المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 4/1/2008م وفق 26 ذو الحجة 1428 هجري


admin
05-30-2009, 12:01 AM
خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 4/1/2008م وفق 26 ذو الحجة 1428 هجري

معاناة المقدسيين (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2008-01-04.htm)

<EMBED src=2008-01-04.wav width=612 height=44 type=audio/wav>

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة من المسجد الأقصى المبارك
أُلقيت هذه الخطبة المباركة يوم الجمعة الأخر في المسجد الأَقصى المبارك، وقد ألقاها الشيخ يوسف عبد الوهاب أبو سنينه إمام وخطيب المسجد الأقصى تاريخ 4/1/2008م وفق 26/12/1428هـ والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أظهرَ آثارَ قدرته، وأنوارَ عزَّته، في كل وقتٍ وزمان، وَعَمَر كلَّ عصرٍ من الأعصار، بنبي مبعوث، يدُلُ الخلق، ويُرشِدُهم إليه، إلى أنْ ختم الأنبياءَ والرسل، بالنبي الأشرف، والرسول الأكمل، محمد صلى الله عليه، وعلى جميع أنبياء الله ورُسُله، وأَتبع الأنبياءَ عليهمُ السلام، بالأولياءِ والعلماءِ، يخلفونهم في سَنَنِهم، ويحملون أُمتهم على طريقهم وَسَمْتهم، فلم يخُل وقتاً من الأوقات، من واعٍ إليه بحق، أَو دالٍَّ عليه ببيانٍ أو برهان، فالعالِمُ يخلُفُ العالِم، باتباع آثاره، والإقتداء بسلوكه، فيتأدبُ بهم المسلمون، ويتأسى بهم الموحدون. يقول الحق جلَّ وعلا: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح48: 25). ونشهد أَنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيئٍ قدير، ونشهد أَنًّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، البشيرُ النذير، الداعي إليه باذنه، السراجُ المنير، (أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة9: 33). القائل: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم). والقائل: (مثل أُمتي مثل المطر، لا يُدرَى أَولُه خيرُ أَمْ آخرُهُ) الحديث. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد سيد المرسلين في كل ساعةٍ ولحظةٍ على دوام الأَبد، ما لا يدخل تحت العدد، ولا ينقطع عنه المدد، وعلى إخوانه من النبين والمرسلين والملائكة المقربين، وعلى أزواجه وذريته، وأَصحابه وعترته،وعلى متبعي سنتة، وأَهل إجابةِ دعونه بمنه وقضاه وسعةِ رحمته، وأرض عنا معهم بعفوك ورضوانك يا كريم، أما بعد:
عباد الله :
بَيَّن لنا صلى الله عليه وسلم أَن آخر أُمته، لا يخلو من أولياءَ وعلماء، يُبينون للأمة أحكام الدين، ويحملونهم على آدابه وواجباته، فهم في الأمم خلفاءُ الأنبياءِ والرسل، وهم أرباب التوحيد والمعرفة، وهم القراّءُ والمحِدثون والمحَدثون، وهم أصحاب الفراسات الصادقة، والآداب الجميلة، إلى أن تقوم الساعة، ومن هنا يا عباد الله: يجب على أُمتنا أَن تجتهد في طلب العلم وأَن تسعى لأَجله، وأَول بدايات العلم حُسن الخلق، فقد وصف الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم68: 4)، وتذكروا يا عباد الله أَنَّ مَنْ ساءَ خلُقه ضاق رزقه، وَمَنْ حَسُن خلُقه، فهو من نفسه في راحة، والناسُ منه في سلامة، وسيء الخلق من نفسه في عناء، والناس منه في بلاء، وإِذا حَسُنَ خُلُقُ الرجلِ كثر مصافحوه، وقل معادوه، فسَهُلت عليه الأُمور الصعاب، ولانت القلوب الغِِضاب.
