المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيع رابح


موسى أحمد الزغاري
05-26-2009, 08:49 PM
بسم الله الرحن الرحيم
بيعٌ رابح



قال تعالى :
{{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ay009111.htm)}} (111)التوبة .
هيا بنا إخواني نتدبر هذه الآية الكريمة :



{إن الله اشترى}من المشتري ؟ الله سبحانه وتعالى .
من البائع ؟ العبد المؤمن .
أي صفقة هذه ؟ ومع من تتعامل ؟
إذن التفاصيل مثيرة تستدعي الاهتمام وإصاخة السمع ، وفتح العقول والصدور .
ثم قال الله تعالى :

{أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ }

ثم إن الله عز وجل قدم النفس على المال ، لأن التضحية بالنفس أصعب من التضحية بالمال ، فكان هذا التقديم والتأخير موافقاً للترتيب المعنوي حسب الأصعب فالأسهل . ولو اختلف لما كان صحيحاً ، لأن النفس أعز من المال ، وأدْعَى للمحافظة عليها .وجعل لذلك خير جزاء وهو الجنة .

ولكن البلاغة في الآية جاءت باستعارة البيع والشراء لهذه التضحية ، وهذا الجزاء ، فالله العزيز لم يقل من يُضَحِّ بدمه وماله أعطه الجنة ، أو أدخله الجنة ، وإنما استعار البيع والشراء لهما . أي للتضحية وفي المقابل الجزاء .
وقوله { بأن لهم الجنة } متعلق بـ { اشترى }، ودخلت الباء هنا على المتروك على بابها ، وسماها أبو البقاء ( باء المقابلة ) ، كقولهم ( باء العوض ) ، وكقولهم ( باء الثمانية ) .
وقال الحسن ومجاهد ومقاتل : ثامنهم فأغلى ثمنهم .
وفيه لطيفةٌ ، وهي أن المشتري لا بدَّ وأن يغاير البائع، وهنا البائعُ هو اللهُ تعالى، والمشتري هو الله، وهذا إنما يصحُّ في حقِّ القيم بأمر الطفل الذي لا يمكُنُه رعاية المصالح في البيع والشراء وصحَّة هذا البيع مشروطة برعاية الغبطة؛ فهذا جارٍ مجرى التَّنبيه على كون العبد كالطِّفلِ الذي لا يهتدي إلى رعاية مصالح نفسه؛ وأنَّهُ تعالى هو الرَّاعي لمصالحه بشرط الغبطةِ.

ثم قوله تعالى { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }عبر عن القتال بصيغة المضارع ، وبصيغة الإخبار ، ولم تأتِ بصيغة الأمر . لماذا ؟
عبر سبحانه بصيغة الإخبار وفيها معنى الأمر ،كما في قوله تعالى :
{ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } (11) الصف .

وبصيغة المضارع ، لدلالة على أن استمرار الجهاد في سبيله سبحانه ، وفي هذه الصيغة دلالة إشارة على أن الجهاد مستمر إلى يوم القيامة ، ويعضده ما جاء في الحديث الشريف (( الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل أو جور جائر )) .

وقوله تعالى: { فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } بـيانٌ لكون القتالِ في سبـيل الله بذلاً للنفس وأن المقاتِلَ في سبـيله باذلٌ لها وإن كانت سالمةً غانمة، فإن الإسنادَ في الفعلين ليس بطريق اشتراطِ الجمعِ بـينهما ولا اشتراطِ الاتصافِ بأحدهما البتةَ بل بطريق وصفِ الكلِّ بحال البعضِ فإنه يتحقق القتالُ من الكل سواءٌ وجد الفعلان أو أحدَهما منهم أو من بعضهم بل يتحقق ذلك وإن لم يصدُرْ منهم أحدُهما أيضاً كما إذا وُجدت المضاربةُ ولم يوجد القتلُ من أحد الجانبـين أو لم توجد المضاربةُ أيضاً فإنه يتحقق الجهادُ بمجرد العزيمة والنفير وتكثيرِ السواد، وتقديمُ حالةِ القاتلية على حالة المقتوليةِ للإيذان بعدم الفرقِ بـينهما في كونهما مصداقاً لكون القتالِ بذلاً للنفس وقرئ بتقديم المبنيِّ للمفعول رعايةً لكون الشهادة عريقةً في الباب وإيذاناً بعدم مبالاتِهم بالموت في سبـيل الله تعالى بل بكونه أحبَّ إليهم من السلامة .

