المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 14/12/2007م وفق 5 ذو الحجة 1428 هجري


admin
05-29-2009, 11:55 PM
خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 14/12/2007م وفق 5 ذو الحجة 1428 هجري

<EMBED height=44 type=audio/wav width=612 src=2007-12-14.wav>



بسم الله الرحمن الرحيم


خطبة الجمعة ألقيت في المسجد الأقصى المبارك في 5/ذي الحجة/1428هـ وفق 14/12/2007م


" هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في العيد "


الخطبة الأولى :



الحمد لله جعل الأوقات ميقاتا لعبادته ووفق المؤمنين فيها إلى امتثال أمره وطاعته سبحانه وتعالى منّ علينا بفضله ونسب إلينا الطاعات بكرمه وبره ، فله الحمد في الأولى والآخرة حمدا يليق بجزيل عطائه وكريم إحسانه وعظيم سلطانه .
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم العرض عليه من سوء عذابه .
واشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله من أعطاه مولاه الكوثر وجعل شانئه هو الأبتر . وخاطبه بخطاب الود القديم { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ*فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ*إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }الكوثر 1 ، 3 فصلاة الله وسلامه على الحبيب المجتبى والنبي المصطفى وعلى آله المستكملين الشرفا وعلى صحابته الكرام أقمار الدجى وأسد الوغى ومن سار على نهجهم واستن سنتهم واقتفى أثرهم إلى يوم الحشر واللقاء .
عباد الله :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46 .
أيها المسلمون :
أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس أيام معدودة تفصلنا عن يوم الأضحى المبارك يوم النحر وعيد المسلمين وحجاجهم إلى بيت الله الحرام . وهي أيام عظيم أجر العاملين فيها أقسم الله بها في كتابه فقال تعالى : {وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ* هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ}الفجر 1،5 .
ولله عز وجل أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ولا يحق لغيره أن يقسم إلا به تعالى الله سبحانه وتقدست أسماؤه وتباركت صفاته . وإن قسم الله تعالى بهذه الأوقات فجرها وليليها وشفعها ووترها ليدل على أهميتها وبيان فضيلة العمل فيها . ويوم عرفة هو يوم الوتر من الأيام العشرة من هذا الشهر الفضيل ، حيث الحجاج يقفون في جبل عرفات، وهذا الوقوف ركن من أركان الحج ، لا تتم فريضة الحج بدونه وفي هذا الموقف يعم فضل الله تعالى عباده بغفران ذنوبهم والتجاوز عن سيئاتهم ، فقد ورد في الحديث الشريف :" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا " رواه أحمد عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه .
وإن الشيطان في هذا اليوم العظيم يقف مدحوراً نادماً على معصيته لما يرى من سعة رحمة الله بعباده فقد ورد في الحديث الشريف " مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ "موطأ مالك عن الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم .
أيها المسلمون :
لقد حث رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم على صيام هذه الأيام تطوعاً وبخاصة صيا يوم عرفة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ " ... وقد سئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال " يكفر السنة الماضية والباقية...."رواه مسلم عن الصحابي الجليل أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه . وإن هذه الأيام من خواص الله في دهره وإن لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص .فبادروا يا أولي الأبصار إلى اغتنام ما تبقى من هذه الأيام المباركة بمزيد من العمل الصالح لأنها مواسم طاعة وبر وخير يضاعف الله فيها ثواب العاملين ويرفعه فوق أجر المجاهدين .
فحري بك أخي المسلم أن تقبل على الله بتوبة نصوح{...وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31 . واهجروا المعاصي والآثام وبادروا إلى الأعمال الصالحة في مواسم الخير هذه التي يتوجها يوم الأضحى المبارك وهو يوم الشفع من الأيام العشرة من ذي الحجة .
أيها المسلمون : يا أبناء ديار الإسراء والمعراج :
وحري بنا ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك أن نقف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم فقد روى البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ ... "صحيح البخاري .
فأول شعائر يوم العيد الصلاة وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها ولم يتركها . وكان يصليها في مصلى العيد خارج المسجد . ثم يعود فينحر أضحيته وكان يتولى ذلك بنفسه فعن أنس رضي الله عنه قال "ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ "صحيح البخاري .
أيها المسلمون : يا إخوة الإيمان في كل مكان :
إن الأضحية شعيرة من شعائر الله . فعلينا أن نقيمها على وجهها الأكمل باختيار الأضحية السليمة الطيبة التي تتحقق فيها شروط الأضحية من حيث السن ووفرة اللحم وطيب النفس بها تأسيا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم .فالله يقول:{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}الحج 32 ويقول تعالى : {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}الحج 37 .
والأضحية لا تكون إلا من الأنعام وهي محصورة في الإبل والبقر والغنم وهي سنة مؤكدة حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم مدة إقامته في المدينة المنورة كما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال " أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي "سنن الترمذي .
ويفهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله أن الأضحية سنة مؤكدة واظب عليها النبي عليه الصلاة والسلام إحياء لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام وهي سنة باقية في أمتنا الإسلامية ، ولا يخفى ما في الأضحية من حكم كثيرة فهي توسعة على الأهل والفقراء والمحتاجين في يوم العيد . إذ من السنة في الأضحية أن يأكل المضحي وأهله منها وأن يتصدق ويهدي ، وفي هذا إشاعة للخير في يوم العيد وسد لخلة المحتاج واقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يبدأ يوم عيده بالصلاة ثم يعود ليضحي ويتولى ذلك بنفسه ويأمر من لا يحسن الذبح أن يوكل غيره ويشهد الأضحية .
فقد روى جابر رضي الله عنه قال " شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي " سنن أبو داود .