عباد الله:
فإن سُئل إنسان ما معنى حُسْن الخُلق؟ والجواب: أن يكون المرءُ سَهْلَ العريكه، لين الجانب، طليق الوجه، قليل النفور، طيب الكلمة، حَسَنَ المعاملةِ فقد قال الحق جلَّ وعلا: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة2: 83) وفي قراَْةِ (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسنا). ويقول الله تعالى مخاطباَ رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران3: 159). اللهم أجعلنا هداةً مُهتدين، وأجعلنا أهلَ بيت صالحين، فقهنا في الدين، وأجعلنا أئمةً للمتقين، يا ذا الفضل العظيم. اللهم أهدنا إلى الحق، وأجعلنا من أهله، وانصرنا به، اللهم إنا نسألك النجاة يوم الحساب، والمغفره يوم العقاب، والرحمة يوم العذاب، والرضا يوم الثواب.
عباد الله :
ثلاث كلمات لإمامنا الشافعيّ رحمه الله لم يُسبق إليها ما تكلم بها أحدّ بعده، كان يقول رحمه الله تعالى:
1- إذا صح لكمُ الحديث فخذوا به ودعوا قولي.
2- ما ناظرتُ أَحداً فأحببتُ أُن يُخطئ.
3- وددتُ أَنَّ الناس لو تعلموا هذه الكتب، ولم ينسبوها إليَّ.
إنه الإخلاص في القول والعمل، (اللهم أجعلنا من عبادك المخلصين)، هكذا يا عباد الله ينبغي أَنْ يكون عليه طالب العلم، أن يكون علمه لله، لا يُماري به السفهاء، ولا يُجاري به العلماء، ويرجو أن يكون الصوابُ على لسانه أو لسان من يُناظِرَهُ، لأن الهدف هو الوصول إلى الحق. فيا طلبة العلم اتقوا الله، وطهروا قلوبكم لله، فالقلبُ إذا لم يكن طاهراً فكيف يكون وعاءً للعلمِ والحفظ والدراسة والمعرفة؟ أحسنوا وأخلصوا النيةِ في طلب العلم، فأيام العمر قصيرة، واقنعوا من القوت باليسير ومن اللباس بما تيسر، وانظروا إلى معلميكم بعين الأحترام والتقدير، واعملوا على نشر العلم والمعرفة والحكمة، واعملوا بعلمكم، ولا تتكلموا إلا عن معرفةٍ وبرهانٍ ودليلٍ وعلم، واحفظوا حرمات المسلمين، وأياكم ثم أياكم والتعالي على إخوانكم، فكونوا عباد الله إخواناً، وأجعلوا همكم واحداً في الله، وكونوا كما كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، يمتثلون قوله تعال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل16: 125). عاملوا الناس بالمعروف والإحسان، وتخلقوا بأخلاق الأَنبياء، فقد قيل لعيسى عليه السلام مَنْ أَدبك؟ قال: (ما أدبني أحد، ولكني رأيت جهل الجاهل فجانبته).
عباد الله:
إنَّ الدعاة الذين يُحاولون اليوم أَنْ يُصلحوا بالعصا، والتجريح والعنف، وبالتعريض بالناس، وبالحملات العشوائية على بعض العلماء الذين لهم زلات انغمرت في بحار حسناتهم، هؤلاء لا يفقهون، ويُفسدون اكثرَ مما يُصلحون، تعلموا يا عباد الله من صاحب الخُلُق العظيم صلى الله عليه وسلم، فقد جاءَه أعرابي وجبذه بردائه جبذةً شديدة، ثم قال : يا محمد أَعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء. هكذا بكل بساطة يأمر له بعطاء، ولا يُحاسبهُ على تعديه الساخر، وإِيذائه له بالقول والفعل، فسبحان من علمه، وسبحان من ثبته وسدده وأرشده، أَفلا يتعلم الأَساتذة الأَخيار، والمعلمون الأبرار، دروساً من هذا الأُسلوب الراقي في معاملة شباب المسلمين؟ لقد أخطأ كثير من الأَساتذة والمدرسين يوم إستخدموا السَوْط والعصا والعنف مع أبناء المسلمين، إنَّ العنف لا يُولد إلا عنفاً، نريد أنْ نربيَ أَجيالا صالحة، تعمل لمصلحة الأُمة والدين، لا نريد أَن نُبعدهم عن الإسلام، نريد أن نربِيَهم على منهج الله، نريدهم أن يفهموا الإسلام فهماً سليماً، وتذكروا أَيها المعلمون أَنَّ الله تعالى، قد ندد بأقوام تعلموا العلم ولم يستفيدوا منه فقال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة62: 5). اللهم أَلَّف بين قلوبنا، وأُصلح ذات بيننا، وأهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إِلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأجعلنا شاكرين لك يا رب العالمين.
