المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 18/5/2007م وفق 1 جماد الأول 1428 هجري


admin
05-24-2009, 05:48 PM
خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 18/5/2007م وفق 1 جماد الأول 1428 هجري

<EMBED style="WIDTH: 496px; HEIGHT: 44px" height=44 type=audio/wav width=496 src=2007-05-18.wav>


بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة ألقيت في المسجد الأقصى المبارك في 1/جمادى الأولى 1428هـ وفق 18/5/2007م
" نكبة الاقتتال الداخلي "

الخطبة الأولى :



الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، نحمده تعالى ونستغفره ونستعينه على إطفاء الفتن من بين المسلمين ما ظهر منها وما بطن ، ونبرأ إليه من كل منكر و دم أريق فوق هذه الأرض الطاهرة في هذه الفتنة العمياء باقتتال الأخوة من أبناء شعبنا الصابر على البلاء واللأواء ، والمرابط في ارض القدس والمقدسات الذائد عن كرامة الأمة بأسرها برباطه وسدانته لمسجدها الأقصى المبارك الذي خذله المتخاذلون وتفرق عنه المسلمون ، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له أمر المسلمين أن يصلحوا بين المتقاتلين منهم ، فقال تعالى : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{9} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{10}) (الحجرات) ، واشهد أن سيدنا وأسوتنا وشفيعنا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، دعى الى الله على بصيرة وكان على اطيب سيرة وأنقى سريرة ، فأخرجنا من الظلمات الى النور ومن الضلالة الى الهداية فسبحان من قال بحقه : ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) المائدة 15 - 16 .
وقد أصاب من وصفه بقوله :
نبي أتانــــــــــا بعد يأس وفترة
من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجاً مستنيراً وهاديــــــاً
يلوح كما لاح الصقيل المهــــــند
فصلاة الله وسلامه على الهادي البشير والسراج المنير وعلى آله الطاهرين المكرمين وعلى أصحابه الغر الميامين المحجلين أقمار الدجى ومصابيح الهدى وعلى من استن بسنتهم واقتفى أثرهم وسار على نهجهم الى يوم الدين .
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت:46)
ايها المسلمون : أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس :
عن أي نكبة نتحدث ؟ في الذكرى التاسعة والخمسين لنكبة فلسطين ! عن نكبة الأرض أم عن نكبة الاقتتال الداخلي بين الأخوة؟ هل نتذكر الأرض وما أصابها من اغتصاب واحتلال وتشريد أهلها لاجئين في مخيمات اللجوء ينتظرون العودة الى ديارهم ومدنهم وقراهم وما زالوا يحملون همّ الوطن والحنين اليه ويحتفظون بمفاتيح بيوتهم وشهادات تسجيل أملاكهم يحدوهم الأمل بيوم يُنصفون فيه ويصحو ضمير العالم الذي أعان على نكبتنا ونكبتهم بتطبيق حق العودة لأبناء فلسطين الى ديارهم .
هذا الحق الشرعي الذي لا يسقط بالتقادم وهو من حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف . وهو الحق الذي تمسك به الأجداد والآباء الذين عاصروا النكبة وكانوا ضحيتها . ويتمسك به الأبناء والأحفاد الذين حملوا أمانة الدفاع عن الأرض بالسلاح والحجارة من خلال الثورة والانتفاضة وهم يرفعون راية الوطن رمزا للحرية وقد قدموا التضحيات الجسام من مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى وما زال المسير طويلاً لبلوغ الغاية وحصول المراد .
ولكنها فلسطين أرض القداسة والمقدسات والتي درج على ترابها الأنبياء والصحابة والقادة العظماء الذين سجل التاريخ جهادهم بأحرف من نور " ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر" .
أيها المسلمون : يا أبناء ديار الإسراء والمعراج :
إن نكبة الاقتتال الداخلي بين الأخوة هي أم النكبات ، لأنه لا يوجد رابح من هذا الاقتتال بين أبناء شعبنا ، ولا يوجد منتصر ، فالجميع خاسرون وأكبر الخاسرين هذه الأرض المنكوبة بالاحتلال ، والاستيطان وجدران العزل العنصري ، وهذه المقدسات التي يحتاج الحفاظ عليها لكل جهد من أبناء شعبنا ، لا بل لكل جهود المخلصين من أبناء أمتنا الذين ينتسبون الى هذا الدين العظيم ويرتبطون بهذه الأرض ومقدساتها ارتباطا عقدياً وتعبدياً بشدّ الرحال إلى مسجدها وبمعجزة الإسراء بنبينا عليه الصلاة والسلام الى قدسها والعروج به من رحاب الاقصى الى السموات العلى بعد أن صلى بالأنبياء إماما إيذانا ببيعته بحمل لواء التوحيد والقيمومة على ارث النبوات وختم الرسالات.
فهل بعد هذا البيان لمعتذر عذرا ؟أم يريد المتقاتلون من أبناء الفصائل وبالتحديد أبناء فتح وحماس أن يجعلوا من الفصيل فرقة مذهبية تستبيح دماء من يخالفها كما فعل الخوارج الذين استباحوا دماء أهل السنة وتحرجوا من نجاسة دم الذباب أو البرغوث .
ألا فاتقوا الله في دماؤكم ودماء أبناء شعبكم من النساء والأطفال والشيوخ ، واسمعوا قول الله تعالى يخبركم ويحذركم من مغبة قتل المؤمن فاعقلوه ان كنتم من أولي الألباب، فالله تعالى يقول : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فقلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) رواه البخاري عن ابي بكره .
فاتقوا الله وثوبوا الى رشدكم وأخلصوا نواياكم ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (النحل:91-92)
وقد خاطب نبينا صلى الله عليه وسلم المسلمين في حجة الوداع قائلاً : " ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة ؟ قالوا : ألا شهرنا هذا . قال : ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة ؟ قالوا : ألا بلدنا هذا ، قال : ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة ، قالوا: ألا يومنا هذا ، قال : فان الله تبارك وتعالى قد حرّم عليكم دماؤكم وأموالكم وأعراضكم الا بحقها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت ثلاثاً كل ذلك يجيبونه ألا نعم قال : "ويحكم أو ويلكم لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " رواه البخاري .
وعن ابي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ولا يدري المقتول في أي شي قُتل " رواه مسلم .
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
فتوجهوا ايها المؤمنون بقلوب منكسره الى الله تعالى وادع الله وانتم موقنون بالاجابة.