ثم قال تعالى: { وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ } قال الزجاج: نصب { وَعْداً } على المعنى، لأن معنى قوله: { بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } أنه وعدهم الجنة، فكان وعداً مصدراً مؤكداً. واختلفوا في أن هذا الذي حصل في الكتب الثلاثة ، ما هو؟

فالقول الأول: أن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيل الله وعد ثابت، فقد أثبته الله في التوراة والإنجيل كما أثبته في القرآن.

والقول الثاني: المراد أن الله تعالى بين في التوراة والإنجيل أنه اشترى من أمة محمد عليه الصلاة والسلام أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، كما بين في القرآن.

والقول الثالث: أن الأمر بالقتال والجهاد هو موجود في جميع الشرائع.

و يبدو أن المعنى الراجح في تفسير قوله تعالى :

{ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ } .

ما جاء عند :ابن كثير حيث قال :
قَوْله " وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن " تَأْكِيد لِهَذَا الْوَعْد وَإِخْبَار بِأَنَّهُ قَدْ كَتَبَهُ عَلَى نَفْسه الْكَرِيمَة وَأَنْزَلَهُ عَلَى رُسُله فِي كُتُبه الْكِبَار وَهِيَ التَّوْرَاة الْمُنَزَّلَة عَلَى مُوسَى وَالْإِنْجِيل الْمُنَزَّل عَلَى عِيسَى وَالْقُرْآن الْمُنَزَّل عَلَى مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .

وما جاء عند القرطبي :
{وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ }

إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى أَنَّ هَذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْكُتُب , وَأَنَّ الْجِهَاد وَمُقَاوَمَة الْأَعْدَاء أَصْله مِنْ عَهْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام . و " وَعْدًا " و " حَقًّا " مَصْدَرَانِ مُؤَكدَانِ .
وهما يحتملان القول الأول والثالث ولا يحتملان القول الثاني .


ثم قال تعالى: { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } والمعنى: أن نقض العهد كذب. وأيضاً أنه مكر وخديعة، وكل ذلك من القبائح، وهي قبيحة من الإنسان مع احتياجه إليها، فالغني عن كل الحاجات أولى أن يكون منزهاً عنها. وقوله: { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ } استفهام بمعنى الإنكار، أي لا أحد أوفى بما وعد من الله.
والجملة تذييل مقرر لمضمون الأمر السابق.
" و التذييل هو أن تأتي في الكلام جملة تحقق ما قبلها ". وهنا قال الله في مطلع الآية { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } ، ثم تحقق الكلام بقوله { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ }ثم قال: { فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }{ فَٱسْتَبْشِرُواْ } التفات إلى خطابهم لزيادة التشريف والاستبشار إظهاراً لسرورهم .
" والالتفات أسلوب بديعي ،وهو أن تتغير صيغة الخطاب بين فقرات الجملة الواحدة من مخاطب إلى غائب إلى متكلم ".
وليست السين فيه للطلب، والفاء لترتيبه أو ترتيب الأمر به على ما قبله أي فإذا كان كذلك فاظهروا السرور بما فزتم به من الجنة، وإنما قال سبحانه: { بِبَيْعِكُمُ } مع أن الابتهاج به باعتبار أدائه إلى الجنة لأن المراد ترغيبهم في الجهاد الذي عبر عنه بالبيع، ولم يذكر العقد بعنوان الشراء لأن ذلك من قبله سبحانه لا من قبلهم والترغيب على ما قيل إنما يتم فيها هو من قبلهم، وقوله تعالى: { ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ } لزيادة تقرير بيعهم وللإشعار بتميزه على غيره فإنه بيع الفاني بالباقي ولأن كلا البدلين له سبحانه وتعالى، ومن هنا كان الحسن إذا قرأ الآية يقول: أنفس هو خلفها وأموال هو رزقها { وَذَلِكَ } أي البيع الذي أمرتم به { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذي لا فوز أعظم منه، وما في ذلك من البعد إشارة إلى بعد منزلة المشار إليه وسمو رتبته في الكمال.والإشارة إلى الجنة التي جعلت ثمناً بمقابلة ما بذلوا من أنفسهم وأموالهم، وفي ذلك إعظام للثمن ومنه يعلم حال المثمن .