عباد الله:
يقول تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف7: 175-176). رجل من بني اسرائيل تعلم العلم، فلما تعلم العلم أراد اللهُ أن يرفعه بالعلم ولكنه ما ارتفع، لماذا؟ لانه جعل المعصيةََ مكان الطاعة، فوقع في المجون والفسق والخلاعة، جلس مع رفقة السوء في المقاهي والملاهي والليالي الحمراء، وفي الحقيقة هي لياليَ سوداءَ في حياة الانسان.
عباد الله:
لقد عَمَّّ الجهل، وفسدت الأخلاق، وفَُقد الأَمن، وكثرت السرقات، وفشت المنكرات، وكثرت النوائب، وهُضمت الحقوق، ورُفعت الشفقة من القلوب، وسُلبت الرحمة.
عباد الله:
أليس ذلك واقعاً؟ أليس ما قلته صحيحاً؟ بلى والله، نهضت الأُمم لإصلاح أَحوالها وقعدنا، ها هم أولادنا تركناهم، فلا علوم ولا آداب، لا حرفة ولا صنعة، وماذا كانت النتيجة، لقد سيطر الاحتلال على مرافق الحياة، واصبحنا عالةًً على الأُمم الأخرى نستجدي لقمة العيش. فهلا نهض أهلُ العلم من كبوتهم، ونفخوا روح الحياة في الأُمة، والإيمان في شبابها وفلذات أكبادها، وتركوا الجدال الأَعمى البغيض، ورفعوا شباب الأمة إلى القمة من الحضيض، كفانا مضيعة للوقت، كفانا استهزاءَاً بعقول الناس، أَما آن لنا أَن نعود إلى الله تعالى قبل فوات الأوان حتى يُخفف اللهُ آلامنا، بلى والله لقد آن الآوان، وذهب وقت الضياع والخسران، انتهى وقت اللف والدوران.

عباد الله:
من علامة إعراض الله عن العبد أَنْ يشغلَهُ بما لا ينفعُه، فاشتغلوا يا عباد الله بعيوب أَنفسكم وأصلحوها مع الله، وإياكم ثم إياكم أن تكونوا من الذين عناهم الله بقوله: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (البقرة2: 44). أروا الله من أنفسكمُ الصدقَ في القول والعمل، أروا الله من أنفسكم القوة في حمل دعوة الاسلام بالإخلاص والأمانة، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف12: 108).
عباد الله:
تذكروا أمر الله في قوله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة9: 105)، جعلنا الله وإِياكم ممن أَسبل عليهم الرضا والرضوان وجمعنا واياكم في أعلى الجنان، يا رب عبدُك من عذابك مشفقُ، بك مستجيرٌ من لظى النيرانِ، فارحم تضرعه إليك وحزنه وامنن عليه اليوم بالغفرانِ.
