المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 15/12/2006م وفق 24 ذو القعدة 1427 هجري


admin
05-20-2009, 06:12 PM
خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 15/12/2006م وفق 24 ذو القعدة 1427 هجري

<EMBED height=44 type=audio/wav width=612 src=2006-12-15.wav>

الحمد لله ... الحمد لله الذي جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا. ورزق أهله ثمرات وفاكهة وأبّا. ونشهد أن لا إله إلا الله فرض الحجَّ على منْ استطاع إليه سبيلا ، تطهيراً للنفس وأزكى .

ونشهد أن سيدنا وشفيعنا وحبيبنا وقائدنا محمداً عبده ورسوله ، المصطفى المختار، وأعظم حبيب يزار الذي أحرم للعمرة وللحج ولبّى
" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك." صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين المبجّلين وصحابته الغرّ الميامين المحجلين ، وعلى المسلمين الذين لبّوا الندا، وجاؤا شعثاً غبرا، شيباً وشباناً.

أما بعد فيقول الله عز وجل في سورة الحج. ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(27)).

أيها المسلمون :

في هذه الأيام تتوافد قوافل حجاج بيت الله الحرام شطر الديار الحجازية ، إنهم يتوجهون من بلاد مباركة مقدسة إلى بلاد مباركة مقدسة ، من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة . إنهم يغادرون القبة الصفراء في المسجد الأقصى إلى القبة الخضراء في المسجد النبوي . إن ضيوف الرحمن يتطلعون شوقاً إلى الكعبة المشرفة، وتهفو قلوهم لزيارة قبر رسولنا الأكرم محمد r .

أيها المسلمون :

إن حجاج بيت الله الخرام يتهيأون في هذه الأيام روحياً ونفسياً وعقلياً لأداء ركن من أركان الإسلام حيث يلتقون هناك: حول الكعبة، وبين الصفا والمروة،وعلى جبل عرفة من مختلف الأجناس والقوميات والألوان، على صعيد واحد لا فرق بين رئيس ومرؤوس، ولا بين أمير ومأمور، ولا بين غني وفقير، وقد اتصلوا جميعاً بالله سبحانه وتعالى ، ربِّ الخلائق والمخلوقات، وأنه لا ربّ غيره،ولا معبود سواه.

أيها المسلمون :

إن ملابس الاحرام البيضاء التي تكسو الحجيج هناك حول الكعبة وبين الصفا والمروة وعلى جبل عرفة . إنها تذكّر الحاج بيوم القيامة وأهواله، وتنسيه الدنيا ومشاغلها ومفاتنها، كيف لا وقد بدأت سورة الحج بقوله عز وجل" يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ(2) " الحج .

أيها الحاج :

حينما تنوي الإحرام للحج أمامك ثلاث صيغ : إما أن تنوي التمتع للعمرة ثم الحج حينئذ تكون متمتعاً ، وإما تنوي العمرة والحج معاً حينئذ تكون قارناً ، وإما تنوي الحج فقط وتكون حينئذ مفرداً .

ونحن إذ ننصح حجاج فلسطين بأن ينوا التمتع حين الإحرام ، للأسباب الآتية :

1- حتى يعطي الحاج مناسك العمرة حقها بشكل مستقل فينوي الحاج بقوله ( اللهم إني نويت العمرة فيسرها لي وتقبلها مني ). وكذلك فإنه يعطي مناسك الحج حقها أيضاً بشكل مستقل فينوي الحاج بقوله ( اللهم إني نويت الحج فيسره لي وتقبله مني ) هذا من حيث الثواب .

2- أما من حيث اليسر والسهولة فإن مناسك العمرة من الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة لا يستغرق أداؤها سوى سويعات ثم يحلق المعتمر الشعر، ويتحلل ويلبس المخيط ، ويمكنه أن ينظف نفسه من وعثاء السفر ويغتسل دون تحرز ، وترفع عنه جميع المحظورات .

3- يبقى متحللاً حتى اليوم الثامن من ذي الحجة ( والمعروف بيوم التروية ) فيحرم مرة أخرى وينوي للحج ويؤدي مناسكه ، وسمي يوم التروية بهذا الإسم لأن العرب سابقاً كانوا يتزودون بالماء استعداداً للصعود إلى عرفة .

ولا تنسى أخي الحاج أن تقدم الهدي أيام عيد الأضحى المبارك لأنك نويت التمتع .



