المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمثلة على الظاهر والباطن في القرآن الكريم


admin
05-29-2009, 08:49 AM
أمثلة على الظاهر والباطن في القرآن الكريم

· يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 7 (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، الظاهر في هذه الآية أن الله قد ختم على قلوب الكفار بمعنى أنه منع عنهم الهداية، ولكن بالنظر لآية آخرى من كلام الله، يقول عز وجل في سورة الليل 92 – آية 12 (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)، نجد أن الله قد حق على نفسه هداية الناس، فكيف يمنع صاحب الهدى الهداية عن عباده، من هذا التعارض الظاهري، نصل أن للآية الأولى معنى باطني آخر مختلف عن معناها الظاهري، فما المعنى الصحيح وما هو الباطن لهذه الآية؟ لنعد للآية التي تسبق الآية مدار البحث، حيث يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 6 (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، فالخطاب هنا عن (الَّذِينَ كَفَرُوا)، لنسأل أنفسنا أولا، متى يمكننا أن نقول أن هذا الإنسان كافر؟ هل نقول عنه أنه كافر قبل أن ننذره ونسمع رده؟ أم بعد أن ننذره ويرفض العودة لله؟ المنطق السليم يقول أن الإنذار يسبق الحكم بالكفر، ولكن عندما ننظر لهذه الآية سنلاحظ أن الله قد وصف هذه الفئة من الناس بأنهم كفار، وذلك قبل الإنذار، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، متى كفرت هذه الفئة من الناس؟ لكي نجد الجواب، علينا أن نبحث في آيات القرآن الكريم، متى تم إنذار هذه الفئة من الناس ودعوتها قبل الرسل والأنبياء؟ والجواب نجده في قوله عز وجل في سورة الأعراف 7 – آية 172 (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، ففي هذا المقام كلف عز وجل كل الذرية بتوحيده (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)، وكل الذرية قبلت هذا التكليف وقالت (بَلَى شَهِدْنَا)، ولكننا نعلم أن قسم كبير من الذرية قال (بلى) وكان كاذباً، حيث أنه أشرك مع الله إله آخر عندما هبط للأرض، يعني أن هذه الفئة كذبت على الله عندما قالت (بلى)، وهذا الكذب على الله هو (الكفر) الذي وصفهم الله به (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، ويخبرنا عز وجل أن تكذيب هذه الفئة على الله يعني أنها لن تَصْدُق الأنبياء ولا الناس أجمعين، لذلك قال عز وجل (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، الآن ومن فهمنا لتسلسل الأحداث الصحيح الموجود بين طيات آيات القرآن الكريم، نستطيع أن نتوصل لباطن هذه الآيات، فعندما يقول عز وجل (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) لا يعني أن الله منع عنهم الهداية، ولكنهم أصلاً كذبوا على الله، وليس أعلا من هذا ذنب، ويخبرنا عز وجل أن من يكذب عليه سيكذب بالتالي على الأنبياء والمرسلين والناس أجمعين ولن تنفعه آيات الله ولن يهتدي ولا باي شكل من الأشكال، وكدليل لنا على هذه الحقيقة، قام عز وجل بختم قلوب هؤلاء الكفار (بمعنى تعليم هذه القلوب بأنها قلوب كافرة)، كما نختم أوراقنا الثبوتية أي نعلمهما بعلامتنا، وهذه العلامة أو الإشارة ستبقى على قلوبهم ليوم الدين وسيعرفون بها.
· يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 10 (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، الظاهر في قوله عز وجل (فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا)، أن من يكذب فإن الله سيزيد كذبه بأن يضله أكثر واكثر عن الصراط المستقيم، والسؤال هل سيحاسبنا الله على شيء فرضه علينا؟ وكما نعلم فإن الله ليس بظلام للعبيد، أكد لنا هذا عز وجل في خمسة مواقع مختلفة في القرآن الكريم، يقول عز وجل في سورة آل عمران 3 – آية 182 (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وفي سورة الأنفال 8 – آية 51 (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وفي سورة الحج 22 – آية 10 (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وفي سورة فصلت 41 – آية 46 (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وفي سورة ق 50 – آية 29 (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، ولعل الجواب في فهم باطن آيتنا ينبع من هذه الآيات، حيث يبين لنا عز وجل أن الإنسان يعمل ويقدم بعمله الذي يقوم به ويتسبب لنفسه بأن يحل عليه ما فرضه الله عليه، فيصبح معنى (فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا)، أن هؤلاء الناس بدأوا بالكذب على الله فأصبح الكذب جزء منهم واستمروا به، ولكنه عز وجل ولشدة رحمته لم يمنعهم من الكذب، مع أنه قادر على منعهم، فأصبحت رحمة الله ما يسمح لهم بالإستمرار بالكذب، ولكن الكذب من عند أنفسهم هم الذين إختاروه وعملوا به ولم يمنعهم عز وجل عنه.
· يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 11 (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، من ظاهر هذه الآية يظهر أن الإفساد هو (القتل والإتلاف والهدم والتدمير وما إلى ذلك)، ويظهر أن الإصلاح هو (بناء البيوت والمستشفيات والمدارس والجامعات والملاجئ والعمارات وناطحات السحاب والتعمير وزراعة الارض بمختلف أنواع الثمار وما إلى ذلك)، لذلك كان جواب (الكفار) عندما قيل لهم (لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) كان جوابهم (إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، لأن هذا هو فهمهم لمعنى (الإصلاح) و(الإفساد)، وفهمهم هو الفهم الظاهري للحياة ولوجودنا عليها، وهو فهم خاطئ، ومن أجل أن نفهم الفهم الصحيح لباطن هذه الآية علينا أن ننظر نظرة شاملة للآيات جميعها قبل هذه الآية، لاحظ الآية رقم 2 من سورة البقرة ترسي قاعدة أساسية وهي أن القرآن هو كتاب الهداية (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، ثم تعتبر أن أهل الهداية هم المتقين، الآيات 3 و 4 تتكلم عن صفات أهل الهداية، الآية 5 تعلن أن أهل الهداية (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ)، هم المفلحون، أي الذين عملوا قليلاً في الدنيا وافلحوا كثيراً درجات في الجنة. الآية رقم 6 تتكلم عن (الكفار) وهم من كذبوا على الله عندما قالوا (بلى) كما ورد سابقاً، الآية 7 تعلن أن هؤلاء الكفار لن يَصْدُقوا لا نبي ولا رسول ولا أي إنسان، ولن يستفيدوا من آيات الله في الكون ولا في القرآن، الآية 8 (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)، تتكلم عن (المنافقين) وهم زمرة من فئة (الكفار)، فمن كذب على الله سيكذب على الأنبياء والمرسلين، كما أنها تتكلم عن ذنبهم الأكبر والأهم وهو عدم إيمانهم بالله، وبالتالي عدم إيمانهم باليوم الآخر، الآية 9 تظهر كيف أن هؤلاء الكفار والمنافقين يخادعون المؤمنين (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)، فمن كذب على الله، سيكذب على المؤمنين، الآية 10 (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، تبين أن هذا الكذب الذي تسلسل معهم من كذبهم على الله فالأنبياء والمرسلين فالمؤمنين هو أهم مرض من أمراض القلوب الموجودة لديهم (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، الخلاصة لغاية الآن، أن الله يقسم الناس في هذه الآيات لمجموعتين – المجموعة الأولى (المتقين – المفلحين) وهم أهل الهداية، والمجموعة الثانية (الكفار – المنافقين – المخادعين – مرضى القلوب – الكذابين) وهم أهل الضلال، أي أن الناس إما من أهل الهداية أو من أهل الضلال، وإذا بحثنا في الآيات التي تكلمنا عنها عن الفرق بين هاتين الفئتين سنجد أن أهل الهداية لما قالوا (بلى) صدقوا، وأن أهل الضلال لما قالوا (بلى) كذبوا، أي أن الفرق بين أهل الهداية وأهل الضلال، أن أهل الهداية يوحدوا الله، وأهل الضلال يشركوا مع الله إله آخر، وهذا هو الباطن الذي يجب أن نصل له، أن الإصلاح هو قول (لا إله إلا الله)، وأن الإفساد هو أن تشرك مع الله إله آخر. فهل ينفع المشرك أن يبني العمارات والبنايات والمستشفيات والمدارس والجامعات؟ هل ينفعه لو بنى الأرض كلها ومات على شركه، كما نعلم لن ينفعه شيء، وبالمقابل هل يضر من يوحد الله الفقر والظلم والضعف والمرض والمصائب والإهانة والمهانة والحرمان والكبت، هل سيضره لو أخطأ أو نسي أو عصى وبقي على توحيده لله، لا لن يضره شيء من هذا، فإن كلمة التوحيد ستنجيه.
· يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 15 (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)، ظاهر هذه الآية أنه عز وجل يستهزئ ممن يستهزئ من الناس، والسؤال الذي نطرحه على أنفسنا للفهم، هل يحتاج الله أن يستهزئ بالكفار؟ والسؤال الآخر ونحن نعلم أن الإستهزاء صفة سلبية، هل الإستهزاء صفة تليق بالله عز وجل؟ هذا مع التذكير أنه سبحانه وتعالى يقول (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)، والهمز واللمز من أبسط صور الإستهزاء، إذن ما هو المعنى الصحيح الموجود في باطن هذه الآية؟ ولربما كانت أفضل طريقة لإخراج الفهم من هذه الآية من خلال كلمة (وَيَمُدُّهُمْ) ومقارنة هذه الكلمة مع (يُمْدِدْكُمْ)، للفهم قارن بين هذه الآيات، يقول عز وجل في سورة المؤمنين 23 – آيات 55-56 (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ)، ويقول عز وجل في سورة مريم 19 – آية 79 (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا)، يقول عز وجل في سورة آل عمران 3 – آية 125 (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)، ويقول عز وجل في سورة الإسراء 17 – آية 6 (وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا)، ما نراه هنا أن الإمداد إنما يكون من الله ويكون فيه الخير، أما المد فإنه يكون من العبد ويكون في شر، ولكن الله لا يمنع العبد عن الشر الذي يقوم به، وبهذا فإن (الإستهزاء) الذي يقوم به الكفار، ويصرون عليه ويطغون به، سيتسبب في دخلهم النار، وفي النار يُقال: لأهل النار (اخرجوا)، وتفتح لهم أبواب النار، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم. يقول عز وجل {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد57 - 13) فذلك قوله {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ويضحك عليهم المؤمنون حين غلقت دونهم. ذلك قوله {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون، على الأرائك ينظرون) (المطففون الآية 34 - 35)، فليس هو إستهزئ بمعنى اللعب واللهو منه عز وجل، ولكنه تركهم في الدنيا يفعلون ما يريدون فكانوا كأنما إستهزؤوا من أنفسهم بأنفسهم، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (آل عمران 3 – 178)، فليس منه سبحانه وتعالى مكر ولا هزء إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وكيدهم، كقوله عز وجل (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:9).
· يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 17 (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ). الظاهر من قوله عز وجل (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)، أن الله قد سحب النور الذي منحه للكفار، وتركهم في ظلمات حتى أنهم لم يعودوا قادرين على رؤية شيء، والسؤال الذي نطرحه على أنفسنا هو (هل يتراجع عز وجل عن عطائه لعبد من عباده؟)، (وهل هذا التراجع يليق بالرحمن الذي صفته الكرم)؟ دعونا نفهم باطن هذه الآية حتى يتسنى لنا معرفة المعنى الصحيح لها. في هذه الآية يضرب الله مثلا، والمقارنة فيه بين (الكفار المذكورين في الآية رقم 6 (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ))، وبين من استوقد ناراً أضاءت لهم الطريق، فما هو هذا الشيء الذي فعله هؤلاء (الكفار) وكان فيه الخير لدرجة الإضاءة، قلنا أن هؤلاء الكفار قالوا (بَلَى) عندما سألهم الله وأشهدهم على وحدانيته، كما جاء في قوله عز وجل (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)، فمع أن هؤلاء الكفار لم يكونوا صادقين وكذبوا على الله، كما أخبرنا عز وجل (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، إلا أن مجرد تلفظهم بالشهادة بوحدانية الله كانت كافية ليدخلوا في رحمة الله ويصبحوا داخل دائرة النور الربانية وهذا معنى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ)، ثم بعد أن هبط هؤلاء (الكفار) إلى الأرض، تراجعوا عن قولهم (لا إله إلا الله)، وأخذوا بالسير مبتعدين عنها، كمن بيده شعلة نار، تركها وسار متبعداً عنها، فأشركوا مع الله آله أخرى، وجعلوا له أندادا يحبونهم كحب الله، يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 165 (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)، وكلما إبتعدوا أكثر عن التوحيد، إبتعدوا أكثر عن مركز دائرة النور الرباني، حتى خرجوا من الدائرة كلها، وأصبحوا خارج دائرة النور، وهذا معنى قوله عز وجل (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ)، وبلا نور وفي الظلمة، لم يعد بإمكانهم أن يروا الحق، وهذا معنى قوله عز وجل (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)، فليس الله من ذهب بنورهم، وليس الله من تركهم في الظلمات، ولكنهم تركوا النور الذي كان في كلمة التوحيد وإبتعدوا عنه حتى خرجوا من النور ودخلوا في الظلمات، فكلمة التوحيد (لا إله الا الله) هي النور، وبدونها لا يوجد نور، يقول عز وجل في سورة النور 24 – آية 35 (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وقد جاء في حديث صححه الألباني قوله صلى الله عليهم وسلم (وآمركما ب (لا إله إلا الله)؛ فإن السموات والأرض وما فيهما لو وضعت في كفة، ووضعت (لا إله إلا الله) في الكفة الأخرى كانت أرجح منهما، ولو أن السموات والأرض وما فيهما كانت حلقة فوضعت (لا إله إلا الله) عليهما لقصمتهما، وآمركما ب (سبحان الله وبحمده)؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء)، ولا بد لنا أن نذكر أن الله نسب لنفسه أنه أخرجهم من النور وأدخلهم للظلمات، لأنه عز وجل ولشدة رحمته لم يمنعهم من الخروج من دائرة النور مع أنه قادر على منعهم، وخروجهم لا يتم إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
· يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 18 (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)، واضح جداً أن الصمم والبكم والعمى في هذه الآية ليس حقيقي في الدنيا، وإنما تشبيهي، ولكن السؤال المهم، هو لماذا وصف الله الكافر بالأصم والأبكم والأعمى؟ لمعرفة الإجابة علينا أن نرجع للفرق بين الكافر والمؤمن من جديد، وسنجد أن الكافر إبتعد عن توحيد الله، في حين بقي المؤمن على هذا التوحيد، وبهذا فإن المعنى الباطن في قوله عز وجل (صُمٌّ)، أن الكافر عندما يسمع شيء ولا يدله هذا الذي سمعه على وحدانية الله وعظمته، فإنه كأنه أصم، بل هذا هو الصمم الفعلي، فليس الصمم عدم السمع، بل الصمم عدم الوصول من السمع لعظمة ذات الله، وكهذا يكون أيضاً معنى (بُكْمٌ)، فإذا أنت تكلمت بشيء ولم تتذكر عظمة الله ووحدانيته، ولم يتوافق ما قلته مع هذه العظمة، فإنك أبكم، لا معنى لكلامك، وهذا هو حال الكفار، يتكلمون وهم مشركين بعيدين عن التوحيد، وبنفس النسق ياتي معنى (عُمْيٌ)، فإن أنت رأيت صورة بعينيك، ولم تتفكر في كيفية وصول هذه الصورة لدماغك وكيفية تعامل فؤادك معها وكيفية إنتقالها لقلبك، ثم لم يصل قلبك من هذه الصورة لعظمة الله، فإن ما رأيته لم يفدك بشيء، وهذا هو العمى الحقيقي. أما قوله عز وجل (فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)، فهو تأكيد لما جاء في الآية 6 (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، فهؤلاء الكفار كذبوا على الله، وليس أعلى من الكذب على الله من ذنب، فمن يكذب على الله لن يَصُدقْ رسل ولا ناس، لذلك قال عز وجل أنهم لن يؤمنوا، وقال عنهم أنهم لا يرجعون، أي لدائرة النور، وهذا من قبيل معرفة الله بالغيب وبذات الصدور.
· يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 23 (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، يبدو للوهلة الأولى من قوله عز وجل (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)، أن الله يتحدى الكفار بأن يأتوا بسورة من مثل القرآن، والسؤال، هل يتحدى الخالق المخلوق؟ وهل ننتظر أن يفشل المخلوق في التحدي حتى يثبت قول الخالق؟ وكم مدة هذا التحدي؟ ولكن مما نعلمه يقيناً عن الله وعن ذات الله وأسماءه وصفاته، أنه عز وجل ليس كمثله شيء، يقول سبحانه وتعالى في سورة الشورى 42 – آية 11 (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فهو يتنزه عن الشبه بأي شيء سبحانه وتعالى، وهذا معنى التسبيح، فعندما نقول (سبحان الله)، فنحن ننزه الله عن التشبه بالمخلوقات، فالله هو كل شيء، وكل شيء عدا الله لا شيء، فالله هو الغني والمخلوقات جميعها فقيرة محتاجه له عز وجل، كل هذا يدلنا على أن الله لا يحتاج لأن يتحدى مخلوقاته، ولكن رحمته عز وجل تجعله سبحانه وتعالى يرشدنا إلى كل الطرق التي قد تخرجنا من الظلمات وتعيدنا إلى النور، وفي هذه الآية إحدى هذه الطرق، فعندما يقف الكافر عاجزاً أمام أيات القرآن الكريم، عليه أن يستدل من ضعفه هذا على قوة الله وعظمته سبحانه وتعال، فيعود من الكفر للإيمان، مستغفراً تائباً، والله غافر الذنب وقابل التوب، لذلك يتبع الله هذه الآية بقوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ).
