المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المحكم والمتشابه


admin
05-29-2009, 08:57 AM
المحكم والمتشابه

يقول عز وجل في سورة آل عمران 3 – آية 7 (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)، من هذه الآيات لاحظ ما يلي:-
معنى المحكم والمتشابه في اللغة والإصلاح

يبين لنا عز وجل أن آيات القرآن الكريم، منها ما هو (محكم) ومنها ما هو (متشابه)، والإحْكام في الغة هو الإتقان البالغ، ومنه البناء المحكم الذي أتقن، فلا يتطرق إليه الخلل أو الفساد. والمحكم إصطلاحاً هو الواضح الدلالة الذي يعرف المراد منه بسهولة، إما بالظهور أو بالتأويل، وهو متقن لا يتطرق إليه الإشكال، ولا يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً، وهو مستقل بنفسه ولا يحتاج بيان، ولا يحتمل النسخ، أما المتشابه في اللغة فمأخوذ من الشَّبَه، وهو التماثل بين شيئين أو أشياء. ولما كان التماثل بين الأشياء يؤدي إلى الشك والحيرة، ويُوقع في الالتباس، توسعوا في اللفظ، وأطلقوا عليه اسم "المتشابه". يُقال: اشتبه الأمر عليه، أي التبس عليه، وفي الإصطلاح فإن المتشابه ما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة، وخروج الدابة والدجال. فالمتشابه لا يستقل بنفسه ويحتاج إلى بيان برده إلى غيره، ذلك أنه يحتمل أكثر من وجه، فالمتشابه غير واضح الدلالة للجميع، كما أنه يحتمل النسخ.
يمكن إعتبار أن بعض آيات القرآن محكمة وبعضها متشابه
بمعنى أن الآيات المحكمة هي أم الكتاب أي أن هذه الآيات جماع الكتاب وأصله، فهي بمنزلة الأم له، لا غموض فيها ولا التباس، كآيات الحلال والحرام التي هي أصل التشريع، بخلاف الآيات المتشابهة التي تختلف فيها الدلالة، على كثير من الناس، فمن رد المتشابه إلى المحكم الواضح فقد اهتدى.
يمكن إعتبار أن القرآن كله محكم

يبين لنا عز وجل أن الآيات المحكمات في القرآن الكريم (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)، أي أن أهم ما جاء في القرآن الكريم جاء في الآيات المحكمة، فيمكن فهم معنى الإحكام على أنه إحكام ألفاظ القرآن وعدم وجود خلل فيه، كما ويمكن فهم معنى إحكامه على أنه إتقانه وعدم تطرق النقص والاختلاف إليه. يقول عز وجل في سورة هود 11 – آية 1 (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).
يمكن إعتبار أن القرآن كله متشابه

بمعنى أن آياته متشابهة في الحق والصدق، والإعجاز، والهداية إلى الخير. يقول عز وجل في سورة الزمر 39 آية 23 (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).
حكمة ورود المحكم والمتشابه

1- إن الله سبحانه احتج على العرب بالقرآن، إذ كان فَخْرُهم ورياستهم بالبلاغة وحسن البيان، والإيجاز والإطناب، والمجاز والكناية والإشارة والتلويح، وهكذا فقد اشتمل القرآن على هذه الفنون جميعها تحدياً وإعجازاً لهم.
2- أنزل الله سبحانه الآيات المتشابهات اختباراً ليقف المؤمن عنده، ويرده إلى عالِمِهِ، فيَعْظُم به ثوابه، ويرتاب بها المنافق، فيستحق العقوبة. ولقد أشار الله تعالى في كتابه إلى وجه الحكمة في ذلك بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا} [البقرة: 26] ثم قال: جواباً لهم: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} . فأما أهل السعادة فيعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، فيستوجبون الرحمة والفضل، وأما أهل الشقاوة فيجحدونها، فيستوجبون الملامة.
3- أراد الله عز وجل أن يشغل أهل العلم بردّه إلى المحكم، فيطول بذلك فكرهم، ويظهر بالبحث اهتمامهم، ولو أنزله محكماً لاستوى فيه العالم والجاهل، فشغل العلماء به ليعظم ثوابهم وتعلو منزلتهم، ويكرم عند الله مآبهم.
4- أنزل المتشابه لتشغل به قلوب المؤمنين، وتتعب فيه جوارحهم وتنعدم في البحث عنه أوقاتهم، ومدد أعمارهم، فيجوزوا من الثواب حسبما كابدوا من المشقة. وهكذا كانت المتشابهات ميدان سباق تنقدح فيه الأفكار والعلوم.
كيف ننظر للمحكم والمتشابه في القرآن الكريم
يبين لنا عز وجل أن المتدبرين لآيات القرآن الكريم ينقسمون لقسمين أساسين، الأول وهم (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)، والثاني وهم (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ). حيث أن العالم يستطيع أن يرد المتشابه إلى المحكم، في حين لا يستطيع من في قلبه زيغ أن يفعل هذا الشيء، حتى أنه عز وجل يبين لنا لماذا لا يستطيع من في قلبه زيغ تفسير المتشابه حيث يقول سبحانه وتعالى (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) فهو قد يكون قاصد متعمد لإحداث الفتنة كما فعل المستشرقون وأعداء الإسلام، وقد يكون مخطئ في تفسيره للقرآن، وهذا نسأل الله له الهداية والمغفرة.
بعض الأمثلة في رد المتشابه إلى المحكم

