المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من ثمار الإيمان : البعوضة - السكينة - التعاون .


نائل أبو محمد
05-27-2009, 09:53 PM
الدرس :

لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي .

رقم الشريط : 05/910

تاريخ :

محاضرات وندوات تلفزيونية : ندوة إذاعية

ندوات إذاعية مع جمال الشيخ بكري : من ثمار الإيمان : البعوضة - السكينة - التعاون .

تفريغ : لؤي الراعي.

بسم الله الرحمن الرحيم

البعوضة

تنبيه : تعذر على نقل الرسم الإملائي للأيات ، سأعمل لاحقاً على ذلك أو من شاء مشكوراً فله ذلك .

رابط الرجوع للرسم الإملائي لآيات الإستشهاد
http://www.nabulsi.com/text/10nadwat/nadwaizaee/nadwaizai-4-910-05a.php


المذيع : أيها الأخوة والأخوات - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته -أهلاً بكم ومرحباً - ندعوكم لمتابعة هذا اللقاء الذي من خالاله نتمنى من الله عز وجل التوفيق والإخلاص .


يسعدنا مع بداية هذا اللقاء أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، والمدرس الديني في مساجد دمشق، فضيلة الشيخ : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، أتعرف على الله عز وجل من خلال آياته ونعمه ، آيات الله سبحانه وتعالى لا تعد ولا تحصى ، والله عز وجل يتجلى في كل شيء ، ولكما عرف الإسلام ربه كلما ازداد سعادة وازداد في كل شيء ، كيف نتحدث فضيلة الشيخ عن آلاء الله وآياته في الآفاق وفي النفس ؟


الأستاذ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، أستاذ جمال جزاكم الله خيراً .

معروفة الله أصل في الدين لأنك إن عرفت الله أو عرفت الآمر تفانيت في طاعته ، أما إن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر ، السؤال الآن : الذي يقتضيه هذا الموضوع كيف نعرف الله ؟


الله عز وجل كما أخبر عن ذاته لا تدركه الأبصار ، ولكن الكون كله ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله ، بل إن الكون كله مظهر لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، وفي القرآن الكريم ألف وثلاثمائة آية تتحدث عن الكون وعن خلق السماوات والأرض ، وعن خلق الإنسان والحيوان والنبات ، هذه الآيات التي في القرآن الكريم هي في الحقيقة رؤوس موضوعات للتفكر، وحينما نعرف الله عز وجل نتفانى في طاعته ، لكن مشكلة المسلمين اليوم أنهم أتقنوا معرفة الأمر ، ولم يطبقوا الأمر، لأن معرفتهم بالآمر ضعيفة جداً ، كأن هذه المرحلة المكية في حياة المسلمين أغفلت الآن ، هناك مرحلة مدنية فيها التسريع، وهناك مرحلة مكية فيها تعريف الإنسان بالله عز وجل .

مثلاً : لو أن الله سبحانه وتعالى يقول :





(سورة البقرة)

رابط المشاركة الأصل للنظر في جميع الأيات :

http://www.nabulsi.com/text/10nadwat/nadwaizaee/nadwaizai-4-910-05a.php

من منا لا يعرف البعوضة ؟ هل من مخلقو أهون على الإنسان من البعوضة ؟



عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ *

(سنن الترمذي)

هذه البعوضة على هوال شأنها عند الإنسان ، ضربها الله مثلاً لعظمته وقدرته وصنعته فقال :




العلماء يقولون : إن وجزن البعوضة يساوي ميلي غرام، واحد على ألف من الغرام ! وهذه التي تلدغ الإنسان أنثى ، من منا يستطيع أن يفرق بين الأنثى والذكر ؟ لكن علماء الحشرات يفرقون بالمجاهر العملاقة ، والدليل أن الله عز وجل يقول :




