: فحين تتم مراسم الصلح ويعفو أهل القتيل عن القاتل شريطة أن يندم على فعلته ويعلن توبته أيضا.
أما إذا لم تتحقق إحدى هاتين الحالتين فلا توبة للقاتل العمد، والفتنة تكون أشد من ذلك، إنها تخرج المسلم من ربقة الإسلام والعياذ بالله.
لنتساءل: على أي شيء يختلف المختلفون على الساحة الفلسطينية؟ هل بقي لنا شيء حتى نختلف عليه؟! هل نختلف على المستعمرات والمستوطنات السرطانية التي نهبت البلاد وشتت العباد؟! هل نختلف على الطرق الالتفافية التي حاصرت المدن والقرى والمخيمات وضيعت الأراضي والبيوت؟! هل نختلف على الجدار العنصري الذي عزلنا عن بعضنا البعض وجعلنا كنتونات؟!
أيها المتصارعون والمتناحرون، اتقوا الله في شعبكم المرابط الصابر، اتقوا الله في بلادكم أرض الرباط والمصابرة، احذروا من الطابور الخامس والعملاء الذين يثيرون الفتن ويقومون بالاغتيالات حتى أدى إلى أن يتهم بعضنا بعضا زورا وبهتانا. إننا نبارك ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف المتنازعة على عدم التصعيد وعدم التشهير وعدم الاقتتال. إذا فكل من ينقض هذا الاتفاق يجب أن يحاسب من قبل المسؤولين عنه، ويجب أن يتعاون الجميع لكشف هوية من يقوم بنقض هذا الاتفاق بهدف معرفة العملاء والمندسين ووضع حد لهم ومحاسبتهم، ولوضع حد للفوضى والانفلات الأمني.
ونتساءل بمرارة واحتجاج: لماذا تبرز المظاهر المسلحة في الشوارع والطرقات وفي المسيرات وتشييع الجنائز؟ هل مثل هذه المظاهر السيئة موجود في دول العالم؟! يجب أن تختفي هذه المظاهر في بلادنا والتي تؤدي إلى نتائج سلبية على المجتمع، والتي تثير الرعب والخوف لدى المواطنين، ثم ضدّ مَن نشهر هذا السلاح ونطلق الرصاصات في الهواء؟! إنها تصرفات غير مسؤولة، ويجب أن يوضع حد لهذه التصرفات الطائشة الشاذة.
أيها المسلمون، يا أهلنا، ويا قومنا المرابطين، إن لغة السلاح لن تكون لغة تفاهم وتحاور فيما بيننا، ولتتعظوا بما حلّ بالمسلمين سابقا من الخلافات الدموية، اتعظوا بما حصل في معركة الجمل سنة 36 للهجرة وما حصل في معركة صفين سنة 37 للهجرة، ولا يزال المسلمون في العالم يعانون من النتائج السلبية لهاتين المعركتين.
يا إخوتنا في غزة ونابلس وجنين وخان يونس ورفح وسائر المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، كونوا على قدر المسؤولية، ضعوا المصلحة العامة فوق جميع الاعتبارات الفصائلية والحزبية والشخصية، وإننا لمنتظرون ووفّقكم الله لما فيه خير للبلاد والعباد، جاء في الحديث النبوي الشريف: ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم)).

الخطبة الثانية
أيها المصلون، وبعد أن ودعنا الشهر الحبيب شهر رمضان المبارك نذكّركم بحكمين فقهيّين هما:
الحكم الفقهي الأول: ويتعلق بصلاة الوتر التي تعدّ من قيام الليل، فعلى المسلمين أن يحرصوا على مواظبة أدائها فيما بعد رمضان وخلال ليالي السنة كلها، وهي واجبة لدى السادَة الحنفية، وسنة مؤكدة لدى المذاهب الفقهية الأخرى، وإنها تقضى إذا لم تؤدّ في وقتها، وبهذا نفتي. ونلفت نظر المصلين إلى أن النية لصلاة الوتر تكون لوتر اللّيل وليس لوتر العشاء كما يتوهم بعض الناس، لأن الوتر من قيام الليل، ويقول رسولنا الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام: ((الوتر حق، ومن لم يوتر فليس منا)).
الحكم الفقهي الثاني: ويتعلق بسنة صلاة الفجر، وهي سنة مؤكدة، وإنها تقضى لمن فاتته ولم يصلها في وقتها، وبهذا نفتي. فعلى المصلين أن يحرصوا على أداء سنة الفجر قبل تأدِيتهم لصلاة الفجر في جميع أيام السنة في رمضان وغير رمضان.
أيها المصلون، يا أهلنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، لقد تجلى التكافل الاجتماعي في أبهى صوره الإيمانية خلال شهر رمضان المبارك في فلسطين، ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك نطالب جميع المواطنين بمختلف فئاتهم وتوجّهاتهم وفصائلهم وأحزابهم بضرورة التكاتف والتعاضد والتآلف وبضرورة الاستمرار في التكافل الاجتماعي الذي هو من مقاصد الشريعة الإسلامية؛ وذلك حتى نتمكن من كسر الحصار الظالم اللاإنساني المفروض على الشعب الفلسطيني من قبل قوى الظلم والبغي والعدوان، وليكن رسولنا الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام قدوتنا في ذلك حيث حوصِر عليه السلام هو وأصحابه رضوان الله عليهم في شعب من شعاب مكة مدة ثلاث سنوات، لقد صبروا وتصبّروا وثبتوا وتثبّتوا حتى أكلوا ورق الشجر ولم يتنازلوا عن مبادئهم وثوابتهم ولم يساوموا عليها.
أيها المرابطون، أيها المحتسبون، إن العالم ينظر إليكم بترقب ليروا ماذا أنتم فاعلون، ولا يخفى عليكم أن أعداء الإسلام يخططون ويبرمجون لافتعال الصراع الداخلي ولينشغل بعضنا ببعض، فكونوا على قدر من المسؤولية، وأثبتوا للعالم بأنكم أتباع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وأنكم أحفاد أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وخالد وبلال وسلمان وصلاح الدين.

اكسروا الحصار رغم أنف المتآمرين، ولن يتخلى الله عنكم ما دمتم معه، والله مع العاملين المخلصين، (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).