واعلم أن هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ }مشتملة على أنواع من التأكيدات:
فأولها: قوله: فيكون المشتري هو الله المقدس عن الكذب والخيانة، وذلك من أدل الدلائل على تأكيد هذا العهد.
والثاني: أنه عبر عن إيصال هذا الثواب بالبيع والشراء، وذلك حق مؤكد.
وثالثها: قوله: { وَعْداً } ووعد الله حق.
ورابعها: قوله: { عَلَيْهِ } وكلمة «على» للوجوب.
وخامسها: قوله: { حَقّاً } وهو التأكيد للتحقيق.
وسادسها: قوله: { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ } وذلك يجري مجرى إشهاد جميع الكتب الإلهية وجميع الأنبياء والرسل على هذه المبايعة.
وسابعها: قوله: { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } وهو غاية في التأكيد.
وثامنها: قوله: { فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ } وهو أيضاً مبالغة في التأكيد.
وتاسعها: قوله: { وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ }
وعاشرها: قوله: { ٱلْعَظِيمُ } فثبت اشتمال هذه الآية على هذه الوجوه العشرة في التأكيد والتقرير والتحقيق.

(( عن تفسير الرازي بتصرف يسير ))

والله أعلم .

نائل أبو محمد
05-26-2009, 10:58 PM
جزاك الله خيراً
ونفع بك .

admin
05-27-2009, 10:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على النبي الأمين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

لقد أثلج قلبي وسرني أخي العزيز، هذه الوقفة الجميلة مع كلام الله، الذي لا نزال وسنبقى حائرين متفكرين متأملين فيما ينبع له من المعاني، فكلام الله، ليس كباقي الكلام، فعند قراءتي لهذا الكلام الكريم المبارك، أشعر به يسير داخل جسدي، يبحث في أعماقي، يتكلم مع عقلي وقلبي وفؤادي، يتلمس أحاسيسي، يبحث عن الأسئلة التي تدور داخلي، ثم تأتي الإجابة، وأنا لم أقرأها ولم أتعلمها من قبل، أشعر كأن الله يلهمني الإجابة، لذلك ما عدت أقول أنني أقرأ القرآن، بقدر ما يقرأني هذا الكلام، ما عدت أقول أنني أفسر كلام الله، ولكن الله يبين لي من المعاني التي لا تنفذ ما يريد له عز وجل أن يبان في هذا الموقف، مع هذه التجربة، في هذا الوقت، في هذا المكان، وكلما قرأت كلام الله، وكلما تغير عليّ الزمان أو تغير علي المكان، أو إزدادت تجربة شيء، أو مرت علي مشكلة، أو كانت جوارحي تحتاج أن تملأ بإحدى حاجاتها، وجدت أن ما ينبع من المعاني لكلام الله قد إختلف، وهذا مصداق لقوله عز وجل (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة: 19)، لذلك لا يسعني إلا أن أقول ما قاله سبحانه وتعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 282).