هي أنثى ! أستاذ جمال - البعوضة في وجهها مائة عين ، وفي فمها ثمانية وأربعون سناً ، ولها ثلاثى قلوب قلب مركزي وقلبين لكل جناح ، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان ، والشيء الذي لا يصدق في البعوضة أنها تملك مستقبلات ضوئية أي أنها ترى ما حولها لا بشكله الحقيقي أو حجمه ولكن بحرارته أي أنها تستخدم الأشعة تحت الحمراء ، وأن هذه المستقبلات الضوئية الحرارية يمكن أن تتحسس بواحد من الألف من الدرجة المئوية ، وكأن هذه المستقبلات الضوئية الحرارية رادار ، فإن كانت في غرفة مظلمة وفيها إنسان نائم تتجه إليه مباشرة بحسب حرارته ، اتجهت إليه ماكل دم يناسبها ، عندها جهاز لفحص الدم فإذا وقعت على جبين إنسان دمه يناسبها لابد من أن تخدره معها جهاز تخدير ، ولابد من أن تميع دمه لأن دمه لا يسري في خرطومها الدقيق ، معها جهاز رادار أو مستقبلات حرارية وضوئية وجهاز فحص للدم ماكل دم يناسبها وجهاز تخدير ، ثم إنها تملك جهاز تمييع حتى يسري الدم في خرطومها ، وما خرطومها ؟ خرطومها لا يصدق ! فيه ست سكاكين أربع سكاكين تحدث جرعاً عميقاً لابد من أن يصل إلى الدم وسكينان يشكلان مع بعضهما أنبوباً لمص الدم ، البعوضة تملك محاجم إذا وقفت على سطح أملس ، والمحجم يعتمد على الضغط وتفريغ الهواء وتملك مخالب إذا وقفت على سطح خشن ، والبعوضة يمكن أن تشم رائحة عرق الإنسان من ستن كيلو متر ، والبعوضة يرف جناحاها ستين رفة في الثانية .




هذه الآية هي آية كونة قرآنية ، هي رأس موضوع كي نتعرف إلى الله من خلالها .



مثل آخر : لو انتقلنا إلى السماوات الأرض تبعد عن الشمس مائة وست وخمسين كيلو متر ، يقطعها الضوء في ثماني دقائق ، والشمس تكبر الأرض بمليون وخمسمائة ألف مرة ، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمائة ألف أرض ، ولو ألقيت الأرض في جوف الشمس لتبخرت في ثانية واحدة ، لأن جوف الشمس تصل الحرارة فيه لعشرين درجة ، أما السطح ستة آلاف بين الأرض والشمس مائة وستة وخمسين مليون كيلو متر ، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة ، نجمد هذا الموضوع قليلاً .

ولننتقل لبرج في السماء اسمه العقرب ، فيه نجم صغير أحمر اللون ، هذا النجم الصغير يسميه علم الفلك قلب العقرب هذا النجم ببساطة يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .




(سورة يونس)




(سورة فصلت)

الأرض مرتبطة بالشمس ، بقوى التجاذب ، والأرض تسير في مسار إهللجي حول الشمس وبهذا المسار قطر أعظم وقطر أصغر ، فإن وصلت الأرض للقطر الأصغر اقتربت المسافة بينها وبين الشمس ، الشمس فيها قوة جذب ، يمكن أن تنجذب الأرض للشمس فتنتهي ، لابد في هذه المنطقة الحرجة من أن تزيد من سرعتها ، حتى ينش من هذه السرعة قوة نابذة تكافسئ القوة الجاذبة ، فتبقى في مسارها ، أما إذا بلغت القطر الأعظم تضعف الجاذبية فيمكن أن تتفلت من مسارها حول الشمس ، فتنخفض سرعتها، حتى ينشأ قوة نابذة قليلة تبقيها منجذبة للشمس ، من رفع سرعتها ؟ ومن خفض سرعتها في المكان والوقت المناسب؟



فقد قال العلماء : لو أن ازدياد سرعتها وتبطئ سرعتها كانا بتسارع وتباطؤ شديدين لانهدم كل ما على الأرض ، لكن التسارع بطيء والتباطؤ بطيء ، تماماً كما لو وضعت علباً في مركبة وأقلعت بها إقلاعاً عنيفاً ، فهذه العلب تقع ، أما غن أقلعت بها إقلاعاً متدرجاً فهذه العلب تبقى في مكانها .



