المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 24/11/2006م وفق 3 ذو القعدة 1427 هجري


admin
05-20-2009, 05:57 PM
<EMBED src=2006-11-24.wav width=612 height=44 type=audio/wav>




تاريخ الخطبة: 3 ذو القعدة 1427 وفق 24/11/2006م
عنوان الخطبة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري
ملخص الخطبة
1- أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2- حكم سب الذات الإلهية والدين. 3- ظاهرة المعاكسات في الشوارع والطرقات. 4- مسألة: هل الأولى التعجيل بقضاء رمضان أم صيام الست من شوال؟ 5- حكم شراء المواد المسروقة.


الخطبة الأولى

أما بعد: فيقول الله عز وجل في سورة آل عمران: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمرن:104].
أيها المسلمون، تضمنت هذه الآية الكريمة وجوب الدعوة إلى الخير وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسؤال: لماذا ورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد ذكر الخير في هذه الآية مع أنهما يندرجان في مفهوم الخير؟ والجواب: هذا من باب عطف الخاص بعد ذكر العام، وذلك لإظهار فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولبيان شرفهما وأهميتهما على سائر الخيرات.
أيها المسلمون، يقول الله عز وجل في سورة آل عمران أيضا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110].
تفيد هذه الآية الكريمة بأن الأمة الإسلامية لا تتصف بالخير إلا إذا توافرت فيها ثلاثة شروط؛ وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله رب العالمين في أي مكان وزمان، وإذا فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة تنتفي عن الأمة الإسلامية صفة الخيرية، والسؤال: لماذا قدم ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتأخر ذكر الإيمان مع أن الإيمان مقدم على كل الطاعات والخيرات؟ والجواب: لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمثلان سياجا وحافظا للإيمان، فكان تقديمهما في الذكر موافقا للمعهود لدى الناس في جعل سياج كل شيء مقدما عليه.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، لقد شدد القرآن الكريم النكير واللعنة على الذين يهملون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذين لا يتناهون عن الأعمال المنكرة بل يسكتون عنها، فيقول الله عز وجل في سورة المائدة: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78، 79]. والملعون هو المحروم من لطف الله وعنايته، والمعلوم أنه إذا ورد لفظ اللعنة في القرآن الكريم أو في السنة النبوية المطهرة فإنه يدل على تحريم الشيء الذي من أجله لعن مرتكبه.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، لقد أوضح رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم بأن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى عقاب جماعي، ويؤدي إلى عدم استجابة الله عز وجل لدعاء الذين عوقبوا، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)). فهذا الحديث النبوي الشريف صريح في أن الذين يتركون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيؤدي بهم إلى أمرين؛ الأمر الأول: أن الله عز وجل يبعث عليهم عقابا منه، والأمر الآخر: أن الله سبحانه وتعالى لا يستجيب دعاءهم.
فاسألوا أنفسكم يا مسلمون: لماذا لا يستجيب الله لدعائنا ونحن ندعوه وباستمرار كي ينصرنا على أعدائنا وأن يفرج كربنا، ولكن لا نلمس أي استجابة لدعائنا؟! والجواب: لأننا تركنا الدعوة إلى الله، تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم كيف يستجيب الله رب العالمين دعاءً مِن قلب غافل عن ذكر الله، من قلب لاه في شؤون الدنيا الفانية؟!
أيها المسلمون، يا أبناء فلسطين الطاهرة المقدسة المباركة، كيف يستجيب الله الدعاء من مسلم ـ في شهادة الميلاد ـ وهو يسب الذات الإلهية ويسب الدين والعياذ بالله؟! ثم كيف يستجيب الدعاء من الذين يسمعون هذه المسبات وهم له ساكتون والله عز وجل يقول: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25]؟! والسؤال: متى تنتهي هذه المسبات من الأطفال والنساء والشيوخ؟! إنها لكبيرة وكبيرة تُخرج الذي يسب الذات الإلهية من ربقة الإسلام إلى الردة والكفر والعياذ بالله، والله غني عن العالمين.
أيها المسلمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، لو أن شخصًا سب أبا أحد منكم لقامت الدنيا ولم تقعد، وتثور الثائرة على من يسب. أما أن يسب هذا الشخص الذات الإلهية أو الدين فكأن الأمر لا يعنيهم! لقد انقلبت الموازين. وهذه الظاهرة السيئة المنكرة هي معاكسة تماما لأخلاق رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يغضب حينما تنتهك حرمة من حرمات الله عز وجل، ولم يكن يغضب لنفسه، فتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في وصف أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث مطول: (وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة لله فينتقم لله تعالى).
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، مع بدء العام الدراسي أخذ بعض الشباب الساقطين والمتساقطين يتسكعون في شوارع القدس لمشاكسة طالبات المدارس، وكأن الأمر أصبح مألوفا في هذه المدينة الطاهرة، وأن الناس يتقبلون هذه الظاهرة الشاذة دون حراك، وكأن الغيرة والنخوة والحمية قد انطفأت لدى الآباء وأولياء الأمور المنشغلين في حطام الدنيا الفانية والمنصرفين عن أولادهم؛ حيث لا يعرف الأب في أي صف ابنه! وإذا قلنا: إن عدد الطالبات قد زاد عن الألف طالبة في محيط مدارس البنات فمعنى هذا أنه يوجد ألف أب وألاف من الإخوة والأقارب، فماذا هم فاعلون؟! ثم نتساءل: ألا يوجد آباء لهؤلاء الشباب المتسكّعين في الشوارع؟! لماذا لا يردعهم آباؤهم وإخوانهم وأقاربهم؟! ولكن إذا ضرب واحد منهم فإن الأقارب حينئذ يتعرفون عليه ويقفون إلى جانبه بالباطل، وتبدأ العطوات والصلحات. فالشكاوى قد كثرت، وهؤلاء الشباب أخذوا في التمادي، لذا يتوجب على الآباء ـ سواء كانوا آباء للطالبات أو آباء لهؤلاء الشباب ـ أن يتحركوا لمنع هذه الظاهرة المنكرة، وهذا من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن مجالات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واسعة وكبيرة ومتعددة، تشمل القمة إلى القاعدة، وتشمل القاعدة إلى القمة، وفي مجالات الحكم والمجتمع، وفي المجالات العامة والخاصة، فيتوجب على كل مسلم أن يكون على ثغرة من ثغور الإسلام، فلا يؤتين من قبله، ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)). فالأصل أن كل مسلم هو داعية إلى الله عز وجل، ويتوجب عليه أن يؤثر في المحيط الذي يعيش فيه، وأن يعمل جاهدًا على محاربة البدع والمنكرات الذائعة بين الناس، بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل: 125].


