المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 29/6/2007م وفق 1428 هجري


admin
05-29-2009, 11:10 PM
خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 29/6/2007م وفق 1428 هجري
<EMBED height=44 type=audio/wav width=612 src=2007-06-29.wav>


بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة ألقيت في المسجد الأقصى المبارك في 14 جمادى الآخرة 1428هـ وفق 29/6/2007م
"التأسي بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "

الخطبة الأولى :



الحمد لله الذي تفرد بكل كمال ، وتفضل على عباده بكريم الخلال ، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير ، فله الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحمد على كل حال ، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له خص نبينا محمد e بأحسن الخصال وأكرم الأخلاق ودعانا الى التأسي به في قوله تعالى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً{21}الاحزاب . وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله الذي خاطبه مولاه في محكم تنزيله {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4 ، فصلاة الله وسلامه على النبي الكامل بخلْقه واخلاقه ، وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم واستن سنتهم الى يوم الدين .
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته ، وأحذركم واياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46 .
أيها المسلمون : أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس :
روى أبو هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله e : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" رواة أحمد وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " برقم ( 45( .
وتصف أم المؤمنين عائشة بنت الصديق – رضي الله عنهما – أخلاق النبي e بقولها لمن سألها ما كان خُلق رسول الله عليه الصلاة والسلام ، قالت كان خلقه القرآن "صحيح لغيره ،ولما كان القرآن خلق النبي – عليه الصلاة والسلام - فقد مثل نبيكم النموذج الحي والقدوة الحسنة والصورة المتكاملة لمنهاج القرآن في الحياة الآدمية الكاملة التي استوعبت أخلاق القرآن وقيمه وطبقته عملاً وقولاً وفعلاً وحالاً حتى غدى القرآن صورة حية ناطقه في شخص النبي – عليه الصلاة والسلام – وفي أشخاص صحابته الذين تربوا في مدرسة الرسول e فاستحقوا بهذا الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ، فقال الله بحقهم { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } التوبة 100 ، وقال : {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح18 .
أيها المسلمون : يا أخوة الإيمان في كل مكان
إن الاخلاق الكريمة دعامة اساسية يقوم عليها بناء المجتمع الفاضل ، فالأخلاق سياج المباديء ، وحصن الأمة من التردي في وهدة الضلال أو الانحلال . فلا يكاد يخلو منحى من مناحي الحياة من خلق يحميه أو يسمو به أو يوجهه نحو غاية نبيلة وخصلة كريمة ، ولهذه الغايات جاءت الرسالات الآلهية تهدي الى كل بر وخير وتنهي عن كل اثم وشر.
وان المتبصر في آيات الله يجد الفضائل قد اقترنت بالايمان والتوحيد والعبادات ، فالله يقول : { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{177} البقرة .
فالانفاق في سبيل الله من الخلق الكريم ، كما أن الوفاء بالعهد والصبر من أمهات الأخلاق التي يتحلى بها المؤمن وهو يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويؤمن بالله .
هذا الايمان الذي تمتزج فيه العقيدة والعبادة والخلق الحسن . فالرسول e يقول لأبي ذر – رضي الله عنه - : "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن " مشكاة المصابيح ، وكما أن الأخلاق ترفع منزلة صاحبها في الدنيا كذلك تقربه من الرسول e ورتفع منزلته في الآخرة ، اسمعوا قول الرسول e : " ان من احبكم اليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً " رواه جابر /الترغيب والترهيب ، حديث رقم 354 .
أيها المسلمون : من خصائص المجتمع المسلم انه مجتمع الاخلاق والفضائل ، فهو مجتمع العدل والاحسان والبر والرحمة ، والصدق والأمانة والصبر والوفاء ، والحياء والعفاف ، والعزه والتواضع ، والاباء والشرف ، والمروءة والنخوة، والقصد والاعتدال ، والسماحة والحلم ، والنصيحة والتعاون ، والعفو عند المقدرة ، والغيرة على الحرمات والترفع عن الشهوات والاحسان الى الخلق كافة كبر الوالدين وصلة الأرحام واكرام الجيران والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل خصال الخير ومكارم الاخلاق تأسياً بسيد الخلق والاخلاق .
فلا يوصف بمجتمع اسلامي ذاك المجتمع الذي تختفي فيه اخلاق المؤمنين لتبرز أخلاق الفجار والمنافقين ، وليس بمجتمع اسلامي ذلك الذي تموت فيه الفضائل لتحيا الرذائل ، وليس من شيمة المجتمع المسلم أن يعلو فيه الظلم ويغمط الحق ويحابى المبطل وتفسد الذمم وتكثر الفتن ويشيع القتل وتعم الفوضى.
وليس بمجتمع اسلامي ، ذلك الذي تنماع فيه الاخلاق وتشيع فيه الفاحشة ، وتفقد الغيرة من رجاله والحياء من نسائه ويعمه النفاق والرياء ويهمل فيه الآباء تربية الأبناء ويُعق فيه الآباء .
أيها المسلمون : يا أخوة الإيمان في كل مكان :
ان المجتمع الاسلامي هو مجتمع الأخلاق الفاضلة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان وشمول وسعة لكل مناحي الحياة ، فلا انفصال في المجتمع المسلم بين العلم والاخلاق ولا بين الفن والقيم والاخلاق ولا بين السياسة والأخلاق ، ولا بين السلم أو الحرب والأخلاق .
فالأخلاق عنصر مهم يميز الحياة الاسلامية في جميع جوانبها ، كما يميز أفراد المسلمين وجماعاتهم .
كما هو حال الجيل الرباني الذي تخرج من مدرسة الرسول e فأقام دولة الاسلام وحمل رسالته الى العالم فدخل الناس في دين الله أفواجاً متأثرين بأخلاق المسلمين من خلال التبادل التجاري أو المرور في ديار المسلمين .
فكونوا على يقين أيها المسلمون أنه دون التآسي بالرسول e في اخلاقه وسنته ومنهاجه في القول والعمل فلن تكون للمسلمين عزه ولن تقوم لهم دوله وواقع المسلمين اليوم خير شاهد على هذا القول .
لقد آن الأوان بعد كل هذا الذي جربته الأمة من أنظمة في الحكم وبعد كل الدعوات الاقليمية والقومية أن تعود الأمة الى نهج الإسلام قولاً وفعلا تضحي في سبيل مبادئه وتسلك طريق العزة التي سلكها سلفها الصالح لتعود كما وصفها الله خير أمة أخرجت للناس .
ورحم الله الفاروق عمر فقد نظر بعين البصيرة حين قال : " نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فمهما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله " وصدق الله العظيم "و َلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ{8} المنافقون ، والرسول e يقول :" كل أمتي يدخلون الجنة الا من أبى ، قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى "، أو كما قال ......فيا فوج المستغفرين استغفروا الله وادع الله وانتم موقنون بالاجابة.