لو تصورنا أن الأرض تفلتت من جاذبية الشمس مالذي يرجعه إليها ؟ قال العلماء افتراضاً : مليون مليون حبل فولاذي قطر كل حبل خمس أمتار ، وكل حبل يقاوم قوة شد تساوي مليوني طن ، معنى ذلك أن الأرض مرتبطة بالشمس بقوة تساوي مليوني طن ضرب مليون مليون ! هذه القوة الهائلة التي ترتبط بها الأرض بالشمس كي تبقى في مسارها حول الشمس تحرفها ثلاثة ميليمتر في الثانية الواحدة ، ولولا هذا البقاء لانتهت الحياة من على سطح الأرض ، الله عز وجل يقول :




(سورة الرعد)

قال علماء التفسير : أي بعمد لا ترونها ، فكأن الأرض مرتبطة بالشمس بمليون مليون حبل فولاذي قطر كل حبل خمس أمتار يتحمل من قوى الشد ما يساوي مليوني طن ، لو زرعنا هذه الحبال على السطح المواجه للشمس ، لكنا أمام غابة من الحبال ، بين كل حبلين مسافة حبل واحد ، فتستحيل الزراعة والصناعة والبناء والطرقات والمواصلات وانتهى كل شيء !



المذيع : في الواقع لا يسعنا أيها الأعزاء إلا أن نشكر فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، وخطيب جامع النابلسي بدمشق ، الذي تحدث لنا عن آيات الله في الآفاق وفي النفس ، نشكركم دكتور وإلى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأستاذ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .



* * *



بسم الله الرحمن الرحيم

السكينة



المذيع : متابعينا الكرام - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - أهلاً بكم ومرحباً إلى حلقة جديدة من ثمار الإيمان .

أيها الأعزاء : يسعدنا في هذه الحلقة أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، وخطيب جامع النابلسي في دمشق ، فضيلة الشيخ : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

الأستاذ : وعليكم السلام ورحمة الله .

المذيع : فضيلة الشيخ الحياة الرديدة السعيدة التي ينشدها الإنسان تحتاج إلى الإيمان ، هذا الإيمان الذي إن سكن القلب جعله سعيداً في حياته قبل الانتقال لجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، في هذا اليوم فضيلة الشيخ موضوع السكينة ، أحببنا أن نتناوله بشيء من الإيضاح والتعمق في مفهومه ، كيف نتحدث عن هذا الموضوع .



الأستاذ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، أستاذ جمال هناك مقولة رائعة هي : أن الله يعطي القوة والذكاء والجمال والمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، فلعل السكينة هي أثمن ثمار الإيمان ! إن هذه السكينة وردت في القرآن الكريم في عدة آيات وردت في قوله تعالى :




(سورة الفتح)

وفي آية ثانية :




(سورة الفتح)

لا سعادة بلا سكينة ، ولا سكينة بلا إيمان ، فالسكينة هي الغاية المثلى للحياة الرشيدة، فلا سعادة بلا سكينة ، وهذه السكينة تزدهر بغير عون من المال ، بل بغير مدد من الصحة ، يسعد بها الإنسان ولو فقد كل شيء ، ويشقى بفقدها و لو ملك كل شيء، هذه السكينة ليست ملك أحد كي يمسكها أويرسلها ، ولكنها في متناول كل واحد من البشر إذا دفع ثمنها ، ما من نعمة تحجب معها السكينة إلا وتنقلب بذاتها لنقمة ، وما من محنة تحفها السكينة إلا وتكون هي بذاتها نعمة ، ينام الإنسان على الشوك مع السكينة فإذا هو مهاد وثير ، وينام على الحرير وقد أمسكت عنه السكينة فإذا هو شوك القتل ، يعالج المرء أشد الأمور ومعه السكينة فإذا هي هوادة ويسر ، ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت عنه السكينة فإذا هي مشقة وعسر ، يخوض المخاوف والأخطار ومعه السكينة فإذا هي أمن وسلام .