أيها المسلمون :

لماذا قال الله عز وجل في سورة البقرة (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) (الآية :197) ما الحكمة الربانية من ذلك ؟ والجواب : لأن الحاج يقوم برحلة إيمانية تعبدية وفيها المشقة ، وليست رحلة الحج رحلةً سياحية وترفيهية . فالحاج سيلاقي المشقة والزحام فهو في امتحان. فإن نجح في هذا الامتحان بحيث يتجنّب الخصومة والمجادلة والغيبة والنميمة أثناء مناسك الحج ، حينئذ يظفر بالحج المبرور فيقول رسولنا الأكرم محمد r من حديث مطول " ... والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" رواه البخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجه والأصبهاني عن الصحابي الجليل أبي هريرة t. ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث شريف آخر" من حج هذا البيت لم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي عن الصحابي الجليل أبي هريرة t وفي رواية ( رجع ) بدلاً من ( خرج )، والمعنى واحد .وفي رواية (كيومِ) بدلاً من (كيومَ) والمعنى واحد . ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث شريف ثالث "أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله ثم جهاد في سبيله ثم حج مبرور" رواه البخاري ومسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة t.

أيها المسلمون :

ما الحكمة في أن فرض الحج مرة واحدة في العمر ؟ والجواب : بسبب المشقة التي يلاقيها الحاج أثناء السفر وأثناء تأديته لمناسك الحج وبخاصة حين النفرة من عرفة ، وحين رمي الجمرات .ثم لو افترضنا أن الحج يكون سنوياً كيف سيجتمع مليار ونصف الميار من المسلمين في وقت واحد وفي مكان واحد . وهذه دلالة من الدلالات التي تؤكد أن التشريع الإسلامي هو تشريع إلهي من رب العالمين . وأن الله عز وجل يقول (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)(البقرة:286).من هنا تتجلى الحكمة الربانية في أن يكون الحج مرة واحدة في العمر .

أيها المسلمون :

هناك من المسلمين مَنْ يرغب في أداء الحج للمرة الثانية والثالثة ، فهل عمله مشروع أم لا ؟ والجواب : الأصل أن يفسح المجال لمن لم يسبق له أن حج حجة الإسلام . فإن كان الذي يكرر الحج يعطل على الذي لم يحج حجة الإسلام فإنه يكون آثماً وبخاصة أن الأعداد محددة في كل عام .أما إن كان الذي يكرر الحج لا يعطل على غيره ولا يحجز مقعده فلا إثم عليه ، ولا مانع من ذلك شرعاً .

أيها المسلمون:

وهنا يطرح سؤال : ما الأفضل والأولى أن يقوم الشخص بالحج التطوعي ( أي يكرر أداءه للحج ) أم يتبرع بنفقات الحج إلى مؤسسات خيرية إسلامية لينتفع بتبرعه أكبر عدد ممكن من الأيتام والمحتاجين والمنكوبين ؟والجواب : إن الأفضل والأولى هو دعم المشاريع الخيرية التي تعود بالنفع على المجتمع وكذلك تفقد العائلات المستورة والمنكوبة بدلاً من الحج التطوعي وبخاصة إذا نظرنا إلى الأوضاع الصعبة والمأسوية التي يمر بها شعبنا الصابر المرابط المحتسب . بالإضافة إلى أن زيادة عدد الحجاج تؤدي إلى مضايقة وإزعاج أولئك الذين يحجون لأول مرة والذين هم بحاجة إلى الجو المناسب والهادئ لتأدية المناسك على وجه أفضل ، وهذا ما نميل إليه ونفتي به ، والله تعالى أعلم .

يا من تريدون أداء فريضة الحج :

نصيحتنا لكم أن تتفهموا الأحكام الشرعية المتعلقة بأحكام الحج فإن دراستها وتفهمها تصبح فرض عين بالنسبة لكم، وينبغي أن تحرصوا على تطبيقها والالتزام بها والاستفسار عنها بشكل مستمر ، فلا تستهينوا بها فهي أحكام دقيقة ومهمة ليتقبل الله منكم هذه الفريضة وسائر الطاعات. فأنتم الذين تلبّون نداء الله وتعلنون ولاءكم لله وحده وأنكم تهتفون بهتاف واحد وهو الهتاف الرباني " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك."

يا حجاج بيت الله الحرام :

صحبتكم السلامة ، نودعكم على بركة الله ، أوصلوا السلام من فلسطين ، من بيت المقدس ، من المسجد الأقصى المبارك إلى رسولنا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . ونسأل الله عز وجل لكم حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وتجارةً لن تبور ، وأن تعودوا لنا سالمين غانمين إن شاء الله .وعنه ( عليه الصلاة والسلام ) أنه قال:

" ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ"

رواه الترمذي عن الصحابي الجليل ابي هريرة t.

فيا فوز المستغفرين ، استغفروا الله.



الخطبة الثانية :

نحمد لله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين الى يوم الدين.

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

أيها المسلمون – يا أبناء أرض الإسراء والمعراج :

اتعرض في هذه الخطبة إلى ثلاث نقاط بإيجاز :

1- صادفت قبل أيام قليلة (11/12/2006م) ذكرى صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ، ويضم هذا القرار الذي يحمل رقم 194 لعام 1948م ثلاثة بنود ، وهي :

أ- حق العودة .