الخطبة الثانية :



الحمد لله الهادي الى الصراط المستقيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وأشهد أن لا اله الا الله أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه .
وأشهد أن لا اله الا الله المتفرد بالعظمة والجلال وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله e وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سار على نهجهم الى يوم الدين .
وبعد أيها المسلمون :
ويأتي العدوان الاسرائيلي خلال الايام القريبة الماضية على قطاع غزة ليخلف وراءه الشهداء والجرحى من الشباب والأطفال والنساء من أبناء فلسطين في قطاع غزة ، ويخلف الدمار والخراب في البيوت والممتلكات ويجرف الأرض الزراعية ويتلف البنية التحتية ، ويمتد هذا العدوان الى الضفة الغربية وبشكل خاص الى اجتياح كامل لمدينة نابلس مخلفاً كذلك الدمار والخراب والرعب للاطفال والنساء ، وقد تسبب هذا العدوان بحرمان ابناء نابلس من تأدية امتحان الشهادة الثانوية العامة جراء اطلاق النار على الطلاب وفرض نظام منع التجوال في اجراء تعسفي وغطرسة القوة والسلاح.
ان هذا العدوان المتزامن على قطاع غزة والضفة يوجه رسالة واضحة الى ابناء شعبنا بأن الفلسطيني مستهدف من قبل الاحتلال سواء أكان في قطاع غزة أم في الضفة الغربية .
كما أن العدوان لا يميز بين فصيل وفصيل هنا أو هناك .
فهلا استوعب أبناء شعبنا هذه الرسالة وأدركوا ان مصلحة البلاد والعباد يجب أن تكون فوق كل الاعتبارات الفصائلية والحزبية والفئوية وصولاً الى تحقيق آمال هذا الشعب الصابر المرابط وحفظاً لتضحياته الجسام من الشهداء والجرحى والأسرى ومقدرات الشعب التي وصلت الى حد الحرج في لقمة العيش الكريم .
أيها المسلمون : يا أبناء ديار الاسراء والمعراج ، وفي غمرة هذه الأحداث المؤلمة تزداد التحديات أمام صمود ابناء شعبنا في المدينة المقدسة. فهدم البيوت من قبل السلطات الاسرائيلية ، ومحاولة اخلاء عائلة صلاح في بيت صفافا مستمر ، والتضييق على ابناء شعبنا من خلال اسوار العزل العنصري ظاهر للعيان ،والمسجد الأقصى الذي لا يستطيع ابن فلسطين من خارج القدس أو من أبناء الداخل الوصول اليه اصبح بحاجة ماسة الى رباطكم وشد الرحال اليه على مدار أيام الاسبوع وبخاصة في الفترات الصباحية حيث دخول المستوطنين والمتطرفين الى ساحاته في محاولات لفرض واقع جديد .
طاش سهمهم وخاب فألهم ، فلا زالت ذرية المسلمين تغدو الى المسجد الاقصى وتروح.
{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف 21