المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 23/2/2007م وفق 5 صفر 1428 هجري


admin
05-23-2009, 07:20 PM
<EMBED src=2007-02-23.wav width=612 height=44 type=audio/wav>


تاريخ الخطبة: 5 صفر 1428 الموافق ل 23/2/2007م
عنوان الخطبة: الثبات والمصابرة
الموضوع الرئيسي: الإيمان, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم, حقيقة الإيمان
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة:
1- ذكر بعض ما تعرض له آل ياسر من البلاء في صدر الإسلام. 2- لا مساومة على العقيدة. 3- تفاوت الناس في الإيمان. 4- سنة الابتلاء. 5- الإنكار على استمرار عمليات الحفر في منطقة باب المغاربة. 6- توضيح هام حول ما يحدث في منطقة باب المغاربة من حفريات.

الخطبة الأولى
يقول الله عز وجل في محكم كتابه: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل: 106].
أيها المسلمون، هذه الآية الكريمة من سورة النحل وهي مكية، ولها مناسبة نزول ذكرتها كتب السيرة والتفسير، ومفادها أن مشركي مكة كانوا يعذبون كل من يسلم في بدء الدعوة الإسلامية، وممن تعرضوا للعذاب آل ياسر رضوان الله عليهم، الذين ثبتوا على الإيمان وضحوا من أجل هذا الدين، وكان عدد المسلمين حينئذ قليلا، حتى إن رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم كان يمر على آل ياسر وهم يعذبون، ولم يستطيع رفع التعذيب عنهم، وإنما كان يدعوهم إلى الصبر والثبات قائلا لهم: ((صبرا آل ياسر، إن موعدكم الجنة)).
ومن صور التعذيب أن ربطت سمية زوجة ياسر أم عمار بين بعيرين، وكانت تتلقى ضربات الحقد والتجبر والغطرسة لإجبارها على ترك دينها، وهي ترفض ذلك بثبات وإيمان، إلى أن ضربها أبو جهل بحربته ضربة قاتلة في منحرها، ففاضت روحها الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية، تشكو ظلم الظالمين وتجبر المتغطرسين. فكانت سمية رضي الله عنها أول شهيدة في الإسلام، ثم استشهد زوجها ياسر رضي الله عنه ولحقها في عليين.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لقد رأى ابنهما عمار رضي الله عنه ما حل بأمه وأبيه وهو في العذاب، فاضطر أن يعطي المشركين بلسانه ما أكرهوه عليه، لقد نطق بكلمة الكفر نجاة لروحه من هلاك محقق وقلبه ثابت على الإيمان مطمئن وعامر به، فأخذ بعض الصحابة يقولون بأن عمارا قد ارتد عن الإسلام، فأجابهم الرسول عليه السلام: ((كلا، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه))، أي: إن الإيمان اختلط بجميع جسمه من مقدمة رأسه إلى أخمص قدميه، ثم أتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه وقال: ((ما لك؟ إن عادوا فعد لهم بما قلت))، أي: إن عذبوك وأكرهوك مرة أخرى فعد لهم بما قلت، ولا خيار في ذلك، فهذه رخصة شرعية لمن يشرف على الهلاك، فنزل قوله سبحانه وتعالى بحقه: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ).
أيها المسلمون، منذ فجر الدعوة الإسلامية وحتى يومنا هذا وحتى قيام الساعة والمسلمون واجهوا ويواجهون وسيواجهون حربا شرسة من أعداء الإسلام؛ لأن الحرب بين الإسلام وغيرهم قائمة إلى يوم الدين، وما تشاهدونه في هذه الأيام لأقرب دليل على ذلك، فالعقيدة لا يجوز أن تكون موضع مساومة، وليست صفقة تجارية دنيوية، فالعقيدة أغلى وأعلى من هذا وأعز وأسمى، فمتى آمن القلب بالله العلي القدير فلا يتأثر المسلم بأي مؤثر من مغريات هذه الأرض الدنيا الفانية.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لكن هذا لا يعني أن المسلمين على درجة واحدة في الإيمان، فعلى مدار خمسة عشر قرنا لا بد أن يتأثر عدد من المسلمين بمفاتن الدنيا وبإغراءات الحياة الزائلة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج: 11].
أيها المسلمون، هذه الآية الكريمة من سورة الحج وهي مدنية، سبب نزولها وملخصها: كان الرجل يأتي المدينة المنورة فيسلم، فإن ولدت زوجته غلاما وأنتجت خيله مهرا قال عن الإسلام: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته غلاما ولم تنتج خيله مهرا قال: هذا دين سوء. وهناك سبب آخر في نزلها ومفاده: أن رجلا يهوديا قد أسلم، فصادف أن فقد بصره وخسر ماله وتوفي له ولد، فتشاءم من الإسلام.
أيها المسلمون، توضح هذه الآية الكريمة بأن العقيدة الإسلامية لا توزن بميزان الربح والخسارة الدنيوية، وليست صفقة تجارية ولا مصالح نفعية، وأن الشخص الذي ينظر إلى العقيدة بهذا المنظار يكون مهزوز الإيمان، وتقوم عبادته على الشك وعدم الثبات، وبالتالي فإنه يخسر الدنيا والآخرة؛ إنه يخسر الدنيا بالبلاء الذي أصابه من خسارة المال أو الولد أو الصحة أو أي عرض من أعراض الدنيا الفانية، فلم يصبر على البلاء ولم يرجع إلى الله العلي القدير، فيبقى مضطربا مزعزعا قلقا، كما أنه يخسر الآخرة بانقلابه على وجهه وانكفائه عن عقيدته وانتكاسه عن الهدى الذي كان ميسرا له.
أيها المسلمون، إن كل إنسان معرض للابتلاء والاختبار في الأموال والأنفس، كما أن المسلمين معرضون للأذى والاعتداء من قبل أعداء الإسلام والمستعمرين والمحتلين والمغتصبين، فلا بد أن نحصن أنفسنا بتقوى الله رب العالمين، وأن نلجأ إليه، أن نثبت على مواقفنا الإيمانية، وأن نصبر ونصابر ونرابط، والله سبحانه وتعالى يقول في سورة آل عمران: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [آل عمران: 186]، ويقول عز وجل في آخر سورة آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200]. حينئذ ـ أيها المسلمون ـ يأخذ الله بأيدينا إلى الوحدة والعزة والنصر والتحرير وإقامة شرع الله في الأرض، وليس ذلك على الله بعزيز.
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد: 11]، ويقول تعالى في سورة الأنفال: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 53].

