المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "البلاغة والتحدي والإعجاز"


سليم
05-31-2009, 09:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البلاغة والتحدي والإعجاز:هذه ثلاثة امور مرتبطة ببعضها البعض ,وللوقوف على معانيها وإرتباطها يجب ان نقف عليها كل على حدى:
البلاغة هي البلوغ .
والبلاغ ، الأنتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى ، مكاناً كان أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدرة .
وربما يُعبر به أيضاً عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه ، يقال : الدنيا بلاغ ؛ لأنها تُؤديك إلى الأخرة .
ورجلٌ بَلْغٌ وِبلْغٌ وبليغٌ : حسن الكلام فصيحه ، يبلغ بعبارة لسانه كُنْهَ ما في قلبه ، والجمع بُلغاء .
وسمي الكلام بليغاً ؛ لأنه يكون قد بلغ الأوصاف اللفظية والمعنوية وانتهى إليها .
وينتهي معنى البلاغة في اللغة إلى معنيين :
الأول : الوصول والإنتهاء . قال تعالى: (ولّما بلغ اشدَّه)أي وصل.
الثاني : الحُسن والجودة .
أما البلاغة في اصطلاح البلاغيين :
البلاغة : مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
ويعنون بالمقتضى : الإعتبار الملائم ، أو ما يتطلبه الواقع ، أو ما يستدعيه الأمر ، وهوــ المقتضى ــ الهيئة المخصوصة التي نُصدرُ عليها كلامنا ، والصورة المحددة التي تَحْكُمُ نُطقَنا . ويقصدون بالحال ــ ها هنا ــ واقع المخاطب أو السامع ، أو متلقي الكلام.
والعرب قوم قد برعوا ونبغوا وتألقوا في البلاغة وصياغة اللفظ وتطويعه حتى أصبح بسيط كلامهم نظمًا يبلغ مبلغه,وأسلوبًا له رونقه ووقعه في الآذن,وفنونًا يسجعون فيها وينظمون شعرًا,فأقاموا أسواقًاً يتبارون فيها ويتسابقون شعرًا ونثرًا.
وأكثر ما ظهرت البلاغة في كلامهم في الشعر ,وبزغ جم من الشعراء في الجاهلية والإسلام ممن يُشهد لهم في طول الباع وملكة الكلمة ,كما وظهر خطباء لا يُشق لهم غبار في نظم الكلم...
ومن الخطباء في الجاهلية شافع بن كليب الصدفي...إسمعوا الى بلاغة كلامه وحسن نظمه عندما تكهن بقدوم سيد العالمين محمد عليه الصلاة والسلام:
قَدِمَ على تُبَّعٍ الآخِرِ ملكِ اليمن قبلَ خروجِهِ لقتال المدينة شافع بن كُليب الصَّدفيّ وكان كاهناً,فقال له تُبَّع هل تجد لقوم ملكاً يوازي ملكي,قال لا إلاّ مُلكَ غسّان
قال فهل تجد ملكاً يزيد عليه, قال أجِدُه لبارٍّ مبرور ورائدٍ بالقُهُور ووَصفٍ في الزَّبور فضِّلت أُمَّته في السُّفور يفرِج الظلَم بالنور أحمد النبي طوبى لأمّته حين يجئ أحد بني لُؤيّ ثم أحد بني قُصيّ.
فنظر تبع في الزبور فإذا هو يجد صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
وانصتوا لخطبة كعب بن لؤي:
اسمعوا وعُوا وتعلّموا تعلَموا وتفهّموا تفهَموا , ليل ساجٍ ونهار صاجٍ والأرض مِهاد والجبال أوتاد والأوّلون كاللآخرين كلّ ذلك إلى بلاء, فصِلوا أرحامكم وأصلحوا أحوالكم فهل رأيتُم من هلك رَجع أو ميتاً نُشِر, الدار أمامكم والظنّ خلاف ما تقولون, زَيِّنُوا حَرَمَكم وعظِّموه ولا تفارقوه فسيأتي له نبأٌ عظيم وسيخرج منه نبيٌ كريم, وتمسكوا به ,ثم قال شعرًا:

نهارٌ وليلٌ واختِلافُ حوادِثٍ= سواءٌ علينا حُلْوُها ومَريرُها
يَئوبانِ بالأحداثِ حتى تَأَوَّبا= وبالنِّعَمِ الضّافي علينا سُتورُها
صُروفٌ وأنباءٌ تَقَلَّبَ أهلُها= لها عُقَدٌ ما يستحيلُ مَريرُها
على غفلةٍ يأتي النَّبيُّ مُحَمَّد= فَيُخْبِرُ أخباراً صَدوقاً خبيرُها
ثم قال:

ياليتَني شاهدٌ فحواءَ دَعوَتِهِ= حين العشيرَةُ تبغي الحقَّ خِذلانا
فهذه نماذج من بلاغة العرب في الجاهلية قبل الإسلام,وإنما تدل على المرتبة العالية التي وصل اليها العرب في إتقان اللفظ وإنتقائه وحسن إيراده...وهذه بلاغة يُشهد لها في العلو والسمو, ولكنها لا تصل بلاغة القرآن إيجازًا وتصويرًا, وإستعارة وتشبيهًا,و تلاؤم الكلمات والحروف,وتجانس الألفاظ وتصريف القصص والحوادث.
وأما التحدي : تحَدَّى الرجلَ تعمَّدَه، وتَحَدَّاه: باراه ونَازَعه الغَلَبَةَ، وهي الحُدَيَّا. وأَنا حُدَيَّاك في هذا الأَمر أَي ابْرُزْ لي فيه؛ قال عمرو بن كلثوم:

حُدَيَّا الناسِ كلِّهِمِ جَمِيعاً= مُقارَعَةً بَنِيهمْ عن بَنِينَا
فالتحدي إذن هو التعمّد والمباراة ومنازعة الغلبة,وعند التحدي في امر ما إما ان يقدر عليه او أن تعجزه قدرته على المبارزة والمقارعة,والقرآن الكريم من مفهوم آياته قد تحدى العرب أن يأتوا بمثل القرآن في حسن نظمه ورفعة أسلوبه, يقول الله تعالى في سورة البقرة:" وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ",ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة يونس:" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ",ويقول رب العزة في سورة هود:" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ",فالله سبحانه وتعالى هنا تحدى القوم ان يأتوا بشئ من القرآن,حيث نلاحظ انه قال في الآ يات الثلاث:" فَأْتُواْ" وهي دعوة تحدي.
وأما الإعجاز: إِفعال من العَجْز الَّذى هو زوال القدرة عن الإِتيان بالشىء من عمل أَو رأْى أَو تدبير.
وأصل الإعجاز العجز أي الضعف,جاء في لسان العرب:" والعَجْزُ: الضعف، تقول: عَجَزْتُ عن كذا أَعْجِز. وفي حديث عمر: ولا تُلِثُّوا بدار مَعْجِزَة أَي لا تقيموا ببلدة تَعْجِزُون فيها عن الاكتساب والتعيش، وقيل بالثَّغْر مع العيال. والمَعْجِزَةُ، بفتح الجيم وكسرها، مفعلة من العَجْز: عدم القدرة."
والمعجزة مختصَّة بالأتبياء دائما، وقت إِظهارها مردَّد بين الجواز والوجوب، ويُقرن بالتحدِّى، وتحصل بالدُّعاء.
ِوكلُّ معجزة كانت لنبىٍّ من الأَنبياءِ فكان مثلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إِظهارها له ميسَّراً مسلماً.
وأَفضل معجزاته وأَكملها وأَجلُّها وأَعظمها القرآن الذى نزل عليه بأَفصح اللُّغات، وأَصحِّها، وأَبلغها، وأَوضحها، وأَثبتها، وأَمتنها، بعد أَن لم يكن كاتباً ولا شاعراً ولا قارئاً، ولا عارفاً بطريق الكتابة، واستدعاءٍ من خطباءِ العرب العرباءِ وبلغائهم وفصحائهم أَن يأْتوا بسورة من مثله، فأَعرضوا عن معارضته، عجزاً عن الإِتيان بمثله، فتبيَّن بذلك أَن هذه المعجزة أعجزت العالَمِين عن آخرهم,يقول الله تعالى في سورة البقرة:" فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ",قال المفسر العلامة إبن عاشور في تفسير هذه الآية:" وقوله: { ولن تفعلوا } من أكبر معجزات القرآن فإنها معجزة من جهتين: الأولى أنها أثبتت أنهم لم يعارضوا لأن ذلك أبعث لهم على المعارضة لو كانوا قادرين، وقد تأكد ذلك كله بقوله قبل
{ إن كنتم صادقين }
[البقرة: 23] وذلك دليل العجز عن الإتيان بمثله فيدل على أنه كلام مَن قدرتهُ فوق طوق البشر. الثانية أنه أخبر بأنهم لا يأتون بذلك في المستقبل فما أتى أحد منهم ولا ممن خلَفهم بما يعارض القرآن فكانت هاته الآية معجزة من نوع الإعجاز بالإخبار عن الغيب مستمرة على تعاقب السنين فإن آيات المعارضة الكثيرة في القرآن قد قرعت بها أسماع المعاندين من العرب الذين أبوا تصديق الرسول وتواترت بها الأخبار بينهم وسارت بها الركبان بحيث لا يسع ادعاء جهلها، ودواعي المعارضة موجودة فيهم، ففي خاصتهم بما يأنسونه من تأهلهم لقول الكلام البليغ وهم شعراؤهم وخطباؤهم."اهـ
ومذهب أَهل السُّنة أَنَّ القرآن معجز من جميع الوجوه: نظماً، ومعنى، ولفظا، لا يشبهه شىء من كلام المخلوقين أَصلاً، مميَّز عن خُطَب الخطباءِ، وشعر الشعراء.
ومجملها إِيجاز اللفظ، وتشبيه الشىءِ بالشىءِ، واستعارة المعانى البديعة؛ وتلاؤم الحروف، والكلمات، والفواصل، والمقاطع فى الآيات، وتجانس الصِّيغ، والأَلفاظ، وتعريف القِصَص، والأَحوال، وتضمين الحِكَم، والأَسرار، والمبالغةُ فى الأَمر، والنهى، وحسن بيان المقاصد، والأَغراض، وتمهيد المصالح، والأَسباب، والإِخبار عما كان، وعما يكون.

نائل أبو محمد
05-31-2009, 10:03 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الأحد 7 جمادى الثانية 1430

الأخ سليم حفظه الله ورعاه ..

تحية طيبة بعد ..

نشكرك على هذا العطاء ..

ولا تبخل على المسجد الأقصى بكتاباتك ..
على إعتبار ما كان من السلف في تصرفهم نحو المسجد من إسراج الزيت ..
أو إرساله ..
نعم
هل أخطىء في هذا الربط ..
فإن منتدى المسجد الأقصى هو
صرح إسلامي ومنبر هدى ونور
إن شاء الله
أو هو مكتبة الأمة المستقبلية ..
إن تم تعاهده .. وصيانته ..ورعايته ..

نعم سنحرص على الكتابة به ..
ونبني به حجر حجر وطوبة طوبه .