أو كما قال فيا فوز المستغفرين استغفروا الله ، وادع الله وأنتم موقنون بالإجابة .


الخطبة الثانية :



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون : يا أبناء أرض الإسراء والمعراج :
إذا كان عيد الأضحى يجسد التضحية والفداء والعطاء . فإن شعبنا الفلسطيني الصابر المرابط خير مثال على تجسيد العطاء والتضحية . وهو جدير بهذا الشرف العظيم . الذي لم يتوقف عند حدود الطاقة البشرية في التحمل والتضحية .
إن شعبنا الذي يتعرض لأشرس حملة احتلالية تستهدف وجوده وإرادته وصبره ورباطه . لن تثنيه كل هذه الممارسات الإسرائيلية والاعتداءات المتكررة على إنسانه وحجره وشجره . عن تصميمه على نيل حقوقه وحريته .
وما مواكب الشهداء التي ترتقي إلى العلا في مسلسل شبه يومي إلا دليل واضح وبرهان قاطع على إرادة هذا الشعب في الصمود والتحدي لنيل حقوقه كافة ، ولن تمنعه آلة القتل والدمار من مواصلة المسير نحو الحرية وزوال الاحتلال الذي طالما قدم شعبنا التضحيات الجسام من دمه ولقمة عيشه . للوصول إلى أهدافه وحقوقه المشروعة إن ما يجري من عدوان غاشم على أبناء شعبنا في قطاع غزة الصابر ، وما يتم من اغتيالات ومداهمات واعتقالات في الضفة الغربية المرابطة ليدمغ جبين المجتمع الدولي بالعار، في الوقت الذي ينادي فيه هذا المجتمع برعاية حقوق الإنسان .

فأية حقوق هذه في ظل مسلسل العدوان والقتل والحصار الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني المرابط .

أيها المسلمون : يا أبناء ديار الإسراء والمعراج :
لم تسلم المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك من استهدافها بالعدوان من خلال الحفريات المستمرة تحت أساسات جدران المسجد الأقصى . وأسفل أسواق وعمائر البلدة القديمة في القدس ، مما يشكل خطراً على المدينة ومقدساتها وعقاراتها .
وعلى استمرار صمود أبنائها الذين يتعرضون لكل وسائل الضغط والملاحقة من خلال فرض الضرائب وهدم المساكن لإجبارهم على ترك مدينتهم ، زد على ذلك ما تعانيه المدينة بشكل عام من أضرار جدار الفصل العنصري وإحاطتها بالمزيد من المستعمرات والمستوطنات رغم الحديث عن السلام المزعوم في المنطقة .
أيها المسلمون : يا أبناء أرض الإسراء والمعراج :-
لقد شرفكم الله بأن اختاركم للرباط في هذه الأرض المباركة فكنتم الطليعة المتقدمة لأمتكم في سدانة وحراسة أقصاها المبارك الذي تشد إليه الرحال وتشرأب لرؤيته أعناق الرجال فحافظوا على هذه الأمانة وانهضوا بهذا الشرف العظيم بإعمار هذا المسجد المبارك والرباط فيه ما استطعتم إلى ذلك سبيلا . خاصة وأن المسجد يتعرض لمحاولات الاعتداء عليه من خلال إدخال مجسمات للهيكل المزعوم ودعوات الاقتحام المتكررة لساحاته وفرض واقع جديد فيه وإن محاولات السلطات الإسرائيلية للتدخل في شؤون المسجد وإدارته وإعاقة أعمال الترميم والصيانة فيه لم تعد خافية على أحد .
وبالرغم من كل هذا الاستهداف للمسجد وإدارته إلا أن الأوقاف الإسلامية مشكورة تقوم بدورها الرائد الذي تفرضه أمانة الإيمان والمسؤولية بواجبها تجاه إعمار وصيانة ورعاية المسجد ومرافقه . وهي بحاجة إلى كل جهودكم لدعمها ومؤزراتها في أداء هذه الرسالة العظيمة والواجب الديني ليبقى المسجد الأقصى المبارك عامراً بحول الله بالإسلام والمسلمين ومنارة خير وهدى في بلادنا المقدسة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا .

{... وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40