المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التداوي بالقرآن الكريم


admin
05-31-2009, 06:13 PM
التداوي بالقرآن الكريم

لا شك ولا ريب أنَّ العلاج بالقرآن الكريم وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرقى هو علاجٌ نافعٌ وشفاءٌ تامٌ ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت: 44]، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82]، فالقرآن كله شفاءٌ كما في الآية المتقدمة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57]، ويقول عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: 51]، قال العلامة ابن القيِّم رحمه الله: "فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه فلا كفاه الله".
وقد نقل إبن الحاج في كتابة ﴿المدخل﴾ عن الإمام إبي القاسم القشيري رحمه الله، أن ولده مرض مرضاً شديداً، قالى: ﴿حتى أيست منه، وأشتد الأمر علىّ... فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فشكوت له ما بولدي، فقال لي: أين أنت من آيات الشفاء؟؟؟ فأنتبهت، ففكرت فيها، فإذا هي في ستة مواضع من كتاب الله تعالى، وهي ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ التوبة:14، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يونس:57، ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾ النحل:69، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ الإسراء:82، ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ الشعراء:80، ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاء﴾ فصلت:44، قال: فكتبتها في صحيفة ثم حللتها بالماء، وسقيته إياها، فكأنما نشط من عقال﴾.
وقد أخرج إبن ماجه وغيره من حديث إبن مسعود ﴿عليكم بالشفاءين، العسل والقرآن﴾، وأخرج أيضا من حديث علي ﴿خير الدواء القرآن﴾، وأخرج أبو عبيد بن طلحة بن مصرف قال: كان يقال: ﴿إذا قُرئ القرآن عند المريض وَجَدَ لذلك خِفة﴾، وأخرج المحَامِليّ في فوائده عن إبن مسعود قال: ﴿قال رجل: يا رسول الله علمني شيئاً ينفعني الله به، قال: إقرأ آية الكرسي، فانها تحفظك وذريتك وتحفظ دارك حتى الدويرات حول دارك﴾، وأخرج الديلمي من حديث أبي هريرة –مرفوعاً- ﴿آيتان هما قرآن، وهما يشفيان، وهما مما يحبهما الله تعالى: الآيتان من آخر سورة البقرة﴾، وأخرج البيهقي في الشُعب بسندٍ فيه من لا يعرف عن عليّ موقوفاً: ﴿سورة الأنعام ما قُرئت على عليل إلا شفاه الله تعالى﴾، وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة ﴿من قرأ ﴿الدُخَان﴾ كلها، وأول ﴿غافر﴾ إلى ﴿إليه المصير﴾ و﴿آية الكرسي﴾ حين يمسي حُفظ بها حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي﴾، رواه الدارمي بلفظ﴿لم ير شيئاً يكرهه﴾.
قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا الفضل عن عقيل بن شهاب عن عروة عن عائشة: ﴿أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما ﴿قل هو الله أحد﴾ و ﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ ثم يمسح بهما ما إستطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات﴾، وهكذا رواه أهل السنن من حديث عقيل به، وفي المعوذتين الإستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا.
وأخرج أبو داوود والنسائي وإبن حِبان والحاكم عن إبن مسعود: ﴿أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الرُقى إلا بالمعوذات﴾، وأخرج الترمذي والنسائي عن ابي سعيد قال: ﴿كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان، وعين الإنسان حتى نزلت المعوذات، فأخذ بها، وترك ما سواها﴾.
روى أبو داوود، يقول عقبة بن عامر:﴿بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء، إذ غشيتنا ريحٌ وظلمةٌ شديدين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ ب ﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و ﴿قل أعوذ برب الناس﴾، ويقول: ﴿يا عقبة، تعوذ بهما، فما تعوذ متعوذ بمثلها﴾، قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة﴾.
قال الإِمام ابن القيِّم رحمه الله تعالى:﴿لقد مرَّ بي وقتٌ في مكة سقمت فيه، ولا أجد طبيباً ولا دواءً فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، آخذ شربه من ماء زمزم وأقرؤها عليها مراراً ثم أشربه فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثيرٍ من الأوجاع فانتفع به غاية الانتفاع، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً فكان كثيرٌ منهم يبرأ سريعاً﴾. فالفاتحة هي الشفاء وهي الرقية، التي تشفي الأمراض وتزيل الهموم والغموم.
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كلُّ أحدٍ يُوهَّل ولا يُوفَّق للاستشفاء بالقرآن، وإِذا أحسن العليل التَّداوي به وعالج به مرضهُ بصدقٍ وإِيمانٍ، وقبولٍ تامٍ، واعتقاد جازمٍ، واستيفاء شروطه، لم يُقاومه الداءُ أبداً. وكيف تُقاوم الأدواء كلام ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إِلا وفي القرآن سبيل الدلالة على علاجه، وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهماً لكتابه. والله عزَّ وجلَّ قد ذكر في القرآن أمراض القلوب والأبدان، وطبَّ القلوب والأبدان.
ولو أحسن العبدالتداوي بالقرآن لرأى لذلك تأثيراً عجيباً في الشفاء العاجل، وكذلك العلاج بالرقى النبوية الثابتة من أنفع الأدوية، ولكن ها هنا أمرٌ ينبغي التَّفطُّن له: وهو أنَّ الآيات، والأذكار، والدعوات، والتعوذات التي يُستشفى بها ويُرقى بها هي في نفسها نافعةٌ شافيةٌ، ولكن تستدعي قبول وقوة الفاعل وتأثيره.



وقد أجمع العلماء على جواز الرُّقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
أن تكون باللسان العربيِّ أو بما يُعرف معناه من غيره.
أن يُعتقد أنَّ الرقية لا تُؤثِّر بذاتها بل بقدرة الله تعالى والرُّقية إِنما هي سببٌ من الأسباب.