مداخلة بسيطة وتذكرة يسيرة، نسأل الله أن ينفعنا بالذكرى:

- عندما ننظر لهذه الآية الكريمة العظيمة، نجد في الصورة التوضيحية التي رسمها لنا عز وجل أنه هو (الذي إشترى)، وفي العادة تحديد الثمن يكون من قبل البائع، فإذا تم الإتفاق تتم عملية البيع، ولكن في هذه الصورة، نجد أن الله وهو (المشتري) هو الذي يحدد الثمن وهي (الجنة) ولا تتم أي عملية بيع برضى البائع إلا إذا رضي عن الثمن، وعندما يحدد المشترى الثمن ويسكت البائع، فإن هذا يدل على أن الثمن الذي حدده المشتري هو أكبر من أي ثمن يخطر على بال البائع، وإلا لجاء الإعتراض، وهذا إذا دل على شيء فإنما يدل على أن ما في الجنة هو أكثر بكثير مما تتصور عقولنا، مع أننا نطلب الجنة في الدعاء ونطلب الفردوس الأعلى في الجنة، ولكن هذه الآية بالذات إنما تدل على أن أقل مرتبة في الجنة هي أعلى بكثير مما قد نتصور أو نطلب، فلو أننا نحن من حدد الثمن، أي نحن من سيطلب الهيئة والكيفية التي ستكون فيها الجنة لقصرنا بحق أنفسنا ولظلمناها، لذلك جاء العطاء منه عز وجل.

- ثم لو أننا قارنا ما نعلمه بما لا نعلمه، أي لو قارنا هذه الحياة الدنيا التي نحياها مع الجنة التي لا ندرك كنهها وما فيها حتى مع ما جاء من كثير الآيات والأحاديث الواصفة لها، إلا أنها لا زالت مبهمة عصية عن الإدارك، لو قارنا بقدر علمنا وقدرتنا على الفهم، الحياة الدنيا مع الجنة، ماذا سنجد:

* أولا وأهم ما نقارن به هو (مدة المكوث)، أي زمن الإقامة، فكم سنبقى في الحياة الدنيا؟ وكم سنبقى في الجنة؟ فما نعلمه من الواقع الذي نعيشه والذي يصدقه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أعمار أمتي بين الستين والسبعين)، وقليل ما يقل وقليل ما يزيد، ومن معرفتنا أن اليوم عند الله أي في الجنة أو النار هو كألف سنة مما نعد على الأرض في قوله عز وجل (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (الحج: 47)، فلو أننا قمنا بعملية حسابية بسيطة لمعرفة مقدار الساعة في الجنة على وجه الأرض بأن نقسم الألف على 24، لوجدنا أن الساعة في الجنة تساوي بالتقريب 42 سنة، مجازا سنقول أربعين سنة، وبهذا فإن مدة مكوثنا على وجة الأرض هو بالتقريب ما بين الساعة الواحدة والساعتين، أي بالإجمال أقل من ساعتين، أما مدة مكوثنا في الجنة، فما نعلمه من وعد الله في كتابه الكريم فهو (خالدين فيها أبداً) أي كما جاء في حديث الرسول (خلود ولا ممات)، فهي مستمرة لا تنتهي، وبهذا فإن كفتي الميزان في وقت المكوث هي ساعتين على وجه الأرض أو إلى أبد الآبدين في الجنة، فماذا ستختار يا إنسان، هل ستفضل الساعتين على هذا المقدار اللانهائي؟ فإن أنت فعلت كنت كمن باع جبلا من الذهب بدرهمين، فانظر أي عقل لك.