ويعبر المناهج والسبل وقد أمسكت عنه السكينة فإذا هي مهلكة ، هذه السكينة لا تعز على طالب كائناً من كان ، و في أي مكان وزمان ، وفي أي محال ومآل ، وجدها إبراهيم عليه السلام في النار ، ووجدها يوسف عليه السلام في الجب ، كما وجدها في السجن ، وجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت ، في ظلمات ثلاث ، وجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة وحراسة ، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين فقدوها في الدور والقصور ، وجدها نبينا عليه الصلاة والسلام وصاحبه في الغار والأعداء يتعقبونه ويقصون الآثار ، ويجدها كل مؤمن آوى لربه يائساً ممن سواه ، قاصداً بابه وحده من دون كل الأبواب ،يبسط الله الرزق مع السكينة فإذا هو متاع طيب ، ورخاء وفير ، وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة ، ويمسك السكينة مع الرزق فإذا هو مسار قلق وخوف ومسار حسد وبغض وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض ، وقد يكون معه التلف بإفراط واستهتار يمنح الله الذرية مع السكينة فإذا هي زينة الحياة الدنيا ، ومصدر فرح واستمتاع ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح ، ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء وعنت وشقاء وسهر بالليل وتعب بالنهار ، يهب الله الصحة والعافية مع السكينة فإذا هي نعمة وحياة طيبة ، ويمسك سكينته فإذا الصحة والعافية بلاء يسلطه الله على الصحيح المعافى ، فينفق الصحة والعافية فيما يحطم الجسم ويفسد الروح ويذخر السوء إلى يوم السحاب ، ويعيط الله الجاه والقوة مع السكينة فإذا هي أداة إصلاح ومصدر أمن ووسيلة إدخار الطيب الصالح من العمل للآخرة ، ويمسك سكينته فإذا الجاه والقوة مصدر للقلق على فوته ومصدر للطغيان والبغي ومصدر للحقد والكراهية ، لا يقر لصاحبها قرار ، ويذخر بها للآخرة رصيداً ضخماً إلى النار .



المذيع : فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي هذا الكلام الرائع والجميل خلال وحي الله عز وجل والتوجيه الكريم ، هذه السكينة التي اشتقنا لنعرف كيف يمكن للإنسان أن تكون في قلبه ، كيف يمكن أن يحصل على كلمة السكينة قولاً وفعلاً ؟

الأستاذ : الحقيقة أن الله عز وجل حينما قال :




(سورة الرعد)

لم يقل تطمئن القلوب بذكر الله ، لو قال هكذا : لكانت تطمئن بذكر الله وبغير ذكره ، أما حينما جاء التركيب قسرياً يحدد مفهومه بدقة بالغة فيه حصر وقصر .





أي لا تطمئن القلوب إلا بذكر الله ، بدليل قوله تعالى :




(سورة طه)

أحد أسباب الشقاء البشري الإعراض عن ذكر الله ، وهناك أمراض لا تعد ولا تحصى ليست أمراضاً بل هي أعراض الإعراض ، ولكن كيف السبيل إليها إذا كانت شيئاً لا يثمره الذكاء ولا العلم ولا الصحة ولا القوة ولا المال ولا الغنى ولا الشهرة ولا الجاه وذلك من نعم الحياة المادية ، للسكينة مصدراً واحداً لا مصدر ثاني له هو الإيمان بالله واليوم الآخر ، الإيمان الصادق العميق الذي لا يكدّره شك ، ولا يفسده نفاق ، والعمل بمقتضى هذا الإيمان ، هذا ما يشهد به واقع الحال وما يؤيده التاريخ الحافل وما يلمسه كل إنسان بصبر منصف من نفسه وفي من حوله .