قلنا أن الراسخون في العلم، يستطيعون رد المتشابه إلى المحكم، وفيما يلي بعض الأمثلة التي نرد فيها المتشابه إلى المحكم:-
1- يقول عز وجل في سورة الزمر 39 – آية 53 (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، هذه الآية متشابهة تحتمل معنيين: المعنى الأول: غفران الذنوب جميعاً لمن تاب. المعنى الثاني: غفران الذنوب جميعاً لمن لم يتب. رد الآية المتشابهة إلى المحكمة: يقول عز وجل في سورة طه 20 – آية 82 (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)، يتبين من الآية المحكمة أن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب وهو مؤمن واتبع طريق الهدى.
2- يقول عز وجل في سورة الحجر 15 – آية 9 (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، هذه الآية تحتمل معنيين. المعنى الأول: إن كلمة {إِنَّا نَحْنُ} تحتمل الواحد المعظم نفسه وهو حق. المعنى الثاني: أنها للجماعة، وهو باطل، وتحتمل أيضاً الواحد ومعه غيره، فهي آية متشابهة تمسك بها النصارى الذين قالوا بالتثليث. رد الآية المتشابهة إلى المحكمة: وهي قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 22]. وقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91]. وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]. تبين من الآيات المحكمة أن المراد بقوله: {إِنَّا نَحْنُ} هو الله الواحد المعظم نفسه.
منشأ التشابه

نشأ التشابه من خفاء مراد الشارع في كلامه، فمرة يرجع إلى اللفظ، ومرة يرجع إلى المعنى، ومرة يرجع إلى اللفظ والمعنى.
1- اللفظ: قوله تعالى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: 93]. فلفظة: اليمين تحتمل استعمال يده اليمنى غير الشمال، وتحتمل أيضاً أن الضرب كان بقوة، لأن اليمين أقوى الجارحتين، وتحتمل أن الضرب كان بسبب اليمين التي حلفها إبراهيم في قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57].
2- المعنى: مثل ما استأثر الله بعلمه من أهوال يوم القيامة، وعلامات الساعة، والجنة والنار.
3- اللفظ والمعنى: قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] فهذا الخفاء في المعنى وفي اللفظ معاً إذ لا يمكن معرفة معنى هذه الآية إلا بالرجوع إلى تفسيرها، فقد كان أهل الجاهلية يعتقدون أن الرجل إذا أحرم بالحج لم يدخل من باب البيت بل يخرق خرقاً أو يدخل من وراء البيت، فرد عليهم القرآن وبيَّن أن ليس شيء من ذلك من أبواب البر ولكن البر هو التقوى.
آيات الصفات
إنها محكمة لكونها صفات الله تعالى، متشابهة بالنسبة لنا من حيث كيفيتها مثل صفة: الاستواء على العرش، فهي معلومة في معناها، ولكن الكيف مرفوع كما قال الإمام مالك: الإستواء معلوم، والكيف مرفوع، والسؤال عنه بدعة. أي معنى الاستواء معلوم، ونثبت له كيفية، فصفات الله منزّهة عن الكيف، والسؤال عن الآيات المتشابهات.