عباد الله :
إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإنه لا يتعاظمُ على الله شيء، أدعو الله وأَنتم موقنون بالإجابة فيا فوز الستغفرين، استغفرو الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله الأَول بلا ابتداء، الآخر بلا انتهاء، المنفرد بقدرته، المتعالي في سلطانه، لا تحويه الجهات، ولا تنعته الصفات، ولا تدركه العيون، ولا تبلغه الظنون، ونشهد أَنْ لا إله إلا الله، جعل معرفته إضطراراً، وعبادته إختياراً، وخلق الخلق مِنْ بين ناطقٍ مُعترفٍ بوحدانيته، صامتٍ متخشع ٍ لربويته، لا يخرج شيءٌٌ عن قدرته، ولا يعزُب عن رؤيته، ونشهد أَنَّ سِّيدنا محمداً عبدهُ ورسولُه، الشافع المقرَّب، الذي بُعث آخراَّ واصطفيً أولاً، اللهم إجعلنا من أهل طاعته، وعتقاءِ شفاعته.

أما بعد، أيها المسلمون:
موضوعات رئيسيان، لا بدَّ من الحديث عنهما، لأنهما من صُلب قضيتنا، والتي لا تزال تراوح مكانها، بكل التسويفات والتعقيدات والمماطلات، والتغافل الدوليّ، والعجز العربيّ والإسلاميّ عن حلها، وإنصاف شعبنا، في ظل غياب الحس الإيماني الصادق، على مستوى القيادات السياسية الحاكمة أو التنظيمات المتهددة في عالمنا الإسلاميّ. ولم تعد قضيتنا تلك القضيةُ التي تحمل في طياتها وعمقها، حقيقة الصراع العقديّ بين الحق والباطل. فها هو العام الستون على عمر النكبة يدق أبواب مخيماتنا المتناثره، في عالمنا العربيّ وعلى أرضنا الفلسطينية، وكأنه يُناشدنا، أما آن الأوان لصحوةٍ إيمانية صادقة، وَوَحدةٍ فعليةِ تُعيدُ الكرامة والمقدسات، ستون عاماً مضت، أَصبح الوليدُ شيخاً، وهو لا يفقد الأَمل بالله، غير أنه قد نفض يديه ممن يتولون سُدة الحكم وهم غافلون عن نصرة الله تعالى.
عباد الله:
حجاج بيت الله الحرام من قطاع غزة والذين احتجزوا في الموانئ وعلى الشواطئ، إنّ الأبتزاز السياسيّ، والمساومات المفروضة على حجاج بيت الله من أبناء شعبنا بتحديد معبر كَرْمَ أبو سالم لعودتهم إلى أَهليهم لا يجوز أن يكون موضع ضغظٍ أو مساومة، وتحقيق مكاسبَ أو تنازلات ٍ على قضية دينية بحتة. حجاج غزة قَضَوْا أياماً، لا يعلم معاناتِهم فيها إلا الله، فأين أصحاب المسؤولية؟ أين أصحاب القضية؟ أين هي السيادة على المعابر؟ أين وَحْدة الكلمة؟ ماذا هذا الإذعان؟
القضية الثانية:
بيت المقدس تاج الأمة السليب، ففي ظل عدم إدراج موضوع القدس على طاولة المفاوضات، فإنّ إسرائيل تواصل سياسة القمع والتهجير ضد أبناءِ المدينة المقدسة من جهة، وتواصلُ سياسة المراوغةِ ونقض الأتفاقياتِ من جهة اخرى. لقد أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية عن تجميد ووقف الأستيطان، فإذا به يعود ويُصادق على أقامة مئات الوحدات السكنية في أراضي المكبر، وصور باهر، أوضاع قاسية يعيشها أبناؤنا، فمن الحصار الخانق عبر نقاط التفتيش، والحواجز الدائمة، وجدار الفصل العنصريّ، إلى فرض الضرائب الباهظة، سيما ضربيةَ الأملاك، على الرغم من انعدام أدنى الخدمات الضرورية، هل اطَّلع مسؤلو البلدية على مشاكل وهموم السكان؟ هل شاهدوا الشوارع الممزقة والمتآكلة وأصبحت مليئة بالحفر دون ترميم؟ هل تنفسوا الصعداء بمشاهدة النفايات التي تملأ الشوارع في كل مكان؟ أستمرار سياسة هدم المنازل في المدينة المقدسة، ووضع الشروط التعجيزية والمكلفة جداً لإصدار رخص بناء، وهيهات هيهات أنْ تصدر، تحرير مخالفات السير، سيما لأَصحاب السيارات الذين يأتون إلى المسجد الأقصى لأداء الصلوات، ولكنهم يخطئون إنْ ظنوا أنّ هذه المخالفات تثني عزائم الرجال من الوصول إلى المسجد الأقصى، وتأدية ركن من أركان الإسلام. وقضية اخرى وهي وضع العراقيل أمام تسجيل المواليد الجدد للمقدسيات المتزوجات من أبناء الضفة للحد كما يزعمون من تنامي عدد السكان العرب داخل القدس. والسماح للمستوطنين في دخول المسجد الأقصى تحت حراسة مشدده، وكذلك أستمرار الحفريات حول وتحت المسجد الأقصى.