لقد علمتنا الحياة أن أكثر الناس قلقاً واضطراباً وضيقاً وشعوراً بالتفاهة والضياع هم المحرومون من نعمة الإيمان وبرد اليقين ، حياتهم لا طعم ولا مذاق لها وإن حفلت باللذائذ والمرفهات ، إنهم لا يدركون لها معنى ، ولا يعرفون لها هدفاً ولا يفقهون لها سراً ، ثمرة من ثمار دوحة الإيمان ، وشجرة التوحيد الطيبة التي تأتي أكلها كل حين بإذن ربها .



السكينة كما سألتموني هي نفحة من السماء ينزلها الله على قلوب المؤمنين من أهل الأرض ليثبتوا إذا اضطرب الناس ، وليرضوا إذا سخط الناس ، وليوقنوا إذا شك الناس ، ويصبروا إذا جزع الناس وليحلموا إذا طاف الناس هذه السكينة نور من الله وروح منه ، يسكن إليها الخائف ويطمئن عندها القلق ، ويتسلى بها الحزين ويستريح بها المتعب ، يوقى بها الضعيف ، ويهتدي بها الحيران ، هذه السكينة نافذة على الجنة يفتحها الله للمؤمنين من عباده ، منها تهب عليهم نسماتها وتشرق عليهم أنوارها ، ويفوح شذاها وعطرها ليذيقهم بعض ما قدموا من خير ، ويريهم نموذجاً لما ينتظرهم من نعيم ، فينعم من هذه النسمات بالروح والريحان والأمن والإيمان ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، إنها جنة القرب والسكينة ، قال تعالى :




(سورة محمد)

أي ذاقوا طعمها في الدنيا ، أسباب السكينة لدى المؤمن أولها أنه هدي لفطرته التي فطره الله عليها وهي فطرة ملتصقة ومنسجمة ومتجاوبة مع فطرة الوجود الكبير كله ، فعاش المؤمن مع فطرته في سلام ووئام لا في حرب وخصام ومع من حوله ، في شفافية ومشاركة لا في وحشية وعدالة ، ذلك لأن في القلب شعثاً لايلومها إلا الإقبال على الله ، وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيها حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفة الله وفي القلب فاقة لا تسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص .

المذيع : فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي السر هو الإقبال على الله عز وجل ، هذا هو بيت القصيد .

الأستاذ : هذا هو سبب السكينة الوحيد .

المذيع : لا يسعنا في ختام هذا اللقاء في الواقع إلا أن نشكر فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، والمدرس الديني في مساجد مشق ، نشكركم فضيلة الشيخ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأستاذ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .



* * *

بسم الله الرحمن الرحيم
التعاون



المذيع : أيها الإخوة والأخوات : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - أهلاً بكم ومرحباً ندعوكم لمتابعة هذه الحلقة الجديدة من ثمار الإيمان ، ليلة طيبة ولقاء مبارك مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، وخطيب جامع النابلسي في دمشق ، فضيلة الشيخ : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

الأستاذ : وعليكم السلام ورحمة الله .

المذيع : فضيلة الشيخ دائماً نتحدث عن ثمار الإيمان ، وعندما نتناول موضوعاً من هذه الموضوعات نتحدث عن التعاون قال تعالى في كتابه العزيز :




(سورة المائدة)

التعاون كيف ومن أين نبدأ ؟

الأستاذ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، أستاذ جمال جزاكم الله خيراً .

الحقيقة أن التعاون أمر إلهي ، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، وفي السنة الصحيحة أيضاً توجيهات نبوية تدعونا إلى التعاون ، وليس الدين كما يتوهم المتوهمون عبادات شعائرية فحسب ، بل إن الدين هو الحياة كما أرادها الله عز وجل ، صلاح الدين وصلاح الدنيا وصلاح الآخرة ، ففي الإنسان نزعة فردية تنطلق من حبه لوجوده ، ومن حبه لسلامة وجوده وكمال وجوده ولاستمرار وجوده ، وفيه أيضاً نزعة اجتماعية تنطلق أيضاً من نزعته الفردية ، لن كثيراً من مطالب الحياة وحاجات الجسد، والنفس والفكر لا تتم إلا عن طريق الجماعة كالأنس بالجماعة والشعور بالأمن والطمأنينة والتماس نصرتها والتقوى بها وتحقيق الحاجات الإنسانية ومصالحه من خلالها .