الخطبة الثانية

أتناول بإيجاز حكمين فقهيين هما:
أولاً: بشأن صوم الأيام الستة من شهر شوال وقضاء صوم الفريضة، فأقول وبالله التوفيق: إن صوم الأيام الستة من شوال محصور في شهر واحد وهو شهر شوال، أما قضاء صوم الفريضة فإنه يقضى في وقت موسع مدته أحد عشر شهرًا، أي حتى نهاية شهر شعبان القادم، وإذا توفي الشخص خلال السنة ولم يقض ما عليه من صوم الفريضة فلا إثم عليه من الناحية الشرعية، أما إذا دخل شهر رمضان القادم ولم يقض ما عليه فيلزمه القضاء والكفارة معا. وإذا توفي قبل قضاء صوم الفريضة حينئذ يعد آثما ويحاسب على تقصيره، وبذلك نفتي والله أعلم.
ثانيًا: الحكم الثاني بشأن التعامل مع المواد المسروقة من بيع وشراء، وبخاصة سرقة السيارات التي أخذت تنتشر في هذه الأيام في مدينة القدس، وإن الانفلات الأمني ليس في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة فحسب، بل هو واقع في مدينة القدس أيضا؛ لأن السلطات الإسرائيلية المحتلة لا تهتم إلا فيما يتعلق بمقاومة الاحتلال، وما سوى ذلك فالأمور سائرة على غاربها بلا ضبط ولا ربط، كالسرقات والتجارة بالمخدرات.
والسؤال: ما الحكم الشرعي فيمن يشتري مواد مسروقة كالسيارات وهو يعلم أنها مسروقة؟ والجواب: لا يجوز شرعًا التعامل بالمواد المسروقة لا بيعًا ولا شراءً، والإثم يقع على البائع وعلى المشتري على حد سواء، بالإضافة إلى أن السرقة نفسها تعد من الكبائر، وبهذا نفتي والله أعلم.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، تمر بعد أيام قلائل ذكرى ما يعرف بقرار التقسيم رقم: [181] والذي صدر في 29/11/1947م عن هيئة الأمم المتحدة، والقاضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وأن تقع مدينة القدس تحت الإشراف الدولي، وأن أهل فلسطين والعرب بشكل عام قد رفضوا وقتئذ قرار التقسيم، وهم غير نادمين على رفضهم لهذا القرار، وذلك لسببين سبق أن أعلنوا عنهما، السبب الأول: لأن مدينة القدس مطروحة للتدويل، والسبب الآخر: أن أرض فلسطين أرض خراجية وقفية لا مجال للتنازل عنها، وأن أي تنازل عن أي جزء منها يكون باطلاً غير شرعي.
أيها المسلمون، في هذه الأيام تطرح تساؤلات كثيرة، منها: لو قبل آباؤنا قرار التقسيم ألا يكون ذلك أولى مما نحن فيه الآن وقد قبلنا الآن أقل مما هو مقترح في التقسيم؟ والجواب: إن الحق الشرعي قائم لا يسقط مع مرور الزمان إلى يوم القيامة، وإن الأيام دول، كما قال الله: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140]، ولا يصلح آخر هذا الأمر إلا بما صلح به أوله.


فالواجب على الأمة الإسلامية أن تفيق من كبوتها، وأن تعود إلى ربها، وأن تحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ ليهيئ الله رب العالمين أسباب النصر والمنعة والتمكين، وليس ذلك على الله بعزيز.