الخطبة الثانية :



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وأشهد أن لا اله الا الله احب لعباده ان يعملوا لدينهم ودنياهم حتى يفوزا بنعم الله وينالوا رضوانه واشهد ان سيدنا محمداً عبده ورسوله e وعلى آله واصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.
وبعد أيها المسلمون :
ان تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم مستمر مع الزمان والمكان كحرمة يوم النحر وشهره وكحرمة البلد الحرام الذي جعله الله حرما يتخطف الناس من حوله ، بل أن دم المسلم اعظم حرمة من البيت العتيق الذي جعله الله حرماً آمناً . وان هذا التشبيه لحرمة دم المسلم وماله وعرضه بالمحددات المحسوسه باليوم والشهر والبلد ليرسخ في ذهن كل مسلم مدى الحرمة التي يتمتع بها المسلم في صون دمه وعرضه وماله .
هذه المحرمات التي قرر الله سبحانه وتعالى عقوبات القصاص والحدود لحمايتها من الاعتداء عليها، فكان القصاص لمن اعتدى على اخيه المسلم بالقتل بغير حق فقال تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:179) كما أن مال المسلم وعرضه مصونان بحد القطع لمن سولت له نفسه بسرقة مال أخيه المسلم وبحد القذف لمن سولت له نفسه الاعتداء على عرض أخيه المسلم.
ولما غاب تطبيق هذه الأحكام عن ساحة المسلمين انتشرت الجريمة وعمت الفوضى وفقد الأمن على النفس والمال والعرض وتعدى ذلك إلى المس بالدين والنسل، هذه الضروريات التي لا تقوم الحياة بدونها .
ولو نظرنا إلى مجتمعنا الفلسطيني لوجدنا مع شديد الأسف انتهاكاً وتعدياً على هذه الحرمات ، فجرائم القتل انتشرت في مجتمعنا وأصبحت سلوكاً شائناً خرج به مقترفوها عن كل القيم الدينية والأخلاقية وهي في كثير من أحوالها ترتبط بنهب مال ضحاياها كما حصل في الأيام القريبة الماضية في مدينة القدس . هذه المدينة التي سلبها الاحتلال أمنها وأخلاقها واثر في كثير من قيمها ونسيجها الاجتماعي .
وأما الأعراض فقد انتُهكت ونُهشت بأبشع الجرائم التي يندى لها جبين الأحرار ، ولعل ما حصل للطفلتين اللتين باعهما أبوهما يمثل سلوكاً هابطاً لدى البائع والمشتري وصل إلى حد الدياثة والدنائة في انتهاك الأعراض . فهلا تنبه المسؤولون لهذه النكبة في القيم والاخلاق؟ وطالب العقلاء والغيورون بايقاع العقوبات الرادعة بالمجرمين وهي القصاص في القتل وقطع اليد في السرقة والجلد او القتل في الزنا وحد القذف لمن تعرض لعرض المسلمين .
أيها المسلمون : يا أبناء ديار الإسراء والمعراج :
إن مجتمعا تسوده الفوضى والاقتتال وانتهاك القيم والأخلاق لا يمكنه أن يواجه مخططات الاحتلال الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهويد القدس التي تنفق آلاف الملايين من الدولارات لطمس هويتها وتغيير معالمها الإسلامية والحضارية ، وإقامة المزيد من المستعمرات لتطويقها بالإضافة إلى عزلها بجدار الفصل العنصري عن محيطها الفلسطيني .
كما يتعرض مسجدها الأقصى للاعتداء عليه بالحفريات من خلال الأنفاق او الهدم كما يجري في طريق بوابة المغاربة بل لقد وصل الامر الى درجة من الخطورة بدعوة الحاخامات اليهود لإتباعهم بالدخول زرافات ووحدانا الى باحاته تحت حراسة شرطة الاحتلال وتحت سمع وبصر أبناء عدنان وقحطان لا بل تحت سمع وبصر الأمة الإسلامية والعالم أجمع .
فهل ادرك شعبنا وفصائلنا وأمتنا مدى الأخطار التي تحدق بالقدس والمقدسات وبفلسطين وشعبها وأرضها فنهضوا بواجبهم ابراء للذمة امام الله تعالى الذي سيسأل كل راع عما استرعاه احفظ ام ضيع .