لكن النزعة الجماعية التي تنطلق من طاعة الله عز وجل والتقرب إليه وراء أكثر الفضائل الخلقية ، فما من فضيلة يصل نفعها وخيرها للآخرين إلا وفيها عنصر التخلي عن الألم ، وفيها نوع من التضحية في سبيل المجموع كوسيلة لنيل رضوان الله تعالى، والرذائل الخلقية تنبع من فردية الإنسان ومن تفلته من منهج الواحد الديان ، والفضائل الخلقية تنبع من انصياعه لفضائل ربه والتقرب إليه بخدمة عباده .



أستاذ جمال : جزاكم الله خيراً الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أعطوا كل شيء ولم يأخذوا من الجماعة شيء ، والذين على نقيضهم أخذوا من الجماعة كل شيء ولم يعطوا شيء ، والذين هم بين بين أخذوا وأعطوا ، الأنبياء ملكوا القلوب بكمالهم وغيرهم ملكوا الرقاب بقوتهم .

المذيع : فضيلة الشيخ محمد راتب كمال الأعمال العظيمة تتحقق عن طريق التعاون والعمل الجماعي ، كيف نسلط الضوء على هذا الجانب ؟

الأستاذ : لأن الإنسان كائن اجتماعي ، فكل كمالاته ينبغي أن تكون جماعية ، فإن جلاء الأعمال الكبرى لا تتحقق إلا عن طريق العمل الجماعي المتعاون بخلاف العمل الفردي الذي لايثمر إلا أعمالاً تتناسب مع طاقات الأفراد شدة وضعفاً ، والنزعة الفردية تنمو معها رغبة قبيحة بتهديم أعمال الآخرين ! حرصاً على التفرد بنيل التقضير بين الناس ، ومع هذه الرغبة القبيحة تتبدد الأعمال الفردية نفسها ، أو تضيع ثمراتها ، فتحرم الإنسانية ثمرات الأعمال الجماعية وكثيراً من ثمرات الأعمال الفردية .



إن القوة الانفرادية مع القوة الانفرادية مجتمعتين تساويان أكثر منهما متفرقتين ، لأن عوامل الوهم والخوف والتخاذل تتسرب إلى الأفراد وتمتنع منها الجماعة .

المذيع : هل من دليل لقول الله عز وجل ؟

الأستاذ : الدليل هو قوله تعالى في كتابه العزيز وهذه الآية أصل في التعاون ، قال تعالى :





ذلك لأن الإنسان خليفة الله في الأرض ، ولأنه مكلف أن يعمرها بكل ما هو خير ونافع، ليكون هذا الإعمار سبباً لسعادته الأبدية في الجنة ، ولأن مشيئة الله شاءت أن يتمكن الإنسان لإتقان شيء بينما هو بحاجة إلى كل شيء .

إذاً كان التعاون ضرورة إيمانية وضرورة حياتية ، والتعاون حيادي ومطلق ، فيمكن أن يكون في الخير صلاح الدنيا وصلاح الآخرة ، كما يمكن أن يكون في الشر في الإثم والعدوان، لذلك جاء الأمر الألهي مخصصاً وهو التقوى والبر كما قال المفسرون صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة ، وتأكيداً لهذا التخصيص جاء النهي عن النقيض ، فقال تعالى :




فكل من شارك في خير البشرية في دينها ودنياها مخلصاً لله عز وجل ، وله نصيب من هذا الخير يناله في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً ، وكل من شارك في عمل آثم يبعد الإنسان عن خالقه أو عمل عدواني في إيذاء لأخيه الإنسان يناله العقاب في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً ، وهذا معنى قوله تعالى في التعقيب على الأمر :