أيها المسلمون:
إذا كان التركيز في خطبتنا اليوم على معاناة المقدسين، فلا يعني أن شعبنا على امتداد الوطن المحتل يعيش في بحبوحه، فالكل يعلم أنَّ المعاناة واحدة، وكلنا في الهم شرق.
أيها المسلمون:
أنَّ القلوب تكتوي ألماً وكمداً في ظل عقم الساسةِ والمسؤولين، وتجاهل قضيتنا، لقد علَّمنا التاريح أَنَّ الأمم لا تحترم إلا القوي، والحق الذي يفتقر إلى القوة يبقى مهضوماً ضائعاَ، ونحن والحمد لله أمة قوية، قوية بالعقيدة والإيمان، قوية بثباتها وصمودها وصبرها، قوية بيأسها وعزيمتها ورجالها من أهل الإيمان والصدق. فربنا تبارك وتعالى يقول: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب33: 23). لا بُدَّ من العمل الجاد الصادق لإقامة دولة الإسلام، مبعث العزة والكرامة، مبعث الحياة الطيبة لأُمتنا.
الدعاء
اللهمَّ فرج كربنا،
وارحم ضعفنا، وأجبر كسرنا،
وتول أمرنا، وتوفنا وأنت راض عنا يا كريم
اللهم يا عالمَ الخفيات، ويا باعثَ الأَموات، ويا سامع الأصوات،
ويا مجيبَ الدعوات، ويا قاضى الحاجات،
ويا خالق الأرضِ والسماوات، أنت الله الذي لا إله إلا أنت،
الجوادُ الذي لا يبخل، والحليم الذي لا يعجل،
لا رادَّ لأمرك، ولا معقب لحكمك، ربَّ كلَّ شيئ، وخالق كلَّ شيئ،
ومالك كلَّ شيء، ومقدَّر كلَّ شيئ،
نسألُك أَنْ ترزقنا علماً نافعاً ورزقناً واسعاً،
وقلباً خاشعاً ولساناً صادقاً، وعملاً زاكياً، وإيماناً خالصاً،
وأن تهب لنا إنابة المخلصين، وخشوع المخبتين، وأعمال الصالحين،
ويقين الصادقين، وسعادة المتقين، وخشوع الفائزين،
ربنا أفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين،
أّنت ولينا فأغفر لنا وأرحمنا وأنت خير الغافرين،
أنزلنا مُنزلاً مباركاً وأَنت خير المنزلين،
ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروأ
وأغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم،
اللهم إنا نعوذ بك من جَهْد البلاء
وَدَرَكِ الشقاء،
وسوء القضاء،
وشماتةِ الأعداء،
اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب يجيب الدعوات.
عباد الله:
(إنَّ الله يأمرُ بالعدل والإحسان وإيتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغيّ يعظكم لعلكم تذكرون)، فأذكروا الله الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.