الخطبة الثانية
أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، لا تزال الحفريات الإسرائيلية في منطقة باب المغاربة قائمة غير قاعدة طيلة سبعة عشر يوما السالفة، وهذا يدل على أن الاحتلال الإسرائيلي ممعن في تعديه على الممتلكات الوقفية والآثار الإسلامية، وأن ما أعلن عن اكتشاف أحد المساجد أثناء الحفريات فإنه يعود للعهد الأيوبي، كيف لا؟! فإن المغاربة الذين رابطوا في مدينة القدس هم من الجند الذين استعان بهم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله حين حرر بيت المقدس.
أيها المسلمون، إن التلة الترابية المراد إزالتها من قبل السلطات المحتلة تحوي كنوزا أثرية إسلامية تعود إلى العهد الأموي، وحتى العهد التركي العثماني، كيف لا وهي أوقاف إسلامية؟!
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إزاء هذا نوضح ما يلي:
1- يجب أن تتوقف الحفريات، والتي تمثل عدوانا على المسجد الأقصى وعلى الأوقاف الإسلامية.
2- يجب إعادة وضع التلة الترابية إلى وضعها السابق.
3- يجب أن تتولى دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس صيانة وترميم هذه التلة؛ باعتبار أن دائرة الأوقاف هي صاحبة الصلاحية والاختصاص.
4- أما بالنسبة للجان الفنية التي قيل: إنها ستأتي للاطّلاع على ما يجري في منطقة باب المغاربة، فإنَّ الهيئة الإسلاميّة العليا بالقدس تؤكّد أنه ينبغي على أيّ لجنة فنية ستأتي إلى القدس أن تتّصل مباشرة بدائرة الأوقاف الإسلامية، وأن تنسّق مع المسؤولين فيها، فهم أهل الاختصاص والصلاحية، وأن يطّلع مسؤولو الأوقاف على النتائج التي توصلت إليها اللجنة الفنية قبل نشرها والإعلان عنها. ولن نسمح أن تكون اللجان الفنية هي ملهاة أو بمثابة امتصاص لغضب الشارع الفلسطيني وغضب الشارع العربي والإسلامي.

فموقفنا واضح؛ بأنه لا تنازل عن أي شبر من الأراضي الوقفية؛ لأن أي تنازل عن أي شبر منها هو تنازل عن المسجد الأقصى لا سمح الله، وسيبقى الأقصى شامخا بأهله وزواره وعباده، وسيبقى المسلمون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس مرابطين إلى يوم القيامة، برعاية الله وعنايته وحمايته، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد: 17]، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].