المذيع : وهنا دكتور محمد راتب النابلسي يتعمق من خلال كلامكم موضوع التعاون وهناك الاعتصام بحبل الله عز وجل ، كيف نطل على هذا الموضوع ؟

الأستاذ : الحقيقة يوجد آية دقيق جداً تتصل اتصالاً وثيقاً بموضوعنا ، التعاون ينبغي أن يكون على شيء ، أما تعاون من دون محور لا يجدي ولا يثمر ، من هنا قال الله عز وجل :




(سورة آل عمران)

أستاذ جمال في هذه الآية الكريمة يأمرنا الله جل جلاله أن نعتصم بحبله ونحن مجتمعون غير متفرقين ، وأصل الاعتصام اللجوء إلى حبل الله وكتابه وسنة رسوله للاعتصام به ، وهذا يستلزم التمسك به والقبض عليه بشدة ، حتى يظفر المؤمنون باعتصامهم هذا بالنجاة من الهلاك والاعتصام بحبل الله لا يجدي أن يكون اعتصاماً فردياً ، بل لابد من أن يكون اعتصاماً جماعياً لذلك قال الله تعالى :




لم يقل واعتصم وأكد ذلك بالنهي عن التفرق ، فقال تعالى :




ثم أجرى الله جل جلاله في هذا النص موازنة بينما كانت عليه الأمة العربية في جاهليتها قبل الإسلام ، وما تحولت إليه بالإسلام الذي كان نعمة سيقت من الله إليهم .





أي أن الأمة العربية قبل الإسلام كانت مجزأة ومتفرقة ومتعادية فيما بينها ، وكانت على شفا حفرة من النار بالشرك والظلم والعدوان ، فأصبح تجزئها وحدة وتفرقها اجتماعاً وعداوتها محبة فقد ألف الله بين قلوب أفرادها وجماعاتها بالإسلام فأصبحوا بنعمة الله إخوانا ، يؤكد هذا المعنى دليل في قوله تعالى :




(سورة الأنفال)

المذيع : كان الإسلام وما زال هو المنقذ لوحدة الأمة وقوتها لومجدها وتعاونها ، الحديث يجمل ويحلو في هذا اللقاء الطيب .

الأستاذ : الحقيقة هناك استنباط تحتاجه الأمة العربية والإسلامية وهو أنه ما كان سبب إنقاذ الأمة فيما مضى ووحدتها وقوتها ومجدها يظل هو السبب أبد الدهر لإنقاذها ووحدتها وقوتها .

وكما قال عليه الصلاة والسلام : لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

(ورد في الأثر)

الأستاذ : الإسلام في حقيقته رد النفس الإنسانية إلى فطرتها الخيرة من التعاون والتناصر والتحابب ونهي عن التفاخر والتباغض ، وسوّى بين المسلمين وجعلهم إخوة متحابين ، فأصبح المسلمون أمة متعاونة على الخير لا يفرق بين أفرادها لون ولا جنس ولا لإقليم ولا مال ، فجاء التوجيه الإلهي يدفع المسلمين إلى هذا السلوك الرفيع ، فقال تعالى :




(سورة التوبة)

المذيع : في الواقع كلام جميل ورائع حول التعاون ، تفضل به فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي خطيب جامع النابلسي بدمشق نشكركم فضيلة الشيخ إلى الملتقى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأستاذ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نائل أبو محمد
05-27-2009, 10:01 PM
الرجاء النظر في المشاركة الأصل لمعرفة الأيات التي لم أنجح في نقلها :
http://www.nabulsi.com/text/10nadwat/nadwaizaee/nadwaizai-4-910-05a.php

نائل أبو محمد
06-12-2009, 10:08 AM
الجمعة 19 جمادى الثانية 1430
يعني لا بأس برفع المشاركات
القديمة
مرة
في الأسبوع
الى حين
الوصول
الى حاجة الى مشاركات جديدة .