يقول عز وجل في سورة البقرة 2 – آية 26 (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)، قلنا في موقع سابق، أن الله عز وجل هو صاحب الهدى، فليس من المعقول أن يمنع صاحب الهدايةِ الهدايةَ عن عبادة، وأن يضلهم بدل أن يهديهم، ومن مجمل الفهم للآيات التي تكلمنا عنها في سورة البقرة لغاية الآن، يتضح معنى الآية بأن الناس عندما ينظرون لهذا المثل الذي ضربه لنا عز وجل، فإن الكافر لن يستفيد منه بل بالعكس فإنه سيستخدم الكفر الذي ملء قلبه للتشكيك بالدين وبالله، في حين أن المؤمن بالله وبذات الله وبعظمته سبحانه وتعالى، عندما ينظر لهذا المثل، فإنه سيرى في كل زاوية من زواياه قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته وسعة علمه، وهذا سيزيد إيمانه وتعلقه به عز وجل، لننظر لخاتمة الآية (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)، ماذا نرى، سنجد أن الذي فسق عن أمر الله وكفر به سبحانه وتعالى هو الذي سيُدخل نفسه في الضلال ويخرجها من النور والهداية، ثم إنظر للآية التي تلي هذه الآية، حيث يقول عز وجل (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، حيث إبتدأ بوصف هؤلاء الضالين الفاسقين عن أمر الله بقوله (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ)، وهذا يعيدنا من جديد إن أصل الفسق والضلال كان مع هؤلاء الكفار في السماء عندما أمرهم الله بتوحيده وقالوا (بلى) وكانوا كاذبين، وهذا هو العهد والميثاق الغليظ الذي أخذه عز وجل من ذرية آدم عليه الصلاة والسلام. وفي الحديث الشريف الصحيح جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله جل وعز لما خلق آدم مسح ظهره فجرت من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ونزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حوى، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين قال ثم أقبس كل نسمة رجل من بني آدم بنوره في وجهه وجعل فيه البلوى الذي كتب أنه يبتليه بها في الدنيا من الأسقام ثم عرضهم على آدم فقال يا آدم هؤلاء ذريتك فإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع السقام فقال آدم لم فعلت هذا بذريتي قال كي يشكروا نعمتي يا آدم فقال آدم عليه الصلاة والسلام يا رب من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نورا قال هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يا آدم من ذريتك قال فمن هذا الذي أراه أظهرهم نورا قال هذا داود يكون في آخر الأمم قال يا رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال يا رب كم جعلت عمري قال كذا وكذا قال يا رب فزده من عمري أربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة قال أتفعل يا آدم قال نعم يا رب قال نكتب ونختم إنا إن كتبنا وختمنا لم نغير قال فافعل يا رب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء ملك الموت إلى آدم ليقبض روحه قال ماذا تريد يا ملك الموت قال أريد قبض روحك قال ماذا تريد يا ملك الموت قال أريد قبض روحك قال ألم يبق من أجلي أربعون سنة قال ألم تعطها ابنك داود قال لا قال فكان أبو هريرة يقول فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته قال محمد بن شعيب وأخبرني أبو الحفص عثمان بن أبي العاتكة أن عمر آدم كان ألف سنة)، ثم أنظر لقوله عز وجل (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من صلة الأرحام والقرآبات وحقوق الله وحقوق العباد، وقوله سبحانه وتعالى (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) كما قلنا في موقع سابق، أن الإفساد هو الإشراك مع الله إله آخر، ومن يفعل ذلك يخسر خسرانا عظيماً (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

نائل أبو محمد
12-03-2011, 12:48 PM
السبت 8 محرم 1433 هـ .
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين