المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 12/1/2007م وفق 23 ذو الحجة 1427 هجري


admin
05-23-2009, 06:17 PM
<EMBED src=2007-01-12.wav width=612 height=44 type=audio/wav>


تاريخ الخطبة: 23 ذو الحجة 1427 الموافق ل 12/1/2007م
عنوان الخطبة: الحرب على الطهر والعفاف
الموضوع الرئيسي: الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
الموضوع الفرعي: الأبناء, الفتن, الكبائر والمعاصي
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة:
1- التحذير في انتشار الأفلام الهابطة والفاضحة بين الشباب. 2- دور الآباء والأمهات في معالجة هذا الأمر الخطير. 3- حرمة الزنا وبشاعته في الشريعة الإسلامية. 4- أضرار الزنا. 5- عقوبة الزاني. 6- رسالة وصرخة للإخوة في فتح وحماس.

الخطبة الأولى
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].
أيها المسلمون، تجتاح مدينتنا الطاهرة المقدسة أفلام الجنس الهابطة والفاضحة، وتسريبها من خلال أجهزة الكمبيوتر والإنترنت والأجهزة النقالة (أي: جهاز الموبايلات)، وبخاصة لدى الجيل الصاعد من المراهقين والمراهقات، دون رقيب ولا حسيب من الآباء والأمهات؟!
أيها المسلمون، إنكم تتوقعون أن نتحدث عن القضايا السياسية الصاخبة والفاشلة على الساحة الفلسطينية بخاصة، وعلى الساحة العربية والإسلامية بعامة، ولكن إخوة شبابا غيورين على الأخلاق وعلى الأعراض تحدثوا لنا في فضائح تحدث في مجتمعنا ونحن غافلون عنها وملهيون في الأحداث الدامية الواقعة في بلادنا، إنها قضايا لا أخلاقية تمس الأعراض، وتقوض المجتمع، وتنتشر عبر أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة بين الشباب والشابات، يقوم بترويجها تجار نفعيون لا يهمهم صون الأعراض والأخلاق، وإنما يهمهم الربح ولو على حساب الرذيلة وهتك الأعراض.
أيها المسلمون، كنا سابقا نحارب دور السينما التي كانت تعرض أفلام الجنس والمعروفة بأفلام السكس، ونجح العلماء والدعاة ورجال الإصلاح وقتئذ بوقفها، أما الآن فإن أساليب الهدم والرذيلة تدخل إلى البيوت بسهولة من خلال أجهزة التلفاز والفيديو، ومن خلال أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة، فما دور الآباء والأمهات في معالجة هذا الأمر الخطير الذي يهدد الأسرة والمجتمع؟
أيها المسلمون، لا يخفى عليكم أن معظم الأفلام الجنسية التي هي من إخراج الدول الأجنبية لا تعرض على شعوب بلادهم، وإنما ترسل إلى شعوب العالم الإسلامي؛ لهدم قيمه الخلقية، ولإلهاء الجيل الصاعد عن القضايا المصيرية، ولإفساد شبابنا أخلاقيا؛ ليسهل على الغرب فرض سيطرته على العالم العربي والإسلامي النائم، وهذا ما حصل فعلا.
وكلما توجه شبابنا إلى الإسلام اشتدت الحملة المسعورة لهدم الأخلاق ونشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة، بهدف عرقلة حركة الإصلاح في المجتمع، وذلك من خلال البرامج الهدامة، ومن خلال توزيع الأشرطة الفاضحة، فالصراع واضح بين الحق والباطل وبين الإصلاح والفساد.
أيها الآباء والأمهات، إنه من الواجب عليكم التحكم في استعمال التلفاز وجهاز الفيديو، بحيث تلغى القنوات الهدامة الفاضحة من جهاز التلفاز، وأن يقتصر على قنوات محددة تعود بالفائدة على المجتمع بشكل عام، كما يتوجب على الآباء والأمهات مراقبة الأشرطة التي في حوزة الأبناء والبنات، والتي تستعمل في جهاز الفيديو، وكذلك مراقبة الهواتف النقالة، وكذلك يتوجب العناية بتربية الأبناء والبنات منذ الصغر.
يقول سبحانه وتعالى في سورة التحريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، ويقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، ويقول عليه السلام في حديث آخر: ((إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه: حفظه أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته))، ويقول في حديث شريف ثالث: ((أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)).
أيها المسلمون، هناك ظاهرة خطيرة برزت وطفت على السطح في هذه الأيام؛ وهي أن بعض أصحاب المحلات التي تبيع الأجهزة النقالة يخزنون صورا عارية وفاضحة في هذه الأجهزة؛ لتسويقها للمراهقين والمراهقات، وأن بعض العملاء يحاولون إسقاط الشباب والشابات من خلال هذه الأجهزة، بأن يصوروا لقطات لفتيات غرر بهن، وأن ينشروا هذه الصور من خلال أجهزة الهواتف النقالة بين الناس، بهدف نشر الفضيحة والرذيلة والتجسس.
أيها المسلمون، إن هؤلاء المجرمين الذين يحاولون فضح الأعراض لا يدرون أن الله سيفضح أعراضهم؛ لقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: ((لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله)). ويقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في هذا المجال:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتَجنبوا مـا لا يليـق بمسلم
إن الزنا دين فإن اقترضتـه كان الوفا من آل بيتك فاعلم
أيها المسلمون، إن الزنا من أفظع الجرائم خطرًا وأشدها ضررًا على الأعراض والأنساب والأخلاق، وعلى الأسرة والمجتمع، لذا وصف الله رب العالمين الزنا بأنه فاحشة وبئس الطريق، بقوله في سورة الإسراء: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيل) [الإسراء: 32]. وما تفشى الزنا في أمة من الأمم إلا ضاع مجدها وذهب سلطانها، وتفشت فيها الإمراض والأوبئة، وما كان ديننا الإسلامي العظيم ليحرم على الناس أمرًا من الأمور إلا لما يترتب عليه من المضار والمفاسد، فقد نهانا الله عن الزنا وما يقود إلى الزنا لأنه إثم كبير وضرره خطير، وينشر الفوضى في الأسرة وفي المجتمع، ويساعد على جريمة القتل وفساد الأخلاق.
أيها المسلمون، إن الزنا جناية على الأعراض، وهو أشد خطرًا من سرقة الأموال، فقد يفرط المؤمن في ماله ولكنه لن يفرط في عرضه، بل قد يبذل كل ماله في سبيل المحافظة على العرض والشرف، وقد يهون على المؤمن الموت في سبيل صون عرضه من الاعتداء عليه، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد.
أما الذي يرتكب جريمة الزنا فقد توعده الله سبحانه وتعالى بأشد العذاب في الدنيا والآخرة، وحسبه أنه يفقد إيمانه حين ارتكابه جريمة الزنا، فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)). فإذا فعل ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، فما بال الزناة لا يقدرون خطورة أمرهم؟! وما بالهم يعيشون في الدنيا كالأنعام دون إدراك أو تمييز؟! وصدق الله العظيم: (أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]، وجاء في الحديث الشريف: ((إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)).
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، نحتسب عند الله عالمًا فاضلاً وفقيهًا متمكنًا وإنسانًا متواضعًا، إنه المرحوم ـ بأذن الله ـ صاحب الفضيلة الشيخ عطية صقر. والشيخ عطية صقر من علماء مصر، ويعد فقيد العالم الإسلامي؛ فهو يمثل الرعيل الأول من العلماء العاملين، رحمه الله رحمة واسعة.
أيها المسلمون، أيها الإخوة المتنازعون، إن الاقتتال بين الإخوة قد أدمى قلوبنا جميعا، وبخاصة أيام عيد الأضحى المبارك، وأيام الشهر الحرام الذي حرم الله فيه القتال، ونقول للمتصارعين: إن فلسطين قضيةً وأرضا وشعبا يمثلون رموز مضيئة في العالم، فلا تسقطوا الصورة الجميلة العظيمة في أعين القريب والبعيد ولدى العدو والصديق في العالم، فقد قدم شعبنا المرابط المجاهد مئات الآلاف من الشهداء منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917م، وحتى يومنا هذا؛ وذلك من أجل حماية الأرض والمقدسات، ومن أجل إحباط المؤامرات، وعليه فإن فلسطين ليست معروضة للبيع ولا للمساومات.
أيها المسلمون، أيها الإخوة المختلفون، تذكروا دائما أننا جميعًا تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، ولا تميز لما يسمى مناطق (أ) أو (ب) أو (ج)، وأن الاحتلال لم يعد ملتزما بما يسمى اتفاقية أوسلو، وعليه يتوجب على أهل فلسطين جميعًا بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم وأحزابهم أن يقفوا في خندق واحد في مواجهة الاحتلال لإنهائه، فلا مجال ولا مبرر للاختلاف بل للحوار البناء.
أيها المسلمون، أيها الإخوة المتنافرون، ألا ترون أن الأعداء والعملاء يتكاثرون من حولنا ويريدون الهلاك لنا؟! فلا نعمل على إضعاف أنفسنا بأنفسنا خدمة لهم، والكل يشعر أن الصراعات والاختلافات تصب في مصلحة الأعداء، ولا تخدم إلا الأعداء. يكفينا ما يفعله بنا الاحتلال من ماسي يومية، ألا يكفينا من وضع ما يزيد عن أربعمائة حاجز عسكري تمزق البلاد وتشتت العباد؟! ألا يكفي أهلنا في فلسطين الاجتياحات اليومية مع ما يرافقها من قتل واعتقال وتجريف للأراضي وتدمير للبيوت وقلع للأشجار؟!
أيها المسلمون، لنتساءل: على أي شيء نختلف؟ هل نختلف على المستعمرات والمستوطنات السرطانية التي نهبت البلاد وشتت العباد؟! هل نختلف على الطرق الالتفافية التي حاصرت المدن والقرى والمخيمات وضيعت الأراضي والبيوتات؟! هل نختلف على الجدار العنصري اللعين الذي عزلنا عن بعضنا وجعلنا كانتونات؟! وهل نختلف على الكرامة المهدورة التي تتعرض يوميا للإهانات؟!

أيها المسلمون، أيها الإخوة، تذكروا دائما أن لغة السلاح لن تكون لغة تفاهم وتحاور، ولن نصل إلى نتيجة، فاتفقوا على الحد الأدنى من القواسم المشتركة بينكم، ألا يكفي أن عقيدة الإسلام تجمعنا وأننا نتوجه إلى قبلة واحدة في صلاتنا؟! ألا يكفي أن فلسطين المقدسة تظللنا وأن الأقصى المبارك تاج رؤوسنا وأن الله العلي القدير يوم القيامة يفصل بيننا؟! فارحمونا أيها الإخوة، وارحموا أنفسكم، وانتصروا لله العلي القدير لينتصر لنا وليأخذ بأيدينا، وصدق الله العظيم: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].