* الأمر الثاني الواجب علينا أن نقارنه، هو الرضى والسخط، ففي حياتنا الدنيا، نحن بين كفي الرحمن يقلبنا كيف يشاء، ولا نأمن مكر الله طالما أننا في هذه الحياة الدنيا، فقد يصبح الإنسان مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، لذلك فأننا في خطر عظيم أن نموت والله يسخط علينا، ولكن إذا ما قارنا هذا مع ما في وجودنا في الجنة، ماذا سنجد، سنجد في الجنة أن الله يرضى عنا فلا يسخط علينا أبداً، فإن نحن دخلنا الجنة (اللهم بلغنا الجنة وإجعلنا من أهلها)، فلن يسخط علينا عز وجل أبدا ولن يخرجنا منها، أي أننا أصبحنا آمنين مطمئنين لا خوف علينا ولا نحن نحزن، يقول عز وجل (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة: 8).

* ثم لننظر للنعم في الدنيا وللنعم في الجنة، فمع أن نعم الجنة مشابهة لنعم الدنيا من ناحية المظهر، ولكننا نعلم أننا في الدنيا عندما نتنعم بنعمها، فإن النعمة تنقلب نقمة إذا ما أفرطنا فيها ولو قليلا، لذلك قال عز وجل عن نعم الدنيا (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)، ومرئيا هنا بمعنى محمود العواقب، أي لعلك لا تصاب بالضرر بعد الأكل، أي مهما كانت قدرتك على شراء الطعام، فإنك لا تستطيع أن تأكل أكثر من طاقتك، ومهما كانت قدرتك على شراء الملابس فإنك لن تستطيع أن تلبس أكثر من قدرتك ومهما كانت قدرتك على بناء القصور، فإنك لن تنام إلا في غرفة واحدة، حتى في هذه الغرفة فإنك لن تنام إلا في زاوية صغيرة منها، أما في الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر، فإن النعيم فيها مقيم، ومهما تمتعت بالأكل والشرب وتنعمت به، فلا مجال لأن تُضر، لذلك فإن آيات الأكل في الجنة لم تلحقها كلمة (مريئا) بل أكتفى عز وجل بقوله (كلوا هنيئا)، يقول عز وجل (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الطور: 19) أو (المرسلات: 43)، ويقول (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) (الحاقة: 24).

* ثم انظر لجسدك في الدنيا وجسدك في الجنة، ففي الدنيا، كل جسد به مشكلة ما، قد يكون ضعيفا وقد يكون مريضا وقد يكون أعمى وقد يكون أصم وقد يكون أخرس وقد يكون ابكم وقد يكون مقعدا وقد يكون قبيحا وقد يكون أطول من المعتاد أو أقصر من المعتاد أو اسمن من المعتاد أو أي عيب آخر، وإذا ما كان الجسد سليماً فإن الوقت كفيل بأن تلحق به إحدى هذه العلل وتصيبه، ثم أنظر لأجسادنا في الجنة، الطول بطول جسد سيدنا آدم، والجمال بجمال سيدنا يوسف، والعمر بعمر سيدنا عيسى، أما مرور الوقت في الجنة فهو لا يقلل هذه الصفات بل يزيدها حُسنا، وهذا نعلمه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذكر لنا أن في الجنة سوقا يسمى سوق الجمعة، تهب فيه نسمة من الهواء تلفح وجوه من فيه، فيزدادوا حسنا.

* ثم لا ننسى أن أعظم النعم في الجنة لذة النظر لوجه الله الكريم، اللهم ارزقنا لذة النظر لوجهك الكريم، اللهم آمين.

بعد أن تتفكر بكل هذا يا حبيب الله، عليك أن تقرر هل تريد عقد هذه الصفقة بينك وبين الله، هل تريد أن تبيع الدنيا وتشترى الآخرة، أم أنك تفضل الدنيا.

ولكن لا تنسى شيئا مهما، لو أنك فضلت الدنيا على الآخرة، أسالك هذا السؤال، هل تستطيع أن تمنع عن نفسك الموت، والبعث والحساب والنار؟

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

موسى أحمد الزغاري
05-31-2009, 07:01 AM
رد جميل بل أجمل ما يُمكن
جزاك الله خيراً
وزادك علماً
وفضلاً