ب- استعادة الممتلكات .

ج- التعويض في أقرب وقت ممكن .

واشترطت الجمعية العامة للأمم المتحدة قبول اسرائيل في عضوية الأمم المتحدة اشترطت تنفيذها للقرار 194 بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم . إلا أن اسرائيل لم تنفّذ هذا القرار رغم قبولها عضواً في هيئة الأمم .

وبقي اللاجئون هائمين على وجوههم منذ عام 1948م وحتى يومنا هذا . في حين ان اللاجئين الذين هجروا من دول أخرى قد رجعوا إلى بلادهم ، أما اللاجئون الفلسطينيون هم الوحيدون الذين لم يعودوا إلى ديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم .وستبقى قضية اللجئين قائمة غير قاعدة لأنهم مصممون على العودة ولأنهم متمسكون بحقهم الشرعي ، هذا الحق الذي سيبقى قائماً ولن يزول ولن يسقط مع تقادم الزمان .

أيها المسلمون – يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس :

لقد سبق وأن أصدرنا فتوى شرعية تؤكد الحق الشرعي بعودة اللاجئين إلى ديارهم ، وأنه لا تنازل عن هذا الحق ، وأن هذا الحق يتوارثه الأبناء عن الآباء ، كما يتوارثه الأحفاد عن الأبناء وهكذا .

وأما موضوع التعويض فيكون عن الأضرار التي لحقت باللاجئين منذ عام 1948م وحتى الآن وعن المعاناة التي هم فيها . ولا يجوز شرعاً أخذ التعويض عن الأراضي لأن التعويض هو بمثابة البيع والبيع محرم شرعاً ، سواء رغب اللاجئ في العودة أو لم يرغب ، وفلسطين لا يسري عليها بيع ولا شراء لأنها أراض خراجية وقفية . هذا ملخص الفتوى التي سبق أن أصدرناها قبل ست سنوات ، ونؤكد عليها الآن مرات ومرات .

أيها المسلمون – يا أبناء فلسطين الحبيبة :

2- مسلسل الاغتيالات في أرضنا المباركة المقدسة :

إنه لما يدمي القلوب مسلسل الاغتيالات بأيد خفية إجرامية مستغلة الخلافات السياسية على الساحة الفلسطينية ، ليصطاد المتآمرون والعملاء بالماء العكر . وإني من على منبر المسجد الأقصى المبارك أدعو جميع المسؤولين في الرئاسة وفي الحكومة وجميع الفصائل والقوى والأجهزة الأمنية أن يتكاتفوا جميعاً وأن ينسقوا فيما بينهم للكشف عن أصحاب الأيدي الملطخة بالدماء ولإنزال أقصى العقوبات بحقهم ، فهم ليسوا قتلة فقط بل هم بغاة يفسدون في الأرض ويروّعون الآمنين من الأطفال والنساء والشيوخ ، ولمنع ظاهرة الاغتيالات .

أيها المسلمون – يا أبناء أرض الإسراء والمعراج :

3- ثالثاً وأخيراً :

الجدار الجنوبي الخارجي للمسجد الأقصى المبارك وما فيه من تصدعات وشقوق وذلك بسبب الحفريات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية المحتلة حول السور وأسفل المسجد الأقصى المبارك ، في الوقت نفسه تمنع السلطات الإسرائيلية المحتلة دائرة الأوقاف الإسلامية من ممارسة حقها في الترميم والصيانة لهذا الجدار وللجدار الشرقي وللمدرسة الخنتية . وعليه نحمل هذه السلطات المسؤولية عن أي أضرار تلحق بالمسجد الأقصى ومرافقه وأسواره . هذا وقد حذرت الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف من عواقب هذه الحفريات ، ودعوا الأنظمة القائمة في العالم العربي والإسلامي لتحمل مسؤولياتها تجاه الأقصى والقدس وفلسطين لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ، وليس ذلك على الله ببعيد ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.



اللهم احم المسجد الأقصى من كل سوء

اللهم آمنا في أوطاننا، وفرج الكرب عنا.

اللهم ارحم شهداءنا، واشف جرحانا، واطلق سراح أسرانا .

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .

اللهم رأفة بالأطفال الرضع والشيوخ الركع والبهائم الرتع أرسل السماء علينا مدرارا .

اللهم عليك بالمعتدين والمحتلين فإنهم لا يعجزونك .

اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا،

اللهم يا الله يا أمل الحائرين ويا نصير المستضعفين ندعوك بكل اليقين إعلاء شأن المسلمين بالحق والنصر المبين .

اللهم إنا نسألك توبة نصوحا: توبة قبل الممات، وراحة عند الممات،ومغفرة ورحمة بعد الممات.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين.

اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات.

" وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " سورة العنكبوت 45.

نائل أبو محمد
12-04-2010, 01:31 PM
السبت 28 ذو الحجة 1431